رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ها نحن قد بلغنا الله شهر القرآن الذي أمرنا جل وعلا بتدبر آياته حيث قال ﴿كِتَابٌ أَنزَلنَٰاهُ إِلَيكَ مُبَٰارَك لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلبَابِ﴾، وقد يسره جل وعلا للذاكرين فقال سبحانه ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾، ولم يكن تدبر القرآن يومًا للخاصة والعلماء دون باقي المسلمين بل كلٌ ينهل منه على قدر ما يفتح الله عليه من فهم، ومع أن مطية علوم القرآن ومادته هي اللغة العربية الفصيحة بشروطها وأحكامها وقواعدها، إلا أن ذلك لا يمنع المجتهد من أن يجد حلاوة القرآن ويتدبر معانيه ويجتهد في قطف ثماره. ولقد جاء في القرآن الكريم الحث على التفكير في حوالي تسعة عشر موضعاً، وخُتمَت سبع آيات من كتاب الله بقوله تعالى ﴿ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ في إشارة إلى أن هذه الآيات العظيمة لا ينتفع بها إلا ذوو العقول المتفكرة، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾، فمن هم أولوا الألباب؟، استمع لوصفهم في قول الحق: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ولقد أمرنا جل وعلا أيضًا بالنظر إلى مخلوقاته نظر المتدبرين والمعتبرين حيث قال في اكثر من موقع من كتابه العزيز: ﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾، وقال: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾. وبما أن تدبر القرآن ليس حكرًا على أحد، فهذه دعوة إلى كل من يقرأ القرآن الكريم في ليالي هذا الشهر الفضيل وأيامه أن يعطي عقله وقلبه الفرصة الكافية لتدبر الآيات واستنباط العبر والحكم، فمهما كان تخصصك العلمي ستجد في كتاب الله ما يفتح لك البصيرة ويملأ لك الأفق وذلك أنه سبحانه لم يترك شيئًا إلا وذكره في كتابه العزيز عرفه من عرفه وجهله من جهله، قال تعلى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾. كما يحدوني الأمل بأن تُنْشأ مراكز متخصصة في علوم القرآن تكون على أسسٍ حديثة تجمع بين علماء الشريعة بمختلف تخصصاتهم ومشاربهم، وعلماء المجالات العلمية الأخرى كالفيزياء والفلك والطب والهندسة، ولنكن مبادرين بالأطروحات والنظريات والاكتشافات حتى لو جانبنا الصواب في بعضها، فهذه طبيعة الأشياء، ولكن من غير الطبيعي أن يكون بين ايدينا كتاب الله ولدينا هذا الإرث العظيم العريق من المؤلفات والرسائل ولا نسخر ذلك ليكون لنا قَصَبَ السَّبْقِ في كل مجالات الحياة.
702
| 13 مارس 2024
عادةً ما تؤكد النصائح الطبية على أهمية وجبة الإفطار من حيث مد الجسم بالطاقة والنشاط مع بداية اليوم، ومن بين وجبات الإفطار المشهورة التي نصادفها في قوائم طعام الفنادق وخطوط الطيران وجبة الإفطار الشرقي الذي يتميز باحتوائه اطباقا عربية، مشكلته الوحيدة أنه يتسبب في التبلد الذهني والإحساس بالرغبة في النوم على عكس الأصناف الأخرى التي تملأ الجسد بالحيوية . قبل عدة أيام وبعد أن أكمل أحد الأصدقاء تمارين الصباح اليومية طلب من خادمته المحترفة إعداد وجبة الإفطار، ، فتح التلفاز على قناته الإخبارية المفضلة في انتظار الوجبة كعادته، كانت أحداث غزة وتحليلاتها وتقارير المراسلين تملأ الشاشة، يبدو أن هناك أمرا جللا!، نعم لقد قام أفراد من الجيش الصهيوني باستهداف الأهالي المتزاحمين حول شاحنات الإغاثة في شمال غزة، لقد اقتنصوا الآباء الذين يحاولون الحصول على شيء من الطحين لإشباع ذويهم، واستهدفوا الأمهات اللاتي اصطففن ينتظرن نصيبهن من حليب الأطفال، حتى عمال الإغاثة لم يسلموا من نيران الغدر الصهيونية، انها حقًا مشاهد تقشعر لها الأبدان، وتساءل صاحبي متى ينتهي هذا الظلم؟ لقد تأخرت الخادمة بعض الشيء لكنه التمس لها العذر عندما عرف أنها أعدت فطورًا شرقيًا، لقد جاءت بطبقٍ من الفول وصنفين من البيض وطبق من الأجبان المشكلة ولبنة بالزعتر لكنها لم تأت إلا برغيفين من الخبز، في هذه اللحظة كان يشاهد على الشاشة جثة شهيد مغطاة ببطانية وقد وضعت على عربة يجرها حمارٌ هزيلٌ يعرج متجهًا بها إلى مجمع الشفاء الطبي، وهناك امرأة تجمع أشلاء ابنها الذي كان ينتظر دوره ليملأ قنينته بماء الشرب، والمقام لا يتسع لوصف المشهد الفظيع والمجزرة التي ارتكبت أمام أعين العالم وعلى الهواء مباشرةً. واصل مشاهدة التلفاز وهو يتناول وجبة الإفطار وعينه على التلفاز، كانت المشاهد المؤلمة تعاد كل خمس دقائق تقريبًا بينما المذيع يواصل حديثه مع المراسل ، الغريب أن الشهيد الذي كان على العربة بدا في عرض الإعادة لتلك اللقطات الفظيعة ملفوفًا بعلم جامعة الدول العربية وكان الذي يجر العربة هذه المرة حصان عربي أصيل، بل إنه متأكد من أنه سمع صوت المدافع تطلق إحدى وعشرين طلقة، ولم ير تلك الأم التي كانت تجمع اشلاء ابنها كما كانت في العرض الأول للخبر بل رآها هذه المرة تجمع ما تناثر من شاحنة الإغاثة من حبوب وفتات الطعام، هنا أدرك صاحبنا ان مفعول الإفطار الشرقي قد بدأ يؤثر على إدراكه ووعيه، وأن عليه تأجيل كل أعماله الى الغد، فالنوم سلطانٌ جائر لا يقاوم، وقد صدق الشاعرمعروف الرصافي عندما قال: يا قوم لا تتكّلموا إن الكلام محرَّم ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلاّ النُوَّم
1209
| 06 مارس 2024
يقول أحدهم أوصيت السائق ذات ليلة أن يذهب في الصباح الباكر إلى الدكان القريب لشراء الخبز وبعض الحاجات، ثم إذا رجع أن يقوم بتنظيف السيارة حيث إن لديّ موعدا مهما، وفي الصباح سألت زوجتي عن الفطور فقالت لا يوجد خبز، فانطلقت إلى غرفة السائق اطرق عليه الباب وأنا أقول لماذا لم تأت بالحاجات من الدكان؟ فرد علي من خلف الباب بصوت مثقل بالنوم قائلًا: «أنت لم تعطني مالًا البارحة ياسيدي»، فقلت له «لكنك لم تقل لي بالأمس أن ليس لديك ما يكفي من المال؟، ثم التفت إلى سيارتي وإذا بها كما كانت يعلوها التراب مع أن تنظيفها لا يحتاج المال، وفي خضم ذلك الموقف، وبينما أنا واقف ببابه ينتابني شعورٌ بالغضب، أفكر كيف أعاقبه على كذبه وإهماله، إذا بي اسمع شخيره من خلف الباب، من الواضح أنه فضل النوم على القيام بمسؤولياته ثم ساق الأعذار الضعيفة حتى يكمل نومه. وهكذا الحياة تجد فيها من يبحث عن حل للتحديات التي يواجهها في سبيل إنجاز مسؤولياته، وتجد من يبحث عن عذر لتبرير تقصيره والتنصل من مسؤولياته عند أول تحد يصادفه، وهنا يبرز الأشخاص الذين يصنعون الفارق في أي مكان تطأ فيه اقدامهم، يقرأون المشهد ويحللون أبعاده، ويدركون مكامن الفرص فيه ويعرفون مخاطره وتحدياته، ثم ينظرون بما في ايديهم من موارد وامكانات ويسخرون كل ذلك لتحقيق الاستفادة القصوى في اطار فن الممكن، فإما أن يجنوا الأرباح أو يقللوا الخسائر. وفي هذا السياق يقول رائد الفضاء السابق ومؤلف كتاب «القمر المفقود» جيمس لوفل : «هناك أشخاص يجعلون الأشياء تحدث، وهناك أشخاص يشاهدون الأشياء تحدث، وهناك أشخاص يتساءلون عما يحدث، ولكي تكون ناجحًا عليك أن تكون شخصًا يجعل الأمور تحدث». وقد واجهت في مسيرتي العملية انماطا متعددة من شخصيات الموظفين عبر بيئات العمل في القطاعات المختلفة التي عملت فيها، واستطيع القول بأن الموظف إما أن يكون جزءا من الحل بأفكاره وإبداعاته وجديته ومثابرته، وإما أن يكون جزءا من المشكلة بإهماله وعدم تعاونه مع زملائه ثم يبحث عن شماعة لتبرير فشله وتقصيره. وفي الختام أقول إن ما نزرعه اليوم سنجنيه في الغد لا محالة.
1797
| 21 فبراير 2024
يتفرد نظام البناء العربي للمنازل بمميزاتٍ قد لا توجد في غيره، فغالبًا ما نجد في كل فيلا، حتى ولو كانت صغيرة، تجد فيها مطبخا داخليا ومطبخا خارجيا أو ما يسمى بـ “Dirty kitchen”، المطبخ الداخلي لا يقدم وجبات دسمة، وعادةً ما يكون جزءا من الديكور تتباهى به ربة المنزل أمام الضيوف، بينما هو مجرد واجهة صورية يقدم من خلاله ما يأتي من المطبخ الخارجي الذي يتولى طبخ الوجبات الرئيسية بعيدًا عن أعين أفراد الأسرة، وهنا تغيب الكثير من التفاصيل عن نظافة الطعام، وجودة مكوناته، ونزاهة العاملين على تجهيزه. ويبدو أن مبدأ «المطبخ الخارجي» قد راق لصنّاع السياسة العرب، فتجد في بعض الدول حكومات كاملة الأركان لكنها شكلية والسبب أنها جاءت بنظام محاصصة أو استرضاء لبعض التيارات أو محاباة لأصحاب النفوذ من عبّاد الوجاهة والمال، ويترتب على إثر ذلك طبعًا ضرورة وجود حكومة ظل أو ما نسميه مجازًا بـ «المطبخ الخارجي» لتحل محل الحكومة المعلنة في اتخاذ القرارات الحساسة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو غيرها. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل امتدت يد بعض الأنظمة لتصنع من مجالس النواب وممثلي الشعب ومؤسسات المجتمع المدني وشعارات حرية الصحافة وحقوق الإنسان صورة صورية مضللة عن حقيقة الواقع، صورة تتباهى بها الأنظمة الاستبدادية أمام المجتمع الدولي ومنظماته التي لا تفتأ تطالب بالإصلاحات والشفافية والحوكمة ومحاربة الفساد، لكنها في حقيقتها مؤسسات مشلولة أو مخترقة لا يعطى من يعمل فيها فرصة لتفعيل دوره، وعليه أن يتقدم بطلب لـ «المطبخ الخارجي» وينتظر التوجيه حتى لو كان الأمر لا يتعدى سلق البيض. وعندما يسحب البساط من تحت مؤسسات الدولة فنحن نتحدث عن استبداد مقنع وهو أخطر من الاستبداد المعلن، ففي الحالة الأخيرة يتحمل رأس النظام بكل شجاعة المسؤولية الكاملة عن تبعات قراراته، في حين أنه في حالة الاستبداد المقنع يجد النظام فرصة للتنصل من تبعات قراراته ويحمل ممثلي الشعب ما يترتب عليها من إخفاقات رغم أنه الصانع الأوحد للقرار من خلف الستار. إن من المؤسف حقًا هو أن بعض الشعوب والمجتمعات أصبحت هي أيضًا جزءا من منظومة الأنظمة الغير رشيدة على مستوى العالم، تتبنى ممارساتها وتتماهى مع رغباتها وتنفذ أجندتها الضيقة بعلم أو بجهل كلما وجدت إلى ذلك سبيلا، فتجدها تكرس الرجعية في ممارساتها التي من المفترض أن تكون ديمقراطية، وتركن إلى المحاباة والمحسوبية في اختيار ممثليها بعيدًا عن الموضوعية والنزاهة، ثم تجدهم يتحدثون ملء أفواههم عن الولاء للوطن وهم يبيعون مستقبله بدراهم معدودة، ومن كان ذلك ديدنه فلن يلحق بالركب ولن يعبر قنطرة. والله من وراء القصد
1653
| 14 فبراير 2024
يبدو أن العالم ينزلق نحو الفساد الممنهج، هكذا جاء في تقريره السنوي الذي أصدرته الثلاثاء الماضي منظمة الشفافية الدولية عن العام المنصرم 2023، فقد أوردت في التقرير أن معظم دول العالم، وللعام الثاني عشر على التوالي، لم تحقق تقدمًا يذكر في معالجة الفساد في القطاع العام، وأن أكثر من ثلثي دول العالم التي شملها التقرير سجلت درجات أقل من 50% على المؤشر الذي تتراوح درجاته بين 0 و 100 درجة، وأن ذلك مؤشر لوجود مشاكل خطيرة ومتجذرة. كما سجل التقرير علاقة وثيقة بين تراجع نظم العدالة وسيادة القانون في البلدان التي سجلت مستويات عالية من الفساد، وذلك أن التغاضي عن توقيع العقوبات على المخطئين ومرتكبي الأفعال غير المشروعة يشجع على المزيد من الممارسات الفاسدة ويقوض العدالة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال متابعة وتحليل تقارير مؤشر مدركات الفساد على مدى العقدين الماضيين، وفي السياق نفسه قال فرانسوا فاليريان، رئيس منظمة الشفافية الدولية: «سيستمر الفساد في الازدهار حتى تتمكن أنظمة العدالة من معاقبة مرتكبي الانتهاكات وإخضاع الحكومات للرقابة، وعندما يتم شراء العدالة أو التدخل فيها سياسياً فإن الشعوب هي التي تعاني، لذا ينبغي على القادة ضمان استقلالية المؤسسات التي تدعم القانون وتتصدى للفساد، لقد حان الوقت لوضع حد للإفلات من العقاب في الممارسات الفاسدة». والجدير بالذكر أن بعض الدول تقوم بجهود عظيمة لمحاربة الفساد، إلا أنها لا تقوم بما يكفي لإنزال العقوبة على الجناة الذين ثبتت عليهم جريمة استغلال السلطة أو تسخير المصالح العامة للمنفعة الشخصية، وغالبًا ما تغلق بعض ملفات الفساد بتسويات مجحفة في حق المال العام ومشجعة على المزيد من الانتهاكات، تلك التسويات غير العادلة تجهض جهود الدول في مكافحة الفساد وتنعكس سلبًا على وضعها في التقارير والمؤشرات الدولية ذات العلاقة. وقد احتلت الدول الإسكندنافية كالعادة المراتب الأولى في التقرير بجانب سنغافورة ونيوزيلندا، فهي اقل دول العالم من حيث انتشار الممارسات الفاسدة في القطاع العام، فجاءت الدنمارك في المرتبة الأولى من 180 دولة شملها التقرير بواقع 90 درجة من درجات المؤشر المائة، في حين احتلت ثلاث دول عربية المراتب الأخيرة، فقد جاءت جمهورية الصومال في المرتبة الأخيرة على الإطلاق وبواقع احدى عشرة نقطة فقط، وليس بعيدًا عنها اليمن وسوريا والسودان، وقد سجلت باقي الدول العربية درجات اقل من 50% عدا ثلاث دول هي: الإمارات التي احتلت المرتبة 26 عالميًا بواقع 68 درجة، تليها قطر حيث جاءت في المرتبة 40 عالميًا بواقع 58 درجة، ثم المملكة العربية السعودية التي احتلت المرتبة 53 عالميا بواقع 52 درجة. إن الفساد مشكلة عالمية تقوض الثقة وسيادة القانون وتعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويمكن أن يتخذ العديد من الأشكال، بما في ذلك الرشوة والاختلاس والمحسوبية وإساءة استخدام السلطة، وبحسب تقدير البنك الدولي فإن الفساد يكلف مليارات الدولارات كل عام، وغالبًا ما تتحمل المجتمعات الأشد فقراً وضعفاً العبء الأكبر، لذلك فإن محاربة الفساد يجب أن تكون أولوية قصوى للعديد من الحكومات والمنظمات والأفراد حول العالم. وقد علمتنا الأحداث ألا نعتبر المؤشرات الدولية منزهة عن الخطأ أو الأجندات الخفية، ولكن في المقابل ليس من الحكمة أن نرفضها أو نتجاهلها وذلك أنها مكان تقدير واعتداد من المجتمع الدولي خاصة من المستثمرين على كافة الأصعدة، لذا على الدول التي تسعى بجدية لمحاربة الفساد وأن تبدأ بإصلاح نظم العدالة وتعزيز سيادة القانون، لا أن تسعى لتحسين صورتها إعلاميًا بينما ينخر الفساد في مؤسسات الدولة.
1617
| 07 فبراير 2024
يقال إن أول مسابقة لملكات جمال العالم أقيمت في مطلع ستينيات القرن الماضي في العاصمة البريطانية لندن، ومع انتشار تلك المسابقة عالميًا بدأ التفكير في إقامة مسابقات لجمال الحيوانات كالخيول والكلاب والطيور وغيرها، ويبدو أن العدوى تسللت تدريجيًا إلى منطقتنا العربية، ولكن وبسبب التيار المحافظ اقتصرت مسابقات الجمال في منطقتنا العربية على الحيوانات دون البشر، لدرجة أن بعض الحيوانات المعدة للمسابقات تجد من الرعاية والعناية ولذيذ العيش ما لا يتوفر لشريحة واسعة من ذوي الدخل المحدود فضلًا عمن هم تحت خط الفقر في عالمنا العربي. إحدى تلك المسابقات كانت مسابقة أجمل بقرة، وهي مسابقة يخصص ريعها لتكريس السلام بين شعوب المنطقة، لكنها مسابقة مكلفة لا يستطيع خوض غمارها إلا من يمتلك المال والإمكانيات ويجد البقرة المناسبة، فالبقرة الجميلة نادرة كما هو معروف، وإذا ما وجدت فسعرها مرتفعٌ جدًا، وهي بالتالي بحاجة إلى عنايةٍ فائقة وتأهيلٍ وإعداد، وكل ذلك يكلف الكثير من المال أيضًا. تقول الحكاية إن مجموعة من الأصدقاء العرب قرروا الاشتراك في شراء بقرة وتأهيلها لعلها تفوز فتجلب لهم الخير الوفير، ورغم نصيحة أهل الاختصاص لهم بعدم المجازفة في تلك المسابقة الباهظة الثمن، التي قد تستنزف كل مدخراتهم، إلا أنهم كانوا مصرين وبطريقة مريبة على شراء البقرة وخوض غمار التجربة، وكأنهم يريدون تبييض الأموال التي بحوزتهم. وبالفعل ذهبوا إلى مسؤول اللجنة المنظمة لمعرفة المواصفات المطلوبة للبقرة كي تتأهل للمسابقة، فأخبرهم بأنها موجودة في كتاب الله، ولسبب ما، لم يتمكنوا من الوصول إلى شيء، فقرروا أن يسألوا أحد رجال الدين عن مواصفات بقرة ورد ذكرها في القرآن الكريم، فتلا عليهم الرجل قوله تعالى « إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ «، فقالوا له ما لونها؟ فتلا قول الحق « إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ»، قالوا وماذا بعد؟ قال يقول سبحانه وتعالى « إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا»، قالوا هكذا أصبح الأمر واضحا، فانطلقوا يبحثون عن بقرة بتلك المواصفات. وبعد البحث والتقصي تم شراء البقرة وكانت تبدو ملامحها واعدة بالحصول على موقع متقدم في المسابقة وتحقيق الحلم، وأطلقوا عليها اسم «بقرة السلام» تيمنًا بأهداف المسابقة، وأصبحوا يرون في تلك البقرة مستقبلهم الواعد بالخير والازدهار، وبدأوا يتناوبون على تربيتها والعناية بها والتودد إليها حتى حان موعد المسابقة. وفي اليوم المعهود خرج الاخوة في موكب مهيب يقودون البقرة إلى حلبة المسابقة، كان البعض منهم يمسك بخطامها والبعض الآخر يمشي بجانبها أو خلفها، وكان الناس ينظرون إليهم من شرفات المنازل وهم يطوفون خلال الأزقة والطرقات ويستمعون لهتافات وأهازيج الجمهور، وفجأة... وبدون مقدمات هاجت البقرة فتحررت من أيديهم وأخذت تجري بين الأزقة الضيقة وهم يحاولون جهدهم أن يمسكوا بخطامها دون جدوى، واستمرت المطاردة لبعض الوقت حتى انتهت بنهاية مأساوية، فقد تعرض أصحابها وبعض المشاركين في المسابقة من الجمهور لنطحات وركلات مؤلمة أدت لكسور وإصابات متفاوتة بينهم قبل أن تضع إحدى الشاحنات على الطريق السريع حدًا للفوضى التي تسببت بها البقرة المجنونة، فلا سلموا ولا سلمت البقرة... فاعتبروا يا أولي الأبصار.
1353
| 31 يناير 2024
يبدو أن المقال السابق قد لامس واقع بعض القراء والمهتمين بعلم الإدارة، حيث وردني العديد من الردود والتعليقات عبر وسائل التواصل المختلفة، أحد تلك التعليقات أرسلها رئيس تنفيذي سابق لإحدى شركات الاستثمار العقاري المعروفة، قال لي بالحرف الواحد «لقد كنت أعتقد أنني أنا قائد الشركة فإذا بي أكتشف بعد قراءة مقالك الأخير أنني مدير ولست قائدًا»، وقال آخر: لقد أثار المقال فضولي للتعرف أكثر على الحوار الذي تم مع المشاركين حتى توصلتم لفهم مشترك عن القيادة والإدارة من خلال عرض صورة الباخرة السياحية، ومن تلك التعليقات أيضًا من أشكل عليه التفريق بين الرسالة والرؤية، وللإجابة على تلك التساؤلات وغيرها من المهم أن نسرد بعض التعريفات حتى نصل لفهم مشترك للتفريق بين القيادة والإدارة من واقع المهارات المطلوبة لكل منهما. ولنبدأ بالرؤية والتي تعرف بأنها «الصورة الذهنية للمستقبل»، ويركز بيان الرؤية على الأهداف والتطلعات، وهي تصف كيف سيبدو مستقبل المؤسسة إذا تحققت الرؤية على الوجه المطلوب، وهي ثابتة ولا تتغير بتغير إستراتيجية المؤسسة، في حين تحدد رسالة المؤسسة في الغالب العملاء والأعمال أو المنتجات والخدمات التي تقدمها، فهي توفر معلومات مفصلة حول ما تفعله المؤسسة، وكيف تفعل ذلك، ومن تفعل ذلك من أجله، وعلى عكس بيان الرؤية فهي قصيرة المدى بطبيعتها، وعن أهميتها يقول ستيفن كوفي «إذا لم تحدد أهدافك بناءً على بيان رسالتك فقد تتسلق سلم النجاح لتدرك عندما تصل إلى القمة أنك في المبنى الخطأ». ولكن، من المسؤول عن وضع الرؤية والرسالة ومن ثم الخطة الإستراتيجية؟، إن المسؤول الحصري عن ذلك هو مالك المؤسسة «المؤسس» سواء كان فردا أو عدة أفراد، أو من ينوب عنهم، وغالبًا ما يتمثل ذلك في مجلس إدارة المؤسسة الذي قد يستعين ببعض الخبرات لصياغة الرؤية والرسالة والأهداف الإستراتيجية على الوجه الذي يتوافق مع رغبات وتطلعات المؤسسين أو الملّاك، ومن ثم يشرف المجلس على عمليات الجهاز التنفيذي ويتأكد أنها متسقة مع رؤية ورسالة المؤسسة، كما يقدم المساعدة والدعم للجهاز التنفيذي عند الحاجة، وهنا يبرز دور رئيس مجلس الإدارة كقائد للمؤسسة. وعند اختيار الرئيس التنفيذي للمؤسسة يعكف مباشرة على وضع الخطة التنفيذية المناسبة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة والوصول بها إلى الرؤية المنشودة، ثم تعرض الخطة على مجلس الإدارة لإقرارها واعتماد الميزانيات والموارد اللازمة لتنفيذها، وليس خطأ أن نسمي الرئيس التنفيذي قائدًا، لكنه في الحقيقة يقود الجهاز التنفيذي، أما السياسات والتشريعات وإقرار الموازنات وجميع القرارات المتعلقة بمصير المؤسسة فهي من مسؤولية القيادة العليا المتمثلة في مجلس الإدارة. وكما ذكرت في مقالي السابق عن فوائد استخدام الاسلوب الوصفي في العرض التقديمي للمحاضرات والندوات، فقد تم استخدام صورة لباخرة سياحية وهي تغادر الميناء متجة لمحطة أخرى، وطرحت بعض الأسئلة على المشاركين للنقاش، منها سؤال عن قائد الباخرة ودوره، وعن مديرها ومسؤولياته، وسؤال عن رؤيتها، وعن الأهداف الإستراتيجية وتلك التشغيلية. لقد اتفق معظم المشاركين على الأجوبة التي توصلوا لها بأنفسهم عن تلك التساؤلات، فكان القائد هو قبطان الباخرة وهو المسؤول عن تحديد مسارها «رؤيتها» وإيصالها لوجهتها المنشودة، أما المدير فهو ذلك المسؤول عن إدارة العمليات الضرورية داخل الباخرة، ومنها الإشراف على فريق التشغيل والصيانة، وفريق خدمات غرف المسافرين، وفرق الضيافة والأمن والنظافة وغيرها، ومع ذلك فهو لا يحل مكان القبطان «القائد» بأي حال من الأحوال. كما اتضح للمشاركين أن أي مبادرة يقوم بها أي فريق عمل على متن الباخرة تؤدي لرفع الكفاءة أو تحسين الجودة أو تقليل التكاليف أو زيادة عدد المسافرين أو حماية البيئة تسمى أهدافًا إستراتيجية وتدفع في اتجاه تحقيق الرؤية، وبالتالي يترتب عليها رفع تصنيف الباخرة وزيادة الإقبال على رحلاتها وزيادة أرباحها، في حين تعتبر أي مبادرة تؤدي إلى تسهيل العمليات اليومية الروتينية هدفًا تشغيليًا يساعد تحقيقه على استمرارية العمل ومواجهة تحديات التشغيل.
1245
| 24 يناير 2024
لطالما كان الجدل محتدمًا في أوساط المهتمين بعلوم الإدارة وتوابعها ما بين تعريف القائد والمدير، فالبعض لا يفرق بين القائد والمدير على أساس أن القيادة والإدارة وجهان لعملة واحدة، والبعض الآخر يرى أن القيادة تحتاج لمهارات مختلفة عن تلك التي يحتاجها المدير، وأن المدير الناجح ليس بالضرورة أن يصبح قائدًا ناجحًا، فكم من مدير ناجح فشل عندما أصبح الرجل الأول في المؤسسة. وقد نلاحظ تلك الضبابية في الفصل بين مفهوم القيادة والإدارة حتى لدى بعض المدربين المعتمدين ممن تقتصر خبراتهم على الجانب الأكاديمي من تعريفات الإدارة دون تطبيقاتها العملية، وهذا طبيعي جدًا لأن الجانب العملي في أي علم يعمل على تهذيب الفهم وتقريب الصورة من الواقع العملي المعاش. فعلى سبيل المثال يسمى الرئيس التنفيذي لمؤسسة ما قائدًا، وهذا صحيح إذا ما اعتبرنا أنه يقود الجهاز التنفيذي، كما أن مديري الإدارات هم قادتها لتنفيذ الأهداف المرسومة لكل إدارة، ولكن ماذا عن الجهاز الحاكم للمؤسسة؟ بمعنى آخر كيف نصف أعضاء مجلس ادارة المؤسسة؟، هل هم قادتها أم مديرونها؟، وماذا عن رئيس مجلس الإدارة هل نسميه قائدًا أم مديرًا للمؤسسة؟، أعتقد أن الأمر أصبح أكثر وضوحًا الآن، فنستطيع أن نسمي كل مدير قائدا في حين أن العكس ليس صحيحًا، وحقيقة الأمر أن مصطلحي القائد والمدير إذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا. في الآونة الأخيرة، وبعد أن انتهت إحدى الوزارات من صياغة رؤيتها، دعيت لتقديم محاضرة لمنسوبيها للحديث عن كل ما يتعلق بالرؤية وأهميتها، وما يتعلق بالرسالة والقيم والأهداف، فكان لابد من التطرق لمفهوم القائد والمدير من حيث إن الرؤية والرسالة والخطة الإستراتيجية تضعها القيادة ومن ثم يقوم الجهاز التنفيذي بوضع الخطة التنفيذية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية ومن ثم تحقيق الرؤية. وبما أن الوقت المتاح للمحاضرة كان قصيرًا نسبةً لطبيعة الموضوع وتشعباته، وبما أن الخبرات والمستويات العلمية للحضور كانت متفاوتة، وذلك من التحديات التي قد يواجهها المحاضر، لذا استخدمت تكتيكا معينا لتبسيط الفكرة وإيصالها لجميع المشاركين على قدر المساواة، فكانت كلمة السر في المحاضرة هي استخدام الأسلوب الوصفي لإيصال الرسالة بدلًا من العرض التقديمي التقليدي المليء بالشرائح المكتوبة، لقد وضعت شريحة واحدة عليها صورة لباخرة سياحية وبدأ التفاعل مع الحضور بعدة اسئلة توصل الجميع بعدها لفم عميق لمعنى الرؤية والرسالة والقيم والأهداف الإستراتيجية وتلك التشغيلية، وبدا الفرق واضحا لدى المشاركين بين القيادة والإدارة. إن من مميزات الأسلوب الوصفي أو التمثيلي في العروض التقديمية أنه يطلق خيال المشاركين، اذا ما تم اختيار الصورة المناسبة للموضوع، ثم يترك لهم المجال للتعبير عن آرائهم ووصولهم جميعًا إلى فهم مشترك دون استخدام الأسلوب التقليدي التلقيني الممل، علاوة على ذلك فإن الصورة اكثر التصاقًا بالذاكرة من الكلام المكتوب، وتسهل عملية الإدراك على المتلقي، واستخدام الصور والأمثال هو اسلوب قرآني حكيم إذ قال تعالى «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ».
1644
| 17 يناير 2024
نستطيع القول بأن الحرب على غزة قسمت دول العالم إلى ثلاث مجموعاتٍ متباينة المواقف، فالمجموعة الأولى وتتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية، تقف بكل وضوح مع دولة الاحتلال، فهي تدعمه بالمال والمقاتلين والسلاح والتقنية، وتقف إلى جانبه ضد بيانات وقرارات المجتمع الدولي التي تدين إسرائيل وتطالب بوقف الحرب، وتضرب بعرض الحائط كل القيم الديمقراطية والإنسانية التي كانت تروج لها بالأمس القريب وكانت تستغفل، أو لنكن اكثر وضوحًا، تبتز بها مؤسساتنا ومجتمعاتنا، فأصبحت اليوم تتبجح بالكيل بمكيالين وتتبنى ازدواجية معايير فجة. أما المجموعة الثانية، فهي رغم صغرها النسبي، وتواضع امكاناتها ووسائلها، إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تقف بكل شرف وإنصاف ضد الظلم والعدوان ومع حق المقاومة في الدفاع عن أرضها ودحر الاحتلال والعدوان الغاشم، وذلك موقف منسجم مع القرارات الأممية وحقوق الإنسان، لن اسمي الدول العربية التي في هذه المجموعة، وهي لا تكاد تعد على اصابع اليد الواحدة، حتى لانقع في جدل المزايدات، ولكنها تضم أيضًا دولًا ليست عربية ولا إسلامية، بل إن هناك دولًا في أقصى الغرب كفنزويلا، وفي اقصى الجنوب الأفريقي كجمهورية جنوب افريقيا، وقفت موقفًا حازمًا ومشرفًا من «قضية المسلمين الأولى». المجموعة الثالثة والأخيرة، وهي الغالبية العظمى وتشمل للأسف دولًا عربية وإسلامية، هي مجموعة الجبناء والمنافقين، فالجبناء هم أنظمة لا تمتلك الشجاعة لتحديد موقفها من الكيان المعتدي، مع أنها تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، تلك الترسانة من الأسلحة المكدسة لم تردع معتديا على سيادتها ولم تحقق نصرًا يومًا ما، عدا أنها ملأت خزائن الدول المصنعة للسلاح كما ملأت جيوب المرتشين القائمين على تلك الصفقات الفاسدة. أما المنافقون، وهم الأسوأ على الإطلاق، ومنهم للأسف دول عربية مسلمة، أولئك يتربصون ما تؤول له الأمور حتى يضخموا مكاسبهم ويركبوا الموجة القادمة وقد وصفهم الحق عز وجل بقوله (الذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ)، وحقيقتهم لا تخفى على المتابعين للتصريحات التي تصدر عن وسائل إعلامهم الصفراء، لا أقول إن قلوبهم مع المقاومة وسيوفهم مع الصهاينة، بل أقول إن قلوبهم وسيوفهم، وكلامهم وسكوتهم، وتجاهلهم لمأساة إخوانهم في فلسطين، كل ذلك يعبر عن تبنيهم لموقف الصهاينة وامنياتهم بأن تسحق المقاومة بأسرع وقت حتى يأمنوا على مكتسباتهم الزائلة ولو باعوا كل شيء، أولئك لا يردعهم دين ولا أخلاق ولا شهامة ولا مروءة، هم فقط احرص الناس على حياة، والعدو يعرفهم جيدًا فيعدهم بالسلام ويمنيهم بالازدهار «ولا يعدهم الشيطان إلا غرورا». أما مواقف شعوب العالم، فهي بعيدة عن حسابات الساسة وقد عبرت عن موقفها مما يجري في غزة من خلال المظاهرات المليونية التي اجتاحت عواصم العالم شرقًا وغربًا منددةً بالحرب على غزة، وتباينت في شعاراتها مع المواقف الرسمية للدول التي خرجت فيها تلك المظاهرات، الشعوب الحرة اختارت الوقوف مع الحق وقيم الإنسانية والعدالة. وكي نعرف متى سينفد بارود المقاومة علينا أن نتذكر بأن محاولات استنزاف بارود المقاومة فشلت على مدار الخمسة وسبعين عامًا الماضية، لأنه ليس كالبارود الذي يملأ مخازن الجيوش العربية، ولا البارود الذي تصنعه قوى الاستكبار العالمي لتسوقه على المخدوعين بالاستقلالية والسيادة، إن بارود المقاومة هو إيمانها الراسخ بنصر الله، إنه كل قطرة دم طاهرة سالت على تراب فلسطين، إنه كل صرخة ثكلى لم تلامس سمع معتصم، فكيف ينفد بارودهم وهم قد باعوا أنفسهم لله القائل في محكم كتابه « مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». أقول لبني صهيون واذنابهم سيواجهكم أبطال فلسطين بكل وسيلة متاحة، فإن نفدت الذخيرة سيرجمونكم بالحجارة ولن يستسلم لكم طفل فلسطيني، إنها عقيدة الرجال التي لا يفهمها إلا الأحرار، ولقد لخصها ابوعبيدة في مقولته الشهيرة «إنه لجهاد نصر أو إستشهاد». اللهم اغفر لكاتبها وناشرها وقارئها وسامعها.
2763
| 10 يناير 2024
في السنوات الأولى من العمر، وكسائر الأقران، كانت تستهويني إحدى الألعاب الخارجية، ومعظم ألعابنا حينها كانت خارج المنزل خلاف ما عليه أحفادي اليوم، كنت أقضي معها الوقت الكثير وكان الوقت يمضي وأنا منغمس فيها، كان سعرها زهيداً وفي متناول اليد، لكن ما تبثه في روحي من أثر إيجابي وسعة أفق أكبر بكثير من المواد البسيطة التي صنعت منها، كانت تحرر خيالي وتمنحني الثقة. وبعد أن كبرت قليلاً أصبحت أفكر بأن أصنع لعبتي المفضلة بنفسي، فمكوناتها الثلاثة متوافرة في كل منزل، كان التحدي أن أعمل نسخة قريبة من تلك التي يبيعها دكان الحي، ذلك الدكان الصغير الذي كان يبيع كل شيء من الخضار حتى الألعاب. أجريت عدة محاولات فاشلة لصنع اللعبة، كانت أعين الأصدقاء ترقبني في كل محاولة، لم يكونوا ليخفوا ضحكاتهم وقهقهاتهم من الموقف، وفجأةً خفتت الأصوات وشخصت الأبصار وهي تنظر إلى السماء، لقد نجحت محاولتي الأخيرة، ها هي طائرتي الورقية تحلق في الأفق وانا ممسكٌ بزمامها وهي تشد الحبل من بين أصابعي الصغيرة وكأنها فرس تتفلت في الميدان، في تلك اللحظة أحسست بالإثارة تسري في عروقي، كان طعم سعادتي هذه المرة مختلفًا إذ كان ممزوجًا بنشوة نجاحي في صنعها بنفسي. ومع مرور الزمن ونسيان مهارة تصنيع الطائرة الورقية إلا أنني ما زلت استلهم منها العبر كلما رأيتها تحلق في السماء، إنها لا ترتفع إلا إذا واجهت تيار الهواء وبوضعيةٍ مناسبة، فكلما زادت شدة الرياح كانت فرصتها اكبر للارتفاع وهي تقاوم التيار مع أنها ضعيفة البنية إلا أنها حطمت المقولة الرجعية التي تنصح بالسير مع التيار وعدم مواجهته. إن مواجهة التيار، أي تيار، بمعناها الحرفي قد تنطوي على تحدٍ كبير، ولكن مواجهته بالوضعية المناسبة قد تكون فيه فرصة للارتقاء وتحقيق الكثير من المكاسب بأقل مجهود ممكن، وبتكلفةٍ لا تتعدى قيمة الورق والأعواد التي صنعت منها طائرتي.
3651
| 03 يناير 2024
وقف السيد كولن مارش على المنصة كمتحدث رئيسي في أحد المؤتمرات العلمية التي حضرتها قبل عدة سنوات متسائلًا في بداية كلمته الافتتاحية عن سبب انقراض الديناصورات الضخمة القوية في حين أن الكائنات الدقيقة الضعيفة لا تزال باقية إلى يومنا هذا؟، كان من اللافت لجمهور المشاركين أن يطرح هذا التساؤل في مؤتمر متخصص في علوم الإدارة والقيادة، إلا أن السيد كولن، وهو أحد الرؤساء التنفيذيين للخطوط الجوية البريطانية، كان له مغزى آخر من ذلك السؤال. يقول السيد كولن إن السبب في انقراض الديناصورات هو عدم قدرتها على التكيّف مع المتغيرات المناخية التي طرأت على الأرض في حين كانت الحشرات الضعيفة والميكروبات الدقيقة تمتلك قدرة كافية على الملاءمة مع المتغيرات من حولها مما جعلها تتفوق على الديناصورات في صراع البقاء على قيد الحياة. أراد السيد كولن أن يلفت نظر المشاركين من قادة ورؤساء تنفيذيين إلى ضرورة الاهتمام بالتطوير ومواكبة متغيرات السوق والديناميكية في العمل لضمان الاستمرار، وأن الجمود وتجاهل التحديات المحيطة وعدم التفاعل معها من شأنه أن يقوض العمل ويهدد بقاء المؤسسات وكذلك بقاء الدول المتخلفة عن ركب العلم والحضارة مهما كانت إمكانياتها وتاريخها والشواهد على ذلك كثيرة. وليس بعيدًا عن ذلك الطرح ما تقوم به المقاومة الباسلة في غزة التي استغلت ديناميكيتها الهائلة في إدارة المعركة، وقدرتها على المناورة ومرونتها في تجديد وتطوير آليات التصدي للعدو، ومواجهة التحديات المحيطة بها لتتواءم مع ظروف المواجهة غير المتكافئة مع جيش الاحتلال الصهيوني الذي من الواضح أنه اعتمد على قوة بطشه في صراع البقاء، وقد فشل فشلًا ذريعًا في المعركة وأثبت أنه ديناصور غبي سينقرض هو والديناصورات المنحازة له من القوى الغربية، فلم تعد شعوب العالم على استعداد لتوفير المناخ المناسب لاستمرار الأزمات والحروب بعد انكشاف ازدواجية المعايير الغربية وانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان في شتى بقاع الارض عمومًا وفلسطين على وجه الخصوص. وفي المقابل، فإن الحراك الجاري في المجتمعات الغربية اليوم، والمظاهرات المليونية، المناهضة للحرب على غزة، والتي خرجت في عواصم صنع القرار في أوروبا وأمريكا، والدور السلبي المنحاز الذي لعبته الدول الغربية ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية، كل ذلك دفع بمنظمات المجتمع المدني والكتاب والمفكرين والإعلاميين المستقلين في الغرب إلى إجراء مراجعات شاملة وتقييم للمواقف، كما سلط ذلك الحراك الضوء على دور الإعلام الغربي في تضليل المجتمعات الغربية ضمن اجندة سياسية فاسدة، ولا شك أن تلك المراجعات عبر المحطة التاريخية المهمة التي جسدتها فظاعة الحرب الدائرة الآن على أهلنا في غزة والصمود الأسطوري للمقاومة الباسلة، سيدفع بالعالم إلى فضاءٍ جديد نأمل أن يكون اكثر عدلًا ونزاهةً من عالمنا الذي نعيشه.
2820
| 27 ديسمبر 2023
تذكر قصة أصحاب الكهف أنهم فتية آمنوا بالله وتركوا دين قومهم الذين كانوا يعبدون الأصنام، فلجأوا إلى الكهف فارين بدينهم من بطش القوم، فكانت عناية الله ورحمته تحفهم، وناموا مئات السنين حتى فني أعداؤهم واستبدلهم الله بقوم صالحين، هكذا تكون معية الله مع المؤمنين الصالحين في كل زمان ومكان، ولا يعلم جنود ربك إلا هو. وتتكرر القصة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج من مكة مهاجرًا إلى يثرب بعد أن اجتمعت عليه قوى الكفر لتقتله في مكة، وقد صاحبه ابوبكر الصديق رضي الله عنه في تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر والقوم في اثره يريدون أسره أو قتله فأوى إلى الغار هو وصاحبه، والغار كهف في جبل، فبلغ فرسان قريش وهم يبحثون عنه موقع الغار إلا أن الله صرف أنظارهم عنهما. يقول ابوبكر الصديق رضي الله عنه: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله؛ لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر؛ ما ظنك باثنين الله ثالثهما، فكانت انطلاقة تلك الهجرة التي غيرت وجه التاريخ، فصيرت المؤمنين المستضعفين في مكة قوة متمكنة خضعت لها رقاب الجبابرة. والسؤال ما علاقة ما يجري في غزة بما سبق ذكره؟، يقول الحق جل وعلى "وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا"، إن هؤلاء الفتية المؤمنين من شباب غزة، الحفاظ لكتاب الله، باعوا أنفسهم لله رافضين الاعتراف بالكيان الصهيوني والقرارات الأممية المشرعنة له ومتبرئين مما يسمى بعملية السلام ومعارضين لصفقة القرن وعملية التطبيع المشينة، ومقاومين للاحتلال الغاشم. وبناء على ما تقدم كان لابد للمقاومين من إعداد العدة لمواجهة العدو، فكانت الأنفاق هي كلمة السر التي سينطلق منها النصر والتمكين بإذن الله، وكانت عناية الله ومعيته هناك حيث يسر لهم التدريب والاستعداد والصناعة الحربية، وكان العمل والتجهيز للمواجهة جاريا على مدى سنوات حتى حانت ساعة الصفر، فكانت غزوة السابع من اكتوبر التي فاجأت العدو ودكت حصونه واسقطت هيبته إلى الأبد، فاهتز العالم وتداعت قوى الغطرسة والاستبداد العالمية لإنقاذ الربيبة المدللة بأي ثمن، فسقطت اقنعة القيم المزيفة التي تسوقها دول الغرب زورًا وبهتانًا لتتغلغل في مجتمعاتنا، وسقطت معها اقنعة كثيرة اخرى حتى رأينا بأم أعيننا فسطاطين، فسطاط القسط والعدل من أحرار العالم وشرفائه، وفسطاط النفاق وازدواجية المعايير من قوى الاستبداد والظلم "ولينصرن الله من ينصره"، وإن غدًا لناظره لقريب.
1617
| 20 ديسمبر 2023
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6600
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6480
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3198
| 23 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2451
| 28 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1884
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1683
| 26 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1452
| 27 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1047
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
987
| 27 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
921
| 27 أكتوبر 2025
يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية...
906
| 23 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل