التعليم مهنة نبيلة وسامية، وحسب المعلم شرفاً وعزة ورفعة أن تتشابه مهنته مع مهمة رسل الله عليهم صلوات ربي وسلامه، ألا وهي إخراج الإنسان من ظلمات الجهل إلى نور العلم والإيمان، فبالتعليم فقط يمكن أن نطاول أعنان السماء، لأن الأمم تبنى بقوة العلم، وبه تنهض الشعوب، وأساس هذه القوة هو المعلم القيادي الذي يبعث في طلابه الشغف؛ ليخرج لنا الطبيب والمهندس والضابط والمخترع، وكثيرين ممن تنهض بهممهم وعزائمهم وعلومهم الدول. إن المعلم الجيد هو من يبني علاقة إيجابية مع طلابه ليكون معدياً لهم بهمته التي يحركها العلم والمعرفة وروح الانتماء للوطن، ومن هنا أشكر من أعماق قلبي كلَّ معلم ومعلمة قطرية تحدوا ظروف المهنة، وأدوا واجبهم على أكمل وجه؛ لكنني بكل أسف أنقل لكم مدى إرهاقي بالرغم من شغفي المتجدد لمهنتي بسبب (الأعمال الإدارية الملقاة على عاتق المعلم القطري التي لا تسمن ولا تغني الطالب من جوع)، مما يفصلنا عن حياتنا الاجتماعية، ويجعل أكثر ساعات يومنا تشغل بالعمل الإداري المرهق، ما دفعني لطلب الاستقالة، كما دفع إلى ذلك العديد من خيرة المعلمين القطريين. وبعد تلقي الكم الهائل من الرسائل من طالباتي الغاليات على قلبي، ممن يصنعن مجد دولتي، شعرت وكأن من تمام ولائي لدولتي الرجوع ومتابعة مسيرتي المهنية، وتحمل المصاعب، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. اقتداء بالرسول ﷺ حينما قال: (خيركم خيركم لأهله). لقد قدّمت دولتي لي الكثير، وتستحق الكثير من أبنائها، تلبية لرغبة سيدي سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حين قال: (قطر تستحق الأفضل من أبنائها). فهناك إمكانيات ضخمة تصرف من الدولة، ولم تسعني الفرحة عندما دخلت مكتبة قطر الوطنية مع طلابي نتجول بين الكتب، باحثين في حقول المعرفة بين أرفف تلك المكتبة، لكنّ العمل الإداري الذي لم أتعلمه بالفعل من جامعة قطر أنا كمعلمة، بل تم تدريبي على الأعمال الميدانية بحذافيرها، وعلى يد أمهر الأساتذة في الدولة، يعيق أدائي الميداني، ويحد من أفكاري الجذابة لطلابي الذين يفعلون ما أملي عليهم بكل حب، فللمعلم القطري رونقه الخاص، والكاريزما المثالية لدى روَّادِ المستقبل، طلابِنا، ما دفعني إلى فعل ما يمليه علي ضمري، وهو أنني محاسبة أمام الله تعالى على طلابي، وأمام المدرسة على أعمالي الإدارية التي لا تصب جميعها في صلب العملية التعليمية التي من المسموح التقصير بها حتى وإن أثر ذلك على تقييمي الشامل، لكن طلابي هناك رب يحاسبني عليهم. حتى أتاني البرهان من الله تعالى، وهو أن نسبة التحصيل للصفوف التي أدرسها بالفعل من موقع الوزارة 92%، مما أرضى شغفي العلمي، وأطمح للحصول على 100% بإذن الله. وفي ظل التطورات المتسارعة، وتطلعات رؤية قطر 2030 نحو بناء مجتمع معرفي، يزداد دور المعلم القطري أهمية، فهو العمود الفقري لعملية التنمية في قطر، والمسؤول الأول عن بناء عقول وأجيال المستقبل، وتأهيلهم لمواجهة التحديات، والمساهمة في بناء قطر، وتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة. وما سبق يدفعني إلى القول للمعلمين القطريين: لا تبرحوا ثغوركم التي أنتم عليها، وهلُّموا إلى مهنتكم السَّماوية التي تسمو بالدولة جميعها، فكم من معلمة أثَّرت بكلمة في حياة بأكملها، فدولتنا بحاجة إلى معلم قائد متمرّس ومتمكّن، يغرس في عقول طلابه أطيب الغراس، فتثمر أطيب الثمار إن شاء الله. وأنا شخصياً، بصفتي معلمة قطرية، أشعر بالولاء لوطني من خلال بث الهوية الوطنية في نفوس النابغات والعالمات، وتوجيههنَّ لما يخدمهنَّ في تحقيق أهدافهنَّ وطموحاتهنَّ المستقبلية، بما يصب في تحقيق رؤية قطر 2030. وختاماً إن بناء جيل التغيير هو مسؤولية مشتركة بيننا جميعاً، وعلى المعلم القطري أن يضطلع بدور محوري في هذه العملية، من خلال توفير بيئة تعليمية محفّزة، وغرس القيم والمبادئ الصحيحة في نفوس الطلاب، وإعدادهم لمواجهة تحديات المستقبل.