رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
استحضار الفكرة في الكتابة، أشبه باستحضار النية في الصلاة، مع فارق التشبيه، فلا معنى لما يَكتبهُ الكاتب، إذا لم تكنْ الفكرة واضحة عنده، وإلا فهو يكتب لمجرد التسلية. وبعد بحثي عن معنى (الفكرة)، وجدتُ الكثير من المعاني في هذا المنحى، لكن هناك قولاً أعجبني كثيراً للراغب الأصفهاني في وصفهِ للفكرة، يقول: هي قوّة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكّر: هو جولان تلك القوّة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلاّ فيما يُمكن أن يحصل له صورة في القلب. ومن هُنا يبدأ المشوار الحقيقي للكاتب، فأول الأسئلة التي يطرحُها الكاتب على نفسه هي: ما الفِكرةَ في الطرح؟ وما الهدف من هذا الطرح؟. وسنتناول هذه التساؤلات، ولكنني قبل أن أتحدث عنها، أريد أن أتطرق لبعض الفنون الأدبية، وخلوها من الفكرة الواضحة، وهذا الشيء يصيب المتلقي بالغثيان، فهناك مقالات تشبه الخبر الصحفي والتقرير، والسؤال هنا: هل نشكر ذلك الكاتب على هذه الفقرة غير الموفقة؟، أم نعزّي أنفسنا على ما وصلنا إليه؟. وهناك بعض قصائد، تتعب نفسياً حتى تهلوس، فلا أنت تفهم ماذا يقصد الشاعر، ولا الشاعر يفهم ماذا يقصد بها، فتترك القصيدة وشاعرها، لتأخذ حبة بندول إكسترا نايت صداع حمى (كلها مع بعض)، صُنعت من أجل هذا الغرض، أو من أجل هذا المرض والذي قد تصاب به بعد قرأتك لذلك النص. فالقصيدة روح وفن وعبق وراحة، والأهم من ذلك (لا بد أن تكون مقبولة ومفهومة)، والقصيدة ليست عجينة مبلولة ترمى في صفحات معينة، أو تُذاع بطريقة معينة، فيتم تداولها على أنها قصيدة وكفى. فهنا المفهوم مغلوط فيه، ولن أقول بأن هذا المفهوم المغلوط فيه وجد فقط في القصيدة الحرة دون غيرها، بل إنه موجود في غالبية أنواع القصيد، على اختلاف مسمياتها، وهذا جُرم، بل جريمة بحق مفهوم القصيدة. فمنذ أن عرفت البشرية ما يسمى بالقصيدة، فلم تكن مجرد وزن وقافية، بل هي أعمق من ذلك بكثير، هي المعنى هي الصورة هي الشعور. وهناك قصص قصيرة، تقرأها 10 مراتٍ، ثم تسأل نفسك بتعجب، أين القصة في القصة؟ لا فكرة لا أسلوب لا معنى، فنرى مثلاً قصة تتحدث عن نوع من أنواع الأكلات الشعبية، أو قصة تتحدث عن أنواع الاقمشة التي يلبسها العامة، أو تسريحة شعر فتاة. أين القصة المرتبطة بالفكرة؟، بل ما الهدف من كتابة هذه القصة؟، وبعدها هل تريدني أن أفكر؟، هل تريدني فعلاً أن أفكر في هذه القصة ومجرياتها؟ وما الذي يُريدُ أن يوصلهُ كاتبها لنا؟ أم تريدني بعدها أن أصرخ كغيري: (وترحل.. صرختي تذبل.. في وادي لا صدى يوصل.. ولا باقي أنين). هل تُريدُ مني أن أكون سعيداً بعد قراءتها؟ وأنني قرأت شيئاً جديداً غير مفيد في يومي العابر، شيئاً من عالم الأدب؟ أم تريدني كما في كل مرة، أن أعطيها أطفالي كي (يشخبطون) عليها بعض الرسومات غير المفهومة، والتي تشبه هذه القصة!. وهناك بعض الروايات، (وما أدراك ما الروايات!)، فنجد بعضها يتكلم عن حقبة زمنية غير موجودة، ويصرّ على أنها قائمة على أسس الرواية الحديثة، والبعض الآخر خواطر خالصة، جُرّدت من كل مفاهيم الرواية وتقنياتها، وأنت تقرأها وكأنك تقرأ خوارزميات بكلمات رومانسية. ولا يزال سؤالي قائما: أين الفكرة التي بُني عليها العمل الأدبي المطروح؟، وللأسف ليس هناك فكرة واضحة لكاتب ذلك العمل، والأمثلة كثر في محيط أدب الوطن العربي، بل حتى في محيط الأدب العالمي، إذاً هناك خلل ما، في جانب ما، عند كاتب ما. يبدأ الخلل (بأن الكاتب في الأصل خال من الإبداع، فارغ من المضامين)، وهذه أولى إشارات التحدّي لدى الكاتب، وهو أن على الكاتب الذي يُريد أن يستمر فعلياً، فلا بد له من البدء في المسار الصحيح، المسار الحقيقي لذلك الفن. كتبت جلنار عبدالله في (أقاصيص هاربة) قصة قصيرة جداً: (كان مصراً أن أربط حذائي عند الجلوس، وعندما فعلت، انصرف هو). استطاعت جلنار وفي سطرٍ واحد فقط، أن تقدم لنا صوراً عدة، الالتزام، الطاعة العمياء، الإصرار الغريب، الانتظار غير المرجو، وقد تحمل هذه القصة القصيرة جداً صورة من صور الخيانة، كونه (انصرف..). إذاً المسألة متعلقة بـ (الغوص في ذاتك أيها الكاتب)، وهذا مطلبي كقارئ، وهو مطلب عادل، كي أقول أنني قرأت شيئا جميلا للكاتب فلان. لذلك أرى أن همْ الفكرة، أصعب بكثير من كتابتها، إذاً الفكرة وكتابتها عملية شاقة، تحتاج لكل مقومات المرونة كي تخرج لنا كما يتصورها ذلك الكاتب في ذهنه قبل أن تخرج لنا.
1540
| 27 سبتمبر 2018
"وكنت أغسل كآبتي الكبيرة في فنجان القهوة الصغير" غسان كنفاني.. ساقني الحظ لأن أجلس على إحدى الطاولات المترهلة، في احدى زوايا المقهى البعيد عن الأنظار، وعلى تلك الطاولة غير الثابتة، تذكرت أحد الزملاء، والذي يدّعي بأنه لا يستطيع الكتابة، بل إنه لا يستطع أن يُبدع في الكتابة، إلا عندما يجلس في زاويته المفضلة تلك في ذلك المقهى، الذي يتوسط المدينة، ثم يطلب قهوته المعتادة، وعندما تكون حاضرة أمامه قابعة بين يديه، تتبخر بهدوء وتنشر رائحتها بسلام، ليُخرج من جيبه بعد ذلك ورقتين بيضاء قد طواهما بعناية فائقة، ليفردهما على تلك الطاولة، تحت الضوء الخافت والذي يطل عليه من فوق رأسه، ثم يبدأ بالكتابة الحرة، لينطلق في فضاء مُخهِ، ثم يعود لنا بما يدّعي بأنه (إبداع)، والإبداع بريء منه حتى يوم يبعثون. وعلى نفس تلك الطاولة بذلك المقهى نفسه، طلبتُ لي قهوة، بسُكّرها القليل، وبُنها الكثير، ارتشفت منها رشفتين، بعدما حركتها قليلاً، متأملاً رغوتها السوداء، متذكراً حكايتها مع الأدباء والشعراء وقليلي الحظ في هذه الدنيا، وكيف لتلك الفاتنة، أن تشعل فكرةً، وأن تنشط ذاكرةً، وأن تبهج نفساً متأزمة من ضغوط الحياة. فلو بحثنا عن الإبداع، لوجدناه الحاضر بين القلم والورقة، ولو بحثنا عن الحب، لوجدناه الحاضر بين الحبيب وحبيبته، ولو بحثنا عن الراحة والترف لوجدناهما الحاضرين بجمالهما الزاكي. هي الصديقة في الخلوة، والرحيبة في الغربة، هي الدفء في ليالي الشتاء المُقمرة، وهي الأنيس في لحظات تساقط الدموع، وهي التي تجبر خواطرنا بعد الانكسار، وهي التي تمسك بأيدينا بعد الخذلان من بعض تصرفات بني البشر، وهي الشريك الدائم لضحكاتنا مع الأصدقاء في المقاهي المفتوحة على الشوارع العامة. إن للقهوة عمقاً في النفس، لا يمكن أن يدركه عقل، فالبعض يسمّيها وطنا، والبعض يدّعي بأنها الخيط الرفيع من الحرية، والبعض لا يكتب قصيدة جميلة إلا بعد أن يشم رائحتها، كما يقول محمود درويش: (أريد رائحة القهوة، لا أريد غير رائحة القهوة، ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة). وعبثاً أخذت أشم رائحة قهوتي، متسائلاً: هل أنا ممن يحبون شرب القهوة؟ أم أنا ممن يحبون أن يشمَّوا رائحتها؟ عُدت في ذاكرتي لليوم الأول من معانقة تلك الفاتنة، كنت في الفصل الكئيب من ذلك العام، فصل الخريف، قبل ستة عشر عاماً، فقد كنت ملتزماً في الفترة المسائية مع احدى المؤسسات الإعلامية، وكلما دخلت من الباب الرئيسي، استقبلني ذلك الصبي القصير، والذي يعمل في الكافتيريا ليل نهار، بابتسامته الحزينة، وهو يشير إليّ بأصبعيه، إشارة على شكل الفنجان، لتوحي إلي ّ، بأن موعد قهوتك قد حان يا ظافر، فأهز رأسي بالموافقة، ومن ذلك اليوم حتى يومنا هذا أتت العادة. ومن حينها لم يعد بوسعي تركها، بل تطور الأمر، بأن جعلت أهل بيتي يحسنون صنعها، فهي كفيلة بتعديل مزاجي غير المعتدل طوال ساعات اليوم. أشربها ثم أشربها ثم أشربها، حتى تتخلل كل ذرات جسدي، تذكّرني بمزاج فيكتور هوجو وآرنست همنجواي والماركيز، معتقداً بذلك أنني كلما أفرغت فنجاني من تلك الفاتنة، بأنني أصبحت منهم، أصبحت من أولئك العملاقة، الذين بقوا في ذاكرة الأدب كالنبراس المضيء في عتمة الدروب. فأشرب الفنجان بهدوء، لأتذكر اللحظات الأولى للكتابة، أتذكر ميلاد قصائدي، تواريخ حزني وشغفي، ليالي البرد، أتذكر كل شروق شمس مر بحياتي، وكل غروب شمس، أتذكر صديقي الذي وعدني أن لا يغيب، ومات فجأة. تقول رضوى عاشور: (إن التعود يلتهم الأشياء، يكرر ما نراه فنستجيب له بشكل تلقائي، كأننا لا نراه، لا تستوقفنا التفاصيل المعتادة كما استوقفتنا في المرة الأولى، نمضي وتمضي، فتمضي بنا الحياة كأنها لا شيء). وهذا سر تلك الصغيرة الفاتنة، فهي العادة التي تذكرك من دون عناء، تذكرك بكل شيء مر بك، تذكرك تفاصيل المواقف الغالية والرخيصة، فندفع أحياناً بعض الريالات، كي ترى ما تريد رؤيته، في داخل عقلك من مشاهد حياتية، غائبة في حاضرك، حاضرة في مخيّلتك، من إحباطات وتجليات، ضحكات وبكائيات، رحلات ومحطات، عثرات ووقفات، فتكون فيما بعد جزءا من يومك، فلا يمر يومك إلا بعد أن تحتسي قهوتك التي اعتدت على شربها. يقول إحدهم: (إن احتساء القهوة يجعلك ترى العالم بطريقة مختلفة)، وهي كذلك في مرات كثيرة. فمرت الأعوام كالأحلام كالأوهام، ثم غاب ذلك الزميل وغابت أمنياته، ونُسي كل ما كان يدّعيه من إبداع، ولم يتبق له أثر يُذكر، وأظنه قد التبس عليه الأمر، أظنه كان يبدع في تذوقه للقهوة، فلم يكن أبداً مبدعاً في شيء، وغاب بلا رجعة.
2761
| 20 سبتمبر 2018
الكثير من كتّاب المقالة، أخذوا على عاتقهم نقل ما قرؤوه فقط، أو سمِعوا به، وهذا الأمر لا يصح، فمن المعيب أن تكون ناقلاً لشيءٍ ما، فلو كان عظيماً لعرفه الناس قبلك، ولو كان سخيفاً لتركه الناس قبلك، ومن المعيب كذلك أن تكون مقالتك درساً من دروس الإنشاء، وكأنك طالب في الثانوية العامة، يحاول أن يحصل على علامة 8/10 ليبهر أستاذ اللغة العربية، أنه مجتهد وسينجح، وهذا الأمر في الحقيقة مُخجل، ويحسب ضد الكاتب في مقتبل الأيام. والأصعب من ذلك كله، من يقوم بدور الواعظ من خلال مقالاته، فتقتصر مقالاته، على "اعملوا وعوا، تنافسوا، تطهروا، أسبغوا الوضوء، أتموا الصف، أكثروا من ذكر الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، فكون القارئ إنسانا عاقلا، فمن البديهي ألا يستقي أي مفهوم ديني من خلال مقالة أو عمودٍ أسبوعي لكاتب أو كاتبة مغمورين مغرورين، بل سيتجه للكتب المعتمدة، ولرجال الدين الثقات، وسيتركك أنتَ ومقالتك على الرف. فالناقلون والوعّاظ والانشائيون، ممكن أن نقول إنهم مجرد كتّاب، ولكنهم ليسوا كتّاباً حقيقيين لفن المقالة، وفي المقابل لستُ مقيّماً لما يُطرح، ولست مسؤولاً عما يُطرح، بل أنا أبيّن وجهة نظري في فن المقالة، ليس إلا. والمُضحك المبكي، أنني كنت أتحدث هاتفيا مع أحد الزملاء، وهو محسوب على كتّاب المقالة، فقال لي من ضمن حديثه: إن بإمكانه أن يكتب مقالة من 400 كلمة وهو ينتظر وجبة غداء عند شبّاك أحد مطاعم الوجبات السريعة، فقلت: الآن أدركت لماذا هي مقالاتك جميلة، فكان رده علي (تطنّز). جزء من نظرة العالم الخارجي، للمجتمعات المتحضّرة، تأتي من خلال ما يُطرح في صحفها اليومية، فصورة مجتمعك تتضح من خلال مقالات كتّاب هذا المجتمع، سواء في المشهد السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، كما أن الشبكة العنكبوتية قد أدت دورها الحقيقي في هذا المنحى، من خلال مواقع المجلات والجرائد. ومما سمعت وقرأت أن الصحافة كلها عمّا قريب، ستكون صُحُفاً إلكترونية، وهل يعني ذلك أن نُفقد هذا الفن جمالياته بحجة أنه (أصلا من يقرأ لك؟)، وهذه خدعة يتراشق بها أشباه المبدعين، في كل فن يُطرح، بل عليك أيها المبدع أن تسأل نفسك دائماً: (من سيقرأ لي؟)، وقبل كل شيء (أنك ما تكتب شيء يخلي الناس تكرهك). ودائماً اجعل من سعيك مشكورا، فمن الجميل أن تخرج أجمل ما عندك، في أقل ما يمكن من كلمات، الكلمات التي تبيّن من خلالها، مدى عمق إبداعك في بحر ثقافتك، وتبيّن للمتابعين لك ولقرائك الأعزاء، أجمل تقاطعات ذاتك ووجهات نظرك، فملامحك النفسية تتضح من خلال كتاباتك، فالمقالة صورة مصغرة عنك، صورة مصغرة لمجتمعك الذي تعيش به، فلا تكن أيها الكاتب كطلاسم ايليا أبي ماضي، حينما قال: (جئت.. لا أعلم من أين؟ ولكنّي أتيت).
1017
| 07 سبتمبر 2018
إنّ للإبداع سيكولوجيا معينة، يحظى بها البعض، ويفتقر إليها الكثير من البشر، وهيَ تحديداً تكمن في قدرة المُبدع، حينما يصل إلى عمق فكرته، لتتجلى هذه السيكولوجيا في طرحه، سواءً كان ذلك في الأدب أو في مجالات الحياة الأخرى، من هندسة وعمارة وطب وكيمياء وفيزياء وما إلى ذلك من علوم واختراعات البشر الكثيرة، والتي تندرج تحت هذه السمة العميقة جداً، ولا تتأتى للكل، بل هي فطرةٌ قد حباها اللهُ بعض البشر. وبما أنني أسبحُ (على قدّي) في بحر الأدب، وبحر الأدب غزير جداً، فلن أخوضَ في مجالات الحياة الأخرى كَوني لا أعلمُ عنها شيئاً، فهي تخصُّ مبدعيها ومريديها، أما أنا، فأنا ابن الأدب. وهذه السيكولوجيا غالبا تخضعُ للتوتر النفسي عالي المستوى، وهذا التوترُ ينتج عنه مزاجية معينة للمُبدع، وأحيانا يكونُ ذلك التوتر ضرورةً للإنتاج الإبداعي، فنجدُ المُبدعَ أحياناً كثيرةً مُستسلماً لهذه المزاجية، فلا حول له ولا قوة على طرد هذه الطقوس، فيكون تحت وطأتها حتى تزول. وكي نَلجَ في صلب المقالة هذه، أريد أنْ أُشيرَ لبعض مواطن هذه السيكولوجيا، والتي تحدثُ غالبا، في لحظة نتاج الفكرة ومن ثمَ الطرح، سواء كانت رواية أو قصة أو قصيدة أو حتى مقالة، ألا وهي: الانفصالُ الكلي عن العالم الخارجي، تقلبُ المزاج، الهدوء المقيت، الاكتفاء الذاتي في كل شيء، الحساسية النفسية المفرطة تجاه الآخرين، وفي آخر المطاف تكون العُزلة. ومن ثمَ يأتي النشاطُ الذهني والذي يُوَلد ما بالخاطر، فتُولد الرواية أو القصة أو القصيدة أو حتى المقالة. وفي النشاط الذهني نفسه، يتقاطع الإدراك واللا إدراك، يحددُ الصورَ، يميزُ التعابيرَ، يُثبت خيالاً، يُسقط خيالاً آخرَ، يَصفُ هذا، ويَتوهُ مع هذا، يُقارن، يُبعد، يُقرب، يُلصقُ ذاك. وهذا كله يحدثُ في العالم المحسوس فقط، خامات متداخلة ومتقاطعة، ويحاول المبدع في ذاته، أنْ يربطَ هذا ويمزقَ هذا ويُتلفَ هذا ويَحضُنَ تلك، كي يصلَ إلى ذروة الطرح من خلال عمق الفكرة، فينتجُ إبداعه، قصيدة أو قصة، مقالة أو رواية. فنجد البعض يغرقُ في صوت الماضي، فلا يستطيع التجديد، ونجدُ البعض قد تَعلق بالرمزية المحضة، فلا يستطيع الرجوع لواقعه، ونجد البعض فعلاً مبدعاً، فهو صوت عصره بين الرمزية المقبولة، والواقعية المُطَعَمة بالخيال المُرضي لنفس القارئ، وهذا هو المطلوب من وجهة نظري. لذلك نجدُ أنّ بعض النصوص حية، وبها روح لا تموت، ولا تمرُ مرور الكرام لدى القراء، هي نصوص أتت من خلال مشاعرَ صادقة، لواقع حقيقي، من شخصٍ رشيق وأنيق فيما يتناوله من طرح، ويُدركُ ما يُريد أن يقوله سواء للخاصة من الناس أم للعامة. فهي أي (تلك النصوص) خلاصةُ كل ما يجول بالخاطر من مشاعرَ وعواطفَ، تَقَولبت كتجربة حياتية للمُبدع، وهُنا لا يفوتني حقيقة أن أُشيرَ إلى: أنّ الروايةَ والقصةَ تحتاجان إلى تجربة حياتية، أكثرَ من غيرهما من الفنون الأخرى، فهما أي (الرّواية والقصّة) نتاجُ صراع نفسي، أو توافق نفسي، لا يحصلُ لمن هم جُددٌ على هذه الحياة وعلى هذه التجربة بالتحديد، بمعنى آخر: أنّ الروايةَ والقصةَ تحتاجان إلى نضوج واقعي كيفاً وكماً، لا لغةً وأسلوباً فقط (وشويّة حشو)، لا.. فهذا الأمر مرفوض تمام، وهذا رأيي حتى في الشعر، إلا أنّ الشعرَ قد يُصْقَلُ بكثرة القراءة والاختلاط مع النجباء، وقد يكون هناك بُعْداً آخرَ، البعض يؤمن به، ألا وهو أنّ الجنَ أحياناً يساعدون بني البشر في ضخ هذه المشاعر في نفوسهم، ودليلي: أنّ كل حديث الجن .. شِعر. وهُنا وكي لا يفوتني شيء، فلا بد من ذكر مسألة الإلهام، فعندما تتوفرُ كلّ المعطيات النفسية للمُبدع الحقيقي، يأتي دور الإلهام، فيتحولُ ذهن المُبدع إلى رادار يلتقط الشاردة، وكلما كانت الشاردةُ واضحةً جداً في ذهن المبدع، كان ذلك المُبدع أقرب إلى الخوض في طرحها في القالب المُعتاد عليه أو الذي يختاره لطرحه، فإن كان قاصاً فهي ستتحول إلى قصة، وإن كان شاعراً، فسيحولها إلى قصيدة، وإن كان كاتباً لفن المقالة، فستكون مقالة، وكذلك الروائي يجري عليه ما يجري لأهل الفنون الأخرى. فالشاردة هي شرارةُ الصدمة، أو النكتة، أو العاطفة، كما يقال، فيَتوقدُ المبدع، فتكون المادة الناجحة بين يدي القارئ، وهكذا دواليك. يقول الدكتور علي الوردي في كتاب (أسطورة الأدب الرفيع)، وتحديداً في صفحة 68، يقول بما معناه: إنه كان مؤمناً بفكرة أن طلاب الأدب، بإمكانهم أن يصبحوا أدباء، إذا اجتهدوا وثابروا وأتقنوا القواعد والفنون اللغوية، ولكنه ثبت عكس ما كان يؤمن به، فقد ثبت أن أحد أهم شروط الأدب هي (أن يمتلك الطالب الموهبة الخاصة بالموضوع الذي يسعى إليه)، فالذي لا يملك الموهبة الأدبية، لا يستطيع أن يكون أديباً، حتى ولو حفظ علوم اللغة كلها من أولها إلى آخرها. ليردف قائلاً: ولعل هذا من أسباب الرقاعة الغالبة على بعض أدبائنا، أنهم طلبوا الأدب وأصرّوا عليه، دون أن تكون لهم موهبة تمكنهم منه، وربما كانت مواهبهم تخوّلهم أن يكونوا نجّارين أو خيّاطين، بدلاً من أن يكونوا أدباء. وأنا في حقيقة الأمر أشاطره الرأي وبقوة، وذلك أنني وقفت على حالات كثيرة في شتى فنون الأدب، ووجدت أن كلامه عين الصواب، فهل بقي بعد تعليقه هذا من معارض؟.. لا أعتقد. روائي قطري
2676
| 30 أغسطس 2018
توقظني أمي لصلاة العيد.. ياه، فقد مرّت الأعوام، وكأنها وميض برق في عرض غيمة مثقلة بالمطر، تلوّح لنا مغادرة للبعيد، توّدعنا بهدوء، وكأننا نحن تلك الغيمة وكأن حياتنا كزخات المطر وكبراعم الزهر، وكالضحكات المنثورة على وجوه الأحبة والأصدقاء، الذين بقوا معنا أو الذين رحلوا عنّا، تاركين لنا ذاكرة كالوشم في صورنا الذهنية. كان ذلك قبل ثلاثين عاماً، صوت أمي في ممرات منزلنا، وهي توقظنا لصلاة العيد، لقد مرت السنوات فعلاً بطريقة سريعة جداً يا أمي، فلم أفكر في يومٍ من الأيام أن تكون لي ذاكرة خاصة بالأدب وما تحمله تلك الذاكرة من حنين للماضي، الحنين لتلك الأيام البسيطة، قبل أن يرحل أبي، وقبل أن أكبر هكذا رغماً عني. إنَّ الأديب َ في هذه الحياة القصيرة، دائم الانشغال في معطياتها وفي تقاطعاتها، ورغم هذا التمدن والتحضر الذي طرأ على مجتمعاتنا العربية، إلا أن للماضي أناقته وروعته، يحس به معظم الناس، لكنه في ذاكرة الأديب، شيئاً مختلفاً، وكأنه النخيل المثمر في رؤاه. وكيف لذلك الأديب أن يستخلص العبر من ذلك الماضي؟، كيف يدوّن خلاصة تجاربه الحلوة والمرّة؟، التي مر بها، والتي مرّت به، كيف يُقنع الناس، أن في داخله أحلام وأوهام ورؤى ً وتضحيات، وأن في داخلة أحبة كانوا معه في كل عيد، يبادلونه التهاني والتبريكات، وأن في داخله عيد يخص شخصاً ما، موجود في أحد زوايا الكون، لكنه غائب عنه، بعيداً عنه، يهيم في روحه كما هي روحه التي تهيم في جسده، إنها الحياة القصيرة، أنه العيد عندما يكون باهتاً، لا لون له ولا طعم. كيف يُخبرهم ذلك الأديب، أن بداخله إنسانا آخر، مختلفاً تماماً عما يرونه أمام أعينهم، وأن ذلك الإنسان يريد أن يعيش حياته بطريقته التي يحبها، الملائمة لغاياته، يريد أن يكتب ثم يكتب ثم يكتب ثم يسيل إبداعاً. هو ليس وحده الذي يُريد، بل إن الكل يُريد ذلك، يُريد أن يعيش بمفاهيمه التي تخصه، ولكنه (أقصد الأديب) هو الوحيد القادر على أن يقول لهم عبر ما يطرحه: بأنه يُريد أن يعيش عيده كما كان في السابق، كما كان يرتشف قهوته بحضرة أعمامه وأخواله، بحضرة أصدقائه، بحضرة أبيه الذي رحل وهو لا يزال في سن المراهقة. فصرخة المتنبي في صدر كل من يمر عليه العيد وهو باهت: عيدٌ بأيّةِ حال عُدتَ يا عيد بمَا مَضى أمْ بأمرٍ فيكَ تجديدُ أمّا الأحبّة فالبَيداءُ دونهم فَليتَ دونكَ بيداً دونها بيدُ فبالرغم من ساعات الفرح التي تمر على الإنسان، إلا أنه أحياناً يتشبث بشيءٍ يملأ كونه، ففكرة الماضي عند الأديب، ما هي إلا شرنقة، كلما حركتها الذكريات، كلما فاحت منها رائحة (الكمبودي المعتق)، وبعد تلك الرائحة التي يستشعرها كل من يتحدث عن الماضي الجميل، لتستحضر في ذهنك كل الوجوه القديمة الجميلة، تلك الوجوه التي قاسمتك وجعك وألمك في ظروفك التي غابت، تلك الوجوه التي فرحت لفرحك وابتهجت لسعادتك، تلك الوجوه التي في كل يوم تنقص، حتى تبقى لوحدك في هذه الحياة، لتبقى معك تلك الإنسانة المحبة الوفية الصادقة، (هي زوجتك)، زوجتك التي عاهدتك ووعدتك أن تبقى معك إلى آخر لحظة في العمر، إلى آخر نفسٍ في الحياة، هي من تشعر بك، تشعر بإحساسك المتعاظمة ناحيتها، فلا تخف أن كانت لديك إنسانة عظيمة كهذه، فستحول كل أيامك أعياد. وسيبقى معك ذلك الصديق، الذي كلما ضاقت عليك الدنيا، اتجهت له، يواسيك وتواسيه، يضاحكك وتضاحكه، يشاطرك همك وتشاطره همه، فهو أخوك الذي لم تلده أمك. لم يكن العيد أبداً مجرد حلويات متنوعة، وأغاني راقصة، بل إنه أعظم من ذلك، ففي ذاكرة الأديب، تتجلى كل صور الحياة الحقيقية، فهو يتذكر كل صباحات أعياده التي مر عليها، فيتذكر الذين رحلوا، قبل أن يتذكر الذين سيقابلهم في أول يوم من أيام عيد الأضحى المبارك، ويتذكر كل مواقفه مع أصدقائه. ففي العيد تبتهج النفس، وتتوق للزيارات العائلية، فالعيد محطة، والأيام قطارات، ويومٍ بعد يوم، يكبر الإنسان فجأة، فيجد نفسه محاطاً بصغاره، بعدما كان هو أحد الصغار الذين يحيطون بوالديهم. صوت أمي يقترب مني استيقظ يا ظافر لا تفوتك صلاة العيد، فأنظر لثوبي المعلق، وغترتي المرتبة وزجاجة عطري التي اشتراها لي أبي من سوق واقف، فألتفت على أخي، وهو لا يزال نائما، فأوقظه كي يرافقني لصلاة العيد، فنخرج للحياة، ولمشاويرها الطويلة.
974
| 23 أغسطس 2018
في تلكَ المقبرة (مقبرة العظماء) التي تقع في الحي اللاتيني بباريس، وتضم رُفات أشهر الجنرالات والفلاسفة والساسة والعلماء، دُفن إميل زولا، بعدما توفي بسبب اختناقهِ بأول أكسيد الكربون، عن عمرٍ ناهز الثانية والستين عاماً، ويقال إنهُ تمَّ اغتياله، كما ورد على لسان احد سكان باريس، وذلك بعد وفاتهِ بعشرات السنين. إميل زولا صاحب رسالة (أنا أتهم) والتي نُشرت في 13 يناير 1898م، على الصفحة الأولى لأشهر جريدة فرنسية في ذلك الوقت (لورور)، حيث كان زولا يشير بإصبع الاتهام إلى أعلى مراتب الجيش الفرنسي، بأن الجيش يُعرقلُ مسيرة العدالة ويُعادي السامية، باتهام رجل يهودي الأصل، بأنهُ جاسوس، والحقيقة على عكس ذلك، فقد كان اليهودي دريفوس بريئا، ولكنهُ تم الحكم على دريفوس بالسجن مدى الحياة في جزيرة الشيطان بغينيا. بتلك الرسالة التي نُشرت صبيحة ذلك اليوم، انقسم المجتمع الفرنسي بعدها إلى قسمين، بين رجعية الجيش والكنيسة، وبين التحرر المجتمعي، والتي كانت فرنسا تسير بخطىً ثابتة نحو ذلك التحرر. زولا الذي ولد في عام 1840م، بإحدى ضواحي باريس، كان بارعاً في الفن، قليل المال، ذا حظٍ متعثر، وملامحهُ بعيدةٌ كُل البُعد عن الجمال، كان أفطس الأنف، بلسانٍ ناقصٍ كما وصفه أحدهم، فقد كان لا يُحسن نطق (الزاي)، فكان زملائه في المدرسة يتندرون عليه بسؤالهم عن اسمه، فكان يُجيبهم بـ (ثولا) فيضحكون عليه، فيقوم بملاحقتهم، ومن ثم ضربهم. مات أبوه في سنٍ مبكرة، فقامت أمه بدور الأب، عمِلت ليل نهار، إلا أن زولا كان متخلفا ً في دراستهِ، منشغلاً في التأليف، فكان بليداً في عمله، ذكياً في قراءاته، حتى أصبح نابغة في مؤلفاته. كتب إميل زولا مسرحيات وقصصا قصيرة، والعديد من الروايات، كرواية الوحش الآدمي، نانا، تريزا، صفحة الحب، البيت المتداعي، اعتراف كلود، غموض مرسيليا، مادلين، فكانت الحياة لديه قائمة على لذتين: الكتابة والأكل، لدرجة أنه كان يذهب للسوق بنفسه كي يختار الطيور السمينة التي يريد أن يأكلها. يُعد زولا من أهم أسماء المدرسة الطبيعية في الأدب، فقد كان دقيقا في التحليل، رصينا في وصف البيئة الاجتماعية. يقول زولا واصفاً لنا أهمية الموهبة لدى المبدع: (ليس الفنان شيئا بدون الموهبة، ولكن لا تعني الموهبة أي شيء بدون العمل). وزولا الذي عاش في عصر التنوير أو عصر العقل كما يسميه البعض، كان زعيم الكتّاب الطبيعيين الفرنسيين، وكانت أطروحاته تعالج السلوك الإنساني على جميع مستوياته، فقد كانت نبرة النقد الاجتماعي في أطروحاته عالية. فالنقد الاجتماعي ركيزة هامة ولكنها مهملة في عالم الأدب، وبسبب سخطهم عليه قاموا بحرق جثته، ليتبقى رمادها، فالموجود في قبره هو فقط الرماد، رماد جثته، فقد قال عن الحقيقة: (إن أخرست الحقيقة ودفنتها تحت الأرض فسوف تَنْمو وتنبُت). إن صورة زولا وحظه المتعثر في الحياة ونبوغه في عالم الأدب، هي صورة حقيقية لذلك المبدع، الذي لا يجد أي ألفةٍ بينهُ وبين المجتمع الذي يعيش فيه، فنرى الكثير من عمالقة الفِكر، ينأون بأنفسهم عن ضجيج مجتمعاتهم، فهم في عزلة نفسية، قبل أن يكونوا في عزلة اجتماعية، وهذا الأمر لا يقتصر على جهابذة الأدب، بل إنه يمتد لكل جوانب الإبداع. إن شرارة الإبداع في الأصل، تتقد في الخلوات الطويلة، وكأن ذلك الإنسان المُبدع، يحاول أن يشعل شيئا في داخله، مرة بعد مرة، تدفعه هموم زمانه، إشكاليات حياته، ويسأل نفسه دائماً: هل أنا مع؟ أم .. هل أنا ضد؟، حينها تتقد الفكرة، وهذا بالضبط ما حصل لـ زولا، فمنذُ صغرهِ، وهناك شيء يخصهُ، لم تصل لهُ حتى أمه، ولا رب عمله، ولكنه أصر عليه، حتى حصل عليه، مات رب العمل، وماتت الأم، ومات إميل زولا، ولكنَّ اسمه بقي كرمز من رموز الأدب الفرنسي، فيكفيه فخراً، أن تكون رفاته في تلك المقبرة (مقبرة العظماء)، فهو في مسيرته، عظيم، دافع بشرف، ومات بشرف، وبقي في الذاكرة الفرنسية شريفا حتى يومنا هذا. إن الحديث عن الأدباء العظماء يطول ويطول، ولكن الذي دعاني للكتابة عن إميل زولا، هي رواية مصفرّة الورق، تقبع في مكتبتي منذ عقود، لم ألتفت لها أبداً، وكلما رتبت مكتبتي، وضعت تلك الرواية في الأمام، رغم أنني دائما ً أتخلص من الكتب القديمة، وفي المرة الأخيرة وأنا أرتب مكتبتي، وجدت رواية بعنوان (شهوة الحياة) لـ إميل زولا، مندسّة بين مئات الروايات، أخذتها وفتحتها، فوجدتها تنبض بالحياة، وكأنها كوب شاي قُدّم بعد يوم مُنهك. فتحت الصفحة الأولى، فقرأت أن زولا كان به خلل في اللسان، فأكملت الرواية، وبعدها قلت: (كان به نقصٌ في اللسان، فكتب ما يجبر به خواطرنا ويثري به عقولنا في عالم الأدب)، إنه الإبداع. دُفن زولا في سردابٍ يخص فيكتور هوغو، والذي كان زولا شغوفاً بكتاباته، هوغو الذي يقول: (الموت ليس شيئاً رهيبا ، الرهيب هو أن لا تموت).
3771
| 16 أغسطس 2018
أغرّك منّي.. أن حُبكِ قاتلي وأنكِ مهما تأمُري القلب يفعلِ على مرِ العصور، كان للمُلهِمَات الحضور اللافت في حياةِ الشعراء، وأكاد أجزم أن هؤلاءِ المُلهِمَات، هن المحرك الوحيد الذي كان ولا يزال يدفع أهل هذا الفن إلى الإبداع، فهن المحرك الحقيقي للابداع في هذا الميدان، هن الفاتنات المفتونات، وهن الساحرات المسحورات، وهن الحبيبات المحبوبات. فالكثير من المُلهِمَات يعشن في خيال الشاعر أو في ذاكرة الشاعر، وكذلك في اتجاهاته وقضاياه التي لا تنتهي، فنجد الملهمة في قرع طبول الحرب، ونجد الملهمة في صباحات الشاعر، ونجدها في سهره، في راحته وساحته، وصفو فكره، فكلما تدفقت حبيبته في خياله، تدفق ذلك الشاعر أكثر في نسج قصائده الغزلية، فنجدهن في قصائد الشعراء بلا استثناء، منذ العصر الجاهلي، حتى عصرنا هذا. هذا الامر لا يقتصر على الرجال دون النساء، بل ان هناك سيداتٍ لديهن مُلهِم، يعمل بهن كما يعملنبالرجال، فالبعض منهن شاعرة أو اديبة او حتى لها صولات وجولات في عوالم الفن ولا شك في ذلك. وفي هذا تقول أم الحنَّاء الأندلسية: جاء الكتابُ من الحبيب.. بأنَّهُ سيزورني فاستعبرت أجفاني يا عين صار الدمع عندك عادة تبكين في فرح وفي أحزان فاستقبلي بالبشرِ.. يومَ لقائِهِ ودعي الدموعَ لليلةِ الهجران والملهمة أو الملهم إن صح التعبير، تكون في ذهن أهل الفن، كالسر، انطلاقاً من الشعر والأدب، مروراً بالفن التشكيلي والفن الغنائي، وفن العزف على الآلات الموسيقية وكذلك فن التصوير. وهذا الأمر يحسب على ذكائهن الأنثوي، فمسألة أن تكون الأنثى (ملهمة) لمبدع ما، ليست بالمسألة العادية أبداً. بل إن المسألة تمتد لأعمق من ذلك، تمتد لعالم استئناس الروح بالروح، (فالأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، وهذه نقطة البداية. فكانت القصائد بمثابة تعريف لمدى عمق بعض العلاقات بين كتابها ومن يحبون من النساء، حتى تحولت بعض الاسماء العابرة التي لا تكاد تذكر في أزمنتهم، فقد تحولت إلى نقوش في ذاكرة ما يسمى بـ(سيرة الحب)، فهناك فاطمة ملهمة أمرؤ القيس، وعبلة عشيقة عنترة العبسي، وليلى العامرية، وبثينة حبيبة بن معمر، حتى ان البعض نعته بـ(جميل بثينة)، والأسماء كثر في حياة الشعراء، فالكل يعرف ما تم ذكره من أسماء في السطور السابقة، لكن التاريخ حفظ لنا الكثير من الاسماء غيرها، فهناك ولادة وأبن زيدون، وجنان وأبو نوّاس، وورد بنت الناعمة وديك الجن، وهناك أم البنين زوجة الخليفة ووضاح اليمن، والنوّار ملهمة الفرزدق، وعمر أبن ابي ربيعة وعائش، وعبدة وبشار بن برد، وهو صاحب البيت المشهور: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والاذن تعشق قبل العين أحيانا وهو القائل: نفّسي يا عبدُ عنّي وأعلمي أنني يا عبدُ من لحم ٍ ودم إن في برديَّ جسماً ناحلاً لو توكأتِ عليهِ.. لأنهدم ولو أن بعض الباحثين أصر على (أن اغلب الشعراء، لم يصرحوا بالأسماء الحقيقية لملهماتهم)، بسبب غيرة العرب، وأنها قد تؤدي إلى الحروب، وفي وقتنا الحالي، قد تؤدي إلى مشاكل جسيمة، وأنا أضم صوتي لهم، بأن أغلب الشعراء لا يصرحون بأسماء ملهماتهم، بل أجزم أن اغلب ما ورد من أسماء نسوية في الشعر العربي، بشقيه (الفصيح والنبطي) هي أسماء وهمية لا تمت للواقع بصلة. ولكن قصة (الأميرة دعد)، والتي اعتبرت في ذلك الوقت ملهمة الكثير من الشعراء، والذين شدّوا الرحال إليها، بقصائدهم الغزلية، وكما ذكر التاريخ لنا، أن هناك شاعر واحد فقط، استطاع ببراعته، أن يجعلها تُعجب به، لكنه قتل، فكان مجهولا وكانت قصيدته في دعد هي قصيدته (اليتيمة) في الشعر العربي، بل إنها أجمل ما قالته العرب في الغزل، كما ينعتها البعض. فكانت تسمى باليتيمة، لأسباب اختلف الباحثون فيها، ومن تلك الأسباب بأن صاحبها مجهول، أو لأنها القصيدة الوحيدة لشاعرها، والبعض الآخر رجّح بأن هذه القصيدة متفردة في جمالها ورصانتها، فلا شبيه لها من القصائد، حتى إن البعض أشار إليها بأنها (قصيدة أسطورية). ويرى البعض أن شاعرها هو (دوقلة المنبجي)، فيقول في عرضها: آهـ.. على دعدٍ وما خلقت إلا.. لطول ِ تلهفي دعـــدُ بيضاءُ قد لبسَ الأديمُ.. أدِ يم الحُسنِ فهو لجلدها الجلدُ ويزين فوديها إذا حسرت صافي الغدائر فاحم ٌ جعدُ فالوجه مثل الصبح مبيضُّ والشعر مثل الليل مسودُّ ضدّانِ لمّا أستجّمعا حسُنا ً والضدُ يُظهِرُ حُسنهُ الضدُ وبالمناسبة، سأل بعض النساء قيس بن الملوح عن ليلى، فقلن له: ما الذي يعجبك في ليلى؟ فرد: كل شيء رأيته وشاهدته وسمعته منها أعجبني، والله إني ما رأيت منها قط إلا ما كان في عيني حسنا وبقلبي علِقا، ولقد جهدت أن يقبح منها عندي شيء أو يسمج أو يعاب لأسلو عنها، فلم أجد. فقالت له النساء صفها لنا، قال: بيضاءُ، خالصةُ البياضِ كأنها قمرٌ.. توسط جُنحِ ليل ٍ مبردِ موسومةٌ بالحسنِ ذات حواسدٍ إن الجـمـالَ مـظـنـةٌ.. للحسدِ وترى مَـدَامِعـها تـرقرقُ مقلة سوداء ترغبُ عن سوادِ الاثمدِ خودٌ إذا كثُر الكلامُ.. تعوذت بِحِمَى الحياءِ وإن تكلّم تَقصِدِ وفي الختام، للأنثى في الغزل، كلام تسيل منه الغيوم وتغني على أطرافه العصافير، تقول حفصة بنت الحاج: أغار عليك من عيني ومنِّي ومنكَ ومن زمانك والمكانِ! ولو أني خبأتُكَ في عيوني إلى يوم القيامة.. ما كفاني
3661
| 09 أغسطس 2018
لفت نظري شيءٌ يُخالف ما بالذهن من معلومات، وهو أن أول من كتب رواية عربية لم يكن محمد حسين هيكل، وإن أول رواية عربية لم تكن (زينب). بل إن هنالك ثلاث سيدات عربيات كتبن الرواية قبل محمد حسين هيكل وهن: زينب فواز في رواية (حُسن العواقب) وذلك في عام 1899م، تلتها رواية (قلبُ رجل) لـ لبيبة هاشم، وقد كتبتها في عام 1904م، وفي عام 1906م كتبت عفيفة كرم رواية (بديعة وفؤاد). ولعلّ رواية سليم البستاني (الهيام في جنان الشام) والتي صدرت في 1870م، قد تكون فعلياً، أول رواية عربية. إذاً الحقيقة تقول إن رواية زينب لـمحمد حسين هيكل لم تكن الرواية العربية الأولى، وهذا يعني أن التاريخ الفعلي لكتابة الرواية العربية هو 1870، وهذا يعني أن عمر الرواية العربية 118 سنة فقط. وهذا يعتبر عمرا قصيرا جداً مقارنة بعمر الشعر والخطاب الشعري لدى العرب، فقد قيل إن أول من قال قصيدةً هو العنبر بن عمرو بن تميم، والبعض يُرجّح أن أول من قالها هو قحطان بن يعرب، والبعض يُشير إلى أن سيدنا آدم هو أولُ من قال الشعر، والعلم عند الله. وبما أنّه لم يرد شيءٌ حقيقيٌّ على لسان سيدنا آدم، وكذلك لم يحفظ شيء مما قاله قحطان بن يعرب، فمن المُرجح أن يكون أول من قَرضَ الشعرَ هو فعلاً العنبر بن عمرو بن تميم، وهنا يمكننا القولُ بأن عمر الشعر لدى العرب لا يقل عن 1500 عام. والسؤال المهم: هل هناك رواياتٌ أو حكاياتٌ تمّ تداولها ولم تؤَرخ أو تُدوّن أو تنتشر كما هو حال الشعر؟. لأنّ العرب يميلون كل الميل للشعر، ولا يستسيغون الفنون الأخرى من الأدب، وهذا الأمر نراه جلياً في البادية. إلا أن الشاعر محمد بن أحمد السديري والذي عاش طول عمره في البادية، قد كتب روايته الأولى والأخيرة وهي (الدمعة الحمراء)، وقد مُثلت في عام 1980م، وهذا يعطيني مدلولاً إن أهل الشعر من أهل البادية لديهم الفكرة الأولى عن الرواية، كما أن لديهم القدرة على كتابة النص الروائي بغض النظر عن لغته التي كتب بها، وهنا أتذكرُ رأي الكثير من الإخوة الزملاء: إن الشاعر العربي لديه القدرة الفائقة على أن يكتب عملاً روائياً، فهو مؤهل لنسج العبارات الجميلة، وهذا لا يعني ألا يكتب الرواية سوى الشاعر، بل إن هناك الكثير ممن كتبوا الرواية وهم في الأصل بعيدون كل البعد عن الشعر. ولكن نجد احلام مستغانمي تلك الشاعرة الجزائرية قد أتقنت كتابة الرواية في (ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وكذلك عابر سرير والأسود يليق بك)، ولا يهمنا سرد حكاية النفس الرجولي والذي كان ملفتاً للنظر في روايتها الاولى (ذاكرة الجسد)، فقد قال الشاعر السوري الكبير عن ذاكرة الجسد: (روايتها دوختني، وأنا نادرا ما أدوخ أمام رواية من الروايات، وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني، إلى درجة التطابق فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني، وخارج على القانون مثلي، ولو ان أحدا طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر، لما ترددت لحظة واحدة، فهل كانت أحلام مستغانمي في روايتها - تكتبني - دون أن تدري، لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء بجمالية لا حد لها وشراسة لا حد لها، وجنون لا حد له، الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور بحر الحب وبحر الجنس وبحر الايديولوجيا وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها، ومرتزقيها وأبطالها وقاتليها وسارقيها، هذه الرواية لا تختصر ذاكرة الجسد فحسب، ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري والحزن الجزائري والجاهلية الجزائرية، التي آن لها أن تنتهي). يقول نزار قباني: وعندما قلتُ لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية أحلام، قال لي: لا ترفع صوتك عالياً، لأن أحلام إذا سمعت كلامك الجميل عنها فسوف تجنّ، أجبته: دعها تُجن، لأن الأعمال الإبداعية الكبرى لا يكتبها إلا مجانين. إذاً فالروايات هي في الأصل حكايات ينسبها الراوي لنفسه ويجعل الآخرين يتداولونها على أنها إحدى تجاربه التي مرّ بها ونقلها لمجتمعه الصغير الذي يعيش فيه، وقد تكون على شكل حكاية مُضحكة أو مُغامرة مُخيفة، وما بينهما تتشكل وتتعدد الأقاصيص. اهتم العرب بالشعر والسجع وبالحكمة والموعظة والأمثال، وتركوا الروايةَ والقصةَ وما شابهها على رف الزمن، فطُمست هوية الرواية العربية منذ القدم، والمتتبع فعليا للتاريخ يجد أن هناك ما يسمى بالأسطورة وما يسمى بالإسرائيليات، وهذه دلالة كبيرة على أن الرواية كانت تُتداول بشكلٍ طفيف، والشيء بالشيء يذكر، فقد وردَ أن قصة مجنون ليلى قد تكون مجرد حكاية ليست حقيقية تم سردها على الخليفة في زمن بطلها. وهذا الأمر قد يُذكرنا بترجمة عبدالله بن المقفع لكتاب كليلة ودمنة، فقد ترجمه في العصر العباسي أي في القرن الثامن الميلادي، وهذا يدلنا مرةً أخرى أن الروايةَ كانت موجودةً ومُتداولةً ولكنها من الأدب غير المرحب به عند العرب. بعكس الغرب تماماً، فقد كتب الأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس روايته اليتيمة والوحيدة (دون كيخوتي) ونشرها قبل أربعة قرون.
4184
| 02 أغسطس 2018
كنتُ أقلبُ صفحات كتاب قديم بعنوان (فن الرواية) لـ كولن ولسون، والذي قرأتُه منذ زمنٍ بعيدٍ جداً، لتلفت نظري فقرةً في هذا الكتاب الشيّق. يقول ولسون: (في ربيع 1974م، كنت مرتبطاً بتدريس منهجٍ عن الكتابة الإبداعية في جامعة روجرز بكامدن في نيوجرسي، كان ذلك تحول جديد بالنسبة لي. إذ قمت قبل ثماني سنوات من ذلك التاريخ ببذل محاولة لتدريس مادة الكتابة الإبداعية في إحدى الكليات بولاية فرجينيا، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن تدريس تلك المادة، ولم يقتصرْ الأمرُ على ذلك، بل يتحتم عدم القيام بتدريسها، فقد شعرت أن المبدأ الأساسي للإبداع هو البقاء للأصلح. إذ أنّ الكتابة الإبداعية عمليةٌ شاقةٌ كالصعود إلى أعلى التل، حيث يتساقطُ الضعفاء بينما يواصل الأقوياء بتؤدة كي يصبحوا كُتاباً جيدين. إنّ تشجيع أولئك الذين سيصبحون كُتاباً في المستقبل أشبه بوضع السماد في حديقة تمتلئ بالأعشاب الضارة). يشيرُ ولسون إلى أنّ الإبداع لا يُدَرس، وأن الإبداع لا يُكتسب، حتى أنّه يشيرُ فيما ذُكرَ أعلاه، إلى أنّ أبواب الإبداع مُشرعة للجميع، لكن هنالك فائزا واحدا فقط، والجميع يركضون ويرقصون حوله، ويتعلمون منه سراً وجهراً. ما يهمني هنا هو فن الرواية، فقد كتبتُ في القصة والشعر، إلا أنني وللأمانة قرأتُ الروايات وأحببتُها في سنٍ مبكرة جداً. لا أتحدثُ عن قصص الأطفال أو روايات عبير، بل أتحدث عن إحسان عبدالقدوس ومحمد عبدالحليم عبدالله والعقاد ويوسف إدريس ويوسف السباعي، ولم يكنْ بحوزتي في ذلك الوقت للكُتاب الأجانب سوى روايتين الأولى "كيف سقينا الفولاذ" للأوكراني دوستوفسكي والثانية "شهوة الحياة" للفرنسي إميل زولا. وكنتُ معجباً بأسلوب أولئك الكُتاب، ولكنني وللأمانة مرةً أخرى، لم أُدركْ أنني أقرأ فنَ الرواية رغم أنها تحملُ كلمة (رواية) في أعلى أغلفة تلك الكتب، إلا أنني علمت في ما بعد أن كلمة رواية تدل على معنىً مختص ككلمة قصة أو كلمة ديوان شعر، لذلك كنتُ أقول للبعض إنني قرأتُ كتاباً لـ فلان أو فلان، لم أعلم أن هذا الفن يندرجُ تحت مظلة الفنون الأدبية الجميلة، بل إنني وفيما بعد أدركتُ أنه من أجمل الفنون التي تُطرح على المستوى العالمي، والدليل على ذلك أنّ بعض هذه الروايات لا يُكتفى بها أن تُكتب وتُطبع، بل إنها تشقُ طريقها بكل سهولة ويسر إلى عالم السينما والمسرح، وكل ما تحتاجه هذه الروايات في عالم السينما والمسرح هو أن يُقَدَمَ لها سيناريو يَليق بها. المبدعون في هذا الفن كُثُر، واللامبدعون في هذا الفن أيضاً كُثر، إذاً البقاء للأصلح كما يقولُ ولسون. يعتقد البعض أنّ هذا الفن هو مجرد ورقة وقلم وفكرة، ومن ثمَ الإسهاب، يعتقد البعض أنّ هذا الفن هو أمكنة وأزمنة وشخوص، ومن ثم الإسهاب، يعتقد البعض أن هذا الفن يحتاجُ إلى صفحات كثيرة وأغلفة براقة ولقاءات إذاعية وتلفزيونية كي يُسوقَ لعمله الروائي، وبهذه المعطيات يعتقد البعض أنّه نجح وأنّه يسير بخطىً ثابتة في الطريق الصحيح، وهذا الأمر غير صحيح. ولو كان الأمرُ كذلك، لوجدنا أن الوطن العربي يعجُ بالروائيين والروائيات، بل لوجدنا أنّ في كل ركن وزاوية هناك روائي، وهنا تكمن الحقيقةُ المؤلمة، وهي: أنّه ليس كل من كتبَ أجاد، وليس كل من أجاد أبدع، وليس كل من أبدع أبهر. هناك أشباه الروائيين، وهنالك كتابات من الممكن أن نقولَ عنها محاولات أو مداخل لكتابة الرواية. والغريب في الأمر أنّ هناك من يكتب في هذا الفن وقد أَسقط أحد أهم أسس هذا الفن وهو (اللغة العربية الفصحى)، والسبب أن الرواية ليست حكاية، نقيسها بالصفة الحقيقية لكاتبها، بمعنى هل أنت روائي أم حكواتي؟؟
1305
| 27 يونيو 2018
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
6081
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4479
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3336
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1599
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1329
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1185
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
972
| 02 أكتوبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
873
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
828
| 30 سبتمبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
654
| 02 أكتوبر 2025
لم تكن كلمة سموّ الأمير تميم بن حمد...
624
| 26 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية