رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ظافر الهاجري

ظافر الهاجري

مساحة إعلانية

مقالات

1540

ظافر الهاجري

همْ الفِكرَة

27 سبتمبر 2018 , 02:14ص

استحضار الفكرة في الكتابة، أشبه باستحضار النية في الصلاة، مع فارق التشبيه، فلا معنى لما يَكتبهُ الكاتب، إذا لم تكنْ الفكرة واضحة عنده، وإلا فهو يكتب لمجرد التسلية.
وبعد بحثي عن معنى (الفكرة)، وجدتُ الكثير من المعاني في هذا المنحى، لكن هناك قولاً أعجبني كثيراً للراغب الأصفهاني في وصفهِ للفكرة، يقول: هي قوّة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكّر: هو جولان تلك القوّة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلاّ فيما يُمكن أن يحصل له صورة في القلب.
ومن هُنا يبدأ المشوار الحقيقي للكاتب، فأول الأسئلة التي يطرحُها الكاتب على نفسه هي: ما الفِكرةَ في الطرح؟ وما الهدف من هذا الطرح؟.
وسنتناول هذه التساؤلات، ولكنني قبل أن أتحدث عنها، أريد أن أتطرق لبعض الفنون الأدبية، وخلوها من الفكرة الواضحة، وهذا الشيء يصيب المتلقي بالغثيان، فهناك مقالات تشبه الخبر الصحفي والتقرير، والسؤال هنا: هل نشكر ذلك الكاتب على هذه الفقرة غير الموفقة؟، أم نعزّي أنفسنا على ما وصلنا إليه؟.
وهناك بعض قصائد، تتعب نفسياً حتى تهلوس، فلا أنت تفهم ماذا يقصد الشاعر، ولا الشاعر يفهم ماذا يقصد بها، فتترك القصيدة وشاعرها، لتأخذ حبة بندول إكسترا نايت صداع حمى (كلها مع بعض)، صُنعت من أجل هذا الغرض، أو من أجل هذا المرض والذي قد تصاب به بعد قرأتك لذلك النص.
فالقصيدة روح وفن وعبق وراحة، والأهم من ذلك (لا بد أن تكون مقبولة ومفهومة)، والقصيدة ليست عجينة مبلولة ترمى في صفحات معينة، أو تُذاع بطريقة معينة، فيتم تداولها على أنها قصيدة وكفى.
فهنا المفهوم مغلوط فيه، ولن أقول بأن هذا المفهوم المغلوط فيه وجد فقط في القصيدة الحرة دون غيرها، بل إنه موجود في غالبية أنواع القصيد، على اختلاف مسمياتها، وهذا جُرم، بل جريمة بحق مفهوم القصيدة.
فمنذ أن عرفت البشرية ما يسمى بالقصيدة، فلم تكن مجرد وزن وقافية، بل هي أعمق من ذلك بكثير، هي المعنى هي الصورة هي الشعور.
وهناك قصص قصيرة، تقرأها 10 مراتٍ، ثم تسأل نفسك بتعجب، أين القصة في القصة؟ لا فكرة لا أسلوب لا معنى، فنرى مثلاً قصة تتحدث عن نوع من أنواع الأكلات الشعبية، أو قصة تتحدث عن أنواع الاقمشة التي يلبسها العامة، أو تسريحة شعر فتاة.
أين القصة المرتبطة بالفكرة؟، بل ما الهدف من كتابة هذه القصة؟، وبعدها هل تريدني أن أفكر؟، هل تريدني فعلاً أن أفكر في هذه القصة ومجرياتها؟ وما الذي يُريدُ أن يوصلهُ كاتبها لنا؟ أم تريدني بعدها أن أصرخ كغيري: (وترحل.. صرختي تذبل.. في وادي لا صدى يوصل.. ولا باقي أنين).
هل تُريدُ مني أن أكون سعيداً بعد قراءتها؟ وأنني قرأت شيئاً جديداً غير مفيد في يومي العابر، شيئاً من عالم الأدب؟ أم تريدني كما في كل مرة، أن أعطيها أطفالي كي (يشخبطون) عليها بعض الرسومات غير المفهومة، والتي تشبه هذه القصة!.
وهناك بعض الروايات، (وما أدراك ما الروايات!)، فنجد بعضها يتكلم عن حقبة زمنية غير موجودة، ويصرّ على أنها قائمة على أسس الرواية الحديثة، والبعض الآخر خواطر خالصة، جُرّدت من كل مفاهيم الرواية وتقنياتها، وأنت تقرأها وكأنك تقرأ خوارزميات بكلمات رومانسية.
ولا يزال سؤالي قائما: أين الفكرة التي بُني عليها العمل الأدبي المطروح؟، وللأسف ليس هناك فكرة واضحة لكاتب ذلك العمل، والأمثلة كثر في محيط أدب الوطن العربي، بل حتى في محيط الأدب العالمي، إذاً هناك خلل ما، في جانب ما، عند كاتب ما.
يبدأ الخلل (بأن الكاتب في الأصل خال من الإبداع، فارغ من المضامين)، وهذه أولى إشارات التحدّي لدى الكاتب، وهو أن على الكاتب الذي يُريد أن يستمر فعلياً، فلا بد له من البدء في المسار الصحيح، المسار الحقيقي لذلك الفن.
كتبت جلنار عبدالله في (أقاصيص هاربة) قصة قصيرة جداً: (كان مصراً أن أربط حذائي عند الجلوس، وعندما فعلت، انصرف هو).
استطاعت جلنار وفي سطرٍ واحد فقط، أن تقدم لنا صوراً عدة، الالتزام، الطاعة العمياء، الإصرار الغريب، الانتظار غير المرجو، وقد تحمل هذه القصة القصيرة جداً صورة من صور الخيانة، كونه (انصرف..).
إذاً المسألة متعلقة بـ (الغوص في ذاتك أيها الكاتب)، وهذا مطلبي كقارئ، وهو مطلب عادل، كي أقول أنني قرأت شيئا جميلا للكاتب فلان.
لذلك أرى أن همْ الفكرة، أصعب بكثير من كتابتها، إذاً الفكرة وكتابتها عملية شاقة، تحتاج لكل مقومات المرونة كي تخرج لنا كما يتصورها ذلك الكاتب في ذهنه قبل أن تخرج لنا.

اقرأ المزيد

alsharq في غزة.. الهدوء ليس استراحة

في غزة، ليس ثمة خيارات متاحة بالمعنى المألوف للكلمة، ولا مسارات آمنة يمكن أن يسلكها المرء ليتفادى كلفة... اقرأ المزيد

150

| 06 أكتوبر 2025

alsharq أكتوبر 73 بين الانتصارات وتخطي الإحباطات

يأتي الاحتفال بانتصارات حرب أكتوبر 1973 والعالم العربي يعيش حالة من الإحباطات منذ طوفان الأقصى في السابع من... اقرأ المزيد

153

| 06 أكتوبر 2025

alsharq الطوفان الرقمي.. من يغرق ومن يعوم في بحر البيانات الضخمة؟

لم تعد ثورة البيانات الضخمة Big Data مجرد انعكاس للتحول الرقمي الذي شهده العالم في العقود الأخيرة، بل... اقرأ المزيد

90

| 06 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية