رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أصبح رئيس التيار الوطني الحرّ ميشال عون أقرب اليوم إلى قصر بعبدا من أي يوم آخر بعد أن تبنى ترشيحه بشكل رسمي لرئاسة الجمهورية خصمه سعد الحريري زعيم أكبر كتلة سنية في البرلمان. المعارض البارز للخطوة هو رئيس البرلمان وزعيم حركة أمل نبيه برّي الذي قال في حق سعد الحريري يوما: أنا معه ظالما أو مظلوما فهو الشخص الأكثر اعتدالا في الطائفة السنية في لبنان. والحريري من وجهة نظر برّي أحرق مراكبه كلّها مع حلفاء الأمس وهو يسير عكس المناخ السائد لقواعده الشعبية. صحيح أن الحريري تنقل من موقف إلى آخر وما زال يقدم التنازل تلو التنازل، إلا أنه بحركته هذه خلق مشاكل وفجر صراعات داخل جبهة 8 مارس. فحليفا الأمس ميشال عون وسليمان فرنجية هما اليوم في خصومة شديدة كما أن ترشيح الحريري لعون مؤخرًا فجّر الصراع بين الأخير ونبيه بري. وعلى ما يبدو فإن ما طرأ على جبهة 14 مارس بعد انسحاب وليد جنبلاط منها ثم القوات اللبنانية وفتور الكتائب، قابله في الجبهة المضادة، تآكل وتشققات عميقة.الانتفاضة التي افتعلها نبيه بري -وهو سياسي مخضرم ويعرف تماما من أين تؤكل الكتف- ليست اعتراضا على شخص عون وإن كان لا ينسجم معه وهما في حلف واحد منذ 11 عاما، وإنما اعتراض على تفاهمات وقعت بين الثنائي الحريري-عون دون أن يكون لبرّي دور في هذه التفاهمات. لقد أفرزت التفاهمات العونية-المستقبل سلّة سياسية كاملة، تبدأ بتسمية عون رئيسا للجمهورية والحريري رئيسًا للحكومة ولا تنتهي عند الاتفاق على نصيب كل جهة من الحكومة القادمة ونوع الحقائب السيادية وأسماء مرشحيها وصولا إلى تكريس قانون الانتخاب المعروف بـ"قانون الستين" في الانتخابات البرلمانية القادمة على أن يُرحّل النقاش في سنّ قانون انتخابي بديل للبرلمان القادم. فهل ستحترق طبخة عون-الحريري قبل أن يُدعى الناس إلى الوليمة؟ وهل سيكتفي بري بالمعارضة البناءة للحكومة القادمة أم سيعرقل عملها؟ حزب الله الذي قال وزيره محمد فنيش إن الصمت أبلغ كلام في الرد على من يسألون عن موقف الحزب مما يجري، يبدو أنه في موقف حرج، لأنه يشهد تفككا لجبهة 8 مارس. فهل سيتمكن من إرضاء حليفه بري إذا كان الحزب بالفعل راضيا بالتسوية التي هندسها حليفة عون مع الحريري؟وما المتغيرات الإقليمية التي تحدث في الجغرافيا المجاورة للبنان إلا انعكاس جديد لصورة التحالفات القائمة داخل البلد.. فالمعارضة القادمة ستكون خليطًا من موالاة ومعارضة في حال أبصر التفاهم العوني-المستقبلي النور، ومن في السلطة غدا سيكون لهم مواقف مختلفة لتلك التي تبنوها وهم في السلطة أمس. فهل هناك دعم دولي وإقليمي للتفاهمات الجديدة؟ الرياض التي استدعت سفيرها منذ مدة من لبنان ولم تعين خلفا له إلى اليوم لم يصدر عنها ما يؤيد خطوة الحريري الحالية بل ما نُقل عن سفارتها في مدح السياسي جان عبيد (مرشح دائم لرئاسة الجمهورية) أوحى بأنها غير معنية بما قدم عليه الحريري. يحكى هنا عن فتور تجاه الحريري، وأن الرياض تبحث عن بدائل أو تريد تنويع رجالاتها في لبنان. إيران بدورها أخلت الطريق لحليفها حزب الله. فهو مطلق الحرية في اتخاذ ما يراه مناسبًا، وثقتها بقدرة الحزب على إدارة الأزمة الداخلية في لبنان لا مجال للريبة فيه. أما عن سوريا التي كانت تصنع الرؤساء في لبنان وتهندس الحكومات وتتدخل في كل شاردة وواردة فهي اليوم أعجز من أن يكون لها كلمة الفصل في أي طبخة. وما ينقل عن مسؤوليها بخصوص هذا السياسي أو ذاك هو من باب جبر خاطر لتاريخ من النفوذ أفل نجمه منذ زمن. وسواء كان هناك ضوء أخضر خارجي واضح لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في لبنان أم لا، فإن من المشكوك به أن ذلك قد يخرج لبنان من أزماته التي تعصف به أو يحدث فارقًا جوهريا في حجم ونوع المشاكل التي تغرق فيها البلاد. التفاهم السياسي يحرك المياه الراكدة في الحياة السياسية نعم. وقد ينعش الأمل بتحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكن القناعة الراسخة عند الجميع أن الأمر لا يعدو أن يكون تغييرا طفيفا لا يضفي قيمة حقيقة عما يعيشه لبنان.
349
| 22 أكتوبر 2016
بعد تحذير رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي من اندلاع حرب إقليمية في حال بقيت قوات تركية داخل العراق، وما تبعه من سحب السفراء، هل يتجه البلدان إلى حرب بينهما؟ العراقيون قبل غيرهم يدركون أن هذا لن يحصل لا آجلًا ولا عاجلًا، حتى ولو بقي الأتراك في العراق أو توسع حضورهم العسكري فيه، وذلك لأسباب مرتبطة بالوضع العراقي الداخلي تحديدا. لكنّ المؤكد أن حجم الغضب والقلق من الأجندة التركية عراقيًا على المدى البعيد كان ولا يزال عاملًا أساسيا في تحديد السياسات العراقية تجاه جارتها تركيا في عراق ما بعد صدام حسين. وإذا كان للعراقيين أسبابهم الحذرة تجاه تركيا، فإن الأخيرة ترى لنفسها مصالح حيوية في العراق بدأت تتأثر سلبًا بشكل كبير منذ خروج الجيش الأمريكي من البلاد نهاية 2011. وظهور تنظيم داعش وتمدده نحو الحدود السورية وصولًا إلى تركيا شمالًا.ومع اقتراب الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضمن التحالف الدولي بالتنسيق مع القوى والجماعات المسلحة العراقية لتحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش، تقوم تركيا باستباق الزمن لتعزيز حضورها العسكري في معسكر بعشيقة العراقية الذي يقع على بعد بضعة كيلومترات من الموصل. عدم القبول بتهميش تركيا بعد اليوم في الحلول المطروحة أمريكيا في سوريا والعراق ليس سببًا كافيًا لتفسير الاندفاع التركي في سوريا عبر "درع الفرات" ومحاولة محاكاة التجربة عراقيا بعد المصالحة مع الروس.للأتراك تحفظات كبيرة على السياسات الأمريكية في العراق وسوريا، والذي تحول الأمر فيهما بعد إسقاط الحدود بينهما عام 2014 إلى حالة واحدة ذات وجهين يصعب الفكاك بينهما بالنسبة لأنقرة. فمن جملة التحفظات التي تبديها تركيا على السياسات الأمريكية وطرقها العسكرية في استعادة المدن العراقية عدم اكتراثها بالصراعات المذهبية والطائفية التي تنمو وتتمدد تحت عين الولايات المتحدة التي لا تهتم لأمرها بقدر اهتمامها بهزيمة السلفيات الجهادية. وفي حالة الخطط الموضوعة حاليًا لتحرير الموصل، فإن تركيا تخشى من احتمال تجدّد الصراعات المذهبية بين المكوّنين السنيّ والشيعي كما حصل في تلعفر قبل سنتين. سيترك الأمر، إن حصل، أثرا بالغًا على المكون التركماني في المدينة، وفق الرؤية التركية التي تحاول إقناع واشنطن بعدم إشراك الجماعات المسلحة الشيعية في تحرير الموصل أو إرغامها على الخروج منها فور إلحاق الهزيمة بداعش. ويخشى الأتراك من أن تغري سيطرة الجماعات المسلحة الشيعية على قضاء تلعفر بعد تحريره من داعش على تأمين الاتصال البري بين إيران وسوريا لتدفق المقاتلين إلى حلب دعمًا للنظام بالتعاون مع تنظيم حزب العمال الكردستاني الذي ينشط في بعض مناطق سنجار التي تعد منفذا أساسيا إلى الأراضي السورية، الأمر الذي سيضر بالمصالح التركية، خاصة أن الوضع في المنطقة دفع الأكراد للسعي نحو إنشاء كيان مستقل في سوريا أو توسيع الإقليم عراقيا باتجاه المطالبة بكركوك ومناطق أخرى في الموصل.يضاف لذلك أن الولايات المتحدة لا يبدو أنها تسعى لتحرير مدينة الرّقة في القرب العاجل، ولا تنسق جهودها الدولية لتحرير الرّقة تزامنًا مع تحرير الموصل. ولعل الهدف أمريكي هو ترك باب خلفي لعناصر تنظيم داعش للهروب إلى مدينة الرقة السورية بعد تضييق الخناق عليهم في الموصل، ما سيسرّع عملية تحرير الموصل، ويقلّل الخسائر، ويحول دون حرب استنزاف قد تطول لما بعد انتخاب رئيس أمريكي جديد. بالنسبة لتركيا، خطة الفصل الأمريكية بين معركتي الموصل والرّقة ستعرقل الجهود ضد تنظيم داعش في شمال سوريا، وستهدّد عملية درع الفرات التي تقودها تركيا هناك، حيث من المحتمل أن يوجه داعش قوته نحو مدينة الباب التي تتجه إليها قوات الجيش الحر المدعومة بقوات تركية حاليًا.الخوف من سيطرة جماعات مسلحة شيعية على الموصل أو ملء تنظيم حزب العمال الكردستاني الفراغ في سنجار وما حولها بعد تحريرها أو حصول اتصال جغرافي مباشر بين كرد سوريا والعراق بعيدًا عن العين التركية، تسعى أنقرة جاهدة لترتيب وضعها العسكري واللوجيستي عبر دعمها لعدة آلاف من أهالي الموصل، تمّ تدريبهم في معسكر بعشيقة على يد القوات التركية للمشاركة في معركة الموصل والحيلولة دون حدوث السيناريوهات التي تقلق أنقرة. وإلى حين تطمئن تركيا أن هواجسها لن تتحول إلى واقع مرّ يوما ما، فإنها على الأغلب لن تتراجع عن وجودها وزيادة حضورها العسكري في شمال العراق.
340
| 08 أكتوبر 2016
في إصدار جديد بعنوان "وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا" أوَّلَ تنظيم الدولة انحساره عن عدد من المناطق التي خضعت لسيطرته في سوريا والعراق خلال السنتين الماضيتين تحت ضربات خصومه على أنه اختبار وابتلاء إلهي للمؤتمنين على رسالة الإسلام اليوم. تماما كما جرت عليه سنّة الله مع نبيه الكريم، قائلا: "اليوم يعيد التاريخ نفسه بمعركة الأحزاب بالتفاصيل نفسها مع اختلاف الفصائل والشخصيات، فالصفوف تتمايز يوما بعد يوم كما تمايزت الصفوف يوم الخندق"، منهيًا إصداره بتوصية جنوده بالصبر والتيقن بقرب تطبيق حديث "تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله. ثم فارس، فيفتحها الله. ثم تغزون الروم، فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال، فيفتحه الله". ليس مستغربًا هذا التأويل للهزائم بتاتًا عند تنظيم الدولة، وليس متوقعًا أبداً أن يجري مراجعات لأطروحاته الفكرية، فهي ستبقى "ملازم مقدسة" إذ يختصر التنظيم المسافة بين التنزيل والتأويل، وبين النص والتفسير إلى حدود التوحد والتماهي. وبهذه "الأنزيمات" الفكرية يصبح كل منتج جديد غير قابل للنقد أو التردّد أو التراخي في الإيمان والالتزام والتطبيق. والتساؤلات الأساسية لماذا لم يستطيع التنظيم أن يحافظ على الإنجازات التي حققها عسكريا خلال السنوات القليلة الماضية؟ هل هذا التراجع الذي نشهده في سوريا والعراق ينسحب على وجوده في ليبيا ومصر ونيجيريا وجنوب شرق آسيا وغيرها من البلدان؟ هل التراجع العسكري للتنظيم يعني إنحصار الأيديولوجية التي يحملها؟ وهل سيقوم التنظيم بعد هذه الإخفاقات العسكرية إلى مراجعة الإيديولوجية والاستفادة من الخبرات السابقة؟من المبكر الحديث عن انحصار الأيديولوجية الداعشية في أطروحتها العامة، وهي أبعد عن الموت السريري حتى لو تمّ القضاء على جيوبها وخلاياه. وهذا لا يعني أن تنظيم الدولة لن يُهزم، بل هو يحمل بذور فنائه داخل مكوناته الداخلية وهو لا يحتاج إلى عامل خارجي لإفنائه. عقيدته القائمة على التكفير وقتل المُكفّر تعتبر من أبرز سمات هذا التنظيم داخل هذا. وهي مؤشر جيد على الانسداد المعرفي والسياسي الذي يتجه إليه التنظيم الذي ظهر في شكله الحالي في وقت كانت السلفية الجهادية كحيثية عسكرية إلى أفول نهاية 2010 والإسلام السياسي إلى صعود، مدفوعًا بزخم الثورات لكن الانتكاسة التي أصابت الثورات وتراخي القبضة الأمنية وعجز الإسلام السياسي عن إثبات حضوره في الحياة السياسية لأسباب متعددة عززت صعود تنظيم الدولة وروجت لطروحاته بعد الإحباط الذي أصاب شرائح واسعة من الإسلاميين لاسيَّما فئة الشباب ممن تحول لاحقًا إلى السلفية الجهادية. كما أن الفراغ الأمني الناشئ عن الاضطرابات السياسية بعيد الثورات لعبت دورا كبيرا في انتشار التنظيم الذي حاول أن يملأ الفراغ السلطوي بطريقة سريعة. هذه العوامل جعلت من تنظيم الدولة الصاعد حالة وظيفية تخدم النظم المستبدة التي تسعى حثيثًا لإعادة الشعوب إلى قوقعتها ووضع برامج لتدجينها من جديد مع التخلص من ضغوط المطالبة بالإصلاح والتحولات الحقيقية نحو الديمقراطية، ولهذا سيبقى تنظيم الدولة – بوعي منه أو لا- أداة وظيفية فعالة تعرقل التقدم في بناء المشروع النهضوي في العالم العربي. وسيعزز دوره، ولو تبدل اسمه وتغير رسمه، نظرة الغرب إلى الشعوب العربية أنها شعوب قاصرة عاجزة غوغائية لم يحن وقت مطالبتها بالتغيير والإصلاح الحقيقي والحريات الشخصية.الذي يتوجب على الإسلاميين، المؤمنين بالقيم الديمقراطية، الرافضين للعنف المسلح كآلية للتغيير، إذا ما أرادوا بالفعل النجاة من المقاصل المنصوبة لكل معارض سياسي، هو التخلص من الذرائع التي تبرر لتنظيم الدولة بعضا من أفعاله أو طروحاته. فهو لا يقل خطورة عن الاستبداد. وإذا كان الاستبداد يخلط بين الإسلاميين وتنظيم الدولة عن وعي وقصد ولغاية جلية. فتنظيم الدولة يصف مخالفيه من الإسلاميين بالمرتدين والمميعين. وهي معاني تؤدي المقصود نفسه، وتضع الإسلام في مأزق إذا ما تعلق الأمر بالمفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان وقيام الدولة الحديثة. كما أنها تصور الإسلاميين المعارضين أسرى طروحات قروسطية مظلمة، واتباع يوتبيا عاجزة عن النزول من أبراجها الوهمية في بناء الدولة والمجتمع إلى عالم الواقع اليومي بمتغيراته المعقدة.كما على الشعوب التي ابتليت بهذه الحالات أن تراكم الخبرات في الطريق نحو التغيير وأن تدرك أن الطريق إليه متوازية العمل، معرفيا، ثقافيا، فكريا، وسياسيًا. وأن مطالب الإصلاح لا تنشأ لأجل لقمة العيش وحسب ولا تحصل بعيد هبة أو انتفاضة خاطفة بل تحتاج إلى أسس معرفية وقيمية وسياسية يبني عليها.
399
| 24 سبتمبر 2016
في أحدث انتقاد تركي لواشنطن جاء على لسان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو الأربعاء الفائت ردًا على تصريحات السفير الأمريكي لدى أنقرة، جون باس، بخصوص فصل 28 رئيس بلدية أغلبهم أكراد في تركيا. مما قاله صويلو في معرض حديثه:"السفير الأمريكي، تجاوز حدوده وتصرف بشكل مغرور، ويجب على الدول الكبرى تجنب تعيين أشخاص صغار كسفراء لها، خاصة في دول قوية كتركيا".تصريح وزير الداخلية التركية افتقر إلى الدبلوماسية المعهودة تاريخيا بين الدولتين، وكان يكفي أن تراسل وزارة الخارجية التركية نظيرتها الأمريكية سرًا مع الإمكان توجيه نقدا أعلى من هذا بكثير، وقد تستجيب واشنطن سريعا للمطالب التركية دون هذا الاستعراض المقصود والموجه لإدارة أوباما نفسها. لا يمكن فصل النبرة التركية العالية ضد السفير الأمريكي في أنقرة عن السياق العام للعلاقة الأمريكية التركية المستجدة بعد الانقلاب الفاشل من ناحية، وعن السياق العام لإعادة تركيا تحديد وترتيب أولوياتها ومصالحها في المنطقة من ناحية أخرى. ورغم أن علاقاتها مع واشنطن ستبقى ثابتة وضمن دائرة التفاهم مهما ساءت الظروف، إلا أن أنقرة بدأت ترسم لنفسها مسارًا طويلا في هندسة علاقاتها وتشبيكها في المنطقة بعيدا عن الوصايا أو النصائح الأمريكية. عندما تمكنت تركيا من هزيمة الانقلاب الخشن المدعوم على الأغلب من دوائر الاستخبارات الأمريكية وفقًا لقناعات كثيرة في أنقرة، وبادرت موسكو لتوظيف التوتر التركي الأمريكي المستجد لصالح ترميم علاقاتها مع تركيا سارعت الأخيرة بنفس الزخم نحو موسكو من منظور جديد في مقاربتها للمشهد الدولي والإقليمي.لقد أيدت تركيا التفاهم الأمريكي الروسي في سوريا لأنها ببساطة لا تملك معارضته ولا تقوى على مواجهته إلا أنها كحال إيران مع روسيا تشعر بأن حليفها الأمريكي خذلها هناك وأهملها لصالح مصالحه مع الشريك المستجد في الساحة السورية وهي موسكو وتفرعات كردية مبعثرة.عبر تدخلها اليوم في سوريا، تفرض تركيا، على ما يبدو، منطقة آمنة في الشمال دون أن تسميها رسميا، ودون حاجة لحمايتها جويا بعد أن رتبت علاقاتها مع موسكو. ربما كانت موسكو في حاجة للدعم التركي لها في الشمال السوري بعد أن بلغت طاقاتها المندفعة في فرض الحل الذي ترتأيه عسكريا أقصاها دون أن تحقق التحول النوعي المطلوب، فسمحت لتركيا بالتدخل لحفظ ما تراه مصالح حيوية لها مقابل تحييدها وكسبها في الضغط على المعارضة المسلحة في الشمال السوري في أي تفاهمات دولية قادمة.وسيعتبر التدخل العسكري التركي في الموصل، إذا صدقت التحليلات التي تقول إن أنقرة تستعد لعملية عسكرية في المستقبل القريب في الموصل بشمال العراق، على غرار عملية درع الفرات في شمال سوريا، دليلًا إضافيًا على ملامح التوجه التركي الجديد القائم على حماية مصالحها دون استشارة أو تنسيق مع الولايات المتحدة.وإذا كان تدخلها في الشمال العراقي سيستند إلى الاتفاقية المبرمة بينها وبين بريطانيا في الربع الأول من القرن الماضي، التي ضمت بموجبها الوصاية البريطانية ولاية الموصل إلى العراق مقابل منح تركيا حق حماية التركمان فيها، فإن رؤية تركيا للمشهد العراقي وحاجة التدخل العسكري فيه لن يختلف كثيرا عن رؤيتها للمشهد السوري قبيل الحملة البرية والجوية التي أطلقتها فجر 24 أغسطس الفائت دعما لفصائل الجيش السوري الحر لإبعاد تنظيم الدولة عن الشريط الحدودي مع سوريا والحيلولة دون توسع قوات سوريا الديمقراطية غربي نهر الفرات.وفي حين يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العراق بحاجة إلى عملية مشابهة لعملية درع الفرات، وأن حلّ مشكلة الموصل يمر عبر الاستماع إلى وجهة نظر تركيا، فإنه يؤكد أن بلاده تعيد ترتيب حضورها في الشمال العراقي وتفرض نفسها ورقة لاعبة في التدخلات الخارجية في الشأن العراقي كما الشأن السوري. وفي هذا مؤشر إضافي أن التوجهات التركية الجديدة في كل من العراق وسوريا تحركها مقاربة تركية تعتقد أن هرمًا من التفاهمات السرية على إعادة ترتيب المنطقة على غرار اتفاقات سايكس - بيكو، تقف الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية على رأس هذا الهرم في حين تقف في قاعدته بعض الدول الإقليمية، منها إسرائيل.
456
| 17 سبتمبر 2016
ربما من حق خصوم تنظيم الدولة من أشقائه في الأيديولوجيا الجهادية الفرح بمقتل أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي باسم التنظيم، حيث عانى هؤلاء من شنّ التنظيم حربًا اتسعت يومًا بعد يوم على كل مخالف. ووصلت حدّ التباهي بالاغتيالات والمكائد والعبوات التي استهدفت المعارضين لخلافته من رفقاء دربه أو الناقدين لتوجهاته الفكرية والعسكرية. العدناني الذي كان لسان حال تنظيم الدولة، وكان يرعد ويزبد عند كل مرئية أو صوتية تصدر له، لقي حتفه دون زوبعة تثار لمقتله. فمن قتل الرجل؟ هل الولايات المتحدة الأمريكية التي قالت إنها نفذت غارة جوية استهدفت قياديا كبيرا في تنظيم الدولة في حلب قبل أن يؤكد تنظيم الدولة مقتل المتحدث باسمه بساعات قليلة؟! أم أنها روسيا التي أعلنت صراحة أنها وراء اغتياله دون أن توضح كيف تمّ قتله؟! أم أنه قتل على يد أحد قيادات تنظيم الدولة في سوريا المدعو علي موسى الشواخ الملقب بـ"أبو لقمان" بعد أن أوفد البغدادي العدناني إلى سوريا لضبط أبي لقمان المتطلع للولاية على الشام منذ سنتين، وفقًا لادعاءات الأمين العام لـ"جبهة الأصالة والتنمية" الشيخ خالد الحماد؟! ستبقى التكهنات قائمة بشأن من قتل وكيف؟ لكن المؤكد أن الرجل الأقوى في التنظيم بعد زعيمه أبو بكر البغدادي قد قتل؟ أو على الأقل كان الأكثر قدرة على تسويق التنظيم والترويج لأطروحته الفكرية واستقطاب مجندين جدد. وكان سهما يرمي به التنظيم كلّ معارض. ووصلت جرأته الآفاق في تكفير المخالف دون تردد أو تريث فكان عاكسا لسلوك التنظيم وخطورته على من حوله.قتل الرجل بعد خسارة تنظيمه مناطق شاسعة في العراق وسوريا وآخرها في حلب، وبعد أن ضاق صدر تركيا من تجاهل هجمات تنظيمه عليها، وقد وجدت نفسها وجهًا لوجه في مواجهة التنظيم خارج حدودها. قتل الرجل بعد أن أصبح التفاهم الأمريكي الروسي قاب قوسين أو أدنى من التوحد حول قتال التنظيم إلى جانب جماعات أخرى تصنفها موسكو أو واشنطن منظمات إرهابية، وبعد أن نجح تنظيمه في اختزال الانتفاضات الشعبية في تصورات المحافل الدولية إلى صراع بين الإرهاب والدولة. تنظيم الدولة الذي فتح حربه على الجميع، وركب موجات الثورات، وسرقها من أهلها، وحولها إلى فوضى شديدة قد يتعرض إلى عمليه انشقاق واسعة بعد مقتل العشرات من قياداته المؤسسين خلال السنتين الماضيتين، وربما قد نسمع بمقتل أبوبكر البغدادي نفسه بعد أن ضاقت الحلقة الضيقة أو بدأت تتشقق من حوله.وفي حين نجح في شق أخدود داخل السلفية الجهادية وتحويل طاقتها من مواجهة المحتل الخارجي إلى صراع داخلي قبل أن تدخل مرحلة التآكل الداخلي، فهو اليوم في تراجع مستمر. وربما تصبح نبوءة العدناني في لجوء التنظيم إلى الصحراء مرة أخرى واقعًا إذا تمكنت التحالفات الدولية من دحره من سوريا والعراق.قد يصدق مرافق العدناني في أن التنظيم سيدخل مرحلة جديدة من القواتم والعبوات انتقاما لمقتل المتحدث باسمه، لكن الخراب الذي أطلقه في العالم العربي لن ينته قريبا، وسيطال أكثر طلاب الحرية والسلام والباحثين عن لقمة عيش كريمة.تبقى هذه سيناريوهات مفترضة، المؤكد منها أن التنظيم تحول إلى معول هدم وتدمير، وخلافته المزعومة حولت الحياة إلى نظرية عدمية، ظلامية، قاتلة، وأضحى هو جسرا يعبر عليه الاستبداد لإعادة إنتاج نفسه من جديد، طالما أن تنظيما باسم الإسلام قادر على هذا الكمّ من الخراب والتدمير والتكفير.من المؤكد أن التنظيم بأفعاله المرعبة أثار العالم كله ليس على المسلمين وحسب، وإنما على الإسلام نفسه. وأصبح كل مسلم مطاردا أو مشتبها به حتى تثبت براءته. وإذا كان التنظيم فعل وتورط في كل ما سبق كما هو بات مؤكدًا، فإنه من غير المؤكد أن خلافته باقيه وتتمدد!
333
| 03 سبتمبر 2016
اعتمدت تركيا خلال حكم العدالة والتنمية الذي بدأ عام 2002 تقريبا توجها جديدا تمثل في العودة بقوة نحو الشرق كعمق ديني وتاريخي وسوق اقتصادي واعد يتناسب مع مشروعها النهضوي المنشود، يضاف له رغبة في التريّس المشرقي مع الأخذ بالمتغيرات الإقليمية والدولية من خلال تجسير العلاقات الدولية بين دول الشرق والغرب أو لنقل بين الدول المطلّة على بعضها في القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وإفريقيا، آخذين بالاعتبار الموقع الجيوستراتيجي للجغرافيا التركي. لتحقيق الهدف البارز أعلاه، مرّت السياسة الخارجية التركية في جملة متغيرات مع قدوم العدالة والتنمية، فبدأت بسياسة "صفر مشاكل". وقد بلغت أعلى درجات النجاح، محققة أقصى مدى يمكن أن تبلغه نهاية العام 2010 رغم تعرضها لبعض الانتكاسات مثل تأزم العلاقات مع إسرائيل على خلفية سفينة مرمرة عام 2009. جاءت الثورات العربية وما تبعها من أحداث لتقضي على كامل المحصول الذي جنته سياسة "صفر مشاكل" مع تزايد العزلة الدولية المقصودة ضد تركيا بعد إدراك الدول الكبرى والإقليمية أن سياسة أردوغان تختلف كثيرا ولا تكاد تصبّ في وعاء مصالحها في المنطقة. بدأ التحول التركي بعد تغيير حكومة أحمد داود أوغلو، وتسارعت وتيرته بشكل ملفت بعيد الانقلاب الفاشل في 15 يوليو الفائت، الأمر الذي منح فريق أردوغان فرصة ذهبية نادرة لترتيب البيت الداخلي والتخفف من أثقال وقيود السياسات الخارجية السابقة والاندفاع بأقصى طاقة ممكنة لتحقيق الأهداف الموضوعة حتى عام 2023 رغم بعض المطبّات التي ستواجهها وسط محيط شديد التعقيد والتبدل والتشابك. التغيير الذي طال السياسة الخارجية بعد الانقلاب هدفه تعزيز مكانة الحكومة داخليًا واعتماد سياسة خارجية أكثر استقلالية وقوة في تنفيذ تطلعاتها الإقليمية. ولهذا بدأت الحكومة تتّبع نمطا جديدا تكتفي فيه بالاستجابة للتطورات المحلية والدولية بالقدر المطلوب. تتجلى أوجه هذا النمط بالالتفات أكثر إلى مصالحها وعدم الاهتمام كثيرا للغضب الأمريكي أو الاكتراث لمصالحه إذا لم تتقاطع مع مصالحها. وما نراه من تدخل عسكري مباشر لها في الشمال السوري سواء كان بهدف خلق منطقة آمنة أو فقط لإبعاد الكرد إلى شرق نهر الفرات فهو يرفع من احتمالية التوجه التركي الجديد القائم على تعدد المسارات والتوازن ما أمكن بين دورها عضوا في الناتو وبين مصالحها التي تتطلب درجة أعلى من التنسيق والحوار والتفاهم مع كل من إيران وروسيا وإسرائيل إلى جانب الدول العربية التي تعتبرها صديقة لها مثل السعودية. وفق هذه الرؤية لن تخرج تركيا من الناتو ولن تخفف من التعاون مع واشنطن وهي ترى نفسها جسرا عابرا للعلاقات بين دول المنطقة. وإذا كان وجودها في الناتو يرفع من قيمتها في الحسابات الروسية، فإنه في الوقت نفسه يمنحها ميزة طرح نفسها وسيطا بين روسيا والناتو. وربما لاحقا بين إيران والسعودية وبين الإخوان المسلمين، المعارضة السياسية الأبرز في العالم العربي، والنظم السياسية القائمة. التحول بدأ في تركيا لكن الانعطاف سيكون أشبه بقاطرة كبيرة تحتاج إلى مساحة أوسع ووقت بطيء حتى تكمل عملية الالتفاف، والتحول يأتي لتنفيذ الرؤية التركية القديمة في أن تصبح قوة إقليمية في مناطق اوراسيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى. في الملف السوري هناك ثواب لا تملك تركيا المساومة عليها، مثل خلق بيئة آمنة وغير معادية على طول حدودها، التأكيد على ما تراه حقا لها في أن يكون لها كلمة وازنة في أي ترتيبات تجري في الشمال السوري وتحديدا في حلب، القضاء على أي قوة كردية عسكرية أو نزعة انفصالية، الحيلولة دون تفكك سوريا، المساهمة في خلق نظام في دمشق غير معادي لها ومتعاون وشريك اقتصادي، توظيف اللاجئين السوريين على أراضيها ضمن مشروعها النهضوي داخليا وفي تعزيز نفوذها داخل سوريا الجديدة. ولعل المخاوف التركية بشأن الأكراد من القضايا القليلة التي توحّد بين تركيا وسوريا وإيران إلى جانب المخاوف من انهيار الدولة السورية الذي سيؤدي إلى حدوث مشاكل داخل تركيا نفسها، ويدفع بالأكراد إلى إعلان دولتهم على الحدود معها. وقد حرصت تركيا خلال عملية التصالح مع روسيا، على إزالة العقبات في شمال سوريا التي تمنعها من استهداف تنظيم الدولة والميليشيات الكردية. والأرجح أن عملية تدخل تركي أوسع في الشأن السوري ستكون في المرحلة القادمة وفق رؤية متعددة المسارات مع الفاعلين في الورقة السورية، حلف الناتو، السعودية وقطر، وإيران وروسيا.
272
| 27 أغسطس 2016
لقاء أردوغان بوتين تلبية لدعوة روسية كانت وُجهت له قبل الانقلاب بُعيد رسالة الأسف المشهورة، سمحت للبلدين أن يندفعا مسرعين نحو تعزيز التفاهمات المشتركة، وإدارة الخلافات بعيدًا عن مجهر الإعلام. وقد ترجم لقاء الزعيمين بتصريحات تركية تظهر لينا تجاه الملفّ السوري وتؤكد حقًا واعترافا للوجود الروسي في سوريا بل وتباركه وكأنه حق طبيعي. وتدعو لتنسيق معها في مواجهة "الإرهاب". روسيًا كانت الاستجابة سريعة بدورها، إغلاق قنصلية الكرد السوريين في موسكو. ما من شك أن الملفات المشتركة بين البلدين عديدة، الملف السوري مهم للغاية لكنه لا يقدم على الملف الاقتصادي بتاتا، فالبلدان بينهما مصالح مشتركة في السياحة والتجارة والترانزيت البحري ومشاريع عملاقة تسيل لعاب البلدين لتحقيقها تتمثل في سيل الغاز الروسي العابر للحدود التركية نحو دول الاستهلاك في القارة العجوز، فضلًا عن تنامي أهمية سواحل تركيا مع الاكتشافات النفطية والغازية الواعدة في البحر المتوسط. وتتقارب وجهتا نظر روسيا وتركيا حول أغلب القضايا الإقليمية والدولية باستثناء الملف السوري. أما اليوم، فلا أردوغان شديد التصلب في عدم الاعتراف بسيطرة روسيا على جزيرة القرم رغم التصريحات التركية الرسمية الرافضة لعملية الضمّ، ولا بوتين قلق من تحقيق تركيا مزيدًا من الاستقلالية عن حلفائها في الناتو، أو رافضًا لنفوذها في الشمال السوري، ورغبتها المشاركة في هندسة التسوية السورية. يعلم الجميع أن حولًا كاملًا أوشك على الاكتمال منذ غزت "عاصفة السوخوي" الروسية سماء سوريا وأرضها، ولم تحقق موسكو إنجازا حقيقيًا يتناسب مع ميراثها الاستعماري التاريخي، أو يعزز الهيبة الروسية التي يرغب بوتين فرضها على العالم اليوم. الانخراط الروسي العسكري في سوريا استحال استنزافًا مستمرًا، مستدعيًا إلى الذاكرة عقدة الهزيمة السوفيتية أمام منظمات جهادية في أفغانستان، تعمل موسكو جاهدة أن تمحوها من الذاكرة الجمعية لشعبها. وهي تدرك اليوم أكثر مما مضى أنها بحاجة ماسة للعلاقة مع تركيا لأسباب أبعد من الطموحات الاقتصادية التي ستقضي على الحصار المضروب عليها أوروبيا على خلفية قضمها جزيرة القرم. لم يعد تجاهل النفوذ التركي في الشمال السوري مفيدًا للروس، كما هو الحال بالنسبة للأمريكان. ولم تعد نكاية أردوغان "بوتينيًا" بالإصرار على حضور مندوب حزب العمال الكردستاني بنسخته السورية على طاولة المفاوضات بين النظام والمعارضة مجديًا للمصالح الروسية. راهنًا، تدرك روسيا أن النفوذ التركي على الفصائل المسلحة في الشمال السوري كافٍ لوحده أن ينقذ روسيا من مستنقعها الجديد إذا ما أوجدت قواسم مشتركة معها. وأن علاقة متينة مع أنقرة سيخفف التأجج والتوتر بين المكونات ذات الأصول التركية في جزيرة القرم وداخل أراضي الاتحاد الروسي. وهذه المكونات تأتي في المرتبة الثانية عدديًا بعد "السلاف" الذين ينحدر منهم بوتين. بدورها، أدركت تركيا أنه لا مكان للمبادئ في عالم السياسة أو دنيا الواقع الدولي. السياسة ليس فيها حسن نوايا ولا بطولات زائفة أو شجاعة متوهمة. الأقوى هو من يضع القانون، وهو من يصنف هذا حق وهذا باطل، هذا إرهاب وهذا نضال. وأن الهرولة وراء مصالحها وما يستتبع ذلك من مرونة بالغة هو ما يحفظ لها حقوقها أو يحمي مجالها الحيوي من التآكل. وإذا كانت الولايات المتحدة فشلت في اختبار المرونة في مواجهة التحديات حين تعاملت بعدم اكتراث كبير مع هواجس حليفها التاريخي، تركيا، فإن روسيا نجحت في أن تضفي على مواقفها الثابتة تجاه حلفائها مثل النظام السوري، مرونة توحي بأنها لا تتخلى عن أصدقائها وقت الحاجة، ولا تطعن حليفا في ظهره، ولا تتجاهل يدًا تُمدّ لها. بمقارنة بسيطة بين الحليف الأمريكي تاريخيا الذي يراوغ ويماطل ويؤخر في التعاون في ملف تسليم فتح الله جولن، ومستعد للتضحية بالعلاقات مع تركيا من أجل المراهنة المغمورة على فصيل كردي في سوريا، وبين روسيا التي ما إن لمست أنها تقف على ارض صلبة في العلاقة مع تركيا الجديدة حتى أوحت أنها مستعدة للتخلي عن أي حليف محتمل إذا كان ذلك يكسبها حلفًا مع تركيا. وقد ترجم هذا سريعًا في الملف الكردي. وفجأة بين ليلة وضحاها، لم تعد تركيا داعمة للإرهاب وتسرق النفط العراقي أو تشتريه من تنظيم الدولة وتبيعه للخارج، ولم تعد تركيا تتوجه نحو تطرف إسلامي كما صرح بوتين يومًا. بل تُقدم كشريك فاعل في محاربة الإرهاب في المنطقة.
384
| 13 أغسطس 2016
تتفق أغلب تيارات السلفية الجهادية بما فيها تنظيم القاعدة أنه آن أوان التحول من "جهاد النخبة" أي الطلائع المقاتلة من المؤدلجين جهاديًا بين الشعوب الإسلامية إلى "جهاد الأمة" أو ما يمكن أن نطلق عيه "ثورجة الجهاد" بحيث يصبح ظاهرة شعبية عند عموم المسلمين، فإذا ما نجحت التيارات الجهادية في نقل الجهاد من دائرة النخبة إلى دائرة الأمة فإنها تكون بذلك قد بنت جدارًا عاليا جدًا لصدّ ضربات المعادين للمشروع الجهادي في إقامة الخلافة الإسلامية، وقضت على المؤامرات التي تحاك ضد نهضة الأمة. ولا أفضل اليوم أو أنسب في تحقيق العبور نحو جهاد الأمة من الواقع السوري الحالي، وتحديدًا في الأماكن التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية منذ خمس سنوات حيث اعتادت تلك المناطق على غياب السلطة التي تحول دون الخروج إلى مواطن الجهاد. انفكاك جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة في عمقه يعود لرؤية إستراتيجية بدأت تنحو نحوها "القاعدة" ومن يوافقها أهدافها منذ مدّة ليست قريبة، مفادها أن الحلّ الحقيقي لأزمة التيار الجهادي هو في كيفية نقل عدواه من الطليعة النخبوية المقاتلة إلى عموم الأمة بكل فئاتها وأجيالها. وبعيدًا عن الحفر في النوايا فما إذا كان انفصال جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة ظاهريًا أو حقيقيًا، فقد أُعلن رسميا عن فك الارتباط لاعتبارات تخصّ "النصرة" و"القاعدة"، يغلب على ظنّي أنها مرتبطة بالهمّ الذي أوردناه آنفًا، أي إخراج التيار الجهادي المعولم من مأزقه الحالي، فيما هناك اعتبارات أخرى فرضتها الظروف الخاصة بالساحة السورية. فجبهة النصرة تعتبر من أكثر الفصائل المسلحة فعالية في جبهات القتال، وأكثرها انضباطًا بالتعليمات التي تصدر إليها من قادتها، كما تحظى باحترام عدد كبير من الفصائل الأخرى رغم بعض المناوشات التي كانت تقع بينها وبين فصائل مسلحة أخرى. وهو ما دفع بعض الدول النافذة في الأزمة السورية إلى وضع سيناريوهات خلاقة لتحييد خطورتها على مصالحهم ما أمكن. وقد أجريت عملية تطويع لها بضغوط داخلية وخارجية. داخليا كانت حجة الفصائل المسلحة الرافضة للانخراط في هيئة عسكرية واحدة أن الأمر يغضب الدول الداعمة ويقطع عنها الدعم المادي والدبلوماسي. أما الدول الداعمة فكانت حجتها أن الولايات المتحدة تحول دون دعم الفصائل المعارضة بذريعة أن بين مكوناتها تشكيلات إرهابية شديدة الخطورة على المصالح الغربية في المنطقة والعالم. ويتطلب الأمر عزل هذه الميليشيات على الأرض وقصفها والتضييق على حركتها ومنع التواصل معها أو مدّها بأي نوع من أشكال الدعم والاستمرار. ومع عجز الفصائل المسلحة عن مواجهة جبهة النصرة وتماهي بعضها معها على الصعيد الأيديولوجي والتقاطع في الخطوط العامة للأهداف الموضوعة في سوريا. فقد أخذت الاعتراضات أشكال النصيحة والامتعاض والمناشدة لفك التحالف إلى حين نضجت الظروف الداخلية والخارجية التي أرغمت النصرة أو أغرتها بفك تحالفها مع تنظيم القاعدة. يأمل بعض الغيورين على المعارضة المسلحة أن تتوحد المعارضة المسلحة في جبهة موحدة بعد انفصال "النصرة" عن "القاعدة"، وأن يكون المسعى القادم للدول الراعية للفصائل المسلحة هو دمجها في كيان عسكري جديد له تراتبية واضحة وصرامة. في حين تأمل جبهة فتح الشام، ومعها تنظيم القاعدة من بعيد، أن تقتدي بقية الفصائل المسلحة بجبهة النصرة بفك كل ارتباطاتها الخارجية التي لم تعُد على الشام إلا بالتفرقة والتخذيل والتطاحن والتدابر. وأن يصار إلى تعبئة الشارع الشامي وتجييشه ودعوته باستمرار ليكون الحاضنة الوفيّة لأهل الجهاد، مع تحييد الأبواق المرجفة والمحاربة لمشروع "جبهة فتح الشام". وإذا ما توافرت هذه الظروف فإن تشكيل كيان عسكري موحد لجميع الفصائل المسلحة مدعوم بحاضنة شعبية واسعة سيصبح سهل المنال. وقد تم تأسيس تجمع "أهل العلم في الشام" الذي يضم المراجع الدينية لأغلب الفصائل المسلحة في الشمال، في سبيل تحقيق الوحدة العسكرية بين الفصائل. وقد نال ولا يزال بركة أغلب العلماء المؤيدين للمعارضة المسلحة على الساحة السورية. وإذا ما تمكنت "جبهة فتح الشام" من تجاوز حاجز الانقسام الداخلي وتمكنت من الحفاظ على زخمها القتالي، فإن الخطوة التالية لها هي التماهي الكامل مع مكونات مسلحة أخرى تشبهها على الصعيد الأيديولوجي كلبنة أساسية نحو كيان عسكري موحد.
369
| 06 أغسطس 2016
أبو بصير هو عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي، لا يعرف عنه الكثير سوى أنه أسلم في مكة ثم هاجر إلى المدينة في هدنة الحديبية التي نصت في بعض بنودها أن يُسَلِّم الرسول إلى سدنة مكة من يفد إليه منها مسلمًا. فأرسلت قريش في طلب أبي بصير، نزولًا على بنود الهدنة. فسلمه الرسول الكريم لاثنين من رجالها. ولما كان في الطريق احتال عليهما، فقتل أحدهما وفرّ الآخر ثم عاد أبو بصير قافلًا إلى المدينة مرة أخرى. ولمَّا علم أن الرسول سيردُّه إلى قريش مجددًا خرج إلى سِيفِ البحر، منطقة تقع على الطريق بين مكة والمدينة. وبدأ يجتمع إليه كلّ من فرَّ من المشركين حتى شكلوا عصبة اشتهرت بقطع الطريق على قوافل قريش، واستباحة ما تحمله من بضائع، حتى اضطُرَّت قريش أخيرًا إلى أن تذهب إلى الرسول الكريم ترجوه أن يُلْحِقَ هؤلاء به. استحضار قصة أبي بصير في هذا المقام سببه أن تنظيم الدولة الإسلامية أطلق على جنوده الذين يشنّون هجمات في دول الغرب "عصبة أبي بصير"، مشبهًا أفعالهم بفعل أبي بصير حينما قتل أحد "المشركين" وهو في طريقه إلى مكة.والصورة التي يضعها التنظيم لـ"الذئاب المنفردة" في الغرب أنهم "نفر من المسلمين قاموا في مشارق الأرض ومغاربها بغزواتهم الفردية ضد الصليبيين، في مواقع متعددة، وبطرق جديدة مبتكرة، فهذا يهاجمهم بسلاح رشاش أردى به أكثر من 100 من أتباع قوم لوط في أمريكا قتلى وجرحى، وآخر لم يجد إلا سكين مطبخ ذبح بها ضابطا في الشرطة الفرنسية. وثالث استخدم سيارة شحن ليسحق بها جمعا من الصليبيين المحتفلين بعيد فرنسا الوطني".وتعود هجمات "الذئاب المنفردة" التي تنتمي إلى تنظيم الدولة إلى سنة 2013 حين قام رجلان في لندن بمهاجمة جندي بريطاني بسيارتهما، ثم دهساه، قبل أن يقوما بقتله باستعمال ساطور وسكاكين. ثم شرعت في سلسلة أعمال مشابهة من أبرزها مجزرة نيس، تفجيرات باريس، هجمات باتاكلان، وكان آخرها عملية ذبح الكاهن جاك هامل البالغ من العمر 86 سنة، في كنيسة.مع تنظيم الدولة مفهوم "الجهاد" لم يعد مرتبطا بالخلايا النائمة التي تنتظر إشارة البدء من مركز التنظيم، وإنما أضحى مشروعًا فرديًا، يمكن أن يبادر إلى فعله أي مؤمن بنظرية التنظيم فور اقتناعه بها، وله الحق في اختيار الطريقة التي تحقق النكاية في العدو، طالما أن المتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو محمد العدناني حرّض على ذلك مرارًا وتكرارًا. ففي سبتمبر 2015 دعا العدناني المؤمنين بمشروعية تنظيمه وقضيته إلى قتل كل عدو، قائلًا: "إذا كنت تستطيع قتل كافر، فافعل متوكلا على الله واقتله بأي شكل من الأشكال". وقد سبق له أن قال في شريط سابق "لا تتشاوروا مع أحد، ولا تبحثوا عن أي فتوى، فلا يهم إذا كان الكافر محاربا أو مدنيا، فكلاهما عدو ودماؤه مستباحة". كما لا تهمّ طريقة القتل فـ"إذا لم تتمكن من تفجير قنبلة أو إطلاق النار، حاول أن تكون وجها لوجه مع كافر فرنسي أو أمريكي، ثم قم بتحطيم جمجمته بحجر، أو قم بقتله بسكين، أو بدهسه بسيارتك، أو برميه في الهاوية، أو خنقه، أو تسميمه".لا شك أن التنظيم يريد نقل نظرية "الدارين" أي دار الحرب ودار الإسلام من حيز الافتراض الفقهي تاريخيا إلى حيز الواقع اليوم. وما يقع تحت سيطرته من أرض هي دار إسلام، وما عداها فهي دار حرب. وإطلاق تسمية "عصبة أبي بصير" على ذئابه المنفردة في الغرب يكشف بشكل فج نوع الأهداف التي يسعى لها التنظيم في تلك البلاد. فهو لا يريد تحقيق النكاية فقط، لأن حكومات بعض دول الغرب منخرطة في الحرب عليه، بقدر ما يحث الخطى دافعًا هذه البلدان إلى فرز داخلي بين من هو مسلم وبين من هو "صليبي" ولو أدى ذلك إلى احتراب أهلي، لاسيَّما داخل تلك البلدان التي تضم في مكوناتها أقلية إسلامية كبيرة مثل فرنسا.وتكرار العمليات الإرهابية المنفردة وعجز الحكومات الغربية عن مواجهتها سيؤدي إلى زيادة النزعة اليمينية المتشددة عند الشعوب الغربية مع اقتراب الانتخابات في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا. وحينها ستعمد الحكومات الغربية إلى لفظ كل مهاجر مسلم، طالما أنه إرهابي محتمل. حينها تكون نبوءة التنظيم قد تحققت، وتجلت رمزية تسمية عناصره في الغرب بـ"عصبة أبي بصير" حيث "لن يطول الزمن وسيأتون صاغرين (في إشارة إلى الدول الغربية) يطلبون من الخلافة أن تجدّد دعوتها للموحّدين للهجرة إلى دار الإسلام وترك دار الكفر، وذلك بعد أن يزيلوا بأيديهم كل ما وضعوه من عقبات في وجه هجرتهم، بل ويدفعوا هم من أموالهم تكاليف رحلتهم".
24753
| 30 يوليو 2016
بعد جدل امتد لأكثر من شهرين تراوح بين التأكيد والنفي في الصحافة الغربية حول وجود قوات غربية تنتشر سرًا في ليبيا، ها هي فرنسا تعلن بشكل رسمي عن وجود قوات عسكرية لها على الأرض الليبية تقاتل إلى جانب اللواء خليفة حفتر، كاشفة عن مقتل ثلاثة من جنودها خلال المعارك الدائرة في بنغازي قبل أيام. لا شك أن الوجود العسكري الفرنسي في ليبيا دون إذن مسبق من الحكومة المعترف بها دوليًا، ولا حتى علم أو إخطار به، يرجح صدق الشكوك حول وجود قوات بريطانية وأمريكية وعربية أيضًا على التراب الليبي، إذا ما أخذنا بالاعتبار تصريحات لزعماء عرب تحدثوا سابقًا عن دور عسكري لبلادهم في ليبيا ضد التنظيمات التي يصفونها بالمتطرفة.هل ثمة تناقض حقًا بين ما تظهره الدبلوماسية الفرنسية في المحافل الدولية من دعم حكومة فايز السراج تماشيًا مع أغلب دول المجتمع الدولي وبين دعمها اللواء خليفة حفتر المتمرد على الحكومة الشرعية بالعتاد والسلاح؟ وهل يعتبر وجودها على الأرض الليبية والقتال إلى جانب اللواء حفتر في المواجهات التي يقوم بها ضد التنظيمات الإسلامية دون تفريق بين تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من التنظيمات التي تنتمي للإسلام السياسي ممن ناصروا الثورة على القذافي عسكريا يعتبر تدخلًا غير قانوني، ويشي بنية فرنسية للتخريب واستنزاف البلاد وإغراقها في آتون صراعات داخلية مدمرة؟السلوك الفرنسي لا يعكس تناقضًا في الموقف، ولا يشجع على التسرع بالحكم أن الحكومة الفرنسية تسعى لإثارة النعرات في ليبيا وخلق بلد مهزوز دائمًا بقدر ما أنها تسعى لتحقيق رؤية محددة تتطلب التعاون مع أكثر من جهة وطرف، وإن كان بعضهما لبعض عدوًا ونقيضًا. فليس الغرب يهتم بهوية من يدعم بقدر ما تهمه الجهة التي تقدم أفضل الخدمات بأقل ثمن وبأسرع وقت ممكن.فرنسا حذرة جدا من الأيديولوجيات الإسلامية على اختلاف أنواعها، وهي أشد حذرا من الإسلام المغاربي والإفريقي تحديدًا لاعتبارات مرتبطة بالتاريخ الاستعماري لفرنسا في القارة الإفريقية ومصالحها الدائمة والقوية في عدد من دول القارة لاسيَّما دول شمال إفريقيا، وقد لعبت دورا حاسما في التحريض على الإسلاميين في الجزائر خلال التسعينيات وخاضت حديثا مواجهة ضد القاعدة في مالي وهي تنسق بشكل تام مع القوات الأمريكية العاملة في قاعدة افريقوم لمواجهة التهريب والتطرف المنتشر في دول الساحل وشمال وغرب القارة.في الحالة الليبية، الخصوصية الغربية تزداد لاعتبارات منها الموقع الجيوستراتيجي للبلاد وقربها الشديد من حدود الاتحاد الأوروبي وطول حدودها على البحر المتوسط، ما يجعلها في صدارة الدول التي توفر ممرًا مثاليًا للهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية. ويأتي المخزون النفطي الكبير وسهولة استخراجه ونوعيته العالية على قائمة الأولويات التي تأخذ بالحسبان غربيًا عند بحث طبيعة العلاقة المطلوبة في الملف الليبي. وبما أن تنظيم الدولة شرع في إقامة دولة إسلامية له في ليبيا وحاول استقطاب عشرات الجهاديين القادمين من المشرق العربي ودول وسط وغرب إفريقيا، فإن أهمية ملف الإرهاب تزداد على غيره من الملفات الأخرى. فرنسا تتدخل لمؤازرة اللواء خليفة حفتر باعتباره قائدا عسكريا لديه خبرة واسعة وهو شخص مضمون الجانب ويحظى بوافر من الثقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي عاش فيها سنوات طويلة، كما تربطه علاقات قوية ومتينة مع عدد من النظم الحليفة للغرب في الشرق الأوسط. وإذا كان حفتر لديه ميول استبدادية ونزعة نحو الحكم العسكري، فإنه محارب شرس يكنّ العداء الشديد للأيديولوجيات الإسلامية على اختلاف أنواعها، ويقدم نفسه بصفته الرجل الأقوى في تحقيق الاستقرار الذي تطلع إليه الدول الغربية في ليبيا. فرنسا التي تدعم حكومة الوفاق طالما أن من أبرز أولوياتها القضاء على الميليشيات المسلحة وبسط سلطة الدولة على كامل التراب الليبي وحصر السلاح في يدها، فإنها لن تجد حرجًا في دعمها إلى جانب دعم حليفها اللواء خليفة حفتر رغم رفض الأخير الخضوع لسلطة الحكومة المعترف بها دوليًا. فالهدف الأساسي من دعم الجهتين المتعارضتين هو احتواء ما تراه فرنسا تطرفًا إسلاميا مؤكدًا أو محتملًا فيما لو سكت الغرب عنه طويلًا. أما أن دعم حفتر سيؤثر على قدرة الدولة أو الحكومة الحالية على بسط نفوذها أو يعرقل عملها المطلوب ويهز ثقة الشارع الليبي بها فهذا ليس مثار نقاش حالي، إذ إن احتواء الإرهاب يحظى بالأولوية على الاستقرار السياسي وبناء مؤسسات الدولة في ليبيا اليوم.
361
| 23 يوليو 2016
لنقل إنها كانت تقارير ثلاثة تلك التي طَوَى عليها الأسبوع الفائت رحيله. قد لا تكون هذه التقارير قدمت جديدًا غير معروف البتة للغالبية الساحقة في العالم العربي، لكن أثرها مهم في ربط جزئيات الأمور وتناثرها ووضعها في موضعها الصحيح في رؤية الصورة الكلية الحقيقية التي يجاهد كبار صناع القرار في هذه المنطقة من العالم على عدم رؤيتها أو رغبة في تشويه معالمها، لما فيها من مرارة مفرطة تدين تاريخًا من السياسات الحمقاء والإجراءات القاتلة التي مورست لعقود وما تزال النخبة الحاكمة مصرّة على استيلادها من جديد كلّما حان أوان رحيلها. التقرير الأول هو تقرير لجنة "تشيلكوت" البريطانية التي أمرت الحكومة البريطانية بتشكيلها قبل حوالي عشر سنوات برئاسة القاضي "تشيلكوت" التي عرفت اللجنة باسمه حول أسباب وقانونية مشاركة بريطانيا في غزو العراق عام 2003 والتداعيات التي نتجت عن هذا التدخل. من أخطر ما توصل إليه التقرير، ليس فشل بريطانيا في تحقيق أهداف تدخلها في العراق أو افتقادها لرؤية لبناء الدولة العراقية ما بعد إسقاط صدام حسين وإنما لدورها الواضح في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية. فالتقرير يخلص إلى تجريم كامل لرئيس الحكومة الأسبق توني بلير على قرار مشاركته بالحرب دون سند قانوني وبنائه على معلومات ناقصة أو مغلوطة ورطت بريطانيا في أخطر القرارات التي فجرت ظاهرة الإرهاب في العالم منذ العام 2003. وبحسب محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة الجارديان البريطانية باتريك وينتور، فإن وثائق تقرير"تشيلكوت" تدعم الادعاءات التي تقول إن غزو العراق رفع التهديد الإرهابي، وساعد في تشكيل تنظيم الدولة.التقرير الثاني هو التقرير الأمني الذي أعده المجلس الاستشاري للأمن في الخارج التابع لوزارة الخارجية الأمريكية حول تنظيم الدولة، ونشرته صحيفة واشنطن تايمز هذا الأسبوع. أبرز ما في التقرير كشفه أنه منذ 2011 وحتى 2016 هناك ما بين 27 ألف شخص و31 ألفا أتوا من 86 دولة للالتحاق بتنظيم الدولة في سوريا والعراق.أما التقرير الثالث، فيتجسد في إخراج مؤسسة "الفرقان" الذراع الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية إصدارًا جديدًا بعنوان "صرح الخلافة" يعرض فيه التنظيم شرحا لهيكلية دولته، وأدوار المسؤولين فيها، إضافة إلى دور الولايات، والدواوين، وغيرها. ما يلفت النظر في التقرير ادعاء التنظيم أن "دولة الخلافة تتكون من 35 ولاية متوزعة في عدة دول، 19 منها في سوريا والعراق، و16 في دول أخرى". قبل أن يخلص إلى نتيجة شديدة السوريالية بعيد يومين على التفجيرات الانتحارية التي طال بعضها الحرم النبوي في المدينة المنورة فيقول التنظيم في إصداره: "قبل الخلافة كان أهل الإسلام همجا مضاعين، والفوضى تغشاهم، فضاع الدين وسلب الحمى". وبعد إعلان الخلافة فقد "أنبتت الأرض وسار الركب وعاد الدين وذيد عن الحياض".خلاصة التقارير الثالثة أن أسباب بروز أو ولادة تنظيم الدولة الذي يتباهى بنفسه ويضرب في أقدس بقعة في العالم الإسلامي في الوقت الذي يتحالف العالم أجمع على إنهائه، ليست أيديولوجية بحتة كما يحلو لبعض الباحثين ومن هو ناقم على التاريخ الإسلامي، ويغرب في تصفية حساباته معه لأسباب أيديولوجية أيضًا، أن يكرسه في الوعي الجمعي للأمة. كما ليست الأسباب سوسولوجية اقتصادية ديموغرافية صرفة، كما ينحو إليه بعض المراقبين ومن معهم من تيارات الإسلام السياسي، وإن كان الفقر والبطالة وسوء التوزيع وقلة المردود التربوي والتعليمي تلعب أدورًا حاسمة في أي ظاهرة اجتماعية متطرفة. ولا هي بتلك المرتبطة حتمًا بالواقع السياسي والظروف الإقليمية والدولية. الأسباب باختصار هي أعقد من أن نفككها إلى وحدات وأرقام، فهي دينية طالما أن الثقافة الإسلامية لا تنقى من "فقه الانحطاط" الذي ساد العالم الإسلامي خلال فترات الغزو المغولي والغربي. كما أنها أيديولوجية طالما أن تيارات الإسلام السياسي لا تبذل ما فيه الكافية ولم تحدث مراجعات معمقة، تقطع تماما مع "فقه التبرير" لعمليات التخريب أو تستمر في توظيف التطرف وفق معادلة "إما القبول بالإسلام السياسي أو مواجهة القاعدة وأولادها". وهي بالضرورة سياسية اجتماعية اقتصادية طالما أن نظمًا مستبدة تمتهن احتكار "الإسلام الرسمي" لتبرير الاستبداد والقمع والتنكيل بالمعارضين والفساد والنهب المنظم. وهي ظاهرة دولية عالمية مرتبطة بسياسات دولية. وفي هذه الجزئية يتوجب على الغرب أن يعترف -الاعتراف يتطلب الاعتذار ثم التعويض - بأن من أبرز مولدات التطرف والإرهاب الفكرية والتنظيميّة هو الاستغلال الذي استمر لعقود وربما لقرون في قمع الشعوب واستعبادها ونهب خيراتها والمتاجرة بثقافتها وتنصيب مجموعات نخبوية فاسدة غريبة عن ثقافة مجتمعها وحضارته ثم تحالفه مع نظم مستبدة لإبقاء أهل هذه المنطقة في زريبة الشعوب المنفية والمستبعدة من دائرة الفعل الحضاري. وأن حماية لإسرائيل من أي ملاحقة قانونية وتبرير قتلها اليومي ومساندتها في أي إجراء ظالم منافٍ لأبسط قيم الإنسانية إذا ما تعلق الأمر أو ارتبط بالبؤس اليومي للشعب الفلسطيني من أكثر الأسباب المزمنة لهذه الظاهرة. وبناء عليه من يرغب في تجفيف منابع الإرهاب عليه أن يعرف من أين تتفجّر عيونه؟
255
| 09 يوليو 2016
لا يقتصر التهديد الأمني في مصر على طبيعة الأوضاع في شبه جزيرة سيناء، بل يتعاظم الخطر على الحدود الغربية بشكل مطرد مع الحالة السيناوية. وكان من أحدث المؤشرات على تلك المهددات المتزايدة مقتل ستة من أفراد الجيش بينهم ضابطان يوم الخميس الفائت خلال اشتباك مع مهربين في منطقة "صخرة العمود" جنوب واحة سيوة وهي منطقة وعرة، بها الكثير من الكثبان الرملية. وقد سبق أن قتل عسكريان في فبراير من العام الجاري خلال إحباط الأجهزة الأمنية المصرية عملية تهريب كميات من الأسلحة والذخائر بمنطقة البويطي في صحراء مصر الغربية على الحدود مع ليبيا أحد معاقل مجموعات مسلحة متطرفة، بينها "ولاية سيناء" الفرع المصري لتنظيم "داعش"، الذي ينفذ بشكل متواصل، هجمات دامية تستهدف قوات الأمن والجيش في مصر.ما من شك أن الأوضاع الأمنية السيئة التي تعيشها ليبيا حاليًا، زادت من وتيرة عمليات التهريب والتسلل عبر الحدود، لاسيَّما أن عدم تأمين الحدود من الجانب الليبي أدى إلى فقدان السيطرة عليها. ومع استمرار الصراع في ليبيا، أضحت الحدود الغربية مصدر قلق متزايد للأمن والاستقرار المصري. وقد تجد مصر نفسها منخرطة في الوضع الليبي، سواء كان ذلك متدحرجًا أو مخططًا لهورغم تكرر حوادث الاشتباكات بين الجيش والمهربين إلا أنها لم تصل إلى سخونة ما شهدته المنطقة الغربية من هجمات إذا ما تذكرنا الهجوم الذي استهدف نقطة لحرس الحدود قرب واحة الفرافرة وسط صحراء مصر الغربية التي تبعد قرابة 400 كلم عن الحدود مع ليبيا وأدى إلى مقتل 22 جنديا في يوليو 2014 حيث حامت الشكوك يومها حول ضلوع الضابط المنشق هشام عشماوي الملقب بأبي عمر المهاجر زعيم تنظيم المرابطون الموالي للقاعدة في العملية.نمو تنظيم داعش في ليبيا ومحاولته التمدد إلى مناطق جديدة مع ما يمثله من ارتباط عضوي بتنظيم ولاية سيناء الذي يحاول بدوره التمدد بدوره خارج دائرة عملياته المعتادة في سيناء إلى مناطق وادي النيل يفاقم من الخطر الاستراتيجي على الأوضاع الأمنية المصرية.وبما أننا نتحدّث عن عولمة الجهاد الذي هو مرتبط بتنظيم "ولاية سيناء" أو "المرابطون". نجد أن هناك دعوات تحثّ مصر على التدخل العسكري في ليبيا، وهذا التدخل منشؤه أنّ أغلب السلاح والتمويل وربما العمل العسكري يأتي من هناك، بعيدًا من الخلاف أو الصراع مع الإخوان المسلمين. الحقيقية أن تنظيم داعش يحاول أن يستدرج مصر إلى المستنقع الليبي كحال فروع القاعدة في مصر وليبيا. فهذه التنظيمات تحركها الدوافع الأيديولوجية وليست السياسية، ولا تهتم لحجم العداء الذي تخلقه من حولها بقدر تحقيق النبؤة التي تؤمن بها. وتنظيم داعش في ليبيا أو مصر ليس حريصا على الانتصار أو الخروج بأقلّ الخسائر فهو يريد الحرب للحرب ذاتها، فالحرب تؤدي إلى الفوضى، والفوضى هي البيئة التي ينتعش فيها. وهو يحاول ملء الفراغات التي تغيب عنها الدولة القومية. وتيارات الجهاد العالمي تغذّيها الحروب وهي التي توقظها، بدليل أنّ استراتيجيته تنظيم القاعدة لسنة 2020 كانت تعتمد في جزء كبير منها على استدراج الولايات المتحدة للتورط عسكريا في الشرق الأوسط وخلق مناطق صراع ساخنة. حالة العراق على سبيل المثال أنعشت هذه التنظيمات وأسّست للسلفية الجهادية وصعودها. وقد نظّر لهذه الحالة أبو بكر ناجي في كتابه "إدارة التوحّش". على مصر إذا كانت تريد حفظ حدودها مع ليبيا وحماية مصالحها القومية فيها أن تحول دون تفكك البلاد بدعم الحكومة المعترفة بها دوليا (حكومة السراج) ثم الدخول كطرف فاعل في توازنات الشرق الليبي، بما يحجم من قدرة التنظيمات المسلحة على التأثير على المصالح المصرية.كما يتطلب الأمر بلورة استراتيجية على المدى البعيد في قراءة الوضع الليبي والتركيز على أن الاستقرار السياسي ولو نسبيا في ليبيا هو حالة يمكن التعامل معها بما يمكن القاهرة من استمرار التفاعل والتأثير. وهي حالة تتطلب الفصل بين تيار الإسلام السياسي الليبي وتداعيات الحالة المصرية من الصراع مع الإخوان المسلمين من خلال خلق مداخل مناسبة للتعامل مع هذا الفريق وعدم استبعاده بالكامل تعظيما لمكاسب مصرية في المعادلة السياسية الداخلية الليبية.
1301
| 02 يوليو 2016
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
2745
| 05 ديسمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2613
| 30 نوفمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1599
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1548
| 02 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1239
| 06 ديسمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1185
| 01 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1155
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1143
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
813
| 03 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
633
| 05 ديسمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
618
| 30 نوفمبر 2025
في مايو 2025، قام البابا ليو الرابع عشر،...
543
| 01 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية