رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

في عيده.. يفقد لبنان بوصلته

يعتبر يوم 25 مايو يوماً استثنائياً للبنان، فهو اليوم الذي أنجزت فيه المقاومة الإسلامية المتمثلة بحزب الله انتصارها على جيش الاحتلال في العام 2000 بعد أن استلمت البندقية من الجماعة الإسلامية والأحزاب اليسارية التي كانت أول من فتح جبهة النضال في الجنوب اللبناني، وهكذا استطاعت المقاومة استعادة الأرض التي احتلتها إسرائيل منذ العام 1982 يوم اجتاحت الجنوب وصولاً إلى مدينة بيروت. هذا اليوم الذي يفترض أن يكون عيداً للبنانيين جميعاً على اختلاف أطيافهم وألوانهم السياسية حيث وضع لبنان على خارطة الدول التي استطاعت أن تحرر غالبية ترابها بقوة وشجاعة أبنائها الشباب الذين آمنوا بعدالة حقهم وقوته في استرجاع أرضهم، لم يكن عيداً حقيقاً ولم يعشه اللبنانيون كذلك، رغم أن الحكومة اللبنانية أعلنته عطلة رسمية أقفلت فيه المؤسسات الحكومية. فاليوم المأمول فيه أن يتناسى اللبنانيون اختلافاتهم السياسية، وأن يأخذوا فترة استراحة لبضعة ساعات فقط ليتوحدوا أمام هذا الحدث الفريد لما له من رمزية وقيمة وطنية لم يفعلوا ولم يستطيعوا ربما! فعيد التحرير يأتي واللبنانيون منقسمون حول أنفسهم تخوينا وتناحراً، فما يعتبره البعض إنجازاً تاريخياً، سطره لبنان على غفلة من الزمن، بات آخرون يرونه بداية تحول لحزب أفرغ يده من مقاومة الاحتلال ليوغلها في دماء إخوانه اللبنانيين فارضاً عليهم أي لبنان يريد! وتحت أي حلف ينطوي، وهكذا.. فما كان سلاحاً شريفاً أصبح سلاحاً للتخوين وإرهاب الشقيق في الوطن.. وما كان يسمى سواعد التحرير والعزة أصبحت قبضات تضغط على رئة من تبقى من الشعب اللبناني لتخنقه. يحتفل البعض اليوم بعيد التحرير والبلد يعيش فراغاً سياسياً وتردياً اقتصادياً وتدهوراً اجتماعياً، إذ مضى على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي أربعة أشهر وحتى اللحظة لم تبصر حكومته النور، لا لشيء سوى لاختلاف على الحصص والأسماء داخل ما يسمى بـ "الأكثرية الجديدة" التي يفترض أنها من لون واحد.. فلا شيء في الأفق يوحي أننا أمام ولادة حكومية طبيعية أو قيصرية، بل أغلب الظن أنه لا "حمل" في الأساس حتى نراهن على نوع المولود وشكله، والمتفائلون من يرون أنه لا حكومة قبل انتهاء فصل الصيف. وهو اليوم نفسه بالتمام والكمال الذي يكون فيه رئيس الجمهورية ميشال سليمان قد أكمل نصف ولايته في رئاسة الجمهورية، لكن سليمان أضعف من أي وقت مضى، وبعد أن كان يُنظر إليه على أنه "راعي للحوار الوطني" بين الأطراف اللبنانية المختلفة والمؤتمن على الدستور وحماية البلاد أصبح الآن طرفاً وفقاً لما يتهمه البعض، فسهام الغمز واللمز، التي يطلقها البعض، تُحيله في حلبة الصراع بين الأقطاب السياسية من حكمٍ إلى مصارع.. فلا هو قادر على أن يجمع اللبنانيين على طاولة لإدارة حوار مأمول بينهم، ولا هو يملك الحرية في أن يتخذ قراراً منفرداً يضع فيه حداً للاستنزاف المستمر في هيبة الدولة ومواردها. لبنان اليوم بلا أفق سياسي يعيش، ولا إستراتجية واضحة يملك، والتيارات السياسية اللاعبة فيه لا تنظر أبعد من أرنبة أنفها، والمصارعة على الحصص والامتيازات داخل الحكومة ومؤسساتها يكاد يكون هو الشغل الشاغل لها في حين أن البلد يعيش ظرفاً استثنائيا عربيا وإقليماً. فما تشهده الساحات العربية من تغيرات، وما تمر به سوريا من اضطرابات تلقي بثقلها على لبنان في وقت لا يوجد من يقود دفة الأمور هنا، فحزب الله في واد وحلفاؤه في واد، أما خصوم الطرفين فهم في عالم آخر. الجميع يتحدث عن لبنان وتحصينه وحمايته من التداعيات التي تفرزها التحولات الجارية في الدول العربية القريبة والبعيدة ولا أحد يعرف كيف يحصن لبنان، بل من الطرافة أن ما يراه البعض طريقاً لتحصين لبنان يراه آخرون تدخلاً سافراً في شؤون الآخرين، ووضع البلد في عين العاصفة. وبين هذا الموقف وذاك، ينقسم الشارع اللبناني المنقسم بدوره على زعمائه في حين تمر الأزمة الاقتصادية كالمحدلة تطحن كل ما يقف في طريقها.. لنسأل – إذا حق لنا أن نسأل - هل بقي للبنانيين عيدٌ يحتفلون به؟!

421

| 28 مايو 2011

رحل بن لادن.. ماذا عن المحافظين الجدد؟

حظي مقتل زعيم تنظيم القاعدة الشيخ أسامة بن لادن بتغطية واسعة من جميع وسائل الإعلام العربية والدولية وهو يستحق ذلك لما كان له من دور- شاء ذلك أم لم يشأ - في تغيير خريطة العلاقات الدولية، وإدخال مفردات جديدة في عالم السياسة مثل “الإرهاب” و”العنف” و” الإسلام المتشدد” و”دول محور الشر” وغيرها من مفردات تمت استعارتها من المصطلحات الدينية قبل أن يتم إسقاطها على عالم السياسة. وقد نجح الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في تبني هذه المصطلحات وتعامل معها كمسلمات لا تحتمل الخطأ، فأنشأ إستراتجية “الهجوم الاستباقي” وجعلها أساس علاقات بلاده بالدول الأخرى على قاعدة “ من ليس معنا فهو ضدنا”، وهي معادلة ربما تصح في أي مجال يعمل فيه المرء إلا في “علم السياسة” الذي يقوم أساساً على التفاوض والمرونة وسرعة التغيير في المواقف طالما أن الهدف الأساسي هو تحقيق أكبر قدر من المصالح بأقل ما يمكن من التنازلات. وقد استفاد بوش بحملته على القاعدة وما كانت تقدمه له من أفعال ليتخذها ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وحتى انتهاك سيادتها، وما حصل من هجوم عسكري على منزل بن لادن دون علم الحكومة الباكستانية إلاّ دليلاً عن السيادة التي نتحدث عنها. رحل بن لادن عن عالمنا بجسده، وكان على وشك الرحيل بفكره أصلاً بعد أن نجحت الثورات السلمية في مصر وتونس في إنجاز أهدافها بعيداً عن لغة العنف والدماء وفرز المجتمعات ما بين “دار حرب” و”دار إسلام”، أو فرز الأفراد على أساس “الولاء والبراء”.. فقد برهنت الثورة المصرية أن الشعوب العربية ناضجة أكثر مما كان يتخيل صموئيل هنتجتون مروج فكرة صراع الحضارات في القرن الحادي والعشرين. وقد بدت أكثر استعدادا وتقبلاً للديمقراطية، فالمراهنة على صراع الحضارات فشل ولولا وقوف الأقباط المسيحيين إلى جانب إخوانهم المسلمين لما كتب لثورة مصر الحياة. بل إن الشعارات التي تحمل في الثورات العربية اليوم هي الحرية والديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة خلافاً للشعارات التي تنادي بها القاعدة وأخواتها، وقد بدا الشارع العربي حريصاً على إنشاء الدولة المدنية لا الدينية، مستلهماً التجربة التركية أكثر مما تلهمه الثورة الإيرانية. ومع رحيل بن لادن يتوجب على الولايات المتحدة أن تتخلص من لغة الاستعمار والاستكبار والتعالي وأن تتخلى عن منصبها “شرطي العالم” وأن تحدّ من دعمها للديكتاتوريات العربية، فما أثبتته الوقائع هو أن العنف يولد العنف، ولولا الاستعمار السوفيتي لما وجد تنظيم القاعدة، ولولا البلطجية الأمريكية في دعم النظم الفاسدة لما تحولت أفكار القاعدة من محاربة العدو القريب إلى محاربة العدو البعيد ورأس الأفعى فيه هي الولايات المتحدة. كما عليها، أن تعرف أكثر عن شعوب المنطقة، وأن تكفّ عن التنظير بالقيم العالمية في الوقت الذي تغض فيه النظر عن فساد النظم العربية بل وتدعمها انطلاقاً من مسلمة لا برهان عليها أصلا، مفادها: “الاستقرار مقدم على قيم الديمقراطية والحرية”. إذ أن الحقيقة اليوم تؤكد أن الاستقرار أساسه الديمقراطية ولا يمكن الفكاك بينهما، ولكل متشكك عليه أن يسأل ما إذا كان احتلال العراق وأفغانستان جلب الأمن والأمان للولايات المتحدة ولشعوب المنطقة! وإذا كان الغرب يريد استئصال القاعدة وليس رأس بن لادن فقط، فعليه أن يكف عن دعم إسرائيل في اعتداءاتها اليومية على كل ما هو فلسطيني من تاريخ وجغرافيا وإنسان.. فلسطين التي لأجلها أطلق بن لادن قولته الشهيرة “ لن ينعم الغرب بالأمن ما لم ينعم به الفلسطينيون”، هي نفسها فلسطين التي اتخذتها النظم العربية شماعة لفرض حالة الطوارئ ومصادرة الحريات وعدم تحقيق نمو اقتصادي معقول بحجة التهيؤ لمواجه عدو، تثبت الأيام أنه لم يكن هو العدو الحقيقي لهذه النظم بل شعوبها. رحل بن لادن، وكان ينبغي أن يرحل لأنه كان ينتمي إلى التاريخ وليس إلى الحاضر، وما ينطبق على بن لادن ينطبق على المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، مع الفارق طبعاً بين رجل نذر نفسه لدينه ومبادئه وبين مجموعات كانت تريد الاستيلاء على مقدرات وثروات الشعوب بما توفر لديها من أساليب قذرة.

437

| 07 مايو 2011

خلفيات المصالحة الفلسطينية وتحدياتها

تساؤلات كثيرة تستثير المراقب للشأن الفلسطيني، كيف أن حركتي فتح وحماس استطاعتا توقيع اتفاق مصالحة بالأحرف الأولى يوم الأربعاء 26-4-2011 بعد أن ظلّت المصالحة تراوح مكانها سنوات، ويذهب لقاء ويعقد آخر ثم ما يلبث الطرفان أن يعودا للمربع الأول من جديد. فما الذي استجد بشكل جوهري حتى جعل من الإمكان التوقيع على اتفاق المصالحة بهذه السرعة؟ وهل لهذا الاتفاق أن يصمد طويلاً طالما أن الحديث هو عن مشروعين فلسطينيين متناقضين تماماً لبعضهما البعض، مشروع السلطة الذي آمن بالتفاوض طريقاً وحيداً للوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة ونبذ كل أشكال المقاومة، ومشروع آخر آمن بكليته بالمقاومة المسلحة طريقاً للحل ورفض كل أشكال التفاوض. الاتفاق بالأحرف الأولى شمل خمس نقاط منها دمج قوات الأمن وتشكيل حكومة مؤلفة من شخصيات وطنية على أن يبدأ تنفيذ الاتفاق عقب حفل التوقيع الرسمي المقرر في القاهرة مطلع الشهر المقبل، وقد جاء عقب انهيار محادثات السلام بين السلطة وإسرائيل العام الماضي، الأمر الذي دفع الرئيس الفلسطيني للتهديد بالذهاب إلى الأمم المتحدة من جانب واحد للحصول على تأييدها في سبتمبر المقبل إنشاء دولة مستقلة على جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وقد عزز من هذا الاحتمال تأييد عدد كبير من دول العالم لمثل هذا التوجه ومن بينها دول في الإتحاد الأوروبي. وبناء عليه فإن السلطة التي خسرت كامل رصيدها في الرهان على التفاوض مع الحكومات الإسرائيلية التي كانت ترفض أن تضع سقفاً زمناً لجولات التفاوض لم تجد أمامها إلا الذهاب إلى الأمم المتحدة لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية. ومن هنا فإن السلطة تحتاج إلى وحدة الصف الفلسطيني الداخلي حتى تنال هذا الاعتراف الذي يحتاج بدوره إلى دعم عربي وإسلامي تام، وهذا لا يمكن في حال كان الانقسام السياسي الفلسطيني على حاله، فضلاً عن أن السلطة التي لا تربطها علاقات جيدة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية وعلى رأسها بنيامين نتنياهو فإنها على ما يبدو بدأت تتجه إلى استعمال ما لديها من أوراق للضغط على كل من إسرائيل التي حاولت نسف كل ما أنجزته السلطة من تفاهمات مع الحكومات الإسرائيلية السابقة والضغط في ذات الوقت على واشنطن والرئيس أوباما الذي بدا عاجزاً تماماً أمام جموح حكومة نتياهو في تسريع وتيرة الاستيطان الذي يهدد قيام دولة فلسطينية مستقلة. أما بالنسبة لحركة حماس فإنها بحاجة إلى تخفيف الخناق المفروض على قطاع غزة كما أنها تريد بناء علاقات جديدة مع الحكومة المصرية الجديدة التي بدت أكثر توازناً في التعاطي مع الملف الفلسطيني عما كان عليه نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الذي كان يمارس ضغوطا على حماس أكثر مما كان يتوقعه الإسرائيلي كي تقبل بشروط رباعي الوساطة الدولي حماس وفتح اليوم تريدان أن تعطي الحكومة المصرية دفعة أمل في إعادة الإمساك بالورقة الفلسطينية وأنها طرف مرغوب به بل والحاجة إليه ضرورية في إدارة الصراع مع إسرائيل للحصول على دولة فلسطينية مستقلة لاسيَّما وأن مصر وعلى لسان وزير خارجيتها نبيل العربي أكدت أنها راغبة في الدعوة إلى مؤتمر دولي لإطلاق مفاوضات السلام والوصول إلى "حلّ للصراع" وليس إلا "إدارة الصراع" كما كانت تجري المفاوضات السابقة، وهذا الكلام بحد ذاته مفيد لكل من حماس وفتح ومعهما بقية الفصائل الفلسطينية. كما لا يخفى على أحد تطورات أحداث الثورات العربية وما تلقيه بظلالها على الوضع الفلسطيني وقيادات فصائله الموجودة في عدد من الدول العربية، وهذا يستدعي من كل الأطراف الفلسطينية إعادة نظر في سياساتها ومناهجها بما يتفق مع المرحلة القادمة حتى لا تصبح جزءاً من منظومة طوتها الأحداث وتجاوزتها الثورات العربية، وهذا كما ينطبق على حركة فتح التي كانت تلقى دعماً قوياً من نظام حسني مبارك ينسحب أيضاً على حركة حماس التي هي بحاجة أيضاً لاستثمار التطورات العربية لصالحها. لكن هل بإمكان هذا الاتفاق أن يستمر؟ الإجابة -على ما أعتقد - صعبة، فالسلطة الفلسطينية التي تعتمد بشكل تام على المعونات الغربية في بناء الدولة المرتقبة هل هي قادرة على مواجهة واشنطن ومعها الإتحاد الأوروبي الذي لا يقبل بحال من الأحوال بحكومة فلسطينية تشارك فيها حماس إذا أصرت على موقفها بعدم الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ولم تنبذ المقاومة المسلحة للوصول إلى دولة فلسطينية، ثم هل السلطة قادرة ومستعدة لتحمل احتمالية عودة الاحتلال لكامل الضفة الغربية في حال قررت إسرائيل قلب الطاولة على الجميع؟.

800

| 30 أبريل 2011

من أجل علاقات لبنانية سورية سليمة

حمى الله سوريا وشعبها الطيب من أي مكروه، فلا يسع أيُ لبناني فيه خلية من عروبة أو إسلام إلا ويتمنى لسوريا دوام الاستقرار لما لها من دور وتأثير مباشر وغير مباشر على لبنان، يعكس ذلك الشعور تلك المعادلة التي تتفق عليها غالبية الأحزاب السياسية في لبنان سواء كانت مناهضة للنظام السوري أو مؤيدة له، ومفاد المعادلة هي " أمن لبنان من أمن سوريا" وبناء على المعادلة آنفة الذكر فلا يجوز للبناني إلا أن يعمل على استقرار سوريا حاله كحال أي سوري. وحتى أكون منصفاً فإني لا أعلم أن جهة سياسية في لبنان تُعلن أو تدرج في أدبياتها السياسية المعلنة أنها معنية بتغيير النظام في سوريا أو تسعى لذلك وأن جلّ ما يُطالب به خصوم سوريا في لبنان هو أن تحترم سوريا الوضع الداخلي اللبناني وأن تكون العلاقة بين البلدين هي من دولة إلى دولة شقيقة تجمعهما أواصر الأخوة ووحدة المصير ولا يريد هؤلاء من سوريا أكثر مما تريد سوريا منهم فيما يتعلق بأوضاعها الداخلية. ورغم كل ما سبق فإن الأحزاب السياسية في لبنان ربما تفهم حسن الجوار مع سوريا هو التدخل بشكل ما في أوضاعها الداخلية، ولو بدأنا من قوى 8 مارس والتي تتشكل من ثلاث قوى أساسية هي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر إضافة لأحزاب سياسية أخرى فإنها لم تكتف بالدعاء لسوريا لتجاوز المحنة الحاصلة بل رأت أن واجبها الإدلاء بدلوها في الموضوع. ولترجمة وقوفها إلى جانب سوريا فقد عقدت ما يسمى بـ " لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية وتحالف القوى الفلسطينية" مؤتمراً في العاصمة بيروت يوم الاثنين الماضي من أجل - ما قيل إنه - "التضامن مع الشقيقة سوريا في مواجهة المخطط الأمريكي الصهيوني الغربي للنيل من دورها الوطني والقومي المقاوم"، حيث رأى النائب عن كتلة حزب الله نواف الموسوي أن المطلوب اليوم هو دعم سوريا، " الدولة والقيادة التي أبت إلا أن تكون في موقع المقاومة"، في حين قال النائب علي حسن خليل باسم رئيس المجلس النيابي نبيه بري إنه "لولا سوريا بشار الأسد وقبلها سوريا حافظ الأسد لما كان هناك لبنان القوي القادر المقاوم الممانع والمنتصر على العدو الإسرائيلي". أما رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط فهو يذهب إلى ما هو أبعد من الحديث عن معادلة " أمن لبنان من أمن سوريا " إلى القول إن سوريا أسهمت إلى جانب القوى الوطنية والتقدمية بمواجهة مشاريع التقسيم والتفتيت، وأسقطت اتفاق 17 مايو، مما فتح الطريق إلى اتفاق الطائف. ولم تقتصر قوى 8 مارس على دعمها للقيادة السورية بل تبنت رؤيتها للأحداث بشكل لا يحتمل النقاش ولا حتى اللبس، بل يذهب النائب السابق لمجلس النواب إيلي فرزلي – معروف بمناصرته التاريخية لنظام الأسد – إلى القول إنه "مع الرئيس الدكتور بشار الأسد ظالماً أو مظلوماً ". أما في المقلب الآخر وأقصد هنا قوى 14 مارس وفي قلبها تيار المستقبل، فقد اتهمه التلفزيون السوري الرسمي بالوقوف وراء الاضطرابات التي تشهدها سوريا، وما قاله السفير السوري في لبنان عبد الكريم علي فإن الحكومة السورية تُجهز ملفاً كاملاً ستقدمه للدولة اللبنانية تثبت حجم ودور تيار المستقبل في تلك الاضطرابات وهو ما دفع تيار المستقبل للرد بقوة على هذه الاتهامات معتبراً أن النظام في سوريا يريد تصدير أزمته إلى لبنان من خلال اتهام جهات لبنانية بما تشهده المدن والقرى السورية من احتجاجات شعبية تطالب بالحرية والكرامة على غرار بقية الشعوب العربية. على أية حال، لا يحق لأحد أن يؤكد هذه الاتهامات أو ينفيها لمجرد الانتماء السياسي، ولعل الجهة المعنية بالفصل في الموضوع هي الجهات القضائية المختصة، ولحين أن تبت تلك الجهات بالموضوع، ألا يحق لنا أن ندعو الأحزاب السياسية اللبنانية موالاة ومعارضة إلى التعاطي بوسطية مع الملف السوري، كما ندعو إلى علاقات سليمة بين البلدين تقوم على الاحترام المتبادل بحيث نحصن الجبهتين اللبنانية والسورية إذا كان هناك أصلاً اختراق خارجي يهدف إلى التخريب؟ وإذا كان أحد يشكك في ضرورة ما ندعو إليه فإننا نسأله هل من تفسير أن جميع التظاهرات التي شهدتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول عربية التي نظمتها الجاليات السورية كانت تخرج لتندد بالعنف ضد المتظاهرين في حين تخرج التظاهرات في لبنان لتؤيد النظام السوري فقط؟.

711

| 23 أبريل 2011

إعدام الرهينة الإيطالي في غزة وحماقة المتشددين

يقال إن الإمام أبو حنيفة رحمه الله دخل على الإمام جعفر الصادق رحمه الله، فقال أبو حنيفة له: أوصيني يا إمام، فقال له الإمام جعفر: "إياك ومصاحبة الأحمق يريد أن ينفعك فيضرك". فلا خطورة على المرء من الأحمق حتى لو أظهر الحب والمودة.. ربما هذا ما ينطبق على ما يسمى بالحركات السلفية الجهادية المتواجدة داخل قطاع غزة من أصحاب المسميات الكبيرة: "جيش الإسلام"، "التوحيد والجهاد " وغير ذلك فلا أضر ولا أخطر على أهل غزة من هؤلاء، حتى إن الحصار الذي يضربه الاحتلال الإسرائيلي على غزة ومن بعده الحرب التي شنها عام 2008 وما يرتكبه يوميا من جرائم بحق مليون ونصف مليون فلسطيني في القطاع لم يستطع أن يؤثر على عزيمة ونضال وصبر أهل غزة بمثل ما تؤثر أفعال هذه الجماعات التي تدعي زورا وبهتاناً انتماءها للفكر السلفي القائم على إحقاق الحق وإزهاق الباطل وتطبيق العدل حتى مع المخالف في الدين والفكر.. وهنا أريد أن أسأل هل باستطاعة الاحتلال أن يشوه النضال الفلسطيني والمقاومة الإسلامية بقدر ما أقدمت عليه مجموعة من الموتورين ممن يقولون إنهم ينتمون إلى الفكر السلفي الجهادي من إعدام شاب إيطالي شنقاً لم يأت زائراً ولا سائحاً إلى غزة بل جاء مناصراً ومتضامناً مع أهل القطاع. فقد وصل ناشط السلام الإيطالي فيتوريو أريجوني (36) عاماً في أغسطس 2008 على متن قارب، جلب إمدادات إنسانية سمحت إسرائيل بدخوله إلى قطاع غزة وبقي الرجل في غزة حتى مقتله وهو يعمل صحفي ومدون يُسلط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني. وأريجوني ثاني أجنبي يختطف في غزة منذ اختطاف مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الآن جونستون الذي احتجز لمدة 114 يوما على يد جماعة جيش الإسلام التي تستلهم نهج تنظيم القاعدة، وقد أطلق سراحه عام 2007. وقد بررت الجماعة المتشددة خطف أريجوني بأنه "ما دخل ديارنا إلا لإفساد العباد والبلاد ومن وراءه دويلة الكفر إيطاليا"، وذلك في نص مكتوب مرفق بتسجيل مصور يظهر فيه أريجوني على موقع يوتيوب YouTube معصوب العينين ودماء حول عينه اليمنى ويد تجذب رأسه إلى أعلى ليواجه آلة التصوير. إذ طالب الخاطفون حكومة حماس "بالإفراج التام عن جميع معتقلي السلفية الجهادية وعلى رأسهم الشيخ المجاهد هشام السعيدني"، مقابل الإفراج عن الرهينة الإيطالية، وقد ضربوا لذلك موعداً محدداً إلا أن إيهاب الغصين الناطق باسم وزارة الداخلية في غزة قال إن الخاطفين كانوا يعتزمون من البداية قتل ضحيتهم لأن الجريمة حدثت بعد فترة قصيرة من اختطافه حتى قبل انتهاء المدة المضروبة للإفراج عن زعيمهم. ورغم أن شخصاً ادعى أنه "إياد الشامي – منسق عام الجماعة السلفية في غزة" قال خلال مداخلة مع قناة العربية في الخامس عشر من الشهر الحالي أي بعيد ساعات من إعلان مقتل الرهينة الإيطالي من أنه تم التواصل مع جميع العلماء الذين ينتمون إلى التيار السلفي في غزة وقد ناقشوا موضوع اختطاف ومقتل الإيطالي وأنهم خرجوا بالإجماع على أن هذا العمل لا يجوز ولا علاقة له بديننا الحنيف، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يكون أحد ممن ينتمون إلى هذه التيارات قد أقدم على هذا العمل فليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الأفعال، كما أن أفراد هذه التيارات غير منضبطة فكريا ولا تنظيمياً وهي سرعان ما تنقسم على نفسها وتتشظى إلى كيانات وتنظيمات جديدة. ومن نافلة القول إن هذا العمل الجبان يخدم إسرائيل في نشر الفوضى والتسويق في الغرب أن قطاع غزة مكان غير آمن ولا يمكن الثقة بمن فيه فضلاً عن أن ذلك يعرض المزيد من بعثات التضامن للخطر مثل الأساطيل التي حاولت كسر الحصار البحري الإسرائيلي على غزة لاسيَّما ونحن على موعد مع قافلة جديدة من أسطول الحرية حيث يعتزم نشطاء دوليون إرسال ما يصل إلى 15 سفينة أواخر الشهر المقبل في تحد للحصار المضروب على القطاع في الوقت الذي بدأت الخارجية الإسرائيلية التحرك لدى الدول الأوروبية لمنع رعاياها من المشاركة في الأسطول خوفاً على حياتهم.. فمن كان يخدم هؤلاء الخاطفين؟ هل كانوا يخدمون تطبيق الشريعة التي يدعون إليها في قطاع غزة؟ النتيجة التي تترتب على هذا العمل وقبله اختطاف مراسل البي بي سي هو نشر الفوضى والانفلات الأمني وتقليب المجتمع الدولي على غزة وفصائل المقاومة، أياً كانت نوايا هؤلاء الخاطفين التي لا تبرر هذا السلوك غير السوي وغير الإنساني والذي يتبرأ منه كل دين، فما علاقة أخذ شخص رهينة والتهديد بقتله في حال لم يتم الإفراج عن شخص آخر لا علاقة تجمع بينهما؟

989

| 16 أبريل 2011

ليبيا.. بين وئد الثورة وخطورة التقسيم

كلما طال أمد المعارك بين الثوار وكتائب القذافي كلما زاد القلق على مسار الثورة الليبية التي بدأت سليمة على غرار أختيها في تونس ومصر، إلا أن لجوء الثوار إلى الكفاح المسلح كخيار أخير للدفاع عن أنفسهم أمام بطش القذافي الذي لا مثيل له، بدء يدفع بالبلاد نحو حرب داخلية طويلة لا يبدو أنه سيكون فيها غالب ومغلوب طالما أن الثوار ما استطاعوا أن يطوروا من قدراتهم القتالية بما يسمح لهم بالتقدم نحو طرابلس وطالما أن هجمات الأطلسي لم تفلح في ردع القذافي وإضعاف قدراته وتفكيك قوته الداخلية.. وبين هذا وذاك تبقى اليد على القلب خوفاً من أن يكون السيناريو الذي رفضه الجميع حتى اللحظة أن يكون هو الخيار الذي سيلجأ له الجميع في نهاية المطاف لوضع حد للأزمة القائمة.. وهذا السيناريو المشؤوم هو التقسيم بين شرق يلهث حول بناء دولة عصرية مستفيداً مما تحت يده من بترول وبين غرب يرى أو يفرض عليه أن يرى في القذافي ونمطه الغريب قائداً ملهماً. لكن السؤال الأهم، هل سينهي التقسيم حالة الصراع؟ الجواب هو النفي قطعاً، فإن الأزمة الليبية دخلت نفقاً مظلماً جداً، وبالتالي إذا ما وئدت ثورة الشعب الليبي فإنه لن تقوم له قائمة حتى مائة سنة قادمة. وعلى ما يبدو فإن الخطورة لن تقف عند حدود ما سيلحق بالشعب الليبي وثورته بل بمستقبل الثورات العربية على أكثر من صعيد حيث يعتبر القذافي اليوم نموذجاً مناسباً لكل ديكتاتور يواجه انتفاضة شعبية تطالب بلقمة العيش والحرية والكرامة. ولعل من نافلة القول إن التحرك العربي والدولي المطلوب لم يعد فقط لحقن دماء الليبيين بل حفاظاً على الأمن القومي العربي والسلم الدولي ولست مبالغاً في ذلك البتة، فمن يقرأ تاريخ معمر القذافي وعملياته التخريبية بحق الدول العربية والغربية يصل إلى تلك القناعة. فقد شملت جرائم القذافي، منذ مجيئه إلى الحكم، أربعين دولة عربية وإفريقية وآسيوية وأوروبية وأمريكية، فهو قد دعم ثلاثين عملية انقلابية في دول العالم باءت بالفشل، غالبيتها في دول إفريقيا. لقد كان القذافي من أوائل من دعموا تمرد الضابط السوداني جون كرينغ على الرئيس السوداني عام 1983، الأمر الذي أسس فيما بعد إلى نشوء حركة انفصالية في الجنوب استطاعت بعد سنوات من التقاتل والتفاهم إلى تقسيم السودان إلى دولتين، وأن تشجع حركات انفصالية أخرى في إقليم دارفور الغنية بالنفط ما يهدد كامل التراب السوداني. ولم تقف حدود تآمره عند السودان، فقد أذكى الصراع بين المغرب والجزائر من خلال تقديم الدعم لطرف على حساب آخر في قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها حتى اليوم، ولم تكن دولة تشاد الجارة الجنوبية له بمنأى عن مشاكله فقد أشعل حرباً طاحنة معها على امتداد 7 سنوات لم تفض إلاً لمزيد من إراقة الدم الليبي على قضية لا معنى لها. وكذلك الأمر في أوغندا حين قام بتغذية الحرب الأهلية فيها 1979. بل إنه مارس أساليب العصابات العابرة للقارات، حين دعا الإمام موسى الصدر مؤسس حركة أمل في لبنان إلى ليبيا بشكل رسمي عام 1978 لينقض عليه ويقتله ثم ينفي ذلك، ولولا أن قيادات كبيرة في الثوار أكدت نبأ مقتل الصدر على يد القذافي ودفنه في سبها لما كان عُلم مصير الرجل حتى اليوم، وهو الذي سبب أزمة دبلوماسية وشبه قطيعة سياسية بين لبنان وليبيا لا تزال قائمة حتى اليوم بسبب أعماله اللاعقلانية وغير المنضبطة. كما أن نشاط القذافي على صعيد حشد ودعم وتدريب واستخدام المرتزقة ليس جديداً فهو لديه خبرة سابقة وثرية في هذا النشاط اللاإنساني فتشير التقديرات أن عددا من قام بتجنيدهم وتمويلهم بلغ أكثر من خمسة عشر ألفا من جنسيات عديدة. وكان القذافي قد أنشأ على الأراضي الليبية عشرات المعكسرات لتدريب هؤلاء المرتزقة قبل أن يعودوا إلى بلدانهم. أما على صعيد المجتمع الغربي فقد خضع نظامه منذ مطلع عام 1986 لمقاطعة اقتصادية ودبلوماسية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان ومجموعة الدول الأوروبي بعد أن اتُهم بتنفيذ هجومين على مطاري النمسا وروما عام 1985، وتفجير ملهى ليلي في برلين عام 1986. ثم فُرضت عليه عقوبات دولية من قبل الأمم المتحدة منذ أبريل 1992 بسبب تورّطه في حادثي تفجير طائرتي (بان آم) عام 1988 فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية ممّا أسفر عن مقتل (259) و(يو. تي. إي) الفرنسية فوق سماء النيجر عام 1989 ومقتل 171 شخصا كانوا على متنها. واستمرت القطيعة الدولية معه حتى العام 2003 حين سوى مشاكله مع الغرب حيث قام باستجداء الولايات المتحدة من خلال تفكيك ما سمي بالبرنامج النووي الليبي ونقل ما لديه من كميات اليورنيوم إلى الولايات المتحدة على متن طائرة عسكرية أمريكية خوفاً من أن يلحق به ما لحق بنظام صدام حسين، وتعهده بدفع تعويضات كبيرة جداً لذوي ضحايا لوكربي وغيرها.. كل ذلك على حساب دماء وثروات الشعب الليبي الذي يئن حتى اللحظة من بطش وطيش القذافي الذي بذّر الثروة الليبية يمنة ويسرة في حين يعيش شعبه حياة لا تقل مهانة وفقراً عن غيره من الشعوب العربية التي تعاني دولها من فساد مالي وسياسي وندرة في الموارد الطبيعية. وبعد هذه العجالة من مسيرة القذافي لم يعد أمام المجتمع الدولي سوى العمل على تغييب القذافي وحكمه إذا ما أراد عالماً خالياً من الاضطرابات في شمال إفريقيا وبناء دولة ليبية عصرية.

863

| 09 أبريل 2011

هل يمتلك الرئيس صالح الحكمة اليمنية فيتنحى؟

في زحمة الأحداث المتسارعة في اليمن، والتي يصعب على المتابع الإحاطة بها يتساءل المرء هل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عاجز أن يكون مختلفاً عن نظرائه في مصر وتونس وليبيا في أن يخرج من الحكم خروجاً مشرفاً يحفظ له ماء وجهه من ناحية ويفرض احترامه ووقاره عند من يطالبونه بالاستقالة والرحيل من ناحية آخر! لكن للأسف جاء خطاب الرئيس اليمني الأخير أقل بكثير مما يتوقعه الكثيرون بل بدا أنه بعيد جدا عن واقع الشارع وانه يغرد خارج السرب تماماً حين اتهم المنشقين من الجيش بأنهم يسعون للصعود إلى السلطة عبر الانقلابات لأن زمن الانقلابات قد ولى، بل بدا عازماً على مواجهة عسكرية مع من يريد أن يقف في وجهه من القيادات العسكرية والسياسية حين أشار إلى أن أي محاولة للاستيلاء على السلطة يمكن أن تؤدي لحرب أهلية، وذلك في كلمة أدلى بها أمام اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. ورغم نصاعة المشهد إلا أن حلقات الثوار تُضيق الخناق على رقبة صالح يوماً بعد يوم مع ظهور انشقاقات واسعة في حزبه وانحياز قيادات عسكرية وسياسية لساحات التغيير، وصالح يبدو متوجهاً للتصعيد مع الشباب الثوار وليس مستعدا للنزول عند مطالبهم حين جمع مجلس النواب في جلسة غير شرعية وغير مكتملة النصاب لمصادقة على قانون الطوارئ الذي دعا إليه، علماً أن قانون الطوارئ ساري المفعول منذ التسعينيات في الشارع اليمني حتى لو لم يكن هناك قانون يشير إليه حسب ما يقول بعض المعارضين للرئيس صالح. ومع إصرار صالح على دفع الشباب في ساحة التغيير على القبول بمبادرته التي تنص على رحيله مطلع العام القادم بعد إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة ورفض الثوار التفاوض معه قبل الرحيل نستطيع القول إن فصلاً جديداً دخلت به الثورة اليمنية بعد انضمام عدد من الألوية والقيادات العسكرية والأمنية وقيادات في الحرس الجمهوري إلى الثورة وعلى رأس هؤلاء قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية وقائد الفرقة الأولى مدرع اللواء علي محسن الأحمر، إذ كان يُنظر إليه على أنه اليد الضاربة للرئيس صالح إلى جانب نجله أحمد الذي يقود الحرس الجمهوري، بل أكثر من ذلك تكاد الخطورة من انزلاق الوضع اليمني إلى حمام دم على نطاق أوسع مما كان عليه يوم الجمعة الدامي ربما بدا يعلو المشهد القادم مع مناوشات حصلت بين الحرس الجمهوري والجيش الذي أعلن ولاءه للثوار.. والخوف كل الخوف من أن تتطور تلك المناوشات بين المؤسستين العسكريتين إذا ما استمر الشد والجذب بين صالح والثوار إلى اشتباكات مسلحة في بلد يوجد فيه سبعة وستون مليون قطعة سلاح، ما قد ينذر بالقضاء على اليمن ووحدته وليس على الثورة الشبابية التي أعطت طابعاً جديداً عن الشعب اليمني وشبابه تحديداً الذي يرغب بالعبور نحو دولة ديموقراطية يعتز بها وتعتز به. لم يبق أمام صالح من أوراق يستخدمها حقيقة للحفاظ على كرسي الرئاسة إذا كان بالفعل حريصا على وحدة اليمن ومستقبله، أمّا إذا كان مستعدا للتضحية والمخاطرة باليمن ومستقبله مقابل البقاء في السلطة فهو حقيقة لا يزال يملك كثيرا من الأوراق التي تسعفه على المناورة والمقامرة بمستقبله ومستقبل المقربين منه فضلاً عن مستقبل اليمن لكن ليس بالضرورة أن استعمال تلك الأوراق والتي منها تصعيد الجبهة في صعدة أو افتعال ما يحرك تنظيم القاعدة في الجنوب قد يضمن له البقاء أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. نعم إن خيارات علي عبد الله صالح تقل يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة لكن القرار العظيم الذي قد يرفع صالح عالياً بين شعبه بعد أن انخفضت شعبيته بشكل لا يحسد عليها لا يزال بيده أنه قرار التنحي الذي سيثبت به صالح أنه رجل دولة وأن قلقه الذي يردده عن الاطمئنان على مستقبل اليمن قبل تنحيه هو قلق حقيقي وليس للالتفاف على مطالب الشعب، طالما أن الشعب ليس قلقاً على مستقبله بعد رحيله.

564

| 02 أبريل 2011

الشارع اللبناني والسِّباحة خارج التيار

هنا في لبنان الهمّ مختلف.. ففي غالبية دول العالم العربي يعيش الشعب على أنغام الثورات العربية التي أنارت ليل شمال إفريقيا.. هناك الناس ما بين مترقب لما ستؤول إليه الأمور في ليبيا ومصر وتونس ويده على قلبه من أن تسرق الثورة أو تجهض أو تواجه بثورة مضادة، وما بين مستلهم للثورة فيعمل على نسخ تجربتها في بلده ليطيح بحاكم لا يختلف عن أولئك الذين رحلوا أو من هم في طور الرحيل.. أما في لبنان، فكما الهمّ مختلف فإن المشهد مختلف أيضاً... ما سبق قوله، لا يعني أن لبنان لا يعيش عصر التظاهرات والمسيرات السلمية التي تحكي عنها الشوارع والأزقة في القاهرة وتونس وطرابلس وصنعاء والمنامة وبغداد وغيرها، لكن التظاهرات والمسيرات في لبنان من نوع آخر ولهدف آخر! هنا الاستعدادات تجري على قدم وساق، وماكينات الأحزاب تعمل ليل نهار، تُحضر، تنادي، تُؤجج، وتُحرّض أن تطلب الأمر من أجل الخروج إلى ساحة الشهداء يوم الأحد الثالث عشر من مارس إحياء لذكرى 14 مارس تحت عناوين ليس من بينها " الشعب يريد إسقاط النظام". وإذا كان لبنان أول بلد عربي يخرج جميع شعبه إلى الساحات والميادين في عام 2005، فيما يشبه الثورة الأوكرانية آنذاك، فإنه لم يكن خروجه لإسقاط ديكتاتور أو لإنهاء نظام، وإنما خرج ليتظاهر ضدّ بعضه البعض، بعض يريد خروج سوريا من لبنان وإسقاط النظام الأمني السوري اللبناني المشترك وبعض بالضرورة مساو أو أقل خرج ليقول "شكراً سوريا" و" معا إلى الأبد". وإذا كان الحدث مضى عليه ما يقارب ست سنوات، فإن الشعب اللبناني لم يتغير فيه شيء - أو لم يُرد له أن يتغير- ولم يستفد من الأحداث العظام خلال العام الحالي بعد أن شهد العرب أروع ثورتين عرفهما التاريخ البشري وهما الثورتان المصرية والتونسية. وها هي الثورة الليبية التي لجأت إلى الكفاح المسلح لمّا علمت أن ديكتاتورها أبى إلاّ تدمير شعبه ومحق تراثه فكان النزال المسلح الخيار الوحيد لنزع حريتها وكرامتها بالقوة أن تطلب الأمر ذلك. كما أنه لم يستفد من تجربة الشعب اليمني الشقيق الذي نسي جميع خلافاته المذهبية والإيديولوجية كما نسي دعوات بعضه الانفصالية في الجنوب ليهتف بصوت واحد في ساحات صنعاء وعدن وتعز ولحج وأب: "الشعب يريد إسقاط النظام"، و "اليمن لجميع أبنائه". لبنان المشهد فيه مختلف، اليافتات تملأ الساحات والميادين وتطغى على مشاهد الطبيعة على طول الطرق التي تصل المدن اللبنانية ببعضها، تدعو لحشد 13 مارس، شعارها واحد "لا.. لوصاية السلاح"، "الشعب يريد إسقاط السلاح".. وبما أن عدد اللبنانيين لا يزيد على أربعة ملايين إنسان، فإن الدعوة تعمل على حشد مئة ألف مواطن، ليس من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية في بلد يعيش عملياً فراغا سياسياً منذ ستّ سنوات، وليس لنزع الشرعية عن "الطائفية" التي تنخر كالسوس في بنية ونسيج المجتمع اللبناني، وليس لإعداد مشروع ينهض بلبنان اقتصادياً واجتماعياً وإنما لمواجهة خصم سياسي يحظى بقبول جميع فئات وشرائح طائفته، وهو حزب الله، من خلال الدعوة إلى تخليه عن سلاحه الذي يعتقد الحزب أنه حمى بسلاحه لبنان وشعبه من العصا الإسرائيلية الغليظة التي يهزها دائماً بوجه لبنان.. وإذا كنت أؤيد وأحترم حق كلّ لبناني في أن يحدد موقفه من سلاح المقاومة، فإني لا أرى الوصول إلى حلّ بشأنه يكون في الشارع بل على طاولة حوار كان اللبنانيون ارتضوها جميعا في عام 2008 عقب اتفاق الدوحة. إذ إن طرح السلاح في الشارع يعقد المسألة ولا يحلّها ويزيد من مأزق الوضع السياسي في لبنان ولا يستأصله ويعمق من الطرح الطائفي ولا يخفف منه، فالمستهدف وإن كان سلاح حزب الله - إذا ما افترضنا النية الطيبة للداعين له - إلا أن الآخر يراه استهدافاً لطائفته وهذا الآخر ليس حزب الله فحسب بل الطائفة الشيعية برمتها. من هنا فإن الاستقطاب سيقابله استقطاب آخر يدعو عموم الشيعة للالتفاف حول حزب الله وحركة أمل مما يفرض العزلة الطائفية على شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني يزيده تعقيداً استقطاب آخر لدى الطائفة السنية في حين تبقى الطائفة المسيحية منقسمة حول قياداتها كما هي الحال اليوم. وما بين " الشعب يريد إسقاط السلاح" و "الشعب يريد حماية المقاومة" يضيع الشارع اللبناني بين زورايب القوى السياسية وينسى حقه في الكرامة والمساواة كمواطن ينتمي إلى وطن لا إلى طائفة. وبعبارة أخرى، هناك في الأوطان العربية، يخرجون للتخلص من مآسيهم المزمنة وهنا نخرج لتعزيز مأساتنا وهي الطائفية.. هناك يخرج الناس تحت عناوين "الشعب يريد" ونحن نخرج تحت عناوين " زعيم الطائفة يريد".

580

| 12 مارس 2011

أين الشعب العربي من الثورة الليبية؟!

ما يحصل في ليبيا لا يمكن السكوت عنه عربياً ودولياً وحتى شعبياً، فالمجازر المتلاحقة بحق الشعب الليبي منذ بدء الثورة وحتى يومنا هذا تشير إلى مستوى الانحدار الذي وصل إليه نظام العقيد معمر القذافي في استعداده لقتل كامل شعبه وتقسيم بلاده إلى إمارات وولايات إذا كان ذلك يضمن له البقاء بالسلطة على جماجم الشعب الليبي... ما يتوجب علينا جميعاً كعرب وشعوب حرّة ألاّ نتحرك في الساحات والميادين وعند أبواب السفرات، وألا نسمح للثورة في ليبيا أن تجهض لأن ذلك يعني القضاء على الثورات العربية الحالية وعلى أي ثورة ستقام في دول عربية أخرى. فكثير من النظم اللاديمقراطية في العالم العربي ترقب الحدث الآن في ليبيا وإذا استطاع القذافي القضاء على ثورة شعبه فإن ذلك سيكون بمثابة "كرت بلانش" للنظم القمعية الأخرى بالقضاء على شعوبها بالطائرات على غرار ما يحصل الآن في ليبيا. وبالتالي يصبح الحلم العربي بالتحرر والحرية في خبر كان لا سمح الله. ولربما كان أفضل للشعب الليبي الانتفاض ليس في 17 فبراير من العام الجاري وإنما في الشهر السادس من العام 1996 حين ارتكب القذافي مجزرة بو سليم التي أودت بحياة 1200 سجين ليبي غالبيتهم من الإسلاميين، لأن ما حدث في سجن بو سليم آنذاك كان مؤشراً على استعداد القذافي أن يفعل أكثر من ذلك للقضاء على خصومه السياسيين في أي وقت طالما انه فعل فعلته في سجن بو سليم ولم يجد من يحاسبه حينها. اللافت في الموضوع الليبي أن القذافي كان متوقعاً ولادة ثورة في بلاده، فهو منذ اللحظة الأولى لتحرير تونس من "زين العابدين بن علي" قبل شهرين، قطع زيارة له إلى تشاد الدولة الجارة وعاد على وجه السرعة إلى طرابلس ليخرج منها إلى الإعلام كأول رئيس عربي ليقول إن على "بن علي" " أن يحكم ليس لنهاية ولايته الحالية وإنما لنهاية عمره، وأن بقاء بن علي أفضل للتونسيين من السقوط في الفوضى ".. جاء ذلك في وقت لم يعتقد أحد أن تنزلق تونس إلى الفوضى، فالبلد فيه جيش وفيه دستور وفيه نظام قائم لكن الإشكالية أن طاغية كان يتحكم بمفاصل الأمور وبالتالي فإن رحيل الطاغية وتسوية وضع حزب التجمع الدستوري الذي كان يرأسه "بن علي" كانت كفيلة لدى أي مراقب على أن الوضع في تونس يسير نحو ما يريده الشعب التونسي. اللافت أيضا أن القذافي ومع بدء الانتفاضة الليبية في 17 فبراير قام بقمع المتظاهرين سليما بكل ما أوتي من قوة ولم يدخر أي رحمة للتعامل معهم، ما جرأ الشعب الليبي إلى الخروج عن بكرة أبيه في جميع المناطق وإن كان نجاح الثورة تحقق في المناطق الشرقية لاسيَّما مدينة بنغازي التي ذاقت من القذافي الأمرين خلال حكمه... ثم هل يعقل أن يخرج نجل القذافي على الشعب الليبي بعيد أيام قليلة من انطلاق الثورة وهو يتوعد ويرعد ويهدد الشعب الليبي بشكل واضح وصريح بالحرب الأهلية وتجويع الناس وقطعه إمدادات الماء والطعام وتخريب النفط في حال لم يستجب الشعب لطاولة حوار هدفها الأساس هو إجهاض الثورة وليس تحقيق مطالبها أو الوصول إلى تسوية مع الشعب الليبي! ولعل من حق الشعب الليبي الهتاف "الشعب يريد إقامة النظام" وليس فقط "الشعب يريد رحيل النظام" فما أتى به القذافي لم يكن حقاً نظاماً سياسياً بكل معنى الكلمة حتى بالنسبة لأولئك الذين يقولون إن التسميات فقط تختلف في نظام القذافي.. وهذا الحديث عن اللانظام في ليبيا هو ما يفسر لنا الكلام الذي يخرج به علينا القذافي صبح مساء بأنه ليس رئيسا ولا ملك وإنما هو قائد ثورة وان الشعب هو الذي يحكم في ليبيا ولا دخل له بمجريات النظام القائم.. كما يفسر لنا النعوت الفضفاضة والغريبة التي يطلقها القذافي على نفسه والتي من أعجبها وأضحكها " ملك ملوك إفريقيا". عدم الاتزان الذي يُوصف به القذافي والذي دعا صديقه القديم توني بلير للقول إن "جنون القذافي ليس له حدود" هو الذي يبرر له للقول للضباط الذين جاؤوا ودعوه للتنحي منذ بدء الثورة انه هو من خلق ليبيا وانه سيدمرها عن بكرة أبيها إذا اضطره الأمر لذلك، وهو الذي يدفعه للخروج على الشعب الليبي ليقول لهم أن الملايين معه ليس من الداخل وإنما من الخارج. ولعله كان يقصد الملايين من المرتزقة القادر على جلبهم للقتال إلى صفه في القضاء على شعبه.. وهو الذي يجعلنا نصدق اليوم ما تسربه وسائل إعلام إسرائيلية من أنه اتفق مع الإسرائيلين على استقدام مرتزقة لبلاده مقابل خدمات سيقدمها لهم فيما بعد.. كل ذلك وغيره الكثير مما قد خُفي من سرقة أموال الشعب الليبي في ظل الحديث عن المليارات المنتشرة في البنوك الأوروبية والأمريكية والمسجلة باسمه وأسماء أفراد عائلته والمقربين منه. والقذافي لطالما قدم نفسه قدوة للزعماء العرب في إدارة بلادهم.. فهل من حقنا السكوت على قتل الشعب الليبي وخنق أملنا كشعوب عربية في أن نتحرر من ربقة الظلم والطغيان وأن يتحقق أملنا كعرب في "ولايات عربية متحدة" أو "الاتحاد العربي" على غرار "الاتحاد الأوروبي" بعد أن كرست النظم القائمة القطرية بين شعوبها على حساب المصالح العليا للأمة العربية.

537

| 05 مارس 2011

بماذا يختلف لبنان عن تونس ومصر؟

تونس ومصر؟ سؤال راودني كما يراود الكثير من اللبنانيين؟ وقبل الإجابة على السؤال الآنف الذكر، من المفيد معرفة ما إذا كان لبنان يحتاج إلى تغيير من هذا النوع وهو البلد الوحيد الذي لا يوجد فيه حزب حاكم ولا بديكتاتور حاكم! العارفون بلبنان يقولون. لقد عاش لبنان حراكاً سياسياً ضخماً في العام 2005، عرف بـ "ثورة الأرز"، ثورة هدفها كان القضاء على الوجود السوري الذي حكم لبنان ثلاثة عقود داعية لإنهاء سياسة الاغتيال في لبنان، لكن الحقيقة أن تلك الثورة لم تكن أصيلة أي صناعة محلية بقدر ما كانت متناغمة أو تستجيب لجهات خارجية إقليمية ودولية تريد الاقتصاص من سوريا وحزب الله. ولهذا لم تنجح تلك الثورة إذ ما لبثت أن وُئدت بعد أقل من سنتين لأنها كانت تتعدى الإصلاح الجذري في لبنان إلى محاولة توظيفها للقضاء على النظام القائم في سوريا عبر لبنان وسحب سلاح حزب الله دون أن يكون هناك ضمانات تحمي لبنان من إسرائيل.. وهناك عامل أساس في انفراط تلك الثورة هو أن طائفة كاملة غابت عنها وهي الطائفة الشيعية. وبالعودة للسؤال المطروح فإن لبنان طالما ما عُرف بأنه بلد من أفضل الدول العربية على صعيد الحريات العامة وتداول السلطة. وربما هو البلد الوحيد الذي تجد فيه عدد من ورؤساء الجمهورية ورؤساء الوزراء السابقين على قيد الحياة خلافاً للقاعدة السائدة في العالم العربي بأن الرئيس لا يفصله عن البقاء في الرئاسة سوى الموت أو الانقلاب. وهو منذ تأسيسه في العام 1920 بعد أن أعلن قائد القوات الفرنسية في لبنان الجنرال غورو إعلان دولة لبنان الكبير وإلى يومنا هذا عُرف عنه بأنه بلد الانفتاح والثقافة والحرية التي كان يحسد عليها في محيطه العربي. ولعل أقصى ما كانت تحلم به بعض الشعوب العربية هو أن تصل إلى الحالة اللبنانية. لكن ما حصل في تونس ومصر قلب المعادلة رأسا على عقب، وأكاد أقول جازماً إن غالبية الدول العربية باتت مرشحة أن تكون دول ديمقراطية ناسخة النموذجين التونسي والمصري في صيرورتها نحو الحرية والديمقراطية إلا لبنان ولبنان فقط، فما يختلف فيه لبنان عن غيره من الدول العربية أنه بلد لا توجد فيه أغلبية مذهبية كاسحة ولا حتى مرجحة وأن أي تغيير فيه لصالح تحريره من قيوده سيلبس لبوس الطائفية والمذهبية التي يعتبر لبنان نموذجا مناسبا جدا لدراسة التفاعلات المذهبية والطائفية والعرقية لأي دارس حول تفاعل المجتمعات الشرق أوسطية... قاصمة القواصم في لبنان هو انه بلد طائفي ومذهبي وأن الولاء لم يكن فيه يوماً للدولة بقدر ما كان الولاء للطائفة التي اختُزلت في بيت سياسي واحد أو عدة بيوتات داخل الطائفة الواحدة. وهذا ينسحب على جميع الطوائف اللبنانية التي شكلت المشهد السياسي اللبناني منذ تأسيس البلد وحتى اليوم.. والمعضلة التي يعانيها لبنان اليوم هو أن شعبه أقل ولاء للدولة أو النظام أيا كان شكل هذا النظام، فاسدا أو مستبداً، جمهورياً أو ملكياً.. لا فرق، فالولاء كان ولا يزال للبنان الطائفي المذهبي، ومن هنا كان بعض السياسيين اللبنانيين يطلقون على لبنان دولة المزارع... لقد كرّس السّاسة اللبنانيون الذين هم زعماء طوائف قبل أن يكونوا زعماء بلد النزعة المذهبية والطائفية بين اللبنانيين، بعد أن كان للطائفية الفضل الأكبر في تنصيبهم قادة، وفوق ذلك فقد عملوا على تكريس الفصل المذهبي والطائفي داخل طوائفهم لإبقاء المعادلة التي أنتجتهم وأوصلتهم وحمتهم من أي ملاحقة قانونية وأخلاقية لما اقترفتهم أيديهم تاريخيا بحق لبنان وشعبه، بل كان للخطاب الفئوي الدور البارز في الحد من المنافسة لهؤلاء داخل الطائفة نفسها، الأمر الذي يضمن لهم ولذراريهم من بعدهم الحكم، فهم يورّثون الحكم والنفوذ كما يورث القادة العرب أبناءهم من بعدهم، لا فرق، الرؤية واحدة والمخطط واحد والمسلك واحد ولكن يختلف المجال. في دولنا العربية الحاكم حاكم لكل البلد ومستبد بكل البلد ويورث ولده كلّ البلد، أما في لبنان فإن الزعيم هو طائفي ويملك الطائفة ويستبد بها ويورثه لولده من بعده وهكذا دواليك. فهل يمكن بعد ذلك الحديث عن أمل في لبنان على غرار ما تعيشه الشعوب العربية من حراك؟ ربما الأمل قائم.. لكنه ضعيفاً.. ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً!.

661

| 26 فبراير 2011

على هامش الملتقى العربي الدولي لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال

كان لفتة مهمة أن تحتضن الجزائر في الخامس والسادس من الشهر الجاري الملتقى العربي الدولي لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال، هذا الملتقى الذي لم يأخذ حقه في وسائل الإعلام العربية على اختلاف أنواعها على الرغم أن ما يزيد على ألف شخصية كانت حاضرة من دول عربية وإسلامية وغربية ولعل رأسهم أسرى محررون أو أهالي لهم ما بين أب وأم وزوجة . الملتقى الذي تنظمه الأحزاب العربية وهو ملتقى شعبي غير رسمي جاءت فكرته من المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن الذي يرأسه الأستاذ معن يشور، إذ حاول الملتقى تلمس كيفية نصرة أبنائنا في سجون الاحتلال من خلال "إعلان الجزائر" والتوصيات التي خرج بها والتي دعت إلى تقديم الدعم الكامل للأسرى وذويهم في نضالهم الوطني لتحرير الأرض وتشكيل هيئات متخصصة لمتابعة أحوالهم، حيث أكد الملتقى على أن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني وللأمة العربية والإسلامية وواجب ديني ووطني وقومي وإنساني يفرض على الأمة تبنيه ودعمه، كما أن الأسير في ظل الاحتلال هو مقاومة ورمز لنضال الأمة.. مستغربا تجاهل المجتمع الدولي لقضايا الأسرى والمعتقلين والمفقودين والتي تتميز بالتجاهل واللامبالاة وأحيانا بتبرير ما لا يبرر من الاعتقال والانتهاكات غير القانونية وغير الأخلاقية. ولعل أهم ما خلص إليه الملتقى من توصيات هو دعوة المنظمات العربية والإقليمية والدولية الرسمية منها والشعبية إلى تأسيس وكالات وصناديق ومؤسسات وهيئات خاصة بمتابعة الاهتمام القانوني والإنساني والاجتماعي والحياتي لهؤلاء الأسرى والعائلات المناصرة لهم. كان المؤتمر احتفالاً جماهيريا تقاسم به العرب من أقطار لبنان وسوريا وفلسطين والعراق والأردن وغيرها عذاباتهم المشتركة داخل سجون الاحتلال أياً كان هذا الاحتلال سواء كان احتلالاً إسرائيليا في فلسطين أو الجولان أو الجنوب اللبناني أو الاحتلال الأمريكي في العراق الذي قضى على أزيد من مليون شهيد ومهجر. ولعل أبرز تجليات المؤتمر التي هزت وجدان الحاضرين حين خرجت الأسيرة الفلسطينية المحررة فاطمة الزق وعلى يديها ولدها يوسف أصغر أسير محرر حيث يبلغ من العمر ثلاث سنوات ووقفت أمام منصة المؤتمر أمام ما يزيد على ألف شخص لتقول: أتيتكم بصحبة ولدي يوسف المولود في سجون الاحتلال ليقول يوسف لإخوانه الأسرى في سجون الاحتلال: لن ننساكم ولن نتخلى عنك وذلك قبل أن تتقدم طفلة جزائرية وتقدم باقة ورد إلى يوسف، مُقدمة من أطفال الجزائر أولاد شهداء الثورة إلى إخوانهم من الفلسطينيين تعبيراً عن التعاطف والامتداد الذي يأبى إلا أن يتواصل رغم تقطيع المستعمر للبلدان العربية ومحاولة زرع الشرخ والانقسام بين أبنائها. كما أن الدعوات التي دعت إلى تأييد ومباركة أسر المزيد من جنود الاحتلال على غرار الجندي الأسير غالعاد شاليط لاقت ترحيباً حادا في المؤتمر علاه صوت التصفيق الحار بعد أن كان نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد بحر دعا إليه كما دعا الملتقى إلى إدراج بند في توصياته يدعم فيه المقاومة المسلحة كخيار استراتجي للتحرر من المحتل الإسرائيلي. انتهزت فرصة وجودي في الملتقى لأتلمس الموقف الرسمي الجزائري من قضايا التطبيع والحصار المضروب على قطاع غزة لاسيما أن الجزائر كانت تمنعت عن استقبال وفود عربية قادمة إلى الملتقى من أراضي 48 لأن أصحابها يحملون جوازات سفر إسرائيلية فسعيت إلى لقاء الراعي الجزائري للمؤتمر وهو السيد عبدالعزيز بلخادم الأمين العام لجبهة التحرير الجزائرية الممثل الشخصي للرئيس الجزائري والذي شغل منصب رئيس الحكومة ووزير الخارجية لفترة في الجزائر، الذي أكد لي خلال حوار خاص معه دام لنصف ساعة أن الجزائر أرض الشهداء وأرض مقاومة الاحتلال الفرنسي لا يمكن أن تسمح بوضع تأشيرة دخولها على جواز سفر إسرائيلي لأنه كيان غاصب ومحتل، فالجزائر ترفض بشدة أي شكل من أشكال التطبيع وحين سألته ما إذا كانت الجزائر تتفهم خيارات بعض الدول العربية التي ارتضت التطبيع مع الاحتلال دون أي شروط، كان جوابه واضحاً وحاسماً نحن لا نتفهم بصراحة أي مبرر أو أي موقف لأي دولة عربية لها علاقات مع الكيان الإسرائيلي . لم يقف بلخادم عند حدود التطبيع حين بادرته بالسؤال عن تقييمه للمواقف العربية من الحصار المضروب على غزة فأبدى استياءه وغرابته من التعاطي العربية في هذا الملف لاسيما أن معبراً عربيا موجود على القطاع . وإذا كان الجميع داخل الملتقى يتفق على أن المؤتمر كان نقلة نوعية في العمل النضالي لدعم الأسرى والسعي لتحريرهم إلاّ انه يحتاج لاستكمال الأهداف التي وضعها لنفسه من خلال خطوات عملية تتناسب مع الإمكانات المتاحة ليسير في فضاء دولي يكون أكثر تأثيراً في العمل على دعم الأسرى . ولعل دعم المقاومة المسلحة كخيار أساسي قد يضمن عودة الأسرى إلى أهاليهم كما انه يكون الرادع الصارم للاحتلال من أن يتمادى في غيه وصلفه بحق أهالينا في المناطق المحتلة. وإذا كان لنا من كلمة في ختام هذا المقال فإني لا أخفي مدى إعجابي وتقديري للشعب الجزائري الذي احتضن الملتقى بكرم غير محدود داعين المولى عز وجل أن يحفظ الجزائر بأرضها وأهلها كما يحفظ لنا عالمنا العربي من كل سوء.

539

| 25 ديسمبر 2010

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4101

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1737

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1587

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1410

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1296

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1185

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1158

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

897

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

651

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

609

| 04 ديسمبر 2025

555

| 01 ديسمبر 2025

أخبار محلية