رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

«الريح المرسلة»

دأب المسلمون في شهر رمضان المبارك على مزيد من البذل والعطاء والجود والإحسان طمعاً بمرضاة الله تعالى وقبول صياهم ومضاعفة أجورهم، قال تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون) - البقرة:245 ومن أروع صور العطاء في هذا الشهر الفضيل «إفطار الصائمين» ومواساة الفقراء بإفطارهم والإنفاق عليهم مما أحببناه، قال تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) - آل عمران:92 وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة بالبذل والعطاء في هذا الشهر الفضيل كما ورد عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) متفق عليه. وقد كان الجود والبذل والعطاء من أعظم أخلاقه (صلى الله عليه وسلم)، واتصف بجميع أنواع الجود مثل الجود بالعلم، والجود بالمال، والجود بالنفس في سبيل الله، وما أحوجنا إلى أن نتبع سنة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام ونتلمس أخلاقه وهديه في كل وقت وحين، وخاصة في هذا الشهر المبارك، لا سيما أن معظم البلدان العربية والإسلامية تمر بظروف استثنائية ويعاني ملايين المسلمين من ويلات الحروب والتهجير والإبتلاء فهذه سنة الله عز وجل في عباده، قال تعالى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/ 155 - 157 إن الصيام عبادة لله تعالى وفيه خير كثير، فهو يذكر الأغنياء بالفقراء والمحتاجين والإحسان إليهم وهذا من جملة «التقوى» التي شُرع الصيام لتحصيلها، والله أعلم. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة / 183 وقد ورد في الحديث الشريف أن هناك علاقة خاصة بين الصيام والصدقة ؛ فالجمع بينهما من موجبات الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها) قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: (لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام) رواه أحمد. ومن أكثر الصور التي شهدتها في حياتي، تبرع أخت فاضلة من مدينة «هجين» في ديرالزور بأسورتها الذهبية لتوزيع مادة الخبز على الأهالي المهجرين في المخيمات، بنية الشفاء لزوجها المريض ؛ الذي ساهم بدوره بإطلاق حملة إغاثية بعنوان «الريح المرسلة» وهو على فراش الموت.. مضى صديقي للقاء وجه ربه، بعد أن رسم وأهله واحدة من أجمل صور البذل والعطاء طمعاً برضى الله تعالى ورحمته، وترك لنا العظة والعبرة..

4182

| 30 مارس 2024

لابُد للطيور المهاجرة من العودة لموطنها

محافظة دير الزور ليست كبقية المناطق، فهي السلة الغذائية لسوريا عامة، حيث تمتاز الأراضي الممتدة على ضفتي نهر الفرات بالخصوبة العالية، وتشتهر بمحاصيلها الزراعية المتنوعة من القمح والشعير والذرة والسمسم والقطن والشمندر السكري، كما تشتهر بزراعة الرمان وخصوصاً «رمان المراشدة والسوسة» شرق الفرات، والتين واللوزيات بأنواعها والزيزفون والنخيل والحور الفراتي، وكل انواع الخضار والفواكه، وتشتهر بمطاعم الكباب، حيث يتنافس كل من الدير المدينة والميادين والعشارة والبوكمال بتقديم أشهى أنواع الكباب الديري، بالإضافة إلى إقامة الولائم وطهي الطعام وتقديمه بالطريقة الفراتية التقليدية بالتعاون بين أبناء الحي أو القرية خاصة في الأعراس والمناسبات العامة. كما تشتهر الدير بزراعة الطماطم والبامية الزورية.. وفيها أجود أنواع الخيول العربية الأصيلة ومختلف أنواع المواشي وأجمل أنواع الطيور النهرية والبرية والمهاجرة. وأهلها من كرام الناس وأشرافهم وعاداتهم العربية الأصيلة متوارثة كابر عن كابر، فهم أهل النخوة وإغاثة الملهوف وإكرام الضيف ولا غرابة في ذلك، فمعظم أهلها هُم من أبناء القبائل العربية الأصيلة التي هاجرت قديماً من اليمن والجزيرة العربية واستقرت في العراق وعلى ضفاف وادي الفرات في محافظة دير الزور ومن أكبر تلك القبائل: العقيدات والبقارة وشمر وطيء والعبيد والمشاهدة والدليم وغيرها وتعتبر قبيلة العگيدات الزبيدية من أكبر القبائل في محافظة دير الزور واشتهرت بمقارعة المحتل ورفض الظلم وقيامها مؤخراً بمحاربة الغرباء، لها جذور تاريخية بمحاربة الاحتلال في القرن التاسع عشر ومما كتب في ذلك قول الشاعر: برقٍ لعج تالي الليل مثل السعــــــــيره يسقي هماليله اديار العقيـــــــــــــــدات ديار الكرم والشجاعة أهل الجزيـــــرة عقيدات لهم في موقف الطيب عـــادات اهل الرباع واهل العلوم الشهــــــــيرة شيوخنا بالزور عريبين الســـــــــلالات هزو اركان فرنسه بالسيوف الشطـــيرة حامو ثرى بلادهم من كل الطغــــــــات عيال الابرز فعالهم بالمعارك خطـــــيرة حرار موقعهم فوق روس المنيفـــــات كما تمتاز محافظة دير الزور الواقعة على الحدود العراقية-السورية بأوابدها التاريخية الضاربة في عمق التاريخ مثل آثار ماري في البوكمال وآثار الصالحية وحلبية وزلبية وآثار قلعة الرحبة وقرقيسيا في البصيرة وآثار ترقا بالعشارة وغيرها.وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية التي مرت على محافظة دير الزور وعلى سوريا عامة خلال السنوات الماضية، إلا أن القبائل والعشائر حافظت على تماسكها الاجتماعي وتمسكت بالعادات والأعراف والتقاليد المرتكزة على الدين الإسلامي الحنيف، وكانت مرجعاً للتقاضي في ظل غياب الدولة والحُكم الرشيد. فهذه المنطقة عانت من التهميش لعشرات السنين وتعرضت لجميع أنواع الغزو الفكري والثقافي والايديولوجي طمعاً في ثرواتها الباطنية والمائية والزراعية، إلا أنها كانت ولا تزال عصية على الغرباء الطامعين. ولا بد أن تتعافى سوريا الحبيبة يوماً ما ويزول عنها الظلم، ويرحل الغزاة ويعود وجهها العربي الأصيل مشرقاً فهي بلد الحضارة والتاريخ، وما تعرضت له من ظلم وقتل وتهجير ليس إلا غيمة سوداء ستزول عن سمائها بزوال المجرمين والغزاة الطامعين، وبإذن الله سيعود إليها أهلها المهجرون بأصقاع الأرض فحب الوطن أغلى من الروح ولابُد للطيور المهاجرة من العودة لموطنها.

2904

| 27 يناير 2024

قطر الحبيبة

عام بعد عام تعتلي قطر صهوة المجد وترقى هام السحاب مجللةً بالعز والكبرياء وشامخة شموخ الإباء.. عام بعد عام دورها ومكانتها بين الأمم حيث كبرت بأفعالها وإنجازاتها وأصبحت مقصد الرؤساء والوزراء من كل أصقاع العالم بحثاً عن الرأي والحكمة ونيل شرف المشاركة بما تقوم به قطر من حلول لأصعب الأزمات وأكثرها تعقيداً وليست قضية الشعب الأفغاني ببعيدة، أما القضية الفلسطينية فهي قضية العرب والمسلمين عامة لكن كان ولا يزال لقطر دور الريادة والأخذ بزمام المبادرة حتى كسبت مصداقية عالمية. ولا يسعنا، نحن المغتربين، إلا أن نعبر عن شعورنا بما يشعر به أهل قطر أنفسهم من سعادة غامرة ورضا عظيم بيومها الوطني المجيد، لما توليه قطر حكومة وشعباً من اهتمام بالغ بالمقيمين وخاصة السوريين واليمنيين والسودانيين حيث تعاني بلدانهم من أزمات مستعصية، علاوة على ما توليه قطر من اهتمام إنساني وأخلاقي وسياسي بقضايا الأمتين العربية والإسلامية ومناصرتها الفريدة للشعوب ودفاعها عن حقوق الإنسان بالحرية والكرامة والعيش الكريم حتى تميزت واعتلى شأنها لدى الشعوب وفي جميع المحافل الإقليمية والدولية معتمدة على إرثها الحضاري والإنساني ومستميلة كل الوسائل الإعلامية والدبلوماسية وغيرها ومُسخرة كل إمكانياتها المادية وقواها الناعمة للدفع بالاتجاه الذي يرضي الله ويرفع الظلم عن المظلومين معتبرة أن ما يحدث في سوريا وفلسطين «وصمة عار على جبين الإنسانية» نتيجة السياسات الدولية المجحفة بحق الشعوب ونتيجة لانقسام العالم على نفسه واختلال معاييره. لذلك لم تأتِ مكانة قطر السامية من فراغ، بل من سياسات علمية وعملية حكيمة وممارسات أخلاقية رصينة احتار بها العدو قبل الصديق فلم تستجب لاستفزاز الحاسدين ولا لأباطيل المغرضين واتسمت مواقفها بالحكمة والصبر والعقلانية والعمل الدؤوب الذي أثمر أفعالاً تفتخر بها الأجيال وخرجت في كل مرة عالية الجبين. لقد رسخت قطر أسس العمل الإنساني خلال فترة وجيزة حتى وصل الخير إلى مشارق الأرض ومغاربها فبنت المساجد وحفرت الآبار ونشرت التعليم في البلاد النائية وأغاثت المحتاجين بأحلك الظروف ووقفت مع الشعوب وقفة عز وكرامة حتى أصبح لكل عربي كريم وطنان «وطنه الذي ولد به وقطر».

807

| 16 ديسمبر 2023

قطر نجم عربي ساطع

استصرخت الإنسانية جمعاء واستجمعت كل أحداث العالم ومآسيه قديمها وحديثها وجسدت أروع المآثر والبطولات وقاومت أبشع المحتلين واستبسلت بأقسى الظروف وانتصر الدم على السيف والعين على المخرز والسجين على السجان فهذا قدر الكرام الصابرين وهذه إرادة الخالق العليم وتلك «غزة» وهذه بطولاتها التي لم يشاركها فيها أحد، فهذه «السلطة الفلسطينية» تخلّت، وذاك «محور المقاومة» تراجع، وتلك الأمة العربية تخاذلت.. إنها مشيئة الله سبحانه ليبقى المجد كله لغزة والصبر كله لأهل غزة والنصر كله لأبطال غزة ولم يشاركهم به أحد سوى قلوب المؤمنين الذين تضرعوا إلى المولى (جل في علاه) أن ينصر غزة ويثبّت أهلها ويتقبل شهداءها ويشافي جرحاها ويعين شيوخها وأطفالها ونساءها بعد أن تخلى عنهم القريب والبعيد وأثخن بهم العدو الغاشم حتى سالت دماؤهم الزكية الطاهرة بالشوارع دون أن يستيقظ ضمير الإنسانية، وما زاد الطين بلّة تنديد بعض العرب المتصهينين بأبطال غزة المقاومين وإقامة حفلات الطرب في بعض بلاد العرب وكأن المجازر اليومية في غزة ليست في أرض عربية ولا إسلامية وكأن الحياء دُفن والمروءة ضاعت والنخوة تلاشت، لكن هيهات أن يُقاس الثرى بالثريا فما زال للعروبة قلب ينبض بالعزة والكرامة وروح الكبرياء وما زالت قطر تعطي للعالم دروساً بالمواقف المبهرة. وحدها قطر وقفت وقفة الأخوة والعطاء فآثرت على نفسها الاحتفال بيومها الوطني وألغت الاحتفالات الرسمية واستبدلتها بحملة إغاثية وساهم أهل قطر فأعطوا مثالاً يُحتذى به بالمروءة والإيثار وتركوا بصمة لن يمحوها الزمن فأكرمهم الله بفضله وأعزهم بعزه وسترهم بستره وأبعد عنهم السوء ورفع قدرهم بين الأمم فأصبحت قطر نجماً عربياً ساطعاً وزاحمت الدول الكبرى إنسانياً وسياسياً ورياضياً وأمنياً وإعلامياً وتعليمياً ونالت مكانة عالمية تستحقها بكل جدارة، ويزيدنا شرفا، نحن المقيمين، أننا نعيش في قطر البلد العربي الأصيل الذي أنصف الشعوب العربية ووقف إلى جانبها في أصعب الظروف فنال محبتها بكل شرف، ما جهودها الحثيثة لإيقاف الحرب على غزة إلا حلقة من سلسلة الإنجازات الطويلة والمثمرة وما قرارها بإلغاء الاحتفالات باليوم الوطني لهذا العام إلا إشارة تضامن ومواساة مع هذا الشعب الفلسطيني العظيم المقاوم.

1155

| 25 نوفمبر 2023

أول عروسين يحفظان القرآن الكريم في قريتنا..

لم يحظَ «وسام»، ذو الثمانية عشر عاماً، بأي فرصة لدخول المدرسة في قرية «الشعفة» الواقعة على ضفاف الفرات شرق سوريا، بعد أن دُمرت المدارس، وتوقفت العملية التعليمية نتيجة للحرب والظروف الاستثنائية التي مرت بها سورية طيلة الاثني عشر عاماً الماضية، ولو أنه درس وأكمل تعليمه، مثله مثل كل أطفال العالم، لأصبح الآن على أبواب المرحلة الجامعية، لكن هذه مشيئة الله – سبحانه وتعالى - وهذا حال أطفال سوريا عامة، ونسأل الله أن يخلف عليهم خيراً (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) - [النساء:19]. في ظل هذه الظروف المأساوية وحرمان هذا الجيل من التعليم، تضافرت جهود أبناء قرية «الشعفة» التي اشتهرت بالأعمال الخيرية والمبادرات الاجتماعية الفاعلة، وتم بفضل الله تأسيس مركز لتحفيظ القرآن الكريم على نفقة أبناء القرية المغتربين، وانخرط فيه مئات الأطفال ليتعلموا القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم، وحفظه وأصبحت المساجد تلعب دور (الكُتّاب) كمؤسسة تعليمية ودينية، كما كان يحصل في عصور إسلامية سابقة، ومن بين تلك المساجد مسجد «قباء» الذي أصبح وسام خطيباً فيه بعد أن أكرمه الله تعالى بحفظ القرآن الكريم كاملاً، بعد أن عانى من فقد أخيه الأكبر محمد (رحمه الله) وحُرم من العيش مع والده المغترب، باستثناء شهر واحد يسره لجمع الشمل في تركيا خلال رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الحدود السورية-التركية سنة ١٩٩٦ ليلتقي في مدينة شانلي أورفا ولمدة شهر واحد مع والده وبقية أفراد عائلته (الصورة المرفقة لوسام مع والده في منطقة أورفا - تركيا ١٩٩٦)، وعندما أراد قبل سنة من الآن أن يتزوج، على الرغم من صغر سنه، حاول والده أن يثنيه عن فكرة الزواج المبكر، لكنه كان حاسماً ومصراً على أن يستكمل دينه ويرتبط بمن تكافئه بحفظ القرآن، ولم يترك لوالده عذراً للانتظار، فكان له ما أراد وأقيم أول عرس في قريتنا لعروسين حافظين لكتاب الله تعالى، ومنذ أيام رزقهما الله بمولود ذكر أسمياه (ياقوت) وقال وسام لوالده مازحاً: إذا رزقنا الله بمولود آخر أو بنت سوف نسميها «مرجان»، ومن المعلوم أن هذه الأسماء مأخوذة من قوله تعالى في سورة الرحمن (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ). وبفضل الله حاز وسام مؤخراً على المركز الثاني في مسابقة حفظ القرآن الكريم كاملاً، والتي أقامها معهد السراج المنير في بلدة «أبو حمام» المجاورة وهي إحدى قرى أبناء عمومتنا الشعيطات الكرام، وهو الآن مع زوجته يقومون بتحفيظ القرآن الكريم للبنات والأولاد في مسجد «قباء» ضمن الدورات المجانية التي يقيمها معهد الشعفة لتحفيظ القرآن الكريم ولسان حالهم يقول «زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون».

1932

| 26 أغسطس 2023

رحلة العمر في بلدي الثاني قطر

في صيف ٢٠٠٣ كنت جالسا بمكتبة المدينة الجامعية بدمشق، وبالصدفة وقع بين يدي إعلان في جريدة الدليل عن شركة قطرية تطلب مهندسين ميكانيك لديهم خبرة بالسيارات اليابانية ولغة إنجليزية وغير ذلك من المؤهلات. شدني الإعلان وتواصلت مع مكتب التوظيف بدمشق وقدمت سيرتي الذاتية المتواضعة ثم جئت إليهم لاحقاً، حسب موعد المقابلة، ووجدت قاعة الاستقبال ممتلئة بالشباب ذوي الخبرة، وأيقنت في قرارة نفسي أن هذه الفرصة ليست لي، لكن ستكون تجربة مفيدة، فما بعد العلم إلا العمل. صار دوري ودخلت، وكنت أتوقع أن أجد شخصا خليجيا لابس غترة وعقال، لكني وجدت رجلا هادئا ورزينا وملامحه من بلاد الشام، ولم يقف لاستقبالي وأنا ابن بيئة عشائرية أصيلة. كانت هذه أول مقابلة عمل بحياتي وكنت متحمساً جداً. بدأ يسألني أسئلة مفتوحة Open-ended Questions و بدأت اتفلسف وكأنني في مجلس وليس في مقابلة عمل قد تغير مجرى حياتي. ولفتني أنه ترك دراستي للأدب الانجليزي ودبلوم التأهيل التربوي واللغة الألمانية جانباً، وأخذ يسألني عن دراستي للميكانيك الذي درسته في المعهد الصناعي المتوسط بدير الزور منذ ٧ سنوات، وتوسعت بالشرح حول دراستي هذه بشقيها النظري والعملي وعن الآليات والمحركات وكهرباء السيارات والفك والتركيب، وكنت صريحاً عندما قلت له بأنني كنت أشعر بالخجل بسبب، لأن نظرة المجتمع لدراسة «الصناعة» كانت للأسف نظرة دونية، وبنفس الوقت أكدت له بأنني أرغب أن أعمل بما تعلمت وأن لا تكون شهادتي في الميكانيك مجرد ذكرى معلقة على الجدار، وأريد أن أستفيد من دراستي المهنية في المعهد الصناعي ودراستي الأدبية للغة الانجليزية في جامعة دمشق، بالإضافة الى اللغة الألمانية في معهد Goethe، وهذا سبب حماسي للحصول على هذه الفرصة النادرة. باختصار ولدى نهاية المقابلة، تفاجأت بكلماته الصادمة حين قال: (انت أول واحد مقبول وسأعرض عليك نفس الراتب الذي أعرضه على المهندسين ذوي الخبرة وسأراهن مدراء الشركة على نجاحك!) فاسعدني ذلك جداً.. شكرته وقلت بأنه لا مانع عندي من أن أبدأ من الصفر شريطة أن أجد بيئة العمل المناسبة التي تمكنني من تطوير نفسي وتقوية مهاراتي والتقدم في مسيرتي المهنية بثبات. ثم وبكل احترام وقف وودعني على أمل أن نلتقي ثانية بالدوحة. خرجت من المقابلة وكأنني في حلم.. واتصلت على أهلي في مدينة «الشعفة» الواقعة على ضفاف الفرات وتكلمت مع والدتي وأخبرتها بما حصل وغمرتني بدعائها الطيب ”الله يبعث لك الخير يا إبني، الله يعوض تعبك، الله يفتحها بوجهك..الخ.» وبعد شهرين تخرجت وحصلت على دبلوم التأهيل التربوي، وبعدها بأيام جاءتني البشرى بوصول تذكرة الطائرة وعقد العمل من قطر وذهبت لدفع أجرة المكتب (٥٧ ألف ليرة سورية) ما يعادل راتب شهر بالعملة القطرية في حينه، وكان موعد اقلاع أول رحلة لي بالطائرة يوم الأربعاء الساعة الخامسة مساءً، لكني وصلت متأخراً ووجدت البوابة مغلقة، وحاول موظف «طيران القطرية» مساعدتي لكن للأسف «فات الميعاد» وطارت الطيارة، ولحسن الحظ حصلت على موعد جديد في اليوم التالي بنفس التوقيت. ورجعت من المطار مكسور الخاطر وكنت مُحرجاً من مواجهة أصدقائي الذين ودعوني قبل ساعتين في حي «مزة جبل»، كيف وبأي وجه سأقابلهم الآن؟! وفي اليوم التالي ذهبت الى المطار مبكراً ووصلت الدوحة بتاريخ ٢٤/١٠/٢٠٠٣ عند الساعة الثامنة مساءً ولم أجد أحداً بانتظاري، لأنه ببساطة كان احدهم ينتظرني البارحة وأنا تأخرت يوماً كاملاً دون أن أبلغ الشركة، لذلك ذهبت الى الاستعلامات بالمطار حتى أسأل عن عنوان شركة قطر للسيارات (وكلاء المتسوبيشي)، وهنا بدأت رحلة العمر في بلدي الثاني قطر..

2535

| 12 أغسطس 2023

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4617

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3507

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

1650

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

1290

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1233

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

861

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

789

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

756

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

642

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية