رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

حسين عبداللطيف

مساحة إعلانية

مقالات

2538

حسين عبداللطيف

رحلة العمر في بلدي الثاني قطر

12 أغسطس 2023 , 02:00ص

في صيف ٢٠٠٣ كنت جالسا بمكتبة المدينة الجامعية بدمشق، وبالصدفة وقع بين يدي إعلان في جريدة الدليل عن شركة قطرية تطلب مهندسين ميكانيك لديهم خبرة بالسيارات اليابانية ولغة إنجليزية وغير ذلك من المؤهلات.

شدني الإعلان وتواصلت مع مكتب التوظيف بدمشق وقدمت سيرتي الذاتية المتواضعة ثم جئت إليهم لاحقاً، حسب موعد المقابلة، ووجدت قاعة الاستقبال ممتلئة بالشباب ذوي الخبرة، وأيقنت في قرارة نفسي أن هذه الفرصة ليست لي، لكن ستكون تجربة مفيدة، فما بعد العلم إلا العمل.

صار دوري ودخلت، وكنت أتوقع أن أجد شخصا خليجيا لابس غترة وعقال، لكني وجدت رجلا هادئا ورزينا وملامحه من بلاد الشام، ولم يقف لاستقبالي وأنا ابن بيئة عشائرية أصيلة.

كانت هذه أول مقابلة عمل بحياتي وكنت متحمساً جداً.

بدأ يسألني أسئلة مفتوحة Open-ended Questions و بدأت اتفلسف وكأنني في مجلس وليس في مقابلة عمل قد تغير مجرى حياتي.

ولفتني أنه ترك دراستي للأدب الانجليزي ودبلوم التأهيل التربوي واللغة الألمانية جانباً، وأخذ يسألني عن دراستي للميكانيك الذي درسته في المعهد الصناعي المتوسط بدير الزور منذ ٧ سنوات، وتوسعت بالشرح حول دراستي هذه بشقيها النظري والعملي وعن الآليات والمحركات وكهرباء السيارات والفك والتركيب، وكنت صريحاً عندما قلت له بأنني كنت أشعر بالخجل بسبب، لأن نظرة المجتمع لدراسة «الصناعة» كانت للأسف نظرة دونية، وبنفس الوقت أكدت له بأنني أرغب أن أعمل بما تعلمت وأن لا تكون شهادتي في الميكانيك مجرد ذكرى معلقة على الجدار، وأريد أن أستفيد من دراستي المهنية في المعهد الصناعي ودراستي الأدبية للغة الانجليزية في جامعة دمشق، بالإضافة الى اللغة الألمانية في معهد Goethe، وهذا سبب حماسي للحصول على هذه الفرصة النادرة.

باختصار ولدى نهاية المقابلة، تفاجأت بكلماته الصادمة حين قال: (انت أول واحد مقبول وسأعرض عليك نفس الراتب الذي أعرضه على المهندسين ذوي الخبرة وسأراهن مدراء الشركة على نجاحك!)

فاسعدني ذلك جداً.. شكرته وقلت بأنه لا مانع عندي من أن أبدأ من الصفر شريطة أن أجد بيئة العمل المناسبة التي تمكنني من تطوير نفسي وتقوية مهاراتي والتقدم في مسيرتي المهنية بثبات.

ثم وبكل احترام وقف وودعني على أمل أن نلتقي ثانية بالدوحة.

خرجت من المقابلة وكأنني في حلم.. واتصلت على أهلي في مدينة «الشعفة» الواقعة على ضفاف الفرات وتكلمت مع والدتي وأخبرتها بما حصل وغمرتني بدعائها الطيب ”الله يبعث لك الخير يا إبني، الله يعوض تعبك، الله يفتحها بوجهك..الخ.»

وبعد شهرين تخرجت وحصلت على دبلوم التأهيل التربوي، وبعدها بأيام جاءتني البشرى بوصول تذكرة الطائرة وعقد العمل من قطر وذهبت لدفع أجرة المكتب (٥٧ ألف ليرة سورية) ما يعادل راتب شهر بالعملة القطرية في حينه، وكان موعد اقلاع أول رحلة لي بالطائرة يوم الأربعاء الساعة الخامسة مساءً، لكني وصلت متأخراً ووجدت البوابة مغلقة، وحاول موظف «طيران القطرية» مساعدتي لكن للأسف «فات الميعاد» وطارت الطيارة، ولحسن الحظ حصلت على موعد جديد في اليوم التالي بنفس التوقيت.

ورجعت من المطار مكسور الخاطر وكنت مُحرجاً من مواجهة أصدقائي الذين ودعوني قبل ساعتين في حي «مزة جبل»، كيف وبأي وجه سأقابلهم الآن؟!

وفي اليوم التالي ذهبت الى المطار مبكراً ووصلت الدوحة بتاريخ ٢٤/١٠/٢٠٠٣ عند الساعة الثامنة مساءً ولم أجد أحداً بانتظاري، لأنه ببساطة كان احدهم ينتظرني البارحة وأنا تأخرت يوماً كاملاً دون أن أبلغ الشركة، لذلك ذهبت الى الاستعلامات بالمطار حتى أسأل عن عنوان شركة قطر للسيارات (وكلاء المتسوبيشي)، وهنا بدأت رحلة العمر في بلدي الثاني قطر..

مساحة إعلانية