رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحياة بسنواتها المعدودات، وإن طالت، فهي ميدان للكفاح والنضال والتوثيق للمواقف الإنسانية الحميدة والخبيثة، الفردية والجماعية. والإنسان الأصيل، أو العارف لمعنى الإنسانية لا يمكنه أن يعيش بمعزل عن معاناة الناس الآخرين وهمومهم وإن كانوا من ملل وديانات وأصول مختلفة لأنه يحترم إنسانيته، ويعرف أن مفهوم الإنسانية أكبر وأوسع وأعظم من المادّيات المحسوسة، والأفكار المغلقة! ومنذ بدء الخليقة وغالبية المواقف النبيلة والسقيمة، والخيّرة والشريرة، والأصيلة والسقيمة تُدَوّن في كتب التاريخ والسيّر الذاتية، الفردية والجماعية! وقد دَوّنت كتب التاريخ قَتْل قابيل لهابيل، ولاحقا، ومع تكاثف النمو السكاني صارت الجرائم بالآلاف ثم بالملايين، وكأن البشر يسعون لسحق بعضهم البعض على هذا الكوكب المليء بالخوف والموت والإرهاب، والقليل من الأمان والسلام!. ومن أشنع تلك الحوادث غزوات المغول التي قيل بأنها سحقت أكثر من 70 مليون شخص خلال مائة عام، وتلتها الحرب الكونية الثانية التي قُدّر عدد ضحاياها بأكثر من 85 مليون شخص، وكذلك الحروب الكورية، والعالمية الأولى، وحرب فيتنام، ومجاعات الاتّحاد السوفييتي وإيرلندا والصين وغيرها. وهكذا كانت يد الأشرار تنفّذ وتنشر أحقادها على بني جنسها دون أن تجد من يصدها أو يدينها في أقل التقديرات، وهذا تماما ما تفعله «إسرائيل» اليوم مع المدنيين العزل في غزة منذ أكثر من عام وسبعة أشهر! وفي خضمّ هذه المجازر الصهيونية تبرز بين حين وآخر محاولات لكسر طوق الحصار المضروب على غزة، ومنها السفينة «مادلين» التي أبحرت باتّجاه غزة، وهي السفينة رقم 36 ضمن سلسلة سفن تحالف «أسطول الحرية». ولم تتوان «إسرائيل» عن مهاجمة تلك السفن، ومنها «سفينة مرمرة» في عام 2010، وقد أسفر الحادث، حينها، عن استشهاد 10 ناشطين أتراك، واعتقال بقية الطاقم!؟ وحاولت السفينة «مادلين» التي تَقلّ 12 ناشطا من دولة مختلفة، وجميعهم يحملون جنسيات أجنبية، كسر طوق الحصار على غزة، ولكن الكوماندوس «الإسرائيلي» اقتحم «مادلين»، الاثنين الماضي، واقتادتها إلى ميناء أسدود، ولاحقا حاولت «إسرائيل» ترحيل النشطاء الذين كانوا على متنها، ومع ذلك رفض بعضهم التوقيع على أوامر الترحيل، وهم مُصرّون على دخول غزة!. و»مادلين كُلّاب» هي صيّادة سمك غزية، ومن هنا جاءت تسمية السفينة، وذلك دعماً للمرأة الغزية، العاملة والصابرة. ورحلة «مادلين»، وإن لم يكتب لها النجاح التامّ، لكنّها كانت ضرورية لتوجيه أنظار العالم لمأساة غزة التي يقتلها الحصار والنيران العشوائية «الإسرائيلية». لقد أثبتت السفينة «مادلين» أن العالم الحرّ يقف مع غزة، ويصارع مياه البحر المتوسط، وإرهاب المسيّرات، وتهديدات وزارة الدفاع «الإسرائيلية» لكسر طوق الحصار عن غزة. ولم تتوقف محاولات دعم غزة عند سفينة «مادلين». وفي أول محاولة عربية جادة، تسعى «قافلة الصمود»، التي تضمّ عشرات النشطاء من بعض الدول العربية، منذ يومين، وبالتنسيق مع منظّمات إنسانية مصرية للوصول إلى معبر رفح لكسر الحصار والدخول إلى غزة. وتهدف هذه التحرّكات الشعبية والنقابية والبرلمانية لتخليص سكان غزة من جريمة المجاعة، وإنهاء الإبادة الجماعية وإدخال المساعدات الغذائية والطّبّية العاجلة للمواطنين المحاصرين، وتسهيل خروج بعض الجرحى لتلقي العلاج، ونقل بعض الحقيقة المتعلّقة بحجم الجرائم الصهيونية في القطاع للمجتمع الدولي. ومع هذه الضغوط الدولية والإقليمية هل يمكن «لإسرائيل» أن تقف أمام هذه الأمواج العاتية من الرفض الشعبي والدبلوماسي العالمي لسياساتها الهمجية تجاه غزة؟ لا شكّ بأن غزة قَدّمت الكثير من التضحيات، ولكنّها ربحت المعركة سياسيا وإنسانيا وقانونيا، وستكون الكلمة الفصل في نهاية هذه المواجهات لفلسطين وأهلها الأحرار الذين آمنوا بأن الأوطان لا تَتحرّر إلا بالدماء والتضحيات. وأخيرا ننقل هنا كلمة للمفكر الأمريكي «نورمان فينكلستاين»، يوم 7/6/2025، والذي أكّد أن «مَن كانوا يُبرّرون الإبادة في غزّة يبدأون بالانسحاب الآن، ليس لأنهم شعروا بالندم، بل لأنهم يخشون العواقب، وأن الحقائق لم تتغيّر منذ اليوم الأوّل، بل فقط باتت المجزرة تقترب من نهايتها، ولذلك بدأ البعض بالقفز من السفينة محاولين النجاة بأنفسهم»!.
387
| 13 يونيو 2025
منذ أكثر من عام ونصف ونحن نُتابع كيف أن مئات الصحفيين حَمَلوا على عاتقهم شرف الدفاع عن فلسطين وأهلها ومقاومتها دون تحزب، أو تعصب إلا للقضية، والعدالة، والإنسانية، والحقوق المكفولة بموجب القوانين الدولية! ومن المتوقع أن تجد خلالها مرحلة «الدفاع المبارك» بعض الأعداء الذين يحاولون الطعن بك وسبك وشتمك، والتقليل من شأن قلمك ومواقفك، وهذا أمر طبيعي لأنها مواجهة بين الخير والشر، والإنسانية والوحشية، والسلام والحرب، والنور والظلام، والحياة والموت، ومن المؤكد أنها مليئة بالأشواك، والألغام، والقنابل القاتلة والمدمرة، ومَن يسير في ميادين الحرب يتوقع الموت، والجرح والاعاقة، والطعن بكل الجوانب النبيلة. والمرهق أن تَجد مَن يطعنك وهو يتصور نفسه من الداعمين للإنسانية والخير، والبناء والنور والحياة بحجة أن المقاومة يجب ألا تصارع «إسرائيل» وهي التي تسببت بمقتل عشرات آلاف المواطنين الفلسطينيين. والحقيقة فإن الرد على هؤلاء مرهق ومزعج، وربما، عبثي، ولهذا يمكن الرد عليهم برد ذلك الشيخ الغزي الذي ظهر قبل أيام في عدة قنوات فضائية وهو يصرخ: «نحن غير نادمين على طوفان الأقصى». فهل يحق لنا بعد ذلك أن نتكلم؟ ثم لماذا لا يتحدثون بنفس الروحية والحماس عن الوحشية والطغيان والهمجية والقسوة «الإسرائيلية»، أم أن كرهكم لهذا الطرف أو ذاك من المعادلة الفلسطينية أعْماكم وجعلكم لا تُميزون بين الحق والباطل، والصح والخطأ، والهمجية والمدنية؟ ولماذا لا يتكلمون عن موجة الغضب في الداخل «الإسرائيلي» التي تصرخ ليلا ونهارا، وتؤكد أن الجيش الإسرائيلي فشل في هزيمة المقاومة الفلسطينية؟ والواقع فإن إسرائيل سواء أُوقفت الحرب، أم لم توقف، وسواء نجحت في حربها الهمجية على أهل غزة، أم فشلت، وسواء وسواء فإنها ستدفع الثمن باهظا، وسيكون لهذه الحرب آثار قاتلة على مستقبل الكيان الصهيوني. ولا نريد أن نُجري سردا لمظاهر الرفض والمشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الضاربة للداخل الإسرائيلي ولكننا سنكتفي بتصريح يائير غولان زعيم حزب الديمقراطيين الإسرائيلي المعارض، يوم 5/6/2025، وقوله: «يجب إبعاد نتنياهو فورا عن دائرة صنع القرار». فهل هنالك أزمة أوضح من هذه الأزمة التي تُظْهِر تَخبط قادة الاحتلال في الحرب ضد غزة والنقمة على الحكومة، وآخرها الإنذار الإرهابي الذي أصدره الجيش الإسرائيلي يوم 26/5/2025 بالإخلاء الفوري لسكان مناطق بني سهيلا، والقرارة، وعبسان بخان يونس جنوبي غزة. فهل هذه التحركات الإسرائيلية دليل على القوة، أم الربكة العسكرية؟ جميع المعطيات الداخلية والخارجية تؤكد أن إسرائيل في ورطة كبيرة، وأنها آيلة إلى الهزيمة ولو بعد حين. استهداف إسرائيل للمدنيين هو بداية انهيارها، ومنها الصور الاجرامية التي نُقِلت على الهواء مباشرة حيث كادت النيران أن تلتهم الطفلة «وردة الشيخ خليل» بعد أن التهمت أسرتها في خيمتهم بقطاع غزة. وقد تابع العالم «المتحضر» المشهد المروع لوردة وهي تحاول النجاة بجسدها الغض من النيران التي تُحيط بها من كل جانب، بعد استشهاد عائلتها. فكم «وردة» أحرقتها إسرائيل في غزة؟ منظمة الطفولة العالمية «اليونيسيف» أكدت منتصف نيسان/ أبريل 2025 أن 16 ألف طفل قتلوا في غزة منذ بداية الحرب، أي بمعدل 27 طفلا يوميا، وأن الحرب خلفت 39 ألف طفل يتيم بين ركام القطاع. فأين القوانين الإنسانية، وأخلاقيات الحروب؟ حقيقة لا أدري كيف أُعلق على ركام غزة لأنه ليس حجارة وحديدا بل هو حجارة مزجت برماد أجساد الشهداء، وأشلائهم ودمائهم، فهل هنالك جرائم في الكون أبشع من هذه المناظر المخيفة! وأخيرا ننقل كلمة «ديفيد هيرست»، رئيس تحرير موقع «ميدل ايست آي: «هناك عاملان أساسيان سيُسرعان بإنهاء المذبحة الجارية، على غرار ما حدث في حرب فيتنام: تصميم الفلسطينيين على الصمود في أرضهم، والغضب العالمي المتصاعد ضد إسرائيل. إسرائيل قد تنتصر في المعارك العسكرية، لكنها، مثل الولايات المتحدة في فيتنام، ستخسر الحرب سياسياً وأخلاقياً في النهاية». وهذا ما سيتحقق ولو بعد حين.
585
| 06 يونيو 2025
أصعب المواقف تلك التي يقف فيها القلم وحامله في حالة ذهول وحيرة في كيفيّة التعاطي مع بعض الأحداث الجسام، والمصائب العظام، والكوارث المهلكات! وأعْقَد المواقف تلك المرتبطة بالإنسان، وأشدّها صعوبة تلك المتعلّقة بالمرأة ذلك الكائن الرقيق اللطيف المليء بالعاطفة والنقاء. والكتابة عن تضحيات النساء وصبرهنّ مهمّة شاقّة ومرهقة لأنك تحاول الجمع بين الضعف والقوّة، والرقة والجلادة، والعاطفة والحزم، والابتسامة والدموع، وهذه تناقضات لا تُجْمَع بالهيّن. وأرى من اليسير الكتابة عن سعادة النساء وابتسامتهنّ ورقتهنّ ودورهنّ الناصع في بناء الإنسان والأسرة والمجتمع، ولكن من العسير الكتابة عن ألم النساء ودموعهن وصرخاتهن وغيرها من مظاهر الأسى والألم. وفي عالمنا اليوم أغلب ما يُذكر من أخبار وتقارير عن النساء يرتبط بثيابهنّ وعطورهنّ وآخر صرخات المودة في عوالم الأزياء!. ولكن، ووسط هذا العالم المنشغل بأزياء المرأة وأدوات تجميلها، نجد أنّ المرأة الغزّية تُنْحر بلا رحمة، وبلا تمييز، ومع ذلك تستمرّ وتصبر وتضحّي وتسطّر أروع قصص الثبات والصمود!. وقد أصدرت هيئة الأمم المتّحدة للمرأة يوم 20 أيّار/ مايو 2025 بيانا أعلنت فيه تقديراتها لعدد النساء والفتيات اللواتي قتلنّ في غزّة منذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، واللواتي تجاوز عددهنّ 28 ألفا، بمعدل امرأة/ فتاة واحدة كلّ ساعة نتيجة الهجمات «الإسرائيلية»!. وقالت الهيئة إنّ بين القتلى «آلاف الأمهات اللواتي تركنّ وراءهنّ أطفالا وعائلات ومجتمعات مدمّرة»، وكشفت عن أن أكثر من «مليون امرأة وفتاة يواجهنّ مستويات كارثية من الجوع، ومخاطر النزوح، وارتفاع معدلات وفيات الأمهات»!. التضحيات الضخمة للنساء الفلسطينيات تدفعنا للوقوف بصمت وخجل نتيجة الكم الهائل من الثبات والصبر، ومنها الموقف النادر للدكتورة الغزّية «آلاء النجار». هذه المرأة الإنسانة الطبيبة تستمرّ منذ أكثر من عام ونصف في تقديم الخدمات الطبية والعلاجية لبنات جنسها، ورفضت الهروب من غزّة والعمل بشهادتها وخبرتها في أرقى مستشفيات المنطقة وآثرت خدمة أهلها وقضيتها. والمعيب بحقّ قادة الكيان الصهيوني وجيشه تلك المجازر المستمرّة ضدّ الفلسطينيين المدنيين منذ نهاية عام 2023 والتي تزداد، مع الساعات، وحشية وهمجية، ورغم بشاعة كافة جرائم الاحتلال في عموم فلسطين فإن جريمتهم الضخمة بحق عائلة آلاء النجار في غزّة كانت الأشنع والأبشع!. وقد قتلت قوّات الاحتلال تسعة أطفال للدكتور حمدي النجار وزوجته الطبيبة آلاء النجار (أكبرهم 12 عاما) بمدينة خان يونس جنوبي غزّة، وبقي واحد (آدم - 10 أعوام ) مع والده في العناية المركّزة. وفقدت آلاء تسعة أبناء وبنات وهم: يحيى، وركان، ورسلان، وجبران، وإيف، وريفان، وسيدين، ولقمان، وسيدرا، والكبار منهم حافظون لكتاب الله. ومع ذلك صبرت الأم «آلاء»، ولم تشق الثوب، ولم تلطم الخدود، ولم تشتك من قدرها بل صبرت وحوقلت وكتمت. وهنا يتمايز الإيمان واليقين عن تجّار الوطن والقضية. آلاء النجار تذكرنا بعدّة نساء سطر التاريخ أسماءهنّ لأنهن مثال للصبر والصمود، ومن بينهنّ تُماضر بنت عمرو بن الحارثِ السلمية، الشهيرة بالخَنْسَاء، واشتهرت برثائها لأربعة من أبنائها لأنّهم استشهدوا بمعركة القادسية (15 هـ). وكذلك صفية بنت عبد المطلب، والمرأة الدينارية، ونسيبة بنت كعب، وغيرهنّ من النساء الصابرات النادرات. وحينما نقارن آلاء النجار بأكثر امرأة فقدت من الأبناء في العصور القديمة والحديثة، العربية والإسلامية والأجنبية، نجدها لوحدها شامخة في ميادين الصبر لأنها فقدت تسعة من أبنائها في لحظة واحدة!. والأهم أنها لم تشتك ولم تقل إلا كلمة واحدة بعد الكارثة، إلا وهي: «هم أحياء عند ربهم يرزقون». هذه المرأة المتميّزة، والفريدة، والاستثنائية، والعجيبة، والمتفرّدة، والفذّة سيُنْقَش اسمها في كتب التاريخ الإنساني عبر العصور لأنها بحقّ امرأة لا تتكرّر. يا أختاه، يا آلاء النجار: نحن متعاطفون معك غاية التعاطف، وأصابنا مصابك في جواهر أرواحنا، وصميم قلوبنا، إلا أن عزاءنا هو صبرك الفريد وإيمانك النقي وصلابتك النادرة. أعانك الله على مصابك ومصابنا.
1119
| 30 مايو 2025
أحداث عالمية مُتسارعة وقعت خلال الأيام القليلة الماضية تُؤكّد أن غزّة انتصرت، وأنها جَنَت بعض ثمار صبرها النادر في مواجهة الوحشية «الإسرائيلية»!. الحدث الأبرز تمثّل بما قالته القناة 12 العبرية، الأحد الماضي، حيث صادق مجلس الوزراء «الإسرائيلي» على إدخال المساعدات الإنسانية لغزّة بشكل فوري، وعبر المؤسسات الدولية!. ويأتي هذا القرار «المفاجئ» بعد ساعات من إطلاق «إسرائيل» لعملية (عربات جدعون) والهادفة لتحقيق حَسْم عسكري وسياسي في غزّة، ولإرغام المقاومة الفلسطينية على الاستسلام وتفكيك بنيتها التحتية والقبول بتبادل الأسرى!. ورغم أن قادة «إسرائيل» يقولون إن المساعدات مؤقتة ولأسبوع واحد فقط لكن المعطيات السياسية تؤكّد أن الأمر جاء بعد الهزيمة الدبلوماسية «لإسرائيل» في المنطقة والعالم، وخصوصا في القارة الأوروبية والبيت الأبيض. لقد أثبتت المراحل الماضية أن «إسرائيل» حاولت، مرارا، حَسْم المعركة بقوة السلاح والنيران الكثيفة، والضربات العشوائية، والأسلحة غير التقليدية إلا أن صلابة الفلسطينيين أفشلت مشاريعها الاقتلاعية والتهجيرية والإقصائية والانتقامية. ولقد وصل الحقد «الإسرائيلي» والاستخفاف بالقوانين الدولية والإنسانية لمراحل نادرة، وذكر عضو الكنيست «تسفي سوكوت» على القناة 12 العبرية، الأحد الماضي:»الليلة الماضية قُتل نحو 100 فلسطيني في غزّة، ومع ذلك، لم يَطْرَح أحد في النقاش سؤالاً واحداً عن غزّة! هل تعرف لماذا؟ لأن الأمر لم يَعُد يُثير اهتمام أحد! الجميع اعتاد على حقيقة أننا نستطيع قتل 100 فلسطيني في ليلة واحدة، ولا أحد في العالم يكترث»!. هذا الاستخفاف بالإنسان الفلسطيني والقوانين الدولية يؤكّد الروح الانتقامية والسوداوية داخل المؤسسات المدنية والعسكرية «الإسرائيلية»، ويُثْبِت حيرة قادة الاحتلال وضياعهم في كيفية التعامل مع صبر أهالي غزّة وجلادتهم وتحديهم وتضحياتهم التي لم نسمع بمثلها إلا في العهود النادرة والسامية. ونحاول إثبات الهزيمة الدبلوماسية «الإسرائيلية»، والحقيقة هنالك عشرات الأدلة على تلك الهزيمة، وأبرزها: - تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نهاية الأسبوع الماضي، بأن بنيامين نتنياهو أمام وضع صعب، ويُواجه مشاكل، والناس في غزّة يموتون جوعا، ولقد بدأت العمل على هذه المسألة. إنها مشكلة عميقة، لكننا سنحلها». - دعوة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، منتصف الشهر الحالي، إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في غزّة، وإدخال المساعدات الإنسانية، واصفاً الوضع بأنه «كارثي». - مطالبة سبع دول أوروبية «إسرائيل»، يوم 16 أيار/ مايو الجاري، برفع الحصار وإنهاء «الإبادة» بغزّة، وحذروا من «موت الغزيين جوعا». وأكد قادة إسبانيا والنرويج وآيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا وسلوفينيا «لن نصمت أمام الكارثة الإنسانية التي تجري أمام أعيننا في غزّة». - المظاهرات العالمية الرافضة للجرائم «الإسرائيلية» في غزّة، الجمعة الماضية، في عدة مدن أوروبية ومنها لندن، وبرلين، وأوسلو، و(18) مدينة هولندية، والعاصمة الأندونيسية جاكرتا، وتونس وغيرها. - مطالبة الدول العربية في ختام قمة بغداد العربية، السبت الماضي، بإنهاء الحصار الظالم على القطاع. - تظاهر عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي ونواب إيطاليين، الأحد الماضي، أمام معبر رفح الحدودي، للمطالبة بوقف «حرب غزّة وإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع». - إعلان قادة بريطانيا وفرنسا وكندا، الاثنين الماضي، بأنهم «سيتخذون إجراءات» إذا لم توقف «إسرائيل» حربها في غزّة، وأنهم قرروا «الاعتراف معا بدولة فلسطين». - توافق غالبية دول الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء الماضي، على مراجعة اتفاقية الشراكة مع «إسرائيل»، ومطالبة وزراء خارجية (22) دولة، «إسرائيل» بدخول المساعدات «بشكل فوري» لغزّة. - وداخليا، تستمر المظاهرات المعارضة لحكومة نتنياهو من أهالي الأسرى الصهاينة. - تأكيد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» السابق إيهود باراك، السبت الماضي، أن «إسقاط حكومة نتنياهو بالعصيان المدني ضروري»! هذه الأدلة وغيرها الكثير تؤكد عزلة نتنياهو وحكومته، والمعارضة الدولية لسياساتها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني الصامد. وليلة أمس أُرغمت «إسرائيل» على إدخال المساعدات لغزّة الصابرة. فهل هنالك هزيمة دبلوماسية «لإسرائيل» أكبر من هذه الهزيمة التي لم ترَ مثلها منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم؟
852
| 23 مايو 2025
التفاوض بين الدول لا يختلف عن التفاوض بين الأفراد، وبهذا كلّما كان الشخص (الفرد) حكيما وعادلا وصافيا كانت المفاوضات معه سلسة وهيّنة، وكلّما كان مشاغبا وظالما وملوّثا كانت المفاوضات معه معقّدة وصعبة! وهكذا الحال مع الدول والكيانات (الشخص المعنوي) كلّما كان زعماؤها يمتازون بالحكمة والحنكة والنقاء والعدالة، كانت المفاوضات معهم سليمة وسريعة وصافية ومريحة وبخلاف ذلك ستكون المفاوضات مربكة وبطيئة ومشوّشة ومرهقة! وهنالك بعض الدول تُناصر القضيّة الفلسطينية بالسبل الحكيمة والقانونية والإنسانية، ومنها دولة قطر التي عُرِفت بمواقفها المساندة لفلسطين وأهلها في أوقات السلم والحرب! وبعد «طوفان الأقصى» سَعَت الدبلوماسية القطرية جاهدة لترطيب وتهيئة أجواء التفاوض بين المقاومة الفلسطينية و»إسرائيل». وبعد مراحل من التواصل والتنسيق تمكّنت من وقف لإطلاق النار إلا أن الجانب «الإسرائيلي» ضرب الهدنة، ومع ذلك لم تيأس الدبلوماسية القطرية وبقيت، حتى اللحظة، تُناور وتُحاور للوصول إلى اتّفاق جديد، وإيقاف شلال الدم والخراب في غزّة! ورغم الجهود الدبلوماسية القطرية النبيلة لكنّها لم تَسْلَم من الحملات «الإسرائيلية» المضادّة لدورها الإنساني والعروبي في مساندة غزّة! وقد استُهْدِفت الدبلوماسية القطرية لعدّة مرّات من الطرف «الإسرائيلي» ولكنّها لم تلتفت لتلك الهجمات ومَضت قُدما في سعيها لوقف نزيف الدم وإزهاق الأرواح البريئة في غزّة. والغريب أن «إسرائيل» تتفاوض مع الفلسطينيين، حتى الساعة، عبر الوسيط القطري والمصري وفي ذات الوقت تهاجم الدبلوماسية القطرية. وقد بلغت الجرأة «الإسرائيلية» لمستويات عجيبة وغريبة ولدرجة أن وزير الشتات «الإسرائيلي» عميحاي شيكلي انتقد، يوم 10 أيّار/ مايو 2025، خلال بودكاست «Melting Pot» بشدّة «أيّ تعاون مع قطر، بما في ذلك الرحلات التي يقوم بها مسؤولون إسرائيليون كبار، مثل رئيس الموساد، إلى الدوحة». وزعم أن مثل هذه «الرحلات تُضْعِف موقف إسرائيل»، وذلك وفقا لصحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية. وأكّد شيكلي، الذي سبق وأن اتّهم قطر يوم 23 نيسان/ أبريل 2025 بتمويل احتجاجات الجامعات الأمريكية، بأن شبكة الجزيرة هي «كيان إعلامي معاد للسامية بشكل كامل»! ولا شكّ بأن وزير الشتات ليس شخصا عاديّا بل هو شخصيّة مسؤولة وجزء من حكومة بنيامين نتنياهو، ولهذا فهو يمثّل الموقف الرسمي «الإسرائيلي» بهذا الخطاب الهادف لقلب الحقائق، والمليء بالكراهية والحقد تجاه دولة قطر الساعية لنشر السلام، وإنهاء حرب غزّة بكافّة الطرق الدبلوماسية! وسبق لوزارة الخارجية القطرية أن ردّت في الثالث من أيّار/ مايو الحالي على تصريحات لبنيامين نتنياهو وأكّدت « إيمانها الراسخ بأنّ السلام الحقيقي لا يتحقّق إلا من خلال تسوية عادلة وشاملة، تستند إلى قرارات الشرعيّة الدوليّة، وتُنهي الاحتلال، وتكفل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلّة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية». وهذه المرّة تجاهلت الخارجية القطرية تصريحات «شيكلي»، ولم أجد على موقعها الرسمي أيّ بيان رسمي بهذا الخصوص. إن محاولات تشويه جهود الدبلوماسية القطرية لن يكتب لها النجاح، والدور القطري الهادف لوقف الحرب، وفتح المعابر، وحماية المدنيّين معلوم للقاضي والداني، وما هذه الحملات الصهيونية إلا دليل قاطع على نجاح تلك المبادرات الدبلوماسية القطرية في رفد وضمان حياة الناس في الأراضي المحتلّة ممّا أثار حفيظة زعماء الاحتلال «الإسرائيلي»! واليوم تستمرّ قطر في العمل الدبلوماسي الشاقّ وبدعم واضح وكبير من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أشاد بدورها في نشر السلام. وقال الرئيس ترامب، الأربعاء الماضي من الدوحة، لسمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني: «عملنا معا على أعلى المستويات لإحلال السلام في هذه المنطقة وعبر العالم»! الثقل الدبلوماسي القطري بَرَز في العديد من الملفّات الحسّاسة في المنطقة، والعالم وهذه علامة مضية تستحقّ التقدير والاحترام! لا يُمكن تصوّر التخلّي القطري عن غزّة، وستبقى أحوال أهلها من أولويّات الدبلوماسية القطرية، والانفاق القطري السخي لأهل غزّة جزء من الوفاء لانتمائهم العربي والإسلامي والإنساني الأصيل.
525
| 16 مايو 2025
«الشاباك» هو «جهاز الأمن العامّ الإسرائيلي»، وبموجب القوانين «الإسرائيلية» يتكفّل «الشاباك» بعدّة مهامّ، ومنها حمايته للكيان الصهيوني ومؤسّساته من «تهديدات الإرهاب، والتجسّس، والتخريب السياسي، وتسريب أسرار الدولة». ومهام «الشاباك» قد تكون خارجية، ومنها التجسّس على الدول والوكالات الاستخباراتية الأجنبية والأفراد وتجنيد العملاء من مختلف دول العالم، ورصد العمليّات الهادفة لضرب العمق «الإسرائيلي»، وكذلك تفعيل أمن تكنولوجيا المعلومات «الأمن السيبراني»! وقد تكون مهامّ «الشاباك» داخلية ضمن الأراضي المحتلة حيث يتكفّل بمهامّ حماية الشخصيات المهمّة والسفارات الأجنبية، والمطارات وغيرها من مفاصل الأمن الضرورية لحماية الكيان الصهيوني! والذي يعنينا هنا أن متابعة كافة الأوضاع والتطورات السياسية والأمنية والمجتمعية داخل قطاع غزّة تقع على عاتق «الشاباك»، ومن هنا وجدنا الحرج الكبير الذي وقع فيه قادة وضبّاط «الشاباك» بعد الهجوم الكبير الذي شنّته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023! وللتغطية على الفشل الواضح في عمله والخروقات المتنوّعة لبرامجه حاول جهاز «الشاباك» خلال الأسبوع الحالي ترتيب خطّة صهيونية جديدة تتمثّل بمحاولات زرع الفوضى في غزّة. وقد شهدت غزّة، وتحت وطأة الجوع القاتل والحصار القاسي المفروض من الاحتلال الصهيوني والغلاء الفاحش في أسعار الموادّ الغذائية، بعض عمليّات السطو خلال الأيّام الماضية في عدّة مناطق داخل القطاع. وذكرت منصّة أمن المقاومة الفلسطينية (الحارس) على التلغرام (t.me/alhares) بأن رجال الأمن في غزّة اعتقلوا عددا من المتورّطين في جرائم سطو، وقد أظهرت التحقيقات أن بعضهم موجّه من «الشاباك»! وسبق لرجال المقاومة أن ضبطوا مُتَخَابِرِين اعترفوا بأنهم سرقوا شاحنات مساعدات وبضائع بتوجيه من «الشاباك»، وبمرافقة طائرات «كواد كابتر»، كما اعترف متخابر آخر بأن «الشاباك» طلب منه سرقة معدّات وأجهزة تقنية من مقرّ في غزّة قبل أن تقوم طائرة حربية بقصفه. وأكّد «حذيفة»، الضابط في أمن المقاومة، تهديد «الشاباك» لمخاتير عائلات فلسطينية، لأنها ترفض المشاركة في جرائم السطو على المخازن والشاحنات الداخلة لغزّة. وهذه الخطّة الشرّيرة من «الشاباك» جُوبِهت بمقاومة مجتمعية كبيرة، وقد أبدت العديد من الشخصيّات الفاعلة داخل القطاع رفضها القاطع لهذه الجرائم، وأكّدت وقوفها مع محاولات فرض النظام، وتأديب عصابات السطو وافشال مخطّطات العدوّ الهادفة لزرع الفوضى داخل القطاع بعد فشله في هزيمة المقاومة الفلسطينية على أرض الميدان! ويبدو أن الغاية الأدقّ من وراء هذه العمليّات، المغلّفة بغطاء السرقة بدافع سدّ الجوع، هو تتبع أماكن تواجد رجال أمن المقاومة ليتسنى للعدوّ استهدافهم بطائراته المسيّرة وصواريخه العبثية وقالت وزارة الصحّة في غزّة أن ما لا يقلّ عن 65 ألف طفل ظهرت عليهم أعراض سوء التغذية، وأن 57 شخصا على الأقلّ، غالبيتهم من الأطفال، توفّوا بسبب سوء التغذية منذ اغلاق «إسرائيل» للمعابر بداية مارس 2025! والفشل الجديد لخطّة «الشاباك» بخصوص محاولات زرع الفوضى في غزّة تُضاف لسلسلة عمليّاته الفاشلة، ومنها فشله في التحذير من هجمات السابع من أكتوبر 2023، وقد نشر «الشاباك» مساء 4/3/2025 نتائج التحقيق الخاصّ به بطوفان الأقصى.وخلص التحقيق إلى إعلان «فشل الجهاز، في نهاية المطاف، رغم تحقيقاته الداخلية التي أظهرت قوّة حماس». وأكّد «الشاباك» أن الصعوبات التي واجهها على أرض غزة، أدّت إلى «فجوات في تجنيد وتشغيل عملاء كان يمكن أن يشهدوا تحرّكات استثنائية»! وكان «رونين بار» مدير «الشاباك» قد اعترف بتقصير جهازه بخصوص طوفان الأقصى قائلاً: «للأسف لم نتمكّن من توفير تحذير كافٍ كان من شأنه أن يسمح بإحباط هجوم حماس»! إن الصدمة الكبرى «لإسرائيل» من ملحمة الطوفان أثبتت فشل منظومة الدفاع الصهيونية، وَسَقم أجهزة المخابرات والاستخبارات التابعة للكيان الصهيوني، وإلا لو كانت هذه الأجهزة على درجة جيدة من التنظيم والترتيب لتنبهت لهذا الهجوم قبل تنفيذه على الرغم من أن غزّة تحت عيون الكيان منذ عام الانسحاب «الإسرائيلي» منها 2005 حتّى الساعة!
738
| 09 مايو 2025
يُعرّف الخبراء «الكارثة الطبيعية» بأنها ظاهرة طبيعية ذات مخلّفات وعواقب دراماتيكية وخيمة، وقد يكون ضحايا من عموم الكائنات الحيّة فضلا عن الأضرار المادّيّة وغيرها من المخلّفات. وتتنوّع الكوارث الطبيعية إلى أنواع مختلفة، وفي مقدّمتها الزلازل، والثورات البركانية، والفيضانات، والجفاف، والأعاصير، وموجات الحرّ والبرد، وحرائق الغابات، والأمطار الغزيرة، والعواصف الرملية، والانهيارات الثلجية وغيرها من الكوارث التي تُرعب الإنسان، وتلقي بظلالها وآثارها على الطبيعة والكائنات الحيّة! وجميع هذه الكوارث الطبيعية مخيفة ومُرْعبة للإنسان والحيوان، ولكنّ الزلازل تختلف عن غيرها من حيث الرعب والخوف الذي تنشره في المكان الذي تنزل فيه! ويذكر العلماء أن الزلزال هو اهتزاز مفاجئ وسريع للأرض بسبب تحرّك طبقة الصخور تحت سطح الأرض، أو بسبب نشاط بركاني. وتقع الزلازل في لحظات غير محدّدة من النهار، أو الليل، وحتّى الساعة، ورغم التطوّر العلمي الهائل، لم يتمكّن العلماء من تحديد وقت حدوث الزلازل، وهي تقع فجأة من دون سابق إنذار، وفي جميع أوقات السنة. ويمكن أن تتسبب الزلازل بوفيّات وإصابات وأضرار في الممتلكات الخاصّة والعامّة، وضياع المأوى، وسبل العيش، وتخريب وتعطيل البنية الأساسية الحيوية، وقد تخلّف مئات الآلاف، أو عشرات آلاف الضحايا من القتلى والجرحى بحسب قوّة الزلزال وشدّته! وترجع معظم وفيّات الزلازل إلى انهيار المباني والتداعيات الثانوية للزلازل ومنها الانزلاقات الأرضية، والحرائق، وأمواج التسونامي والفيضانات، وانهيار وتَضرّر مخازن الموادّ الكيميائية والسامّة وغيرها! وهكذا، وحينما يكون الإنسان في لحظة هدوء وسكون وبهجة، تقع الكارثة، ويجد الإنسان نفسه في لحظة ما يتحرّك ذات اليمين وذات الشمال، ويَنقلّب إلى أضعف الكائنات في الأرض، إنّها لحظات الزلزال، التي لا تدوم إلا لبضع ثوان! وقد قادتنا الأقدار إلى الاستقرار في مدينة تقع على خطّ الزلازل، ومنذ أن نزلنا بها قبل أقلّ من عقد من الزمان ونحن نسمع بزلزال كبير قد يقع في أيّ لحظة! وقبل أسبوع وقع الزلزال الرهيب الذي هزّ المنازل والقلوب والأرواح، وكانت النساء يصرخنّ في الشوارع من شدّة الزلزال، والحكومة أرسلت رسائل تحذير على كافّة الأجهزة الخلوية، وبقيت تطمئن المواطنين أولا بأوّل وتطالبهم بأخذ الحيطة والحذر وعدم الاقتراب من المباني المتضرّرة! وأخطر الزلازل تلك التي تقع في الليل لأن غالبيّة الناس في المنازل، وربما، في نوم عميق! والمخيف في الزلازل هي الهزّات الارتدادية التي لا يُمكن التكهّن بقوّتها، وربّما، تكون، مدمّرة وقاتلة! ووفقا لعلماء الزلازل فإن شدّة تلك الهزّات الارتدادية تتفاوت مع مرور الوقت فتكون قوية خلال الـ(48) ساعة الأولى بعد الزلزال الأول، لكنّها، دوما، تحدث بدرجات أقلّ منه، ثمّ تستمرّ بانخفاض شدّتها بدرجات متفاوتة. إن الرعب العامّ الذي تحدثه الزلازل يقتلع قلوب النساء والأطفال من الصدور! والدروس التي يتعلّمها الإنسان من الزلازل كثيرة وفي مقدّمتها أنه، وفي لحظات الزلازل، يتساوى الناس في أغلب الأوضاع حيث يتساوى المسؤول والمأمور، والغني والفقير، والمؤمن والكافر، والنقي والخبيث، وجميعهم يَتخلّون عن قصورهم ومنازلهم والبنايات والممتلكات التي يعشقونها! وفي لحظات الزلزال تكون غاية أحلام الأغنياء والفقراء خيمة في قلب الفلاة، ويُحْسَد ساعتها البدويّ الذي يسكن في قلب الصحراء على الأمان الذي يعيش فيه، وربما، لا يعرف قيمته! وبعد ساعات الزلزال تكون العديد من الممارسات اليومية عبارة عن أمنيّات كبيرة ومنها الطعام في المكان المعتاد، واستخدامات المياه المختلفة، والنوم العميق، والملابس المرتّبة وحتّى النظيفة وغير ذلك من الفعّاليّات التي لا ننتبه لأهمّيّتها بسبب سلاسة القيام بها! إن الزلازل تُبيّن للإنسان مدى نعمة الاستقرار على الأرض والسكون في الأماكن والهدوء على كافّة المستويات الحياتية! الزلازل تجربة مخيفة مُرَوِّعة تدفع الإنسان لمزيد من التواضع والحبّ والتعاطف والتعامل الإنساني لأن الناس في نهاية المطاف هم «أولاد تسعة» أشهر كما يقول المثل الشعبي الجميل والحكيم!
672
| 02 مايو 2025
الإنسان الراشد العاقل المتكامل العافية لا يمكنه العيش بسلاسة دون طعام وشراب، ولو لأيّام، أو ربما لساعات معدودة؛ لأن الجسم البشري تماما مثل أيّ آلة يحتاج إلى طاقة، ووقوده الذي يَسْتمدّ الطاقة منه هو الطعام والشراب. والمجاعة بعبارة مركّزة هي فقدان الإنسان للأمن الغذائي في منطقة ما نتيجة للعديد من الظروف الطبيعية والبشرية، ومنها الفيضانات والكوارث الطبيعية والحروب. ومحنة أهلنا في غزّة لم تتوقّف عند القتل والتدمير والتخريب ومحاولات التهجير القسري بل وصل مداها إلى جريمة التجويع المتعمّد الذي تمارسه «إسرائيل» على جميع المدنيين في القطاع. والجوع يجعل الإنسان العاقل الراشد في حالة ضعف نفسي وعقلي، وقد يَجعله مثل ذرّات الرمال التي تتطاير من هَول الصواريخ العشوائية التي تطلق في أرجاء غزّة. والأتْْعَس في المؤامرة أن القتل المباشر بالقنابل والطائرات المسيّرة والصواريخ، وكذلك القتل غير المباشر بالتجويع والترهيب طال الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوّة ولا ذنب لهم إلا أنّهم وُلدوا في غزّة في زمن الاحتلال! لقد سحق الجوع الناس في غزّة، ودفعهم من شدّته وقسوته لأكل السلاحف وغيرها من الحيوانات البّريّة والبحرية والبرمائية التي، ربّما، لم يفكّروا في يوم من الأيّام الاقتراب منها، فضلا عن تناولها! إنه الجوع، ذلك الشبح الذي لا يَعْرِف قسوته إلا الذين عانوا من أمواجه العاتية، وبراكينه القاتلة، ومُزِجت لقمة عيشهم، إن توفّرت، بالعرَق والرعب والدم! كيف يمكن التعبير عن حال رجل يلتقط بقايا الطعام من الأرض والحاويات ليسدّ رمقه؟ وهل يمكن لإنسان نبيل أن يلومه وهو الذي يحاول أن يَهرب من سطوة الجوع، وقسوة معركة الأمعاء لعلّه ينجح في تهدئة جسده وتزويده ببعض الطاقة، ولو كانت من «القمامة»؟ ويُجْمِع الأطباء على أن الإنسان النشيط البالغ يمكن أن يمتنع عن الطعام لثمانية أسابيع بشرط ألا يتزامن ذلك مع انقطاع الماء، وهذا الوقت يختلف من شخص لآخر، أما بالنسبة للأطفال فإن بعض الدراسات الطّبّيّة تؤكّد بأنهم يمكنهم مقاومة الجوع لسبعة أيّام فقط! واليوم هنالك في غزّة أزمة غذائية تتعلّق بالأطفال قبل الكبار، حيث ذكر تقرير للمركز الفلسطيني للإعلام يوم 20 نيسان/أبريل الحالي من مدينة خان يونس جنوبي القطاع أن مستشفيات الأطفال، وأجهزة الإنعاش فيها، تُكَافح لإبقاء «هذه الأرواح الصغيرة على قيد الحياة في ظلّ الحرب الإسرائيلية المستمرّة للشهر التاسع عشر، ولم تدخل لغزّة، ومنذ سبعة أسابيع، أيّ شحنات غذائية وطبّيّة مخصّصة لحديثي الولادة»، ويواجه المستشفى أزمة خانقة في توفير الحليب المناسب للأطفال، إضافة إلى نقص حادّ في المستلزمات الأساسية، وبالمقابل تتكدّس إمدادات الغذاء والدواء والوقود عند معابر القطاع! وتشير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» إلى أن الأطفال والرضّع في غزّة «ينامون جائعين»، في وقت توشك فيه الإمدادات الأساسية في القطاع على النفاد التامّ! وتؤكّد منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة في الشرق الأوسط «اليونيسف» أن لديها «آلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات المنقذة للحياة تنتظر دخول غزّة»! ومن جانبها قالت صحّة غزّة، الثلاثاء الماضي، إن» منع إسرائيل دخول تطعيمات شلل الأطفال يُهدّد حياة 602 ألف طفل»! وهكذا تتنوّع الأسلحة «الإسرائيلية» ضدّ أهالي غزّة، ومنها أسلحة التجويع التي لا تختلف عن الطائرات المسيّرة والصواريخ لأنها جميعها تفتك بالإنسان وتسحقه! إنها مأساة غزّة، ولو تصوّرنا مقابلها العبث بأنواع الأطعمة في غالبيّة دول العالم، وبالذات دول الجوار لفلسطين لبقينا في حالة ذهول تدفعنا لاحترام النّعَم، والتوقّف عن التبذير، وتدفعنا للتفكير، مُجرّد تفكير، بالجائعين في غزّة! كيف يَطيب لنا الطعام والشراب وعموم العيش وأهلنا في غزّة يموتون، ويعانون، ويصارعون الجوع نتيجة الحصار «الإسرائيلي» القاتل والشديد؟!
537
| 25 أبريل 2025
فنّ الكتابة من الفنّون الأدبية المشهورة قديما وحديثا، وهو فنّ عُرِف باسم النثر، وله مميّزات تحسينية، وضوابط يُفترض الالتزام بها قَدْر الإمكان. ويسمّى هذا الفنّ بالعديد من الأسماء، ومنها فنّ الكتابة، وفنّ التعبير، وفنّ الإنشاء، وفنّ كتابة النصوص، وفنّ التأليف، وفنّ المقالة، وجميعها يقصد بها قطعة نثرية إنشائية يُعَبر فيها كاتب ما عن وجهة نظره لمعالجة قضيّة محدّدة، أو عدّة قضايا مترابطة في كيان واحد يسمّى المقال، أو المقالة، أو القطعة النثرية. والكتابة تسري على كافة جوانب الحياة الإنسانية، والكاتب يكتب في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنّية والفكرية والرياضية والعلمية وغيرها. وهذا لا يعني أن الكتابة نتاج إنساني فوضوي لا يَلتزم بالضوابط التي وضعها علماء اللغة والأدباء والمفكّرون على مَرّ العصور. ومن أبسط ضوابط الكتابة اللغة العربية السليمة، أو أي لغة يكتب بها الكاتب، والخالية من المفردات الشاذّة إلا عند الضرورة، أو لبيان شذوذها. ويعتبر فنّ الإملاء من الفنّون الواجب إتقانها من الكاتب، فضلا عن أغلب قواعد النحو والصرف وبقية العلوم المرتبطة بالكتابة. ويمكننا ذكر بعض خصائص الكتابة الرصينة أو المقال الرصين، ومنها الترابط الموضوعي، والفكرة الواضحة، واللغة السليمة، والإيجاز غير المخلّ، والأسلوب الجذّاب، وقدرة الكاتب على إبراز شخصيته بالمقال عبر رأي رصين قائم على التجارب والقدرات العلمية. وفي عصرنا الحالي، ومع انتشار وسائل الإعلام الشعبية، مواقع التواصل الاجتماعي، وسهولة استخدام البرامج والنشر الذاتي في الصفحات الشخصية، وكذلك في صفحات الآخرين، جميع هذه الاختراعات، أو الآفات جعلت الكتابة الأصيلة والنافعة في موقف لا تُحسد عليه، بل، ربما، يمكن القول بأن غالبية أحوالها تستحقّ الأسى والزعل. ورغم أن الكتابة اليوم صارت لكل من هبّ ودبّ، ولكل من لا علاقة له حتى بالموضوع الذي يخوض في أعماقه، لكنّنا نحاول تسليط الضوء على الكتابة الصحفية والإعلامية الموضوعية والرصينة والهادفة. ونحاول في هذه المقالة المركّزة أن نسلّط الضوء أو على الأقلّ التوقف عند نوع واحد من الكتابة وهو الكتابة المعارضة سواء أكانت تلك الكتابة سياسية، أو تقويمية، أو اقتصادية وفي أيّ مجال من المجالات المرتبطة بالحكومات، أيّ حكومة، سواء اتّفقنا معها أم اختلفنا. ولا خلاف بأننا أمام حكومات بشرية يمكن أن يقع منها الصواب والخطأ، وهذا ديدن كافّة الحكومات منذ قيام أبسط حكومة على الأرض وصولا للحكومات الإلكترونية في الغرب، وفي بعض دولنا العربية. ينبغي بداية على الحكومات الحكيمة أن تقبّل الانتقادات البنّاءة المكتوبة بقلب محبّ، ولسان نقي، وروح صافية، وفكر أصيل، ومداد مخلص، لأن هذا النوع من الكتابة لا يقلّ أهمّيّة عن أفكار المستشارين والخبراء القانونيين والمفكّرين، وهي بالنتيجة نصيحة مُحِبّ يرى القضية من زاوية أخرى، وقد يكون مصيبا، وقد يكون مخطئا. والحكومة النبيلة يفترض أن تكون لديها مجموعة إعلامية تدرس وتقرأ الكتابات النقدية، وبعدها ترتبها بملفّات محدّدة بحسب المواضيع، وتُقدّم لرئيس مجلس الوزراء للاطلاع عليها على أقلّ تقدير. وبالمقابل يفترض بالكاتب الحقيقي والوطني والأصيل أن تكون كتاباته قائمة على أساس علمي وموضوعي، ومبنية على معلومات دقيقة وليست خيالية، وهادفة للتصحيح والتقويم وليس التخريب والتشهير. وهذه الكتابة يجب أن تكون خالية من السبّ والشتم والطعن بالأعراض، وبعيدة عن الفوضى الهادفة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المشاهدين، أو القراء، ولو على حساب شرف المهنة وموضوعية القلم والرأي. لنجعل من الكتابة الرصينة والموضوعية والدقيقة بوابة واسعة لتقويم الإنسان، أي إنسان، دون أن تكون كتاباتنا مزوّرة للواقع، وساعية لتلميع صور القتلة والمجرمين والسراق. أيها الكتاب: اهتمّوا بأقلامكم فإنها الأساس المتين لبناء الوطن والناس.
555
| 18 أبريل 2025
كثيرة هي الحوادث الطبيعية والحياتية التي لا تَستأذن في وقوعها، وهي، وإن تعدّدت أسبابها، قد توقع الضرر على الإنسان والحيوان والكون! وتتنوّع الحوادث الطبيعية والبشرية ما بين الزلازل والأعاصير والبراكين والحروب وحوادث الطائرات والسيّارات والقطارات، وغيرها من سلسلة الحوادث التي لا حصر لها على كوكب الأرض! ونجد في جميع تلك الحوادث الكثير من صور التكاتف الإنساني لتقديم العون والمساعدة لتقليل الآثار، وترميم الضرر، وتقديم الدعم المادّي والمعنوي. وهذا الدعم قد يكون على مستوى الداخل ضمن المؤسّسات الرسمية، أو على مستوى الخارج ضمن المعونات الدولية البشرية واللوجستية، وهذه جميعها صور نبيلة تزرع الأمل، وتسقي شجرة المحبّة والتعايش على الأرض! وسط هذه الظروف تبرز كارثة الحروب البشرية التي تقتل الإنسان، وتُبدّد الأحلام، وتسحق الطفولة، وتسرق الأمل، وتُخلّف الخراب والدمار وصرخات اليتامى ودموع الأمّهات والزوجات، تماما مثلما هو الحال في غزّة! ما يجري في غزّة منذ شهر تقريبا، ومنذ أن قرّرت «إسرائيل» ضرب المفاوضات والعودة للغة الحديد والنار يُعَدّ مأساة بشرية، حيث تسقط كلّ يوم مئات الصواريخ على أجساد عارية وخيّام ممزّقة، وكأنّها حرب لمحو الإنسان والأرض! عادت «إسرائيل» لتحرق الناس والمنازل والخيّام والمساجد والتكايا والمدارس والمستشفيات وسيّارات الإسعاف وكلّ ساكن ومتحرّك في غزّة! هذا التوحش «الإسرائيلي» دفع أصحاب الضمائر النقية في العالم للوقوف مع غزّة في دعوات المقاطعة الاقتصادية والمظاهرات والدعوة للإضراب العالمي يوم السابع من نيسان/ أبريل الحاليّ، وهذه دلائل كبيرة على صحّة النضال الفلسطيني وبطلان المشروع «الإسرائيلي»! والضَّمِيرُ، وفقا لقواميس اللغة، هو استعدادٌ نفسي لإِدراك الخبيث والطيّب من الأعمال والأقوال والأفكار، والتفرقة بينها، واستحسان الحسن واستقباح القبيح منها. ويقال وَخْز الضَّمير، وعذاب الضَّمير، وتأنيب الضَّمير ويُقصد بها ما يَحسّه الفردُ من عذاب، أو ندم، أو اتّهام لذاته بارتكاب غلطة، أو خطأ نتيجة سلوك قام به، ولهذا يقال عنه يَتصرّف دون وازع من ضميره، وبأنّه فاقد للضَّمير، أو معدوم الضَّمير! ومقابل الضَّمير الفردي والمحلي هنالك الضَّمير العالمي ويتمثّل بالمشاعر الصافية في النفوس الرافضة للظلم التي تهتدي إلى مبادئ الأخلاق بعفويّة وتلقائيّة، وتقف إلى جانب المظلومين والمستضعفين! وهذا ما لمسناه في عشرات المدن التي أيّدت غزّة ووقفت ضدّ الطغيان «الإسرائيلي»، وهكذا، ومن قارّة إلى قارّة، تنتقل صرخات الضمير العالميّ المتلاحم والمتكاتف مع غزّة والرافض للقسوة الصهيونية في سياستها الإرهابية لمحو القطاع! التلاحم الإنساني في مواجهة القتل والدمار الصهيوني سيرسم أروع لوحة عالمية تُعبّر عن التضامن والتكاتف الإنساني في مواجهة الهمجية «الإسرائيلية» التي لا تعترف بإنسانية الإنسان، ولا بوجود قوانين دولية ضابطة للدول الأصيلة، أو «الكيانات اللقيطة»! وتحاول «إسرائيل» تطبيق خطّة التهجير التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولكن بأسلوب فاحش، تكون فيه غزّة عبارة عن أرض فارغة ومليئة بأكداس البشر وآلاف أطنان الحديد والحجارة! وهذا ما أكّده بنيامين نتنياهو بعد لقائه ترامب يوم 7 نيسان/ أبريل الحالي بأنهما تحدّثا عن خطّة ترامب «الجريئة» لإخراج الفلسطينيين من غزّة «بما في ذلك أن تَقبل الدول الفلسطينيين بإرادتهم الحرّة»! وتسعى «إسرائيل» المتخلفة إلى أن تُثْبت للعالم، ولو بمحو غزّة وأهلها، أن المقاومة أخطأت في استهداف مناطق غلاف القطاع، وكأنها صاحبة الحقّ والأرض، وهذا قمّة الاستخفاف بعقول الناس، وقمّة الاستهتار والتلاعب بالقوانين الدولية والإنسانية. يبدو أن إنسانيتنا، أو ما تبقى من إنسانيتنا، بحاجة لمزيد من الوعي بأهمّيّة الحفاظ على كيان الإنسان وزرع الرحمة في القلوب وطرد الكراهية والأحقاد! الوقائع تؤكّد بأن غزّة لا تَنْكسر ولا تَموت رغم كلّ الصواريخ والطائرات المسيّرة، وستبقى غزّة النبع الذي يُغذّي الكرامة لفلسطين والأمة والضمائر الإنسانية العالمية.
537
| 11 أبريل 2025
العيد ذلك الزائر الذي يَصرّ على نشر الأفراح والارتياح والانشراح والسعادة والسرور والغبطة والمرح والمسرّة والهناء والابتهاج والاستبشار أينما حلّ ولو في أصعب الظروف وأقسى الأزمان! والعيد هو يوم الجائزة والاحتفال والوليمة والاحتفال والفرح والتسامح والصفح واللين والرفق والعفوّ! وبعد القفزات العلمية الهائلة في عالمنا اليوم لا يُمكننا أن نقارن بسهولة بين أعياد الماضي وأعياد الحاضر، وحينما نقول «أعياد الماضي» لا نعني قبل مئات السنين، بل قبل 40 سنة تقريبا، حيث كانت الأعياد بسيطة جدا! بالأمس، الماضي، كان العيد يتمثّل ببضعة مراجيح للأطفال، ودواليب الهواء الصغيرة المتقلّبة، وبضع عربات تجرّها الخيول لجولة بسيطة في الشوارع الترابية، ورغم هذه البساطة كانت السعادة تملأ الزمان والمكان ولا يمكن التعبير عنها إلا مِمّن عايشوها لأنها من الأمور الذوقية التي لا يمكن التعبير عنها بسهولة، ومهما كانت قدرات الكاتب البلاغية والانشائية! كان الناس يَستعدّون للعيد منذ أيّام وأيّام، وكانت العوائل تشتري الجديد للأطفال والنساء من الملابس وبقية الكماليات، وكان الأطفال يحاولون لبس ثيابهم الجديدة في ليلة العيد وينامون بها على الرغم من رفض الأمّهات لهذه التصرّفات لكنّهم، ولفرط فرحتهم، يُصرّون على النوم بملابسهم لأنهم لا يُريدون أن يَهْرُب العيد منهم، بحسب ظنّهم، وهم نائمون! كان أطفال الأمس يمتازون بالقناعة في كل شيء، وهم رغم فقرهم في قمّة السعادة والسرور، بينما غالبيّة أطفال اليوم لا يفرحون بملابس العيد لكثرة الملابس التي يمتلكونها، وكذلك لا يفرحون بالذهاب لمدن الألعاب، الملاهي، لأن غالبيّتهم مولعون بالألعاب الإلكترونية في الهواتف المحمولة وبقيّة أجهزة التسلية! بالأمس كانت الأمّهات يَتسابقنّ لعمل حلويّات العيد، التي تختلف مسمّياتها من بلد لآخر، فهي المعمول، والكليجة، والكعك وغيرها من المسمّيات، بينما غالبية العوائل اليوم تشتري حلويّات العيد جاهزة من المخابز بعيدا عن الحفاظ على العادات والتقاليد الموروثة! بالأمس القريب كان العيد يوم التزاور والتراحم، والتبريكات، وكلّ مَنْ لديه مظلمة، أو خلاف ومشاحنة مع أحد يَجد في العيد مناسبة راقية لبداية جديدة من التعايش الإنساني، وهذه العادات تراجعت اليوم بقوّة، واكتفى غالبية الناس بالرسائل النّصّية عبر «الهواتف المحمولة»! وبعيدا عن مسألة الاختلافات والفروقات بين أعياد الأمس واليوم، لا أدري كيف يمكن أن نحتفل بالعيد وأهلنا في غزّة يعانون من هول الحروب والصواريخ والطائرات المسيّرة والدمار والحصار؟ والصاعق والمفاجئ والعجيب أن الفلسطينيين اللاجئين والمحاصرين في غزّة يصرّون على استقبال العيد رغم كلّ الهموم والأتراح! وذكر تقرير لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية «وفا»، يوم 28 آذار/ مارس 2025، من مخيّم الشاطئ للاجئين شمال غرب غزّة، «تعدّ مجموعة من النساء والفتيات كعك العيد «المعمول»، قبل أن» يخبزنّه على فرن الحطب، لاستقبال عيد الفطر، رغم استمرار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي»! وأغرب كلمة وردت في التقرير قالها المواطن «فتحي أبو شاب»: «ماذا سأفعل هذا العيد وأنا لا أملك أيّ نقود لأعيّد أخواتي وأبنائي؟ كانوا ينتظرون العيد كلّ سنة لأمنحهم بعض الفرح، أما اليوم، فأنا بلا عمل، وبلا مال، وبلا قدرة على إسعادهم»! وهذه الصور المؤلمة تنحر فرحتنا بالعيد لأن أخوتنا في غزّة لا يعرفون أيّ طعم للحياة، فضلا عن العيد! وهكذا تستمرّ، مع هذه المعاني الجميلة والناعمة للعيد، معاناة غزّة، وربّما هذا هو العيد الرابع منذ السابع من أكتوبر وحتّى اللحظة الذي يمرّ على غزّة وهي لم تلبس بعد ثوب العيد والسلام والأمن! ولكن، ورغم مشاهد الهدم والتدمير لكافة أركان الحياة، ورغم ضياع عشرات آلاف الأنفس من الشهداء، ومثلهم من الجرحى إلا أن الصمود الفلسطيني النادر يصنع الأمل ويتحدّى الصعاب! هذا الحلم الفلسطيني والإصرار على التمسك بالحياة والأرض والاحتفال بالعيد هو السّرّ الأكبر الذي لا يمكن تفهّمه من قبل أعداء فلسطين! وهكذا تتواصل أعيادنا بين الذكريات والمخاوف! كلّ عام والجميع بخير.
567
| 04 أبريل 2025
جاء في بعض قواميس اللغة أن الإنسانيَّة جُمْلَة الصفات التي تُميِّز الإنسان، وهي مجموع خصائص الجنس البشريّ التي تُميّزه عن غيره من "الأنواع القريبة، وهي ضدّ البهيميّة والحيوانيّة". وبالمقابل هنالك مصطلح "اللا إنسانيَّة" ويُراد به إهدار قيمة الإنسان وحقوقه، والإيمان بالعنصريّة، والقسوة في معاملة الآخرين. والإنسان، أي إنسان، قيمة عليا في الأرض، ولا بُدّ أن يُحترم كيانه وفكره دون النظر إلى سلالته وعرقه ولونه ولغته، وغيرها من عناصر التناحر البشري الشكلية والعرقية والعشائرية والقبلية والعنصرية والمالية والسلطوية والمجتمعية. والإنسان سواء أكان من الحكام أم المحكومين، ومن السود أو البيض، ومن الفقراء أو الأغنياء، وسواء أكان من الرجال أم النساء، والصغار أو الكبار يجب أن يُحترم، وألا تُمسّ إنسانيته بما يَخدشها، وألا يُتَعرض له إلا في الأحوال التي تتعارض فيها "إنسانيته" مع إنسانية الآخرين، إنسانية المجتمع، وهنا تكون الكلمة الفصل للقانون والقضاء. والمبادئ الإنسانية النبيلة قائمة في الأنظمة الصّحّية الكريمة، التي تَحترم إنسانية الإنسان وتحافظ عليها بما تَمْلُك من قدرات قانونية وأمنية ومالية وفكرية وتربوية وعلمية، وحتى الرياضية والفّنّية. وخلافا لتلك الأنظمة الراقية هنالك الأنظمة الهابطة التي تُحارب الإنسان وتسحقه وتتلذّذ بقتله، وتخريب مدنه وممتلكاته ومجمل حياته، وهذه الحالات "اللا إنسانية" قائمة في الأنظمة السقيمة، ومنها الكيان الصهيوني وطريقة تعامله الهمجي مع الفلسطينيين! والتصرفات الصهيونية "اللا إنسانية" تتمثّل حاليا بأبشع صورها في الجرائم المستمرّة لسحق الشعب الفلسطيني في غزة، وخصوصا بعد أن عادت "إسرائيل"، قبل أسبوعين، لقتل المدنيين العزّل بعد أن ضَرَبت بهدنة وقف القتال عرض الحائط، واستندت إلى قوتها وهمجيتها في تعاطيها مع أهالي غزة!. وهنالك اليوم مئات الصور الإنسانية الراقية حول العالم، التي تنادي بضرورة التعامل الإنساني مع أهالي غزة، والوقوف في وجه الهمجية "الإسرائيلية". ومن هذه الصيحات الحرّة "الكلمة الإنسانية" التي هزّت أركان البرلمان الإيطالي، يوم 21 آذار/مارس 2025، والتي أطلقتها المحامية وعضو مجلس النّوّاب "ستيفّانّيا أسكاري" وممّا قالته: عندما استيقظت هذا الصباح رأيت صورة طفل فلسطيني قُتِل الليلة في القصف "الإسرائيلي" على غزة، وكانت تنام بجانبي طفلتي، ومباشرة احتضنتها، وقد انتابني إحساس عميق بالألم لما يعيشه الآباء في غزة، وأبشع كابوس ممكن أن يعيشه الأهل هو موت ابنهم، إن كل ما يحدث أمر مروّع فقد قتل في ليلة واحدة 400 شخص، بينهم 130 طفلا!. هل أُصِبْنا بالجنون، وهل هؤلاء الأطفال إرهابيون أم أبرياء؟ وختمت كلمتها بالقول: "لقد فقدنا كل شيء، وضاعت الحقوق، وضاعت العدالة، وفقدنا التمييز والإدراك، وفقدنا الضمير الحيّ والأهم من ذلك فقدنا الإنسانية، لِنَعُد إلى إنسانيتنا"!. وفي اليوم التالي انهارت الدكتورة الأمريكية "تانيا الحاج حسن"، من منظّمة أطباء بلا حدود، وبكت بمرارة خلال جلسة الأمم المتّحدة عندما تحدّثت عن غزة، وخاطبت العالم: "نحن لسنا مجهولين، نحن أُناس خلقنا الله. لا يستطيع أهل غزة أن يتحدّثوا عن أنفسهم ويدافعوا عن غزة هنا لأن" النظام الذي نعيش فيه حاليًا لا يعترف بحقّهم في الحياة"! وغيرها العديد من المواقف الرافضة للوحشية "الإسرائيلية"، كون أحوال غزة الحالية تُمثّل انتهاكًا صارخًا لأبسط المبادئ الإنسانية. ما أحوجنا اليوم إلى إحياء القيم الإنسانية الأساسية التي تاهت وسط ضجيج الديمقراطية والإرهاب، وما يجري في غزة حالة متوحّشة بعيدة عن القوانين والأعراف والتقاليد والأخلاق الإنسانية النبيلة!. الجرائم "الإسرائيلية" تخطّت جميع الخطوط الحمراء، وضربت كافّة القوانين والأخلاق، المدنية والعسكرية، وهذه حالة خطيرة لا يمكن أن تخلو من تداعيات مستقبلية ليس فقط في فلسطين والمنطقة، بل، وربّما، في غالبية الدول الغربية! حافظوا على الإنسان، وانصروا القضايا العادلة حتى تستمرّ حياتنا على الكوكب بعيدا عن الإرهاب والخراب والضياع!. @dr_jasemj67
918
| 28 مارس 2025
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4302
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
2085
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1788
| 04 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1455
| 06 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
1401
| 10 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1173
| 04 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
939
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
681
| 10 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
669
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
645
| 04 ديسمبر 2025
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...
627
| 08 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
567
| 07 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية