رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جاسم الشمري

مساحة إعلانية

مقالات

489

جاسم الشمري

قلوب صغيرة تكافح للبقاء !

25 أبريل 2025 , 12:35ص

الإنسان الراشد العاقل المتكامل العافية لا يمكنه العيش بسلاسة دون طعام وشراب، ولو لأيّام، أو ربما لساعات معدودة؛ لأن الجسم البشري تماما مثل أيّ آلة يحتاج إلى طاقة، ووقوده الذي يَسْتمدّ الطاقة منه هو الطعام والشراب.

والمجاعة بعبارة مركّزة هي فقدان الإنسان للأمن الغذائي في منطقة ما نتيجة للعديد من الظروف الطبيعية والبشرية، ومنها الفيضانات والكوارث الطبيعية والحروب.

ومحنة أهلنا في غزّة لم تتوقّف عند القتل والتدمير والتخريب ومحاولات التهجير القسري بل وصل مداها إلى جريمة التجويع المتعمّد الذي تمارسه «إسرائيل» على جميع المدنيين في القطاع.

والجوع يجعل الإنسان العاقل الراشد في حالة ضعف نفسي وعقلي، وقد يَجعله مثل ذرّات الرمال التي تتطاير من هَول الصواريخ العشوائية التي تطلق في أرجاء غزّة.

والأتْْعَس في المؤامرة أن القتل المباشر بالقنابل والطائرات المسيّرة والصواريخ، وكذلك القتل غير المباشر بالتجويع والترهيب طال الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوّة ولا ذنب لهم إلا أنّهم وُلدوا في غزّة في زمن الاحتلال!

لقد سحق الجوع الناس في غزّة، ودفعهم من شدّته وقسوته لأكل السلاحف وغيرها من الحيوانات البّريّة والبحرية والبرمائية التي، ربّما، لم يفكّروا في يوم من الأيّام الاقتراب منها، فضلا عن تناولها!

إنه الجوع، ذلك الشبح الذي لا يَعْرِف قسوته إلا الذين عانوا من أمواجه العاتية، وبراكينه القاتلة، ومُزِجت لقمة عيشهم، إن توفّرت، بالعرَق والرعب والدم!

كيف يمكن التعبير عن حال رجل يلتقط بقايا الطعام من الأرض والحاويات ليسدّ رمقه؟ وهل يمكن لإنسان نبيل أن يلومه وهو الذي يحاول أن يَهرب من سطوة الجوع، وقسوة معركة الأمعاء لعلّه ينجح في تهدئة جسده وتزويده ببعض الطاقة، ولو كانت من «القمامة»؟

ويُجْمِع الأطباء على أن الإنسان النشيط البالغ يمكن أن يمتنع عن الطعام لثمانية أسابيع بشرط ألا يتزامن ذلك مع انقطاع الماء، وهذا الوقت يختلف من شخص لآخر، أما بالنسبة للأطفال فإن بعض الدراسات الطّبّيّة تؤكّد بأنهم يمكنهم مقاومة الجوع لسبعة أيّام فقط!

واليوم هنالك في غزّة أزمة غذائية تتعلّق بالأطفال قبل الكبار، حيث ذكر تقرير للمركز الفلسطيني للإعلام يوم 20 نيسان/أبريل الحالي من مدينة خان يونس جنوبي القطاع أن مستشفيات الأطفال، وأجهزة الإنعاش فيها، تُكَافح لإبقاء «هذه الأرواح الصغيرة على قيد الحياة في ظلّ الحرب الإسرائيلية المستمرّة للشهر التاسع عشر، ولم تدخل لغزّة، ومنذ سبعة أسابيع، أيّ شحنات غذائية وطبّيّة مخصّصة لحديثي الولادة»، ويواجه المستشفى أزمة خانقة في توفير الحليب المناسب للأطفال، إضافة إلى نقص حادّ في المستلزمات الأساسية، وبالمقابل تتكدّس إمدادات الغذاء والدواء والوقود عند معابر القطاع!

وتشير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» إلى أن الأطفال والرضّع في غزّة «ينامون جائعين»، في وقت توشك فيه الإمدادات الأساسية في القطاع على النفاد التامّ!

وتؤكّد منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة في الشرق الأوسط «اليونيسف» أن لديها «آلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات المنقذة للحياة تنتظر دخول غزّة»!

ومن جانبها قالت صحّة غزّة، الثلاثاء الماضي، إن» منع إسرائيل دخول تطعيمات شلل الأطفال يُهدّد حياة 602 ألف طفل»!

وهكذا تتنوّع الأسلحة «الإسرائيلية» ضدّ أهالي غزّة، ومنها أسلحة التجويع التي لا تختلف عن الطائرات المسيّرة والصواريخ لأنها جميعها تفتك بالإنسان وتسحقه!

إنها مأساة غزّة، ولو تصوّرنا مقابلها العبث بأنواع الأطعمة في غالبيّة دول العالم، وبالذات دول الجوار لفلسطين لبقينا في حالة ذهول تدفعنا لاحترام النّعَم، والتوقّف عن التبذير، وتدفعنا للتفكير، مُجرّد تفكير، بالجائعين في غزّة!

كيف يَطيب لنا الطعام والشراب وعموم العيش وأهلنا في غزّة يموتون، ويعانون، ويصارعون الجوع نتيجة الحصار «الإسرائيلي» القاتل والشديد؟!

مساحة إعلانية