رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عند تناول الآثار الإستراتيجية المترتبة على عملية عاصفة الحزم فإن جملة من الحقائق والوقائع على الأرض لابد من التطرق إليها باعتبارها نقطة ارتكاز لدى المفكر الاستراتيجي العربي الذي يتعامل معها كمعطيات أولية لتحديد مساراته وبالنتيجة تمكينه من اتخاذ القرار الإستراتيجي الذي يخدم المصالح القومية..الحقيقة الأولى/ لقد عجز النظام السياسي والدبلوماسي الدولي وما يرتبط به من معادلات ومصالح ونزعات اقتصادية عن التعاطي مع مستحدثات الربيع العربي وبالمقابل وقف النظام العربي عاجزا عن خلق أو تأطير أي مشروع نهضوي يوظف حالة الربيع لصالحه.الحقيقة الثانية/ أن ما ترتب على الربيع العربي من فراغ في السلطة في بعض الدول عملت نظرية المصالح الدولية ومشاريع الهيمنة الإقليمية ومشروع الإرهاب الدوغمائي على ملئه بطريقة لا تقبل التجزئة لارتباط هذه المكونات بعضها ببعض سلبا أو إيجابا. الحقيقة الثالثة/ أن الحالة العربية بقيت مرتكزة على نظرية الدولة الوطنية والدفاع عنها وفقا لعقلية القلعة لعدم وجود أي بديل جمعي للأمة في نظريات الدفاع فباتت تنتظر دورها في عملية وصول المشاريع الإقليمية أو الإرهابية إليها. الحقيقة الرابعة/ أن نظام العدالة وفض النزاعات وحماية الإنسان في القانوني الدولي وقف عاجزا عن تقديم الحلول للتعاطي مع حالة الإقليم لأنه يميل في أصله للقواعد الاستعمارية. الحقيقة الخامسة/ وعطفا على ما ورد أعلاه فلقد أضحت فكرة السيادة الوطنية عبارة عن فكرة قديمة لا تفي بالغرض مما جعل منها محض نظريات خيالية مهدرة ضمن إطار القانون الدولي الذي أفرغت قواعده من مضمونها وجرى إهدار جوهرها. الحقيقة السادسة/ أن المشاريع الدولية والإقليمية والإرهابية تستند إلى عمليات توظيف واصطفاف طائفي أو عرقي تحرق الأخضر واليابس في عمليات إعادة توزيع مناطق النفوذ والهيمنة لا وبل تشكيل خريطة جديدة تزول بموجبها دول وتنشأ أخرى أو يتم تغيير خريطتها زيادة أو نقصانا. الحقيقة السابعة/ لقد فشلت جميع مساعي الحل السلمي لجميع قضايا المنطقة قديمها وحديثها..إزاء هذه الحقائق وقفت الأمة العربية أمام خيارين لا ثالث لهما فإما استمرار حالة الرضوخ فالانهيار للدول تباعا بعد فرض المشاريع المذكورة هيمنتها أو وصايتها عليها، أو نفض الأمة العربية ركام الغبار عن حالتها الوجودية لفرض قواعد عمل جديدة في الإقليم وفي نظريات إدارة الصراع فإما أن تقوم بعملية تنفيس واحتواء للصراع أو أن تعمد إلى تضخيم وتفجير الصراع وحيث أن خيار الاحتواء بات متعذرا وفقا لتسلسل الأحداث وجملة المعطيات والحقائق أعلاه وتبلور مشاريع الهيمنة على الأمة وعلى مقدراتها وتهديد هويتها لا بل ووجودها كله كانت النتيجة الطبيعية هي (عاصفة الحزم)..بصراحة متناهية ووضوح ومباشرة نقول إنه لا حاجة لنا ولا عبرة ولا إنتاجية لتبرير هذا العمل العسكري المبارك ضمن نطاق قواعد القانون الدولي لعجزها عن حماية شعبنا في سوريا ومن قبله في فلسطين أو حتى محاولة شرعنته ضمن نطاق ميثاق الجامعة العربية باعتباره الوجه الآخر لنفس العملة الدولية التي عجزت عن حماية الحقوق العربية على مدار تاريخنا المؤلم لا بل ووضعت قيودا على مدى إمكانية حماية شعوبنا المضطهدة، فهذه العملية هي إفراز طبيعي وردة فعل على الحالة الشاذة في الإقليم كانت حتميتها العسكرية عبارة عن مسألة وقت ويكفي فيها مبررها الأخلاقي الذي ينهض بذاته سببا كافيا للشرعية عند عجز أو عدم كفاية قواعد القانون الدولي وباختصار نقول إن الأمة العربية لم تعد معنية كثيرا بقواعد دولية لا تحقق الحد الأدنى المتيقن من العدالة في المنطقة..نشير هنا إلى مسألة غاية في الأهمية ونلفت انتباه الإعلام العربي تحديدا إليها وهي أن ولادة نظرية جديدة للقوة العربية فيما بات بالإمكان تسميته (بمبدأ سلمان - الحزم) قد جرى فيه نقل الأمة بكاملها من المفعول به للفاعل ونحن نتحدث هنا عن إعادة تموضع قومي يتجاوز حدود ومفاهيم الدولة الوطنية لذا كان من الخطأ الجسيم بمكان أن يتم اختزال هذا الحدث (التاريخي) بالسعودية (الأم) بوصفه حربا في اليمن لأننا بتنا اليوم نتحدث عن ولادة نظام عربي جديد تكون فيه (الأم) عمود الخيمة والرافعة المتينة الراسخة للخيمة العربية التي لا يمكن أن تكتمل صورتها دون أوتاد وخيوط تشكل النسيج العربي ككل وعليه فلابد للإعلام العربي من إعادة صياغة مفرداته بهذا الاتجاه الأوسع لكي لا يتم تقزيم الآثار الإستراتيجية الكبرى المترتبة على تشكل هذا النظام الجديد وما أستحدثه على المنطقة والتي يمكن بيان أهمها بما يلي: -أولا/ ولادة القوة بمواجهة الهيمنة والإرهابإن أي تغيير لا يمكن أن ينشأ إلا عن حالة قوة تفرض هذا التغيير كواقع على الأرض وتحمي وجوده وتعطيه شرعية الاستمرار القادر على ملء الفراغ الناشئ عن تفكك الدولة الوطنية للتصدي لعمليات الإحلال الحضاري الطارئ - غير العربي - على هوية المنطقة أو التفكيك الخشن لعمليات الإسقاط بالبراشوت للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود والتي حاولت فرض مفاهيم وأدوات وحدود جديدة في المنطقة.ثانيا/ إزاء الفشل الأخلاقي والقانوني والسياسي والدبلوماسي لقواعد العمل الدولي ومنظماته ومؤسساته وأشخاصه في حل مشاكل الإقليم فإن حالة القوة العربية الوليدة تستمد شرعيتها من ذاتها وواقعها باعتبارها البديل الأخلاقي الواقعي لإنهاء مشاكل الإقليم فتعمل على إخماد الصراع غير الأخلاقي في البؤر المتوترة أو المشتعلة مثل سوريا والعراق..ثالثا/ أن القوة تخلق قواعدها بنفسها فتفرض معادلات جديدة في المنطقة والعالم وهي تتجاوز حدود فكرة السيادة التي باتت وهمية وتشرع للتدخل ضمن النطاق الحيوي لنظريات الأمن القومي العربي والذي يتجاوز فيها هذا النطاق فكرة (من المحيط للخليج) لتصبح متعدية لتطال الإرهاب بضربه وتفكيكه في العالم كله أو التأثير الدولي على مصالح الغير فيما إذا حاول العبث بالداخل العربي وهنا فعلى الغير اتباع ما ينشأ عن أفعال القوة بمفهومها الواسع وأثر استخدامها لأن القبول بنتائجها من عدمه سيان بالنسبة لمن يملكها ولديه القدرة على استخدامها باعتبار كل ما ينشأ عنها وتفرضه على أرض الواقع يمثل حالة الشرعية وعلى الغير التكيف مع الواقع الجديد..رابعا/ أن القوة كحالة عربية هي الوحيدة القادرة على إعادة التوازن للمنطقة والأخذ بزمام المبادرة والانتقال من حالة المفعول به للفاعل مما يعني إجبار المجتمع الدولي على القبول بقواعد جديدة في العمل الدولي يفضي إلى تطوير قواعد القانون الدولي وأدواته لأنه قد ثبت أن هذه القواعد وما ينشأ عنها من أداوت كانت ولا تزال عاجزة أمام إنصاف الأمة العربية في قضاياها وكذلك وقفت عاجزة عن التعاطي مع ما نشأ من واقع على الأرض بعد الربيع العربي لاسيَّما فيما يتعلق بقضية الإرهاب الذي أخذ شكلا وحجما وتأثيرا أكبر من بعض دول المنطقة..خامسا/ أن فكرة القوة العربية لا تتوقف عند حالة الدفاع بل هي متعدية وهجومية عند اللزوم قادرة على ملء أي فراغ ينشأ عن غياب سلطة الدولة الوطنية أو انهيارها لحماية سقوط أي دولة في حالة الفوضى أو استعادتها من الفوضى ومنع توظيف حالة انهيارها لتصبح ورقة تفاوض لدى الغير وبهذا المعنى تصبح الدولة الوطنية جزء من معادلة التفاوض مع الغير كطرف يضع شروطه على الطاولة وهنا يبرز اتجاهان الأول متعلق بتراجع فكرة السيادة الوطنية متى ما كانت على حساب الأمن القومي لتنصاع لمتطلباته والثاني أن الأمن القومي العربي هي فكرة موضوعية مجردة وبالتالي لا يمكن أن تنحاز لحالة أو تركيبة أو فكرة طائفية أو عرقية بل تواجهه ومن هنا فعلى الجميع الاستعداد لفكرة التدخل في سوريا والعراق لتفكيك الاصطفاف الطائفي ووقف التطهير العرقي الحاصل كضرورة وكنتيجة حتمية لولادة القوة الجديدة..سادسا/ تعريب منطق القوة في المنطقة بعد أن كان حكرا على التدويل بإحياء التضامن العربي الذي تفكك وانهار عام 1990 بعد احتلال صدام حسين للكويت وهو يأخذ شكلا جديدا يتجاوز فكرة التضامن التقليدية وصولا للتحالف الفعلي على الأرض المنشئ لقوة إقليمية ومنظومة دفاع وردع وهجوم افتقدتها الأمة العربية عبر العقود الماضية منذ العام (1973) تمهد لحل المشاكل العربية ضمن النطاق العربي بعيدا عن التدخل الدولي الذي أنهك المنطقة وترك فراغا أو صراعا بعد انسحابه وانقضاء مصالحه وسيساهم ذلك في تشكيل أدوات جديدة كتعبير عن حالة القوة مثل محكمة العدل العربية ومجلس الأمن العربي وتفعيل أدوات سابقة مثل الجامعة العربية مما سيؤدي إلى تغيير نوعي في خريطة السيادة والنفوذ في المنطقة والعالم في حال أدير ملف القوة بما يليق به..سابعا/ لعل من أبرز وأهم النتائج والآثار الاستراتيجية المترتبة على ولادة القوة العربية هي استعادة رجل الشارع العادي ثقته بالعسكرية العربية وشعوره بالطمأنينة من وجود قوة تحمي وجوده ومكتسباته بعد العبث الذي حصل في الإقليم قبل الختام نشير إلى ثلاث نقاط غاية في الأهمية لن يكتمل من دونها مشهد ومنطق وتحولات القوة العربية وحيث أن عدم مراعاتها سيكون لها عواقب وخيمة جدا على مستقبل الأمة العربية وهي: -النقطة الأولى/ لا يمكن السماح بتعطيل أو تأجيل أو فشل ولادة القوة العربية فوضع مقررات القمة موضع التنفيذ واستكمال المشهد اليمني وعاصفة الحزم حتى تحقيق كامل أهدافها على الأرض وفرض الولاية العربية على التراب العربي هو استحقاق وليس خيار ولابد لذلك من نجاح أول تجربة حقيقية في هذا الاتجاه ووضع اليد على كامل التراب اليمني بأيد عربية فالإخفاق في اليمن يعني أمرا واحدا هو فشل منظومة القوة العربية التي ستقود لنهاية النظام العربي بشكله الحالي واستفراد قوى إقليمية أخرى بالمشهد لذلك فأن التدخل البري أمر لا مفر منه وهو مسألة وقت..النقطة الثانية/ لابد من نزع فتيل الأزمات المتوقعة وأسباب الخلاف الحالية في الشأن المصري ولا يمكن بقاء الوضع المصري محل تناقض أخلاقي وسياسي لذلك فعلى جميع الأطراف المعنية بنجاح منظومة القوة العربية والمؤثرة في المشهد المصري أن تسعى لإجراء مصالحة وطنية تاريخية يصار فيها إلى إعادة تنظيم الأخوان للانخراط في العملية السياسية المصرية بشكل سلمي تعددي ديمقراطي وعندما نتحدث بمنطق المصالحة فنحن نتحدث عن تنازلات من جميع أطراف المعادلة المصرية الوطنية..النقطة الثالثة/ الأردن.. عليكم بالأردن فعضوا عليه بالنواجذ وأدركوه قبل أن يدركه ما يخشى عليه من تشيع سياسي فهو يعيش ضمن معادلات صعبة ومعقدة .
984
| 07 أبريل 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الفكر الاستراتيجي القطري أدرك طبيعة التحولات وحتمية تفجر الثورات..قطر سعت لصياغة مشروع عربي وتأطير الثورات من خلال الأدوات المتاحة..قناة الجزيرة الإخبارية أنجح مشروع وحدوي عربي يلبي الطموح الشعبي..الثورات قادرة على إعادة إنتاج نفسها وستأخذ أشكالا متعددة ومختلفة في التعاطي.. عند الحديث عن الدور القطري الإقليمي أو العالمي وصراع الأجندات والمشاريع في المنطقة تحضرني قصة لعراب كبير في الشرق الأوسط هو الملك حسين بن طلال رحمه الله تصلح لأن تدرس في كليات العلوم السياسية ومراكز صناعة القرار في كيفية إدارة الصراع لاسيَّما أن سياسات الراحل الكبير لعبت دورا حاسما في مرحلة دقيقة من حياة الأمة العربية وأسهمت بشكل كبير جدا في الاستقرار النسبي الذي يعيشه الأردن حاليا وسط محيطه الملتهب. كان الراحل الكبير الملك حسين بن طلال رحمه لله كمفكر استراتيجي يحاول المحافظة على آخر موئل هاشمي في آسيا العربية وكان يدرك أن الوجود الأردني وديمومة العرش يتوقف على إعادة ترتيب الوضع الإقليمي للأردن على أساس توظيف عبقرية الجغرافيا لجعله منطقة سلام عازلة ونقطة ارتكاز أمنية يؤدي دورا جديدا يمكنه من الانفتاح على العالم العربي والغربي الذي أغلق بوجهه بعد الاصطفاف السياسي الذي حصل في حرب الخليج الثانية. ولقد كانت أكبر معضلة يواجهها النظام في ذلك الوقت هو الرأي العام الأردني الذي يرفض بغالبيته المطلقة السلام مع العدو التاريخي للأمتين العربية والإسلامية (إسرائيل). إزاء المعطيات أعلاه جمع الملك حسين رحمه الله نخبة من جهابذة السياسة الأردنية وتحدث إليهم عما آلت إليه الأوضاع في المنطقة والتحديات التي تواجه الوجود الأردني وما جرى من إضعاف المصالح الإستراتيجية والموقف التفاوضي الأردني بعد توقيع ياسر عرفات رحمه الله اتفاقية أوسلو وورود معلومات مؤكدة للجانب الأردني عن توصل الجانب السوري لاتفاق نهائي مع إسرائيل سمي (بوديعة رابين) أنكرها نظام الأسد ثم عاد للمطالبة بها باعتبارها وثيقة السلام بين الدولة الإسرائيلية والسورية وبالنتيجة فلقد خرج هذا الاجتماع الذي حدد مستقبل الأردن وأثر في السياسات الإقليمية بالنتيجة التالية: «الجميع من وإلى الأردن ويعمل تحت مظلة الملك حيث يتم إنشاء تيارين الأول يدعم السلام والثاني يعارضه فإذا نجحت عملية المفاوضات وأفضت إلى نتيجة تقدم التيار الذي كان يدعم عملية السلام لاستلام مفاصل الدولة السيادية وفي حال فشلت عملية المفاوضات يتقدم التيار الذي كان يعارض السلام لاستلام مفاصل الدولة السيادية على أن يقوم هذا التيار باحتواء الشارع فيما لو نجحت المفاوضات ويقوم بقيادته بعيدا عن الفوضى والعنف» وهذا بالضبط ما جرى داخل الأردن. قياسا على الدرس الأردني لا أعتقد أن الوضع العربي يختلف كثيرا هذه الأيام مع فارق هائل جدا ذلك أن النجاح الذي صادفه النظام الأردني في هذا التكتيك الذي خدم الهدف والمصالح الإستراتيجية الأردنية العليا يقابله فشل عربي ذريع في إدارة الصراع في المنطقة لأن السياسات والتحالفات المستحدثة كانت ولا تزال مبنية على اتجاه واحد في التفكير وبقيت السياسات مبنية على أساس تقليدي يقوم على الاستقطاب وثنائياته المفلسة لا عمليات المواءمة والاحتواء. ما استطاع المفكر الاستراتيجي الأردني التقاطه وسابق الزمن في ضمان مستقبل الوجود الأردني على أساسه استطاع المفكر الاستراتيجي القطري التقاطه بشأن الوضع والمستقبل العربي وكان الوحيد الذي وجه ووظف سياساته بهذا الاتجاه وهنا نقول إن هذا المقال ليس دعوة لتفهم السياسة القطرية بقدر ما هو دعوة للاستفادة من هذه السياسة وأدواتها في تحقيق الأهداف الإستراتيجية العربية والانفتاح بشكل أكبر والتعامل بتنسيق وتفهم أفضل مع الإمكانات القطرية الكبيرة والمؤثرة في العالم العربي. فأسوأ ما قيل عن الربيع العربي إنه نتاج مؤامرة دولية لأن عقلية المؤامرة ونمط التفكير الذي بنى العقلية العربية في هذا الاتجاه هو أصلا أحد مشاكل العقل العربي العميقة وهذه العقلية عندما تعجز عن التفكير والتحليل فإنها تضيف الظواهر أو النتائج الطبيعية للأحداث التي عجزت عن تحليلها للقوة الخارقة أو تحميل وزرها للخرافة وللعدو الخارجي الغامض لكنها لا تعمد للتحليل العلمي الموضوعي ولا تبني تصوراتها وسلوكها على حقائق نظرية المصالح الدولية ونقد الذات ولا يقف هذا العقل في لحظة صدق ليقرر أن هنالك أساسا موضوعيا للقيام بهذه الثورات والتي جرى حرفها عن مسارها بالعنف من قبل الجهات التي كانت ولا تزال مرعوبة من طرق الربيع العربي لأبوابها. لنعد للماضي قليلا.. ثلاثة آثار إستراتيجية نشأت عن حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت من نظام البعث العراقي وكل ما جرى في المنطقة العربية من احتلال العراق وصولا إلى الربيع العربي كان نتيجة حتمية لهذه الحرب، أولها سقوط نظرية القومية العربية فالتضامن العربي، وثانيا سقوط نظرية الحدود الآمنة الإسرائيلية التي دفعت باتجاه عملية السلام، وثالثها السقوط العقائدي لمعاقل المعسكر الشرقي في المنطقة الذي دفع باتجاه الحلول الإستراتيجية لنظرية الفوضى الخلاقة (كنظرية اقتصادية وجدت تطبيقاتها بالعولمة) وصولا لنظرية الفوضى تحت السيطرة (كنظرية أمنية خرجت عن السيطرة) والتي نعيشها الآن وهذه النظريات تقع في صميم معادلات المصالح الدولية لا خرافات المؤامرة. قدرة المحلل القطري الاستراتيجي على التقاط اللحظة واستيعابه لحجم التحولات الجوهرية التي طرأت على المجتمعات العربية عموما وعلى جيل الشباب خصوصا والذي مل من حالة الهزيمة والتخلف والتراجع العربي وتأخرنا عن ركب الحضارة ووجودنا على الهامش في حركة التاريخ وعدم قدرتنا على تقديم أي إثراء نوعي للحضارة البشرية وتغير أدوات المعرفة والمفاهيم لحالة الشرعية وانتقالها من الدستورية أو الصندوق لفكرة ومشروعية الإنجاز وتاريخ مؤلم من استبداد وفساد وجهل وفقر وانتشار لأدوات معرفة مختلفة وتأثر الجيل الشاب بحضارات أكثر إنسانية كانت ولا تزال أسبابا جوهرية تدفع الجيل الشاب للثورات وللدفاع عنها وتبريرها أو تجديدها ونشر قيمها وأفكارها. الفرق ما بين المفكر الاستراتيجي القطري وغيره أنه كان يدرك طبيعة هذه التحولات وحتمية تفجر الثورات والتغيرات القادمة على المنطقة فكان الوحيد الذي سعى إلى محاولة صياغة مشروع عربي وتأطير هذه الثورات من خلال الأدوات المتاحة لعدم إساءة مركز البلدان التي نشأت أو استقرت أو مرت عليها هذه الثورات أو التي ستنتهي إليها ولو كانت ملكية لا جمهورية لأنه ببساطة (لا حصانة لأحد) فاستخدم أسلوبا عجيبا في التعاطي مع حالة الوعي العربي الجمعي التي تساهم في صياغتها خصوصا لدى الشباب وحاول إنجاح فكرة الثورات المدنية بأقل الخسائر من خلال عمليات التعبئة والتنفيذ الجماهيري رغم أن نظام الحكم القطري هو وراثي بطبيعته، فالعبقرية القطرية أعلاه تجلت في مرتكزين أساسيين الأول هو إعلام قوي (قناة الجزيرة الفضائية) والثاني هو تأييدها لنبض الشعوب المسلمة ومن هنا كانت الأفضلية القطرية في العالم العربي وستبقى لسنوات قادمة. قناة الجزيرة الإخبارية لابد من الاعتراف بأنها أنجح مشروع وحدوي عربي يلبي الطموح الشعبي رغم أنها كانت ولا تزال مصدر أخبار مزعجا لمعظم الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية وحتى الأجنبية - إلا من رحم ربي – أما العجيب في الموضوع أن نفس الجهات التي تبدي انزعاجها أو اعتراضها على قناة الجزيرة الإخبارية تعتبرها أحد أهم مصادر الحصول على المعلومة في العالم العربي، وهذا المشروع العربي النهضوي الذي استطاع تغيير المفاهيم وتقديم الخبر وكسر حاجز الصمت وقيود التعتيم وإخراج الشعوب من حالة المفعول به لحالة الفاعل هو إنتاج قطري بغض النظر عما يقال أو سيقال عنه. أما الامتداد الفعلي الميداني الجماهيري على الأرض فقد كان ومازال قطري التأثير بيد أضخم وأكبر تنظيم عربي إسلامي وهو جماعة الإخوان المسلمين وقد قدم نموذجا عز نظيره في تونس حول مبدأ تداول السلطة والذي نأمل أن يكتب لهذا المبدأ النجاح والترسيخ في الحواضر العربية بشكل ديمقراطي مدني سلمي كخيار وبديل شعبي حقيقي بدلا عن حالة العنف بحيث تؤمن به الدولة قبل الفرد لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن العلاقة القطرية الإخوانية ليست حالة وصاية على التنظيم بل تأثير ونفوذ نأمل ألا تخرجه عمليات الضغط وتحرفه عن مساره. إذن فنحن ننظر في الحقيقة إلى عبقرية سياسية لم يألفها العرب فلقد مارست قطر العمل السياسي من خلال أدوات نظام الحكم الجمهوري، فعمليات الممازجة والتوليف المدروسة لمكامن القوة في الأنظمة باختلاف أدواتها أخرجت قطر وقدمتها للعالم كحالة استثنائية لم يستطع حجم لا بأس به من الشعوب العربية استيعابه لتأثرها بنظريات المؤامرة ناهيكم عن عجز الأنظمة عن فهم طبيعة هذه التوليفة العبقرية لأن هذه الأنظمة أصلا تقوم بعمليات تموضعها على الاتجاه الواحد في التفكير وليس العمليات الموازية لاسيَّما أن نهج الثورات كان ولا يزال يقلقها لا بل يرعبها باعتبار أن أداة الثورة الأساسية في هدم الشرعيات الزائفة كانت تقوم على مرتكزين الأول هو نقض الاستبداد والثاني نقض الفساد، أما متلازمة الفساد والاستبداد فهي رفيقة درب الأنظمة التي عجزت تاريخيا عن تقديم شيء للأمة يسعفها في دفاعها عن نفسها أو احتسابها حتى على هامش الحضارة. يجب أن يدرك العرب أن الزمن لا يعود إلى الوراء وما صاغته الثورات من قيم ومفاهيم وما خلقته من حواضن فكرية وثقافية لدى الشعوب لا يمكن تشويهه أو تفكيكه وفي حال جرى ذلك بفعل تدخل هذه الأنظمة البائدة فإن الثورات قادرة على إعادة إنتاج نفسها وستأخذ أشكالا متعددة ومختلفة في التعاطي مع الواقع ولابد من إدراك حقيقة مفادها أن من تمتد يده للثورة العربية فإنه يخل بعملية التوازن الطبيعي للفعل ورد الفعل لحركة التاريخ والأمم وهذا الأمر تحديدا أسهم في إطلاق العنان لقوى الشر كافة في عمليات استغلال الفراغ في الدولة والعبث بالثورة غير المنجزة لعدم اكتمال صيغة المشروع النهضوي العربي الذي حاولت قطر من خلال أدواتها المبينة أعلاه ملء فراغه فأدى إلى نشوء جماعات مسلحة خرجت حتى عن حد سيطرة من أنشأها وسقاها وأطعهما وستصله نارها عاجلا أم آجلا. باعتقادي أنه من الخطأ الفادح أن تجري محاصرة قطر وسياساتها في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وقد وصل المشروع الفارسي الصفوي إلى مرحلة بات يتخذ فيها القرار في أربع عواصم عربية ابتداء من بغداد مرورا بدمشق وبيروت وانتهاء في صنعاء ولابد هنا من التذكير بأن الاحتواء القطري لحركة حماس الفلسطينية هو الذي أبقى عليها ضمن المعادلة العربية حتى جرى قطع خط التأثير القطري أو إضعافه لدرجة جعلت من هذه الحركة أن تنظر لإيران ومشروعها كبديل للحضن العربي ومن الحمق والسذاجة بمكان التعاطي مع الحالة الإيرانية بمعزل عن المصالح الأمريكية لذا فإن حركة حماس لا تعدو كونها ورقة تفاوضية بيد إيران لإنجاز مشروع (تصدير الثورة) وتهديد أمن الخليج العربي في حين أنها بالحالة القطرية وتوصيفها هي حركة مقاومة لها هدف سياسي ينتهي بانتهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية. لنقف لحظة حقيقة وصدق مع الذات ونتساءل بالمحصلة النهائية ما هي السياسة القطرية التي لا تنسجم أو تتعارض مع الأهداف السياسية النهائية والتوجهات العامة المعلنة لكل الدول العربية سواء ما يسمى بدول الاعتدال أو محور المقاومة؟ الجميع اختار السلام كخيار استراتيجي عربي والجميع يسعى إلى استقرار وسلامة وأمن الإقليم والجميع يتبنى الخطابات والشعارات والمصالح العربية المشتركة التي لم يقدم أحدهم نموذجا وحدويا أو يسعى لصياغة مشروع عربي حقيقي بعيدا عن الشعارات باستثناء قطر فلماذا تلك المزايدة وهذا الحمق في التعامل السطحي والتعاطي مع دولة قطر وسياساتها ومحاولة كسر شوكة لا بل سيف نحن في أمس الحاجة إليه كأمة؟!! حقيقة نحن لا نستطيع بعث الملك حسين بن طلال من قبره ليقنع العرب بجدوى وأهمية السياسة القطرية في المنطقة ولكن يمكن الاستفادة من مدرسة هذا الراحل الكبير لنقول إنه يتوجب الاستفادة من قطر وتوظيف سياساتها وإمكاناتها وأدواتها في خدمة المشروع العربي الذي إن لم يدركه فالبديل الإيراني أو الإسرائيلي أو غيره موجود وجاهز لمراعاة مصالحه على حساب هذه الأمة، لذا لابد من إعادة النظر والتعاطي مع السياسة القطرية بوصفها خطا سياسيا موازيا لثنائية الاستقطاب في المنطقة باعتبارها خطة بديلة لحالة الفشل العروبية المتوقعة وجزءا من الجهد العربي العام في استقرار المنطقة والوصول لمصالحات بينية وتحقيق مصالح الدول العربية في الاستقرار والأمن والسلام والتنمية. خسرنا كثيرا ولا نريد أن نخسر كل شيء فحياة الطيار الأردني الذي استشهد حرقا مثلا لربما اختلفت بشأنه المعادلات فيما لو تدخلت قطر وضغطت على الجانب التركي أو أطراف الصراع في العراق أو وظفت أدواتها بهذا الاتجاه. وبصراحة فكما لا نريد تكرار مشاهد حرق الجنود والمواطنين العرب في كل بلداننا فلا نريد لتنظيمات مثل الإخوان أن نراها وقد أصبحت مأجورة لدى مشاريع عابرة للأمة ونعم للاحتواء والتوجيه والتأثير القطري بما يخدم مصالح الأمة ولا يجوز زيادة حالة التعقيد بالصراع بخروج قطر من المعادلة فنكون أمام حالة سيندم عليها الجميع بخسارة الأفضلية القطرية.
1691
| 15 فبراير 2015
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
6021
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
5595
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4470
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3336
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1596
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1323
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1185
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
912
| 02 أكتوبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
870
| 30 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية