رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كانت الثقة يوماً ما فطرية، وكانت كلمة الرجل ميثاقاً. لكن الحياة تعقدت، ونشأت بيننا «ثقافة شكوك» لها ما يبررها. فهل نستسلم ونتحسر على الماضي؟ الحل ليس في الحنين، بل في الشجاعة على بناء مستقبل مختلف، عبر الانتقال من «الثقة الفطرية» المتآكلة إلى «الثقة الواعية» التي يجب أن نصنعها بأيدينا صناعةً. هذه الثقة الجديدة لا تُمنح تلقائياً، بل تُكتسب عبر عقد اجتماعي جديد، بنوده مستمدة من عمق ثقافتنا. ما هي بنود هذا العقد؟ بند الوضوح والبيان (لا غرر): الشفافية في ثقافتنا ليست مجرد نشر تقارير، بل هي شرط أخلاقي. فالمشروع الغامض باطل روحانياً قبل أن يكون فاشلاً إدارياً. بند الشورى والأمر الجامع: المشاركة المجتمعية ليست مجرد ممارسة إدارية، بل هي تطبيق لمبدأ «الشورى» القرآني، وتجاهلها خرق للمنهجية الربانية في إدارة الشأن العام. بند الأمانة والمسؤولية («كلكم راعٍ»): هذا الحديث يذكر القائم على أي مشروع بأنه ليس مجرد «مدير»، بل هو «راعٍ» مؤتمن على موارد وطموحات المجتمع. بند تفقُّد الأحوال (صلة الرحم المجتمعية): التواصل الفعال ليس مجرد اجتماعات، بل هو اهتمام شخصي حقيقي، كعاداتنا في العزاء والتهنئة، التي هي غراء يقوي المجتمع. بند حفظ الكرامة (لا منّ ولا أذى): هذا هو البند الجوهري. فطريقة تنفيذ المشروع لا تقل أهمية عن المشروع نفسه. يجب أن يشعر المستفيد بأنه شريك مُكرّم، لا مُتلقٍ للمنة. قد يسأل سائل: ولماذا كل هذا الجهد في عصر الشكوك؟ ألا توجد تكلفة ومخاطرة؟ بلى، فالثقة الواعية لا تعني السذاجة. لكن الحكمة تقتضي ألا نغفل عن التكلفة الباهظة لـ «نظام الشك» نفسه: تآكل العلاقات، موت المبادرات، وتضخم البيروقراطية الخانقة. التكلفة الأعظم للشك هي تفتيت «العصبية المجتمعية» التي هي روح الأمة وصمام أمانها. المطلوب إذن ليس ثقة عمياء ولا شكاً مُقعداً، بل هو التوازن. أن ندرك أن حفظ كيان المجتمع يتطلب منا الشجاعة على إعادة بناء جسور الثقة، لأنها شريان الحياة. إن دعوتنا هذه ليست مجرد دعوة لتحسين إدارة المشاريع، بل هي دعوة إستراتيجية لإعادة بناء «عصبية الأمة» التي تحدث عنها ابن خلدون، حتى نستعيد قدرتنا على التماسك والنهوض الحضاري.
123
| 01 أكتوبر 2025
حين نسمع عن الزكاة والوقف، تتبادر إلى أذهاننا صورة سلة طعام رمضانية أو فاتورة تُسدد. هذه أعمال جليلة، لكنها أشبه بإعطاء ماء بارد لعطشان. السؤال الأهم: ماذا عن اليوم التالي؟ هنا يظهر الخلل في الميزان بين «الإغاثة العاجلة» التي تعالج الأعراض، و»التمكين المستدام» الذي يستأصل جذور المشكلة. لقد شُرعت الزكاة والوقف ليكونا علاجاً شافياً للمرض، لا مجرد مسكن مؤقت للألم. فالزكاة، في تصميمها الأصلي، أداة للقضاء على الفقر لا لإدارته. هدفها النهائي ليس إبقاء الفقير معتمداً على المساعدة، بل انتشاله من دائرة الحاجة ليصبح هو نفسه مزكياً. والوقف، بفكرة «حبس الأصل وتسبيل المنفعة»، هو النسخة الأصلية والأكثر استدامة للاستثمار الاجتماعي، وهو المحرك الذي بنى الجامعات والمستشفيات عبر تاريخنا. لماذا إذن يطغى نموذج الإغاثة؟ لأن أثره فوري وحاجته ملحة. لكن الاعتماد الكلي عليه يخلق ثقافة الاتكالية. المؤسسة الخيرية التي تكتفي بالإغاثة تشبه مستشفى لا يملك إلا غرفة طوارئ؛ يقوم بعمل بطولي، لكنه لا يساهم في رفع المستوى الصحي العام للمجتمع. إن الدعوة هنا ليست لإيقاف الإغاثة، بل لإعادة توجيه الجزء الأكبر من مواردنا نحو «التمكين». هذا التحول ليس مجرد كفاءة اقتصادية، بل هو «جبر للخواطر»؛ فالأرملة التي تبيع أول قطعة من خياطتها لا تحصل على مال فقط، بل تسترد شعوراً بـ «فخر الإنتاج» الذي لا يمكن لأي مبلغ إغاثي أن يمنحه. قد يعترض البعض بأن الفتاوى الغالبة تدفع نحو الإغاثة العاجلة. هذا صحيح، لكنه ليس الصوت الفقهي الوحيد. فهناك مسار فقهي آخر، تبناه علماء أجلاء قديماً وحديثاً، يفتح الباب واسعاً لاستخدام أموال الزكاة في أمور تمكينية تحقق الغنى المستدام، وهو الأقرب لحكمة التشريع الأصيلة. كيف يبدو هذا على أرض الواقع؟ نحو زكاة تمكينية: بدلاً من إعطاء العاطل مبلغاً شهرياً، يمكن تسجيله في دورة تدريب مهني تضمن له وظيفة. وبدلاً من إعطاء الأرملة صدقة، يمكن شراء ماكينة خياطة لها وتدريبها على بدء مشروعها. نحو وقف يصنع الفرص: الوقف أداة بناء حضاري. تخيل «وقفاً للمحتوى العربي الرقمي» يمول إنتاج محتوى علمي لمواجهة التفاهة، أو «وقفاً لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي» لكيلا نكون مجرد مستهلكين سلبيين لتقنيات العصر. ولتحقيق ذلك، يجب أن نغير مقاييس نجاحنا. فبدلاً من قياس «عدد السلال الموزعة»، يجب أن نقيس «عدد الأسر المكتفية» التي لم تعد بحاجة لمساعدتنا. هذا أصعب ويتطلب متابعة، لكنه المقياس الحقيقي للنجاح. إن جوهر هذه الدعوة هو الانتقال من «عطاء الرحمة» الضروري لإطفاء الحرائق، إلى «عطاء الحكمة» الذي يمنع نشوبها مستقبلاً. أن ننتقل من دور «المسعف» إلى دور «البنّاء» الذي يشارك في تشييد مجتمع قوي، منتج، ومعافى.
309
| 24 سبتمبر 2025
بين الحين والآخر، يتجدد في مجتمعاتنا الخليجية نقاش حيوي حول عطلة نهاية الأسبوع. هو نقاش صحي، ولكنه غالبًا ما يُدار من زوايا قاصرة، كل واحدة منها تنظر إلى القضية بعين واحدة، ولا ترى الصورة الكاملة. هناك من يتعامل مع الموضوع من زاوية دينية بحتة، وهذا منهج لا يكفي، لأن إجازة نهاية الأسبوع في الإسلام ليست فريضة شرعية بل هي نظام اجتماعي. وهناك طرف آخر يتعامل معها من زاوية اقتصادية ضيقة، تركز فقط على التوافق مع أسواق المال العالمية، وهي أيضًا زاوية أحادية الجانب. وطرف ثالث ينادي بضرورة الاندماج في المنظومة الدولية حتى لا نبدو في نشاز عنهم، وهي حجة هشة لا تصمد أمام قضايا الهوية الكبرى. لكن هناك منهجية أخرى أكثر صلابة وعمقًا، وهي التي تدرك أن الموضوع ليس في مساحة الدين أو الاقتصاد أو السياسة، ولكنه في المساحة الأوسع والأشمل التي تحتضن كل هذا: مساحة «الثقافة». فكما تعلمنا، إن أي تغيير كبير في توازن المجتمع وتحريك أسسه، ينبغي أن يُدرس بمنهجيات تناسب حجمه وتأثيره. إن قوة «يوم الجمعة» الحقيقية تنبع من كونه مؤسسة ثقافية ودينية راسخة، و»طقسًا اجتماعيًا» له إيقاعه الخاص. هو اليوم الذي نقدس فيه فرض الجمعة كحدث محوري يعيد ضبط بوصلتنا الروحية، واليوم الذي تجتمع فيه الأسرة لتقرأ سورة الكهف، فتُسكب السكينة على البيت. ومن هذا المركز الروحي، تتفرع طقوس صلة الرحم، وغداء الأسرة الممتدة. وتفقد الأحياء، بل وحتى الأموات في المقابر. وهذا التماسك ليس مجرد شعور، بل ظاهرة اجتماعية عميقة، وهو ما يتوافق مع رؤية عالم الاجتماع إميل دوركايم بأن قوة أي مجتمع تكمن في «طقوسه الدورية» التي تجدد الروابط وتؤكد المعتقدات الجماعية. وما «ثقافة يوم الجمعة» إلا تطبيق حي لهذه النظرية، فهي الطقس الأسبوعي الذي يعيد نسج «العصبية المجتمعية». الحجة الأبرز لتغيير النظام هي اقتصادية بحتة: كسب يوم إضافي مع الأسواق العالمية. ولكن الحكمة تقتضي أن نحسب الخسارة غير المنظورة؛ فما سنكسبه من أموال لا يساوي معشار ما سنخسره من بعد ثقافي وقيمي في تفكك هذا الطقس الاجتماعي الذي يمثل شريان الحياة لأسرتنا، أغلى ما نملك. وهنا نصل إلى جوهر القصة: مجتمعاتنا الخليجية، بتماسكها الأسري، تشبه تلك البطة التي تبيض ذهبًا. «البطة» هي هذا الإرث من القيم، و»البيضة الذهبية» هي الاستقرار والأمان الذي تنتجه. والدعوة للتضحية بهذه البنية الثقافية من أجل مكاسب آنية، تشبه تمامًا قصة الطماع الذي ذبح بطته فخسر الأصل والربح معًا، في تدمير استراتيجي لأهم أصولنا. وفي الختام، فإن النقاش حول توقيت الإجازة يجب ألا يحجب عنا التحدي الأكبر. فالعبرة الحقيقية ليست في «متى» نعطل، بل في «كيف» نملأ عطلتنا. فإجازة فارغة من صلة الرحم والراحة المنتجة التي تنمي الإنسان وتعزز الهوية، هي خسارة ثقافية محققة، بغض النظر عن يومها. إن توريثنا أسرة متماسكة عميقة لأجيالنا هو أغلى من كل أموال الأرض.
468
| 17 سبتمبر 2025
في مجالسنا الخليجية ومحادثاتنا اليومية، يتردد صدى مألوف: سيل من الشكاوى حول أداء المؤسسات، أو سلوكيات الشباب، أو غلاء الأسعار. لا شك أن النقد ضرورة، لكن حين يتحول إلى نغمة دائمة، نكون قد وقعنا في فخ «ثقافة الشكوى» الذي يستنزف طاقتنا ويشل قدرتنا على الفعل. إنه خلل في ميزان الفرد الداخلي، حيث يلقي بكل ثقله في كفة «الظروف الخارجية»، ويترك كفة «الإرادة الذاتية» فارغة وخفيفة. لماذا تبدو هذه الثقافة جذابة في بيئتنا تحديداً؟ لعل السببين التاليين يفسران جزءاً من الظاهرة: أولاً، «متلازمة الدولة الراعية»؛ فعقود من الرعاية الحكومية الشاملة، رغم إيجابياتها، قلصت من حجم «عضلة المبادرة» الفردية، وجعلت من الشكوى أداة المطالبة الطبيعية. ثانياً، «رفاهية الشكوى»؛ فالرفاه المادي النسبي قد يحول الشكوى من تعبير عن ألم حقيقي إلى مجرد «فضفضة» في المجالس، مما يجعل الانتقال للمبادرة أكثر صعوبة، لأنه يتطلب «همة» واعية لا «حاجة» ملحة. في المقابل، يقف «صاحب المبادرة». هو ليس شخصاً خارقاً، بل فرد قرر أن يغير زاوية نظره. هو لا ينكر المشكلة، لكنه يرفض أن تكون نهاية القصة. هو يركز طاقته المحدودة على «دائرة تأثيره» المباشرة، مهما صغرت. هذا الشخص يجسد المفهوم القرآني لـ «عمارة الأرض»، فالله «اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»، أي كلفكم بمهمة الإصلاح والبناء. الشكوى هي عكس العمارة، إنها خراب نفسي، أما المبادرة فهي تطبيقها العملي. صاحب المبادرة لا يكتفي بالفعل، بل يسعى لـ»الإحسان» فيه، أي إتقانه وتجويده كأنه يرى الله. هو يرى في مبادرته، مهما صغرت، اقتداءً بأعظم المبادرين في التاريخ: الأنبياء والصالحين. فكيف نزرع بذرة المبادرة في حياتنا؟ -ابدأ بمملكتك الصغيرة: قبل إصلاح العالم، رتب سريرك، بادر بكلمة طيبة في بيتك. التغيير يبدأ من محيطك المباشر. -اختر معركة صغيرة وفز بها: لا تشغل نفسك بالمشكلات الكبرى. ابدأ بقضية صغيرة في حيك (كمنظر القمامة) أو عملك (كتنظيم الملفات). النجاح الصغير يولد دافعاً لنجاح أكبر. -ابحث عن شريك واحد: المبادرة مُعدية. شخصان يعملان أقوى من ألف شخص يشكون. ثم احتفلوا بانتصاركم الصغير، فالإيجابية هي وقود المبادرة. -حوّل المبادرة إلى كيان: بعد النجاح الأول، فكر في الاستدامة. تعلم مهارات «العمل المؤسسي» البسيطة: شكل فريقاً صغيراً، أو اكتب «ميثاق عمل» لمبادرتك. هذا ينقلها من الاعتماد على حماسك الشخصي إلى كيان يمكن أن ينمو ويستمر. إن استعادة التوازن التنموي في مجتمعاتنا ليست مهمة الحكومات وحدها، بل هي مسؤولية تبدأ من كل فرد. تبدأ في اللحظة التي تقرر فيها أن تكون مصدر ضوء، مهما كان خافتاً، بدلاً من أن تلعن الظلام. هذا التحول ليس عبئاً، بل هو تحرر، وهو أن ننتقل من كوننا مجرد نقاد سلبيين لقصة العالم، إلى أن نصبح مشاركين فاعلين في كتابة فصولها الأجمل.
252
| 03 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4602
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3402
| 29 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...
1431
| 05 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
1119
| 02 أكتوبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
885
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
852
| 30 سبتمبر 2025
لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...
768
| 03 أكتوبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
750
| 02 أكتوبر 2025
في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...
633
| 30 سبتمبر 2025
كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...
624
| 30 سبتمبر 2025
في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...
621
| 05 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية