رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ها هو رمضان آخر يأتي إلينا في وقته المخصص له من كل عام، في حياتنا هذه، فيقيم فينا وينفذ حكمه، ويذكرنا بما نسيناه، ويخبرنا بما يجب أن نتذكره، ويجعلنا نعتاد عليه وعلى ما فيه من خير وصحة وبركة، وفي الوقت الذي نعتاد عليه تماماً، يذهب ويتركنا. وفي ظلِّ مناخه الروحي؛ يشعر الناس بشكلٍ عميق بأنهم ليسوا وحدهم، وأنَّ ما يعيشونه ليس خاصاً بهم. رمضان تجربةٌ يبني فيها الإنسان جسوراً إلى الله وإلى الآخرين وإلى أتباع الديانات الأخرى، وإلى الماضي والمستقبل، فيشعر بأنه قد تجاوز الزمن، في الوقت ذاته يعيش الناس نفس هذه التجربة في جميع أنحاء العالم، تجربة اسمها الصيام. علاوةً على ذلك، فإن هذه التجربة - التي يتمُّ اختبارها في جميع أنحاء العالم- قد عاشها أناسٌ آخرون منذ أقدم العصور، منذ الإنسان الأول. وأكثر من ذلك؛ ستستمرُّ هذه التجربة حتى آخر إنسان. هذا الإحساس؛ الذي يجعل الإنسان يشعر بأنَّه ذرةٌ من وجودٍ عظيم، يمتد من الزمن القديم إلى المستقبل، فلا يتبقى منه إلا وعيه بوحدانية الله، ومهما قاوم الإنسان هذا الوعي، فإنَّه سيظلُ محفوراً في أعماق روحه كشعار، ومن هناك سيؤثر بطريقةٍ ما في حياة وسلوك كل منا. لهذا السبب لا يمكننا إهمال هذه الشعارات، ولكن حتى لو تمَّ إهمالها، فإن الله قد وضعها في عالم الإنسانية بحيث لا يمكن انتزاعها، فها هي الصلاة، وها هو الحج، وها هي الأضحية، وها هو الأذان، وها هو الحجاب، كلٌّ من هذه الشعارات موجودة هناك في مكانٍ ما، وسواءً اتفقنا مع تلك الشعارات أم لم نتفق، فإنها ستواصل فرض وجودها، وكأنَّ لديها الأدوات الخاصة بها لذلك، ومن خلال تلك الشعارات؛ يتواصل حفظ الله تعالى لدينه كبابِ مغفرةٍ ورحمةٍ للناس. إنَّنا عندما نطبق تلك الشعارات، نجد حماسةً وفرحةً، كتلك التي تكون موجودةً عند من يطبقونها دائماً، فنحن نجد الحياة مع تلك الشعارات، ولكن هل يمكننا المساهمة بشيءٍ تجاههم؟ لابدَّ أننا نفعل، ولكنها ليس كأي شيءٍ آخر يمكننا التعامل معه، بل على العكس من ذلك؛ إن الله يمنُّ علينا بإبقائه لتلك الأبواب مفتوحةً لنا على الدوام. وهكذا؛ عندما يأتي رمضان، لا يمكن لأحدٍ أن يقول له لا تأتِ. إنه يأتي ويُقيم بيننا، فكلُّ فردٍ منَّا كان له نصيبٌ من رمضان وسيكون، حتى أولئك الغافلون عنه، سيشعرون به بالتأكيد بطريقةٍ ما، وحتى أولئك العنيدون اللامبالين به، لن يكون بإمكانهم ألَّا يتعلَّقوا به. بعدها يذهب يذهب بعد أن يُعلمنا ويُذكرنا مرةً أخرى أن الله موجود، وأنه ليس ربُّ أفرادٍ منَّا وحسب، بل ربُّنا جميعًا وربُّ جميع العالمين، وأنه أقرب إلينا منا، وأنه أرحم بنا منا، لكنَّه يذهب بقصد أن يعود مرةً أخرى.، ففي العام المقبل، من سيكون في عمره بقية؛ سيلتقيه مرةً أخرى، نسأل الله أن يوفقنا للاستعداد للقائه بشكلٍ أفضل عندما يعود. سيعود رمضانُ مرةً أخرى؛ لهذا السبب يترك عيدًا كهديةٍ لك لتبدأ من جديد. العيدُ، هو عيد البدء من جديد، لنعود إلى البداية؛ ولكن لتكن عودتنا بتغير وتقدم على مستوى حياتنا ومكاسبنا. الحياة تجربةٌ إلى الأمام. في الحقيقة؛ لا أحد يستطيع العودة إلى البداية، فعندما يعود إلى نفس النقطة، يعود وقد تغيَّرت أشياء كثيرة في حياته، وازداد حِمله. بعد عام؛ عندما يدرك رمضان ثمَّ العيد من بعده مرة أخرى، ستكون قد أُتيحت له الفرصة ليعرف مقدار تغيُّره. في كلِّ عامٍ؛ في الأعياد؛ يتجاهل الناس الفروقات بينهم وبين الآخرين، ومهما كنَّا وبغضِّ النظر عن عملنا أو مهنتنا أو عمرنا أو جنسنا، فإنَّنا نعودُ ونجتمعُ في المكان الذي تلتقي فيه البشرية جمعاء. يأتي رمضان ويذهب مرارًا وتكرارًا؛ ففي كل عامٍ يُذكِّرنا ويُعلِّمنا أنَّه لا الأملاك ولا الأوقات ملكٌ لنا، حتى في زمنٍ صار يُنظر فيه إلى رمضان على أنه ملكية أيضًا (سلعة ونقود) مثل كلِّ شيء آخر. إنَّ وجود الأعياد رحمةٌ ونعمةٌ تُرشد ذلك الإنسان الميَّال دائماً نحو الضلال، رحمةٌ ونعمةٌ تعمَّان الوجود؛ عسى ألَّا تغيب عنكم هذه الرحمة والبركة. * عن الجزيرة نت
895
| 15 أبريل 2022
الاقتداء بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ليس أمرا مستحيلا، وهو الأصل الذي يجب أن نضعه دائما نصب أعيننا ونسعى إليه، وأول أصول هذا الاتباع قبل كل شيء يكون بحذو هذا المثال الذي رسمه الله لنا بأوامره وتعليماته وتوجيهاته، أي بإحياء سنته، وكما أن الله لم يرسل الكتاب وحده، ولكن أرسل معه النبي ليطبقه بشكل عملي فإن النبي لم ينقل كتاب الله فحسب، بل علّم الحكمة أيضا لمن يستطيع أن يفسرها. وإذا لم تكن هناك حكمة فإن كلام الله سيفسر دون معرفة سياقه وخلفياته، وقد يؤدي ذلك إلى تأويلات خاطئة ويتحول النص إلى سلاح رهيب في أيدي الجهلة. كان أول مثال بارز على ذلك ما قام به الخوارج ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما أن السنوات التالية من التاريخ الإسلامي كانت مليئة بالمشكلات التي خلقتها التأويلات الخاطئة للقرآن والسنة النبوية، وكانت هناك بالطبع تفسيرات دقيقة وحكيمة نقلت إلينا تلك السيرة العطرة. إن فهم النبي وفهم الرسالة التي حملها ليسا مهمة يمكن القيام بها مرة واحدة وإلى الأبد، يجب أن يكون هذا الجهد متواصلا مدى الحياة في كل المناسبات وعلى جميع المستويات وخلال كل الأحداث، وفي خضم كل التجارب. يجب أن نعلم أن النبي هو الشخص الوحيد من بين جميع الناس الذي يمكن اتباعه من جميع الجوانب، والاقتداء بكل حركة وسلوك وإيماءة قام بها. جاء في القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزة غير القرآن، لكن شخصيته المباركة وحالته الإنسانية الفريدة جعلتا منه معجزة بحد ذاته، كان النبي يتجول في الأسواق ويبيع ويشتري ويأكل ويشرب مثلنا تماما، ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويتزوج وينجب الأطفال، ويغضب ويخاصم مثل كل الناس، إنه نموذج مثالي للبشر ومثال يحتذى به، وهو الشخص الوحيد الذي نعلم يقينا أن كل ما قام به يُرضي الخالق. من أجل إعادة إحياء سنته من الضروري معرفة وفهم سيرته بشكل جيد للغاية، وفي الواقع لا تكاد توجد أي شخصية أخرى في التاريخ نُقلت تفاصيل حياتها مثلما نقلت إلينا سيرة حياة النبي، بعض هذه التفاصيل تعامل معها المسلمون دون أدنى تغيير، وبعضها تعاملوا معه بمرونة منذ وقت مبكر، إن دراسة سيرة النبي جهد رائع بحد ذاته، وهو مؤشر مهم على ولاء هذه الأمة لنبيها. ومع ذلك، فإننا إذا قمنا بدراسة السيرة وإعادة فهمها فإننا ندرك أنها ليست جهدا نبذله مرة واحدة وإلى الأبد، كل زمن يحتاج إلى تجديد الفهم وفقا للاحتياجات والإمكانيات الراهنة، وفي هذا الاتجاه يمكننا القول إن هناك دراسات جادة للسيرة النبوية اليوم ذكرنا منها من قبل الدراسة الكرونولوجية للسيرة النبوية من مؤسسة "كورامر" (KURAMER)، وهي دراسة بحجم وجودة مميزين. تتضمن الدراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاده ووحي القرآن الكريم وكل الأحداث التي تشير إليها الآيات والأحاديث مع ترتيبها ترتيبا زمنيا، وفي ظل النقص الكبير في مثل هذه الدراسات من الضروري تهنئة محمد أبايدين على تقديم عمل بهذه الدقة وهذه التفاصيل، وأستطيع أن أقول إنه قد وضع حجر أساس جديدا للعمل الأكاديمي في مجال الشريعة ببلادنا. هذه الأشكال من فهم الشريعة والدين وفهم سيرة حياة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هي ما تحتاجه أمتنا وما تحتاجه الأجيال القادمة فيصبحوا قادرين على فهم دينهم بما تقتضيه متطلبات عصرهم فنساعدهم على فهم واقعهم وتحسينه في ضوء منطلقاتهم الدينية والعقائدية الصحيحة. * أكاديمي وسياسي وكاتب تركي * عن الجزيرة نت
2552
| 05 ديسمبر 2021
خرج فيروس كورونا (كوفيد 19) من مدينة أوهان الصينية، وسُرعانَ ما انتشر في مناطقَ كثيرةٍ من العالم، وقد تأخَّرَ كثيرا في وصوله إلى تركيا؛ حتّى إنّه في وقتٍ من الأوقات عندما كان “كوفيد 19” يتمدَّدُ ويرسُمُ خريطةً حمراءَ في كل الدول المحيطةِ بتركيا، في ذلك الوقت كانت تركيا تبدو كأنّها جزيرةٌ صغيرة بيضاءُ في وسط تلك الخريطة الحمراء. لم تمتنع المعارضة التركية عن تحويل هذه القضية إلى مصدر قلق جدّيّ، وقالوا: إن هذا الفيروس انتشر في معظم الأماكن ولكن لم يصل إلينا! لماذا؟ وجعلُوها مشكلة جدّيّة. في حين أنَّ السببَ الأساسيَّ لتأخُّر قدوم فيروس “كوفيد 19” إلى تركيا هو أن وزارة الصحة التركية بدأت - في وقت مبكِّر- اتّخاذ التدابير الفعّالة اللازمة، ومن دون ضجّة. ففي بداية ملاحظة انتشار المرض خارج تركيا؛ اتُّخذ قرارٌ فوري بتعليق جميع الرحلات الجويّة والبرّيّة مع الصين وإيران، وبالنسبة للمسافرين القادمين من خارج تركيا فقد تمّ تطبيق نظامِ مراقبة تلقائيّ لضمان سلامتهم الصحية باستخدام الكاميرات الحرارية المثبَّتة في المطارات. وبهذه المناسبة؛ فإنه عندما انتقد أحدُ نوّاب المعارضة دخول وزير الصحة العائد من خارج البلاد وهو يلوّح بيديه دون أيّ فحص أو مراقبة، ردّ وزير الصحة بطريقة فكاهية، مشيرًا إلى تدابير السلامة المتَّخذة في المطار بقوله: "إذا رغب هذا النائب فيمكنه أن يعرف درجة حرارته من الكاميرات الحرارية المثبّتة وهو يمرّ في مدخل عبور المسافرين، وأن يشاركها مع الرأي العام". ولكنْ في 11 مارس/آذار شُخِّصت أوّلُ إصابةٍ وظهرت أولُ نتيجةٍ إيجابية لتحليل “كوفيد 19”، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تركيا كباقي بقاع الكرة الأرضية على تعارف مع فيروس “كوفيد 19”، وإن وصل إليها متأخِّرًا. ومنذ اليوم الأول، ورغم أنّ سير المرض كان بطيئا؛ فإنّه حصل في تركيا ما حصل في باقي دول العالَم، فبدأنا نرى عددَ الإصابات يتضاعف لا وفق متتالية حسابية، بل وفق متتالية هندسية. فعدد الإصابات الذي كان (5) في اليوم الثالث، أصبح في الأيام اللاحقة 18، 45، 98، 191، وفي مساء 21 مارس/آذار كان الرقم 947 إصابةً. في الواقع، ورغم هذا السير المتسارع لفيروس “كوفيد 19”؛ فإنّ التدابير الفعّالة والاستثنائية التي اتخذتها وزارةُ الصحة منذ ظهور هذا الفيروس أصبحت الآن مرئيّةً بوضوح أكثر. ليقُل مَن شاء ما شاء؛ لكنّ هذه الحادثة (كوفيد 19) - وقد زاد الطلب على القطاع الصحي- أظهرت واحدةً من أكبر إنجازات تركيا خلال 18 عاما من العمل على تقوية نظام الرعاية الصحية، وقد تم اختبار هذا النظام فأثبت قدرةً وكفاءةً عالية. وأظهرت هذه التجاربُ أن نظام الرعاية الصحية في تركيا واحدٌ من أقوى الأنظمة الصحية في العالَم. إن النظام الصحي الذي كان مطبَّقا في تركيا قبل 18 عاما يمكن نسيانه؛ فاليوم كلُّ العالَم يُدرِكُ مدى تقدُّمنا في نظام الرعاية الصحية، وحتّى المعارضة نفسها كان هذا محلَّ تقديرها وإعجابها. نظام الرعاية الصحية في تركيا يُعَدّ من أكبر المجالات الناجحة في مسيرة حزب العدالة والتنمية الحاكم، فالنظام الصحي في تركيا قبل 18 عاما كان يمثل فاجعة حقيقية. فرغم التكلفة المالية الباهظة التي كان تُخصَّص للنظام الصحي في تركيا؛ فإنّه كان بعيدا جدا عن خدمة المواطنين، لأنّ طريقة الإدارة كانت سيئة للغاية، وكان قطاعا مبعثَرا تسوده الفوضى، فضلا عن قضايا الفساد. ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة؛ تمّ تجميع النظام الصحي بأكمله تحت سقف واحد، وتم القضاء على الفساد بصرامة، وأُنشئت استثمارات مهمة من الأموال الفائضة بسبب القضاء على الفساد، وخلال مدّة قصيرة أصبحت خدمات النظام الصحي متاحةً لجميع المواطنين، ويمكنهم تلقّي الخدمات بالجودة والسرعة نفسها دون أيّ تمييز بين الأغنياء والفقراء. اليوم؛ لا يحتاج المواطن التركي لأجل الاستفادة من خدمات نظام الرعاية الصحية في بلاده سوى أن يبرز هويته الشخصيّة، وأصبحت خِدمات الرعاية الصحية التركية الأفضلَ جودةً والأرخصَ في العالم. وعلاوةً على ذلك؛ فإن الرعاية الصحية مع الزمن أصبحت أحدَ بنود التصدير في تركيا. كما أصبحت السياحة العلاجية الآن مجالا هاما من مجالات قِطاع السياحة في تركيا، لدرجة أن أشخاصا كثيرين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، أو من المواطنين الأتراك الذين يعيشون في الخارج؛ صاروا يتوجّهون إلى تركيا لأنّهم يجدون الخدمة الصحية التي يتلقَّونها فيها أرخصَ وأكثرَ جودةً من الخِدمات الصحيّة في بُلدانهم. وفي السنوات الأخيرة؛ توجّه حزب العدالة والتنمية الحاكم في مجال الصحة إلى إنشاء مُدُن طبية ضخمة، وكانت خطوة جادّة نحو تقليل عدد المرضى والأسِرّة لكل طبيب، لكنّ المعارضة رأت أنّ هذه الطاقة الاستيعابية العالية غير ضرورية، بل إنها رأت أن هذه المشاريع إسراف وإضاعة للمال. ولكن الحقائق التي تبدّت مع فيروس كورونا أظهرت أن تركيا كانت ذات نظرة بعيدة جدًّا في هذا المجال، فالعالم كلّه يعيش حالة عجز تامّ في مواجهة فيروس كورونا “كوفيد 19”؛ حيث ظهر أول مرة في الصين ثم إيران، ثم بدأ ينتشر بسرعة وبشكل يبدو خارجا عن السيطرة. اتُخذت في إيطاليا وإسبانيا وهولندا وألمانيا - وفي غيرها من الدول الأوروبية- إجراءاتٌ وتدابير لمواجهة الفيروس، ولكن إذا نظرنا إلى تركيا - مع أن السياحة تُشكِّل شطرًا موفورا من اقتصادها- فإننا نجد أنّ الأداء والإجراءات التي اتُّخذت فيها - حتى الآن- تُعدّ ناجحة للغاية. وبفضل هذه التدابير؛ كان دخولُ الفيروس إلى تركيا متأخِّرا، ولكن يبدو أن نموّ انتشاره في تركيا لن يأخذ مسارا مختلفا. في الوقت الحاضر؛ تهدف تركيا إلى محاربة هذا الفيروس المُعْدِي، الذي يتضاعف عددُ الأشخاص المصابين به بمتتالية هندسية، كما حصل في كل مكانٍ شوهِد فيه لأول مرة، وتقوم وزارة الصحة التركية بجهود منظّمة تهدف إلى منع وصول عدد المرضى إلى حدٍّ يتجاوزُ قدراتها العلاجية؛ وذلك باعتماد تدابير تؤدي إلى تخفيض سرعة انتشار الفيروس. إنّ خطاب الرئيس أردوغان في هذا الموضوع يمنح الجماهير الروحَ المعنوية العالية، على عكس القادة الأوروبيين الآخرين. وإن الفلسفة المتبعة في السياسات الصحية في تركيا تؤكد مرة أخرى مقولة: اجعل الناس يعيشون كي تعيش الدولة؛ ولذا فإنّ الهدف النهائي للدولة هو إبقاء الناس على قيد الحياة، ومن ثَمّ توفير الحياة الكريمة. مستشار الرئيس التركي المصدر: الجزيرة
1683
| 27 مارس 2020
مكاسب أنقرة في هذا السياق لا تعني خسارة واشنطن كان على تركيا أن تتحرك لإظهار قوتها وجديتها وهو ما فعلته على الأرض لقد حدث ما كان يجب أن يحدث؛ وأثبتت طريقة حدوثه إلى أي مدى كان ما حدث صوابا ورائعا. لقد أكدت عملية "نبع السلام" العسكرية صواب السياسة التي تنتهجها تركيا منذ البداية؛ إذ كانت أنقرة تقول إن المنظمة الإرهابية (= المليشيات الكردية) في سوريا - التي تدعمها الولايات المتحدة علانية على الأرض وتصادق دول الاتحاد الأوروبي على تحركاتها- تشكل تهديدا يحدق بها. كما كانت تقول إن هذه المنظمة الإرهابية - وبالدعم الذي تتلقاه من بعض الدول في مقدمتها دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)- لا تهددها هي فحسب، وإنما تهدد كذلك الولايات المتحدة وأوروبا نفسها. ربما لا يتمثل هذا التهديد في توجيه عناصر تلك المنظمة أسلحتهم باتجاه هذه الدول على المدى القريب؛ ولكنه يتمثل في التضحية بالمبادئ التي قامت عليها تلك البلدان لعدم اتساقها مع حمايتها لمنظمة إرهابية. فتكليف هذه البلدان حزبَ العمال الكردستاني (بي كى كى) -الذي يعتبر منظمة إرهابية حتى في أعراف هذه الدول وتصنيفاتها- بمهمة مكافحة تنظيم "داعش"؛ دمّر تماما اتساق حكوماتها مع تلك المبادئ، بحيث انتهى وجوده فعلا. إن واشنطن قادرة على توجيه دفة الرأي العام العالمي كما تشاء بفضل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها حول العالم، وتستطيع أن تجعل من الإرهابيين أبطالا للحرية. غير أن تأثير قوة الرأي العام التي تنتجها صناعة الإعلام والعمر الافتراضي لهذا التأثير لا يستمران طويلا كما يظنون؛ ففي نهاية المطاف سيسألهم الشعب الأمريكي: ماذا نفعل في سوريا؟ من وجهة نظري؛ فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يُعتبر من أفضل الأشخاص الذين يستمعون إلى آراء الشعب الأمريكي ويحسون بنبضه. فرغم "صفقة القرن"، وسياسته المناهضة للمهاجرين، ومواقفه المعادية للإسلام؛ فإنه سياسي واقعي ويمثل آراء شعبه الحقيقية. ومن ذلك أن آراءه في كل تلك القضايا هي للأسف آراء المواطن الأمريكي العادي؛ فالرجل كان يعتبر -منذ بداية حكمه- أن الوجود الأمريكي في سوريا والتعاون مع منظمة إرهابية مثل "بي كى كى" خطأ؛ لكنه عجز عن إقناع طبقة البيروقراطيين في بلده بذلك. لماذا يصرّ البيروقراطيون الأمريكيون ومؤسسات مثل وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) على انتهاج سياسة غير منطقية كهذه لن تحقق أي مصلحة للولايات المتحدة، بل ستجعلها تخسر مالها وسمعتها على المدى الطويل؟ إنها قضية جدلية تستحق النقاش. إن سبب الوجود الأمريكي في سوريا أو العراق هو فقط خدمة إسرائيل وحلفائها؛ فإلى أي مدى يمكن أن يتحمل الشعب الأمريكي أن يرى دولة كبرى كبلاده تظهر وكأنها كرّست وجودها لصالح دولة تنشر الفتن كإسرائيل؟ إن أمن إسرائيل العدواني الذي يضر الجميع يكلف الولايات المتحدة ثمنا باهظا، وهو ما جعل الشعب الأمريكي يشكل الآن رأيا عاما قويا في هذا الاتجاه، ويستحيل أن يكون ترامب لا يرى كل هذا. لا شك أن هناك من يصور الاتفاق الذي توصلت إليه واشنطن مع أنقرة على أنه مكسب لتركيا فقط، ويشكل خسارة بالنسبة للولايات المتحدة؛ لكن عندما ننظر للأمر من هذه الزاوية سنرى أن ذلك ليس صحيحا. إن جميع مطالب تركيا قد استُجيب لها بالطبع، لكن هذه المطالب كانت كذلك تصب في مصلحة الولايات المتحدة؛ إذ ان مكاسب أنقرة في هذا السياق لا تعني خسارة واشنطن. لنقلْها مجددا؛ لقد قدمت تركيا فرصة للولايات المتحدة لتتراجع عن أخطائها، وهو ما استجابت له واشنطن بالفعل مستغلة هذه الفرصة بإبرام ذلك الاتفاق الذي توصلت إليه مع أنقرة. ربما كان من الصعب على الولايات المتحدة أن تدرك أن هذا الأمر يصب في مصلحتها، ولذلك كان على تركيا أن تتحرك لإظهار قوتها وجديتها، وهو ما فعلته على الأرض؛ لا لترى ذلك الولايات المتحدة فحسب، بل ولتراه جميع الدول الأخرى. ربما كان هناك من اعتبر في هذه اللحظة أن التصريحات التي أطلقتها تركيا هي عبارة عن أوهام يجب ألا يُلقي لها أحد بالاً. لكن من الآن فصاعدا سيكون لزاما على الجميع أن يستشعروا وزن ما تقوله تركيا؛ إذ اننا انتقلنا إلى عالم مختلف تماما بعدما أخرجت عملية "نبع السلام" هذا الاتفاق إلى النور، عالم يقدِّر فيه الجميع حجم تركيا وثقلها كما يجب وفي كل القضايا. لقد أنقذ الاتفاق - بشكله الحالي- كذلك حلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ فتركيا –وهي إحدى الدول الأعضاء في هذا الحلف- كانت تجد صعوبات جمّة في شرح هذا التهديد الذي تشعر به للآخرين حتى يومنا هذا، وكانت الدول الأخرى هي التي تدعم هذا التهديد الذي كان يستهدف أمن تركيا بشكل مباشر. وهو ما كان يعني - بغض النظر عن الجهة التي سينظرون منها للموضوع- النهاية الفعلية للحلف. بيد أن إصرار تركيا وتحركها بمبدأ "كلنا واحد" ذكّر الجميع بتعهدات حماية أراضي الدول الأعضاء في الحلف وشعوبها من كل التهديدات (المادة 3 من نص الاتفاق). ومع فهم الولايات المتحدة للأمر؛ أصبحت سائر الدول الأعضاء في الحلف هي الأخرى مدركة للمخاوف الأمنية المشروعة التي تشعر بها تركيا فيما يتعلق بحدودها الجنوبية، وهي المخاوف التي طالما عجزوا عن فهمها حتى يومنا هذا (المادة 1 من الاتفاق). لقد أظهرت تركيا قوتها على الأرض، ثم حصدت ما أرادت من مكاسب على طاولة المفاوضات، وهو ما نسميه نصرا وفتحا مبينا، ونحمد الله حق حمده على أن منّ علينا بهذا الفتح. كما نتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى القائد الأعلى الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أدار هذا الفتح بذكائه وحكمته وزعامته القوية. ولم يكن هذا النصر لتركيا فقط؛ بل كان نصرا أشرق كالشمس على عالم المظلومين في كل مكان. المصدر: الجزيرة
1562
| 29 أكتوبر 2019
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
6147
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4494
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3348
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1605
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1338
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1197
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
1044
| 02 أكتوبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
873
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
831
| 30 سبتمبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
657
| 02 أكتوبر 2025
لم تكن كلمة سموّ الأمير تميم بن حمد...
630
| 26 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية