رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

علماء ماتوا فى حديدهم

من رحمة الله تعالى بأمة الإسلام أن جعل الحق والخير فيها موصولين إلى يوم القيامة ومن دلائل ذلك أنه لم يحرمها على طول تاريخها ممن يقوم بالحق ويصبر عليه ويدافع عنه وإن دفع في سبيل ذلك حياته٠ وكان للعلماء من ذلك حظ وافر وكانت وما زالت تضحيات هؤلاء الأعلام وثبات أولئك الرجال من أهم أسباب وصول عقيدة التوحيد وشرائع الإسلام إلينا سالمة من كل عيب مبرأة من أي تحريف ٠ فقد شهدت السجون على مدى التاريخ الإسلامي وقفات إسلامية صلبة وشجاعة كان لها دور حاسم في تقرير العقيدة الصحيحة وهزيمة البدع وكل صور الانحراف عن العقيدة وقد ضحى عدد من العلماء ببعض أعمارهم في سبيل ذلك خلف جدران السجون ومات بعضهم في الحديد رافضا التراجع ورافضا كل أشكال المساومات. وكان ممن قضى نحبه خلف جدران السجون من العلماء "محمد بن نوح" و"نعيم بن حماد" و"ابن تيمية" وغيرهم رحمهم الله جميعا. ومن الأئمة في هذا الطريق وعلى هذا الدرب الإمام "البويطى" الذي عاش في القرن الثالث الهجري زمن فتنة القول بخلق القرآن تلك الفتنة التي لا يمكن مقارنتها بحال بفتنة الحكم العلماني الذي ابتليت به الأمة في العصر الحديث ومع ذلك فقد رأي بعض أهل العلم الوقوف لها والتضحية بحياتهم في سبيل دفع شرها عن الأمة وعن الأجيال التي لم تولد بعد٠ وكان ثبات وتضحيات هؤلاء الشوامخ هو أبلغ وأنصع وأقوى رد في مواجهة تلك الفتنة العمياء التي أرادت أن تأكل الأخضر واليابس وأن تحصد في طريقها كل من يقف لها٠ كان إماما جليلا عابدا زاهدا لم يكن يمر عليه يوم وليلة دون أن يختم القرآن وكان يقضي غالب أوقاته في الذكر والتشاغل بالعلم وغالب ليله في التهجد والتلاوة وكان من فرط شفقته ورقته سريع الدمعة٠ قال عنه الربيع: ما رأيت البويطي بعد ما فطنت له إلا رأيت شفتيه تتحركان بذكر أو قراءة ٠ وقال أبو الوليد بن أبي الجارود: كان البويطي جاري، وما انتبهت ساعة من الليل إلا سمعته يقرأ ويصلى، وكان فقيها عظيما ومناظرا بارعا فكان جبلا من جبال العلم والدين أكرمه الله تعالى بالتفقه على الشافعي كما اختص بصحبته وحدث عنه٠ كانت له مكانة كبيرة عند الشافعي حتى قال عنه الربيع: كان أبو يعقوب من الشافعي بمكان مكين.. وقال عنه: وكان له من الشافعي منزلة، فكان الرجل ربما سأل الشافعي مسألة فيقول: سل أبا يعقوب، فإذا أجابه أخبره فيقول: هو كما قال. سعى بالبويطي من يحسده وكتب فيه إلى ابن أبي دؤاد بالعراق فكتب إلى والي مصر أن يمتحنه في فتنة ذلك العصر فامتحنه في خلق القرآن فلم يجب وكان الوالي حسن الرأي فيه فقال له قل فيما بيني وبينك أي قل ما يوافق السلطان حتى أرفعه فتعافى من السجن فرفض قائلا له: إنه يقتدي بي مائة ألف ولا يدرون المعنى.ولم يكن هناك بد من أن يحمل إلى بغداد في أربعين رطلا من الحديد وهو مقيد به في قدميه مغلولا من عنقه٠ قال الربيع: لقد رأيته على بغل وفي عنقه غل وفي رجليه قيد وبين الغل والقيد سلسلة حديد وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بـ{كن} فإذا كانت مخلوقة فكأن مخلوقا خلق بمخلوق ولئن أدخلت عليه لأصدقنه (يعني الواثق) ولأموتن في حديدي هذا حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم٠ وفي السجن لم تكن تمر صلاة الجمعة على البويطي إلا وشعر بمرارة الحرمان من أداء الشعيرة فكان يغتسل كل جمعة ويتطيب ويغسل ثيابه فإذا سمع النداء خرج إلى باب السجن فيرده السجان ويقول ارجع رحمك الله فيقول البويطي: اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني٠ ولما قيدوه بالحديد في سجنه لم يتألم من قسوة السجان ولا من ثقل الحديد ولا لما أصابه من عنت ومشقة لضيقها وإنما آلمه تعذر القيام للوضوء والصلاة!! قال أبو عمرو المستملي: حضرنا مجلس محمد بن يحيى الذهلي فقرأ علينا كتاب البويطي إليه وإذا فيه "وإني أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث لعل الله يخلصني بدعائهم فإني في الحديد وقد عجزت عن أداء الفرائض من الطهارة والصلاة".. فضج الناس بالبكاء والدعاء له٠ هكذا عاش الإمام البويطي واستمر على ذلك حتى توفاه الله تعالى في سجنه مكبلا بالحديد في سنة إحدى وثلاثين ومائتين من الهجرة. تفرس الشافعي في أصحابه يوما فقال للربيع: أنت تموت في الحديث وقال للبويطي وأنت تموت في الحديد. وصدقت فراسة الشافعي فما كان لأبي يعقوب البويطي إلا أن يموت في الحديد حتى يترك لنا هذا الموقف الخالد وهذه السيرة العطرة التي تطوق الصادقين في كل عصر وتطارد المؤمنين أينما ظهروا فلا سبيل أمامهم ولا طريق إلا سبيل وطريق أبي يعقوب٠ فلقد خلق الله للثبات رجالا وانتدبهم للتضحية في سبيله حتى تظل راية الحق عالية خفاقة تشهد لله بالوحدانية وتشهد لهم بأنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

20114

| 06 يوليو 2016

العدوان الغربي على العالم الإسلامي

في إطار كشفنا لمدى الجناية على العالم الإسلامي الذي يتهم اليوم غربيا بالعدوانية والإرهاب، لابد أن نقف أمام حقبة الكشوف الجغرافية التي أعقبت عدوان الحروب الصليبية ثم حقبة الاستعمار الحديث. فقد جاءت "الكشوف الجغرافية" لتكون بمثابة العدوان الغربي الثاني على العالم الإسلامي، والتي كانت امتدادًا حقيقيا للحروب الصليبية فقد ظل هاجس هذه الحروب جاثما على أذهان أوروبا طوال القرون، فكان كل بابا للكنيسة أو ملك جديد يؤكد شرعيته بإعلان الدعوة للإعداد لحرب صليبية جديدة.. وعندما أخرج "فرديناند" و "إيزابيلا" المسلمين من إسبانيا، كانت أسطورة الحروب الصليبية لا تزال مسيطرة على الأذهان، ولهذا كانت محاكم التفتيش والتطهير العرقي والديني لإسبانيا الكاثوليكية.وفي السياق الصليبي ذاته، جاء البحث عن طريق رأس الرجاء الصالح لمحاصرة الدولة العثمانية، وانتزاع السيطرة على التجارة الدولية من أيدي المسلمين، وإحكام سيطرة أوروبا عليها كما فرض هذا السياق الصليبي نفسه على العالم الجديد، فلم تتمكن أوروبا من غزو القارة الأمريكية إلا تحت راية الصليب، وهكذا انطلقت الكشوف الجغرافية، وكان من أهم أهدافها محاصرة الدولة الإسلامية – العثمانية آنذاك – اقتصاديا واستراتيجيا، كما كان ذلك – أيضا - محاولة لتدارك فشل الحروب الصليبية، والعمل على تحقيق أهدافها من خلال إدارة جديدة للصراع مع الإسلام، كما كانت تهدف إلى تحقيق الثراء الذي كانت أوروبا في أمسِّ الحاجة إليه.وما إن استكملت أوروبا نهضتها، وأنجزت ثورتها الصناعية، حتى عادت من جديد تتوجه "بحملاتها الاستعمارية" – والصليبية أيضا – للشرق الإسلامي، فالانتقام من هذه المنطقة التي هددت نفوذ الغرب في العالم وارد.. والسيطرة عليها لمنع كل أسباب قوتها ونهضتها – ابتداءً من الدين وانتهاءً بالتقدم العلمي – وارد.. والاستحواذ على ثرواتها وفرض التخلف عليها وارد..وكذلك فرض تقسيم العمل الدولي الذي توجبه الثورة الصناعية، بجعلها فقط مصدرا للمواد الأولية وارد!! وخلال كل ذلك كان الثأر من الإسلام واضحا، كما كان العمل على طمس هوية الأمة الثقافية والحضارية وتجريدها من كل عوامل نهضتها..بل والعمل على إعداد نخب جديدة تمثل المستعمر في قيادتها للمنطقة، والعمل على تفكيك المنطقة التي لم تكن لها حدود سياسية سوى حدود الدولة الإسلامية الكبرى وزرع إشكالات على حدودها واستنبات الأزمات بين أبنائها.وليس أدل على أن الدين الإسلامي والحضور الإسلامي الشعبي كانا مستهدفين من تلك الحملات، من حرصها على إلغاء العمل بالشريعة في كل مكان حلت به، ففي مصر كان العمل على إلغاء الشريعة حاضرا في أول جلسة للمجمع العلمي الفرنسي بعد الاحتلال، وظلت محاولات نابليون مركزة تجاه تعديل النظام التشريعي والقضائي.. ولما جاءت بريطانيا المنافسة لفرنسا لم تختلف على ذات الهدف، لهذا فقد اشترطت في معاهدة "مونترو" مع الحكومة المصرية، ضرورة ألا تخالف القوانين الجديدة في مصر القوانين الأوروبية!! وعلى النسق ذاته كان يعمل الاستعمار الأوروبي في كل بلاد العالم الإسلامي التي احتلها.ولم يقف الاستعمار عند حد إسقاط حكم الشريعة وإلغاء العمل به، بل بذل جهدا حثيثا - أيضا - في سبيل نسف وتدمير أسس الحياة الاجتماعية الإسلامية، وهو ما يتضح بجلاء من رسالة نابليون إلى خليفته في مصر كليبر، حيث أمره أن يقبض على أعداد كبيرة من المماليك والعرب ومشايخ البلدان، وإرسالهم إلى فرنسا، يحتجزون فيها!! عاما أو عامين، يعتادون اللغة الفرنسية والحياة الغربية، ثم يعودون إلى مصر ليكونوا حزبا، ولم يفت نابليون أن يذكر كليبر أنه لم ينس طلبه بإرسال فرقة تمثيلية!! مؤكدًا على أهميتها في البدء في تغيير تقاليد البلاد!! كما أن المراجعة التاريخية السريعة تكشف أن أهم المشكلات الاستراتيجية التي لا تزال تعاني منها الأمة.. حيث الصراع العربي الإسرائيلي، ترجع بالأساس إلى الاستعمار الغربي: فعندما غزا نابليون (الكاثوليكي) مصر 1798م أصدر بيانا دعا فيه اليهود إلى مساعدته في حملته الاستعمارية على مصر وفلسطين وبلاد الشام مقابل مساعدتهم في العودة إلى فلسطين (أرض الميعاد!!).. كما كان يأمل في تجميع اليهود في فلسطين لعزل بلاد الشام عن مصر، ولكن اليهود آنذاك هم الذين رفضوا هذا العرض، لعدم إثارة حكام بلاد الشام وفلسطين، ثم جاءت بريطانيا (البروتستانتية) تستكمل الدور الأوروبي الهادف إلى توطين اليهود في فلسطين، فكانت الهجرات الاستيطانية إلى فلسطين (1882 - 1914م) وهو ما ساعدت عليه الدول الأوروبية بقوة.الجدير بالذكر أن توطين اليهود في فلسطين قد حقق هدفين: الأول: تخلص أوروبا من اليهود الذين كانوا يؤرقون المجتمع الأوروبي آنذاك ويتسببون في أزمات عديدة داخله.الثاني: زرع بؤرة استيطانية حربية متقدمة في قلب الجسد الإسلامي، لتحقيق الأهداف الاستعمارية بالمنطقة.ولعل ما سبق، يكشف أننا لم نكن يوما أمة معتدية، بقدر ما كنا أمة تتصدى للمؤامرات، وتقاوم عمليات العدوان المنهجي، هذه المقاومة التي أصبحت اليوم سندا مهما لاعتبارها أمة إرهابية، تتمتع بقدر عال من كراهية الآخر، وتعمل دوما للعدوان عليه!!

6579

| 08 يونيو 2016

من المسؤول عن صدام الغرب والشرق؟

يجب أن نعترف بنجاح العديد من مراكز القرار والتفكير الغربي في أن تضع الإسلام والمسلمين والعالم الإسلامي في موقع وموقف لا يحسدون عليه، فقد تم تشويه الإسلام وتبشيع الشخصية المسلمة وتوحيد العالم كله للوقوف في وجه هذا الخطر الكبير والتصدي لهذا الوحش الكاسر، ومن ثمّ فقد تم تبرير كل أشكال العدوان على العالم الإسلامي وتحويله لساحة مفتوحة للقتل والتدمير وكأنها الوسيلة الوحيدة لتأمين العالم من هذا الخطر الداهم وحمايته من هذا الشر المستطير!! وفي هذا الإطار يأتي بعض الانتهازيين والموتورين والمحسوبين على العالم الإسلامي ليتحدث عن خطر المليار ونصف المليار مسلم على العالم والحضارة الإنسانية!! والحقيقة أن كل ذلك هو افتراء مقصود وتشويه متعمد يحمل أهدافًا سياسية ويهدف لتبرير العدوان على منطقتنا وتحقيق مصالح إستراتيجية معروفة.. ولأننا دعاة حوار وأصحاب حضارة علمتنا التعايش مع الحضارات الأخرى والعمل على بناء نظام عالمي يسوده السلام والعدل فيجب أن نتصدى لهذا التشويه المتعمد ونفكك أهدافه ونكشف أسبابه فهو سبيلنا في التعامل مع العقلاء هناك وتبصير شعوبهم المغلوبة على أمرها بالصراع المفتوح الذي يجري فرضه ويجري وضعها في أتونه بلا سبب ودون مصلحة سوى مصلحة نخب متنفذة في الغرب لا تجد سبيلا لحماية مصالحها أفضل من هذه الحروب المفتعلة.وهذا التصور إنما هو امتداد لحالة عامة تتملك مراكز القرار في الغرب، ويعبر عن تاريخ طويل من الكراهية بدأ مع ظهور الإسلام، وهذا ما عبر عنه القائد الإنجليزي جلوب (1897- 1986) الذي قال: "إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما تعود إلى القرن السابع الميلادي" أي منذ ظهور الإسلام.وذلك ببساطة لأن الإسلام قد استطاع أن يغيّر خريطة هذا الشرق ويخرجه من حقب الاستعباد الإغريقي والروماني والصليبي فضلًا عن أن الإسلام قدم عقيدة التوحيد التي أزعجت العقائد السائدة آنذاك، كما أن صياغتها البسيطة وبنائها المعجز قد تعامل مع فطرة الناس في سهولة ويسر، واخترق عقولهم في بساطة ورسوخ.. وهكذا أصبح الإسلام عدوا عقائديا فضلا عن كونه عدوا سياسيا وإستراتيجيا.لقد استطاع الإسلام والمد الإسلامي أن يوقفا المد الغربي بل ويهددانه في أهم معاقله.. كما أن أوروبا كانت تنظر لنفسها نظرة عنصرية على أساس وراثتها للتراث اليوناني والروماني ومن ثم فإنها – بطبيعتها – تحتقر الأجناس الأخرى ولاسيَّما الشرقي منها.لهذا جاء رد الفعل الأوروبي على هذا الحضور الإسلامي بشكل عدواني انفعالي.. فلم تكن أوروبا قد كوّنت - بعد - أي رؤية نقدية أو تصور فكري أو فلسفي للتعامل مع الهجوم الأيديولوجي الإسلامي، فكانت الحروب الصليبية تعبيرًا عن لجوء حاد للعنف بسبب غياب الحجة، أو عدم القدرة على الوقوف العلمي أمام حجة الإسلام ومفاهيمه النشطة والمتفاعلة.. كما كانت تعبيرًا حرفيًّا عن هزيمة فكرية وإستراتيجية استدعت كل هذا المخزون العدواني ومن هنا يقول دكتور كرين أرمسترونج:"لقد كان القرن الحادي عشر الميلادي هو بداية أوروبا الجديدة، وكانت الحملات الصليبية بمثابة أول رد فعل جماعي تقوم به أوروبا الجديدة "!! والدارس لمكونات هذا الرد ودوافعه الأساسية، لن يعدم قدرا غير يسير من الكراهية، ولن يجد رؤية واعية أو عقلا حاضرا، لهذا لم يجد "أوريان الثاني" مفجر الحروب الصليبية 1095م ما يقوله سوى:"أيها الجنود اذهبوا وخلصوا البلاد المقدسة من أيدي الأشرار، اذهبوا واغسلوا أيديكم بدماء أولئك المسلمين الكفار"!!كما انطلقت الحملات الصليبية ومن خلفها عملية شحن كبرى، لم يكن لها سند علمي أو فكري إلا الملاحم التي كانت أحد أهم المسببات الرئيسية لشنها، ففي ملحمة رولاند (عام 1100م) نجد الإمبراطور ينادي جنوده كي يذبحوا المسلمين فيقول:"انظروا إلى هذا الشعب الملعون إنه شعب ملحد، لا علاقة له بـالله، سوف يمحى اسمه من فوق الأرض الزاخرة بالحياة، لأنهم يعبدون الأصنام، لا يمكن أن يكون لهم خلاص، لقد حكم عليهم، فلنبدأ إذن بتنفيذ الحكم، باسم الله، ثم تبدأ المذبحة"!!لقد جاءت الحملات الصليبية إلى الشرق الإسلامي، محملة بطاقة عدوانية تجاه الآخر، أذهلت المسلمين الذين لم يكونوا قد عرفوا هذا النوع من العدوان أو الكراهية حتى في حروبهم مع أعدائهم.فعندما حاصر الصليبيون "معرة النعمان" بسوريا حتى استسلم أهلها، بعد أن أخذوا العهود على حمايتهم، وحماية أموالهم وأعراضهم إذا بالصليبيين يقتلون الرجال والنساء والأطفال، وبلغ عدد القتلى مائة ألف قتيل، ولما وصلوا إلى بيت المقدس حاصروا أهله، ولما طلبوا الأمان أعطاهم قائد الصليبيين – الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد – رايته كي يرفعونها على المسجد الأقصى ويلجأون إليه آمنين.. فما إن دخل الصليبيون المدينة (1099م/493ﮬ) حتى أعملوا القتل والذبح، ولم يرحموا من دخل من المسلمين المسجد، حتى بلغت الدماء ركبة الفارس منهم، وامتلأت الشوارع بالجماجم المحطمة والأشلاء الممزقة، وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا، بل إن جماجم القتلى لو جمعت لبلغ ارتفاعها أعلى من أسوار المدينة.وفي "دمياط" نجد حرصا شديدا على سفك الدماء واغتصاب النساء وتحويل المساجد إلى كنائس، فلا مكان للمسجد إذا كانت الغلبة للصليبيين كما قاموا بتنصير الأطفال بعد أن فشلوا مع الكبار، وطبعا فقد كان ذلك على وجه الإكراه والإجبار.ورغم استمرار هذا الهجوم العدواني، المحمل بأبشع أساليب الحروب، لما يقرب من قرنين من الزمان، إلا أنه رد خائبا محملا بالإحباط واليأس من إمكانية هزيمة هذه الأمة.ولقد كان من نتائج هذا الاحتكاك المبكر بين الغرب والإسلام، أن اكتشف الغرب أنه يواجه أمة فتية تمتلك كل عناصر القوة وعوامل الاستمرار، وأنها تعبر عن حضارة كبرى، وإن تناقضت مع طبيعة حضارته.. وهكذا كان العمل على الاستفادة من عناصر قوة الأمة مع العمل - أيضا - على التجهيز للصدام معها، بهدف إقصائها عن طريق هيمنة الغرب.

1447

| 28 مايو 2016

ماذا تعني انتفاضة الصحفيين..وما دلالاتها؟

- إننا أمام سلطة غاشمة فقدت السيطرة على أعصابها ولم تعد قادرة على احتمال أحد وأنها على استعداد لمحاربة كل المجتمع في سبيل تكريس سلطتها وإحكام قبضتها على الجميع. - إنها قد اكتشفت فجأة أن رصيدها قد نفد وأنها لم يعد يثق بها أحد حتى من كانوا حلفاء الأمس.. فمجتمع الصحفيين الذي استطاعت الدولة العميقة أن تمد أذرعها في أحشائه وجدت نفسها فجأة في مواجهته ولم تستطع أن تسعفها أذرعها فكان ما شهدناه من التردي السحيق في المعالجة والفضائح الكبرى التي جعلت وزير الخارجية يكذب أمام الأمم المتحدة وهو يتهم الصحفيين بالتخطيط لاغتيال رئيسه!! - إن غياب القانون أصبح أهم خصائص الحكم الحالي وهو ما جعل كثيرا من الفئات والأفراد يبحثون عن أخذ حقوقهم بأيديهم فضلا عن حماية مصالحهم والدفاع عن أنفسهم التي يتطلب استئسادا في مواجهة سلطة متذئبة. - لم يكن لدى السلطة أي قدر من اللياقة أو اللباقة وهي تضع أذرعها الإعلامية في حرج بالغ بل إنها هتكت أستارها ووضعتها أمام خيارين إما أن تحافظ على قدر من مصداقيتها وتقف مع الصحفيين الشرفاء ولو بشكل صوري وإما أن تتكشف كل عوراتها وتتهتك كل أستارها وهي تواصل الدفاع عن السلطة بالباطل ضد رفقاء المهنة (نموذج مكرم وبكري). - لو كان بمصر حياة سياسية أو حزبية لما اضطرت النقابات المهنية للتصدي للسلطات الاستبدادية والوقوف في وجهها بشكل مباشر جهارا نهارا وأمام كل كاميرات العالم.. ولهذا فقد كشفت هذه الانتفاضة عن مدى التجريف الذي لحق بالحياة السياسية والتبوير الذي ألم بالأحزاب السياسية. - كما جاء لجوء النقابات للشارع لتحتمي به ليبين ويكشف الوعي الباطن للنقابات التي لم يعد لها سند سوى الشعب كما كشف مدى تغلغل ثقافة يناير داخل أروقة كل الهيئات حيث لم يعد هناك طريق لاستخلاص الحقوق إلا عبر تقاليدها فقد رأى الجميع وعاين ثورة يناير وهي تنتزع الحقوق انتزاعا من السلطات الغاشمة التي لم تعرف غير تلك السبل للتسليم بحقوق المجتمع في الحرية والكرامة. - كما جاء تعاطف المجتمع المدني والنشطاء السياسيين وقطاعات كثيرة من الشعب مع الصحفيين ليكشف أن تحت الرماد نار تبحث عن نفخة لتشعل حريقا في كل مظاهر الاستبداد المتوحشة التي عادت بشكل فادح وفاضح. - كما ظهر للمتابعين المدققين كيف أن إمكانات حشد كل القوى والفئات والشرائح الحية في مواجهة هذه السلطة الغاشمة والفاشلة هي إمكانات هائلة ولا ينقصها سوى تخلي القوى والرموز السياسية عن تحوصلها حول كياناتها وتياراتها وتشرنقها حول أهدافها وذاتها ومن ثم انطلاقها لآفاق المصالح الوطنية العليا والتحلي المستمر بالحوار السياسي والإصرار على التواصل الذي يجمع كل الفرقاء ولا يهدف إلا لحماية البلاد ومستقبلها من تحكم شبكات الاستبداد والفساد.

694

| 14 مايو 2016

ماذا بعد موجة الأرض ؟

ليس هناك شك أن موجة الأرض الثورية التي بدأت يوم 15 أبريل قد أعادت رسم الخريطة السياسية في مصر لصالح ثورة يناير كما أنها أعادت الأمل من جديد في بعث يناير وأعادت بالفعل للشارع أجواء يناير.فقد مهدت "لكسر حالة الاستقطاب السياسي" التي ظلت مخيمة على سماء ثورتنا منذ أن بدأت الثورة المضادة خطتها يوم 11 فبراير والتي اكتملت يوم 3 يوليو حيث نزلت المدرعات بالشوارع تحت ستار ذلك الاستقطاب السياسي ولم يكن لها أن تتجرأ على النزول دونه ومن ثم يتم القضاء على الإرادة الشعبية بدعم سياسي.كما نجحت موجة الأرض الثورية في "توجيه ضربات قوية لذلك الجدار الاجتماعي الصلب" الذي شيدته الدولة العميقة وأذرعها الإعلامية الطولى والذي نال من وحدة شعبنا وتماسكه في وجه الاستبداد تلك الوحدة التي تحققت بشكل واضح خلف شعارات يناير التي صدعت بالفعل بنيان الاستبداد المصري العتيق ووضعته لأول مرة في التاريخ في مهب الريح..هذا الجدار لابد وأن يهدم تماما حتى تعود وحدة شعبنا في مواجهة الاستبداد وتهزمه كما هزمته في يناير.لهذا فإن ما حققته موجة الأرض يعد نجاحا له مذاق استراتيجي وليس مجرد نجاح تكتيكي لأنه في الحقيقة يصب في المسار الأجدى لاستكمال ثورة يناير -وفق شروطها وأهدافها وقيمها وتقاليدها- وهو مسار الاصطفاف الثوري والسياسي والمصالحة المجتمعية..ولهذا أيضا وجد فيه كل المخلصين لثورة يناير وللإرادة الشعبية والمشتاقين لكرامة مصر وحريتها بغيتهم ويبقى -حتى نكون صادقين مع أنفسنا- أن نجهد أنفسنا ولو قليلا ونتواضع كثيرا ونقدم جهدا جماعيا لاستثمار هذه "الفرصة الذهبية" وهو ما يمكن -من وجهة نظرى- بالعمل على أقرار عدة أهداف وسياسات والتأكيد على مجموعة من القيم: أولها.. أننا "شعب واحد" وليس شعبين وأن المصالحة المجتمعية هي طريق لاغني عنه لاستعادة لحمة شعبنا ومحاصرة الانقلاب مع ضرورة التوجه بخطاب جديد للقطاعات الشعبية التي خدعت في هذا النظام أو ركنت إليه لبعض الوقت بأنها صاحبة ثورة يناير التي عاشت مصر في كنفها لأول مرة محررة من كل قيود الاستبداد وأنه ليس من حق أحد أن يقصيهم من مسارات استكمالها والعمل على تحقيق أهدافها.ثانيها.. العمل على "تجسير الفجوة بين الأحزاب والحركات والقوى السياسية والثورية" وتشجيعهم للتوافق على "أجندة وطنية جديدة" و "جبهة وطنية واحدة" أو أي صيغة عملية أخرى يمكن من خلالها استكمال مسار يناير الذي ارتبطت به حرية مصر وكرامتها ونهضتها وفي ذات الوقت التوافق على المرحلة الانتقالية التي يمكن من خلالها إعادة بناء الدولة وفق قواعد التوافق والتشارك.ثالثها..التوجه "بخطاب سياسي ناضج لضباط وجنود القوات المسلحة والشرطة" بأن يربطوا مصيرهم بمصير شعبهم وحريته وكرامته وأن ينحازوا لشعبهم وليس لحفنة الأشرار الذين يسخرون كل موارد البلاد وقدراتها -بما في ذلك الجيش والشرطة- لخدمة مصالحهم الشخصية وشبكات المصالح الفاسدة التي ارتبطت بهم.رابعها.. ضرورة "فتح الباب واسعا أمام كل الأطراف التي ورطها الانقلاب معه" كي يحقق من خلالها خطته في إحكام السيطرة على الحكم..خاصة الأقباط الذين يخوفهم النظام من عودة يناير ويكاد يختطفهم لتحقيق مآربه لهذا يجب أن نطمئنهم بأن ثورة يناير تهدف لحريتهم وكرامتهم كما أنها تجعلهم جزءا أصيلا من المجتمع وليس في مواجهته كما يريد النظام الحالي.خامسها.. لابد من "إفساح الطريق أمام الشباب" وإعطائهم الفرصة كي يكملوا ثورتهم..فشبابنا هم أهم أرصدتنا وأقوى مواردنا وهم من استطاع أن يهدم كل قواعد التغيير التقليدية التي كانت متبعة قبل يناير وأن يبتكر قواعد جديدة هزمت الاستبداد وهزت كل قواعد الديكتاتورية بعنف.سادسها.. ضرورة استمرار "الحفاظ على الشعارات العامة" التي ثبتت جدواها ونجاعتها في موجة الأرض وذلك حتى نستطيع توحيد الشعب وقواه الحية خلف أهداف يناير.. علما بأن التمسك بالشعارات المجمعة لا يعني بحال حصر الأهداف بها أو التفريط في حقوق دستورية أو قانونية أو إنسانية.سابعها.. أصبح من الضروري بمكان إيجاد صيغة لوقف التراشقات المتزايدة بين صفوفنا والتي لا يمكن تبريرها بحال وفق ميزان الشرع أو ميزان العقل أو ميزان المصالح العليا لشعبنا ووطننا أو ميزان السياسة.

841

| 07 مايو 2016

لماذا لفظهم الشعب؟

رغم أن الانتخابات البرلمانية المصرية تشهد بطبيعتها أكبر نسبة إقبال مقارنة بأي انتخابات أخرى ورغم أنها قد شهدت بعد ثورة يناير أكبر نسبة إقبال مقارنة بأي انتخابات أخرى في تاريخ مصر حيث تدافع على الصناديق أكثر من 32 مليون مصري محققين رقما عالميا وليس محليا فحسب.. إلا أنها شهدت في أول انتخابات برلمانية بعد الانقلاب هذا العزوف الكبير الذي سيقف أمامه الجميع يدرس ويحلل لأننا في الحقيقة أمام "ثورة جديدة" امتدادا للثورة الأم _ ثورة يناير_ وهي ثورة ابتدعها الشعب المصري في مواجهة آلة القمع وعمليات النهب ومحاولات سرقة الإرادة الشعبية بعد سرقة لقمة العيش. والحقيقة أن رافضي الانقلاب العسكري لم يفاجئوا بهذا العزوف شبه الكامل عن الصناديق رغم كل العوامل والإغراءات والتهديدات التي أتاحها النظام لمتعهدي البرلمانات كي يمارسوا دورهم وما أتاحه لهم من استغلال حاجة الفقراء الذين هم غالبية الشعب وما وفره لهم من وسائل ابتزاز الناخبين والضغط على كرامتهم.. وذلك لأن الإحساس بالكرامة التي فجّرتها ثورة يناير في وجدان المصريين لا تزال كامنة في الصدور متربصة بكل من يتعالى على الشعب أو يحاول امتهانه أو سرق إرادته.لكن هل فوجئ النظام وأركان حكمه بهذا العزوف أم أنه كان يتوقعه؟ وهنا يجب أن أؤكد أن الطغاة يحتقرون شعوبهم ولا يتصورون لهم كرامة ومن ثم يتخيلون أنهم يتلاعبون بأحلامهم وآمالهم ويغسلون أدمغتهم بأي شيء حتى لو كان ماءً ملوثا كالذي يسقونه لهم.. لكن مكر الله بالطغاة يكمن حقيقة خلف هذا الطغيان الذي يعمي ويصم عن كل الحقائق فينقلب السحر على الساحر في لحظات تكون هي صاحبة القول الفصل في تقرير مصير الأمم وتحديد وجهتها ورسم مستقبلها. وهنا يجب أن نقف عند الأسباب الحقيقية لرفض الشعب هذه الأوضاع وإعلانه الثورة عليها من جديد:وأولها.. هو رفض عملية الاستغفال التي يمارسها الطغاة بحق شعوبهم حيث يلقون بأصواتهم في البحر وربما في أماكن أكثر وضاعة ثم يجيئون إليهم بصناديق أخرى يقولون لهم صوّتوا من جديد فلم يعجبنا تصويتكم!!وثانيها.. رفض عملية النصب التي تترجمها هذه الانتخابات بأوضح عبارة حيث تتطلب التصويت على ذات النظام الذي خرج عليه الشعب في 25 يناير ويا للعجب وذات الأشخاص (العواجيز) الذين أذلوا الشعب على مدى ثلاثين عاما وسرقوا لقمة عيشه ووقفوا يتفرجون عليه يأكل من القمامة ثم هاهم يعاودون الكَرة وكأنهم لا يتلذذون إلا بالرشف من دمائه.وثالثها.. اعتراضا على الأداء السياسي الرديء الذي ظهر به الحكام وأعوانهم وأجهزتهم وأبواقهم الإعلامية وهو أداء لا يرجع لطبيعة نظم الطغيان والفساد فحسب بل زاد عليها احتقار الشعب وعدم الاحتفال بمعاناته ولا اهتماماته ومشاغله أو مشاكله فهم جاءوا لمهمة محددة أعمتهم عن كل مهام الدولة وواجبات النظم الرشيدة، وهي مهمة السطو على الثروات وربما تجفيف منابعها هذه المرة. ورابعها.. اعتراضا على القمع المفتوح والاعتقال الواسع النطاق واستباحة الدماء التي لم تشهدها مصر من قبل، وهو ما دخل كل بيت ولم يحرم منه شارع، فضلا عن كل قرية أو مدينة وهو ما أحال أحلام الأمهات إلى كوابيس وملاعب الأطفال إلى سرادقات عزاء وأصبحت نزهة الزوجات الوحيدة هي الطوابير أمام السجون والمعتقلات.خامسها.. احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية للمواطن والتي بلغت درجات خطيرة في العديد من المحافظات وذلك في كل المجالات ابتداءً من الخدمات ومرورا بالأسعار والبطالة ووصولا للأجور والمرتبات والمعاشات بل والعدوان على موظفي الدولة بواسطة قانون الخدمة المدنية.سادسها.. رفضا للعدوان على الشباب والذين هم غالبية المجتمع ولهذا فلا غرابة أن يكونوا هم قاطرة المقاطعة، وهو ما وضح جليا منذ مقاطعتهم لانتخابات الرئاسة.. ومظاهر العدوان على الشباب كثيرة لا تغفلها عين ابتداءً من قطع الطريق أمام مستقبلهم وإغلاق الباب أمام كل طموحاتهم واعتقال السياسيين منهم من كل التيارات وقتل المتظاهرين ومطاردة الألتراس بل إنك لن تخطئ إذا قلت: إن كل التحولات الجارية في مصر إنما تستهدف طحن الشباب وسحقهم حتى لا يكون هناك احتمال لثورتهم مرة أخرى.سابعها.. تنديدا بأحكام الإعدام بالمئات والتي أصبحت محلا لتندر العالم وسخريته من "أم الدنيا" وهي أحكام لم تقف أمام شيء ولم تحترم شيئا، فكانت صادمة لشعور الشعب وصادمة لحلم ثورته في 25 يناير وكان على رأس هذه الصدمات الحكم بإعدام أول رئيس ينتخبه الشعب بشكل حر وهو ما لا يعني سوى رسالة احتقار للشعب الذي انتخبه، فضلا عن الحكم بإعدام النساء ومئات الشباب النابغ.ثامنها.. اعتراضا على عملية الاستخفاف بالدستور بعد أن تم الترويج له بشكل غير مسبوق واعتباره أعظم دستور في العالم وربما في التاريخ ثم يأتي تصريح كبيرهم ليهدم كل ما تم الترويج له وتسارع أبواقه للتبرير القبيح لتعديله بل وجعل هذا التعديل هو أهم أولويات البرلمان.تاسعها.. ردا بليغا مفحما للإعلاميين الذين يصرخون على مدى أكثر من عامين كي يركع الجميع للمنقذ الجديد ويذعنوا لكل ما يقول ويسلموا بسيادته المطلقة فجاء الرد قاسيا ـ عليه وعليهم ـ ولاسيَّما أنه قد ناشد الشعب بنفسه كي يشارك في التصويت.عاشرها.. رسالة قوية لكل القوى السياسية المخلصة: أن الشعب لا يزال حاضرا وأنه ينتظر لحظة الوثوب لإنقاذ البلاد من الديكتاتورية والفساد فإذا أردتم ألا تفوتكم هذه اللحظة فاستعدوا بالاصطفاف حول هموم أمتكم وقضايا ومشكلات شعبكم.

872

| 24 أكتوبر 2015

يناير امتداد لأكتوبر

يخطئ من يظن أن إرادة الشعوب تتجزأ وأن الشعب الذي يتطلع للحرية والكرامة يمكنه أن يقبل بالاستعباد والمهانة.. ومن هنا فإني أرى أن الشعب الذي أجبر حكومته على الإعداد للحرب عشية الهزيمة النكراء في 5 يونيو 1967م لم يكن يتصور عاقل أن يقبل بالركوع أمام أي حكم يهين كرامته ويعتدي على حريته وهكذا يتضح الخيط الموصول بين أكتوبر ويناير.فالحقيقة التي تغفلها السلطات الحاكمة وأبواقها التي طالما أهانت الشعب واستمرأت إهماله وإهانته: أن الشعب هو صاحب القرار في خوض حرب أكتوبر وأن شجاعة المقاتل المصري الأسطورية هي التي هزمت آلة الحرب الإسرائيلية الجبارة.. وهذا طبعا على خلاف ما دأبت إشاعته تلك السلطات وأبواقها حيث الخلاف الكبير بين من هو صاحب قرار إزالة آثار العدوان؟ هل هو عبد الناصر.. أم السادات؟ وفي زحمة ذلك الجدل العقيم يهال التراب على الشعب صاحب القرار بل وصاحب النصر والذي لولاه ما تحقق شيء من هذا.فالشعب هو الذي خرج رافضا الهزيمة منذ اللحظات الأولى ومطالبا بالثأر.. وهو أيضا الذي خرج متظاهرا ساخرا من المحاكمات الهزلية لقادة الهزيمة والتي قابلها النظام بالقمع.. والشعب هو الذي ظل ساخطا على جيشه طوال السنوات الست لما ألحقه من عار بالعسكرية المصرية قبل أن يلحقها بالشعب وهكذا ظل ضباط الجيش يتعرضون للسخرية في الشوارع والطرقات حتى أن الأوامر قد صدرت إليهم بإطفاء بريق الرتب العسكرية حتى لا تستفز الشعب ثم كان العديد من الضباط يؤثرون السلامة فلا يغادرون وحداتهم بالزي العسكري!.وليذكر من عاش الجامعات المصرية في بداية السبعينيات وكيف أن كل مظاهراتها ومؤتمراتها ومجلات حوائطها كانت تندد بالهزيمة وتطالب بالثأر وكيف سرت النكات المستهزئة بمن سيطروا على كل شيء في بر مصر وتعالوا وتكبروا على أهلها ثم هم يهزمون هذه الهزيمة النكراء أمام أشد أعدائها.. ولهذا لم يبعد كثيرا من فسر تلك الهزيمة بأنها هزيمة للسلطة وليست للشعب وأنها عقاب لها على تكبرها واستعلائها على شعبها وإمعانها في تقييد حريته والحط من كرامته.ولأن حرية الشعب وكرامته هي جوهر علاقته بحكامه فإن نفس الشعب هو الذي خرج في 18 و19 يناير 1977م رافضا من ذات السلطة أن تعتدي على الحد الأدنى من عيشه الكريم وهو ما جعل السلطة التي كانت تظن أنها استعبدت الشعب بذلك النصر تفاجأ بهذه اللطمة التي أفقدتها رشدها في وقت غرورها وغطرستها وهو ما اضطرها لأن تكشف عن مكنون صدرها فإذا بالقرار الغشيم بنزول الجيش للشوارع وإذا بالدبابات تقتحم المدن الكبرى وتلاحق الشباب في الميادين والطرقات.صحيح أن قادة الجيش يومها كانوا يتمتعون بقدر أكبر من الذكاء جعلهم يحتاطون من استخدام الجيش في مواجهة الشعب خاصة بعد حرب أكتوبر التي وقف فيها الشعب مساندا جيشه بصورة أبهرت العالم وكانت سببا في التئام جروح الغطرسة والتعالي التي كانت سائدة بين الجيش والشعب خاصة في الستينيات.. هو ما جعل بعض كبار ضباط الجيش يومها يطلبون من السلطة تعهدا بعدم استخدام الجيش مرة أخرى في مواجهة الشعب واشترطوا ألا ينزلوا الشارع قبل إعلان الحكومة تراجعها عن قراراتها الاقتصادية في ذات الوقت الذي أصدروا فيه تعليماتهم للضباط والجنود بعدم إطلاق طلقة واحدة من سلاح الجيش في وجه الشعب وعدم الإساءة لأي مواطن مهما كانت الظروف.في هذه اللحظات كانت الجماهير تزحف صوب استراحة السادات في أسوان وهي تهتف ضده وهو ما اضطره للعودة مسرعا للقاهرة وفق خطة تأمين كبرى افترش فيها أرضية أحد الأتوبيسات هو وأسرته حتى يبدو الأتوبيس فارغا إلى أن وصل المطار واستقل طائرته للقاهرة.وكما كان التطلع للكرامة والحرية هو السبب الرئيسي لانتصار أكتوبر فإن ذات القيم هي التي جعلت الشعب ينتصر في يناير 2011م، يوم أن خرج رافضا حكم من أمعن في العدوان على كرامته واستلاب حريته وهنا نلحظ الشبه الواضح بين روح المقاتل المصري الذي حمل روحه على كفه طالبا الشهادة أو الكرامة وبين شباب التحرير وشعب التحرير الذي نزل الميادين حاملا أيضا روحه على كفه في مواجهة الجنرالات والمجنزرات التي كانت تتربص به في الميادين.وهكذا يمكن أن يتبين أن العلاقة وطيدة بين يناير وأكتوبر فكلاهما انتصار للحرية والكرامة بل إنه إذا كانت أكتوبر قد محت عار 6 سنوات فإن يناير قد محت عار قرون طويلة من الاستبداد والاستعباد.. وإذا كانت أكتوبر قد حررت جزءا عزيزا من أرض مصر فإن يناير قد حررت كل مصر بل حررت الماضي والحاضر كما حررت المستقبل الذي لا يمكن تصوره دون حرية أو كرامة.

535

| 10 أكتوبر 2015

مصر بين ديمقراطيتين!!

كما كانت "ديمقراطية الأنياب" وليدة بيئة الاستبداد المصري حيث "الديمقراطية الأنيابية" بدلا عن "النيابية"!!.. فإن الاستبداد المصري العريق قد استحدث هذه الأيام ديمقراطية أخرى أخطر بكثير من ديمقراطية الأنياب وهو "ديمقراطية الدم" والتي تعبر بوضوح ودون تجمل عن الديمقراطية التي يقوم بتأسيسها الجنرال الجديد وهو ما لاحظه العالم كله منذ 3 يوليو حيث شيوع وانتشار "الدم" في شوارع وميادين بل ومساجد مصر بصورة غير مسبوقة فضلا عن مقرات الأمن الوطني ومراكز الشرطة والمعتقلات ومراكز تدريب الأمن المركزي التي كانت ولازالت مركزا لإدارة عمليات التعذيب والقتل خارج القانون.وإذا كانت "ديمقراطية الأنياب" قد حكمت مصر منذ كامب ديفيد حيث بدأ السادات يضيق بالمعارضة ويرفض أي نقد ويلعن كل ناصحيه سواء كانوا من مصر أو العالم العربي أو الإسلامي حتى أعمل أنيابه وأنياب ديمقراطيته في قراره الأخير باعتقال كل رموز وقادة المعارضة والعمل السياسي في مصر في خريف 1981م.. فإن مبارك هو الذي حاز النصيب الأوفر والزمن الأوفى في تطبيق تلك الديمقراطية والتي حكمت مصر لمدة ثلاثين عاما.ومن حظ بلادنا أن تنتقل بعد ذلك "لديمقراطية الدم" أو ديمقراطية الأنياب والأظافر والسنج والمطاوي والسيوف ومواسير الحديد - حيث الاستخدام الأوسع لجيش البلطجية في تأسيس الديمقراطية الجديدة منذ 3 يوليو- فضلا عن استخدام الرصاص والدبابات والطائرات التي أصبحت متلازمة مع هذه الديمقراطية.. ومن الطريف أن ذلك قد تم أيضا في ظل علاقات متميزة مع الكيان الصهيوني حتى أنك لا تخطئ لو قلت إن القضية الإسرائيلية قد أصبحت هي قضية النظام المركزية !!ولما انبرى أحد مدعي الثقافة لتبرير هذه الدموية ومحاولة شرعنتها وربطها بالتحول الديمقراطي كان من الطبيعي أن تتوافق كيميا الرجل مع كيميا مصاصي الدماء الجدد فما كان من رأس النظام إلا أنه أكد أنهما يعملان على موجة واحدة وأن هذه الديمقراطية الدموية هي ديمقراطية مصر في الحقبة الأخيرة من حكم العسكر فاختاره وزيرا للثقافة بعد أن نما إلى علمه ما "نم" به "نمنم" في اجتماعه السري الخطير الذي فضحه التسريب.وبرغم أن مصطلح "ديمقراطية الدم" يعد حديثا على قاموس المصطلحات السياسية إلا أنه في الحقيقة يعبر عن الحالة المصرية فيما بعد 3 يوليو ومنذ أكثر من عامين.. فالجنرالات يعيشون منذ ثورة يناير حالة من الرعب والخوف الشديد من انقراض نظامهم الذي وفر لهم علي مدى أكثر من ستين عاما امتيازات لم يكونوا يحلمون بها لدرجة أنه أسس لهم طبقة جديدة أصبحت تحتكر إلى جانب السلطة أهم منابع وموارد الثروة في مصر وجعل مصر كلها إقطاعا خاصا بهم بعد أن ألغوا الإقطاعيات السابقة عقب 1952م.ولهذا جاء انقلابهم محملا بعنف غير مسبوق ودموية لم تعرفها مصر على طول تاريخها ولم يكن هناك أي داع لهذه الدموية أو هذا العنف نظرا لطبيعة الشعب المصري الهادئة والمتسامحة إلى أبعد الحدود، فضلا عن القطاعات الواسعة المتواكلة بطبيعتها وطبيعة البيئة المتوحشة التي حاصرها بها الانقلاب..ولا يخفى على المحلل للأهداف التي يسعى إليها الانقلاب أن يلاحظ تلك المحاولة الحثيثة لتجديد دماء النظام التي تجمدت وشرايينه التي تصلبت وذلك بعد حكم جاوز الستين عاما ومن ثمّ وجدنا أنفسنا أمام محاولة تدشين حقبة جديدة للحكم العسكري تحافظ على تماسكه واستمراره.فالمتابع لطبيعة حكم الجنرالات منذ 1952 يجده لم يواجه أي عقبات مثل التي بدأ يواجهها منذ ثورة يناير حيث تمت فضيحة النظام وكشفت مؤامراته وفساده على مدى ستين عاما وبدا فشله في كل المجالات، وهو ما أوصل البلاد إلى هذه الوضعية المتدنية في كل شيء سواء على مستوى العدالة الاجتماعية أو الحياة الديمقراطية أو الكرامة الإنسانية، فضلا عن تأقزم دور مصر على المستوى الإقليمي إضافة إلى رائحة فسادهم التي زكمت الأنوف.ولهذا لم يعد أمام النظام للاستمرار في الحكم فضلا عن تدشين حقبة جديدة سوى المواجهة الدموية المفتوحة مع الشعب ولم يعد يمتلك وقودا لدبابته سوى من هذا السائل الأحمر الذي يسمونه دماء بشرية لهذا فقد جاء تعبير نمنم عن الديمقراطية الدموية في وقته وفي مكانه!! كما جاء اختيار نمنم كاشفا عن البرنامج السري للسيسي والذي كان البعض يحاول استنتاجه قبل تعيين نمنم!!

699

| 03 أكتوبر 2015

"سيف عبد الفتاح.. ضمير الثورة المصرية"

هل أخطأ الدكتور سيف عبد الفتاح حين استقال من موقعه ضمن الفريق الرئاسي للدكتور محمد مرسى؟.. ثم هل تحميله للرئيس محمد مرسي المسؤولية السياسية عن الدماء التي أريقت في الاتحادية جريمة ينبغي أن يعاقب عليها ؟! وهل مجرد حديثه في مثل هذه الأمور يخرج عن اللياقة وقواعد المروءة ؟!يحزنني أن أتناول مثل هذه البديهيات المفهومة بلا تفهيم والواضحة وضوح الشمس لكن يبدو أننا لازلنا بحاجة لمناقشة البديهيات حتى ننتقل لما هو بعدها وهو الأهم حيث مشروع يناير الذي لا يحتاج فقط إلا إلى القليل من الوعي والجهد في إطار مراجعة شاملة ودقيقة لأخطاء المرحلة الماضية ومن ثمّ القدرة على استكمال الطريق بنجاح وكفاءة عالية.بداية لابد أن أؤكد على المؤكد وهو أن الدكتور سيف عبد الفتاح ليس مجرد أستاذ للعلوم السياسية بل هو قامة وطنية شامخة يندر وجودها في هذا العصر التي تلوثت فيه الكثير من القامات واهتزت فيه الكثير من النخب فضلا عن أنه يحمل رؤية واضحة ومشروعا متكاملا للنهوض ببلادنا وإخراجها من أسر الاستبداد وقيود التبعية إضافة إلى أنه لم يكتف بمحراب العلم والتنظير الذي لم يكن لأحد أن يلومه لو اكتفى به بل قرر أن ينزل بعلمه ووعيه وقلبه وجوارحه إلى قلب المعركة التي تتطلب من التضحيات الكثير وناله بالفعل منها الكثير وربما منها ملاحقته بالتهم الزائفة التي اعتاد النظام الانقلابي على توجيهها لكل الشرفاء ومن ثمّ ملاحقتهم عبر قضاء مسيس أو إنتربول يجري شراؤه.أما عن استقالته من الفريق الرئاسي زمن الاتحادية التي يعتبرها البعض هروبا من المسؤولية فهي فعلا هروب لكنه هروب من مسار كان واضحا أن الرئيس قد وقع أسيرا له ولم يعد بقدرة أحد أن ينصحه بمغادرته بما في ذلك تصوره للتعامل مع الدولة العميقة والثورة المضادة التي كانت آخذة في التشكل وماضية بوضوح نحو تحقيق أهدافها.وكم كان بليغا ومعبرا عن الحالة السياسية التي بلغتها الثورة في هذه اللحظة حين أعلن عبارته الوجيزة المحملة بكل معاني الموقف الباطنة والظاهرة حيث "التحنيط" و"ضيق الأفق" وهي العبارة التي وقفت أمامها يومها مشدوها من فصاحتها فضلا عن تعبيرها بشكل كامل عن أهم عناصر الموقف، ومن ثم فقد أشارت إلى مآلاته وتداعياته دون أن تستفيض.أما عن كون الرئيس مسؤولا مسؤولية سياسية عن الدماء التي سالت في عصره فهذه أيضا بديهية أخري وإلا لما قلنا رئيس ومازلنا نقول الرئيس ؟! علما بأن المسؤولية السياسية تختلف تماما عن المسؤولية الجنائية وقد كان بوسع الرئيس أن يبرئ نفسه من هذه الدماء التي سالت والتي كان غالبها _يا للعجب_ من دماء أنصاره ومع ذلك فقد نجحت الثورة المضادة في تحميله للمسؤوليتين واستغلت ذلك في التأليب عليه.أما عن اعتبار مثل هذا الحديث خروجا عن آداب اللياقة وقواعد المروءة فهذا خطأ أفدح ينم عن عدم إدراك المجال الذي نعمل فيه _ فضلا عن عدم إدراك طبيعة الصراع الذي نخوضه_ وهو مجال العمل الوطني والذي هو ملك للشعب كله ليس لفصيل معين ولا تيار محدد، ولا يمكن لهذا العمل أن يثمر أو أن يتقدم خطوة واحدة للأمام ما لم تتم المكاشفة بالأخطاء التي وقعت وأسباب ذلك وإلا فإننا سنؤتي من ذات الثغرة مئات المرات دون أن نعلم من أين نؤتى.. وهذا ما تأباه الفطرة السوية فضلا عن طبيعة العقل الإنساني المبرمج على الاستفادة من الأخطاء..تحية للدكتور سيف عبد الفتاح ضميرا يقظا للثورة المصرية ولكل المخلصين الذين لا يزالون يدافعون عن حلم يناير أعظم حلم حلمته مصر الحديثة.

571

| 26 سبتمبر 2015

سياسات ثورة يناير

هل هناك ما يمكن أن نسميه سياسات "ثورة يناير"؟! وهل لذلك ملامح محددة وقسمات واضحة أم أن ذلك على سبيل المبالغة؟! وهل هناك فائدة ترجى من البحث في هذا الأمر أم أنه على سبيل الدخول في دائرة الجدل البيزنطي؟!الحقيقة أنني ممن يزعمون أن يناير ليست مجرد ثورة عبرت عن غضب جيل من الشباب كره العيش غير الكريم ورفض النخبة غير المحترمة واحتقر السياسة الحاكمة والمتحكمة في كل مسالك ودروب حياتنا وربما طريقة موتنا بل كان خروج الشباب العفوي ـ والمنظم في آن ـ تعبيرا عن تراكم قرون من السخط على سلطات أستأثرت بكل شيء وحرمت أصحاب الحق الأصليين من كل شيء.. السخط على حكومات دمرت كل مصادر الخير في مجتمعنا ونهبت كل منابع الثروة في بلادنا بعد أن سخرتها لصالح طبقة استعبدت الشعب.. السخط على استخفاف هذه الحكومات بمصائر الأجيال وتعليمها وصحتها ومسكنها وربما أيضا الاستخفاف بحياتها التي يدوسها إهمال مرافق الدولة حينا وتدوسها الدبابة والقهر أحيانا كثيرة.هذه المضامين كان يمكنك أن تقرأها بسهولة في عيون المتظاهرين في ميدان التحرير وتراها في عمق المعاني التي جسدتها شعارات التحرير وهتافاته وتلمسها بوضوح في اللافتات التلقائية التي خرج بها كل المصريين من بيوتهم يتسابقون ليعلنوا موقفهم في يوم زينة الفرعون وكأنهم يعتذرون عن أجيال خضعت لهذا الذل ويعتذرون لأجيال دهس كرامتها هؤلاء الفراعين.هكذا كان مشهد ميدان التحرير تجسيدا لثورة اختزنها الشعب المصري على مدى عقود طويلة كما كان تعبيرا واضحا عن كل آلام الشعب ومعاناته التي عاناها لفترات ممتدة ولم تغب عنه أيضا المطالب التي حلم بها الشعب ولازال يحلم حتى يعيش مثل كل شعوب العالم.وهكذا كانت الـ18 يوما التي عاشها الشعب في ميدان التحرير بعد أن أسقط جدار الخوف وقطّع خيوط العنكبوت التي كان ينسج بها السلطان سلطته ومزق السياط التي طالما مزقت جسده.. كانت تجسيدا واضحا لما يحلم به الشعب ـ كل الشعب ـ من عيش وحرية وعدالة اجتماعية.. ما يحلم به من العيش المشترك كالجسد الواحد والنسيج المتداخل لا تفرقه السلطة ولا تميز بينه الظروف ولا تستقطبه السياسة التي طالما ظلمت هذا الشعب بعد أن فرقته ومزقته شيعا سياسية وطوائف دينية.ما أقصده في مقالي هذا ليس فقط الأهداف والأحلام المشتركة التي حلم بها الشعب في هذه الأيام الـ18 وعقد العزم على عدم التخلي عنها وإنما أقصد الأجندة السياسية للتغيير والبرنامج العملي لمقاومة الاستبداد والذي تعاقد عليه المصريون في هذه الأيام بتلقائية وألزموا أنفسهم بها دون عقد مكتوب فكانت نظريتهم في "الاحتجاج السلمي" هي النظرية التي قهرت الفرعون لأول مرة ووضعت الدولة العتيقة في الاستبداد الجريئة على دماء شعبها في موقف لم تقفه على مدى قرون وهو ما أهان كبرياءها وأرغم أنفها واضطرها لأول مرة فى التاريخ أن تتراجع وتتقهقر للخلف حتى لو كان هذا التراجع أو التقهقر تكتيكيا.ومن يومها فقد أصبح عقد يناير ليس مجرد حلم للأجيال التالية وإنما أيضا تأسيسا لكيفية تحقيق هذا الحلم والدفاع عنه ضد كل متآمر أو مهدد له وهو ما يدعوني لأن أتصور هذا العقد المتعلق بسياسات يناير وكأنه يعبر عن سياسات ملزمة لكل مخلص لثورة يناير وكل حريص على تحقيق حلمها ملتزم بعقدها الذي كتب بدماء الثوار في ميدان التحرير وفي كل ميادين مصر ووقع عليه أشرف وأنبل وأشجع من عرفت مصر.

789

| 12 سبتمبر 2015

جنرالات العسكر تخلوا عن الديكتاتور ليحتفظوا بالديكتاتورية

حتى أعالج قضية "الجيوش والسياسة" في منطقتنا فلابد أولا من الإشارة إلى أنه من أخطر أسباب الاستبداد والديكتاتورية حين يتحكم الجنرالات في إدارة شؤون السياسة والحكم وهو ما يستلزم بالضرورة قهر الشعوب وتعذيبها فهي لغة الجيوش في التعامل مع الشعوب وهو ما لم تعد تحتمله الشعوب الحرة كما لم تعد تتحمله التطورات العالمية المعاصرة ولهذا جاءهم الرد أقوى مما يتخيلون وذلك في ثورات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا حيث أسقطت الشعوب حكم الجنرالات ودهسته وقامت بدفنه سياسيا وما يجري الآن من الثورات المضادة هو محاولة لإخراج حكم الجنرالات من القبور مرة أخرى. ثانيا.. لابد وأن أقرر أن ثورة يناير في مضمونها الحقيقي ومغزاها الموضوعي هي ثورة على حكم العسكر وتمرد على سلطة الدبابة وفي هذا الإطار فنحن نرى أن حكم الجنرالات قد أساء إلى الجيش وأضر بالأمن القومي قبل أن يضر بالسياسة والحكم.ثالثا.. لابد وأن أعترف أن جنرالات المجلس العسكري قد نجحوا في التآمر على ثورة يناير ويقومون الآن بالتنكيل بكل رموزها وأنصارها وقد بدأ مخططهم منذ 11 فبراير حين قرروا أن يتخلوا عن الديكتاتور ليحافظوا على الديكتاتورية.. كما أعترف بأن نجاحهم كان بسبب انقسامنا بل وتمزق صفوفنا وإن كان ذلك بفعل مخططاتهم.. كما أعترف بأن عدم وجود رؤية وبرنامج لاستكمال ثورة يناير كان من أهم أسباب نجاح مؤامرة الجنرالات.. كما أعترف بأن أهم فرصة لاستكمال الثورة كانت هي فرصة حكم د. محمد مرسي والذي تم انتخابه _في تقديري_ كقائد للثورة وليس رئيسا للدولة ومن ثم فقد كان الواجب يقتضي أن يحكم بمنطق الثورة ومن قلب ميادينها.رابعا.. لابد وأن نوقن أنه من المستحيل أن تبقى الديكتاتورية تحكمنا وقد سقطت من كل مناطق العالم فقد سقطت في أمريكا اللاتينية وسقطت في أوروبا الشرقية وسقطت في آسيا كما سقطت في إفريقيا ولم تبق منطقة تحكمها الديكتاتوريات ويتحكم فيها الجنرالات سوى منطقتنا!!ثم ماذا قدم الجنرالات في الحكم على مدى 60 عاما حتى يواصلوا حكمهم ويريدون التمديد لهم اليوم؟!ماذا قدموا لفقراء مصر غير الجوع.. لقد أفقروهم وطالبوهم "بربط الأحزمة" بحجة الصراع العربي الإسرائيلي ولما تخلوا عن ثوابت هذا الصراع في كامب ديفيد سلطوا عليهم رجال أعمالهم لينهشوا فيما تبقى من لحمهم؟!ماذا قدم الجنرالات في مجال الصحة ولدينا أعلى معدلات قياسية وعالمية في الأمراض سواء في الفيروس سي أو الفشل الكلوي أو السرطانات وغيرها من الأمراض.. إلا إذا اعتبرنا جهاز الكفتة إنجازا يستحق الإشادة!!ماذا قدم الجنرالات في مجال الإسكان ولدينا 20 مليونا يعيشون في العشوائيات وما يقرب من 2 مليون يعيشون في المقابر في القاهرة وحدها.. ولا تسأل عن أعداد ساكني عشش الصفيح.. ولا ملايين الأطفال المشردين في الشوارع بلا مأوى والذي يتداول الجنرالات مشروع إبادتهم كما تباد الكلاب الضالة!!ماذا قدموا في مجال التعليم وما يقرب من 50% من الشعب المصري أصبح أميا لا يعرف القراءة والكتابة فضلا عن تدهور حال التعليم مقارنة بالكثير من دول العالم.ماذا قدموا في مجال الحريات سوى الأرقام القياسية في عدد سنوات الطوارئ وأعداد المعتقلين والمعذبين.. فقد عذبوا الأجيال جيلا بعد جيل ومازالوا يعذبونهم حتى هذه اللحظة.. لقد صادروا الحريات وأمموا السياسة وطاردوا الشرفاء وكان حجتهم في الثلاثين عاما الأولى هي الصراع العربي الإسرائيلي والذي أنهوه عام 1978م في كامب ديفيد بالتسليم بكل شروط إسرائيل في المنطقة في مقابل استمرار نظام حكمهم داعما للمشرع الإسرائيلي!! وكانت حجتهم في الثلاثين عاما الأخرى هي مكافحة الإرهاب - برغم أنهم السبب الرئيسي في وجوده - فإذا بالإرهاب ينمو ويترعرع في عصرهم بشكل غير مسبوق وينتقل من بلادهم إلى غالبية دول العالم!!ماذا قدموا في مجال الأمن القومي.. وقد فككوا كل أساسياته وسلموا كل ملفاته ومفاتيحه للخارج.. ثم هاهم يمزقون المجتمع إلى شعبين (إحنا شعب وأنتوا شعب) وهاهم يسعون لتعميق ونشر الطائفية ومأسستها.لقد جاءت التسريبات لتكشف حكمهم بصورة لم تكشف من قبل ووضعت أطنانا من العار على طبيعة حكمهم وطريقة إدارتهم لأكبر دولة في المنطقة وكانت فضيحة مدوية كفيلة بالإطاحة بعشرات الحكومات ورغم ذلك فهم يواصلون على كراسيهم وكأنهم لم يرتكبوا شيئا أو كأن ما جاء في التسريبات هو وسام شرف لهم يدل على وطنيتهم ويستوجب الاحتفاء بهم والتمديد لهم!!خامسا وأخيرا.. لابد وأن أؤكد أن أشرف اللحظات في تاريخ مصر الحديث هي اللحظات التي تفجرت فيها ثورة 25 يناير والتي وضعت مصر الحديثة على مسار جديد لا يمكن التراجع عنه ولن تستطيع قوة في الأرض أن تخرجها عن قضبانه ولهذا يجب أن ندرك أننا حتى هذه اللحظة نكمل ثورة يناير وأن مشروعنا السياسي مرتبط بقيمها وأهدافها وتقاليدها التي بهرت العالم وأجبرته على احترامها حتى أن العديد من مدن العالم حاولت تقليدها عندما أرادت أن تعارض حكوماتها.. لقد مثلت ثورة يناير أهم لحظات عزنا وشعورنا بكرامتنا وهي لحظات عزيزة في تاريخ شعبنا ولن ينساها أبدا.لكننا يجب أن نعترف أن المؤامرات على ثورة يناير قد حققت عدة نجاحات، وأنها الآن تعيش في محنة كما أنها تحتاج إلى تجديد حتى تتجاوز محنتها بل إنها في نظري تحتاج لثورة من داخل الثورة وذلك على مستوى المفاهيم ثم على مستوى الآليات حتى تكمل مشوارها وتحقق أهدافها بنجاح وهو ما يستدعي الآتي:1. الخروج فورا من الثنائيات القاتلة للثورة المصرية وأخطرها (ثنائية العسكر/ والإخوان) و(ثنائية الإسلامي/ والليبرالي) ومن ثم ضرورة التأكيد على (ثنائية الثورة على الثورة المضادة) أو (ثنائية الحرية في وجه الاستبداد).2. لابد من العمل على إعادة بناء مظلة 25 يناير وفق مشروع وطني جامع وذلك بمشاركة كل رموزها وكياناتها دون استبعاد أحد والاقتداء في ذلك بـ18 يومًا عاشت فيها مصر أجمل أيامها ولم تكن مجرد أحلام وكانت هذه التجربة هي أهم ما صدرته مصر للعالم خلال الستين عاما.3. لابد من حرمان الانقلاب من أهم نقاط قوته وتمركزه في المجتمع والتي أقامها على "تمزيق الساحة الثورية والسياسية" و"تقسيمه للمجتمع" بصورة لم تحدث من قبل.. وهنا لابد وأن أؤكد على أن "المصالحة المجتمعية" و"التوعية الشاملة" هي المسمار الأخير في نعش الانقلاب ومن ثم الديكتاتورية.4. لابد من القبول بتعدد المسارات المعارضة للانقلاب بأشكالها المختلفة "الثورية" و"الاحتجاجية" و"السياسية" حيث يمكن أن تتحرك كلها على خطوط متوازية وغير متقاطعة وتصب جميعا في مشروع واحد يحقق هزيمة الديكتاتورية وإنهاء الاستبداد.5. لابد من طمأنة كل الأطراف بل والمؤسسات التي ورطها الجنرالات في الوقوف في خندق مناوئ لثورة يناير فنحن دعاة سلم أهلي وحرية لكل المصريين ودولة مدنية (لا عسكرية ولا ثيوقراطية).6. لابد من تأسيس البديل الوطني الجاهز لبناء الدولة والقادر على التعامل مع العالم وفق ظرفه ومعطياته بالغة التعقيد.7. لابد من التعامل الذكي والمتطور مع التغيرات الإقليمية والدولية الأخيرة التي تهيئ المنطقة لأفول نجم الثورات المضادة وتضع بلادنا على ظروف جديدة تؤهلها لاستكمال ثورتها.إن أزمة منطقتنا أنها مخيرة بين كوارث خمس: الاستبداد أو الاحتلال أو الإرهاب أو الطائفية أو الفوضى.. وأنها لن تتجاوز هذه الأزمة المعقدة إلا من خلال مبادئ ثلاثة:• الحرية التي تنهي عصور الاستبداد وتؤسس للديمقراطية وتقطع الطريق على إمكانية عودة الديكتاتورية مرة أخرى.• الحفاظ على كيان الدولة وعدم السماح بتقسيمه.• إبعاد الجيش عن السياسة وعدم السماح بتدخله فيها مهما كانت الظروف وذلك حفاظا عليه واحتراما لمكانته وكرامته ودوره.وبدون ذلك فإن مصر ستدخل على مسارات كارثية ستكون خطرا على المنطقة بأسرها ومن ثم النظام الدولي كله.

1084

| 23 مايو 2015

السيسي.. وتحطيم المعنويات

تتعرض سيناء هذه اﻷيام ﻷسوأ أوضاع أمنية عاشتها في ظل اندﻻع ما سمي بالحرب على الإرهاب والتي بدﻻ من أن تدير صراعا مع عدة مجموعات ﻻ تتجاوز أصابع اليدين كما كانوا في عهد د. مرسي، إذا بها تتحول لحرب مفتوحة مع بدو سيناء بغالبية قبائلها وهكذا أصبحنا أمام حرب تحقق كل أهداف الكيان الصهيوني في سيناء: فالحرب الواسعة بهذا الشكل تقضي على أي أمل لتنمية سيناء فليس هناك مستثمر عاقل سيفكر حاليا أو حتى مستقبلا أن يضع أمواله في سيناء علما بأن قطع الطريق على تنمية سيناء هو هدف إسرائيلي كان يصرح به شارون بكل اﻷساليب حتى أنه قال مرة إن تنمية سيناء هي أخطر على إسرائيل من امتلاك مصر للقنبلة النووية.كما أن إعادة التوزيع الديموغرافي في سيناء هو أيضا مطلب إسرائيلي بحيث يبعد عن الحدود قبائل معينة ويقرب أخرى فضلا عن إخلاء الحدود مع غزة لإتمام ترتيبات خنق القطاع لإجبار المقاومة على التسليم بشروط إسرائيل المذلة لمصر قبل أن تكون مذلة للفلسطينيين. كما أن جر الجيش المصري لرمال سيناء الناعمة هو أحد مخططات تفكيكه وإنهاكه موزعا بين الوادي في ملاحقة المظاهرات وفي سيناء في ملاحقة القبائل وحرب الإرهاب!!وهو ما ﻻ يبعد كثيرا عن حديث هيكلة الجيش المصري وتغيير عقيدته القتالية التي بدأ الحديث عنها يخرج للعلن والتي كانت من البنود السرية لكامب ديفيد.كما أن ما يجري اﻵن في سيناء يؤدي حتما إلى ارتفاع أصوات سكانها المطالبة بالاستقلال، وهو ما ستتلقفه القوى المتنفذة في النظام الدولي وتحوله لقرارات ملزمة في مجلس اﻷمن ويومها لن ينفع الندم.إن أخطر ما يقوم به السيسي اﻵن في سيناء هو عمليات القتل اليومي التي تتم دون أن نعرف من المقتول؟ ولماذا قتل؟ ولِمَ لمْ يقدم للمحاكمة ليعرف الشعب حقيقة ما يجري في سيناء؟ إن هذا التكتم في حد ذاته يؤكد أن هناك مخططا سريا يجري تنفيذه في سيناء!!كما أن تعريض سمعة الجيش المصري لهذه الإهانات البالغة التي يتلقاها على يد بعض المليشيات المدنية في سيناء ليس بعيدا عن المخطط اﻹسرائيلي الذي ينفذه السيسي والذي يسعى لتحطيم الحالة المعنوية للجيش وللمقاتل المصري، لقد أهان السيسي الجيش في سيناء.. ويعمل الآن على تحطيم معنوياته.

661

| 11 أبريل 2015

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4557

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3387

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1350

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1197

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1095

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

762

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

678

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

627

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

615

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية