رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حتى أعالج قضية "الجيوش والسياسة" في منطقتنا فلابد أولا من الإشارة إلى أنه من أخطر أسباب الاستبداد والديكتاتورية حين يتحكم الجنرالات في إدارة شؤون السياسة والحكم وهو ما يستلزم بالضرورة قهر الشعوب وتعذيبها فهي لغة الجيوش في التعامل مع الشعوب وهو ما لم تعد تحتمله الشعوب الحرة كما لم تعد تتحمله التطورات العالمية المعاصرة ولهذا جاءهم الرد أقوى مما يتخيلون وذلك في ثورات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا حيث أسقطت الشعوب حكم الجنرالات ودهسته وقامت بدفنه سياسيا وما يجري الآن من الثورات المضادة هو محاولة لإخراج حكم الجنرالات من القبور مرة أخرى.
ثانيا.. لابد وأن أقرر أن ثورة يناير في مضمونها الحقيقي ومغزاها الموضوعي هي ثورة على حكم العسكر وتمرد على سلطة الدبابة وفي هذا الإطار فنحن نرى أن حكم الجنرالات قد أساء إلى الجيش وأضر بالأمن القومي قبل أن يضر بالسياسة والحكم.
ثالثا.. لابد وأن أعترف أن جنرالات المجلس العسكري قد نجحوا في التآمر على ثورة يناير ويقومون الآن بالتنكيل بكل رموزها وأنصارها وقد بدأ مخططهم منذ 11 فبراير حين قرروا أن يتخلوا عن الديكتاتور ليحافظوا على الديكتاتورية.. كما أعترف بأن نجاحهم كان بسبب انقسامنا بل وتمزق صفوفنا وإن كان ذلك بفعل مخططاتهم.. كما أعترف بأن عدم وجود رؤية وبرنامج لاستكمال ثورة يناير كان من أهم أسباب نجاح مؤامرة الجنرالات.. كما أعترف بأن أهم فرصة لاستكمال الثورة كانت هي فرصة حكم د. محمد مرسي والذي تم انتخابه _في تقديري_ كقائد للثورة وليس رئيسا للدولة ومن ثم فقد كان الواجب يقتضي أن يحكم بمنطق الثورة ومن قلب ميادينها.
رابعا.. لابد وأن نوقن أنه من المستحيل أن تبقى الديكتاتورية تحكمنا وقد سقطت من كل مناطق العالم فقد سقطت في أمريكا اللاتينية وسقطت في أوروبا الشرقية وسقطت في آسيا كما سقطت في إفريقيا ولم تبق منطقة تحكمها الديكتاتوريات ويتحكم فيها الجنرالات سوى منطقتنا!!
ثم ماذا قدم الجنرالات في الحكم على مدى 60 عاما حتى يواصلوا حكمهم ويريدون التمديد لهم اليوم؟!
ماذا قدموا لفقراء مصر غير الجوع.. لقد أفقروهم وطالبوهم "بربط الأحزمة" بحجة الصراع العربي الإسرائيلي ولما تخلوا عن ثوابت هذا الصراع في كامب ديفيد سلطوا عليهم رجال أعمالهم لينهشوا فيما تبقى من لحمهم؟!
ماذا قدم الجنرالات في مجال الصحة ولدينا أعلى معدلات قياسية وعالمية في الأمراض سواء في الفيروس سي أو الفشل الكلوي أو السرطانات وغيرها من الأمراض.. إلا إذا اعتبرنا جهاز الكفتة إنجازا يستحق الإشادة!!
ماذا قدم الجنرالات في مجال الإسكان ولدينا 20 مليونا يعيشون في العشوائيات وما يقرب من 2 مليون يعيشون في المقابر في القاهرة وحدها.. ولا تسأل عن أعداد ساكني عشش الصفيح.. ولا ملايين الأطفال المشردين في الشوارع بلا مأوى والذي يتداول الجنرالات مشروع إبادتهم كما تباد الكلاب الضالة!!
ماذا قدموا في مجال التعليم وما يقرب من 50% من الشعب المصري أصبح أميا لا يعرف القراءة والكتابة فضلا عن تدهور حال التعليم مقارنة بالكثير من دول العالم.
ماذا قدموا في مجال الحريات سوى الأرقام القياسية في عدد سنوات الطوارئ وأعداد المعتقلين والمعذبين.. فقد عذبوا الأجيال جيلا بعد جيل ومازالوا يعذبونهم حتى هذه اللحظة.. لقد صادروا الحريات وأمموا السياسة وطاردوا الشرفاء وكان حجتهم في الثلاثين عاما الأولى هي الصراع العربي الإسرائيلي والذي أنهوه عام 1978م في كامب ديفيد بالتسليم بكل شروط إسرائيل في المنطقة في مقابل استمرار نظام حكمهم داعما للمشرع الإسرائيلي!! وكانت حجتهم في الثلاثين عاما الأخرى هي مكافحة الإرهاب - برغم أنهم السبب الرئيسي في وجوده - فإذا بالإرهاب ينمو ويترعرع في عصرهم بشكل غير مسبوق وينتقل من بلادهم إلى غالبية دول العالم!!
ماذا قدموا في مجال الأمن القومي.. وقد فككوا كل أساسياته وسلموا كل ملفاته ومفاتيحه للخارج.. ثم هاهم يمزقون المجتمع إلى شعبين (إحنا شعب وأنتوا شعب) وهاهم يسعون لتعميق ونشر الطائفية ومأسستها.
لقد جاءت التسريبات لتكشف حكمهم بصورة لم تكشف من قبل ووضعت أطنانا من العار على طبيعة حكمهم وطريقة إدارتهم لأكبر دولة في المنطقة وكانت فضيحة مدوية كفيلة بالإطاحة بعشرات الحكومات ورغم ذلك فهم يواصلون على كراسيهم وكأنهم لم يرتكبوا شيئا أو كأن ما جاء في التسريبات هو وسام شرف لهم يدل على وطنيتهم ويستوجب الاحتفاء بهم والتمديد لهم!!
خامسا وأخيرا.. لابد وأن أؤكد أن أشرف اللحظات في تاريخ مصر الحديث هي اللحظات التي تفجرت فيها ثورة 25 يناير والتي وضعت مصر الحديثة على مسار جديد لا يمكن التراجع عنه ولن تستطيع قوة في الأرض أن تخرجها عن قضبانه ولهذا يجب أن ندرك أننا حتى هذه اللحظة نكمل ثورة يناير وأن مشروعنا السياسي مرتبط بقيمها وأهدافها وتقاليدها التي بهرت العالم وأجبرته على احترامها حتى أن العديد من مدن العالم حاولت تقليدها عندما أرادت أن تعارض حكوماتها.. لقد مثلت ثورة يناير أهم لحظات عزنا وشعورنا بكرامتنا وهي لحظات عزيزة في تاريخ شعبنا ولن ينساها أبدا.
لكننا يجب أن نعترف أن المؤامرات على ثورة يناير قد حققت عدة نجاحات، وأنها الآن تعيش في محنة كما أنها تحتاج إلى تجديد حتى تتجاوز محنتها بل إنها في نظري تحتاج لثورة من داخل الثورة وذلك على مستوى المفاهيم ثم على مستوى الآليات حتى تكمل مشوارها وتحقق أهدافها بنجاح وهو ما يستدعي الآتي:
1. الخروج فورا من الثنائيات القاتلة للثورة المصرية وأخطرها (ثنائية العسكر/ والإخوان) و(ثنائية الإسلامي/ والليبرالي) ومن ثم ضرورة التأكيد على (ثنائية الثورة على الثورة المضادة) أو (ثنائية الحرية في وجه الاستبداد).
2. لابد من العمل على إعادة بناء مظلة 25 يناير وفق مشروع وطني جامع وذلك بمشاركة كل رموزها وكياناتها دون استبعاد أحد والاقتداء في ذلك بـ18 يومًا عاشت فيها مصر أجمل أيامها ولم تكن مجرد أحلام وكانت هذه التجربة هي أهم ما صدرته مصر للعالم خلال الستين عاما.
3. لابد من حرمان الانقلاب من أهم نقاط قوته وتمركزه في المجتمع والتي أقامها على "تمزيق الساحة الثورية والسياسية" و"تقسيمه للمجتمع" بصورة لم تحدث من قبل.. وهنا لابد وأن أؤكد على أن "المصالحة المجتمعية" و"التوعية الشاملة" هي المسمار الأخير في نعش الانقلاب ومن ثم الديكتاتورية.
4. لابد من القبول بتعدد المسارات المعارضة للانقلاب بأشكالها المختلفة "الثورية" و"الاحتجاجية" و"السياسية" حيث يمكن أن تتحرك كلها على خطوط متوازية وغير متقاطعة وتصب جميعا في مشروع واحد يحقق هزيمة الديكتاتورية وإنهاء الاستبداد.
5. لابد من طمأنة كل الأطراف بل والمؤسسات التي ورطها الجنرالات في الوقوف في خندق مناوئ لثورة يناير فنحن دعاة سلم أهلي وحرية لكل المصريين ودولة مدنية (لا عسكرية ولا ثيوقراطية).
6. لابد من تأسيس البديل الوطني الجاهز لبناء الدولة والقادر على التعامل مع العالم وفق ظرفه ومعطياته بالغة التعقيد.
7. لابد من التعامل الذكي والمتطور مع التغيرات الإقليمية والدولية الأخيرة التي تهيئ المنطقة لأفول نجم الثورات المضادة وتضع بلادنا على ظروف جديدة تؤهلها لاستكمال ثورتها.
إن أزمة منطقتنا أنها مخيرة بين كوارث خمس: الاستبداد أو الاحتلال أو الإرهاب أو الطائفية أو الفوضى.. وأنها لن تتجاوز هذه الأزمة المعقدة إلا من خلال مبادئ ثلاثة:
• الحرية التي تنهي عصور الاستبداد وتؤسس للديمقراطية وتقطع الطريق على إمكانية عودة الديكتاتورية مرة أخرى.
• الحفاظ على كيان الدولة وعدم السماح بتقسيمه.
• إبعاد الجيش عن السياسة وعدم السماح بتدخله فيها مهما كانت الظروف وذلك حفاظا عليه واحتراما لمكانته وكرامته ودوره.
وبدون ذلك فإن مصر ستدخل على مسارات كارثية ستكون خطرا على المنطقة بأسرها ومن ثم النظام الدولي كله.
في غزة، ليس ثمة خيارات متاحة بالمعنى المألوف للكلمة، ولا مسارات آمنة يمكن أن يسلكها المرء ليتفادى كلفة... اقرأ المزيد
144
| 06 أكتوبر 2025
يأتي الاحتفال بانتصارات حرب أكتوبر 1973 والعالم العربي يعيش حالة من الإحباطات منذ طوفان الأقصى في السابع من... اقرأ المزيد
153
| 06 أكتوبر 2025
لم تعد ثورة البيانات الضخمة Big Data مجرد انعكاس للتحول الرقمي الذي شهده العالم في العقود الأخيرة، بل... اقرأ المزيد
90
| 06 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4617
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3507
| 29 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
1683
| 05 أكتوبر 2025