رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

في صحبة القرضاوي

البداية.. كنت محبًّا للشيخ رحمه الله، مع أنني لم أكن أنتمي لمدرسته العلمية أو الفكرية؛ غير أن الله تعالى ألقى في قلبي محبته، وكنت أجتهد قدر الإمكان أن أستمع إلى خطبة الجمعة له في مسجد عمر بن الخطاب، أو أصلي خلفه التراويح بجامع الشيوخ؛ حيث كنت أسكن في الرويس. ولما انتقلت إلى الدوحة تعرفت على مكتب فضيلته عن طريق بعض الأصدقاء، وترددت على المكتب وكنت أعمل في المراجعات اللغوية تطوعا؛ دون أن أرى الشيخ أو يراني! ثم استقلت من وظيفتي بإحدى المدارس المستقلة في بداية العام الدراسي؛ لأجد موطئ قدم بمكتب فضيلة الشيخ، رحمه الله؛ لأكون عضوا من فريق العمل في مراجعات كتبه رحمه الله. ولم يكن الشيخ يعرفني وقتذاك؛ ولم يرشحني أحدهم؛ وإنما زكاني له مدير مكتبه آنذاك - وهذا من خُلُقه وأصالته – فقبلني الشيخ باحثا في مكتبه، الذي كانت فيه تيارات فكرية متعددة؛ على خلاف ما يظن الكثيرون. كتاب الحلال والحرام: كان أول كتاب يُطلب مني مراجعته هو كتاب (الحلال والحرام) الذي كان البعض يحلو له أن يطلق عليه (الحلال والحلال) وقد أصابتني بعض هذه الدعايات المضللة حينا من الدهر؛ فقلت في نفسي: الآن أراجع هذه المسائل التي تساهل فيها الشيخ وأقتلها بحثا، وأخبر الشيخ عن المسائل التي تساهل فيها بلا دليل! وظللت شهورا عددا أقلب صفحات الكتاب، وأغوص في أمهات كتب الفقه والحديث؛ أبحث عن سبب اتهام الشيخ بالتساهل والتهاون؛ فما وجدت مسألة أخذ فيها بالتيسير؛ إلا ومعه من قال بذلك من علماء الصحابة أو أكابر التابعين. وأيقنت أن الإنسان عدو ما يجهل، وأن كثيرا ممن يردد هذه المقولة، ويلمز الشيخ بالتهاون: ما هو إلا متعالم أجوف ليس له من العلم؛ إلا ما لقنه له مشايخه، وما أُشرب من هواه! رحمة بالمستفتي: الشيخ بطبعه رحيم القلب، قريب الدمعة، يتعامل مع المستفتي معاملة الرحيم به، الحريص على ألا يعنته، أو يحمله من أمره شططا.. وقد أدرك الشيخ أن تيارات المادية العصرية قد أثرت في الناس، وأن الدنيا بزينتها وزخرفها قد بسطت سلطانها عليهم؛ فلم يرد الشيخ أن يكون مع أسئلتهم في موقف المتمسكين بالعزائم، كابن عمر؛ وإنما آثر أن يأخذهم بالرخص كما كان هدي حبر الأمة ابن عباس؛ رضي الله عنهم أجمعين. أراد الشيخ بذلك أن يتمسك المسلمون بعُرى الإسلام، وألا يخلعوا ربقته من أعناقهم؛ بدعوى مشقة التكاليف؛ ما دام هناك سبيل إلى التيسير؛ فكان منهجه رحمه الله التيسير في الفتوى، والتبشير في الدعوة؛ انطلاقا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا". ولم يكن من هؤلاء الذين يستمتعون بإلقاء سياط التحريم على ظهر كل سائل؛ ما دامت الشريعة تحتمل هذا التيسير! وعمدته في هذا قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقوله سبحانه: {ومَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقوله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]. وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "ما خُيِّر رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما". روح المجاملة: من حسنات فضيلة الشيخ رحمه الله أنه كان يُقبل على الجميع بوجهه، ويظهر الاهتمام الكبير بكل أحد؛ حتى يظن كل منهم أنه الأقرب لقلب الشيخ، ويخرج من عنده بهذا الشعور.. والحقيقة أنه سعة صدر الشيخ، وحسن ضيافته؛ وهذا الذي ورثه من نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة» قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها» قلت: ثم من؟ قال: «عمر» فعد رجالا، قال عمرو بن العاص: فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم! وقد بدأ السؤال ظنا أن رسول الله سيجيبه أنه أحب الناس إليه! لا أطاوع نفسي وأستسلم للإجهاد: بعد وفاة الدكتور حسن الترابي رحمه الله أقام المركز الثقافي السوداني عزاء له في الدوحة وأصر فضيلة الشيخ على الذهاب لتقديم واجب العزاء – وهذه طبيعة الشيخ لا يقصر في واجب - ولكنه عندما ذهب إلى هناك لم يصادف منا أحدا! فسألني صباح اليوم التالي عن سبب عدم مشاركتي في هذا الواجب؛ فاعتذرت إليه بالإجهاد الشديد الذي لم يمكنني من الذهاب بعد يوم عمل شاق طويل! فقال لي: لو كنت أطاوع نفسي كما فعلت أنت؛ لما فعلت شيئا، ولاستسلمت للآلام والإجهاد كما استسلمت أنت! فكانت درسا لا أنساه! يوم إجازة إضافي: طلب الإخوة في المكتب من فضيلة الشيخ يوم إجازة إضافيا؛ أسوة بمن يعمل في الوظائف الحكومية؛ وخاصة أن كثيرا منا يخطب الجمعة؛ فيكون نصف اليوم في التحضير للخطبة وإلقائها، والنصف الآخر في طلبات البيت والمشتريات الأسبوعية! فكان رد الشيخ الذي أسكت الجميع: أنتم تأخذون إجازة يوم الجمعة؛ لكنني لا آخذ إجازة لا جمعة ولا غيرها! فكان رحمه الله شعلة من النشاط. الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية: اختلفت مع فضيلة الشيخ رحمه الله في عدة أمور.. منشؤها محبتي له، وحرصي عليه؛ لكنه لم يغضب! وكان يُؤثر دائما روح الاجتهاد مع الخطأ على روح التقليد مع الصواب؛ لأن الخطأ في الاجتهاد يمكن أن يصوب بعد المراجعة؛ أما التقليد الأعمى فلا أمل في تغييره! وأذكر مرة أننا اختلفنا في أمر خاص.. وكان لي اجتهادي في مآلاته.. فلم يضغط الشيخ عليَّ أو يلح.. وظللت أشعر بالحرج لعدم تلبية رغبته، وأبتعد عن مواجهته قدر الإمكان، وأطلب من زملائي إدخال الملفات إلى فضيلة الشيخ؛ ولم يطل الأمر؛ حتى استدعاني فضيلته، وقال: الاختلاف في أمر لا يمنع أن نتعاون في بقية الأمور. وأنت إنسان راشد.. يحق لك أن تختار ما يوافقك من أمور. شيخ عصري: بالرغم من فارق الزمن واختلاف الأجيال؛ فالشيخ في حياته عامة يأخذ بمنهج العلم والتخصص؛ مصداقا لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]. وقوله سبحانه: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]. وقوله عز وجل: {ولَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]. لذا فهو لا يتعامل في مسائل الطب بأسلوب (الدروشة) وما شابه ذلك؛ ويؤمن بأن ما جاءت به الأحاديث في أمور الطب ليس وحيا إلهيا؛ وإنما وصف لما شاع في ذلك الزمان من علوم الطب.. وأن السنة السير وفق أحدث المعارف الطبية. سلامة الصدر: كان الشيخ رحمه الله سليم الصدر.. يحسن الظن بالناس، ويأخذ أمورهم على أحسن النوايا، يظن أن الناس في أمور العمل للإسلام على شاكلته، لا يظن أن من المنتسبين للدعوة من يصور له الأمور بغلاف نصرة الإسلام.. ومن وراء ذلك منافع شخصية! وكان متسامحًا لأبعد الحدود.. يبلغه المواقف السيئة عن أحدهم؛ فيلقاه فيبش في وجهه كأن لم يعلم شيئا عن فعلته! ولا يوقع الضغائن بين الناس؛ بل يجتهد في محو آثارها.. من ذلك مشادة حدثت بيني وبين أحدهم؛ بسبب خاص بحُرمة ممتلكات مكتب فضيلة الشيخ؛ وقد أرسل هذا الأخ رسالة للشيخ في غيابي يشكوني إليه، ويذكر عبارات طائشة.. فرد الشيخ عليه برسالة لطيفة يعتذر بها عني، ولم يخبرني بالرسالة الأولى أو الثانية؛ حتى لا تتعقد الأمور، ويظل للصلح موضعا! تفقد الجميع: يسأل الشيخ عن الجميع في مكتبه، وإن غاب أحد لظرف طارئ، كمرض زوجته أو ابنه يبادره في اليوم التالي سائلا عن حاله وحال المريض.. وكثيرا ما لا ينتظر الصباح؛ بل يتصل للاطمئنان عليه في بيته في المساء. وكثيرا ما كان يدعو فضيلة الشيخ العلماء والوجهاء والذين حالت الأمور في بلادهم دون العودة إليها.. ومثل هذه الدعوات كانت كبيرة العدد؛ إلا أنه كان يتفقد الجميع ويعلم من لم يحضر، ويسأل عنه. الانفتاح على الجميع: وكان رحمه الله تعالى منفتحًا على كل التيارات، لا يحمل في قلبه، ولا يظهر على وجهه بغضا لأحد، ما دامت هذه التيارات تهدف إلى الإصلاح.. ويتسع صدره للجميع ما داموا لا يعادون الإسلام كنظام حياة. وكان رحمه الله يلبي كل الدعوات التي توجه إليه، ولا يخص علية القوم دون غيرهم؛ بل لما سألته عن وقته وجهده، وأنه يمكنه الاعتذار كان يأبى ويقول: هؤلاء جميعا لهم حق عليَّ ذاكرة قوية ومعرفة موسوعية: كان رحمه الله يتمتع بذاكرة قوية؛ مما يجعل الجميع من حوله يقظا لعمله.. أذكر أنني بالرغم من تسجيلي المواعيد كتابة؛ إلا أنه قد يسقط بعضها خطأ مني من ازدحام العمل وكثرة الأعباء؛ فيسألني الشيخ متى سيأتي فلان؟! فأرجع إلى رسائل الهاتف ومدونات المواعيد لأكتشف أنه ذكر ونسيت، وحفظ وغاب عني ذلك! مع حضور ذهن ومعرفة موسوعية.. إن سألته عن أمر يجبك مباشرة، وربما تذكر موضع الإجابة من أحد الكتب الذي قرأ المسألة فيه من زمن بعيد! تواضع جم: كان رحمه الله متواضعا مع تلاميذه يقول: يفيد بعضنا بعضا! ولا يأنف من عرض أعماله العلمية على تلاميذه، آخذًا ملاحظاتهم مأخذ الجد؛ فيراجع تلك المسائل، التي كثيرا ما تكون الملاحظات فيها عن عجل وعدم روية، وأحيانا تكون لها وجه الصواب؛ فيأخذ الشيخ الصواب معرضا عن رأيه وإن أخطأ. ولم تكن له تضخم في (الأنا) كما يقول علماء النفس، كما لم يحمل زهو المشاهير في قلبه، أو علو المكانة في نفسه؛ مع أن هذا الأمر له أسبابه.. وكلها متحققة فيه؛ بل كان رحمه الله بيننا كأحدنا؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. وكثيرا ما قال: رأيي أحد الآراء؛ وهو كما قال الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب! وكان من جملة رده على علامة الحجاز الشيخ ابن باز رحمه الله؛ حين طلب منه أن يراجع بعض المسائل في كتابه الحلال والحرام حتى يأذن بطباعة الكتاب في المملكة أن قال له: أما المسائل الثماني التي ذكرتموها فضيلتكم في الرسالة، والتي تذهبون فيها إلى رأيٍ يخالف ما انتهى إليه اجتهادي في الكتاب. فأحبُّ أن أؤكد لفضيلتكم أنكم أوَّلُ وأَوْلَى مَن أحبُّ، وأحرص على موافقته من علماء الإسلام، وذلك لما عرفتُه ولمستُه في سماحتكم من غزارة علم، واستقامة منهج، وغَيْرة على الحق، وحرص على الإنصاف، وسَعَة صدر، وتقدير لوجهات نظر الآخرين. ولكن قضتْ سُنَّة الله تعالى أن تختلف الأنظار، وتتعدد الاجتهادات، وبخاصة في المسائل الجزئية. التشدد في خاصة نفسه: كان الشيخ يفتي الناس بالأيسر؛ ولكنه في خاصة نفسه ومن هم لصيقون به يرشد إلى الخروج من الخلاف قدر الإمكان؛ فكان مع صعوبة الوضوء في كبر سنه يبالغ في إيصال الماء إلى كل أعضاء الوضوء مع الدلك والتخليل. ومع أنه يفتي للمسلم الذي يذهب للحج والعمرة بالطائرة أن يحرم من جدة؛ إلا أنه في خاصة نفسه كان يحرم من الميقات في الطائرة! ولم يكن يأخذ برخصة الفطر في رمضان لكبر سنه؛ مع أنه كان من أهل الأعذار في أواخر حياته. وكذلك كان يفتي بالفطر لمطلق السفر؛ لكنه في خاصة نفسه كان يصوم في سفره رحمه الله؛ وهذا يشعرك بأن فقه التيسير لم يكن لشهوات نفسه؛ وإنما تيسيرا على أمته. أخطاء لا خطايا: لكن هل الشيخ ليس له أخطاء.. الحق أنه بشر ككل البشر؛ ولكن هناك فرق كبير بين الأخطاء والخطايا، أو قُل بين الخطأ غير المتعمد والخطأ المقصود. وأنا أزعم أن الشيخ لم يقدم على خطأ متعمد له، وإنما سنة الحياة أن يدور المجتهد بين الأجر والأجرين. فطنة أم أيمن: روى الإمام مسلم في صحيحيه عن أنس، قال: قال أبو بكر رضي الله عنه، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: "انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء. فجعلا يبكيان معها". ومثل هذا ما نشكو.. فمن ذا الذي يسد هذه الثغرة؟! نسأل الله تعالى أن يغفر للشيخ مغفرة من عنده، وأن يرحمه رحمة واسعة، وأن يرزقه الفردوس الأعلى، وأن يخلف أمة الإسلام في شيخ الإسلام خيرا! الحق أنني أحببت الشيخ، وأرجو أنه أحبني؛ وأدعو الله تعالى أن يجمعنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأن يعفو عنا أجمعين.

3099

| 15 أكتوبر 2022

كل سُلامَى من الناس عليه صدقة

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل سُلامَى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة». رواه البخاري ومسلم. ومعنى الحديث: «أن تركيب هذه العظام وسلامتها من أعظم نعم الله على عبده، فيحتاج كل عظم منها إلى صدقة يتصدق ابن آدم عنه، ليكون ذلك شكرا لهذه النعمة». قال الله عز وجل: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك}.وقال عز وجل: {قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون}. وعن بكر المزني قال: يا ابن آدم، إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك، فغمض عينيك.فهذه النعم مما يسأل الإنسان عن شكرها يوم القيامة، ويطالب به كما قال تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم}. قال ابن عباس: النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار.والمقصود: أن الله تعالى أنعم على عباده بما لا يحصونه كما قال: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}.قال سليمان التيمي: إن الله أنعم على العباد على قدره، وكلفهم الشكر على قدرهم حتى رضي منهم من الشكر بالاعتراف بقلوبهم بنعمه، وبالحمد بألسنتهم عليها.قال أبو حازم: كل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية، فإذا وفق الله عبده للشكر على نعمه الدنيوية بالحمد أو غيره من أنواع الشكر، كانت هذه النعمة خيرا من تلك النعم وأحب إلى الله عز وجل منها، فإن الله يحب المحامد، ويرضى عن عبده أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها.«كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس». يعني: أن الصدقة على ابن آدم عن هذه الأعضاء في كل يوم. وظاهر الحديث يدل على أن هذا الشكر بهذه الصدقة واجب على المسلم كل يوم.ولكن الشكر على درجتين:إحداهما: واجب، وهو أن يأتي بالواجبات، ويتجنب المحارم، فهذا لا بد منه،قال بعض السلف: الشكر ترك المعاصي. وقال بعضهم: الشكر أن لا يستعان بشيء من النعم على معصية.الدرجة الثانية من الشكر: الشكر المستحب، وهو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض واجتناب المحارم بنوافل الطاعات، وهذه درجة السابقين المقربين.وهذه الأنواع التي أشار إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصدقة، منها ما نفعه متعد كالإصلاح، وإعانة الرجل على دابته يحمله عليها أو يرفع متاعه عليها، والكلمة الطيبة، ويدخل فيها السلام، وتشميت العاطس، وإزالة الأذى عن الطريق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ودفن النخامة في المسجد، وإعانة ذي الحاجة الملهوف، وإسماع الأصم والبصر للمنقوص بصره، وهداية الأعمى، أو غيره الطريق.ومنه ما هو قاصر النفع: كالتسبيح، والتكبير، والتحميد، والتهليل، والمشي إلى الصلاة.ومن أنواع الصدقة: كف الأذى عن الناس باليد واللسان، كما في "الصحيحين" عن أبي ذر، «قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله، والجهاد في سبيله قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا، أو تصنع لأخرق، قلت: أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة».

53168

| 05 يوليو 2016

عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: «وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة». قول العرباض: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة » وذلك كما أمره الله تعالى: {وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} وقال: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، وكان صلى الله عليه وسلم لا يديم وعظهم، بل يتخولهم بها. وفي حديث ابن مسعود: «إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا».والبلاغة في الموعظة مستحسنة، لأنها أقرب إلى إفهام المعاني المقصودة، وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدالة عليها، وأفصحها وأحلاها للأسماع، وأوقعها في القلوب.وقوله: «ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب»، هذان الوصفان بهما مدح الله المؤمنين عند سماع الذكر كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} وقال: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق}.وكان صلى الله عليه وسلم يتغير حاله عند الموعظة، كما قال جابر: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب، وذكر الساعة، اشتد غضبه، وعلا صوته، واحمرت عيناه، كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم».وقولهم: «يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا» يدل على أنه كان صلى الله عليه وسلم قد أبلغ في تلك الموعظة ما لم يبلغ في غيرها، فلذلك فهموا أنها موعظة مودع، فإن المودع يستقصي ما لم يستقص غيره في القول والفعل.وقولهم: "فأوصنا" يعنون وصية جامعة كافية، ينفعهم بها التمسك بعده، ويكون فيها كفاية لمن تمسك بها، وسعادة له في الدنيا والآخرة.وقوله صلى الله عليه وسلم: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة» فهاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والآخرة.أما التقوى فهي كافلة بسعادة الدنيا والآخرة لمن تمسك بها، وهي وصية الله للأولين والآخرين، وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم.وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإن تأمر عليكم عبد وفي رواية حبشي» هذا مما تكاثرت به الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: إن العبد الحبشي إنما ذكر على وجه ضرب المثل وإن لم يصح وقوعه.وقوله -صلى الله عليه وسلم: «فمن يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ». هذا إخبار منه -صلى الله عليه وسلم- بما وقع في أمته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه، وفي الأقوال والأعمال والاعتقادات.وفي هذا الحديث أمر عند الافتراق والاختلاف بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده. وفيه دليل على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة، كاتباع سنته، بخلاف غيرهم من ولاة الأمور.وإنما وصف الخلفاء بـ"الراشدين"، لأنهم عرفوا الحق، وقضوا به، فالراشد ضد الغاوي، والغاوي من عرف الحق وعمل بخلافه.وفي رواية: "المهديين" يعني: أن الله يهديهم للحق، ولا يضلهم عنه.وقوله: «عضوا عليها بالنواجذ» كناية عن شدة التمسك بها، والنواجذ: الأضراس.قوله: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة» تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة، وأكد ذلك بقوله: كل بدعة ضلالة والمراد بالبدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، فأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه، فليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة لغة.

79710

| 04 يوليو 2016

إن الله كتب الحسنات والسيئات

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة". رواه البخاري ومسلم. تضمنت هذا الحديث كتابة الحسنات، والسيئات، والهم بالحسنة والسيئة، فهذه أربعة أنواع: النوع الأول: عمل الحسنات، فتضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. ومضاعفة الحسنة بعشر أمثالها لازم لكل الحسنات، وقد دل عليه قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}. وأما زيادة المضاعفة على العشر لمن شاء الله أن يضاعف له، فدل عليه قوله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة و الله يضاعف لمن يشاء و الله واسع عليم}.وقوله في حديث أبي هريرة: "إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" يدل على أن الصيام لا يعلم قدر مضاعفة ثوابه إلا الله عز وجل لأنه أفضل أنواع الصبر، و{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.وجاء عن طائفة من السلف أن مضاعفة الحسنات زيادة على العشر تكون بحسب حسن الإسلام، وكمال الإخلاص، وفضل ذلك العمل في نفسه، والحاجة إليه. النوع الثاني: عمل السيئات، فتكتب السيئة بمثلها، من غير مضاعفة، كما قال تعالى: {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون}.وقوله: "كتبت له سيئة واحدة" إشارة إلى أنها غير مضاعفة، لكن السيئة تعظم أحيانا بشرف الزمان أو المكان، كالأشهر الحرم، والبيت الحرام. وقد جاء عن ابن عباس: جعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم. وقال قتادة: اعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا فيما سوى ذلك.وكان جماعة من الصحابة يتقون سكنى الحرم، خشية ارتكاب الذنوب فيه. وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: الخطيئة فيه أعظم.وقد تضاعف السيئات بشرف فاعلها، وقوة معرفته بـالله، وقربه منه كما قال تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا }. النوع الثالث: الهم بالحسنات، فتكتب حسنة كاملة، وإن لم يعملها، والظاهر أن المراد بالهم هنا هو العزم المصمم الذي يوجد معه الحرص على العمل، لا مجرد الخطرة التي تخطر، ثم تنفسخ من غير عزم ولا تصميم.روي عن سعيد بن المسيب، قال: من هم بصلاة، أو صيام، أو حج، أو عمرة، أو غزوة، فحيل بينه وبين ذلك، بلغه الله تعالى ما نوى. ومتى اقترن بالنية قول أو سعي، تأكد الجزاء، والتحق صاحبه بالعامل، كما في الحديث: "وعبد رزقه الله علما، ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالا، لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء... ". النوع الرابع: الهم بالسيئات من غير عمل لها، تكتب حسنة كاملة، وفي الحديث: "إنما تركها من جراي" يعني: من أجلي. وهذا يدل على أن المراد من قدر على ما هم به من المعصية، فتركه لله تعالى، وهذا لا ريب في أنه يكتب له بذلك حسنة؛ لأن تركه المعصية بهذا القصد عمل صالح. فأما إن هم بمعصية، ثم ترك عملها خوفا من المخلوقين، أو مراءاة لهم، فقد قيل: إنه يعاقب على تركها بهذه النية، لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرم. وكذلك قصد الرياء للمخلوقين محرم.

101719

| 03 يوليو 2016

أربع من كن فيه كان منافقا

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أربع من كن فيه كان منافقا، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر» خرجه البخاري ومسلم. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».النفاق في اللغة: هو من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وإبطان خلافه.وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين:أحدهما: النفاق الأكبر، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك، وهو النفاق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.والثاني: النفاق الأصغر، وهو نفاق العمل، وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة، ويبطن ما يخالف ذلك. وأصول هذا النفاق ترجع إلى الخصال المذكورة في هذين الحديثين، وهي خمسة:أحدها: أن يحدث بحديث لمن يصدقه به وهو كاذب له، وفي الحديث: «كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق، وأنت به كاذب».والثاني: إذا وعد أخلف، وهو على نوعين: أحدهما: أن يعد ومن نيته أن لا يفي بوعده، وهذا أشر الخلف. الآخر: أن يعد ومن نيته أن يفي، ثم يبدو له فيخلف من غير عذر له في الخلف. والثالث: إذا خاصم فجر، ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا، فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة على أن ينتصر للباطل، ويخيل للسامع أنه حق، ويوهن الحق، ويخرجه في صورة الباطل، كان ذلك من أقبح المحرمات، ومن أخبث خصال النفاق.الرابع: إذا عاهد غدر، ولم يف بالعهد، وقد أمر الله بالوفاء بالعهد، فقال: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا}. وقال: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا}.وفي "الصحيحين" عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به» وفي رواية: « فيقال: ألا هذه غدرة فلان». والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره، ولو كان المعاهد كافرا، وفي الحديث: «من قتل نفسا معاهدا بغير حقها لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» خرجه البخاري.الخامس: الخيانة في الأمانة، فإذا اؤتمن الرجل أمانة، فالواجب عليه أن يؤديها، كما قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك».وحاصل الأمر أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية. وقالت طائفة من السلف: خشوع النفاق أن ترى الجسد خاشعا، والقلب ليس بخاشع.وسئل حذيفة عن المنافق، فقال: الذي يصف الإيمان ولا يعمل به.وقال بلال بن سعد: المنافق يقول ما يُعرف، ويعمل ما يُنكر.ومن هنا كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم. قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه. ويذكر عن الحسن قال: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق.ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك منه نفاقا، كما حدث من حنظلة الأسيدي، فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي، لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة".

67428

| 02 يوليو 2016

أرأيتَ إذا صليت المكتوبات وصمت رمضان

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن جابر بن عبد الله "رضي الله عنهما" أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة؟ قال: نعم» رواه مسلم. فسر بعض أهل العلم تحليل الحلال باعتقاد حله، وتحريم الحرام باعتقاد حرمته. وقيل: المراد بالتحليل والتحريم: فعل الحلال واجتناب الحرام.وقال الله عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين }. وقد نزلت هذه الآية بسبب قوم امتنعوا من تناول بعض الطيبات زهدا في الدنيا وتقشفا.وقد روي عن طائفة من السلف، منهم ابن مسعود وابن عباس في قوله عز وجل: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به} قالوا: يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه.وهذا الحديث يدل على أن من قام بالواجبات، وانتهى عن المحرمات دخل الجنة وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى.وفي " صحيح البخاري " عن أبي أيوب أن «رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم».وخرجه مسلم إلا أن عنده أنه قال: أخبرْني بعمل يدنيني من الجنة ويباعدني من النار. وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة «أن أعرابيا قال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه، فلما ولَّى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا» .وقد ورد ترتب دخول الجنة على فعل بعض هذه الأعمال كالصلاة، ففي الحديث المشهور: «من صلى الصلوات لوقتها، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة» وفي الحديث الصحيح: «من صلى البردين دخل الجنة».وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن ارتكاب بعض الكبائر يمنع دخول الجنة، كقوله: «لا يدخل الجنة قاطع» ، وقوله: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر». وقال بعض السلف: إن الرجل ليحبس على باب الجنة مائة عام بالذنب كان يعمله في الدنيا. فهذه كلها موانع.وقال طائفة من العلماء: إن كلمة التوحيد سبب مقتض لدخول الجنة وللنجاة من النار، لكنه له شروط، وهي الإتيان بالفرائض، وموانع وهي إتيان الكبائر.وقيل للحسن: إن ناسا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قال: لا إله إلا الله، فأدى حقها وفرضها، دخل الجنة.قال ابن رجب: ولعل الحسن أراد أن تحقق القلب بمعنى " لا إله إلا الله " وصدقه فيها، وإخلاصه بها يقتضي أن يرسخ فيه تأله الله وحده، إجلالا، وهيبة، ومخافة، ومحبة، ورجاء، وتعظيما، وتوكلا، ويمتلئ بذلك، وينتفي عنه تأله ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك، لم يبق فيه محبة، ولا إرادة، ولا طلب لغير ما يريد الله ويحبه ويطلبه.وقيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان، فتح لك، وإلا لم يفتح لك.وقالت طائفة: هذه النصوص المطلقة جاءت مقيدة بأن يقولها بصدق وإخلاص، وإخلاصها وصدقها يمنع الإصرار على معصية.ويروى من حديث أبي أمامة مرفوعا " «ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع» ".وكذلك من أطاع الشيطان في معصية الله، فقد عبده، كما قال عز وجل: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين}. فتبين بهذا أنه لا يصح تحقيق معنى قول: لا إله إلا الله إلا لمن لم يكن في قلبه إصرار على محبة ما يكرهه الله، ولا على إرادة ما لا يريده الله.

23592

| 01 يوليو 2016

من حسن إسلام المرء

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».هذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب.قال بعض العلماء: جماع آداب الخير تتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» وقوله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية: «لا تغضب» وقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه».ومعنى هذا الحديث: أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصاره على ما يعنيه من الأقوال والأفعال.ومعنى يعنيه: أنه تتعلق عنايته به، ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية: شدة الاهتمام بالشيء.وهذا الحديث يدل على أن ترك ما لا يعني المرء من حسن إسلامه، فإذا ترك ما لا يعنيه، وفعل ما يعنيه كله، فقد كمل حسن إسلامه، وقد جاءت الأحاديث بفضل منحسن إسلامه وأنه تضاعف حسناته، وتكفر سيئاته، ففي " صحيح مسلم "، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحسن أحدكم إسلامه، فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل».فالمضاعفة للحسنة بعشر أمثالها لابد منه، والزيادة على ذلك تكون بحسب إحسان الإسلام، وإخلاص النية والحاجة إلى ذلك العمل وفضله، كالنفقة في الجهاد، وفي الحج، وفي الأقارب، وفي اليتامى والمساكين، وأوقات الحاجة إلى النفقة.والإسلام يقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات. وإذا حسن الإسلام، اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات.وهذا يبلغ به إلى درجة الإحسان، وهو أن يعبد الله تعالى كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فإن الله يراه، فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه، أو على استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه، فقد حسن إسلامه، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام، ويشتغل بما يعنيه فيه، فإنه يتولد من هذين المقامين الاستحياء من الله وترك كل ما يستحيا منه.قال بعض الصالحين: استحي من الله على قدر قربه منك، وخف الله على قدر قدرته عليك.وقد وقعت الإشارة في القرآن العظيم إلى هذا المعنى في مواضع: كقوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ، وقوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: من عد كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما يعنيه. وهو كما قال، فإن كثيرا من الناس لا يعد كلامه من عمله، فيجازف فيه، ولا يتحرى، وقد خفي هذا على معاذ بن جبل حتى «سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنؤاخذ بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟» .وقال بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلل: ما من عمل أوثق عندي من خصلتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي سليما للمسلمين.وعن الحسن: من علامة إعراض الله تعالى، عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.

6631

| 30 يونيو 2016

ماملأ آدمي وعاءً شرا من بطنه

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن المقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما ملأآدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» هذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها. وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات، سلموا من الأمراض والأسقام، وإنما قال هذا؛ لأن أصل كل داء التخمة.وقال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الحمية رأس الدواء، والبطنة رأس الداء.وقد ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التقلل من الأكل في حديث المقدام، وقال: «حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه» . وفي " الصحيحين " عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» والمراد أن المؤمن يأكل بأدب الشرع، فيأكل في معى واحد والكافر يأكل بمقتضى الشهوة والشره والنهم، فيأكل في سبعة أمعاء.وندب - صلى الله عليه وسلم - مع التقلل من الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه، فقال: «طعام الواحد يكفي الإثنين، وطعام الإثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة فأحسن ما أكل المؤمن في ثلث بطنه، وشرب في ثلث، وترك للنفس ثلثا» ، كما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث المقدام.وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يجوعون كثيرا، ويتقللون من أكل الشهوات، وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام، إلا أن الله لا يختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها. ففي " الصحيحين " «عن عائشة، قالت: ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ قدم المدينة من خبز بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض» .وفي " صحيح مسلم " «عن عمر أنه خطب، فذكر ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا يملأ به بطنه» .وقد ذم الله ورسوله من اتبع الشهوات، قال تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب} وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» . وعن الإمام أحمد أنه سئل عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس» فقال: ثلث للطعام: هو القوت، وثلث للشراب: هو القوى، وثلث للنفس: هو الروح والله أعلم.وأما منافع قلة الطعام بالنسبة إلى القلب وصلاحه، فإن قلة الغذاء توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك.قال الحسن: يابن آدم كل في ثلث بطنك، واشرب في ثلثه، ودع ثلث بطنك يتنفس لتتفكر.وعن محمد بن واسع، قال: من قل طعامه فهم وأفهم، وصفا، ورق، وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد.وعن مالك بن دينار قال: ما ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه، وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه. وعرض الحسن الطعام على بعض أصحابه، فقال له: أكلت حتى لا أستطيع أن آكل. فقال الحسن: سبحان الله ويأكل المسلم حتى لا يستطيع أن يأكل؟ !وعن الشافعي، قال: الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.

17254

| 29 يونيو 2016

لو أنكم توكلتم على الله حق توكله

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا». هذا الحديث أصل في التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق، قال الله عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}.وحقيقة التوكل: هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها ، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه.وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في دعائه: «اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته» .لكن الناس إنما يُؤْتَون من قلة تحقيق التوكل، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم ومساكنتهم لها، فلذلك يتعبون أنفسهم في الأسباب، ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد، ولا يأتيهم إلا ما قدر لهم، فلو حققوا التوكل على الله بقلوبهم، لساق إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب، كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح، وهو نوع من الطلب والسعي، لكنه سعي يسير. وفي حديث جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم» .والرزق مقسوم لكل أحد من بر وفاجر، ومؤمن وكافر، كما قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ، هذا مع ضعف كثير من الدواب وعجزها عن السعي في طلب الرزق، قال تعالى: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم}. وثمرة التوكل الرضا بالقضاء، فمن وكل أموره إلى الله ورضي بما يقضيه له، ويختاره فقد حقق التوكل عليه ولذلك كان الحسن والفضيل وغيرهما يفسرون التوكل على الله بالرضا.فالمتوكل على الله إن صبر على ما يقدره الله له من الرزق أو غيره، فهو صابر، وإن رضي بما يقدر له بعد وقوعه فهو الراضي، وإن لم يكن له اختيار بالكلية ولا رضا إلا فيما يقدر له، فهو درجة المحبين العارفين، كما كان عمر بن عبد العزيز: يقول أصبحت وما لي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر. وتحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب ، فإن الله تعالى أمر بالأخذ بالأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، كما قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم} ، وقال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} ، وقال: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}.وقد روي عن ابن عباس، قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن متوكلون فيحجون، فيأتون مكة فيسألون الناس، فأنزل الله هذه الآية: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}. ولقي عمر بن الخطاب ناسا من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: بل أنتم المتأكِّلون، إنما المتوكل الذي يلقي حَبَّه في الأرض، ويتوكل على الله عز وجل. وقد سئل الإمام أحمد عمن يقعد ولا يكتسب ويقول: توكلت على الله، فقال: ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله، ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب.وقال الفضيل بن عياض: لم يفعل هذا الأنبياء ولا غيرهم، ولم يقولوا: نقعد حتى يرزقنا الله عز وجل، وقال الله عز وجل: {وابتغوا من فضل الله} . فلابد له من الأخذ بالأسباب لاسيما من له عيال ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» .

70380

| 28 يونيو 2016

قل آمنت بالله ثم استقم

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); «عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال: قل آمنت بالله، ثم استقم» رواه مسلم.وقد روي هذا الحديث من وجوه أخرى, فعند الترمذي بزيادة : « قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه، قال هذا».وعند أحمد، والنسائي بزيادة: " قلت: فما أتقي؟ فأومأ إلى لسانه" .«قول سفيان بن عبد الله للنبي صلى الله عليه وسلم: " قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك " طلب منه أن يعلمه كلاما جامعا لأمر الإسلام كافيا حتى لا يحتاج بعده إلى غيره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله، ثم استقم» وهذا منتزع من قوله عز وجل: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}. وقوله عز وجل: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.وقال أبو بكر الصديق في تفسير (ثم استقاموا): لم يشركوا بالله شيئا، ولم يلتفتوا إلى غيره. وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لم يروغوا روغان الثعلب.وروي عن ابن عباس: استقاموا على أداء فرائضه.والاستقامة: هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك، فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها.وفي قوله عز وجل: {فاستقيموا إليه واستغفروه} إشارة إلى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيجبر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ " «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها» ".وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سددوا وقاربوا» .فالسداد: هو حقيقة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد.والمقاربة: أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه، ولكن بشرط أن يكون مصمما على قصد السداد وإصابة الغرض.وأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد، فمتى استقام القلب على معرفة الله، وعلى خشيته، وإجلاله، ومهابته، ومحبته، وإرادته، ورجائه، ودعائه، والتوكل عليه، والإعراض عما سواه، استقامت الجوارح كلها على طاعته، فإن القلب هو ملك الأعضاء، وهي جنوده، فإذا استقام الملك، استقامت جنوده ورعاياه.وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان، فإنه ترجمان القلب والمعبر عنه، ولهذا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستقامة، وصاه بعد ذلك بحفظ لسانه.وفي " المسند قال رسول صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه».وفي سنن الترمذي ": " «إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» ".

5764

| 27 يونيو 2016

دع مايريبك إلى مالا يريبك

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن الحسن بن علي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته رضي الله عنه قال: «حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» وعند الترمذي وغيره زيادة في هذا الحديث وهي " فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة " ومعنى هذا الحديث يرجع إلى الوقوف عند الشبهات واتقائها، فإن الحلال المحض لا يحصل لمؤمن في قلبه منه ريب - والريب: بمعنى القلق والاضطراب - بل تسكن إليه النفس، ويطمئن به القلب، وأما المشتبهات فيحصل بها للقلوب القلق والاضطراب الموجب للشك.قال أبو عبد الرحمن العمري الزاهد: إذا كان العبد ورعا، ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه.وقال الفضيل: يزعم الناس أن الورع شديد، وما ورد علي أمران إلا أخذت بأشدهما، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.وقال حسان بن أبي سنان: ما شيء أهون من الورع، إذا رابك شيء، فدعه.وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن أكل الصيد للمُحْرِم، فقالت: إنما هي أيام قلائل فما رابك، فدعه يعني ما اشتبه عليك: هل هو حلال أو حرام، فاتركه، فإن الناس اختلفوا في إباحة أكل الصيد للمحرم إذا لم يصد هو.وقد يستدل بهذا على أن الخروج من اختلاف العلماء أفضل، لأنه أبعد عن الشبهة، ولكن المحققين من العلماء على أن هذا ليس هو على إطلاقه، فإن من مسائل الاختلاف ما ثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة ليس لها معارض، فاتباع تلك الرخصة أوْلى من اجتنابها.وها هنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها، وتشابهت أعماله في التقوى والورع، فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة، ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبه، فإنه لا يحتمل له ذلك، بل ينكر عليه، كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق: يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «هما ريحانتاي من الدنيا» .وسأل رجل بشر بن الحارث عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها، فقال: إن كان بر أمه في كل شيء، ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فليفعل، وإن كان يبرها بطلاق زوجته، ثم يقوم بعد ذلك إلى أمه، فيضربها، فلا يفعل.وقوله صلى الله عليه وسلم " «فإن الخير طمأنينة وإن الشر ريبة» " يعني: أن الخير تطمئن به القلوب، والشر ترتاب به، ولا تطمئن إليه، وفي هذا إشارة إلى الرجوع إلى القلوب عند الاشتباه.وقوله في الرواية الأخرى: " «إن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة» " يشير إلى أنه لا ينبغي الاعتماد على قول كل قائل كما قال في حديث وابصة: " «وإن أفتاك الناس وأفتوك» " وإنما يعتمد على قول من يقول الصدق، وعلامة الصدق أنه تطمئن به القلوب، وعلامة الكذب أنه تحصل به الريبة، فلا تسكن القلوب إليه، بل تنفر منه.ومن هنا كان العقلاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا كلامه وما يدعو إليه، عرفوا أنه صادق، وأنه جاء بالحق، وإذا سمعوا كلام مسيلمة، عرفوا أنه كاذب، وأنه جاء بالباطل، وقد روي أن عمرو بن العاص سمعه قبل إسلامه يدعي أنه أنزل عليه: يا وبر يا وبر، لك أذنان وصدر، وإنك لتعلم يا عمرو، فقال: والله إني لأعلم أنك تكذب.وقال بعض المتقدمين: صور ما شئت في قلبك، وتفكر فيه، ثم قسه إلى ضده، فإنك إذا ميزت بينهما، عرفت الحق من الباطل، والصدق من الكذب.

12393

| 26 يونيو 2016

حتى يكون هواه تبعا لما جئت به

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به»معنى الحديث، أن الإنسان لا يكون مؤمنا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي وغيرها، فيحب ما أمر به، ويكره ما نهى عنه.وقد ورد القرآن بمثل هذا في غير موضع. قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} وقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.وذم سبحانه من كره ما أحبه الله، أو أحب ما كرهه الله، قال تعالى: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} [محمد: 28] فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله محبة توجب له الإتيان بما وجب عليه منه. وأن يكره ما كرهه الله تعالى كراهة توجب له الكف عما حرم عليه منه.وقد ثبت في " الصحيحين " عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتىأكون أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين» فلا يكون المؤمن مؤمنا حتىيقدم محبة الرسول على محبة جميع الخلق.ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسله. والمحبة الصحيحة تقتضي المتابعة والموافقة في حب المحبوبات وبغض المكروهات، قال عز وجل: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}. وفي " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكونالله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار».قال بعض أهل العلم: كل من ادعى محبة الله عز وجل ولم يوافق الله في أمره، فدعواه باطلة، وكل محب ليس يخاف الله، فهو مغرور.وقال يحيى بن معاذ: ليس بصادق من ادعى محبة الله عز وجل ولم يحفظ حدوده. قال ابن رجب: فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله، وكذلك البدع، إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا يسمى أهلها أهل الأهواء. وكذلك حب الأشخاص: الواجب فيه أن يكون تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان من علامات وجود حلاوة الإيمان أن يحب المرء لا يحبه إلا لله. وفي الحديث: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان».ومن كان حبه وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه، كان ذلك نقصا في إيمانه الواجب، فيجب عليه التوبة من ذلك، والرجوع إلى اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من تقديم محبة الله ورسوله، وما فيه رضا الله ورسوله على هوى النفوس ومراداتها كلها.والمعروف في استعمال الهوى عند الإطلاق: أنه الميل إلى خلاف الحق، كما في قوله عز وجل: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} وقال: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى}. وقد يطلق الهوى بمعنى المحبة والميل مطلقا، فيدخل فيه الميل إلى الحق وغيره، ومنه قول عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما أرى ربك إلا يسارع في هواك". «وقال عمر في قصة المشاورة في أسارى بدر: فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت».

10612

| 25 يونيو 2016

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

3660

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
سابقة قضائية قطرية في الذكاء الاصطناعي

بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...

2661

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1680

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1563

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1344

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1185

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1155

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1146

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

864

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

642

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
المجتمع بين التراحم والتعاقد

يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...

630

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

597

| 04 ديسمبر 2025

أخبار محلية