رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
دفعت المقاومة الاسلامية الفلسطينية في غزة العالم نحو مرحلة جديدة من التاريخ، فمن أهم الانجازات الثقافية التي حققتها حماس أنها حررت العقول من الخرافات التي تمكنت الصهيونية من غرسها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت تلك الخرافات من أهم العوامل التي حققت لها القوة والسيطرة علي المنطقة. وساهمت وسائل الاعلام العربية في نشر تلك الخرافات خاصة بعد اتفاقيات كامب ديفيد، واندفاع النظم العربية نحو التطبيع، حيث بررت ذلك بأن دولة الاحتلال الاسرائيلي تمتلك القوة الصلبة، التي تمكنها من السيطرة علي المنطقة، ولا يستطيع أحد أن يقف في وجهها، فهي تمتلك القنابل النووية التي يمكن أن تدمر بها الجيوش، وتسقط النظم، وأن الطريق الوحيد لقلب أمريكا هو العمل لإرضاء النتن ياهو الذي يستطيع أن يجعل النظام الأمريكي ينعم برضاه عن النظم العربية الاستبدادية. لكن حماس أسقطت تلك الخرافة، وأوضحت لكل الشعوب التي تتوق للحرية أن القوة الصلبة مهما بلغت لا تستطيع أن تكسر إرادة شعب قرر أن يقاوم ويصمد ويتحدى القوة الغاشمة، ويحرر أرضه. وجيش الاحتلال الاسرائيلي استخدم كل القوة الصلبة التي تتمثل في أحدث الأسلحة التي انتجتها أمريكا وأوروبا، فألقي علي غزة آلاف الأطنان من المتفجرات تعادل أكثر من ثلاث قنابل نووية، ودمر أكثر من 70 % من المباني، وقتل 43 ألفا، وأصاب عشرات الآلاف، وارتكب جريمة إبادة جماعية، وفرض المجاعة على أهل غزة. لكن بالرغم من استخدامها لهذه القوة لم تستطع أن تحقق هدفا واحدا من تلك الأهداف التي حددها النتن ياهو، ولم يحقق نصرا، وأثبتت غزة للعالم أن القوة الصلبة لها حدودها، وأن الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي باستخدام أسلحة الدمار الشامل تشكل له عارا، وأن الشعوب الحرة أصبحت تكره دولة الاحتلال الاسرائيلي، وترفض جرائمها، وسوف تقلد يوما النموذج الفلسطيني في المقاومة والاصرار والكفاح من أجل الحرية والتحرر دون خوف من القوة الغاشمة. أما الخرافة الثانية التي أسقطتها حماس فقد روجتها وسائل الاعلام الغربية بعد الهزيمة المذلة التي تعرضت لها الجيوش العربية عام 1967، وكانت تلك الخرافة هي أن العربي عدو لا ضرر منه ولا يشكل خطرا، وأنه صديق لا نفع له، ولا فائدة ترجى من صداقته، فإذا كان أهل غزة قد استطاعوا الصمود، وتمكنت المقاومة من انتاج أسلحتها بنفسها، والتخطيط بشكل استراتيجي، فما بالك لو انتفضت الشعوب العربية، واستخدم العرب عقولهم، وانتجوا أفكارا جديدة، وحرروا أنفسهم من الخوف والهزيمة النفسية؟ هل يمكن أن تصمد أية قوة أمام أمة تريد الحرية وتتقدم لبناء المستقبل؟. لقد أثبتت حماس أن العداء للأمة العربية يشكل ضررا وخطرا على كل من يصيبه غرور القوة، فيظن أنه يستطيع التحكم والسيطرة باستخدام قوته الغاشمة، فمن المؤكد أن دولة الاحتلال الاسرائيلي تتعرض اليوم لخطر عظيم يهدد وجودها، واستمرار الحرب سيكشف للعالم زيف كل ما تدعيه عن قوتها، التي تتمثل في الأسلحة المتقدمة، لكن جنودها أصابتهم الهزيمة النفسية التي سيكون لها تأثيرها الكبير على المستقبل، ولقد أصبح قادة الجيش الاسرائيلي يدركون هذا الخطر، ويتطلعون لوقف اطلاق النار. أما الصداقة، فإن القرن الحادي والعشرين سيفرض على كل الدول مراجعة حساباتها، والبحث عن فرص لبناء تحالفات جديدة على أساس الدين والثقافة والتاريخ والجغرافيا والأهداف المشتركة، ولذلك سيعود للأمة العربية مكانتها الحقيقية كفاعل رئيس في هذا العالم، ومن يريد أن يحقق مصالحه يجب أن يعمل لإقامة علاقات جديدة علي أساس المصالح والاحترام المتبادل. والأحداث سوف تغير كل نظريات العلاقات الدولية. من الخرافات التي اكتشف العالم زيفها أيضا أن دولة الاحتلال الاسرائيلي واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، فها هي الأحداث توضح أنها دولة يهودية عنصرية (أبارتايد)، وأن الأغلبية لا يتمتعون بحقوقهم، وأن النتن ياهو يصر على الاستمرار في الحرب ليحمي نفسه من المحاكمة بتهم الفساد، وأنه يرفض عقد صفقة مع حماس بالرغم من مظاهرات عائلات الأسري التي تدرك أنه من المستحيل استعادة الأسرى بدون صفقة طبقا لشروط حماس. وهكذا يتضح أمام العالم أن نظاما استبداديا ديكتاتوريا يحكم دولة الاحتلال الاسرائيلي لا يختلف عن النظم العربية المستبدة التي تستخدم قوتها الغاشمة ضد شعوبها.
852
| 29 سبتمبر 2024
وأنا أتابع جنازة الشهيد ماهر الجازي، وكيف شاركت قبائل العرب في وداعه، انطلق خيالي إلى المستقبل، وكيف يمكن أن تتذكر القبائل العربية قصص فرسانها الأبطال؛ الذين انطلقوا من جزيرتهم ليحرروا البشرية من العبودية لغير الله، وليبنوا أعظم حضارة تمتع في ظلها كل إنسان بالعدل والكرامة والمعرفة والحرية. ولكي تنطلق تلك القبائل مرة أخرى، لتقوم بوظيفتها الحضارية وتحرر البشرية مرة أخرى من العبودية الحديثة، فإنها تحتاج إلى إعادة كتابة تاريخها، وتقديمه بأساليب حديثة تجذب الشباب، وتثير مشاعرهم، وتحفزهم لإنتاج أفكار جديدة، والقيام بدورهم التاريخي.. فالاستعمار الغربي عمل بوسائل مختلفة ليدفعنا إلى نسيان ذلك التاريخ؛ لكي لا نفكر في الانطلاق للقيام بوظيفتنا الحضارية. ولقد سمعت من شيوخ العرب الكثير من القصص خاصة عن الجهاد في فلسطين، وما قدمته القبائل العربية من بطولات تستحق أن يتم تسجيلها، وتقديمها في أشكال حديثة مثل المسلسلات التلفزيونية. وسأكتفي هنا بالإشارة إلى قصة بطل عربي هو الشيخ هارون الجازي الذي قام بتشكيل كتيبة من قبيلته الحويطات عام 1947، وانطلق بها لمواجهة العصابات الصهيونية.. لقد انطلق من شعوره بالمسؤولية والواجب لينصر دينه. والبحث عن الرواية الحقيقية لتاريخ الجهاد في فلسطين يمكن أن يكشف لنا دور الكثير من الفرسان الأبطال، فالشيخ هارون كان يتمتع بعقلية إستراتيجية، وكان يعمل لجمع المعلومات عن حركة العصابات الصهيونية، وتمكن من تحقيق انتصارات عظيمة في معركة باب الواد واللطرون؛ حيث تمكن من السيطرة على الطريق بين تل الربيع والقدس، وإحكام الحصار على الصهاينة في القدس بعد أن منع وصول الإمدادات لهم.شارك الشيخ ماهر الجازي في معركة القسطل، وسأكتفي هنا بما قاله عنه الشهيد عبد القادر الحسيني بعد أن خذلته الجامعة العربية، ورفضت إمداده بالأسلحة، رغم أنه أكد أنه يستطيع أن يحمي القدس. يقول القائد الشهيد: لدي ثلاثمائة مقاتل الواحد منهم بألف.. ولدي هارون بن جازي الذي ترك أرضه وأهله؛ وجاء إلى القدس يتتبع آثار نبيه، ويتلمس الأرض التي مشت عليها أقدامه، وقاتل عن عقيدة وشجاعة، وعلى قادة العرب – لو كانوا ينزلون الرجال منازلهم – أن يجعلوه قائدا لجيوشهم؛ فهو رجل المواقف الذي كنت أعتمد عليه في المواقف الصعبة. ولقد قاد هارون الجازي ميسرة جيش عبد القادر الحسيني في معركة القسطل، وتمكن هذا الجيش من تحرير القسطل، لكن عبد القادر فاز بالشهادة في هذه المعركة، لتكون الشهادة خاتمة لحياته التي قضاها في الجهاد لتحرير فلسطين، وحماية القدس. لكن هارون الجازي استمر في جهاده، ورفض الاعتراف بقرار الهدنة عام 1948، وقال بكل وضوح: إن هذا القرار مؤامرة دولية هدفها توفير الفرص للعصابات الصهيونية للتزود بالأسلحة والعتاد.. وكانت رؤيته تلك توضح أنه قائد إستراتيجي، لذلك استمر في القتال، وأدار معارك حقق فيها انتصارات على الصهاينة. هذه بعض ملامح جهاد هارون الجازي، الذي أرجو أن يقوم كل من يمتلك شهادة عن هذه الفترة من تاريخ فلسطين بتسجيلها، فالتاريخ يسهم في بناء المستقبل، وسيرة القائد هارون الجازي حفزت ماهر ليقوم بعمليته البطولية ليبرهن على أن قبائل العرب يمكن أن تقوم بدورها في تحرير فلسطين وتحقيق الانتصارات وبناء المستقبل. ورسالة ماهر الجازي تحمل الكثير من المعاني التي يمكن أن يكتشفها شباب العرب، والتي يمكن أن تفتح أمامهم آفاقا جديدة للكفاح.. من أهم تلك المعاني أن العرب سيواصلون الجهاد لتحرير فلسطين، وأنهم سيبتكرون وسائل جديدة لن يتمكن الصهاينة من الصمود أمامها؛ فالقوة الصهيونية الغاشمة ستنهار يوما أمام شجاعة الرجال وإيمانهم وحبهم للشهادة. وكل قبيلة عربية يمكن أن تتذكر قصص فرسانها الأبطال، وتكرر تجارب كفاحهم، ولكن بأساليب جديدة، وستلهم قصص هؤلاء الفرسان آلاف الشباب الذين يمكن أن يقوموا بمبادرات فردية كما فعل ماهر الجازي. وكما قال الشهيد عبد القادر الحسيني إن الرجل يمكن أن يقوم بدور ألف رجل عندما يقاتل دفاعا عن الدين، ومن أجل تحرير القدس، ويملأ الإيمان بالله قلبه شجاعة وقوة وإصراراً، ويشحذ همته وعزيمته فيتخذ قراره بأن يستعيد تجربة الفرسان المسلمين، وقصصهم، وأن يبني على ضوئها أهداف حياته.
1194
| 22 سبتمبر 2024
هناك الكثير من الحقائق التي تكشفها الأحداث يمكن أن تسهم في بناء المستقبل.. لكن وسائل الإعلام لا تقدم لك تلك الحقائق، بل تحاول أن تخفيها؛ لذلك يجب أن تطلق لخيالك العنان، وتستخدم بصيرتك وعقلك وضميرك، فاكتشاف تلك الحقائق يمكن أن يفتح أمامك آفاقا جديدة، ويزيد قدراتك على قيادة أمتك لتحقيق أهداف عظيمة. من أهم الإنجازات التي حققتها المقاومة الإسلامية في غزة أنها قدمت الدليل على أن الإيمان ينتصر على القوة الغاشمة.. وتلك حقيقة يمكن أن تسهم في تغيير العالم، وفي انطلاق الأمة الإسلامية لتحقيق انتصارات عظيمة خلال القرن الحادي والعشرين. تلك الحقيقة برهن فرسان الإسلام على صحتها منذ بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ لكنها غابت عن أذهان المسلمين نتيجة السيطرة الاستعمارية الغربية، ونشر الثقافة الغربية المادية، وكان غيابها من أخطر العوامل التي أدت إلى ضعف الأمة الإسلامية، وما تعرضت له من هزائم؛ فالخوف من قوة الغرب الغاشمة، وأسلحته الفتاكة أدى إلى الشعور بالعجز والوهن والضعف والاستسلام. لكن صمود المقاومة الإسلامية أمام قوة الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة أدى إلى تغيير مقاييس القوة، وأثبت لكل ذي لب أن الإيمان يحفز همم الرجال وعزائمهم، ويطلق طاقاتهم ومواهبهم وإرادتهم، فينتجون أفكارا جديدة لا يتوقعها العدو. القتال في الميادين يحتاج إلى الرجال الذين يثقون بأنهم يستطيعون أن يغيروا الواقع، لذلك فإنهم يحررون أنفسهم من العبودية للواقع، ويبرهنون بصمودهم على أنهم عباد لله وحده؛ فهو القوي، وكل عباده ضعفاء يستمدون منه القوة، ويثقون في وعده، ولذلك فإنهم سيحققون النصر بقوة الله. هذه الرؤية سوف تغير الكثير من المعادلات في المنطقة، وتدفع الناس إلى التفكير بأساليب جديدة، وتحرير أنفسهم من الشعور بالعجز الذي غرسه الاستعمار الثقافي الغربي في العقول، وتلك بداية انطلاق الأمة الإسلامية لبناء مستقبلها على قواعد الحرية والعدل. لذلك يمكن أن نلاحظ بوضوح أن الكثير من الشباب تعلقت قلوبهم بالإسلام بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وأن رأيا عاما إسلاميا يتشكل في المنطقة يرى أن الإسلام هو الذي يمكن أن يحقق للناس حياة كريمة، ويحقق لهم الحرية والعدل، ويبني لهم المستقبل. لذلك توضح الأحداث أن أغلبية الجماهير أصبحت تريد الإسلام، وترى أنه يمكن أن يحررها من الاستعمار والطغيان والاستبداد والفساد والتبعية.. وتلك الحقيقة جعلت النتن ياهو يعاني من الصدمة؛ فهو يفهم دلالات الأحداث، وتمده مراكز البحوث بالتوقعات، وأجهزة المخابرات الغربية ترصد اتجاهات الجماهير، وتدرك أن التغيير في المنطقة قادم، وأنه لا يمكن القضاء على الأفكار ؛ حيث إنها يمكن أن تنتشر رغم أنف القوة الغاشمة. لذلك بدأ بعض الباحثين الإسرائيليين يحذرون من استمرار الحرب لمدة طويلة، فالزمن يعمل مع المقاومة، والمنطقة تشهد تغيرات عميقة، من أهمها أن مزاج الناس يتحول بقوة نحو الإسلام، وأن الإسلام أهم مصادر قوة الأمة، ولن تتمكن القوة الغاشمة من مقاومته. وجيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم كل أسلحة الدمار الشامل لإبادة الشعب الفلسطيني، ولم يعد في غزة سوى المقاومة والشعب الذي يؤيدها بقوة، ويقدم التضحيات لتحقيق هدف عظيم هو تحرير فلسطين ؛ ولقد أصبحت المواجهة واضحة بين قوة غاشمة تستخدم أحدث ما أنتجته الدول الغربية من أسلحة إبادة وتدمير، وقوة الإيمان بالله وحده التي ملأت قلوب الرجال شجاعة وعزة وثقة في النصر. واستمرار الصراع سيؤدي إلى تغيير شامل في المنطقة، فالإيمان يرتبط بالأمل والثقة، فهؤلاء الذين يقاتلون في غزة يملأ قلوبهم الأمل، وبذلك تفتح المقاومة لكل المحبطين اليائسين آفاقا جديدة لتغيير واقعهم البائس، والتخلص من الوهن والعجز. بذلك قدمت المقاومة الإسلامية للناس أملا يسهم في صياغة أهداف الحياة، والذين يعبرون عن هذا الأمل، وتملأ قلوبهم الثقة في تحقيقه هم الذين ستختارهم الجماهير لقيادة كفاحها؛ بعد أن تزايدت كراهيتها للذين يعملون لتحقيق الاستقرار المرتبط بالذل والخضوع والاستسلام. لذلك فإن قيادات المستقبل هي التي يملأ الإيمان قلوبها بالأمل والقوة والشجاعة والثقة في نصر الله، وتقوم بتحفيز الجماهير للكفاح لمواجهة القوة الغاشمة، وتغيير الواقع، وعندما يملأ الإيمان قلب الإنسان فإنه ينتج الأفكار، ويكافح لتغيير الواقع، ويتحدى الظلم والطغيان.. وذلك هو الطريق لبناء المستقبل.
537
| 15 سبتمبر 2024
دراسة تاريخ الإسلام توضح أن الأمة تعرضت للكثير من المحن والخطوب التي ملأت باليأس قلوب المؤمنين، لكن المحنة التي تمر بها الأمة في هذا العصر هي أشدها، وأكثرها إيلاما وقسوة، فدماء المسلمين أصبحت مباحة، لا يتعرض من يسفكها لعقاب، ولم يعد مسلم يأمن على نفسه في العالم كله، فإن ظهرت عليه سمات الالتزام بأحكام الإسلام، فإنه يصبح هدفا لكل أشكال الظلم والقهر. يمكن أن نلاحظ أن كل المسلمين يتعرضون لظلم عام بسبب دينهم، ولم يعد ذلك النظام العالمي يهتم بحقوق الإنسان أو العدالة أو السلام، والغرب يتعامل مع المسلمين باستكبار واستعلاء، ويدفع النظم الديكتاتورية لاضطهاد المسلمين، وتقييد حريتهم، وحرمانهم من حق الحياة. وكل مسلم يشعر بالحزن والتعاسة والألم عندما يشاهد كل يوم المذابح في غزة، وآلات الدمار التي تم تصنيعها في أمريكا وأوروبا تصب النار على المسلمين؛ لأنهم يدافعون عن حقهم في تحرير أرضهم التي اغتصبها جيش الاحتلال الصهيوني. والنتن ياهو يعبر بكل غرور عن نواياه في إعادة احتلال غزة عسكريا، وتهجير أهلها لإقامة مستوطنات على أرضها، والعالم يشارك في حصار أهل غزة، وتجويعهم، وحرمانهم من حقهم في الحياة. وفي الضفة الغربية يستخدم جيش الاحتلال دباباته لتدمير المخيمات على رؤوس أهلها تمهيدا لتهجيرهم قسرياً، وإبادتهم، واعتقال الشباب وتعذيبهم. أما في السودان فقد تآمرت دول العالم لتفكيك الدولة، وتحويل حياة شعبها إلى مأساة إنسانية، حيث يتعرض الناس للفقر والجوع والقتل.. لماذا ؟!! كانت مأساة السودان نتيجة لمؤامرة طويلة المدى هدفها تدمير الإسلام في السودان، وتقسيمه، ونهب ثرواته، حيث أدركت دول الغرب أن السودان يمكن أن يشكل مستقبل الأمة الإسلامية، وأنه يمكن أن يوفر الغذاء لكل العالم، ويمكن أن يتحول إلى مصدر قوة.. لذلك كان الهدف هو تدمير مستقبل الأمة وإضعافها وتدمير قدرتها على تحقيق التنمية والتقدم. مع ذلك فإن تلك المحنة القاسية يمكن أن تعيد الوعي إلى المسلمين، والوعي هو بداية النهضة، فالأحداث توضح للجميع أنه لم يعد هناك سوى الدفاع عن النفس، وعن حق الحياة.. أما الخضوع للواقع؛ فإنه يعني الموت. والموت شهادة في ميادين الجهاد أشرف من الموت فقرا وجوعا وقهرا، وهذا ما أدركه رجال المقاومة الفلسطينية، فإن لم يكن من الموت بد، فليكن دفاعا عن الحرية، ومن أجل تحقيق هدف عظيم هو تحرير القدس.. بذلك قدمت المقاومة الإسلامية الفلسطينية نموذج الكفاح لكل المستضعفين المظلومين، فمن يريد الحرية يجب أن يدفع ثمنها، ويضحي من أجلها؛ فلم يتحرر شعب دون أن يدفع الثمن غاليا من دماء رجاله ونسائه وأطفاله. المقاومة الإسلامية برهنت للأمة أن الضعفاء يمكن أن يهزموا القوة الغاشمة، وأن يواجهوا الطغيان، وينتصروا عليه، وأن المظلومين يجب أن يكافحوا؛ ليقيموا العدل في عالم ساد فيه الظلم، واستكبر الطغاة بقوتهم. أما أنت فتلك فرصتك لتؤكد أن الإسلام أغلى من الحياة، وأنك يمكن أن تضحي من أجله بالنفس والمال والولد.. بذلك تنال شرف الدفاع عن الإسلام، وهو يتعرض لأشد المحن قسوة في تاريخه.. وعندما ينتصر الإسلام سيخرج الكثير من المنافقين الذين ينسجون حول أنفسهم الخرافات. لكن الأمة ستتعرف على رجالها الذين صمدوا في المحنة، وبرهنوا على أصالتهم وصدق إيمانهم، فهذه المحنة ستمكن الأمة من اختيار قياداتها، وبذلك ستكون لهذه المحنة نتائج إيجابية، وتسهم في بناء المستقبل. الأمة في المحنة سترى بوضوح أصالة الرجال الذين قرروا أن يتحدوا الطغيان، ويقفوا في صف الإسلام وهم يعلمون ما سيتعرضون له من ابتلاء، وبرهنوا على أن إيمانهم بالله وثقتهم بنصره وحسن الظن به أقوى من قوة الطغاة الغاشمة، وأن الدفاع عن الإسلام هو الشرف والخير والمجد، وأن الموت دفاعا عنه شهادة. إننا يمكن أن نشعر بنعمة الله وفضله أن رزقنا الدفاع عن الإسلام، وهو يتعرض لهذه المحنة، وندافع عن الحق، ونحن نعرف ما يمكن أن نتعرض له من ابتلاء، اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك فنفوز برضاك.. وبالرغم مما نعانيه من آلام وأحزان؛ فإننا نحلم بنصر الإسلام، وعودة الحضارة الإسلامية.
639
| 08 سبتمبر 2024
هناك الكثير من الدراسات التي أوضحت أن العالم يجب أن يتخلى عن مقاييس القوة التي تم استخدامها خلال القرون السابقة، وأن يبحث عن مفاهيم جديدة، ويفكر في قياس القوة بأساليب جديدة. ومن أهم المفاهيم الجديدة «القوة المعرفية» وهو مفهوم يمكن أن يشكل أساسا لبناء المستقبل، ويفتح المجال أمام الكثير من دول العالم للقيام بدور تاريخي وحضاري، وتغيير موازين القوي، وأساليب الصراع في العالم. يقدم آمي زيجارت زميل جامعة ستانفورد في دراسة نشرتها مجلة الشؤون الخارجية مثالا يمكن أن يفتح المجال لمراجعة مفهوم القوة، فالقوة الصلبة يمكن أن تفشل في تحقيق النصر؛ حيث يقول: عندما قامت روسيا بغزو أوكرانيا كانت المخابرات الأمريكية مقتنعة بأن الدبابات الروسية سوف تجتاح أوكرانيا، وتحقق نصرا حاسما اعتمادا على المقاييس التقليدية للقوة، لذلك قامت أمريكا بإخلاء سفارتها في كييف. لكن المعركة ما زالت مستمرة، وأثبتت أوكرانيا أن القوة ليست في الأسلحة المستخدمة، ولكن في السكان الذين حصلوا على تعليم عال، ويستطيعون أن يبتكروا وينتجوا أسلحتهم بأيديهم. ونحن نعتقد أن نموذج غزة يمكن أن يبرهن على صحة النتيجة بشكل أكثر وضوحا، فأوكرانيا تمدها أمريكا بكل أنواع الأسلحة المتقدمة، بينما تحارب أمريكا وأوروبا مع اسرائيل ضد غزة، واستخدمت اسرائيل قوتها الغاشمة في تدمير 70 % من المباني في غزة، وقتل أكثر من 40 الفا، ومع ذلك ما زالت المقاومة الإسلامية صامدة، وتقاتل دفاعا عن الحرية، ومن أجل تحرير فلسطين بأسلحتها التي تمكنت من إنتاجها بنفسها. يقول زيجارت: إن هذا يؤدي إلى تغيير مفهوم القوة الذي يقوم على الموارد المادية التي يمكن قياسها؛ حيث أصبحت المعرفة والاكتشافات العلمية من أهم مصادر القوة، وستصبح أهم أسلحة المستقبل. لكن المعرفة تتطور داخل الجامعات، وشركات الانترنت مثل ميتا (فيس بوك) وانستجرام وواتساب، فهذه الشركات الثلاث تشكل المعرفة التي يتلقاها ثلاثة بلايين من البشر في العالم. يضيف زيجارت: لكن القوة المعرفية الأمريكية تتدهور بسبب الديون الفيدرالية التي جعلت الإنفاق على فوائد الديون أكبر من الإنفاق على الجامعات والتعليم وبرامج البحث العلمي، وأدى ذلك إلى عدم تطوير برامج الأسلحة، وهذا يضعف الدفاع الأمريكي، ويؤدي إلى تناقص القدرة على الابتكار. يضيف زيجارت: إننا نعيش في عالم يقوم على المعرفة؛ لذلك يحتاج صناع القرار في أمريكا إلى التفكير في أساليب جديدة لتطوير القوة الأمريكية؛ فسوف يعتمد الازدهار والأمن في المستقبل على زيادة قوة الدولة في مجال التعليم والبحث العلمي، واستخدام التكنولوجيا في تحقيق الأهداف القومية. إن صناع القرار في أمريكا بالغوا في استخدام أدوات القوة الصلبة والناعمة لهزيمة الأعداء وحماية الأصدقاء. لكن تلك الوسائل لم تعد قادرة على تحقيق أهداف الدولة؛ لذلك يجب أن تعمل أمريكا لزيادة قوتها المعرفية عن طريق تنمية القدرات على الابتكار والتوقع. يضيف زيجارت: إنه من الصعب أن نقوم بقياس القوة المعرفية، لكن ما يجب أن نقوم به تطوير النظام التعليمي لتحقيق التقدم الاقتصادي بتأهيل العلماء والمهندسين للقيام بدورهم المجتمعي بدلا من الانعزال في مكاتبهم ومعاملهم، وزيادة قدرات الجامعات على انتاج المعرفة. يقول زيجارت: إذا كان التعليم هو وسيلة الولايات المتحدة لبناء قوتها، فيجب أن يدرك صناع القرار أن التعليم الأمريكي في أزمة، حيث يتناقص مستوى الطلاب بشكل مستمر مقارنة بالدول الأخرى، لذلك يجب أن يقوم صناع القرار بعملية تقييم للقوة المعرفية، والعمل لتطوير القدرات البحثية للجامعات الأمريكية، وتشجيع الطلاب الأجانب على البقاء في أمريكا والعمل بها. يضيف زيجارت: إن تناقص مستوى التعليم يهدد مستقبل الولايات المتحدة، لذلك يجب أن يكون إصلاح التعليم أولوية ترتبط بالأمن القومي، ويجب أن تفهم واشنطن أن المعرفة قوة. لذلك أكتب هذا المقال لأوجه دعوة مخلصة لكل الدول العربية لتقييم نظمها التعليمية، لاكتشاف قدرتها على تأهيل الخريجين للابتكار، وانتاج الأفكار الجديدة، والقدرة على تقديم المبادرات، فهذا هو الطريق لبناء القوة المعرفية التي تشكل أساسا للمستقبل. لكنني يمكن أن أضيف أن تأهيل الخريجين ليصبحوا قادة للمعرفة يرتبط بحماية الحرية الأكاديمية، وحماية حقوق الأساتذة والطلاب، وتشجيعهم على التعبير عن آرائهم.
477
| 01 سبتمبر 2024
تحتاج الأمة إلى طرح أسئلة جديدة تسهم الإجابة عنها في بناء المستقبل، لذلك يجب أن يطلق العلماء خيالهم لتطوير علوم جديدة، ومواجهة التحديات، وإعداد أجيال جديدة تستطيع أن تغير الواقع وتحقق المجد والانتصارات. ومن أهم تلك الأسئلة كيف يمكن أن يسهم الأدباء في إعداد القادة عن طريق رواية قصص الأبطال، الذين تمكنوا من مواجهة التحديات.. وقد بدأت بعض الجامعات في استخدام القصص في برامجها لإعداد القادة؛ حيث لاحظ جوزيف باداراكو أستاذ إدارة الأعمال بجامعة هارفارد أن طلابه يحتاجون إلى فهم الطبيعة الإنسانية، لذلك بدأ يستخدم القصص في تحفيز الطلاب على التفكير، وتطوير أحكامهم الأخلاقية. وعلى النهج نفسه سار أساتذة آخرون في استخدام القصص لتوضيح مميزات القيادة ووظيفتها، وإثارة خيالهم لبناء رؤية جديدة؛ فقراءة الأدب يجب أن لا تكون بهدف التسلية، لكنها يمكن أن تطور عملية إعداد القيادات. لكن الغرق في الواقعية خلال القرن العشرين جعل معظم الإنتاج الأدبي يركز على وصف الواقع، ويصور خضوع أبطال القصص واستسلامهم وضعفهم وعجزهم وانهيار ثقتهم في أنفسهم.. وهذه القصص يمكن أن تكون مسلية، وتعبر عن مشاعر الكثير من الناس الذين يواجهون الواقع بعجز، ويخافون من المقاومة التي يمكن أن تحمل الكثير من المخاطر. وهذا يمكن أن يفسر لنا قلة المؤهلين للقيادة في العالم العربي، فلم يكن هناك ما يشجع على التقدم للقيادة، فالشخص العادي يؤثر السلامة والانزواء والبحث عن تحقيق مصالحه الذاتية الدنيا التي تدور حول الحصول على حاجاته المادية دون التطلع إلى تحقيق الذات، والدفاع عن القيم والمبادئ. وهناك الكثير من القصص التي بالغت في تصوير النجاح بالمقاييس المادية الغربية، وصورت النهايات الحزينة لأولئك الذين يتمسكون بالمبادئ والقيم، ويدافعون عن حقوق شعوبهم وآمالها في الحرية والاستقلال، ولم تستطع تلك القصص إثارة خيال الشباب ليصبحوا أبطالا، فالبطولة يمكن أن تؤدي إلى دفع ثمن لا يستطيعه الإنسان العادي. لذلك تحتاج الأمة إلى أدب جديد يرفض الاستسلام للواقعية، ويحرك أشواق الناس للتغيير الذي يمكن أن يحقق التقدم والحرية والاستقلال. هذا الأدب الجديد يمكن أن يسهم في إعداد القادة عن طريق رواية قصص الأبطال، والتاريخ الإسلامي يقدم لنا الكثير من النماذج التي تثير الخيال، ويسهم تصوير حياتها في إعداد قادة المستقبل. من أهم ما يميز أبطال التاريخ الإسلامي تمسكهم بالمبادئ والدفاع عنها، والتضحية بالمال والنفس دفاعا عن الدين والحق والعدل، وأنهم قادوا عملية تغيير للواقع، وبنوا حضارة عظيمة. إن قصص هؤلاء القادة تلهم الشباب، وتطلق خيالهم، وتشحذ عزائمهم للقيام بأعمال عظيمة، ويمكن أن يقدم لنا أبطال المقاومة الإسلامية الفلسطينية مثالا واضحا على أهمية قصص الأبطال لإطلاق الخيال، وبناء رؤية لتغيير الواقع، فشباب فلسطين تمت تربيتهم على قصص أبطال الإسلام؛ لذلك لم يخضعوا للواقع، وخططوا لتغييره، وقرروا تحرير فلسطين. على سبيل المثال ألهمت قصة الشيخ عز الدين القسام الذي واجه الاحتلال بما يملكه من سلاح بسيط، مرددا شعاره «إنه لجهاد نصر أو استشهاد» الكثير من الشباب، وأسهمت قصته في تحويل الكثير منهم إلى قادة لكفاح شعبهم، يضحون بأنفسهم من أجل تحرير فلسطين. وهذا يثير سؤالا: ماذا لو شجعت الأمة الأدباء ليكتبوا قصص الآلاف من أبطال الإسلام، ويصوروا مشاعرهم وأهدافهم ورؤيتهم للحياة، وماذا لو تم نشر هذه القصص لتشكل أهداف الشباب، وتعيد صياغة حياتهم لتحولهم إلى قادة يحلمون بالحرية، ويعملون لتغيير الواقع. إن ذلك يمكن أن يشكل نهضة أدبية عربية جديدة، ويسهم في إصلاح النظم التعليمية، بحيث يكون هدفها إعداد القادة الذين يبنون المستقبل، ويقدمون أفكارا جديدة، تواجه بها الأمة التحديات. من المؤكد أن الاستعمار كان يدرك خطورة هذا الاتجاه.. لذلك استخدم الأدباء المتغربين للتركيز على الواقعية، والمبالغة في تصوير الضعف الإنساني الذي يدفع للعجز والخنوع والخضوع والاستسلام، كما شجعت النظم الاستبدادية هؤلاء الكتاب بتوفير أسباب الشهرة لهم. لكن لكي تبني الأمة مستقبلها وتحقق الانتصارات يجب أن تشجع الأدباء الذين يقدمون لها قصصا أبطالها الذين غيروا الواقع وبنوا الحضارة، ودافعوا عن المبادئ، وصاغوا رؤيتهم التي استمدوها من الإسلام دين الحق والتوحيد والحرية والعدل.
240
| 25 أغسطس 2024
أعترف لكم بأنني أرفض الواقعية، وأرى أنها تقيد الخيال السياسي، وأن القائد يجب أن يعمل لتغيير الواقع برؤية طموحة، وأن يقود شعبه لبناء المستقبل.. ولقد كان من أهم أهداف الاستعمار الثقافي الغربي أن يفرض على شعوبنا الاستسلام للواقع الذي يقوم على أن الغرب يمتلك القوة المادية ؛ لذلك يجب ان يسيطر على العالم. وبالفعل نجح الاستعمار الثقافي في ذلك ؛ وكان من أهم نتائج تلك الواقعية أن شعوبنا أصبحت تشعر بالعجز والخوف والسلبية والوهن واليأس، وأنه لا سبيل أمامها سوى الاستسلام، فالواقع يزداد كآبة وقسوة وظلما وظلاما ؛ لذلك يجب أن يحافظ الإنسان على حياته مهما عانى من شظف العيش والفقر والمرض والظلم. كانت تلك النتيجة التي حققها الاستعمار الثقافي أهم أسباب السيطرة الغربية التي أتاحت للشركات الغربية نهب ثروات الشعوب، واغراقها في الديون وافقارها. لذلك يجب أن نفكر بأساليب جديدة، ونطلق العنان لخيالنا، وننتج أفكارا جديدة، ونقود شعوبنا في مرحلة كفاح جديدة ضد الاستعمار والاستبداد. لكن قبل ذلك يجب أن تتعلق قلوبنا بالله لكي نشحذ بصيرتنا، وتنطلق عقولنا، ونكتشف ما يمكن أن يوفره الواقع من فرص للتحرر من الاستعمار. نموذج المقاومة الاسلامية في غزة يمكن أن يسهم في اطلاق خيالنا، ويزيد قدرتنا على بناء رؤية جديدة للمستقبل، فأهم ما يميز هؤلاء المقاتلين من أجل الحرية هو ايمانهم، وقد قدموا لكل شعوب العالم البرهان على أن هذا الإيمان أهم مصادر القوة ؛ حيث شحذ عزائمهم ؛ فرفضوا الاستسلام للواقع، وخططوا لتغييره. المقاومة الاسلامية في غزة درست الواقع جيدا، وتعرف قوة العدو الاسرائيلي، وتعلم يقينا أن هدفه إبادة الشعب الفلسطيني، وتهجيره قسريا، وانهاء القضية الفلسطينية. لكنها تحدت قوة الجيش الاسرائيلي الغاشمة، وأوشكت أن تكمل العام الأول وهي تقاوم بشجاعة الرجال الأحرار الذين يصرون على تحرير أرضهم مهما كانت التضحيات. عندما يتعلق القلب بالله القوي العزيز فإن هناك الكثير من الفرص التي يمكن أن نراها في الواقع الكئيب، من أهمها انتصار النموذج الذي قدمته المقاومة الاسلامية لكل الأحرار في العالم، والذي يقوم على أن الشعوب تستطيع أن تتحدى القوة الغاشمة، وتصمد وتقاوم وتغير الواقع. ولقد كان انتصار النموذج مجدا وشرفا للمقاومة ؛ حيث سيكون له تأثيره على الشعوب خلال السنوات القادمة ؛ فمن المؤكد أن اعجاب الأحرار في كل العالم بالمقاومة الاسلامية في غزة يتزايد ؛ ولذلك فإن هذا النموذج يمكن أن يقود كفاح الشعوب في كل أنحاء العالم. المقاومة الاسلامية في غزة أثبتت أن الشعوب تستطيع أن تقاوم القوة الغاشمة، وتغير الواقع، وتحرر أرضها، وتبني مستقبلها علي قواعد الحرية والعدل والشورى. كما أثبتت المقاومة الاسلامية في غزة أن القوة الغاشمة ؛ لا يمكن أن تقهر ارادة شعب يمتلك الحلم والايمان والارادة والعزيمة والشجاعة، فالمقاومة تودع شهداءها، ثم تواصل كفاحها، وهي تحصل كل يوم على مجد جديد يتمثل في مقاومة الظلم والقهر والاحتلال. لذلك عندما يتعلق القلب بالله؛ فإن البصيرة يمكن أن ترى أضواء انتصارات تبدو في الأفق البعيد، من أهمها أن الشعوب يمكن أن تقلد المقاومة الاسلامية في غزة فتنفض عن كاهلها تراب الخوف، فتنتفض وتغير واقعها البائس. المقاومة الاسلامية في غزة تغير الواقع العالمي بالنموذج الذي قدمته للشعوب، والذي يمكن أن يسهم في اطلاق قادة جدد لخيالهم، والتعبير عن آمال شعوبهم في الحرية. العالم يرى الآن أنه بعد 11 شهرا لم يتمكن جيش الاحتلال الاسرائيلي بكل قوته الغاشمة من تحقيق أي هدف من تلك الأهداف التي حددها النتن ياهو، وكل ما يستطيع أن يفعله هو ارتكاب المذابح ضد المدنيين، فتتزايد كراهية الشعوب، واحتقارها لذلك الجيش التي أصبحت قوته الغاشمة وبالا عليه. أما المقاومة الاسلامية فإن ايمانها بالله وثقتها في نصره يملأ قلوب رجالها شجاعة وقوة واصرارا على تحرير فلسطين، وينتج المقاومون الكثير من الأفكار الجديدة التي لا يتوقعها العدو. لذلك فإن القلوب التي تعلقت بالله تتحدى الواقع والقوة الغاشمة، وتواصل المقاومة حتى يأتي أمر الله، ويتحقق وعده لعباده المؤمنين بالنصر. ومن يتعلق قلبه بالله تنطلق بصيرته لترى أضواء النصر، ويتقدم لقيادة شعبه في طريق الحرية.
399
| 18 أغسطس 2024
الثروة الفكرية والثقافية من أهم مصادر قوة الأمم، فهي التي تشجع الناس على الفعل والعمل ؛ والبحث عن الثروات المادية، واستخدامها في تحقيق التنمية والتقدم. كما أن الثقافة تشجع الأفراد على الابتكار وانتاج الأفكار الجديدة، وتزيد قدرة القيادة على بناء رؤية جديدة والتخطيط للمستقبل، لكن الاستعمار عمل طوال القرنين الماضيين على نشر ثقافة الخوف من التغيير، والاستسلام للواقع والعجز والسلبية ؛ فدمر قدرات الأمة.ثقافة الاستسلام للواقع ؛التي كان نشرها من أهم أركان الاستعمار الثقافي، كانت من أهم أسباب انتشار السلبية والجبن والخوف من التعبير عن الأفكار الجديدة، لذلك تخلفت الكثير من الدول لأنها لم تتمكن من توظيف ثروتها البشرية ؛ حيث شل الخوف قدرات الناس على التفكير والتعبير لذلك كان أهم انجازات الشيخ أحمد ياسين أنه قام بتربية جيل جديد رفض ثقافة الوهن والخوف والاستسلام للواقع، وأطلق العنان لخياله السياسي والاجتماعي والأدبي والعلمي ؛ فأنتج أفكارا جديدة لم يستطع العدو أن يتوقعها. ولقد قدم الشيخ المثل والقدوة لهذا الجيل من المقاتلين من أجل الحرية والتحرير، فأثبت لهم أنه مهما كانت الظروف، يستطيع الإنسان أن يقاوم، ويتحدى الواقع ويغيره، وينتج رؤية جديدة، وأن الارتباط بالإسلام عقيدة وشريعة وحضارة وثقافة أهم مصادر قوة الانسان والأمة. هذه الفكرة ترسخت في عقول وقلوب جيل جديد من الشباب، وجذبت الكثير من الحالمين بالحرية والعودة وتحرير القدس وفلسطين، وتحدى هذا الجيل واقعه، بعد أن قام بدراسته علميا، حيث كانت القيادات التي رباها الشيخ أحمد ياسين تعرف جيدا قوة العدو، وكم عانت من ظلمه وقسوته في السجون. تلك القيادات امتلكت حلما شحذ العقول للتفكير والتخطيط لبناء المستقبل، وفجر الطاقات، وجعل الشباب ينتجون الأفكار ويعملون لتنفيذها، وكلما استشهد قائد تقدم قائد جديد يحمل في قلبه حلم التحرير، وينتج أفكارا جديدة لتحقيقه. استشهد الشيخ أحمد ياسين بكل ما كان يمثله لهذا الجيل، فهو الرمز والاستاذ الذي قام بصياغة الحلم والرؤية، وربي الجيل الذي يمكن أن يحققها، لكن المقاومة استمرت، وكانت القيادات الجديدة أمينة على الرؤية والحلم، فقامت بغرسها في قلوب الكثير من الشباب، وأطلقت خيالها لانتاج أفكار جديدة تتناسب مع التطورات. لقد أصبحت الرؤية هي أساس القيادة في شعب يحلم بتحرير أرضه، وكان من أهم نتائج تلك الرؤية أن انتفض عشرات الآلاف من الشباب، عملوا بكل طاقتهم لتغيير الواقع، فأنتجوا أسلحتهم في انفاقهم من مخلفات القنابل التي ألقاها عليهم العدو ليستخدمها في إبادتهم.لذلك كانت ثقافة المقاومة التي تشكلت منذ أن بدأ الشيخ أحمد ياسين رحلته في المساجد أصبحت أهم مصادر قوة شعب فلسطين، فلم يستطع جيش الاحتلال الاسرائيلي بقوته الغاشمة أن يكسر إرادة هذا الشعب بالرغم من أنه قتل أربعين ألفا، ودمر 70 % من بيوت غزة. من بين أنقاض البيوت ؛ التي دمرها الاحتلال يخرج المقاتلون من أجل الحرية لجيش الاحتلال الاسرائيلي ؛ فيقاتلون قتال الفرسان المؤمنين بأنهم سيحققون النصر مهما طال الزمن، ومهما كانت التضحيات. يخرج الفارس المؤمن لجيش الاحتلال، وهو يتمنى الشهادة لنفسه، وهنا يبرز مفهوم الشهادة باعتباره من أهم المفاهيم التي تقوم عليها ثقافة المقاومة، فهو المفهوم الذي جعل الشعب الفلسطيني يتغلب على الوهن والخوف والضعف. أما النصر فيؤمن كل المقاتلين المؤمنين بأنه بيد الله وحده، وانه سيأتي حتما في الوقت الذي يريده الله، فهو وعد الله للمؤمنين ولا يخلف الله وحده، ولذلك يقاتل المؤمنون عبادة لله وجهادا في سبيله طلبا لرضاء الله. هذه الثقافة لا يمكن أن تتعرض للهزيمة، ولن يستطيع جيش الاحتلال مواجهتها بقوته الغاشمة ؛ لأن الأفكار تنتشر، ويحملها المؤمنون بها، فتشحذ العزائم، وتسهم في تربية قيادات جديدة، فكلما استشهد قائد برز قائد جديد يحمل الرؤية ويعبر عن الحلم فيخطط، ويطور العمل.هكذا تحولت ثقافة المقاومة إلى أهم مصادر القوة، وهو مصدر متجدد لا ينضب، وكل يوم يتم اضافة الكثير من الأفكار له، ويظهر قادة جدد يحملون هذه الثقافة.. لكن هل يمكن أن تتحول هذه الثقافة إلى مصدر لقوة الأمة الإسلامية، ووسيلة لتغيير واقعها وبناء مستقبلها ؟!
537
| 11 أغسطس 2024
الشهادة أجمل خاتمة لحياة قائد عاش يجاهد لإعلاء كلمة الله، ويدافع عن القدس، ويعمل لتحرير أرض فلسطين، ويتمسك بمبادئه، ويرفض الخضوع للواقع. اسماعيل هنية قائد تاريخي لحركة مقاومة تقاتل من أجل حرية وطن وشعب، ولعل من أهم انجازات الشيخ أحمد ياسين أنه تمكن من تربية الكثير من القادة مثل اسماعيل هنية.. إنك تستطيع أن تلاحظ جمال ذلك الانجاز عندما تستمع إلي كلمات قادة المقاومة، واصرارهم على التمسك بمبادئهم، وقدرتهم علي التعبير عن قضيتهم بوضوح وبلغة عربية فصحى كدليل على الأصالة وصدق الانتماء للأمة الاسلامية العظيمة. أستطيع أن أقدم لكم دراسة عن اسماعيل هنية كشخصية قيادية يمكن أن تسهم في تطوير علم القيادة.. لكن الوقت ليس مناسبا لهذا العمل؛ فالأمة الإسلامية تودع قائدها الشهيد، وتحتاج إلى معان جديدة يمكن أن تسهم في تحقيق نصر أعتقد يقينا أنه اقترب، وإننا يمكن أن نرى أضواءه. لكن يمكن أن أقول أن القائد يموت لتحيا رؤيته ومبادئه ورسالته وقضيته، ويلهم أمته الاصرار على تحقيق أهدافها، والموت شهادة أعظم دليل يقدمه القائد للأمة على أنها تستطيع أن تحقق النصر. وطوال التاريخ قدمت الأمة الإسلامية ملايين الشهداء، قام كل شهيد فيهم بعمل عظيم، وقدم روحه من أجل المبادئ التي يؤمن بها، والأمة الإسلامية تعتز وتفخر بكل شهدائها من القادة والجنود، ولا تميز بين قائد وجندي ؛ فكل إنسان يقوم بدوره، ويعمل لتحقيق الهدف. واسماعيل هنية نال الشهادة بعد أن ودع 60 من عائلته، وأربعين ألفا من شعبه الصامد الذي يقاوم ويصر على تحرير أرضه، وظل يردد طوال حياته أنه "مشروع شهادة "، وسوف تودع الأمة شهيدها، وتنتفض إرادتها على ضوء دمه الطاهر، وسيظهر آلاف القادة من تلاميذه ليكملوا الطريق نحو القدس، فتحريرها هو الهدف والأمل. على ضوء دم هنية سيبدع القادة الجدد الكثير من الأفكار الجديدة التي لا يتوقعها العدو، وسيكتشف أن هنية الذي قتله النتن ياهو غدرا يوفر لشعبه القدوة والمثال، وأن الملايين من شعب فلسطين يسير على الطريق نحو القدس. أما اسماعيل هنية ؛ فإنه بالتأكيد قد فاز فقد عاش حياته مخلصا لدينه ومبادئه، ومات شهيدا كريما عزيزا لم يفرط أو يخضع أو يلين. كان الشهيد اسماعيل هنية يؤم المصلين في كل مساجد غزة، وكان يحب أن يتلو هذه الآية "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون " سورة آل عمران 169- 170. تلك هي الحقيقة التي أنعم الله علينا بمعرفتها في كتابه الكريم ؛ لنقوم في ضوئها بصياغة أهداف حياتنا، وتصورنا عن الحياة والموت الذي نؤمن أنه ليس نهاية الحياة. هكذا ظن النتن ياهو وهو يوجه صاروخه إلى جسد اسماعيل هنية، ولم يدرك أن اسماعيل سيظل حيا عند ربه، وستظل الأمة تحفظ كلماته، وتعمل لتحقيق الهدف العظيم وهو تحرير القدس. والنتن ياهو أصابه غرور القوة بعمى البصيرة، فوسيلته الوحيدة في مواجهة المقاومة هي الابادة والقتل والتدمير والتخريب، ونحن نعرف قوته جيدا، ونعلم يقينا أن أمريكا تمده بكل أنواع الأسلحة التي تكفي لإبادة البشرية كلها. لكن النتن ياهو لا يفهم أننا أمة متميزة تقدم شهداءها، وتفخر بهم، وتؤمن أنهم أحياء عند ربهم، وعلى ضوء دمائهم تطور أساليبها في المقاومة، ويبدع القادة الجدد الكثير من الأفكار الجديدة التي لا يمكن أن يتوقعها النتن ياهو وكيانه المغتصب.. ومن المؤكد أن اسماعيل هنية يحتل مكانة مهمة في تاريخ أمتنا كقائد سياسي ودبلوماسي، وكمقاتل من أجل الحرية. لكن هناك الكثير من القيادات في غزة ستأخذ دورها وتسير على الطريق، وتعبر عن الإصرار علي تحرير فلسطين، والأمة الإسلامية تقدم القادة طوال التاريخ، فهي تودع شهداءها، وتواصل الطريق، ويمكننا أن نرى أضواء النصر على ضوء شهادة اسماعيل هنية. من يشحذ بصيرته يمكن أن يرى حقيقة مهمة هي أن الأمة التي تقدم الشهداء سوف تحقق النصر، وأبشركم أنه اقترب، إننا يمكن أن نراه بوضوح.
1056
| 04 أغسطس 2024
تأمل معي بعض أحداث التاريخ؛ لتكتشف أن الأمة الإسلامية تعرضت للكثير من الهزائم المريرة، وأنها قدمت ملايين الشهداء، وتعرض المسلمون للكثير من المذابح، ومع ذلك ظلت الأمة حية تقوم بدور حضاري تاريخي في اضاءة طريق الحق للبشرية. دعني أقدم لك بعض الأدلة على أن هذه الأمة لا يمكن أن تخرج من التاريخ، وستظل فاعلا فيه؛ مهما بلغت قسوة الهزائم والمظالم والكوارث التي تتعرض لها. ويمكن هنا أن أشير إلى جانب جديد، وهو أن الهزائم التي تعرضت لها الأمة تثبت أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ القرآن الكريم، كما أنزله على سيدنا محمد عن طريق أمين الوحي جبريل عليه السلام، وأنه بالرغم من كل تلك الهزائم التي تعرضت لها الأمة لم يستطع أحد أن يغير فيه حرفا، وظل هناك الملايين من الحفاظ والعلماء يحرصون على تلاوته، ويحفظونه بألفاظه ونسيجه الصوتي الذي يأسر القلوب. وبالتأكيد فإن تلك معجزة لا يمكن أن يكون الفضل فيها للأمة، بل إن الفضل لله سبحانه وتعالى وحده، فهو الذي حفظ كتابه، وهو مصدر حضارة الأمة وثقافتها وقوتها، وطالما أن هذا الكتاب موجود فإن الأمة ستشق طريقها قريبا لتستعيد مكانتها الحضارية. هذه النتيجة هي محصلة عشرات السنين من البحث العلمي، والقراءة المتعمقة للتاريخ، ولما أنتجه المستشرقون من كتب ودراسات بعضها كان يصدر من رؤية معادية متحيزة، والقليل منها التزم بقدر من البحث عن الحقائق بهدف مساعدة الغربيين على السيطرة على الأمة. لذلك يمكن أن أبرهن لك علميا على أن الأمة الاسلامية سوف تنتفض يوما وتقاوم وتنهض وتنتصر، فليست هناك هزيمة يمكن أن تستمر. لكن النصر ليس سهلا، فهو نتيجة لجهد وجهاد وعمل وتخطيط ووعي وعلم ومعرفة يجب أن يشارك فيه علماء الأمة، الذين يجب أن يطلقوا خيالهم، ويبحثوا عن أسباب الهزائم والانتصارات. أستطيع أن أقدم لكم الكثير من الأدلة من التاريخ، وسأكتفي اليوم بمثال واحد، عندما جمعت أوروبا كل قوتها المادية والدينية، وقاد ملوكها حملات صليبية متتابعة استغلت حالة الانقسام والفرقة والتشرذم والحروب الداخلية، وتمكنت من احتلال الشام وفلسطين، وارتكبت الكثير من المذابح من أهمها مذبحة المسجد الأقصي التي خاضت فيها خيول الصليبيين إلى ركبها في دماء العلماء وطلاب العلم، طبقا لاعتراف قساوسة شاركوا في الحملة ووصفوا ذلك في رسائل لبابا روما، حيث قدروا عدد الشهداء المسلمين بـ 70 ألفا. وهذا نموذج واحد فقط للكثير من المذابح التي ارتكبتها هذه الحملات. لو أنك سألت أحدا من الذين عاصروا تلك الأحداث: هل يمكن أن تنهض الأمة الإسلامية يوما وتنتصر؟ لنظر لك ساخرا كما يفعل اليوم الواقعيون المتغربون الذين يعيشون حالة الانبهار بالقوة الغربية. فلم يكن هناك ما يشير في ذلك الزمن إلى امكانية تغيير الواقع الكئيب، فالأمة تعاني من التمزق، بما لا يدع لأحد أن يجول بخاطره أن هذه الأمة يمكن أن تتوحد يوما. لكن المعجزة تحققت، فانتفضت الأمة وتوحدت، وقاومت الوهن، وانتصرت على عجزها وضعفها، فتمكنت من تحقيق انتصارات عظيمة كان من أهمها تحرير المسجد الأقصي، فالتاريخ يؤكد لنا أن الأمة الاسلامية تكون قوية عندما يكون هذا المسجد تحت السيادة الاسلامية، فهو مجتمع معرفة اسلامي يقوم بوظيفة حضارية، وتنتشر منه أضواء العلم. كيف حدثت هذه المعجزة، وكيف تمكنت الأمة في سنوات قليلة من استعادة وحدتها وهزيمة أوروبا. دعك من التفسيرات الغربية المتحيزة التي تدور حول ضعف الحملات الصليبية بسبب الصراعات فيما بينها. كما أننا نسير على نهج المؤرخين المسلمين في التركيز على دور القيادة، حيث إن القيادة المخلصة المؤمنة تقوم بدور رئيس في تحقيق الوحدة والانتصارات، لكنني أشير إلى أهمية القوة الذاتية الكامنة في هذه الأمة، وأهم ما يمكن أن تقوم به القيادة أن تعيد للأمة هذه القوة الذاتية، وتجعل الناس يدركون أنهم يستطيعون أن يحققوا أهدافا عظيمة. والإسلام يوفر للأمة قوة معنوية وروحية وفكرية هائلة يمكن أن تكون أساسا لتحقيق انتصارات عظيمة، عندما تتمكن قيادة مخلصة من تعبئة هذه القوة واستثمارها. كيف؟ أعتقد أن الإجابة هي نتيجة لجهد علماء الأمة خلال السنوات القادمة، فهل ينتفض العلماء ليقوموا بدورهم التاريخي الجديد؟.
333
| 28 يوليو 2024
تأمل معي ما يحدث اليوم في العالم من مذابح وفقر ومجاعات ؛ فستكتشف أن كل الشعوب تواجه حالة ظلم عام، وأن كل الأيديولوجيات التي تطورت خلال القرنين السابقين أسهمت في وصول العالم لهذه الحالة. أما مشروع التنوير الأوروبي الذي يقوم على العلمانية والليبرالية والفردية والمادية فقد تم استخدامه لإخضاع الشعوب للاستعمار الغربي، وعملية النهب المنظم لثرواتها، وبناء التقدم الغربي علي حساب الشعوب التي تم غرس الوهم بأنها متخلفة ولا يمكن أن تحقق التقدم، وعليها أن تبيع ثرواتها للشركات الرأسمالية الغربية بأبخس الأسعار لتقوم بتصنيعها. عندما اشتعلت ثورات التحرير في القارة الافريقية في ستينيات القرن الماضي، اتجه الثوار إلي الاشتراكية باعتبارها البديل الذي يمكن أن يسهم في تحقيق استقلالها، لكن بعد عقود فشلت خطط التنمية، وتزايد الفقر، والمجاعات والحروب الأهلية. والآن لم يعد أمام هذه الشعوب سوى البحث عن طريق جديد لبناء مستقبلها، فهذا الظلم سوف يدفع للانفجار، وسوف يتطاير الشرر في كل الاتجاهات ليصيب كل الأنظمة التي ستستخدم كل قوتها الغاشمة في مواجهة الجماهير الغاضبة ؛ مما سيؤدي إلي الكثير من المذابح والهجرة. يمكن أن نلاحظ بوضوح أن هناك حالة اعجاب عام في كل الشعوب المقهورة خاصة في افريقيا بالمقاومة الفلسطينية، وصمودها البطولي أمام قوة جيش الاحتلال الاسرائيلي الغاشمة، وهذا يعني أن الشعوب يمكن أن تنتزع حريتها عندما تمتلك الحلم والإرادة والعزيمة والاخلاص والايمان. والاسلام هو مصدر قوة المقاومة، وهو الذي يعبر عن أشواق الشعوب للحرية والتحرير، لذلك فإنه يمكن أن يقود كفاح الشعوب خلال هذا العقد. لكن لكي يتحقق ذلك يجب أن نعرف كيف نقدم الاسلام لهذه الشعوب، فالعدل هو أهم ما تحتاج إليه فالظلم كسر القلوب، وحطم قدرات الناس علي التفكير والابتكار، وهو المسؤول عن حالة الجمود والتخلف التي تعاني منها الكثير من الدول. ومن أهم وظائف الأمة الإسلامية إقامة العدل الذي يرتبط بتكريم الله للإنسان، فهذا التكريم يرتبط بحماية حرمة جسد الانسان ونفسه ودينه وماله وعرضه وعقله، ومنع أي اعتداء علي هذه الحقوق، وعندما يشعر الانسان بالآمان ؛ فإنه يطلق لخياله العنان فيفكر ويبدع ويبتكر. وعدل الاسلام هو الذي يعطي لحياة الانسان معنى، فيجعله يتمسك بالحياة، ويكون لديه أمل في الإصلاح مهما كانت قسوة الظروف، ويمكن أن يشارك مع الآخرين في العمل لتحقيق أهداف عظيمة، وهذا يشكل أساسا لإقامة المجتمعات، ويحمي تماسك المجتمعات وتوحدها ؛ فالمجتمعات لا تقوم إلا العدل ؛ أما الظلم فإنه يدمرها ويخرب عمرانها. لو تأملنا حال الكثير من المجتمعات سنجد أن الانقسام والكراهية والعنصرية أهم السمات التي تشكل حياتها، وأنها مصدر الكثير من المظالم التي تعاني منها هذه المجتمعات، ولا يمكن معالجة ذلك إلا بالإسلام الذي يمكن أن يواجه كل تلك المشاعر العنصرية. إن القراءة المتعمقة للواقع توضح أنه لم يعد أمام البشرية سوى الإسلام الذي يمكن أن يعيد لها الأمل والعدل والتوازن ومعنى الحياة، والشعوب الفقيرة التي عانت طويلا من الاستعمار لم يعد أمامها سوى الاسلام تستمد منه قيم الحق والعدل والكرامة الانسانية. والسنوات القادمة ستحمل للبشرية الكثير من المفاجآت، فهناك الكثير من الحروب سوف تشتعل، والكثير من الدماء سوف تسيل في كل أنحاء العالم. والمسلمون هم أكثر من يتعرضون للظلم والقهر في عالمنا، ولن يجدوا سوى الاسلام يحتمون به، والاسلام سوف ينقذهم عندما يكتشفون وظيفة الأمة الاسلامية في اقامة العدل. العدل قيمة عليا وأساس بناء الحضارة الاسلامية، التي عاش الناس في ظلها قرونا طويلة يتمتعون بحقوقهم دون قهر أو اجبار أو اكراه، وعندما غابت شمس هذه الحضارة انتشر الظلم والفساد. لكن هل تشرق شمس الحضارة الاسلامية من جديد ؟! الإجابة يجب أن تقدمها الأمة الإسلامية بكفاحها، واجتهاد علمائها، وحركة شعوبها للتحرر ؛ لكن هناك الكثير من المؤشرات أهمها أن حاجة البشرية تشتد لها لتقيم العدل بعد أن انتشر الظلم والزيف والقهر. كما أن المقاومة الفلسطينية تقدم الدليل على أن الشعوب يمكن أن تتحدى القوة الغاشمة، وتكافح لانتزاع حريتها وتحرير أرضها، ومهما كان الثمن الذي ستدفعه الشعوب ؛فإن الحرية جميلة، ولا حياة بدونها، والإسلام هو الذي يحقق العدل.
384
| 21 يوليو 2024
هناك الكثير من الأحداث التي لا تهتم بها وسائل الإعلام، وتحاول التعتيم عليها ؛ بالرغم من أنها يمكن أن تسهم في زيادة قدرتنا علي استشراف المستقبل.. من أهمها تراكم الديون على الدول النامية، مما دفعها للتوقف عن النمو، لذلك يجب أن تخطط الدول الغنية لمواجهة أزمة اقتصادية عالمية جديدة. طرح مارك سوزمان سؤالا يثير الخيال السياسي والاقتصادي هو: هل تدفع الديون الدول النامية للانهيار؟ ويبدأ إجابته بإلقاء الضوء علي المظاهرات التي شهدتها كينيا خلال الشهر الماضي. التفسير السطحي الذي قدمته وسائل الاعلام لتلك المظاهرات ؛ أنها كانت ردا على القانون الذي أصدره البرلمان الكيني الذي يتضمن زيادة الضرائب.. لكن دراسة الأحداث برؤية أكثر عمقا توضح أن كينيا ككل دول افريقيا تواجه أزمة اقتصادية بسبب الديون، وأنها لم تستطع مواجهة هذه الأزمة إلا بمواجهة خيارات مستحيلة من أهمها زيادة الضرائب وتقليل الانفاق على الصحة والتعليم. لقد واجهت القيادة الكينية أزمتها؛ التي تزايدت حدتها خلال الأعوام الماضية ؛ بسبب حاجتها لتسديد أقساط الديون وفوائدها التي أصبحت تستنزف الثروات القومية، والدخل القومي، ولذلك لجأت لإصدار سندات بفائدة 10% للحصول على ديون جديدة، لكن كلما تراكمت الديون تزايدت الأزمة، واضطرت الحكومة للتضييق على الشعب، وتأخير دفع رواتب الموظفين. لكن تحت ضغط المظاهرات اضطر الرئيس الكيني إلى الغاء القانون الذي أصدره البرلمان.. لكن هل يشكل ذلك حلا ؟!! من المؤكد أن الأزمة الاقتصادية في كينيا تتزايد حدتها، حيث تضطر الحكومة إلى انفاق ما يزيد على 75% من دخلها علي خدمة الدين. ومع ذلك تبدو حالة كينيا أفضل من الكثير من الدول الإفريقية التي تبخرت كل مدخراتها بسبب تسديد فوائد الديون، وتوقفت فيها كل برامج وخطط التنمية. يرى مارك سوزمان في مقاله الذي نشرته مجلة الشؤون الخارجية ( فورين أفيرز ) أن الديون هي السبب الرئيس في كل مشاكل الدول النامية، وقد ساهمت جائحة كورونا في زيادة عجز هذه الدول علي الوفاء بأقساط الديون وفوائدها؛ بالاعتماد على مواردها المحلية، أو حتى بالحصول علي ديون جديدة. يشير سوزمان إلي عامل آخر أسهم في زيادة حدة الأزمة هو قيام الولايات المتحدة برفع معدل الفائدة في مارس 2022 ؛ ففقدت الكثير من الدول النامية قدرتها على الحصول على قروض جديدة، واضطرت لتخفيض عملتها المحلية. لذلك أصبحت 19 دولة افريقية عاجزة عن دفع أقساط ديونها وفوائدها، كما فقدت هذه الدول قدرتها على ادارة ديونها باستخدام مواردها لسداد هذه الديون، ولم تعد لديها القدرة على تمويل الاستثمارات، أو المحافظة علي حياة سكانها. يضيف مارك سوزمان: إن قيمة الفوائد التي تدفعها 75 دولة فقيرة معظمها في افريقيا تضاعفت خلال العقد الماضي ؛ فهذه الدول يجب أن تدفع 185 بليون دولار فوائد ديون خلال عام 2024، وطبقا للبنك الدولي ؛ فإن الانفاق على سداد فوائد الديون؛ يفوق الانفاق على الصحة والتعليم والبنية التحتية. بتحليل تلك المعلومات يستنتج مارك سوزمان أن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الدول الفقيرة ستتحول إلى أزمة عالمية ؛ فهذه الدول لم تعد قادرة على مواجهة تغيرات المناخ وانتشار الأمراض. هذه الأزمة الاقتصادية ستؤثر على الاستقرار السياسي للدول، وستؤدي إلى انهيارها، وستجبر السكان على الهجرة، مما سيؤثر علي كل دول العالم. إن أزمة الديون التي غرقت فيها الدول النامية خاصة الدول الافريقية ستؤدي إلى انفجار الكثير من الصراعات والحروب الأهلية ؛ حيث يشير سوزمان إلى أن الأزمة الاقتصادية في كينيا أدت إلى أزمة بين الحكومة والشعب، فلم يعد الشعب يثق في مؤسساته السياسية. لكن ذلك لا ينطبق على كينيا وحدها ؛ فمعظم الشعوب الافريقية تتهم حكوماتها بالفساد والسفه في الانفاق؛ وهذا هو سبب الأزمة، فالحكومات تقوم بالاقتراض؛ وهي تدرك أنها لا تستطيع إدارة موارد الدولة واستثمارها، وانها لن تتمكن من تسديد هذه الديون، ومع ذلك ليس أمامها سوى الاقتراض لتغرق البلاد في المزيد من الديون. ما الحل ؟! يطالب مارك سوزمان قادة العالم بأن يكتبوا قصة جديدة ؛ بإنقاذ 1,5 بليون نسمة في افريقيا.. لكنني أعتقد أنه لن يستمع أحد لدعوة سوزمان، وعلي الشعوب أن تبدأ مرحلة كفاح جديدة لتحقيق استقلالها الشامل، وللتحرر من الاستبداد الذي أغرقها في الديون.
567
| 14 يوليو 2024
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
3228
| 05 ديسمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2628
| 30 نوفمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1644
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1554
| 02 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1320
| 06 ديسمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1185
| 01 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1155
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1143
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
837
| 03 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
639
| 05 ديسمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
618
| 30 نوفمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
570
| 04 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية