رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تُعد ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز 2016 إحدى أهم اللحظات التحولية في التاريخ السياسي المعاصر للجمهورية التركية. ففي تلك الليلة الحالكة، حاولت منظمة «فيتو» الإرهابية (FETÖ) تنفيذ انقلاب دموي عبر تسللها إلى بعض الوحدات العسكرية، بهدف الانقضاض على إرادة الشعب ومصادرة خياراته السياسية التي عبر عنها في صناديق الاقتراع. لكن الشعب التركي، بوعيه العميق وارتباطه القوي بقيم الديمقراطية والحفاظ على مكتسبات الدولة، نزل إلى الشوارع والميادين في مشهد غير مسبوق، تصدّى فيه المواطنون بصدورهم العارية لدبابات الغدر، ليفشلوا المحاولة الانقلابية خلال ساعات. لقد كانت تلك الوقفة الشعبية البطولية علامة فارقة ليس فقط في إحباط المؤامرة، بل في إعادة تعزيز العلاقة بين الشعب والدولة، بين السياسة والمؤسسة العسكرية. تعزيز السيادة الوطنية وانطلاق نحو التقدم لقد مثّل الانقلاب الفاشل اختبارًا مفصليًا لمدى صلابة الدولة التركية ومتانة مؤسساتها. إلا أن تركيا تجاوزت هذا الامتحان الصعب بإرادة شعبها وتماسك نظامها السياسي، ما رسّخ مفهوم السيادة الوطنية بشكل أعمق، ليس فقط في المجال السياسي، بل أيضًا في القطاعات الاقتصادية والتقنية والعسكرية. ومن هنا، برزت استراتيجية الاعتماد على الذات كأحد الأعمدة الأساسية للسياسات التركية في مرحلة ما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة. فواصلت تركيا مسيرتها بثبات، محققة تقدمًا ملحوظًا في مجالات تعزيز الحكم الديمقراطي، والقطاع الاقتصادي، والصناعات الدفاعية، والعمل الإنساني، والدبلوماسية الإقليمية. وفي التعليم داخلياً، أعادت الدولة التركية هيكلة قطاع التعليم عبر ضمّ المؤسسات التي كانت تحت سيطرة منظمة «فيتو» إلى وزارة التربية الوطنية، مما عزز السيادة التعليمية ومكّن من استعادة السيطرة الكاملة على البنية التحتية التربوية. أما خارجيًا، فقد برزت «مؤسسة المعارف التركية» كفاعل دولي في مجال التعليم، إذ تولّت إدارة المدارس التي كانت تستغلها «فيتو» في عدة دول، ووسّعت أنشطتها لتشمل 586 مؤسسة تعليمية في 55 دولة، ضمن علاقات رسمية مع 108 دولة، مقدّمة التعليم لأكثر من 70 ألف طالب. اقتصاديًا، شهدت البلاد نموًا متواصلًا، حيث بلغت قيمة الصادرات في عام 2024 أكثر من 260 مليار دولار، مع توقّعات بتجاوز 270 مليار دولار في 2025، مدفوعة بتوسيع قاعدة الإنتاج وتنوع الأسواق. كما ارتفعت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لتتجاوز 15 ألف دولار، حيث ما زال الاقتصاد التركي من بين أكبر 20 اقتصادًا في العالم. أما قطاع السياحة، فقد حقق أداءً لافتًا باستقبال أكثر من 60 مليون زائر العام الماضي، ما يعكس الاستقرار والجاذبية المتنامية التي باتت تميّز موقع تركيا على خريطة الاقتصاد العالمي. وفي السنوات الاخيرة سجّلت تركيا قفزات نوعية في مجالات الإنتاج المحلي، لا سيما في قطاع الصناعات الدفاعية الذي أصبح من أبرز روافد التقدم التكنولوجي في البلاد. فقد رسّخت شركات تركية موقعها كمورّدين رئيسيين للأسواق العالمية، عبر تصدير منتجاتها الدفاعية إلى أكثر من 180 دولة. ويأتي هذا التقدم في إطار رؤية تركية تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعزيز القدرات الدفاعية بما ينسجم مع التحديات المتغيرة في الإقليم. فامتلاك منظومات ردع متطورة لم يعد خيارًا، بل ضرورة تفرضها طبيعة المرحلة. وفي هذا السياق، يشكّل تطوير الصناعات الدفاعية أرضية قوية لتعزيز التعاون مع الدول الشقيقة، بما يسهم في بناء منظومة أمن إقليمي قائمة على الشراكة والتكامل في مواجهة التهديدات المشتركة. تركيا وتوسيع الحضور الدولي وسط مشهد إقليمي ودولي متأزم أعادت تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، رسم معالم سياستها الخارجية على أسس أكثر استقلالية وواقعية. وعززت حضورها كفاعل إقليمي ودولي مؤثر، تجلى بوضوح في انخراطها النشط في أزمات جوارها، مثل الملفين الليبي والسوري، إضافة إلى دعمها الحاسم لأذربيجان في قره باغ، وموقفها المتوازن في الأزمة الأوكرانية، حيث اضطلعت بدور وساطة محوري في اتفاق تصدير الحبوب من موانئ البحر الأسود، ما عزز من موقعها كقوة توازن ووسيط موثوق في النظام الدولي. في السياق ذاته، حافظت تركيا على ثوابتها الأخلاقية في القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وعبّرت بشكل متكرر عن رفضها لازدواجية المعايير في التعامل مع حقوق الشعوب. كما فتحت في الوقت ذاته قنوات تواصل دبلوماسي مع مختلف القوى العالمية، من واشنطن إلى موسكو، مرورًا بعواصم أوروبا وآسيا، معتمدة خطابًا مرنًا يراعي المصالح دون التفريط بالمبادئ. وقد تُوّج هذا النشاط بدبلوماسية نشطة وواسعة النطاق، تمثلت في امتلاك تركيا واحدة من أكبر شبكات التمثيل الدبلوماسي على مستوى العالم بـ262 بعثة في القارات الخمس، ما منحها المركز الثالث دوليًا. هذا الامتداد الدبلوماسي أسهم في ترسيخ نهج تركي خارجي يقوم على احترام السيادة، وتطوير شراكات استراتيجية قائمة على الندية، والدفاع عن العدالة في المحافل الدولية، متناغما مع المبادئ الأخلاقية والواقعية. وفي إطار سياستها القائمة على دعم الحلول السياسية والاستقرار الإقليمي، تواصل تركيا تأكيد دعمها للعملية الانتقالية في سوريا، مع إبداء التقدير للجهود المبذولة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها. وتؤمن بأن تحقيق الاستقرار المستدام يتطلب تعاونًا بنّاءً بين دول الجوار والدول الشقيقة، وهو ما تسعى إليه تركيا من خلال دعمها المستمر لهذا المسار. كما تولي تركيا أهمية خاصة لتعزيز تعاونها مع عدد من الدول، مثل ليبيا والسودان والصومال وأفغانستان واليمن، وذلك عبر تبنّي مقاربة شاملة تشمل دعم الاستقرار والمساعدات الإنسانية، وتنفيذ مشاريع تنموية ذات بعد استراتيجي. ويعكس هذا التوجه التزام أنقرة الثابت بمبادئ التضامن والتعاون، المرتكزة إلى علاقات تاريخية وروابط حضارية مشتركة. قطر: وقفة أخوية لا تُنسى من أبرز مظاهر التضامن في تلك الليلة التاريخية، الموقف المشرف لدولة قطر الشقيقة، التي كانت أول دولة تتواصل مع القيادة التركية مُعربة عن دعمها الكامل للشرعية ورفضها القاطع لمحاولة الانقلاب. فقد بادر صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالاتصال بفخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، مؤكدًا التضامن الأخوي المطلق، كما أوفدت قطر وفدًا رسميًا إلى أنقرة في الأيام التالية، ما ترك أثرًا بالغًا في نفوس الأتراك حكومة وشعبًا. وقد تميزت العلاقات التركية–القطرية بتكامل المواقف وتبادل الدعم في أوقات الأزمات. ومؤخراً، أدانت تركيا بشدة أي اعتداء ينتهك سيادة دولة قطر الشقيقة، حيث أكد فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان أن تركيا ستقف دومًا إلى جانب أشقائها القطريين. وتطورت العلاقات الثنائية إلى شراكة استراتيجية متينة، عززتها اللجنة الاستراتيجية العليا التي تأسست عام 2015، والتي عقدت حتى اليوم عشر جولات ووقّعت 117 اتفاقية تعاون تشمل مجالات الدفاع، والطاقة، والتعليم، والاستثمار، والإعلام. ويعمل اليوم في قطر أكثر من 770 شركة تركية، بينما تنشط نحو 250 شركة قطرية في السوق التركية، ضمن بيئة تعاون مزدهرة تعكس الثقة المتبادلة والرؤية المشتركة لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا في المنطقة. خلاصة التجربة لقد أثبتت تركيا في ليلة 15 يوليو/تموز أن إرادة الشعوب لا تُهزم، وأن حماية الديمقراطية ليست حكرًا على المؤسسات، بل مسؤولية وطنية يتقاسمها الجميع. لقد انتصرت تركيا ليس فقط على الانقلاب، بل على تاريخ طويل من التبعية، والتدخل، والهيمنة الداخلية والخارجية. وها هي اليوم تدخل مئويتها الثانية بجمهورية أقوى، وشعب أوعى، واقتصاد أكثر تنوعًا، وسياسة خارجية أكثر توازنًا، وصناعات دفاعية أكثر استقلالاً. إن ذكرى 15 تموز ستظل حية في الذاكرة الوطنية التركية، لا كجرح، بل كعلامة مجد، ونقطة تحول، ودليل على أن الأمة التي تثق بنفسها، وتتشبث بإرادتها، لا تُهزم.
267
| 14 يوليو 2025
تحتفل تركيا هذه الأيام بمرور 8 سنوات على انتصار الشعب التركي على المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قامت بها منظمة فيتو الإرهابية (FETÖ)، * وهي ليست منظمة إرهابية فحسب، بل هي أيضًا منظمة تجسس «بصبغة دينية» بقيادة فتح الله غولن* في الخامس عشر من يوليو/تموز 2016، في محاولة منها للعودة بالدولة وشعبها إلى المربع الأول حيث عدم الاستقرار السياسي والأمني تحت الانقلابات العسكرية التي عانت منها البلاد عقوداً ممتدة، في ظل الممارسات التي تقوم بها هذه المنظمة تحت ستار الدين والتعليم. كانت هذه المحاولة الغادرة تريد عزل تركيا عن محيطها الإقليمي وتحجيم دورها الكبير الذي تتطلع إليه الشعوب المظلومة، ومن ثم تعود دولة هامشية غير مؤثرة، ولم تكن خطة الانقلاب صناعة محلية فقط، فهناك العديد من الشواهد التي تشير إلى تورط العديد من الأطراف الدولية فيها، لكن وقفة الشعب التركي البطولية في تلك الليلة أجهضت هذه المؤامرة وحافظت على الدولة ومقدراتها من الانهيار. فالشعب التركي الأبي لم ينس نتائج الحكم العسكري، كما لم ينس الآلاف من ضحايا الانقلابات السابقة بين شهيد ومعتقل، فقرر ألا يسمح بتكرار تلك المأساة، وواجه مدرعات الانقلابيين بصدور عارية، ونجح في طردها من الأماكن التي استولت عليها، مدعوما بقوات الشرطة والقوات المسلحة التي رفضت الانحياز للانقلابيين، مع وجود قيادة حازمة واعية، قادت الشعب بعزم وثبات وكانت في قلب المواجهة. إن هذه المحاولة الفاشلة التي سقط بسببها نحو 250 شهيدًا، واكثر من 2000 مصاب ممن قدموا أرواحهم ودماءهم دفاعاً عن الوطن، كشفت للجميع أنها لم تكن تستهدف فقط شخص الرئيس رجب طيب أردوغان أو أركان حكومته فحسب، بل كانت تستهدف الديمقراطية التركية بوجه عام، تلك الديمقراطية التي أصبحت نموذجًا ملهمُا للعديد من شعوب ودول المنطقة، وهو ما شهده العالم شرقه وغربه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تمت في مايو/ أيار 2023، وكذلك في الانتخابات البلدية التي تمت في مارس/ آذار 2024، والتي كانت مثالاً حياً على التنافسية والتعددية والنزاهة والشفافية، بدليل تأرجح النتائج بين لحظة ولحظة، ودليلاً على وعي الشعب وقدرته على الدفاع عن حريته وحرصه على التعبير عن رأيه، في تجربة تشهد أعلى نسبة مشاركة في العالم المعاصر. ولولا صلابة النظام السياسي والاجتماعي التركي، ومن خلفه الشعب الواعي، ما استطاعت مؤسسات الدولة إدارة تداعيات كارثة الزلزال الذي شهدته البلاد في فبراير/ 2023، والتي نالت من أمن وأمان الملايين، لكن القيادة السياسية والمدنية الواعية، وتكاتف الشعب بكل فئاته ومكوناته، كان حائط صد قويا في مواجهة الكارثة، وقبل أن يمر العام الأول بعد الكارثة كان فخامة الرئيس في مناطق الزلزال يقوم بتسليم الأهالي، مساكنهم الجديدة، وما كان هذا ليحدث بهذه السرعة والكفاءة والفاعلية لو كانت المحاولة الانقلابية قد نجحت، ودمرت منجزات الدولة ومؤسساتها. وعلى الرغم من التداعيات السلبية للمحاولة الانقلابية، وخروج مليارات الدولارات من البلاد، وتداعيات أزمة كورونا العالمية، وكارثة الزلزال، ها هو ذا الاقتصاد التركي يواصل نموه وتطوره بين أكبر 20 اقتصادًا على مستوى العالم، وتخرج تركيا من الدائرة الرمادية في التصنيفات الاقتصادية، ورفعت المؤسسات الدولية توقعاتها لمعدل النمو في تركيا خلال العام الجاري 2024، كما قفزت الصادرات التركية خلال العام 2023 لتصل إلى 260 مليار دولار. وعادت تركيا لتشهد تدفقًا للسياح من كل بقاع العالم، حيث كانت وستظل وجهتهم المفضلة، وخاصة مع حرص القيادة التركية على التصدي للحالات الفردية التي تسعى لتشويه صورة البلاد وتستهدف ضرب علاقات تركيا مع إخوانها العرب، الذين تربطنا بهم علاقات الدين والتاريخ والمصير المشترك، وتكشف الأرقام الرسمية أن عدد السائحين الذين زاروا تركيا خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2024 نحو 18 مليون سائح. وبجانب الدور الذي يقوم به قطاع السياحة في الاقتصاد التركي، مثّلت اكتشافات الغاز وبدء التشغيل، وربطه بشبكات التشغيل بارقة أمل في استقلال مصادر الطاقة وتنوعها، وتبشر الاستكشافات المستمرة بالمزيد من آبار الغاز الطبيعي الواعدة في البحر الأسود والبحر المتوسط. وفي مجال الدفاع، تنامت الصناعات العسكرية التركية لتُؤَمِّن احتياجات البلاد، بل وتقتحم مجال التصدير، حتى أصبحت العديد من البلدان الحليفة والصديقة تسعى لامتلاك السلاح المُصنّع في تركيا، ولعل تنامي الطلب الدولي على الطائرات التركية المسيّرة (بيرقدار) أكبر شاهد على ذلك، كما تم إجراء تجارب الطيران الناجحة لمقاتلتنا الحربية الوطنية «كان « (KAAN)، التي ستدخل الخدمة في السنوات القادمة لتعزز من صقور قواتنا الجوية، كما انطلقت في سمائنا «كيزل ألما» (KIZIL ELMA) أول مسيرة نفاثة محلية الصنع، لتلحق قريبا بالمسيرات التي دخلت الخدمة فعليا في جيشنا «آقينجي» (AKINCI) و»آق صونغور» (AKSUNGUR)، كما دخلت إلى الخدمة أكبر قطعة حربية في أسطول قواتنا البحرية «تي سي جي أناضولو» (TCG Anadolu) كأول حاملة طائرات تركية محلية الصنع بتكنولوجيا فائقة التطور، وتنامت الصناعات العسكرية لتأمين احتياجات البلاد، مع التوسع الكبير في مجال التصدير. كما شهدت تركيا في السنوات الثماني الماضية نهضة عمرانية كبيرة تخللها إطلاق العديد من المشروعات المهمة، منها اكتمال جسر تشاناكالي 1915 (Çanakkale Köprüsü 1915) كأطول جسر معلق في العالم، فوق مضيق الدردنيل، ونفق أوراسيا (Avrasya Tüneli) الذي يربط الجانبين الأوروبي والآسيوي لإسطنبول تحت مياه مضيق البوسفور، وبجانب الاهتمام بمشروعات البنية التحتية في قطاع النقل، كان الاهتمام بالصناعات التكنولوجية، وجاء تدشين أول سيارة كهربائية تركية الصنع (توغ - TOOG) نهاية العام 2023. على الصعيد الدبلوماسي، عززت تركيا من دبلوماسيتها النشطة القائمة على أساس من الاحترام المتبادل، وإرساء مبدأ الحوار الثنائي، وتمد بلادنا يد المحبة والسلام لشعوب العالم وللحكومات والمؤسسات الدولية، حتى وصل عدد البعثات الدبلوماسية التركية في الخارج 261 بعثة، تتوزع بين 146 سفارة، و99 قنصلية عامة، و13 ممثلية دائمة، لتصبح تركيا بهذا العدد الضخم من البعثات خامس أكبر شبكة دبلوماسية في العالم، مع إعطاء أولوية وأهمية كبيرة في العمل الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي للمنطقة العربية بصفة عامة، ومنطقة الخليج بصفة خاصة، والتأكيد الدائم على أمن هذه المنطقة من أمن تركيا وإحدى الدوائر الأساسية لعمقها الاستراتيجي. وفي إطار هذه الدبلوماسية النشطة تدعو تركيا دائمًا لتشكيل دعائم نظام عالمي جديد، ينهي الهيمنة ذات القطب الأوحد، «فقد قالها وكررها مراراّ فخامة الرئيس أردوغان: العالم أكبر من خمسة»، ويؤسس لعالم خال من بؤر الإرهاب وظلم الشعوب واحتلالها ونهب ثرواتها، وعززت تركيا هذه التوجهات باعتبارها ثاني أكبر دولة في العالم من حيث حجم المساعدات الإنسانية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي. وتؤكد تركيا في علاقتها دائما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، والتأكيد على احترام قواعد القانون الدولي، لذلك جاء انضمام تركيا إلى الدعوى التي حركتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، حتى يكون للقانون القول الفصل فيما قامت به قوات الاحتلال من انتهاكات ضد الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة. وتأكيداً على الدعم التركي الكامل لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، لم تتوقف الجهود السياسية والدبلوماسية بقيادة فخامة الرئيس ووزير خارجيتنا، على مختلف المسارات ومع كل الأطراف، سعيًا نحو الوصول إلى وقف إطلاق النار والحل الدائم للقضية الفلسطينية. وهنا تجدر الإشارة إلى التنسيق الكامل والدائم بين تركيا وقطر منذ اندلاع الأزمة، في جهود الوساطة وعمليات الإغاثة وتبادل الأسرى، وصولاً إلى ترتيبات إعادة الإعمار. وبجانب الجهود الدبلوماسية، كانت تركيا أكبر دولة في العالم من حيث حجم المساعدات الإنسانية التي دخلت قطاع غزة، حيث بلغت نسبتها 32% من إجمالي هذه المساعدات. عودة لذي بدء، ومع مرور 8 سنوات على هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، نستذكر شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بحياتهم من أجل وطننا العزيز، وسطّروا بدمائهم الذكية طريقا لا نحيد عنه، في الدفاع عن أمن الوطن والمواطنين، والدفاع عن حريتهم وكرامتهما. ونستذكر أيضاً بكل التقدير والعرفان، وقفة دولة قطر الشقيقة بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي كان أول زعيم عربي يتصل بفخامة الرئيس أردوغان، مؤكدا رفضه لمحاولة الانقلاب، ودعمه الكامل لتركيا، وهو الموقف الذي تبناه الشعب القطري الأصيل، وشعر به إخوانهم الأتراك الذين يكنون لدولة قطر وشعبها مكانة خاصة، تحمل كل التقدير والعرفان والمودة والاحترام.
645
| 14 يوليو 2024
حين تستجمع الأمة التركية ذاكرتها الجماعية، ستظل ليلة 15 يوليو 2016 لها الصدارة في التاريخ المعاصر للجمهورية التركية، فهي بلا شك حدث استثنائي رسم مستقبل البلاد والعباد. في تلك الليلة، شعرتُ بأن قلوب العالم الإسلامي بأكملها والأحرار في كل مكان كانت مع الشعب التركي ولم تفارق شاشات التلفزيون لمتابعة وقائع المحاولة الفاشلة للانقلاب الدموي الغاشم والذي نفذته منظمة "فيتو" (FETÖ) وزعيمها فتح الله غولن الهارب في بنسلفانيا بالولايات المتحدة منذ أكثر من 20 سنة. لقد تسبب هذا الهجوم الغادر على شعبنا في سقوط 251 شهيدا وأكثر من ألفي جريح. لن تنسى الأمة التركية العظيمة الجرائم التي ارتكبها الانقلابيون في تلك الليلة، والتي لم أفقد يقيني فيها بفشل مخططات أشباح الظلام، ممن تسللوا بالسلاح الذي دفع ثمنه الشعب التركي لاقتراف الخيانة، وكنت متأكدًا أن مصيرهم سيكون الخيبة والمحاكمات والسجون. حاول الانقلابيون تركيع الشعب التركي وإرجاعه مجددًا تحت حكم عسكري استبدادي، ولكن الجميع عرف أن هذا الانقلاب يهدف إلى تعطيل حركة التقدم في تركيا، وكانت خططهم ترمي إلى إضعاف أنقرة أمام قوى دولية تعادي بلدنا، ولكن الشعب التركي لديه ذاكرة عصية على الترويض ورصيد كافٍ من الأحرار لصد محاولات تكرار تلك المأساة، وجرائم الحكم العسكري تركت بصماتها على خزان بشري هائل من الأتراك ما بين معتقل وشهيد ومطارد ومفصول من العمل. واجه الشعب التركي مدرعات الانقلابيين بصدور عارية وعقيدة لا تلين، وغاصت آليات الانقلابيين في طوفان الرفض البشري، وطُردوا من الأماكن التي ربضت فيها دباباتهم عنوة، وأظهرت الأمة التركية كيف أنها تعرف التصرف في المحن، وترى فيها فرصة مثلى لتظهر للعالم شجاعتها واستماتتها في الدفاع عن وطنها. لم يكن الشعب التركي وحده في تلك الملحمة الخالدة، بل كانت خلفه قوات من الشرطة الخاصة، وأجنحة مختلفة في الدولة، وكان فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان رجل الساعة في تلك الليلة، فقد ظهر بثباته المدهش وإصراره على التواجد في قلب العاصفة، وحطت طائرته في لحظات حرجة على مدرج مطار أتاتورك في إسطنبول. كان الرئيس أردوغان يُريد أن يُثبت أن الأمة التركية ماضية نحو قدرها في الحرية والأمل، وكانت توجيهاته التي أعطاها لشعبه المقاومة في كل مكان، المقاومة وعدم الاستسلام، وأصر أن يقود شعبه وأن يكون في المقدمة. تواصلت التصريحات الرافضة للانقلاب من قبل القوى السياسية والنخب الوطنية ليكون أداؤها على مستوى الحدث، وصارت المواقف المبدئية معروفة للجميع. وقد أدرك الجميع الدرس الذي يتعلق بأن الحكم العسكري الانقلابي لا يستقر إلا بتشتيت الشعب وتفتيت اللحمة، وتفريغ المجال العام من السياسة والسياسيين. ورغم أن الانقلابيين ربما يميلون إلى هنا وهناك، فإنهم في جوهرهم لا يدورون إلا حول أنفسهم، ويتحمل الأشخاص الذين يؤيدونهم ويصدقون بياناتهم الكاذبة أولًا تبعات قراراتهم، وتاريخ الانقلابات مليء بتلك المأساة. واليوم بعد مرور 7 سنوات على هذه اللحظات العصيبة، فطن الشعب مرة أخرى لخطورة من يريدون أن يحصلوا عبر صناديق الانتخابات ما لم يستطيعوا الحصول عليه بصناديق الذخيرة، فاستقامت صفوف مواطنينا في طوابير الانتخابات النيابية والرئاسية التي عزز الشعب فيها ثقته بقيادته السياسية، وعلى الرغم من الزلزال المدمر الذي مثّل بحق كارثة العصر، إلا أن مواطنينا في هذه المناطق جددوا الثقة في الرئيس رجب طيب أردوغان، وهكذا تعبر بلادنا إلى القرن التركي والمئوية الجديدة مدعومة بحكومة قوية واستقرار سياسي ورؤية اقتصادية واقعية وشفافة. إن حكومتنا تولي الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية لمواطنينا أهمية مطلقة، لذلك تواصل الكابينة الجديدة العمل ليل نهار لخفض التضخم وزيادة الإنتاج وتعزيز فرص الاستثمار الأجنبي. تسعى تركيا دائمًا لأن تكون في موضعها المقدور، وهذا يُزعج البعض، ولكننا لن نتخلى عن أحلامنا. ستواصل أمتنا دعم الأصدقاء، وسنظل الروح المعطاءة. قدمت تركيا نموذجًا في إرثها المجيد، وسعت إلى دعم المضطهدين والمظلومين في كل مكان، وهي الآن لا تقل مروءة وقدوة في دعم المظلومين، ورايتنا الحمراء مصانة ومكرمة فوق الهامات. سنظل نردد مع الشاعر التركي العظيم محمد عاكف أرصوي: "لا تخف، لن تخمدَ الرايةُ الحمراءُ في شفقِ السماء.. قبلَ أن تخمدَ في آخرِ دارٍ على أرضِ وطني شعلةُ الضياء.. إنها كوكبٌ سيظلُّ ساطعًا فهي لأمتي الغراء.. إنها لي ولشعبي دون انقضاء.."
684
| 15 يوليو 2023
قبل قرن من الزمان وفي مثل هذه الأيام، كان الشعب التركي على موعد مع القدر لاسترداد حقه وأرضه، وحققت الأمة التركية انتصارا كبيرا بقيادة المؤسس مصطفى كمال أتاتورك، على الحلفاء والقوات اليونانية الغازية في 30 أغسطس/آب عام 1922، وذلك خلال أربعة أيام فقط، وطُرد الغزاة من هضبة الأناضول التي لم يَطأها محتل منذ بسط العثمانيون ومن قبلهم السلاجقة سلطانهم عليها لمئات السنين. لقد تسبب هذا النصر في أن تنهض تركيا من ركام الموت بعد أن ظن أعداؤها أنهم قادرون عليها، حتى جاء الثلاثون من أغسطس/ آب، فبعث في قلب الأمة روحا جديدة، وسرعان ما سرت دماء العزة في شرايين الوطن وأوصاله، فانقض الشعب التركي وقواته المسلحة على قوات الحلفاء، التي احتلت أجزاء واسعة من تركيا بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية نهاية الحرب العالمية الأولى، وتمكن الأتراك بقيادة المؤسس مصطفى كمال أتاتورك من شن حرب الاستقلال بين عامي 1919 و1922، واستطاعوا من خلالها طرد الغزاة من الأناضول. إننا نستذكر بفخر كل يوم في هذه الملحمة الوطنية، منذ أطلق الأتراك في 26 أغسطس/آب 1922 هجومهم المضاد والكبير، فسيطروا على جميع المواقع القتالية والخطوط الدفاعية اليونانية التي غزت أراضي الدولة العثمانية، واستطاعوا تحرير مدينة "أفيون قره حصار". وفي 30 أغسطس/آب استطاع الأتراك إلحاق هزيمة قاسية بالجيش اليوناني في معركة "دملوبينار" بولاية كوتاهيا الغربية. وبعد هذا الانتصار في الأناضول الوسطى، تقدمت القوات المسلحة التركية من أجل تحرير غرب الأناضول وأنقذت مدينة إزمير في 9 سبتمبر 1922، درة تاج الغرب التركي، ليتحقق تحرير كامل التراب الوطني في فترة زمنية قصيرة جدا. شهر الانتصارات يعد "عيد النصر" (الظفر)، الذي يوافق 30 أغسطس/آب من كل عام، عيدا وطنيا في الجمهورية التركية وجمهورية قبرص التركية، يتم الاحتفال به باسم "يوم النصر والقوات المسلحة التركية"، وتقام بهذه المناسبة أنشطة وفعاليات مختلفة في كافة الولايات والسفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج. لقد مهّد هذا النصر الطريق لسلسلة من النجاحات تمتد إلى إلغاء "معاهدة سيفر" التي دخلت حيز التنفيذ بعد الحرب العالمية الأولى والتي عملت على تهديد وجود للأمة التركية. يرتبط هذا الشهر في وجدان الشعب التركي بسلسلة من الانتصارات العظيمة، حتى بات يُعرف شهر أغسطس/آب في الثقافة التركية أيضًا باسم "شهر النصر"، نظرًا للعديد من المعارك العظيمة والانتصارات المشرقة التي حدثت خلاله في التاريخ التركي، بما في ذلك معركة ملاذكرد التاريخية في عام 1071، ومهدت لدخول السلاجقة العظام إلى الأناضول، وتأسيس وطن أبدي لشعبنا التركي. إنها قصة الكفاح من أجل وجود الأمة التركية لتحرير وطن الأناضول، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية التي حكمت مساحة شاسعة من الأراضي في ثلاث قارات على مدى ستة قرون. وبعبارة أخرى، إنها سلسلة تاريخية ملحمية من الأحداث التي تظهر السمات المميزة للأمة التركية، مثل العزيمة والتضحية، والروح القتالية، والالتزام بالوطن والسيادة رغم كل الصعاب. كانت نتيجة هذا الانتصار مؤثرة للغاية، فساهمت بتغيير كبير ليس فقط للتاريخ التركي ولكن أيضا في الجغرافيا السياسية الإقليمية، وأصبحت دافعا قويا في جميع أنحاء العالم للدول المضطهدة التي تبحث عن الخلاص والسيادة. وقد يكون الجانب الأكثر أهمية الذي جلبه هذا النصر هو تأسيس جمهورية شابة وحديثة، مع إرث إمبراطورية عميقة الجذور. عهد ووفاء واليوم، نحن كأمة تركية ندرك الثمن الباهظ الذي بذله المؤسسون لنيل استقلالنا، وندين لهم بالفضل -بعد الله- بكل التضحيات التي قدموها في تلك الأوقات العصيبة، ونحن مصممون بما أوتينا من عزم على حماية بلدنا واستمرار تطوره وازدهاره دون توقف. إن قواتنا المسلحة الباسلة، جيش وطني محترف، يحمي سماء الوطن ويحرس ترابه، ويحفظ ثرواته في المياه الإقليمية والاقتصادية لتركيا، تحت قيادة فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية، الذي يولي كامل رعايته لتطوير ورفع كفاءة قواتنا المسلحة وضمان تسليحها الحديث لتقوم بمهامها على أكمل وجه. كما أننا ندرك أن ما حققناه من تطور في صناعاتنا الدفاعية والجوية، هو ضمان استقلالنا وصمام أمننا، وضمانة تحرر إرادة شعبنا وأصدقائنا وحلفائنا الأوفياء. إننا في هذه المناسبة المظفرة، نستذكر بإجلال واحترام، شهداءنا الأعزاء في حرب الاستقلال، هؤلاء الأوصياء الأبديين الذين ندين لهم بعد الله بالوفاء لما بذلوا في سبيل التحرير، كما نستذكر بتقدير واعتزاز، قائد حرب الاستقلال ومؤسس الجمهورية التركية الحديثة، الغازي مصطفى كمال أتاتورك، ورفاقه في السلاح، وكذلك قدامى المحاربين الذين بذلوا الدم لرفعة هذا الوطن، ونسأل الله تعالى الرحمة لهم والمغفرة. كما نتعهد لمواطنينا وشعبنا أمام الله والتاريخ، بأن يظل لواء الوطن ورايته خفاقة في عنان السماء، وهلاله يحتضن نجمة نصره ما بقيت فينا الدماء. أخيرًا وليس آخرًا، نترقب معكم بكل لهفة وشوق الحدث الأبرز في العام القادم 2023، لنحتفل بكل الفخر مع الشعب التركي بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، كما احتفلنا اليوم بالذكرى المئوية ليوم النصر. سفير الجمهورية التركية في الدوحة
2171
| 30 أغسطس 2022
في ليلة 15 يوليو/تموز 2016 شعرتُ أن قلوب العالم الإسلامي بل والأحرار في كل مكان كانت معنا، لم تتحول عيونهم عن شاشات القنوات الإخبارية متابعة لوقائع الانقلاب الدموي الغاشم. في تلك الليلة تعرّت وجوه، وانكشفت نوايا، وظهرت مواقف، بعضهم لم يصمد حتى يرى نتائج الفشل، فتورط في مواقف وتصريحات مشينة، من الصعب أن تُغسل أو أن تُمحى، أو تنساها الامة التركية العظيمة. لم أفقد يقيني في تلك الليلة بفشل أشباح الظلام، وأن الذين تسللوا إلى الشوارع بالسلاح الذي دفع ثمنه الشعب التركي من أجل حمايته، كنت متأكدا أن مصيرهم الخيبة والمحاكمات والسجون. كانت الأمة رائعة، والتفاف الشعب والقوى السياسية مجيدا، وفشل الهمجيون فشلا ذريعا في إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. سعى الانقلابيون إلى تركيع الشعب التركي مجددا تحت حكم عسكري استبدادي، حيث وعى الجميع أن الانقلاب كان يهدف إلى تعطيل حركة التقدم في تركيا. وكانت خططهم ترمي إلى رهن هيبة أنقرة لقوى دولية تعادي دولتنا، لكن الشعب التركي له ذاكرة عصية على الترويض، فالأمس ما زال ماثلا، وجرائم الحكم العسكري تركت بصماتها على خزان بشري هائل من الاتراك ما بين معتقل وشهيد ومطارد ومفصول من العمل. الشعب لم ينسَ جرائم الحكم العسكري. ورصيدنا من الأحرار كاف جدا لصد محاولات تكرار تلك المأساة، فقد واجهنا مدرعات الانقلابيين بصدور عارية وعقيدة لا تلين، وغاصت الآليات الانقلابية في طوفان الرفض البشري، وتم طردها من الأماكن التي ربضت فيها عنوة. ولمن لا يعرف فنحن أمة تعيد اكتشاف نفسها أمام كل تحد، وترى في المحن فرصة مثلى لأن يفهم العالم معنى الفرد التركي الصلب المتفاني في وطنه، وفرصة كذلك كي يعرف خطورة ذلك التنظيم الارهابي، برئاسة فتح الله غولن الذي لا يزال يعيش في الولايات المتحدة في منفى اختياري، والذي تورط في كل هذه المآسي. لم يكن الشعب وحده في تلك الملحمة، بل كانت خلفه قوات من الشرطة الخاصة، وأجنحة كثيرة في الدولة، كانت على أتم الاستعداد أن تقدم حياتها في سبيل إفشال تلك المحاولة الغاشمة. أما الرئيس الطيب أردوغان، فقد أثبت أنه رجل الساعة، فقد كان ملهما بثباته المدهش، وإصراره أن يكون حاضرا في قلب العاصفة، وأن تحط طائرته في لحظات حرجة على أرض إسطنبول. كان الرئيس يريد أن يقول: إن الأمة التركية ماضية نحو قدرها في الحرية والأمل. وكانت توجيهاته هي المقاومة في كل مكان، المقاومة وعدم الاستسلام، وأصر أن يقود شعبه وأن يكون في المقدمة. كانت قدراته الذهنية والعصبية في أعظم حالاتها. قد كان أداء القوى السياسية والنخب الوطنية، على مستوى الحدث، توالت التصريحات الرافضة للانقلاب، وأشهرت المواقف المبدئية، فقد وعى الجميع الدرس، وأن الحكم العسكري الانقلابي، لا يستقر له قرار إلا بتشتيت الشعب، وتفتيت اللحمة، وتفريغ المجال العام من السياسة والسياسيين، وأنه ربما يميل الانقلابي الى هنا أو هناك، ولكنه في جوهره لا يدور الا حول نفسه، وأول من يدفع الثمن من أعانه وصدق بياناته الكذوبة، وتاريخ الانقلابات مليء بتلك المأساة. الكثير من الأصدقاء في العالم الإسلامي كانوا يحدثونني عن لحظات إحباط عاشوها مع وقائع الانقلاب، خصوصا مع سياق التغطيات المتحيزة، حيث صدّق بعضهم الدعايات السوداء، وأنه لا أمل! لكن فشل الانقلاب جعل الكثير من الشباب يؤمن بجدوى الديمقراطية والنضال السلمي، وأنه مهما كان الإحباط والواقع السيئ يجب ألا نتخلى عن تلك المبادئ. وفي هذا الإطار نتذكر الموقف الإنساني والأخلاقي لصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، الذي أصر أن يتواصل في تلك الساعات الحرجة، مع الرئيس أردوغان ويبدي له عميق دعمه ومساندته للشعب التركي، وكذلك للشعب القطري الاصيل الذي عبر عن دعمه ووقوفه بجانبنا. إن تركيا سعت أن تكون في موضعها المقدور، وهذا مزعج للبعض، ولكننا لن نتزحزح عن أحلامنا، ستواصل أمتنا دعم الأصدقاء، ولن تتأخر في أن نكون الروح المعطاء، تركيا قدمت نموذجا في إرثها المجيد، حينما وسعت المضطهدين من كل مكان، وهي الآن لا تقل مروءة وقدوة في دعم المظلومين، أما رايتنا الحمراء، فهي مصونة ومكرمة فوق الهامات. وسنظل نردد مع شاعر تركيا العظيم محمد عاكف أرصوي لا تخف، لن تخمدَ الرايةُ الحمراءُ في شفقِ السماءْ قبلَ أن تخمدَ في آخرِ دارٍ على أرضِ وطني شعلةُ الضياءْ إنها كوكبٌ سيظلُّ ساطعا فهي لأمتي الغراءْ إنها لي ولشعبي دون انقضاءْ سفير الجمهورية التركية في دولة قطر
895
| 09 يوليو 2022
قبل خمس سنوات، وفي مثل هذا اليوم، وتحديداً في الساعة العاشرة من مساء يوم 15 يوليو/ تموز 2016م، شاهد العالم كله، الشعب التركي وهو يسطّر ملحمة كبرى في شوارع أنقرة وإسطنبول ومختلف المدن والولايات التركية ضد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة. في ذلك اليوم خرج الشعب التركي كله، بمختلف توجهاته السياسية، متسلحاً بإيمانه، وعشقه للحرية والديمقراطية، والتفافه حول قيادته الشرعية؛ ليقول للانقلابيين: دونكم أرواحنا، ودماؤنا فداء للحرية والديمقراطية وللشرعية الدستورية. خرج ليقول لهم وللعالم: لا مكان في تركيا الحديثة للانقلابات العسكرية، والقفز على السلطة، والتحكم بمقدرات الشعب التركي وإنجازاته. فتركيا اليوم قد ودّعت ماضيها اللاديمقراطي، واتجهت نحو مستقبل واعد تسوده الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. تأخذ من ماضيها العبر والدروس لتبني مستقبلها على هُدًى من الله وبإرادة شعبها، تمد يدها لشعوب العالم وحكوماته ومؤسساته الديمقراطية لإرساء دعائم عالم لا مكان فيه للإرهاب وظلم الشعوب واحتلال أراضيها ونهب ثرواتها وخيراتها. لقد برهن الشعب التركي للعالم مدى رسوخ هذه المبادئ في فكره الجمعي، حين وقف على جنبات جسر البوسفور، بصدور شبابه العارية، غير آبه بدبابات الانقلابيين وطائراتهم؛ لأنه يدرك أن إعطاء الفرصة لهؤلاء الانقلابيين سوف يقضي على كل المكتسبات التي حققها في كل المجالات الاقتصادية والثقافية والصناعية والعسكرية، ويجعلها رهينة لتلك الدول التي كانت وراء هذا الانقلاب الفاشل. لقد أظهر الشعب التركي ثباتاً منقطع النظير رغم كل الأحاديث الكاذبة التي روّجت لها بعض وسائل الإعلام العالمية عن نجاح الانقلاب، وهروب الرئيس التركي خارج البلاد. وتصدى الشعب لرصاص الانقلابيين وقصفهم للمتظاهرين العزل بقذائف الدبابات والطائرات ما تسبب في استشهاد 250 شخصا وجرح ألفين آخرين. لقد كانت مكالمة واحدة من الرئيس رجب طيب أردوغان التي ظهر فيها عبر تطبيق فيس تايم، ودعا الشعب لحماية الديمقراطية في البلاد؛ كفيلة بأن تقضي على أحلام الظلاميين، وتلهب مشاعر الشعب كله، فتوجه المواطنون بحشود غفيرة لحماية مبنى البرلمان الذي تعرض للقصف الجوي، ورئاسة الأركان بالعاصمة أنقرة، ومطار أتاتورك الدولي بمدينة إسطنبول، ومديريات الأمن في عدد من المدن، ما أجبر الآليات العسكرية التي كانت تنتشر حولها على الانسحاب، وساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي. ولم يدخر قادة الانقلاب وسيلة لإرهاب المتظاهرين، في محاولة يائسة لتفريق الحشود المتدفقة، فاخترقت مقاتلتان من طراز أف 16 حاجز الصوت، وحلقت عدة مرات فوقهم قرب مطار إسطنبول، وفي كل مرة تحلق فيها الطائرات كانت الحشود تردد بصوت واحد الهتاف الشهير "بسم الله.. الله أكبر". ولعقود ظل فتح الله غولن مؤسس وزعيم جماعة الخدمة في تركيا يرفع شعار "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة"، لكن أعضاء جماعته كانوا يتسللون سرا خلال تلك السنوات داخل أجهزة الدولة وعلى رأسها القضاء والجيش والشرطة، وعندما جاءت اللحظة المناسبة قرروا الظهور للعلن إلى مسرح السياسة عبر محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة. وقد شكل صمود الشعب التركي في الميدان مفاجأة كبرى لقادة الانقلاب، الذين قرروا الانتقام بشكل وحشي، فبدأت دباباتهم في دهس المتظاهرين وسياراتهم، في مشهد همجي ووحشي وثقته العشرات من مقاطع الفيديو. ومما يدلل على هذا الوعي الجمعي لدى كافة أطياف الشعب التركي، ورسوخ مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة لديه؛ هو مسارعة أحزاب المعارضة المختلفة للتعبير عن رفضها القاطع لأية محاولة انقلاب على الديمقراطية، ووقفت جميع هذه الأحزاب حكومة ومعارضة تحت قبة البرلمان تهتف معاً ضد قادة الانقلاب، الذين قرروا الانتقام من ممثلي الشعب بقصف مجلس الأمة الكبير (البرلمان)، في جريمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ التركي. وقد أفقد هذا التلاحم الكبير صواب الانقلابيين، فراحوا يصبون حمم طائراتهم على قصر الرئاسة، ومقرات المخابرات التركية، وقيادة القوات الخاصة، وشرطة العمليات الخاصة، ومديرية الأمن، ومقر مؤسسة البث الفضائي في منطقة "غول باشي" في أنقرة. وأرسلوا فرقتين من الكوماندوز لاغتيال الرئيس أردوغان أو اعتقاله داخل منتجع سياحي بمدينة مرمريس لكنه غادر قبل وصولهم، كما اختطفوا رئيس هيئة الأركان الجنرال خلوصي أكار. لكن مساعيهم كلها باءت بالفشل، فقد أجبرهم الشعب بتضحياته في اليوم التالي على الاستسلام لقوات الشرطة، وانقلب السحر على الساحر، وبدأت حملة اعتقالات بحق كل من شارك في هذه العملية الآثمة، وقررت الحكومة بعدها تغيير اسم جسر البوسفور الذي كان شاهداً على إجرام الانقلابيين، وتضحيات الشعب إلى جسر الشهداء، تخليداً لأولئك الأبطال الذين قدموا أرواحهم ثمناً لحرية وطنهم، ورووا بدمائهم الزكية ثراه الطاهر. ورغم بقاء الشعب التركي بعدها شهراً كاملاً في الشوارع والميادين، للحفاظ على مكتسباته وقيمه؛ إلا أنه لم يتعرض لهؤلاء الانقلابيين بأذى، ولم تسقط منهم قطرة دم واحدة مع أنهم قتلوا عشرات المواطنين العزل، وأحيل أمرهم إلى المحاكم لينالوا جزاءهم وفق القانون، على العكس تماماً مما فعله هؤلاء الظلاميون في الانقلابات السابقة، حين علّقوا العمل بالدستور، وأقالوا الحكومة، وألغوا البرلمان، وأغلقوا الجمعيات، واعتقلوا قادة الأحزاب السياسية، وشكلوا محاكمات صورية، أصدرت بحق معارضيهم عشرات الأحكام الجائرة بالإعدام وغيره. لقد ذكرت وحشية الانقلابيين في التعامل مع المتظاهرين السلميين، الأتراك بانقلاب عام 1980 الذي قاده الجنرال كنعان ايفرين، والذي قرر قادته تعليق العمل بالدستور وإقالة الحكومة وإلغاء البرلمان وإغلاق الجمعيات واعتقال قادة الأحزاب السياسية. وكان من نتائج هذا الانقلاب توقيف 650 ألف مواطن، ومحاكمة 230 ألفاً، والحكم على 517 منهم بالإعدام أعدم منهم 50 شخصا، وطرد 30 ألفاً من أعمالهم، وسحب الجنسية من 14 ألفاً، كما قتل 300 شخص في ظروف غامضة و171 تحت التعذيب، كما مات أكثر من 30 ألف تركي في المنفى. لقد خرجت تركيا أقوى بعد تلك المحاولة الانقلابية، وبدأت في اتخاذ الكثير من التدابير لإعادة هيكلة سياساتها الداخلية وشؤونها الخارجية، وفي مقدمة تلك القرارات إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والتحول للنظام الرئاسي. إن شعوب العالم المحبة للحرية والسلام تنظر للتجربة التركية بإعجاب واعتزاز، تقارن أوضاع تركيا قبل الديمقراطية وبعدها، وما فعلته تركيا وما قدمته من نماذج ونجاحات في مختلف الأصعدة، في البنية التحتية من طرق وجسور وكهرباء ومطارات ومدن صناعية ومؤسسات تعليمية وصحية وصناعة عسكرية، وانفتاح خارجيا على محيطها الإقليمي والعالمي، ووجودها الفاعل في المؤسسات الإقليمية والدولية، وفي استضافتها لللاجئين من دول الجوار، بل معاملتهم معاملة الأخوة الإسلامية والإنسانية، فاستحقت بذلك احترام دول وشعوب العالم وتقديرها. التحية لشعبنا في يوم عيده، عيد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. التحية لقيادته التي أعطت النموذج في القيادة الواعية الحكيمة المستعدة للتضحية من أجل الحفاظ على المبادئ التي انتخبها الشعب التركي من أجلها، فكانت وفية لتلك المبادئ، وأثبتت أنها قيادة حرة تقود شعباً حراً يمتلك قراره ويقرر مصيره ويضحي من أجله. كما نوجه الشكر لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والذي بادر كعادته وكان أول من اتصل بالرئيس أردوغان ليلة الانقلاب، لتقديم دعم قطر للحكومة والشعب التركي، في لفتة إنسانية نبيلة تعمق الإخوة والصداقة المتينة بين البلدين. سفير الجمهرية التركية في دولة قطر [email protected]
2492
| 15 يوليو 2021
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4791
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3477
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2865
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2670
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2595
| 21 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1434
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1038
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
963
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
831
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
807
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
765
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية