رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

«سيوران».. يُبعثُ حياً

الثاني من أيلول من عام 1945، توقّع اليابان استسلامها مُعلنةً نهاية الحرب العالمية الثانية، في تلك الأثناء وفي المقلب الآخر من العالم، تحت متراس من أكياس الرمل، خلف دبّابةٍ تحترق، تُسمعُ أنفاس جُنديّ يحملُ رأس شريكه الميّت على المدفعيّة، ورائحة البارود المُمتزج برائحة الجُثث في ميدان المعركة تتسرّب إلى أنف أمٍ في قبوٍ تختبئ وتتساءل وهي تنظرُ في وجوه أطفالها المرتعبين: «يا إلهي، ماذا فعلنا لنجني كلّ هذه الشرور؟». في محاضرته «أزمة الإنسان» يقول ألبير كامو: «جاءت الحرب العالمية الثانية، إنها الهزيمة؛ هتلر في مدننا ومنازلنا، نحن الذين وُلِدنا وترعرعنا في عالم كهذا، بماذا نؤمن؟ لا شيء… لا شيء سوى حالة الإنكار العنيد التي أُجْبِرنا على التوغّل فيها منذ البداية، إنّ العالم الذي اضطررنا إلى العيش فيه عالم سخيف، وليس هناك شيء آخر، لا عالم بديل نلجأ إليه، في مواجهة إرهاب «هتلر» ما القِيَمُ التي يُمكِن أن تُريحنا والتي يمكن أن نعارض بها إنكاره لنا؟ لا شيء». لا شكّ أن «كامو» كملايين آخرين في أوروبا والعالم، شعروا في تلك الفترة العصيبة من التاريخ، بتفاهة وجودهم وعبثيّة الحياة من حولهم، فعندما يخرُج الشرّ الكامن إلى السطح ويُعلن عن تسلّمه زمام الأمور، ويتحوّل العالم من حولك إلى جحيمٍ حقيقيّ يعجّ بالآلام والعذابات، باليتامى والضحايا والمشوّهين، بالقنابل والطائرات التي يخترق صريرها دماغ الإنسان ويمنعهُ من التفكير بغير الموت. لا بدّ من أن يتساءل المرء عن سبب هذا كلّه، عن معنى وجوده والغاية من المعاناة التي يراها تتربّص بالجميع من حوله. يقول شوبنهاور: «الإنسان يجدُ نفسهُ لدهشته العظيمة موجودٌ فجأة، بعد آلاف وآلاف من سنين عدم الوجود، ولفترة قصيرة يعيش، وبعد ذلك مرّة أخرى يعود كما الأوّل». تقوم العدميّة أساسًا على فكرة محوريّة مفادُها بأنَّ الوجود عبارة عن جسر يبدأ بضبابيّة مُبهمَة وينتهي بظلامٍ دامس، وعابرو هذا الجسر من بشر وحيوانات وكلّ الموجودات الأخرى، لا قيمة فعليّة لوجودهم. بالنيابة عنك وُجدت عابرًا لعدد معيّن من السنين، وكلّ إنجازاتك وأعمالك، مخاوفك وأحلامك، كلّ الأشياء التي تحبّ وتلك التي تكره. ليست سوى تسليةٍ تمارسها لتمضية سنين الحُكم في هذا السجن الذي يُدعى حياتك. يصل بعض الباحثين في أسرار الوجود بعد قراءة مطوّلة في التاريخ والفلسفة والدين إلى نتيجة مفادها بانَّ الحياة لا معنى لها ووجودهم فاقد القيمة والجوهر. بالمقابل تتسبّب الأزمات والحروب في انتشار الأفكار العدمية كالنار في الهشيم في عقول أناسٍ لم يقرأوا حرفًا واحدًا في الفلسفة، قد يولد ألف «سيوران» في معسكر تعذيب، تحت سياط جلّاد، وهو يشعرُ في ظلّ رطوبة سجنه الصغير، أنّهُ يدور في حلقة مُفرغة من المعاناة. وعلى غرار أبطال مسرحيّة «في انتظار جودو» لكاتبها الإيرلندي «صمويل بيكيت»، يرى نفسَه في انتظار خلاصِه، ويستفيق في كلّ يوم ليجد نفسه في المكان عينه، مُحاطًا بعطب الجدران وبيوت العناكب، كفزّاعة في حقلٍ يصطادُ صاحبهُ العصافير. يعلم حينها معنى قول الفيلسوف الروماني المذكور سابقًا: «المحظوظون، لم يصلوا إلى البويضة أصلًا». قاسياً جدًّا، مرّ العقد الأخير على عالمنا العربيّ، ١٠ ملايين يمني على بُعد خطوة واحدة من المجاعة، حرب في سوريا حصدت مئات آلاف القتلى والجرحى وشرّدت الملايين.. لبنان المعتاد على الأزمات السياسيّة والحوادث الأمنيّة المتكرّرة، كان على موعد مع أزمة اقتصاديّة خانقة لم تشهد البلاد لها مثيلا، ترافقت مع تعرّض العاصمة بيروت لانفجارٍ ضخم صنّف عالميّاً بين الأكبر، ودمّر أجزاء من المدينة.. ثورات، حروب أهليّة، صراعات واغتيالات، تطرّف وإرهاب، عوامل تسبّبت برسم أشكال مختلفة لعذابات المواطن العربي، ليضيف انتشار وباء كورونا، في السنة الأخيرة من العقد، المزيد من المعاناة ويظهر محدوديّة قدرة الإنسان على مصارعة قوى الطبيعة ويترك المزيد من الأسئلة والشكوك حول الغاية من كلّ هذا السواد المحيط بنا. في بُلداننا، سيشدّكِ طفلكِ من فستانك ويتساءل ببراءة من يرى عالمه يتهاوى من حوله وهو يجمع ألعابه في كيس: «ألهذا وُلدنا؟ حتّى نتبلّل في مراكب الهروب ونتعفّن من رطوبة الملاجئ؟ أم لنستجدي رغيف خُبزنا؟». لذا ينظُر العدميّ إلى الإنسان كشيء من الأفضل ألّا يوجد على الإطلاق، فيقفُ موقفا مُعارضا من الإنجاب، إذ لا داعي للاتيان بأطفالٍ جُدد إلى هذا العالم، ليكرّروا دورة المُعاناة التي لا تنتهي. يُعبّر عن هذا الموقف «إميل سيوران» أيضًا حين يقول: «ليس من بُرهانٍ على ما بلغتهُ البشريّة من تقهقر، أفضل من استحالة العثور على شعبٍ واحد، أو قبيلة واحدة، مازالت الولادة قادرة على أن تُثير فيها الحداد والمناحات». قبلهُ بأكثر من ٩٠٠ سنة، في معرّة النُعمان، كتبَ «أبو العلاء المعرّي»: «هذا ما جناه عليّ أبي، وما جنيتُ على أحد»، الشاعر الذي لم يرَ حُسن الطبيعة، لم ينظُر إلى الجبال والوديان، الأنهار والبحار، ولم يتغنّ بذهبيّة سنابل القمح وهي تتمايلُ تحت ضوء الشمس كباقي الشُعراء، لأنّهُ كان ضريراً. وهُنا طرف ثالث يظهر، بعد الفلسفة والأزمات، تأتي المُعاناة الخاصّة المُنتشرة كالطحالب، لتُعلن عن نفسها لاعباً أساسياً في خلق هذه الأفكار. بالطبع يُؤخَذ الإنسان بجمال الطبيعة، بصوت العصافير والنظر إلى قمم الجبال مع رغبة في بلوغها، وتستثير غرابة الكواكب والنجوم فضوله، مع ذلك لا يَراهُم تعويضًا كافيًا عن حدبةٍ في الظهر، قدمٍ مبتورة، شلل أطفال، رعب أمٍ تنظرُ إلى صغارها الجائعين وهم يئنّون ليلًا، قذيفةٍ تضربُ حائط منزلٍ تجعلُ قاطنيه كل في مكان. ختامًا، من غير الحكمة والعقلانية أن نحلم بعالمٍ خيّر تمامًا لا شرّ فيه، فلم يكُن العالم في يومٍ من الأيّام كذلك. وبدون النقاش عن مصدر الشرّ أساسًا، وعن طبيعة الإنسان ما إذا كانت طيّبة وتتشوّه تباعًا أم العكس. فهذا نقاشٌ طويل ولهُ أهلهُ، تبقى مسؤوليّتنا كأفراد هي في الكفّ عن المناكفات العبثيّة، فكلّنا متساوون بالقيمة أمام العدم، هدفنا يجبُ أن يكون مُحاربة قوى الشرّ البشريّة، شياطيننا الأرضيّة، التي تسعى دائمًا إلى وضع الأفراد في قوالب من أجل جمعهم والتحكّم فيهم، كمن يجرّ قطيع خرفانٍ نحو المسلخ. وأحيانًا أفضل ما تفعله، هو أن لا تُصبح شيطانا كذلك، من أجل مستقبل أفضل وأكثر إنصافًا، رُبّما. «الجحيم فارغ، وكلّ الشياطين هُنا» - شكسبير

9051

| 12 ديسمبر 2020

alsharq
مؤتمر صحفي.. بلا صحافة ومسرح بلا جمهور!

المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...

7920

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
من فاز؟ ومن انتصر؟

انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...

6987

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2853

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

2358

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

2001

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»

قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....

1605

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1395

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
مواجهة العزيمة واستعادة الكبرياء

الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...

1212

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
العطر الإلكتروني في المساجد.. بين حسن النية وخطر الصحة

لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...

1122

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
قطر تودّع أبناءها الشجعان

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبمشاعر يعتصرها الحزن...

834

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

780

| 17 أكتوبر 2025

alsharq
هل نحن مستعدون للتقدّم في العمر؟

مع أننا نتقدّم في العمر كل يوم قليلاً،...

768

| 13 أكتوبر 2025

أخبار محلية