رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ نهايات الحرب العالمية الثانية ونجاح ماو تسي تونج في تأسيس نظام حكم شيوعي في الصين ظلت العلاقات مع موسكو في مد وجزر مستمر، ستالين لم يكن من المؤمنين بماو وعامله باحتقار، في الحرب الكورية كان رفض ستالين إنهاء الحرب سبباً في تضحية كان حجمها قرابة مليون قتيل في حرب كانت هدفها من وجهة نظر موسكو إبقاء الولايات المتحدة منشغلة في شبه الجزيرة الكورية عن مواجهة موسكو في الغرب، على الرغم من التطور الإيجابي في العلاقة بعد تولي خروتشوف إلا أن التوتر عاد سريعاً مع تطور الخلافات حول مختلف القضايا الدولية، وبعد وفاة ماو والانقلاب الجزئي على نظامه من بعده زادت البون اتساعاً، وكان سقوط الاتحاد السوفييتي هو المسمار الأخير في العلاقة بين البلدين ولم يعد بعدها من سبب يدفع لتحالف بين الطرفين، استمر الوضع على هذه الحال مع توافق أحياناً حين يتعلق الأمر بمواجهة الغرب. مع تسارع الانسحابية الأمريكية ظهر تساؤل جديد، هل يمكن أن يزيح الروس والصينيون خلافاتهم لتحقيق هدف مشترك وهو إنهاء الاحتكار الأمريكي للنظام الدولي؟ لسنوات عديدة كان يبدو أن تحالفاً بين الطرفين بعيد المنال، لكن الاتفاق الذي وقع مؤخراً بين رئيسي البلدين مثل نقلة استراتيجية في العلاقة، في وثيقة ضخمة وطويلة الأمد توافق الطرفان على مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها معاً، أكدت الصين دعمها لروسيا اقتصادياً في مواجهة عقوبات غربية محتملة وأكدت روسيا دعمها لأطروحة الصين الموحدة التي تؤكد على سيادة الصين على تايوان، الوثيقة ضمت تفصيلاً لتطوير العلاقات الأمنية والعسكرية واتفاقات مهمة حيال الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة، بشكل عام يمكن لقارئ الوثيقة القول أنها تمثل انطلاقاً لمارد ثنائي الرأس يمكنه مواجهة الرجل الأمريكي المريض. على الرغم مما تضمنته الوثيقة إلا أنها ليست بعيدة من وثائق سابقة وقعت من قبل البلدين، هذه الوثائق كذبتها الخلافات بين البلدين، اليوم هذا الاتفاق في ظل الأزمة الأوكرانية وأزمة هونج كونج والتهديدات الصينية لتايوان يشكل أرضية لمواجهة شاملة شرقية غربية، وفي حال صمدت الاتفاقية على الأرض وحدثت المواجهة في أوكرانيا فلا يستبعد أن تكون سبباً في تعزيز رغبة الصين في التصعيد ورغبة روسيا في التمادي، هذه الاتفاقية تمثل الكابوس الأخطر بالنسبة لواشنطن، وسياسة التفريق بين الطرفين التي حاولت إدارة بايدن توظيفها فشلت فشلاً ذريعاً، مع بداية المناوشات في أوكرانيا عند كتابة هذا المقال أصبح هذا التحالف الآن العنوان الأبرز لتراجع الولايات المتحدة والتحول نحو عالم متعدد الأقطاب. أكاديمي قطري [email protected]
2516
| 21 فبراير 2022
منذ سقوط الاتحاد السوفييتي حرص الغرب على التمدد شرقاً لملأ الفراغ الإستراتيجي الكبير الذي خلفه تفكك القوة العظمى الثانية، ومنذ ذلك الحين وروسيا تعلم أنها تتعرض للتآكل في أطرافها، حاولت موسكو في أعقاب انهيار الاتحاد تشكيل تحالف يجمع شتات جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة ولكن هذا العقد سرعان ما انحل وسارعت تلك الجمهوريات إلى أحضان أوروبا الغربية ليحصل بعضها على عضوية الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو بينما وجه البعض الآخر بوصلته غرباً سعياً للحصول على عين الرضا الغربية. عند وصول بوتين إلى السلطة كانت روسيا تمثل قوة "سابقة" بالكاد تستطيع ممارسة نفوذها على جوارها المباشر، تحارب الانفصاليين في الشيشان وداغستان وغيرها، ولا تكاد تحرك ساكناً أمام تقدم الغرب نحوها، بحلول عام ٢٠٠٨ بدأ المشهد يتغير، فبعد أعوام من سعي بوتين إلى عكس التيار نجح في إخماد الحرائق الداخلية وانطلق إلى الخارج ليشهد ذلك العام الحرب الروسية الجورجية التي دعمت فيها روسيا الانفصاليين في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وانتهى الأمر بضم هذين الإقليمين للاتحاد الروسي، هذا النموذج تكرر مع شبه جزيرة القرم الأوكرانية في ٢٠١٤ حيث دعمت روسيا الانفصاليين هناك الذين ما أن انتزعوا استقلالهم بدعم عسكري روسي مباشر حتى طلبوا الانضمام للاتحاد الروسي، ومنذ ذلك الحين انعكس التيار وأصبحت دول المنطقة بين مستسلم أمام النفوذ الروسي وبين من يحاول المقاومة مستعيناً بالغرب الذي بات المتغطي به عريانا. اليوم وعبر استثمار حركة التمرد في إقليم دونباس في جنوب شرق أوكرانيا تهدد روسيا باقتطاع جزء جديد من البلاد أو حتى احتلالها بشكل كامل، التحركات العسكرية الروسية تحيط بأوكرانيا كلها تقريباً وبطبيعة الحال لا قبل لقوات الحكومة الأوكرانية بهجوم روسي شامل، وبالتالي يمثل الدعم الغربي الخيار الوحيد أمام كييف لردع موسكو، الغرب من ناحيته يواجه خيارات محدودة، إما المغامرة باستعراض قوة عسكرية قد يؤدي لأول مواجهة غربية روسية عسكرية مباشرة أو الاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية على أمل أن يكون التهديد بها رادعاً للكرملين الذي يعاني تحديات اقتصادية. وصلنا الآن للساعات الأخيرة حيث أكدت مصادر غربية أن موسكو تنوي بدء عملياتها العسكرية الثلاثاء، الأمر الذي تنفيه موسكو متهمة الغرب بالتهويل ومحاولة الاستفزاز، الحرب الشاملة في الحقيقة ليست في مصلحة أي من الطرفين، ولذلك لا شك أن كل طرف يتمنى أن يتراجع الآخر أولاً، موسكو من ناحيتها ربما تريد اجتياحاً سريعاً وسهلاً كذلك الذي حدث عام ٢٠١٤ مع رد فعل غربي دبلوماسي وحسب، والغرب يريد تراجعاً روسياً عن الحشد، صحيح أن الولايات المتحدة وحلفاءها هذه المرة يقدمون دعماً أكبر لأوكرانيا ولكنه دعم متردد والحشد الروسي أكبر وأكثر انتشاراً من ٢٠١٤. هل الصراع في شرق أوروبا حتمي؟ يبدو الأمر كذلك، انكفاء الولايات المتحدة وتراجعها عن التمدد الاستراتيجي نحو الشرق يترك مساحة لا يمكن لروسيا بوتين تجاهلها، والرجل الأوروبي المريض لا يمكنه الوقوف أمام التهديد الروسي خاصة مع تباين المواقف أوروبياً، قد لا تنشب الحرب اليوم أو غداً ولكن مواجهة ما بين روسيا والغرب ستدور رحاها في هذا الجزء من العالم قريباً. أكاديمي قطري [email protected]
4081
| 14 فبراير 2022
أسرت قصة هذا الفتى كل من صادفها، وتعلقت القلوب بمأساة هذه العائلة، شخصت الأبصار نحو شفشاون، تنتظر بصيصاً للأمل، خبراً حول صحته هنا، صوراً له وهو يستنشق الهواء هناك، ثم ساد الصمت، لساعات طويلة وفي نهاية الأيام الخمسة، ظل العالم يترقب، وظلت الأمتار تزيد وتنقص، حتى تحركت الجموع وهللت الجماهير وتحركت سيارة الإسعاف مؤذنةً بخروج ريان، للحظات قليلة، ذرفت دموع الفرح، ولكنها ما غادرت الوجنات إلا وقد تحولت لدموع حزن وأسى، «ريان مات» ومات معه الأمل. كان احتمال خروجه سالماً ضرباً من الخيال، ولكن الأمل في قلوبنا لم يسمح بالحديث حول واقعية المشهد، الحلم كان بنهاية سعيدة، نهاية روائية هوليودية، يخرج ريان ويعيش حياة سعيدة، وتسعد معه قلوب أشقتها هموم الدنيا ومشاكلها، للحظات كان الحلم أن يغطي وهج نور ريان على ظلام الحروب والأزمات وأن تستبدل ضحكاته أنين الجرحى وصياح الثكالى في بؤر الصراع والنزاع، كان حلماً فغدا كابوساً، بل واقعاً كبقية قصص واقعنا العربي الأليم. ولعل ريان غادر هذا العالم إلى ربه رحمة به، من أوجاعه ومآسيه، ولكن غصة رحيله شعر بها كل من عاش ملحمته، قصة ريان جسدت آلامنا وآمالنا، أحزاننا وأفراحنا، كوابيسنا وأحلامنا، هذه الغصة ستدوم قليلاً أو طويلاً، لكنها ستمثل انعكاساً لمشاعرنا حول كل شيء، رحيله رمز لرحيل الأمل من قلوب أبناء أمة عانت الأمرين في تحولات سياسية وأزمات اقتصادية وحروب مستمرة، لم يكن ريان ضحية إحداها، ولكنه كان تجسيداً لها جميعاً. رحل ريان ولكن لنجعل من رحيله بداية، ننظر في دواخلنا، نخرج ريان من أعماقنا، يتنفس الحرية من أرواحنا، يعيش عبر أعمالنا، يرى بأعيننا أثر قصته في حياة أطفال هذا العالم، في مخيمات اللاجئين وساحات المعارك وبيوت الفقراء، فلنسع ليكون ريان آخر المآسي التي تخلفها الحاجة، لنعمل على أن يكون إرث ريان منجاة لمن خلفه، إلى جنات الخلد يا ريان، وإلى واقعنا نعود. أكاديمي قطري [email protected]
3816
| 07 فبراير 2022
توجه صاحب السمو أمير البلاد إلى واشنطن تلبية لدعوة الرئيس الأمريكي لتكون الزيارة الأولى لسموه بعد تولي بايدن الرئاسة، وبذلك يكون بايدن الرئيس الأمريكي الثالث الذي يجدد سموه معه العلاقة بين البلدين، ومع تبدل الإدارات وتأرجح البندول السياسي الأمريكي بين اليمين واليسار ظلت العلاقة بين البلدين راسخة على الرغم من التحديات التي مرت بها. الخيار القطري في العلاقة مع واشنطن كان مبنياً على أساس متين وهو تعزيز العلاقة المؤسسية، هذه العلاقة بنيت على أركان ثلاثة، سياسياً عبر دور قطر المركزي في الوساطات المختلفة وجهود التنمية وإحلال السلام، اقتصادياً عبر الاستثمار المباشر والشراكات في قطاع الطاقة، وعسكرياً من خلال استضافة القوات الأمريكية في قاعدة العديد والشراكات المختلفة في التسليح والتدريب، هذه الثلاثية تمثل أهم جوانب العلاقة مع وجود جوانب أخرى ولكنها مكنت من تقوية العلاقات المباشرة بين المؤسسات القطرية والأمريكية بشكل هيكلي واستراتيجي. كما هو الحال مع الإدارة السابقة تبينت إدارة بايدن سريعاً أهمية العلاقة مع قطر في ملفات المنطقة وغيرها، خاصة خلال الانسحاب من أفغانستان والذي انتهى بطلب واشنطن من الدوحة رعاية مصالحها في كابول في ظل عدم وجود سفارة أمريكية، واليوم في ظل التوتر المتسارع بين روسيا والغرب تتجه أنظار واشنطن إلى الدوحة مجدداً. تداولت وسائل إعلام مختلفة تصريحات وتحليلات حول دور قطري مرتقب في حال تأثرت إمدادات الغاز نتيجة التوتر في أوكرانيا، هناك الكثير من التعقيدات المرتبطة بهذا الملف تقنياً ولوجستياً وسياسياً واقتصادياً، ولا شك أن النقاش حول سيناريوهات مستقبلية سيكون فرعاً من هذه التعقيدات، ولكن هذه القمة بين القائدين هي دلالة على أن قطر رقم صعب لا يمكن تجاوزه حتى في أزمات بهذا الحجم على الصعيد الدولي. العلاقة القطرية الأمريكية تستمر اليوم مع إدارة جديدة، وكما هو الحال كلما تغيرت إدارة في واشنطن هناك فترة تأقلم وتشكل لمواقف السياسة الخارجية واستيعاب لطبيعة التحالفات وطريقة التعامل معها، وها هي الدوحة مجدداً تعود إلى واجهة حلفاء واشنطن، تحالف قائم على المنفعة المتبادلة والمصالح والمشتركة والمواقف الراسخة، تحافظ قطر على مبادئ سياستها الخارجية ورؤيتها الإقليمية وتسعى من خلال علاقتها بواشنطن إلى تعزيز فرص السلام ليس في المنطقة وحسب بل في العالم. [email protected]
4951
| 31 يناير 2022
عند الحديث عن القوة في سياق الدول نتحدث عن القوة الصلبة والناعمة، الصلبة يقصد بها القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والناعمة يقصد بها المرتبطة بالأدوات الأخرى التي لا تستخدم الإكراه المباشر أو الابتزاز لتغيير مواقف الدول الأخرى مثل الثقافة والإعلام والمساعي الحميدة والعمل التنموي والتعليم، وعلى غرار القوة يمكن تصنيف الدبلوماسية كذلك باعتبارها صلبة وناعمة. الدبلوماسية الصلبة هي تلك التي تقوم الدول من خلالها بتوظيف آلتها الدبلوماسية لتغيير مواقف الدول الأخرى بشكل قسري أو بالتلويح بجزرة بمقابل واضح، فحين تلجأ القوى الكبرى للقيام بمناورات عسكرية في إقليم معين تكون تلك رسالة دبلوماسية لطرف إقليمي بالاستعداد للتدخل العسكري، وحين تفرض عقوبات اقتصادية يكون الهدف هو تغيير السلوك السياسي أو موقف معين لدى هذه الدولة، ومعظم هذه الإجراءات تكون استعراضاً للعضلات وتهديداً لا يصل للتنفيذ، الطرف الآخر إما أن يذعن أو يقرر أن هذه الدبلوماسية الصلبة هي "دبلوماسية" فقط ويغامر بتجاهلها، وفي كثير من الأحيان تكون كذلك. الدبلوماسية الناعمة تستخدم أدوات مثل الوساطة والاتفاقيات الثنائية والعمل متعدد الأطراف وعبر المنظمات الدولية المختلفة لتحقيق أهداف من منطلق الربح المتبادل، في الأزمات تكون المعادلات صفرية ولذلك يكون استخدام هذا الشكل من الدبلوماسية أكثر تأثيراً في أوقات السلام، وهو في الحقيقة يشكل ضمانة لعدم الوصول لأزمات، وبالنسبة للدول الصغيرة والمتوسطة التي لا يدعمها ميزان القوى تكون هذه الدبلوماسية هي الخيار الوحيد تقريباً. انطلاقاً مما سبق تسعى الدول الصغيرة التي ترغب في أن يكون لها تأثير دولي يحمي مصالحها في توظيف أدوات القوة لديها بشكل مضاعف كما فعلت النرويج عبر جهودها في الوساطات المختلفة وكما تفعل قطر في السياق ذاته، ولكن لهذه الدبلوماسية تكلفة ليست بالبسيطة، هي أولاً مباشرة من خلال الإنفاق المطلوب على جهود التنمية والمبادرات الإقليمية والدولية وغير مباشرة من خلال رأس المال السياسي الذي يستهلك والمخاطر التي قد تعود على هذه الدول جراء انخراطها في مساحات أزمات شائكة، فهل هذه التكلفة تستحق أن تطور هذه الدول دبلوماسيتها الناعمة؟ الإجابة تحتاج لسؤال آخر، هل يسع هذه الدول الانكفاء على ذاتها؟ في الغالب الإجابة هي لا، الدول التي تقوم بذلك إما أن تكون في محيط مزدهر هادئ ليس فيه مخاطر وهذا احتمال ضعيف جداً، أو أن تقبل بالتراجع أمام القوى الإقليمية واللقاء في حالة تبعية تفقدها القدرة على تنمية قدراتها اقتصادياً، أما الدول مثل قطر والتي يتجاوز حجم اقتصادها جغرافيتها وتمر بتحديات جيوسياسية معقدة فهي بحاجة إلى تلك المساحة الدولية وذلك الدور في المجتمع الدولي لضمان شبكة مصالحها الاقتصادية ابتداء من سلاسل التوريد وخطوط التصدير وانتهاء بأمنها المباشر. الدبلوماسية الناعمة هي استثمار في محله ومثل كل أنواع الاستثمار كلما زاد رأس المال زاد العائد المتوقع طالما كان الاستثمار مجدياً، إلا أن لعبة الأرقام في الاستثمار الدبلوماسي أعقد من أي سوق عرفته البشرية. أكاديمي قطري [email protected]
7966
| 24 يناير 2022
بحر جنوب الصين يعتبر من أكثر المسطحات المائية في العالم التي تحيطها خلافات حدودية، قانون البحار الدولي بشكل عام معقد ولكن هذه المنطقة من العالم تعاني من عقد خاصة ترتبط بتركيبة المنطقة السياسية والجغرافية، فبينما تهيمن السواحل الصينية على شمال البحر تمتد السواحل الفيتنامية شرقه وتتناثر في غربه جزر ارخبيل الفلبين وفي جنوبه سواحل ماليزيا وأندونيسيا وتايلند وبروناي وسنغافوره، ومعظم هذه الدول منخرط في خلافات حول الحدود البحرية وتبعية بعض الجزر مع عدد من الدول الأخرى. الجار الأكبر الصين، ومنذ الحرب العالمية الثانية تطرح مطالبات ضخمة حول سلطتها على البحر، هذه المطالبات أخذت أشكالا عديدة من المطالبة بجزر وتكوينات بحرية مختلفة إلى بسط النفوذ العسكري في ممرات التجارة الرئيسية ولكن العقد الأخير شهد تنامياً في التأثير الصيني من خلال تثبيت الوجود العسكري على جزر مختلف عليها وبناء جزر صناعية تستضيف مدرجات طيران عسكرية ورادارات طويلة المدى وبطاريات صواريخ، إضافة إلى ذلك تتهم دول المنطقة الصين بأنها تستخدم سفن الصيد كغطاء لبسط نفوذها داخل المناطق الاقتصادية الخاصة للدول الأخرى كما حدث مؤخراً مع الفلبين وإندونيسيا حيث انتشرت مئات سفن الصيد الصينية مصحوبة بقوات بحرية شبه عسكرية في المياه التابعة لهاتين الدولتين، وفي مجال التنقيب عن مصادر الطاقة تقوم الصين بالتنقيب عن النفط والغاز في مناطق تدعي دول أخرى في المنطقة تبعيتها لها، كما تمارس ضغوطات على شركات الطاقة لتصدها عن المشاركة في عقود تنقيب مع جيرانها، هذه فقط ملامح من الإجراءات الصينية لبسط النفوذ على البحر الذي يحمل اسمها. منظمة الاسيان التي تضم دول المنطقة دون الصين منخرطة منذ سنوات في مفاوضات للوصول لاتفاق حول السيادة في المنطقة دون جدوى، مطالبة الصين بالحد من المناورات العسكرية مع دول من خارج الإقليم، والمقصود هنا الولايات المتحدة، والحد من التنقيب عن النفط والغاز يشكل عائقاً رئيسياً أمام المفاوضات، والحاضر الغائب هو واشنطن التي تتنافس مع الصين حول النفوذ البحري منذ سيطرتها على المحيط الهادي بعد الحرب العالمية الثانية، فمعظم الدول المنخرطة في خلافات مع الصين في المنطقة تعتمد على علاقتها مع واشنطن في تحقيق التوازن الإقليمي، ولكن غياب هذه الأخيرة وترددها في كبح جماح الصين لسنوات عديدة زاد من قدرة الصين على الضغط على هذه الدول، واشنطن أصدرت مؤخراً تقريراً تتهم فيه بكين بأنها تنتهك القانون الدولي بإجراءاتها في بحر جنوب الصين مؤكدة على دعمها لدول الأسيان ولكن هذا مثال سوابقه يبدو حبراً على ورق مالم يشفع بإجراءات ميدانية. الصين من ناحيتها أكدت على أن أعمالها في الجزر المختلفة انتهت وأن هدفها كان ضمان الأمن البحري لكل دول الإقليم، ومن المفهوم حرصها على فرض الهيمنة على هذا المسطح المائي باعتباره ممراً رئيسياً للصادرات الصينية ومنطقة احتكاك بالنفوذ الأمريكي على شواطئها، التطورات الأخيرة تشير إلى استمرار التمدد الصيني وتزايد ضعف التوازن الإقليمي، ما يجعل هذه المنطقة أحد أهم بؤر الصراع التي يتابعها المراقبون خلال هذه الفترة، فهل يكون بحر جنوب الصين مسرح التحول من الحرب التجارية إلى المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة والصين؟ أكاديمي قطري [email protected]
5027
| 17 يناير 2022
عام مضى منذ حادثة من أغرب حوادث التاريخ الأمريكي الحديث، حين اندفع متظاهرون يدعمهم الرئيس المنتهية ولايته، يرفضون الاعتراف بنتائج الانتخابات، واقتحموا رمز الديموقراطية الأمريكية وبيتها الكونغرس الأمريكي بدعم مبطن من رئيسهم الذي احتشد مع مجموعة من أنصاره يحتفلون بالمناسبة، كان مشهداً سريالياً، خاصة لأولئك الذين كانوا يجدون في الحلم الأمريكي ونظامه السياسي نموذجاً مثالياً لا يقبل النقد، في العالم كله أطلق هذا المشهد تساؤلات عديدة حول نمط سياسي يجتاح الكثير من عواصم العالم، الشعبوية السياسية التي تتغذى على نظريات المؤامرة وانعدام الثقة في المؤسسات الدولية والمشاعر العدوانية تجاه الأقليات والمهاجرين آخذة في النمو من بداية هذا القرن، وكان حادث اقتحام الكونغرس بمثابة إعلان وصول الشعبوية ذروتها وتحولها إلى غول يهدد حتى أعتى الديموقراطيات وأكثرها استقراراً. بعد عام من رحيل ترمب الذي كان يطمح مناوئوه إلى أن يمثل نهاية للكابوس الشعبوي يتضح أن هذا الكابوس يستمر من خلال طبقة سياسية صلبة وإدراك لدى الانتهازيين من السياسيين عبر العالم أن الخطاب الشعبوي يجلب للسياسيين المغمورين والفاشلين من الأصوات ما تعجز عنه كل الأيديولوجيات والبرامج السياسية والاقتصادية الأخرى، وترافق مع هذا الاتجاه الشعبوي اليميني نمو لليسار الراديكالي في دول عديدة كردة فعل، واليوم في العديد من دول العالم الديموقراطية نجد حالة عنيفة من الاستقطاب لم يشهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة. هذا الاستقطاب ليس بالضرورة حزبياً أو فكرياً، بل يأخذ شكل اصطفاف طبقي إلى حد كبير، تنحاز الأرياف والطبقات الأدنى تعليمياً واقتصادياً إلى الخطاب الشعبوي وتنحاز المدن والطبقة الوسطى والأعلى تعليماً إلى اليسار، مع استثناءات هنا وهناك، وإذا ما أضفنا عامل المواجهة الروسية الغربية في شرق أوروبا ووسط آسيا نجد صورة معقدة لعالم يحكمه التطرف بغض النظر عن اتجاهه. كل ما سبق يعزز التساؤل حول مستقبل الديموقراطية كنظام سياسي مثل الحل الأمثل والخيار الأوحد لكل من يبحث عن الحكم الرشيد وحلول لأزمات المجتمعات النامية، فعلى الرغم من نجاح الأنظمة الديموقراطية الغربية في تحقيق مستوى من الاستقرار والرفاه قل نظيره عالمياً، فإن العقود الأخيرة تضمنت إشارات واضحة إلى ترهل أنظمة الديموقراطية النيابية، فتراجع الأحزاب الكبرى وصعود اليمين المتطرف وشيخوخة الطبقة السياسية وانحدار البرامج الانتخابية إلى طرح شعبوي عنصري، كل ذلك يشير إلى أن هناك مشكلة هيكلية في هذه الأنظمة تدعو إلى التفكير في احتمالية أن هذا الشكل من أنظمة الحكم لم يعد هو الأمثل اليوم أو على الأقل أن عمره الافتراضي شارف على الانتهاء في ذات المناطق التي ازدهر تطبيقه فيها في السابق. قال أحدهم «الديموقراطية هي أسوأ نظام للحكم باستثناء جميع الأنظمة الأخرى» حتى اللحظة لن تجد في الممارسة السياسية أو الفكر السياسي نموذجاً يحتوي على ضمانات للحكم الرشيد والعدالة ويمكن تطبيقه بواقعية مثل الديموقراطية النيابية، حتى التحورات المختلفة له مثل ديموقراطية الحزب الواحد في الصين والنظام الفيدرالي اللامركزي السويسري لم تتمكن من تقديم نموذج شامل يصلح خارج أسوار تلك البلاد، ولا شك أن كل سياق حلوله مختلفة، ولا يوجد حل سحري ونظام مثالي لكل زمان ومكان، ولكن كما نشر الغرب المنتصر بعد الحرب العالمية الثانية نظامه السياسي عبر العالم فربما يحمل المستقبل لنا ناشراً جديداً ومنشوراً مختلفاً. أكاديمي قطري [email protected]
5620
| 10 يناير 2022
أصدر أربعة وعشرون شخصية أمريكية، ضمت قيادات عسكرية ومسؤولين في وزارة الخارجية ودبلوماسيين سابقين وأكاديميين بياناً يطالبون فيه إدارة بايدن باتخاذ إجراءات عاجلة للرد على التصعيد الروسي في أوكرانيا، منذ السابع من ديسمبر الماضي، وبعد قمة افتراضية بين القيادتين الأمريكية والروسية زادت روسيا من حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا مما زاد التوقعات بجدية موسكو في خوض حرب احتلال ضد أوكرانيا، البيان الذي أصدره مجلس الأطلسي نيابة عن موقعيه وضع مجموعة من المقترحات لإدارة بايدن لإجراءات ردع يدعو البيان لاتخاذها بأسرع وقت. البيان الذي ركز على ضرورة أن تقوم إدارة بايدن والناتو بالتأثير السريع على حسابات الربح والخسارة الروسية، طالب أولاً بضرورة وضع قائمة صارمة من العقوبات بالتعاون مع الحلفاء في الناتو تتضمن منع تشغيل خط نوردستريم ٢ لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، وإبلاغ روسيا بهذه العقوبات حتى يصبح الكرملين مدركاً للكلفة الاقتصادية لهذا التصعيد، بالإضافة إلى ذلك دعا البيان إلى تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا لرفع كلفة أي عمل عسكري ضدها خاصة عبر توفير منظومات دفاعية فعّالة ضد الهجمات الجوية الروسية. دبلوماسياً دعا البيان إلى مواصلة سياسة الباب المفتوح للتفاوض ولكن مع ربط التفاوض بخفض التصعيد العسكري حتى لا تستغل موسكو زيادة التصعيد للحصول على تنازلات متتابعة من الغرب، كما طالب الموقعون بالتنسيق مع الأطراف الأوروبية والحلفاء في الناتو بتشكيل موقف موحد، وأن تكون أي مفاوضات حول الوضع القائم مع روسيا متضمنة للدول المتأثرة أمنياً بالتهديدات الروسية، وخاصة الدول المطلة على بحر البلطيق، كما دعا البيان لضرورة استخدام المنصات الدولية مثل مجموعة السبعة الكبار ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والأمم المتحدة لإصدار بيانات شديدة اللهجة ضد التصعيد الروسي، هذه المقترحات تتضمن نقداً غير مباشر لإقدام واشنطن على مفاوضات ثنائية مع موسكو دون تنسيق موقف واضح مع الحلفاء وخاصة أعضاء الناتو وأوكرانيا. وأخيراً طالب البيان بإيصال رسالة واضحة إلى موسكو مفادها أن أي عمل عسكري في محيط البلطيق سيعني تكثيف التواجد الأمريكي والغربي في الدول المطلة على هذا المسطح المائي الذي يمثل خط المواجهة بين روسيا والغرب، التفاهمات الغربية الروسية حول التواجد العسكري في هذا الجزء من العالم كانت صمام أمان في فترة الحرب الباردة وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وقيام روسيا بضم القرم بموانئه الإستراتيجية في البلطيق دون رد غربي حقيقي أسهم في تعزيز شعور الكرملين بإمكانية تحقيق مكاسب تعيد لروسيا هيمنتها في محيطها الإستراتيجي. موقعو البيان الذي ضم قيادات عسكرية ودبلوماسية عملت في المنطقة وعلى خط المواجهة المباشر مع موسكو عبروا عن حالة قلق متزايد من أن السلام مع روسيا أصبح مهدداً، المواجهة ليست محصورة في أوكرانيا بل تمتد إلى بيلاروسيا وأزمة المهاجرين ومالدوفا والضغط الروسي عليها في عقود الغاز والخطاب الدبلوماسي الروسي التصعيدي تجاه الغرب بشكل عام، وتردد الإدارات الأمريكية المتعاقبة في مواجهة هذا النمو الروسي شجع موسكو على استعادة مجدها الاستراتيجي. عام ٢٠٢٢ يبدو أنه سيكون تسخيناً للحرب الباردة التي عادت إلى السطح بين روسيا والغرب، عالم القطب الأوحد أو "النظام العالمي الجديد" كما كان يسمى في تسعينيات القرن الماضي يودعنا مسرعاً بينما نستقبل الأقطاب المتعددة بما تجلبه من أزمات في بحار البلطيق وجنوب الصين وغيرها. أكاديمي قطري [email protected]
6689
| 03 يناير 2022
يمضي عام آخر من حياتنا بأحداثه وتطوراته، بخلافاته ومواجهاته، بما فيه من خير لهذه البشرية ومن شر، وتعلن صفارة النهاية الوهمية تلك التي فرضها علينا البابا غريغوريوس الثالث عشر حين أقر تعديلاته على التقويم الميلادي رحيل عام ومجيء آخر دون أن تلتفت عجلة التاريخ إلى هذه البدايات والنهايات التي يحددها بنو البشر، على أي حال فإن الغرب الذي سيطر تقويمه على الروزنامة البشرية تسيطر أحداثه وتداعياتها على أحداث الأعوام المتتالية، نستعرض في هذا المقال بعض أهم أحداث العام المنصرم. ابتدأ هذا العام بدخول بايدن إلى البيت الأبيض معلناً نهاية عهد الفوضى الترامبية، ولكن هذا العهد كانت نهايته خاصبة مع اقتحام مؤيدي ترامب للكونغرس، ورثت إدارة بايدن أزمات متراكمة سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية، وكان واضحاً منذ اليوم الأول أن الإدارة الجديدة ستبدأ بداية بطيئة، ولن تتوفر لها سبل تحقيق إنجازات مدوية سريعة، وعلى الرغم من القرارات التنفيذية السريعة التي عكست العديد من مثيلاتها من عهد ترامب فإن بايدن وفريقه سرعان ما وقعوا في وحل الإرث الذي تركه لهم من جهاز بيروقراطي معطل وتشريعات جدلية وسياسية خارجية أربكت العلاقة مع الحلفاء وأسالت لعاب الخصوم، اليوم ينتظر الإدارة موعد صعب نهاية العام المقبل مع الانتخابات النصفية التي يتوقع أن يفقد فيها الجمهوريون أغلبيتهم في مجلس النواب على الأقل ما سيعني شللاً تشريعياً في العامين التاليين لها. يقودنا الحديث عن إدارة بايدن إلى الملف الأفغاني، حيث فشل فريق الخارجية الذي يرأسه بلينكن في معالجة مخلفات عهد ترامب وإنقاذ الحكومة الأفغانية واستمر تقدم حركة طالبان حتى استطاعت دخول كابل مظفرةً دون إراقة الدماء، الحكومة الجديدة في أفغانستان ما زالت تتلمس طريقها نحو اعتراف دولي وإعادة بناء مؤسسات الدولة وإنقاذ الشعب من ويلات المجاعة والفقر والإرهاب، الصدمة التي أنتجتها مشاهد الهروب الجماعي من كابل على شاشات الإعلام الغربي ذكرت بهزائم الولايات المتحدة السابقة، ولكن الحركة سرعان ما انتظمت وعاد المطار إلى العمل بشكل شبه طبيعي لتنجح السياسة الخارجية القطرية في كبح جماح أزمة الانسحاب الأمريكي وينتهي الأمر بالدوحة عاصمة لدبلوماسية الملف الأفغاني. من الناحية الاقتصادية كانت أزمة سلاسل التوريد العالمية العنوان الأبرز هذا العام، بدأت الأزمة حين تسببت أزمة كوفيد - ١٩ في إغلاق العديد من المصانع وتسريح ملايين العمال عالمياً، وتباطؤ الطلب العالمي على المنتجات المختلفة، تسبب ذلك في أزمة عكسية حين تعافى الطلب العالمي ووجدت كبرى الشركات العالمية أن الموردين وشركات الشحن والنقل الذين تضرروا خلال الأزمة غير قادرين على تلبية الطلب المتزايد، هنا أطلت العولمة بوجهها القبيح حيث اعتمد أكبر المنتجين عالمياً على شركات مختلفة عبر العالم لإنتاج القطع والمواد اللازمة لمنتجاتهم النهائية، أبرز الأزمات القطاعية كانت تلك المرتبطة برقائق إلكترونية تدخل في تصنيع مختلف الإلكترونيات والسيارات، وتسببت في إرباك خطوط إنتاج رئيسية، هذه الأزمة أثارت جدلاً حول الإدمان العالمي على الصين والمنتجين الصغار وإمكانية أن تتسبب أزمات قادمة في شلل عالمي في الإنتاج. وأخيراً وليس آخراً بدأ العام بتفاؤل عالمي حيال توفر اللقاحات التي أثبتت فاعليتها في مواجهة فيروس كورونا وانتهى بقلق متزايد من متحور جديد أعاد العالم سريعاً إلى موجات الإغلاق والأرقام الفلكية من المصابين، ولكن التفاؤل يتجدد مع الإعلان عن دراسات مبشرة حول عدد من العقاقير التي متى دخلت مجال الاستخدام الواسع قد تحول هذا المرض الذي وقعت البشرية رهينة له إلى إنفلونزا موسمية عادية. عام جديد يقبل بينما يدبر آخر ولا ينفك هذا العالم عن اختراع أزمات جديدة وصراعات مختلفة تفاقم آلام البشر ويرتفع معها أنين الضحايا، ولكن في هذا العالم من الأمل والخير ما يجعل الحياة تستمر وأحلامنا تنمو. أكاديمي قطري [email protected]
6742
| 27 ديسمبر 2021
مع تتابع الأنباء حول متحور أوميكرون الجديد والتزايد السريع في عدد الحالات مع دخول فصل الشتاء في أوروبا أطل شبح الإغلاقات بوجهه المخيف على اقتصاد العالم في عدد من الدول الأوروبية. بدأت الأرقام تقترب من ذروات سابقة مع تأخر جهود التطعيم لأسباب مختلفة، بين رفض قطاعات من المواطنين التطعيم، مروراً بتأخر التطعيم في الدول النامية، لم يصل العالم إلى أرقام تضمن توقف الموجات الجديدة من عبور الحدود، ولكن كثيراً من الحكومات التي مازالت تعاني من الآثار السياسية والاقتصادية للإغلاقات السابقة تبدو اليوم مترددة في تطبيق إجراءات جديدة، خاصة أن العديد منها بدأ منذ شهور قليلة في العودة إلى الحياة الطبيعية. في الغرب الديموقراطي المشكلة مضاعفة، حيث تعرض الاقتصاد لهزات ارتدادية من موجات الإغلاق، وتعرضت الطبقة السياسية لضغوطات قاسية شعبياً بحيث أصبح القرار في فرض الإغلاقات الجديدة سياسياً قبل أن يكون صحياً، تحاول السلطات تجنب الإغلاقات قدر الإمكان لتجنب ردة فعل شعبية، خاصة في موسم الأعياد المقبل هناك، في الدول النامية وخاصة الفقيرة منها تواجه الحكومات ضغوطات قاسية خاصة مع تفشي الصراعات الأهلية والانهيارات الاقتصادية في عدد كبير من هذه الدول، بالتزامن مع عدم قدرتها على توفير التطعيمات لقطاعات واسعة من المواطنين وزيادة نسبة الإصابات عن المعدل العالمي، وطالما تأخرت حملات التطعيم هناك، وترددت السلطات في الإجراءات ستستمر هذه الدوامة التي لا يبدو أن العالم يرى النور في نهاية نفقها اليوم. فهل يتحمل العالم موجة خامسة؟ الاقتصاديون مختلفون حول النتيجة النهائية لأزمات كورونا على الاقتصاد العالمي مع اتفاقهم على أن اختلالاً جديداً في سلاسل الإنتاج ستكون له آثار كارثية حتى على إمدادات الغذاء العالمية. خلال العامين الماضيين تأثرت العديد من القطاعات بهذا الأمر بشكل كبير وأزمة جديدة ستفاقم المشكلة على مستوى عالمي، ناهيك عن الانهيار التدريجي لما يسمى بقطاع الشارع التجاري "High Street" أو محلات التجزئة خارج المجمعات التجارية والتي كانت تعاني لسنوات بسبب سيطرة الشركات الكبرى على السوق والمجمعات التجارية، وأخيراً التجارة الإلكترونية، وجاءت أزمة كورونا لتكون المسمار الأخير في نعش هذا القطاع، تمر اليوم بالشوارع التجارية الكبرى في بعض عواصم العالم لتجد أبواب موصدة وبقايا لوحات منزوعة، حيث صمدت سابقاً محلات شهيرة لعشرات السنين. من الناحية الأخرى سياسياً تعاني الدول الديموقراطية من ضعف الطبقة السياسية المستمر لعقود، هذا الضعف عززه الحنق الشعبي من فشل العديد من هذه الحكومات في إدارة الأزمة، قد يكون الرابح الأكبر هم الشعبويون الذين بدؤوا صعودهم منذ بداية العشرية واستمدوا قوة جديدة من اللعب على وتر نظرية المؤامرة والرقص على أنغام ارتباك الحكومات خلال الأزمة البيئة السياسية غربياً ستكون مختلفة بعد سنوات قليلة. مازال العالم ينتظر مخرجاً من هذه الأزمة، الأنباء عن علاج مرتقب تتلقفه وسائل الإعلام بلهفة، وفي المقابل يأتي كل متحور كالصفعة على وجه العالم، ولكن على الرغم من هذه الصورة القاتمة، فإن التقدم في علاج الفيروس والتطعيم ضده يحقق خلال هذه الشهور قفزات مهمة، لعل أحدها تكون الوثبة التي ينتظرها العالم، لعل النهاية قريبة والخلاص أمامنا والأمل بالله دائم لا ينقطع. أكاديمي قطري [email protected]
5889
| 06 ديسمبر 2021
منذ نهاية عهد الاستعمار الأوروبي للقارة السمراء وهي في حالة عامة من انعدام الاستقرار مع بعض الاستثناءات هنا وهناك، سيل من الانقلابات والحروب الأهلية والإبادات العرقية اجتاح القارة ومازال يجتاحها في نزيف مستمر لهذه الدول الغنية بالموارد، وعلى الرغم من الاستمرار المؤلم لهذا النزيف إلا أن حزاماً جديداً من عدم الاستقرار يتشكل وقد يكون عنواناً لأزمات دولية قادمة متعددة الأوجه. الحزام الذي نقصده يمتد من الصومال شرقاً وحتى بوركينا فاسو غرباً، مروراً بأثيوبيا والسودان وتشاد والنيجر ومالي، في كل هذه الدول تواجه السلطات الجماعات الإرهابية أو المتمردين أو الانقسامات الداخلية على أقل تقدير، وتتراجع سيطرة الدولة تاركة المساحة أمام مكونات خطيرة من الفواعل من غير الدولة لملئها وتغذية شبكات الجريمة وتمويل الإرهاب وتسليح الميليشيات، والمشكلة هي أن ذلك يتزامن مع أحداث دولية تعزز هذا الواقع. منذ هزيمة تنظيم الدولة في سوريا والعراق وتبدد دولته اتجهت أنظار قيادات التنظيم المتبقية إلى أفريقيا وخاصة غربها عبر الاتصال بتنظيمات مثل بوكو حرام بايعت تنظيم الدولة، وسرعان ما ارتبط ذلك ببيعة حركة الشباب الصومالية، ولكن الأخطر اليوم هو أن ما يجري في أثيوبيا والسودان قد يفتح المجال أمام اتصال جغرافي بين الأراضي التي ينشط فيها تنظيم الدولة ومؤيدوه المحليون في غرب أفريقيا وشرقها، مما يشكل كتلة جغرافية جديدة أكبر حجماً من تلك التي تشكلت بين سوريا والعراق وأقل استقراراً منها. المجتمع الدولي يدرك ما يجري ولذلك نجد أن مختلف القوى الدولية تتحرك في هذه البقعة من العالم لمواجهة هذه التنظيمات، فرنسا كان لها عصا السبق ولكنها فشلت بشكل مدوٍ في تحقيق انتصار في مالي واليوم تدخل روسيا عبر قوات فاغنر واتفاقات سياسية، الخلافات بين القوى الدولية الناشطة في هذا الجزء من العالم ستكون سبباً رئيسياً في فشل جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية هناك كما كان الحال خلال السنوات الماضية. تطورات أفغانستان وبؤر الصراع المزدهرة عالمياً تمثل رافعة لما يجري في حزام عدم الاستقرار الأفريقي ولا يستبعد أن هجرة العناصر البشرية والخبرات الفنية إلى هناك بدأت لتشكيل هيكل صلب يواجه القوات الرسمية والدولية لتبدأ معركة عالمية جديدة يبدو العالم أقل استعداداً لخوضها اليوم. ما يجري في أثيوبيا اليوم وعلى حدودها مع السودان وتنامي العمليات الإرهابية في الصومال ومالي والنيجر وبوركينا فاسو هي إرهاصات لما سنشهده من نمو والتحام للجماعات الإرهابية في هذا الحزام الجغرافي، الكارثة هي أن هذا الحزام محاط بعدد من الدول ضعيفة البنيان كثيرة الأزمات ما يعني أن تمدد مساحة النشاط الإرهابي من خلال هذا الحزام لن يوقفها إلا البحر، هذه القارة ضحية دائمة للتشرذم والصراع، واليوم ربما تكون مصدرة له للعالم أجمع. أكاديمي قطري [email protected]
5027
| 29 نوفمبر 2021
خلال العقدين الأخيرين وبشكل متسارع تحولت حماس من حركة مسلحة مقاومة إلى سلطة حكومية في غزة، هذا التحول رافقه الكثير من المنعطفات المهمة في مسيرة الحركة التي قادت المقاومة المسلحة لسنوات عديدة، وعلى الرغم من الحديث المتزايد حول قبول الغرب التعامل مع حماس إلا أن كل منعطف يثبت أن السبيل الوحيد للحصول على قبول غربي هو إلقاء السلاح وتمكين الاحتلال. في لندن وفي إطار التسويق الذاتي عملت برتي باتيل، وزيرة الداخلية المحافظة، على تصنيف حماس كجماعة إرهابية، الأمر الذي طرح مراراً في مرات سابقة ولكنه كان يفشل بعد المداولات البرلمانية، هذه المرة تمكنت باتيل من تمرير التصنيف الذي سيمثل عذراً لاستهداف المؤسسات والشخصيات الفلسطينية العديدة العاملة هناك، كما سيضع لندن في موقع الشرطي لأمن إسرائيل عبر متابعة منتسبي الحركة وذويهم والناشطين الفلسطينيين بشكل عام، هذا التحول هو نتيجة لسعي الوزيرة نفسها ذات النفس العنصري اليميني، رغم أنها من أقلية مهاجرة، ويمكن تصنيفه في إطار محاولتها تعزيز فرصها القيادية في المرحلة القادمة لدى اليمين. في القدس قام شيخ أربعيني فلسطيني، فادي ألوشخيدم، بعد أن تنكر بزي متدين يهودي بإطلاق النار على عدد من المستوطنين ليردي أحدهم قتيلاً ويصيب ثلاثة آخرين بجروح، هذه العملية التي تبنتها حركة حماس وباركتها الفصائل الفلسطينية تعيد إلى الأذهان العمليات التي كانت تهز أركان الكيان إبان الانتفاضة الثانية بين عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٥، تلك العمليات التي كان يتغول فيها المقاومون الفلسطينيون في الداخل الإسرائيلي ويثيرون الرعب في مدن الكيان كانت مصدر القلق الأول لقادة الكيان ومقياس النجاح والفشل للحكومات الأمنية المتعاقبة، التعنت الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، وحماس تحديداً، منذ الانسحاب الأحادي من غزة والحروب المستمرة على القطاع المحاصر لم يكن لها من نتيجة سوى استمرار المقاومة وتعزيز أشكالها والعودة إلا العمليات التي تستهدف المستوطنين بشكل مباشر. مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي وإن رسمت صورته إحباطات وإكراهات الوضع العربي حالياً إلا أن التعويل على تراجع المقاومة وأدواتها لا يتستقيم مع ما نراه ميدانياً، وإذا ما أضفنا إلى ذلك أزمات الكيان السياسية والاجتماعية وتراجع مؤسساته ونظامه السياسي فإن الاتجاه يأتي في الصالح الفلسطيني، ولو أن هناك وحدة فلسطينية ولو بأدنى صورها ودعماً عربياً أو على الأقل توقف عن دعم العدو في بعض الأحيان لتحقق للفلسطينيين ما تحقق للأيرلنديين حين أسسوا جمهوريتهم على الجزء الأكبر من جزيرتهم، ولكن خذلان الداخل والخارج هو السلاح الوحيد الذي لا يعدمه العدو، والعتاد الأنجع في جعبته. أكاديمي قطري [email protected]
5180
| 22 نوفمبر 2021
مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد...
768
| 16 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...
717
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...
648
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...
639
| 14 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...
627
| 15 ديسمبر 2025
في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...
576
| 14 ديسمبر 2025
• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...
555
| 11 ديسمبر 2025
نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...
555
| 11 ديسمبر 2025
يأتي الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلفاً عن...
528
| 16 ديسمبر 2025
-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح -...
420
| 14 ديسمبر 2025
من الجميل أن يُدرك المرء أنه يمكن أن...
408
| 16 ديسمبر 2025
بينما تعيش دولة قطر أجواء الاحتفال بذكرى يومها...
405
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية