رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع العبارة التي توارثناها عن أهل الخبرة والتجربة: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”، وكأنها قاعدة ذهبية لحماية أحلامنا وأهدافنا قبل أن تخرج إلى النور. الكتمان هنا ليس خوفًا ولا ضعفًا، بل هو نوع من الذكاء والوعي؛ لأن ليس كل ما نملكه أو نخطط له يصلح أن يكون على مرأى ومسمع الجميع. الحسد ..... وإن حاول البعض إنكاره فهو حقيقة لا يمكن تجاهلها. هو شعور خفي يتسلل إلى القلوب، قد يحرق النعمة في عيون الناس قبل أن تذبل بأيدينا. نحن لا نتحدث هنا عن أوهام، بل عن أثر واضح يلمسه كل من جرب أن يفرح بإنجاز صغير ثم فجأة وجد أن خطواته تعطلت أو طاقته انطفأت. الحسد أو تأثير العين قد يسبب ضررًا كبيرًا، وقد يكون قاتلا لو استهان به. لكن الملفت أن البعض حين ننبه على خطورة الإفراط في نشر تفاصيل حياتنا، يردون بقولهم: “وأما بنعمة ربك فحدث”. وهنا تكمن المشكلة، لأن الكثيرين فهموا الآية الكريمة على غير معناها الصحيح. الحديث بالنعمة لا يعني أن نعرض صور بيوتنا، وسفرياتنا، وأطباقنا، وهدايانا، وحتى نجاحات أولادنا على الفيسبوك والإنستجرام ليل نهار. الآية أعمق بكثير من هذا الفهم السطحي. “وأما بنعمة ربك فحدث” معناها أن تُشكر النعمة بالعمل الصالح: بالصدقة، بذكر الله، بخدمة الناس، وبأن يرى الناس أثرها في سلوكك وأخلاقك. أن تكون شاكرًا، متواضعًا، رحيمًا، فهذه أبلغ طريقة للحديث عن النعمة. أمّا أن نحول حياتنا الخاصة إلى عرض عام على المنصات، فهذا في حقيقته تبذير للفرحة وتعريض للنعمة للخطر. الحقيقة أن العالم اليوم صار مكشوفًا أكثر من اللازم. نكتب كل ما يخطر في بالنا، نصور كل ما نعيشه، ونشارك حتى تفاصيل لا تحتمل المشاركة. لكننا ننسى أن ليس كل من يرانا يتمنى لنا الخير. البعض يبتسم في وجهك وهو يخفي في قلبه غيرة أو حسدًا، والبعض يتابعك بصمت لكن عينه لا تحتمل رؤية الفرح عندك. لهذا، الحكمة أن نعيش نعمنا في ستر، ونحمد الله عليها سرًا وعلانية، لكن دون أن نُسرف في كشفها للناس. فالبركة لا تأتي من عدد اللايكات والتعليقات، بل من شكر الله، ومن أن نحفظ ما أعطانا بالحمد والدعاء. ليست كل نعمة تصلح أن تُعرض… فبعضها لا يعيش إلا في ستر القلوب. فلنحكِ عن نعمنا لله شكرًا، لا للناس تفاخرًا. ولنشارك الخير على شكل ابتسامة أو صدقة أو كلمة طيبة، بدل أن نعرض حياتنا في واجهة معرض مفتوح لكل عابر. السعادة الحقيقية لا تحتاج جمهورًا يصفق لها، بل قلبًا شاكرًا يحميها.

54

| 30 سبتمبر 2025

غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير القذائف، يعلو صوت الإنسانية من غزة ليقول: “نحن هنا… ما زلنا نحلم”، إنها معاناة تُدوّنها الجدران المهدمة والبيوت التي غابت عنها الضحكات، لكن بقي فيها صدى الأمل. أهل غزة يواجهون الألم بالثبات، والدمار بالصبر، والفقدان بالإيمان بأن الغد سيكون أفضل. ورغم أن المعاناة تحاصرهم من كل جانب، فإنهم يرسلون أصواتهم إلى العالم ليُذكّرونا أن الإنسانية لا تعرف حدودًا، وأن الظلم لا يمكن أن يخمد شعلة الحياة. إن بناء الأوطان لا يكون بالقوة وحدها، بل بالعلم والمعرفة، وبالأمل الذي يُنير دروب المظلومين، فكما يقف أبناء غزة اليوم متحدّين رغم قسوة الظروف، فإن غدهم سيُصنع بالعلم الذي يفتح الأبواب، وبالأمل الذي يزرع في قلوبهم شجرة حياة جديدة. وبالأمل والعلم… تُبنى الأوطان ويُصنع غد أفضل، لتبقى غزة رمزًا للصمود، ورسالة أملٍ تتجاوز الألم. “صوت بين الركام” في أحد أزقة غزة الضيقة، جلست ليان الطفلة ذات التسعة أعوام بين أنقاض بيتها المهدّم. كانت تمسك بكتابٍ نجح والدها في إخراجه من تحت الركام، وقال لها وهو يربت على كتفها: “البيوت تُبنى من جديد يا ليان، لكن العقول لا تُهدم… والعلم هو ما سيبني غدك وغد وطنك.” نظرت ليان إلى السماء الملبّدة بالدخان، ثم ابتسمت رغم دمعة علقت بعينيها: “سأدرس يا أبي… حتى لو قرأت على ضوء شمعة، وحتى لو جلست بين الحجارة». مرّت ساعات، وكان الليل ثقيلاً، لكن صوت ليان وهي تقرأ دروسها وسط الخراب كان يعلو على صمت الدمار. سمعها الجيران وقال أحدهم: “انظروا… حتى بين الركام، يولد الأمل». وهكذا، في قلب غزة الجريحة، تعلّمنا أن الأوطان لا تُبنى فقط بالحجارة، بل بالأمل الذي يسكن القلوب، وبالعلم الذي يصنع الغد الأفضل. تلك قصة خيالية، أما القصة الحقيقية فهي للمعلمة إسراء أبو مصطفى فصل بديل على أنقاض بيتها • بعد أن دمّر القصف منزل المعلمة إسراء أبو مصطفى في خان يونس، قررت ألا تسمح للدمار أن يُبيد تعليم الأطفال. • قامت بتأسيس فصل دراسي مؤقت، تحت خيمة، على ركام بيتها، تجمع فيه الأطفال من الروضة إلى الصف السادس. • الطلاب يأتون ليلاً ونهارًا رغم الدمار من حولهم، ليحافظوا على روتينهم الدراسي وشعورهم بأن الحياة تستمر، وأنّ التعليم ليس رفاهية بل حقّ يجب أن يُمارَس. كلمة ختامية حين يتكسّر الحجر وتنهار الجدران، يبقى العلم هو الجدار الأخير الذي يحمي الإنسان من السقوط. في غزة، بين الركام والدخان، لا تُطفأ شمعة الأمل، ولا ينطفئ صوت المعرفة. ليان الصغيرة التي تقرأ على ضوء شمعة، والمعلمة إسراء التي حوّلت أنقاض بيتها إلى فصل دراسي، هما صورتان ناصعتان لوطنٍ ينهض رغم الجراح. إن الرسالة التي يبعثها أبناء غزة إلى العالم واضحة: قد يدمّر العدوان البيوت، لكنه لا يستطيع أن يدمّر العقول. وقد يسلبون الأرض، لكنهم لن يسلبوا الحلم. فالعلم هو السلاح الأقوى، والأمل هو الزاد الأبقى. ومع كل طفل يفتح كتابًا، وكل معلم يصرّ على التعليم، تُزرع بذرة لغدٍ أفضل، تُبنى به الأوطان وتنتصر به الحياة أخيرا.. “قد تهدم القنابل البيوت، لكنها لا تهدم العقول. في غزة، يولد الأمل من بين الركام، ويصنع العلم غدًا لا يُهزم.

936

| 23 سبتمبر 2025

الوطن والجراح: حين نرفع راية الوفاء للشهداء

في مساء 9 سبتمبر 2025، تعرضت قطر لعدوان غادر أرهق قلوب جميع المواطنين. عدوان استهدف الدوحة وأسفر عن استشهاد عدد من الأبرياء، بينهم مدنيون لم يكن لهم ذنب سوى أنهم يعيشون على أرض وطنهم ويؤمنون به. هذا العدوان لم يكن مجرد حدث سياسي أو عسكري، بل هو اختبار حقيقي لوحدة الشعب وقوة عزيمته، ولتذكير الجميع بأن الأمان الذي نعيشه هو ثمرة تضحيات كبيرة، وأن الحرية ليست هبة تأتي بسهولة. وسط هذا الألم، تجلت أروع صور الوطنية. المواطن القطري أظهر قدرته على الوقوف صفًا واحدًا مع أسر الشهداء، وتقديم الدعم للجرحى، والمشاركة الفعلية في كل ما يحمي المجتمع. لقد كانت المشاركة تعبيرًا عن الولاء الصادق والانتماء الحقيقي للوطن، حيث لم يقتصر دوره على الشعور بالحزن أو الاستنكار، بل امتد إلى العمل، والتوعية، والتكاتف للحفاظ على الأمن والاستقرار. وكان لسمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دور بارز ومؤثر في هذه اللحظات الحزينة. فقد حضر سموه مراسم صلاة الجنازة على الشهداء في مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب، معزيًا أسرهم، ومؤكدًا أن الدولة لن تنسى تضحيات أبنائها، وأن حماية المواطنين صمام أمان الوطن. هذا الموقف يجسد العلاقة العميقة بين القيادة والشعب، ويذكرنا بأن الوطن يعيش وينهض حين يكون الشعب والقيادة قلبًا واحدًا ويداً واحدة في وجه كل تحدٍ وتهديد. لقد أثبتت هذه الأزمة أن المواطن القطري هو الدرع الحقيقي للوطن، وأن التضحية ليست مجرد شعار، بل ممارسة يومية تظهر في كل موقف يتطلب الوقوف دفاعًا عن الأرض والكرامة. فالوفاء للوطن يبدأ من كل بيت، من كل قلب ينبض بالحب والولاء، ومن كل فرد يعي أن دوره لا يقتصر على التواجد في مكانه، بل يمتد إلى حماية قيم وأمن وطنه. في المقابل، تؤكد الدولة دائمًا أن حماية المواطن والدفاع عن الوطن ليست خيارًا بل هو واجب لا يتزعزع. من خلال الأجهزة الأمنية، والخطط الوقائية، والدعم الكامل للمواطنين وأسر الشهداء، تظل قطر دولة قوية صامدة أمام كل محاولات زعزعة الأمن والاستقرار. كما تبرز أهمية التعاون بين الدولة والمواطن، حيث يصبح كل فرد جزءًا من منظومة الدفاع والحماية، ويكون كل تضحية صغيرة أو كبيرة لبنة في صرح الوطن الكبير. في النهاية، العدوان الغادر يذكرنا جميعًا بأن حماية قطر مسؤولية مشتركة بين القيادة والشعب. المواطن هو الدرع الحامي، الدولة هي السند والحامي، والوطن هو القيم والأرض التي تستحق أن نحميها بكل ما نملك. التضحية والعمل المشترك هما السبيل لاستمرار قطر قوية، آمنة، ومزدهرة، لتظل مثالًا للوفاء والصمود أمام كل التحديات.

123

| 14 سبتمبر 2025

العودة للمدارس

«كل بداية جديدة فرصة لنرتب حياتنا من جديد». ها نحن نودّع الإجازة بكل ما فيها من فوضى جميلة: سهر طويل، خروج متكرر، تسلية بالأجهزة الذكية، رحلات وتنزه، ومأكولات بلا حساب. ومع اقتراب العودة للمدارس والجامعات، نجد أنفسنا كأسر أمام تحدٍ كبير: كيف نعيد أبناءنا إلى النظام؟ هل نغلق فجأة باب الفوضى، أم نأخذهم بالتدرج نحو الروتين من جديد؟ الحقيقة أن العودة المفاجئة غالبًا تُرهق الطالب وتُربك الأسرة، بينما التدرج هو المفتاح الذهبي. قبل أسبوع من الدراسة على الأقل، يُستحسن البدء بإعادة تنظيم ساعات النوم شيئًا فشيئًا، وتحديد أوقات الوجبات الرئيسية مع التركيز على نوعية الطعام الصحي والمتوازن. كما يُنصح بتخفيف ساعات استخدام الأجهزة الذكية والتقليل من الخروج من المنزل ولقاء الأصدقاء تدريجيًا، دون فرض قرارات حادة أو صارمة. الهدف هو أن يشعر الطالب أن العودة إلى الدراسة امتداد طبيعي لحياته اليومية، لا عقوبة بعد الإجازة. حاول قدر الإمكان إشراك ابنك في التجهيز للمدرسة، من خلال: • اصطحابه للتعرف على المكان، سواء كانت المدرسة أو الحضانة أو الجامعة، قبل بدء الدراسة. • مرافقتك أثناء شراء الزي المدرسي أو اليونيفورم، وكذلك الحقيبة، الدفاتر، والأقلام. • السماح له بالاختيار والمشاركة في اتخاذ القرارات، لتعزيز شعوره بالمسؤولية والحماس للعام الدراسي الجديد. الأسبوع الأول: التهيئة النفسية والروتينية في هذا الأسبوع تتشكل صورة المدرسة أو الجامعة في ذهن الطالب، وتُبنى مشاعره تجاه العودة. لذلك، دور الأسرة أساسي: • الاستماع لمشاعر الأبناء، سواء كانت حماسًا أو قلقًا. • تهيئة أجواء صباحية مبهجة: فطور صحي، كلمات دافئة، تحفيز وتشجيع. • تجنب التوبيخ أو المقارنات مع الآخرين، بل تشجيع الخطوات الصغيرة للعودة للنظام. نصائح حسب المرحلة التعليمية 1. الروضة: • إعادة جدول النوم تدريجيًا مع تقليل وقت اللعب على الأجهزة. • تنظيم أوقات اللعب والوجبات والراحة بشكل يومي، حتى يصبح الروتين مألوفًا. • إشراك الطفل في تحضير حقيبته أو اختيار زيّه المدرسي، لرفع حماسه للعودة. 2. الابتدائي: • تعزيز المسؤولية: مراجعة الواجبات بشكل يومي، وتحديد وقت للقراءة أو المذاكرة. • مشاركة الطفل في تحديد أهداف بسيطة للعام الجديد. • تشجيعه على تنظيم مكتبه وأدواته لتعود عادة النظام تدريجيًا. 3. الثانوي: • تعزيز مهارات الإدارة الذاتية: تنظيم جدول يومي يوازن بين الدراسة والترفيه والنوم. • مراقبة استخدام الأجهزة الذكية مع احترام خصوصيته، وتشجيع النشاطات الاجتماعية الواقعية. • الحديث معه عن أهمية الدراسة للمستقبل، مع تقديم الدعم النفسي عند الحاجة. 4. الجامعي: • إعادة تنظيم وقت النوم والوجبات وفق جدول المحاضرات والدروس. • التركيز على إدارة الوقت بين الدراسة، الأنشطة، والعمل إن وجد. • تشجيعه على الالتزام بالروتين بنفسه دون فرض صارم من الأسرة، مع توفير دعم معنوي عند الحاجة. العودة للطلاب ذوي الإعاقة قد يواجه هؤلاء الطلاب صعوبة أكبر في العودة بعد الإجازة، حيث قد يفقدون بعض المهارات أو يكتسبون عادات غير صحية. الحل هو التدرج والصبر: • إعادة جدول الروتين اليومي خطوة خطوة. • استخدام الجداول البصرية والتذكير المستمر بالأنشطة اليومية. • إشراكهم في تحضير المستلزمات المدرسية لرفع الحماس والاعتماد على الذات. • التواصل مع المعلمين لضمان دمج سلس ودعم مستمر. نصائح عامة للأسر • تعديل النوم تدريجيًا قبل أسبوع على الأقل. • تقليل استخدام الأجهزة الذكية تدريجيًا، واستبدالها بأنشطة ممتعة. • التركيز على الحديث الإيجابي عن المدرسة والجامعة. • القدوة الحسنة: الأب والأم كنموذج للنظام والهدوء. • تذكير الأبناء بالإنجازات الصغيرة لتشجيعهم على الاستمرار. العودة للمدارس ليست مجرد بداية عام جديد، بل فرصة لصفحة جديدة بالحب والنظام، ولتقوية الروابط الأسرية، وتحفيز الأبناء على تنظيم حياتهم بكل مراحلها التعليمية. ونسأل الله أن يوفّق طلابنا في عامهم الدراسي الجديد، وأن يكون عامًا مليئًا بالنجاح والتحصيل والفرح والإنجاز.

303

| 03 سبتمبر 2025

الزواج من الأجنبيات

الزواج من الأجنبيات موضوع يثير نقاشات واسعة في مجتمعاتنا. نسمع عنه في المجالس العائلية، ونقرأه في وسائل التواصل، ونراه أحيانًا كخيار يلجأ إليه بعض الشباب، هناك من يراه تجربة جميلة مليئة بالاختلاف الثقافي والتجديد، وهناك من يعارضه خوفًا على القيم والعادات. شخصيًا، رأيي المتواضع أن هذا النوع من الزواج ليس الخيار الأنسب لمجتمعنا. قد يراه البعض حرية شخصية، لكنني أرى أنه يحمل الكثير من التحديات والمخاطر التي قد تطول الأسرة والمجتمع معًا. أولاً، الاختلاف الكبير في البيئة والعادات والتقاليد يجعل الحياة الزوجية أكثر تعقيدًا. ما نعتبره نحن طبيعيًا في يومياتنا قد تراه الزوجة الأجنبية غريبًا أو غير مقبول، والعكس صحيح. هذا يخلق صدامات مستمرة في تفاصيل صغيرة لكنها تؤثر على العلاقة وعلى تربية الأبناء لاحقًا. ثانيًا، الجانب الديني في الموضوع لا يمكن تجاهله، الدين ليس مجرد شعائر، بل منظومة قيم تنعكس على التربية والقرارات داخل الأسرة، إذا كان هناك اختلاف في الدين، فغالبًا ما يدفع الأبناء ثمن هذا التباعد، إذ يعيشون بين هويتين، ويجدون أنفسهم في صراع حول الانتماء. ثالثًا، الزواج من الأجنبيات قد يترك أثرًا أوسع على المجتمع، الأطفال الذين يكبرون في بيئة ثقافية مزدوجة قد يواجهون صعوبات في الاندماج مع أقرانهم، وقد يشعرون بالاختلاف أو الاغتراب، هذا الأمر يؤثر في استقرارهم النفسي ويجعلهم عرضة للتساؤل الدائم عن هويتهم الحقيقية. رابعًا، هناك تحديات عملية لا تقل خطورة: اختلاف اللغة أحيانًا، أو طرق إدارة المنزل، أو حتى أسلوب التعامل مع الأهل والأقارب. هذه الأمور قد تبدو بسيطة في البداية لكنها مع مرور الوقت تتحول إلى عقبات كبيرة تعوق استمرار الحياة الزوجية بشكل سليم. من وجهة نظري، الزواج الناجح يحتاج أرضية مشتركة من القيم والدين والعادات والتقاليد، حتى يسهل التفاهم وتستقر الأسرة. حين يختار الإنسان شريكًا من بيئته، فإنه يضمن أن التربية ستكون متقاربة، وأن الأبناء سينشأون على هوية واضحة ومتينة لا يشوبها صراع. وأنا هنا لا أنكر حرية الاختيار، لكن الحرية لا تعني أن نتجاهل الآثار البعيدة على الأسرة والمجتمع. من حق الفرد أن يحب ويختار، لكن من حق المجتمع أيضًا أن يحافظ على قيمه وثوابته. التوازن هو الحل: أن نربي أبناءنا على قيم راسخة، ونفتح لهم أبواب الحوار، ونوضح لهم أن الزواج ليس مجرد عاطفة لحظية، بل مسؤولية كبيرة تحتاج حكمة وبعد نظر. وفي الختام، أرى أن الزواج من الأجنبيات ليس الخيار الأمثل، لأنه يفتح أبوابًا من التحديات قد يصعب إغلاقها لاحقًا. الأسرة نواة المجتمع، وإذا تعرضت لهزات متواصلة بسبب اختلافات جذرية، فإن المجتمع كله سيتأثر. الحفاظ على بيئتنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا هو الضمان الحقيقي لبناء أجيال قوية، متوازنة، وواثقة من هويتها.

711

| 26 أغسطس 2025

قلب حي وسط زحام الشارع

في وسط شارع مزدحم، امرأة مسنّة على كرسي متحرك، علِقت وسط بركة ماء، والسيارات تمر بجانبها مسرعة، كلٌ في عالمه، لا يلتفت أحد، وكأنها غير موجودة. لحظات من العجز والخذلان تملأ عينيها، حتى توقّفت فجأة سيارة، نزل منها رجل بهدوء، اقترب منها، حملها بين ذراعيه بكل احترام، ثم عاد وأخذ كرسيها المتحرك، وضعها على الرصيف بأمان، وتأكد أنها بخير قبل أن يرحل. لم يكن يعرفها، ولن يربحه منها شيء، لكنه ترك أثرًا عميقًا في قلبها… وفي قلوب من شاهدوا الموقف. لم يكتفِ بذلك، بل تأكد أنها بخير، ثم رحل كما جاء، دون انتظار شكر أو مجد. هذا المشهد ليس عابرًا، إنه الإنسانية في أبهى صورها. الإنسانية أن ترى أَلَمَ غيرك وكأنه ألمك، أن تتحرك لمساعدة الآخرين حتى إن لم تربطك بهم معرفة أو مصلحة. الإنسانية ليست كلمة تُقال، بل شعور داخلي يدفعك لفعل الخير دون انتظار مقابل، هي أن ترى ألم غيرك وكأنه ألمك، وأن تمد يدك قبل أن تُطلب منك. هي ميزان الرحمة الذي أودعه الله في قلوبنا، ومن يملكه لا يستطيع أن يدير وجهه عن المحتاج، أو يترك ضعيفًا بلا عون. نسأل أنفسنا.... لماذا بعض الناس لديهم إنسانية وآخرون لا؟ - بعض القلوب حيّة، ترقّ لصرخة طفل أو دمعة مسن، لأنها اعتادت أن ترى الناس بعين الرحمة. - وآخرون قلوبهم غلّفتها الأنانية، أو قسّاها الإهمال والاعتياد على اللامبالاة. - التربية، التجارب الحياتية، والإيمان العميق بأننا بشر لبعضنا جميعها عوامل تصنع إنسانًا يشعر بغيره. كيف يمكن للإنسان أن يصبح أكثر إنسانية؟ 1. قوِّ إحساسك بالآخرين: ضع نفسك مكان من يتألم، تخيّل شعوره، وستجد قلبك يتحرك. 2. أعطِ دون انتظار مقابل: الخير الحقيقي هو الذي لا تُعلّق عليه شروط. 3. اقترب من الله: فالرحمة من أسمائه، وكلما ازددت قربًا منه، امتلأ قلبك بالرحمة لعباده. 4. درّب نفسك على المبادرة: لا تنتظر أن يطلب منك أحد المساعدة، كن أنت من يخطو أول خطوة. 5. تذكر أن المواقف الصغيرة تغيّر حياة الناس: ابتسامة، مساعدة، كلمة دعم، كلها أفعال بسيطة لكنها عظيمة الأثر. وذلك الرجل الذي أوقف سيارته، لم يكن فقط إنسانًا رحيمًا، بل كان قدوة حيّة على أن العمل الطيب يقربك من الله أكثر من ألف كلمة. فهو فضّل أن يوقف يومه لدقيقة، يمشي بالماء لا يبالي لملابسه وحذائه أن تبتل على أن يترك إنسانًا في مأزق، وهكذا تُقاس المروءة. فلنتعلم من هذا الموقف أن الرحمة والعمل الصالح ليسا فقط أفعالًا، بل أسلوب حياة يرفع من قيمتنا أمام الله وأمام البشر. فلنكن دائمًا قلوبًا حية، تمد يدها للآخرين دون تردد، فكل خطوة صغيرة في طريق الخير تصنع فرقًا كبيرًا في حياة من حولنا.

363

| 20 أغسطس 2025

وجوه مختلفة.. وحياة واحدة

حين نفتح وسائل التواصل، نشاهد عالمين متناقضين ينبضان في اللحظة ذاتها، هناك من يرقص ويغني ويسافر ويتنزه، كأن الدنيا فرشت له أجنحتها، وفي المقابل وجوه مثقلة بالهموم، وأرواح محاصرة بالجوع والحروب والمرض والفقد. في غزة، تحت الحرب والحصار، أناس يقاومون الجوع والبرد والخوف، يبحثون في الركام عن لقمة أو غطاء، أطفال ينامون على الأرض، وأمهات يخبئن دموعهن ليقوين على يوم جديد من القصف. في ليالي غزة المظلمة، حين ينقطع التيار الكهربائي، لا يضيء البيوت سوى نور الشموع الخافتة، وأحيانًا لا شيء سوى ظلمة تتنفس الخوف. أصوات الطائرات في السماء تذكرهم بأن النهار لم يجلب الأمان، وأن الليل قد يحمل ما هو أقسى. في الشوارع، طوابير طويلة أمام شاحنات المياه، أطفال يمدون أيديهم لعلهم يحصلون على قنينة تكفيهم ليوم أو يومين. هناك، تُقاس الحياة بجرعة ماء ورغيف خبز. وفي الجهة الأخرى من الشاشة، عالم مختلف تمامًا: أعراس فاخرة كقصور ألف ليلة وليلة، سيارات فارهة، موائد عامرة بألوان الطعام، فساتين تتلألأ تحت أضواء لا تنطفئ، وكاميرات تلاحق كل لقطة بفخر. مقاطع مصورة لزفاف ضخم، أضواء تملأ السماء، موسيقى تصدح كأنها تنافس أصوات الرياح، وحلويات لا تُحصى. كل شيء يوثق وينشر وكأنه إنجاز يستحق التصفيق. هنا، تُقاس الحياة بطول موكب الزفاف وعدد الأطباق على المائدة. لا أحد يعترض على الفرح… الفرح حق، لكن الإسراف وسط مشاهد الدم والدمار جرح في الضمير. أن تحتفل أمر، وأن تتباهى وسط أنين الجائعين والمشردين أمر آخر. نحن لا نُحاسب على المال الذي ننفقه فقط، بل على الإنسانية التي نفقدها حين نغلق أعيننا عن معاناة الآخرين. قد نبرر لأنفسنا بأن الفرح حق، لكن… هل يحق أن نغرق في البذخ بينما من حولنا يفتقدون أبسط مقومات الحياة؟ الحياة لا تمنحنا العدالة، لكنها تمنحنا الاختيار… أن نعيش بإنسانية، أو نمضي بقلوب مغلقة. الفجوة بين العالمين تجرح القلب، وتتركنا نتساءل: كيف يمكن للحياة أن تجمع بين كل هذا الفرح وكل هذا الألم؟ لكن الحقيقة أن كل إنسان يواجه مصيره بطريقته؛ بعضنا يبتسم رغم الجراح، وبعضنا تغلبه دموعه، وبعضنا يهرب لحظات عبر ضحكة أو صورة جميلة، وآخرون يختبئون خلف صمت طويل. إن أردنا أن نصبح أكثر إنسانية وسط هذا التناقض، علينا أن نرى العالم بعيون غيرنا، لا بعيوننا فقط. لنستمع بتعاطف، ونتشارك بما نستطيع، ولو بكلمة طيبة أو دعاء. لنمد أيدينا لمبادرات صغيرة تصنع فرقًا، ولنكن ممتنين لما نملكه، حذرين من إصدار الأحكام، فربما المبتسم أمامنا يخفي وراء ابتسامته معركة لا نعرفها. ربما لا نستطيع إيقاف الحروب أو إنهاء الجوع، لكن يمكننا أن نختار أن نكون أقل قسوة في فرحنا، وأكثر رحمة في عيشنا. يمكننا أن نخفف من التباهي، وأن نتذكر أن في كل لقمة زائدة أو زهرة إضافية في زفاف، روحًا في مكان ما كانت ستدعو لنا لو وصلتها يد العون. الفرح جميل، لكنه أجمل حين يكون دافئًا، متواضعًا، يترك في القلب ذكرى طيبة لا غصّة. الحياة لا تتوقف لتوزع الحظوظ بعدل، لكنها تمنحنا دائمًا خيارًا صغيرًا: كيف سنعيش اللحظة القادمة؟ نغني رغم الألم، أو نحزن رغم النور… وفي النهاية، نحن من نكتب قصتنا، فإما أن تكون مبللة بالرحمة، أو جافة كحجارة الطريق. وعندما نتذكر أن الفرح يكتمل حين نتقاسمه، وأن الألم يخف حين نحمله معًا، يصبح العالم أكثر دفئًا… حتى وإن بقيت فيه الفجوات.

258

| 12 أغسطس 2025

طفلة تغني عن «جرح الحبيب».. فأين ذهبت الطفولة؟

مر أمامي مشهد على السوشيال ميديا لم أستطع تجاوزه بسهولة. طفلة صغيرة، بالكاد تبلغ الثامنة من عمرها، تحضر حفلة لفنان شهير يغني عن “جرح الحبيب”، وعن الهجر، والألم، والخذلان. لكن اللافت لم يكن فقط حضورها، بل انفعالها… كانت تردد كلمات الأغنية وكأنها عاشتها، تبكي بحرقة، تغمض عينيها، تعيش كل حرف، وكأن قلبها يحمل وجع النساء الناضجات لا براءة الأطفال. توقفت طويلًا عند هذا المشهد، ليس من باب السخرية ولا التعجّب، بل من باب الحزن الصامت. تساءلت… من علّم هذه الطفلة أن تُتْقن لغة الوجع؟ من أدخلها إلى عوالم الكبار قبل أوانها؟ وأين فَرَح الطفولة ودهشتها وبراءتها التي كان يجب أن تملأ ملامحها بدلًا من هذا الألم المستعار؟ نحن لا نتحدث هنا عن طفلة تمثّل مشهدًا، بل عن طفلة تعيش لحظة صدقٍ مزيفٍ في إحساسٍ ليس لها. وهذا ما يوجع أكثر: أننا نرى أطفالنا يكبرون على وجع لم يختبروه، يتقمصون مشاعر لا تخصهم، يُربّون على “أغاني الوجع” بدل أغاني الضحك واللعب. عن الطفولة التي خسرناها قبل أن تبدأ الطفولة لم تعد كما نعرفها. لم تعد هي المساحة التي نحمي فيها الطفل من العالم، بل أصبحت نافذة نفتحها ليطل منها على مشاعر لم ينضج ليحتملها بعد. صرنا نُطرب أطفالنا على لحن الخذلان، ونُدرّبهم على ألفاظ الغرام، ونتركهم يرددون كلمات عن الهجر والحب وكأنهم فهموها، بينما ما زالوا يتلعثمون في جدول الضرب. أين الخطأ؟ ليس في الطفلة، بل في من يحيط بها: • من يراها تبكي ويتباهى بـ”حسّها الفني”، • من يصورها وينشر المقطع بفخر، • من يعتبر تفاعلها نضجًا لا خطرًا. دور الأسرة… حين تغيب البوصلة الطفل مرآة بيئته، ما يشاهده، ما يسمعه، ما يُشجع عليه، هو ما يشكّل وجدانه… لا ما يُكتب في الكتب أو يُقال في المحاضرات. حين تغيب الرقابة الواعية، ويحل محلها الاستعراض، يصبح الطفل مادة للترند لا مشروعًا لإنسان سوي. من المؤلم أن تكون الطفولة مجرد مرحلة نُعجّل في دفنها، أن نرى طفلة تُحاكي خيانة العاشق بدل أن تتعلّم الرسم، أن يُسمح لها أن تنغمس في مشاعر لا تليق بعمرها، بدل أن تُعلَّم كيف تحب الحياة وتثق بالعالم. الوجع المُبكر… أخطر من الوجع الحقيقي الطفل حين يحزن، يحزن بصدق، حتى لو لم يفهم السبب. والمشاعر التي نحفّزه عليها اليوم ستصبح لغته غدًا، فماذا لو أصبحت هذه الطفلة تعتقد أن الحب ألم، وأن الهجر قدر، وأن الحياة كلها “خذلان نغنّيه”؟ نحن لا نحمي أطفالنا إن سمحنا لهم أن “يتقدموا في المشاعر” قبل أن ينضجوا في الفكر. نحن لا نمنحهم الوعي، بل نسرق منهم البراءة، ونستبدلها بما لا يفهمونه ولا يليق بأعمارهم. في الختام… فلنُعِد الطفولة إلى أصحابها أعيدوا الطفولة إلى ضحكتها. دعوها تفرح، ترقص، تخطئ وتتعلم، دعوها تلوّن الشمس والغيوم ولا تفسّر معاني الخذلان والندم. غنّوا لهم أغاني الفرح… لا لوعة الفقد. احكوا لهم عن الخير… لا خيانة القلوب. علموهم كيف يحبون الحياة، لا كيف يحزنون مثل الكبار. الطفولة ليست مرحلة… بل أمانة. فلنحفظها.

156

| 04 أغسطس 2025

هل فقد العصر الحديث بوصلته الأخلاقية؟

كنت أشاهد أحد الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث عن الزمن الحديث، ويقول إن المبادئ والقيم أصبحت في الحضيض. هذا الكلام أثار اهتمامي، وجعلني أكتب هذا الموضوع لأناقش من خلاله فكرة تغيّر القيم والمبادئ في العصر الحديث، وأوازن بين النقد والتأمل الواعي، فكان العنوان الأنسب لهذا الموضوع: “قيم تحت الرماد: هل فقد العصر الحديث بوصلته الأخلاقية؟” في خضم التطور الهائل الذي يشهده العالم اليوم، من ثورات تكنولوجية إلى تغيّرات اجتماعية جذرية، يجد الإنسان نفسه أمام سؤال جوهري: هل ما نعيشه هو تقدم حقيقي، أم مجرّد تحلُّل تدريجي من القيم التي شكّلت أساس المجتمعات عبر التاريخ؟ إن ما كان بالأمس عيبًا أصبح اليوم شجاعة، وما كان يُعدّ خروجًا عن المألوف صار يُحتفى به كتحرر وانفتاح. فهل هذا التغير نعمة أم نقمة؟ أولًا: التحولات القيمية في العصر الحديث شهدنا خلال العقود الأخيرة تحوّلات عميقة في النظرة إلى الأخلاق والسلوكيات. القيم الأصيلة مثل الحياء، الاحترام، الصدق، والالتزام كانت سابقًا من ركائز المجتمع. أما اليوم، فهناك نوع من التطبيع مع سلوكيات كانت مرفوضة أخلاقيًا واجتماعيًا. وأصبح يُنظر إلى من يتمسك بتلك القيم على أنه “رجعي” أو “غير متطور”، وهذا أمر مؤسف وغير عادل. ثانيًا: منظومة الممنوع والمسموح.. انقلابات صامتة في الماضي، كانت هناك خطوط حمراء تفصل بين المقبول والمرفوض، واضحة المعالم. أما اليوم، ومع انتشار وسائل التواصل والانفتاح العالمي، تلاشت تلك الحدود. أفعال كانت تُعد خروجًا عن الدين أو الأدب أصبحت تُعرض اليوم على أنها “حرية شخصية”، دون ضوابط واضحة. ثالثًا: التمسك بالقيم.. موقف أم تهمة؟ في واقعنا، من يتمسك بالمبادئ يوصف أحيانًا بالجمود أو التخلف. ويتعرض الأفراد لضغوط مجتمعية ليكونوا مثل “القطيع”، مما يجعل التمسك بالقيم موقف مقاومة بدلًا من أن يكون فطرة وسلوكًا طبيعيًا. رابعًا: هل كل تغير سلبي؟ لنكن منصفين لا يمكن إنكار أن بعض التغيرات جاءت لتصحيح مظالم تاريخية، مثل: • حرية التعبير • عدالة اجتماعية • حقوق الإنسان والمرأة • رفض التمييز والطبقية وهذه كلها مكاسب إيجابية لم تكن متاحة في السابق. لكن يجب أن ننتبه أن التمسك بالقيم لا يعني رفض التطور، بل من الممكن أن نحافظ على المبادئ النقية مع الانفتاح الواعي. المشكلة ليست في “التغيير” ذاته، بل في الفراغ القيمي الذي يخلفه إن لم يُضبط ببوصلة أخلاقية. الخاتمة: الزمن الحديث ليس خصمًا، بل وعاء تشكّله اختياراتنا. لسنا مضطرين للتنازل عن القيم لنكون “معاصرين”، كما لسنا مجبرين على رفض كل جديد بحجة الحفاظ على الأصالة. التحدي الحقيقي هو أن نُوازن بين الأصالة والتجدد، وأن نحافظ على ما هو نقيّ فينا وسط زحمة التغيرات. وأخيرًا أقول: “ليس التقدم أن نغير ثيابنا وأفكارنا، بل أن نحفظ ما هو نقيّ فينا وسط العاصفة.”

192

| 28 يوليو 2025

حين يتحطم الحلم بعد 20 عامًا من الأمل

كما عودتكم، عندما يهزني خبر أو موقف أو مقطع يهز القلب ويحرك المشاعر، أجد قلمي يفيض، لا كتابةً فقط، بل فضفضة صادقة من قلبٍ تأثر وتأمل. فضفضتنا اليوم ليست كأي قصة، بل حكاية أمل عالق بين الحياة والموت. ليست هذه مجرد قصة غيبوبة، بل حكاية صبر وأمل وحب لا يشبه أي حب. إنها قصة الأمير الوليد بن خالد بن طلال، “الأمير النائم”، الذي مكث أكثر من 20 عامًا في غيبوبة، ومع ذلك ظل قلب والديه مليئًا بالإيمان بأن ابنهما سيعود يومًا. رحل الأمير، وترك خلفه قلوبًا أنهكها الانتظار، لكنها لم تعرف اليأس أبدًا. قلب أم لا ييأس تخيلوا أمًا تمضي 20 عامًا بجوار سرير ابنها، تمسك بيده، تهمس في أذنه، وتدعوه للعودة. كل يوم كانت تؤمن أن لحظة الفرج قريبة، ترى في كل رمشة بارقة أمل، وفي كل نبض حياة جديدة. لكن توقف الأمل فجأة. كيف لقلبها أن يصدق أن الحلم انتهى؟ أن الدعاء الذي كانت ترفعه صباحًا ومساءً، هذه المرة لم يأتِ بالشفاء، بل بالوداع؟ أبٌ لم يفقد ثقته بالله قال الأطباء: “لا أمل”… فردّ: “ربي كبير”. قالوا: “أبقوا على الأجهزة فقط”. فقال: “إنها حياة، والله قادر أن يُحيي العظام وهي رميم”. تحمّل الشفقة والكلمات المحبطة، لكنه ظل صامدًا، يؤمن، يدعو، ينتظر. واليوم، حين ودّع ابنه، لم يودّع جسدًا فقط، بل حلُمًا عاش لأجله عمرًا كاملًا. رسالة إنسانية خالدة أنا لست أمّه، ولا من دمه، لكنني بكيت عندما سمعت الخبر. كنت أتابع حالته، وأنتظر لحظة تقول: “الحمد لله، الأمير قام”. لكن جاءت النهاية مختلفة. رحل الأمير، لكن قصته بقيت، تلهمنا، توقظ فينا الرجاء، وتذكّرنا أن الحب لا يحتاج مقابلًا. دروس خالدة من الأمير النائم 1. الأمل لا يموت - طالما القلب ينبض، فالأمل باقٍ. 2. الصبر أعظم قوة - والديه قدّما نموذجًا نادرًا في الثبات. 3. الدعاء لا يرتبط بالنتائج - بل هو تعبير عن حب وإيمان عميق. 4. الحب لا يحتاج مقابلًا - حبهم لابنهم لم يتغير رغم الصمت والغيبوبة. 5. الحياة تُقاس بالأثر، لا بالحركة - الأمير ألهم الملايين رغم صمته الطويل. 6. لكل إنسان رسالة، حتى لو لم ينطق بها - وكان رسالته: “لا تيأسوا من رحمة الله” ختامًا… وداعًا أيها الأمير، يا من علمتنا أن الحب لا ينام، وأن الأم لا تيأس، وأن من يعلّق قلبه بالله، لن ينكسر وإن تأخر الفرج. اللهم ارحمه، واربط على قلب أمّه وأبيه، وامنحهم من رضاك ما يخفف ألم هذا الفقد الكبير.

264

| 22 يوليو 2025

جبر الخواطر.. علموا أبناءكم كيف يشعرون مع الآخرين

مثل ما عودتكم، عندما أشاهد مقطع فيديو يحمل عبرة أو قيمة مجتمعية، أحب أن أشارككم الفضفضة لعلها تلامس القلوب وتوقظ فينا شيئًا من الخير. الفيديو الذي شاهدته هذا الأسبوع كان مؤثرًا جدًا. مجموعة من الأطفال يحاولون مساعدة أشخاص محتاجين (مسن، فقير، عامل نظافة، شخص عاجز). مشاهد بسيطة، لكنها مليئة بالمعنى، ذكرتني أن جبر الخواطر لا يحتاج إلى مال ولا مكانة، بل إلى قلب حي يشعر بغيره. في زمن تسارعت فيه الحياة، وغلبت الماديات على العلاقات، أصبحت القلوب أكثر جفاءً، والمشاعر أكثر تبلدًا. وسط هذا الزحام، يبرز خلقب نبيل قد نغفل عنه رغم عظيم أثره، وهو: جبر الخواطر. ليس مجرد لطف عابر، بل قيمة إنسانية، وسلوك راقٍ، وعبادة قلبية تترك أثرًا لا ينسى في النفوس. ومن هنا، وجب علينا أن نغرس هذا الخلق في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون مع الآخرين، ويقدرون مشاعرهم، ويكونون عونًا لا عبئًا في حياة من حولهم. ما معنى جبر الخواطر؟ جبر الخاطر هو مواساة النفس المكسورة، والوقوف مع من تألم، بكلمة طيبة، أو فعل جميل، أو حتى نظرة حنونة. هو تضميد جرح لا يرى. ودواء لا يباع. وبلسم لا يكلف شيئًا. أمثلة على جبر الخاطر: • بكلمة: لا بأس، أنا بجانبك، أفهم شعورك. • بسلوك: سؤال عن شخص غائب، مشاركة في موقف، مساعدة دون انتظار شكر. لماذا نعلم أبناءنا هذا الخلق؟ 1. ينمي الذكاء العاطفي: الطفل الذي يشعر بالآخرين يصبح أكثر اتزانًا ورحمة. 2. يبني علاقات صحية: من يُجبر الخواطر لا يتنمر ولا يسخر. 3. يُنشئ مجتمعًا راقيًا: الرحمة تنتقل من بيت لحيّ فمجتمع. 4. يغرس القيم الدينية: ديننا العظيم حث على الكلمة الطيبة، ومواساة الآخرين. كيف نعلم أبناءنا جبر الخواطر؟ أولًا: بالقدوة الحسنة • دعه يراك تجبر خاطر عامل، مسن، جار حزين أو طفل يبكي. • عندما تعتذر أو تظهر تعاطفك، فأنت تلقنه درسا عمليا. ثانيًا: بالحديث المباشر • تحدث معه عن أهمية الكلمة الطيبة. • اسأله: ماذا تفعل لو رأيت صديقك حزينا؟ ثالثا: بالمواقف اليومية • شاركه في زيارة مريض. • علمه عبارات مثل: شكرًا، عذرًا، هل أساعدك؟ • شجعه على العطاء والبذل دون مقابل. رابعًا: بالقصص المؤثرة • استخدم قصصًا واقعية أو نبوية، كقصة المرأة التي كانت تبكي على قبر فقابلها النبي ﷺ برحمة وصبر. • وعلمه أن تبسمك في وجه أخيك صدقة كما قال الرسول ﷺ. على ماذا يدل تصرف الأطفال: يدل على مجموعة من القيم العظيمة والمعاني الإنسانية الراقية، سواء كان ذلك نابعًا من تربيتهم أو فطرتهم النقية. فهو يدل على: 1. الفطرة السليمة والنقاء الداخلي الأطفال يولدون بفطرة نقية تميل للرحمة، والعطف، والمساعدة. عندما يبادر الطفل بمساعدة محتاج، فهو يعبر عن هذه الفطرة الإنسانية التي لم تلوثها قسوة الحياة بعد. 2. تعاطف وذكاء عاطفي مبكر هذا التصرف يدل على أن الطفل يشعر بالآخرين، ويفهم احتياجاتهم، ويتألم لألمهم. وهو ما يسمى بـ”الذكاء العاطفي”، وهي مهارة مهمة تبنى منذ الصغر وتؤثر على علاقاته وسلوكياته مستقبلًا. 3. تربية صالحة وغرس قيم إيجابية عندما يساعد الطفل عامل نظافة، أو كبير سن، أو فقير، فغالبًا يكون قد رأى في بيئته (المنزل، المدرسة، المجتمع) قدوة تعلمه الرحمة والاحترام والإنسانية. 4. تحمل للمسؤولية ومبادرة تصرفه يدل على شعوره بالمسؤولية الاجتماعية، وأنه لا يقف موقف المتفرج، بل يبادر بالفعل، حتى وإن كان صغيرًا. 5. نضج أخلاقي وشخصية إيجابية بعض الأطفال يظهرون قدرة مدهشة على التمييز بين الصواب والخطأ، والتصرف بدافع الضمير الحي والنية الطيبة، مما يعكس نضجهم الأخلاقي المبكر. قال رسول الله ﷺ: «من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه». رواه البخاري ومسلم

312

| 16 يوليو 2025

الهوس الجماعي بالأشياء التافهة أو البسيطة

سألت نفسي سؤالا هاما هل نُربي أطفالنا ليكونوا مفكرين أحرارًا، أم مستهلكين يتبعون القطيع؟ وحقيقه اصابني حالة استغراب (وربما استياء) من بعض مظاهر السطحية المنتشرة في المجتمع اليوم، لظاهرة (الهوس الجماعي بالأشياء التافهة أو البسيطة) مثل الوقوف في طوابير طويلة للحصول على دمية أو منتج مؤقت، الاسعار المرتفعه للمنتج. واذا ما ناقشت هذا الهوس من جانب تخصصي بتحليل عدة أبعاد: (اجتماعية، نفسية، اقتصادية، اعلامية) أولًا: التحليل النفسي لماذا ننجذب للتفاهة من وجهة نظر نفسية ؟ الناس بطبيعتهم يبحثون عن الشعور بالانتماء لجماعة. حين ينتشر ترند معين، مثل دمية لابوبو أو منتج معين، يصبح المشاركة فيه شكلاً من أشكال (أنا منكم)، ووسيلة للاندماج مع المحيط، وايضا بسبب ان المنتجات التافهة غالبًا تمنح (متعة فورية) بدون مجهود، في عالم صارت فيه الحياة مرهقة ومليئة بالضغوط. اللعبة، الصورة، أو الترند تعطي جرعة مؤقتة من السعادة، كنوع من الهروب من الواقع. ثانيًا: التحليل الاجتماعي لماذا ننجذب للتفاهة من وجهة نظر اجتماعية ؟ بسبب انحدار في المعايير الثقافية حين يتحول الاهتمام الجماهيري من الفكر، الفن، أو المشاريع المجتمعية إلى منتجات تافهة أو محتوى سطحي، يعكس ذلك تحوّلاً في سلم الأولويات الجماعية. وغالبًا ما يُرافق هذا الانحدار صعود في «ثقافة الشهرة الفارغة». غياب القدوات الحقيقية في ظل غياب الرموز الثقافية والفكرية المؤثرة، أصبح المؤثرون التافهون هم الواجهة الجديدة. هؤلاء يروجون لمنتجات لا قيمة لها على حساب القيم والمحتوى الجاد.الفراغ الاجتماعي حيث ان بعض المجتمعات تعاني من فراغ فكري وعاطفي، يجعل الناس تبحث عن أي شيء يملأ هذا الفراغ، ولو كان بلا معنى. ثالثًا: التحليل الاقتصادي لماذا ننجذب للتفاهة من وجهة نظر اقتصادية ؟ وكيف تستفيد الشركات من هذه الظاهرة؟ في العصر الرقمي، (الاهتمام) صار سلعة تباع وتشترى. الشركات تستخدم استراتيجيات التسويق لجعل منتجها ترندًا، حتى لو كان غير مهم، فقط لجذب الانتباه، لأن الضجة = أرباح ويقوم البعض بترويج أن المنتج محدود أو (لفترة قصيرة فقط). رابعًا: التحليل الإعلامي والسوشال ميديا لماذا ننجذب للتفاهة من وجهة نظر اعلامية ؟ تظهر لعدة اسباب اهمها....وسائل التواصل تجعل من كل حدث بسيط ترندًا، وتضخمه، بينما تتجاهل في كثير من الأحيان المواضيع العميقة والمهمة لأنها لا تحصل على تفاعل كافٍ. النتائج طويلة المدى على جيل اطفالنا: 1. ينشأ جيل يهتم بالشكل لا المضمون، يبحث عن الترفيه لا التعلّم، ويُربّى على الشهرة لا على القيمة. 2. تآكل القيم الثقافية مثل العمل الجاد، القراءة، التفكير النقدي، قد تتراجع مقابل قيم استهلاكية مفرغة. 3. التطبيع مع السطحية فتصبح التفاهة أمرًا طبيعيًا، بل مرغوبًا، ومن يعارضها يُتهم بأنه (معقّد) أو (يأخذ الأمور بجدية زائدة). الخلاصة ظاهرة الاصطفاف خلف ترندات تافهة ليست مجرد (سلوك عابر)، بل مؤشر على تحولات أعمق في الثقافة والقيم والسلوك الاجتماعي. والمطلوب اليوم ليس فقط نقد الظاهرة، بل العمل على فهم أسبابها وتقديم بدائل حقيقية تعيد التوازن بين الترفيه والمعنى. لما نعود أطفالنا على لعبة لابوبو، إحنا ما نشتري لعبة فقط، إحنا نبرمج قيم. فإما أن نُربّي عقلًا ناقدًا يعرف ما يريد، أو نسلمه لموجات التفاهة القادمة بلا مقاومة.

357

| 08 يوليو 2025

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

4050

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

3972

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

3801

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

1500

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1239

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

1212

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1170

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
قطر في الأمم المتحدة.. السيادة والإنسانية

يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...

1047

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1038

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

936

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
الأمير يكشف للعالم حقيقة الكيان الإسرائيلي

صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....

903

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
حضور فاعل للدبلوماسية القطرية

تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...

828

| 25 سبتمبر 2025

أخبار محلية