رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هل تنتقل الهزيمة النفسية من العرب إلى الإسرائيليين ؟!

الهزيمة النفسية تشكل الكثير من المخاطر على مستقبل الدول، فهي تقلل من قدرة الشعوب على الابتكار، وانتاج الأفكار الجديدة، وتحقيق التقدم، حيث يتزايد شعور الأفراد بالعجز واليأس. وكانت الهزيمة النفسية التي تعرضت لها الأمة العربية - نتيجة لحملات شنها الاستعمار الغربي طوال القرن العشرين - من أهم العوامل التي قللت قدرة الأمة على الكفاح لتحقيق الاستقلال الشامل، وقد بلغت الهزيمة النفسية ذروتها بعد هزيمة 1967، حيث تزايد شعور الناس بالعار وانهيار الثقة بالذات.. وقامت وسائل الاعلام الغربية بدور كبير في ترسيخ الشعور بالعجز أمام الجيش الاسرائيلى الذي دأبت على وصفه بأنه لا يقهر. لذلك كانت أهم انجازات المقاومة الاسلامية في غزة أنها بدأت عملية تحرير الأمة من الهزيمة النفسية، فمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي توضح أن ملايين العرب يشعرون بالفخر ببطولات المقاومة، وأصبحوا يشعرون بالقدرة على الفعل وتغيير الواقع. وبالرغم من المذابح التي تعرض لها شعب فلسطين ؛ إلا انه يوفر المساندة والتأييد للمقاومة التي تجاهد وتضحي ؛ لتحقيق حلم تحرير فلسطين والعودة.. فهذا الحلم تحول إلى مصدر للقوة المادية والنفسية، لكن ذلك لا يكفي لتفسير صمود المقاتلين المسلمين، فهؤلاء تعرضوا لعملية تربية ركزت على الايمان بالله والثقة بنصره، والثقافة الاسلامية قامت بدورها في الاعداد النفسي لمقاتلين ربطوا حياتهم بالقرآن، واستثمروا تاريخ المجاهدين المسلمين في تحقيق انتصار نفسي على كل عوامل اليأس والعجز والاحباط. بذلك قدمت المقاومة الاسلامية في غزة نموذجا حضاريا لبناء الانسان نفسيا على أسس الايمان بالله ؛ فبيده وحده القوة، لذلك يجاهد الانسان وهو يرفع شعاره الخالد: إنه لجهاد نصر أو استشهاد.ومن الواضح أن المقاومة نقلت الهزيمة النفسية للاسرائيليين، فكسرت معنوياتهم، وجعلتهم يعيشون في حالة خوف وقلق وتوتر واكتئاب.. هل تريد أدلة على ذلك ؟! سأقدم لك تلك الأدلة من وسائل الاعلام ومراكز البحوث الاسرائيلية ؛ حيث استخدم موقع ذا ماركر الإسرائيلى تعبير «تسونامي» لوصف الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يتوجهون لعيادات الطب النفسي.. وتحدثت صحيفة إسرائيل هيوم عن ارتفاع في الأعراض النفسية، وأن منظومة الصحة النفسية غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من المراجعين، كما أن التقديرات تفيد بأن ما بين 20% إلى 30% سيعيشون مع هذه الصدمة النفسية طوال حياتهم، وأنهم لن ينجحوا في التخلص من أعراضها. لكن ما أسباب تفشي هذه الظاهرة بهذه الأعداد الكبيرة؟! يعيش الاسرائيليون في أجواء الحداد والحزن الجماعية، وفقدان الشعور بالأمن؛ فتحولت إلى أزمة عامة تمس المجتمع ككل، ما يعني أنها ستترك آثارها لفترة طويلة من الزمن وستنعكس على سلوك الإسرائيليين وخياراتهم وردود أفعالهم السياسية والاجتماعية وتوضح تقارير منظومة الصحة النفسية في إسرائيل بأن أعداد الأشخاص الذين يعانون من اكتئاب وشعور بالصدمة والقلق تشهد ارتفاعاً كبيراً، وأن الاسرائيليين يقبلون على تناول الأدوية التي تساعد على النوم والمهدئات.. ويفسرالإخصائي النفسي أودي بنشتاين ظاهرة الكوابيس المتكررة والأرق التي يعاني منها كثير من الإسرائيليين بأنها ناتجة عن التغطية الكثيفة لأحداث الحرب، والصور المرعبة والمشاهد التي عاشها الإسرائيليون في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وشعورهم أن هذا قد يتكرر في أي لحظة. وأضاف لموقع إسرائيل هيوم أن هذه الأحداث تتسرب إلى الأحلام بشكل تلقائي نتيجة لشعور هؤلاء الأشخاص بالعجز وعدم القدرة على النجاة، أو بالخجل إزاء صرخات الاستغاثة التي أطلقها آلاف الإسرائيليين في غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من دون أن يتمكن أحد من إنقاذهم. وأكد موقع اسرائيل هيوم أن 60% من الأمهات يعانين من آثار صدمة عميقة تحتاج إلى علاج في عيادات مختصة، وأن 61% من الأطفال حتى سن الثامنة و30% ما فوق الثامنة يعانون من أعراض نفسية حادة جداً، وقد تتحول إلى صدمة نفسية عنيفة تؤثر في نمط حياتهم.. وقال رئيس معهد أبحاث سياسات الخدمات الصحية نحمان آش إن نظام الصحة النفسية في اسرائيل، على وشك الانهيار.. ويعتقد أن الحكومة الإسرائيلية لا تتعامل بجدية مع الأزمة المتفاقمة بجهاز الصحة النفسية؛ فأكثر من 520 ألف شخص في إسرائيل تعرضوا للاضطراب وبحاجة لرعاية وعلاج، كما شهدت دراسات إضافية على سوء الحالة النفسية لدى الإسرائيليين بسبب الحرب الطويلة.. فكيف ستؤثر الهزيمة النفسية على مستقبل دولة الاحتلال الاسرائيلى ؟!.

558

| 07 يوليو 2024

حماس تنتصر وإستراتيجية إسرائيل الفاشلة تجعلها أقوى !

مقال روبرت بيب أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان «حماس تنتصر» يمكن أن يفتح مجالاعلميا جديدا لدراسة قوة الدول، وبناء مقاييس جديدة تتجاوز التركيز على القوة المادية، وتجعل المخططين الإستراتيجيين يدركون أهمية الفكر والتأثير على الشعوب والرأي العام. ولأهمية ذلك المقال سأركز على أهم ما تضمنه من أفكار يمكن أن تسهم في تغيير الواقع واستشراف المستقبل؛ حيث يرى بيب: أنه بعد 9 أشهر لم تتمكن إسرائيل من هزيمة حماس بالرغم من استخدام القوة المادية؛ حيث ألقت على غزة 70 ألف طن من القنابل، ودمرت أكثر من نصف المباني في غزة، وقتلت 37 ألفا، ومنعت المواطنين من الحصول على الماء والطعام والكهرباء، وتركت كل سكانها على حافة المجاعة. ويؤكد المراقبون أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بالأخلاق، فلم يهتم بحياة السكان في غزة، واعتبر أن قتلهم مقبولا بهدف تدمير قوة حماس.. لكن بفضل العدوان الإسرائيلي أصبحت حماس أكثر قوة، تماما مثلما أصبحت حركة المقاومة الفيتنامية أكثر قوة بسبب عمليات التدمير التي قامت بها القوات الأمريكية في جنوب فيتنام عام 1966. يقدم بيب الكثير من الأدلة على صحة النتيجة التي توصل لها، فبالرغم من عنف الضربات التي تلقتها ظلت حماس متماسكة، وتمكنت من تطوير أساليب حرب العصابات، وعاد مقاتلوها إلى شمال القطاع الذي ادعت إسرائيل أنها تمكنت من القضاء عليهم فيه. لذلك يقول بيب: كان من الواضح أن إستراتيجية إسرائيل فاشلة تماما كما فشلت الإستراتيجية الأمريكية في حرب فيتنام؛ وهذا الفشل يعود إلى إساءة فهم مصادر قوة حماس؛ فإسرائيل فشلت في إدراك أن استخدام القوة التدميرية جعلت عدوها أقوى. يضيف بيب أن المحللين ركزوا طوال الشهور الماضية على أعداد مقاتلي حماس الذين قتلتهم إسرائيل؛ حيث ادعت إسرائيل أنها قتلت 14 ألف مقاتل، لكن التركيز على الأعداد جعل من الصعب تقييم قوة حماس؛ فبالرغم من فقدانها لهذا العدد ظلت حماس تسيطر على غزة، وهذا يعني أنها تتمتع بتأييد هائل من المواطنين، يسمح لها بالحركة، والعودة بسهولة إلى المناطق التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي. حتى لو أخذنا بالتقديرات الإسرائيلية لعدد مقاتلي حماس الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي؛ فإن حماس تملك المزيد من المقاتلين لاستعادة المناطق التي خسر الجيش الإسرائيلي الكثير من جنوده للسيطرة عليها، وتستطيع الاستمرار في شن حرب عصابات، وتطوير أسلحتها باستخدام القنابل التي لم تنفجر وإعادة تصنيعها، كما أنها تستطيع ضم الكثير من المقاتلين الجدد، والاعتماد على المواطنين في الحصول على المعلومات الاستخباراتية. وهنا يجب أن نبحث عن مصادر قوة حماس التي يعتبر بيب أن أهمها هو قدرتها على الحصول على مؤيدين متطوعين من المجتمع المحلي في المستقبل. وبذلك يصل بيب إلى أهم النتائج؛ وهي أن قوة حماس لا تقتصر على ما تملكه من عوامل مادية؛ يستخدمها المحللون لإصدار الأحكام على الدول؛ مثل حجم الاقتصاد، وقوة الجيوش وتفوقها التقني؛ فأهم مصادر قوة حماس هو قدرتها على جذب أجيال جديدة، وهؤلاء المقاتلون مستعدون للموت لتحقيق أهدافها. وقدرة حماس على تجنيد مقاتلين جدد متجذرة، وهي تستمد التأييد من مجتمعها المحلي مما يسمح لها بتطوير مواردها المادية والبشرية، وهناك الكثير من المتطوعين الذين فقدوا أسرهم وأصدقاءهم مستعدون للانضمام لحماس التي يشعر المجتمع بأنها تقوم بحمايته ضد العدوان الإسرائيلي. والمجتمع المحلي يعتبر أن هؤلاء المقاتلين الذين يتطوعون في مهام شديدة الخطورة شهداء، وهو يقدرهم ويحترمهم ويكرمهم، ويوفر لهم الشرعية ويفخر بهم. وفي الوقت نفسه تقوم حركات المقاومة بخدمة مجتمعاتها المحلية، والعمل في المؤسسات الاجتماعية مثل المدارس والجامعات والجمعيات الخيرية، وهكذا أصبحت هذه الحركات مندمجة في مجتمعاتها المحلية. إن القوة الحقيقية لحماس – كما يرى بيب - هو تأييد الشعب الفلسطيني، الذي يرى أن كل العمليات التي تقوم بها مشروعة، وهذا العامل أكثر تأثيرا من القوة المادية، وأدى العدوان الإسرائيلي إلى تزايد مؤيدي حماس وأنصارها، مما أدى إلى زيادة قدرتها على جذب الكثير من المقاتلين المتطوعين الجدد، وأصبحت قوة سياسية واجتماعية وعسكرية لا يمكن القضاء عليها. لكن إسرائيل لا تدرك هذه الحقيقة، وليس هناك نهاية للصراع في غزة، والحرب سوف تستمر، والكثير من الفلسطينيين سوف يموتون، لكن المخاطر التي تتعرض لها إسرائيل سوف تتزايد.

810

| 30 يونيو 2024

دبلوماسية القطة الميتة: هل دمرت إسرائيل مصداقية أمريكا ؟!

ابتكر جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مفهوم «دبلوماسية القطة الميتة « وكان يعني به تحميل مسؤولية فشل المفاوضات للطرف الآخر، وتوجيه اللوم له، وتهديده بأنه سيترك « القطة الميتة « عند بابه.. لكن المفهوم لا يتوقف عند ذلك المعني ؛ حيث يتضمن بقاء المفاوضات مدة طويلة من الزمن، مع تحويل اهتمام وسائل الاعلام بعيدا عن الموضوع. ويرى ديفيد هيرست أن صفقة وقف اطلاق النار في غزة هي « قطة بلينكن الميتة «، فبالرغم من ان حماس وافقت على خطاب بايدن، وقرار مجلس الأمن إلا أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن ما زال يحمل حماس مسؤولية فشل الصفقة. سلوك بلينكن الدبلوماسي واصراره على الانحياز الواضح لإسرائيل؛ جعل الدبلوماسيين في الشرق الأوسط ؛ يتفقون على عدم الثقة في بلينكن ؛ فهو يريد استمرار المفاوضات دون التوصل إلى نتيجة. لكن هل تتحمل حماس المسؤولية ؟!! يشهد العالم كله على أن حماس وافقت على الصفقة التي قدمتها قطر ومصر، ثم أعلنت موافقتها على خطاب بايدن ؛ الذي حث فيه اسرائيل على قبول وقف عاجل وشامل لاطلاق النار ؛ بعد تبادل مبدئي للرهائن، وانسحاب القوات الاسرائيلية من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى بيوتهم، ودخول المساعدات الانسانية. لكن كيف رد النتن ياهو على هذا الخطاب ؟! كان الرد هو ارتكاب الجيش الاسرائيلى لمذبحة النصيرات التي تشكل جريمة ضد الانسانية، وقام بتسريب معلومات عن مشاركة المخابرات الأمريكية في المذبحة، وتسهيل دخول الجنود في شاحنات الاغاثة الانسانية ؛ التي انطلقت من الرصيف العائم الذي أقامته أمريكا على شاطئ غزة، وأن هدف هذا الرصيف هو توفير قاعدة للجيش الاسرائيلى للانطلاق منها. يرى ديفيد هيرست أن الإدارة الأمريكية تحتاج إلى وقف هذه الحرب بأسرع وقت ممكن ؛ لأن ذلك يخدم مصلحة بايدن الشخصية والسياسية، فهو يرغب في أن يعاد انتخابه رئيساً للبلاد.. كما أن لديه مصلحة خاصة في أن يوقف الحرب قبل أن تتوسع دائرتها، وتشتعل في لبنان ثم في المنطقة بأسرها.. لكن ما يفعله بلينكن هو العكس تماماً من ذلك؛ فهو يتسبب في سحب واشنطن أكثر فأكثر- عبر التورط العسكري المباشر- إلى أعماق المستنقع الإقليمي. إن النتن ياهو يدرك تماما ضعف بايدن، وأن هذا الضعف سيتزايد خلال الشهور القادمة، وأنه لن يستطيع أن يمارس ضغطا على اسرائيل، أو يحقق ما أعلنه في خطابه ؛ لذلك يصر على عدم وقف اطلاق النار حتى يحقق أهدافه التي حددها للحرب، وأهمها القضاء على حماس، ولذلك تقف أمريكا عاجزة أمام النتن ياهو ؛ رغم أنها تدرك أنه المستفيد الوحيد من استمرار الحرب، وأنه يعمل لجر أمريكا إلى حرب اقليمية. ولذلك كان من الغريب أن يصر بلينكن أثناء جولته الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط على تحميل حماس المسؤولية، وتوجيه اللوم لها بحجة أنها لم تقبل بعد بالصفقة، ويحرص على تحقيق أهداف النتن ياهو، ولا يهمه كثيرا اعادة انتخاب بايدن. وبلينكن يحاول خداع العالم ؛ فهو يعرف جيدا أن النتن ياهو يقوم بإفشال كل جولات المفاوضات، وأنه يقوم بارتكاب المذابح كلما بدت في الأفق فرصة للتوصل إلى صفقة. ولذلك يحرص على استمرار المفاوضات دون نتيجة. إن سلوك النتن ياهو وبلينكن في خداع العالم، ورفض التوصل إلى وقف لاطلاق النار يشير – كما يرى هيرست - إلى أن الأسوأ لم يأت بعد، لكنه سيأتي، فالحرب يمكن أن تتوسع لتشمل المنطقة كلها، والنتنياهو يريد جر أمريكا لحرب اقليمية، وأمريكا عاجزة عن الضغط عليه، وبايدن سيضطر لتقديم التنازلات له. لكن هناك أصواتا في اسرائيل بدأت تحذر من أن الأهداف التي حددها النتن ياهو للحرب لا يمكن تحقيقها ؛ حيث قال المتحدث باسم الجيش الاسرائيلى إنه لا يمكن القضاء على حماس لأنها فكرة أضحت راسخة في القلوب. لذلك تقبل حماس وقف اطلاق النار وخطاب بايدن وقرار مجلس الأمن، وبذلك وضعت «القطة الميتة « أمام باب النتن ياهو ومجلس حربه، وهكذا يمكن أن يجر النتن ياهو أمريكا إلى حرب اقليمية لا يستطيع أحد أن يتوقع نتائجها، لكن من المؤكد أن أمريكا ستخسر الكثير !.

540

| 23 يونيو 2024

الغدر الإسرائيلي في مذبحة النصيرات وجريمة الغرب ضد الإنسانية

تحرير وعي أمتنا من أهم أسباب النصر وبناء المستقبل؛ لذلك يجب أن ينتفض المثقفون، ليبحثوا عن الحقائق التي تكشف للأمة طريق الكفاح للتحرر من الاستعمار الثقافي. وهناك الكثير من الأحداث التي يمكن أن تسهم في اكتشاف أهداف الغرب ومخططاته، والأساليب التي يستخدمها في الخداع والتضليل وتزييف الوعي. ومذبحة النصيرات التي ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي في غزة بالمشاركة مع الجيش الأمريكي من أهم الأحداث التي يجب أن نتوقف عندها طويلا، لنكشف الحقائق للعالم. لكنني في هذا المقال سأضطر أن أعتمد على كاتب صحفي كبير هو جوناثان كوك، فهو يمتلك معرفة وخبرة تؤهله للاستماع إلى الحقائق التي يرويها. ومن أهمها أن جيش الاحتلال ارتكب جريمة غدر ضد سكان غزة. وأن أمريكا شاركت في المذبحة. وبينما انشغلت وسائل الاعلام الغربية بتغطية احتفالات الاسرائيليين بعودة الأسرى الأربعة، حاولت اخفاء أن جيش الاحتلال الاسرائيلي ارتكب مذبحة، قتل فيها 270 فلسطينيا طبقا للعدد المعلن حتى الآن، فهناك الكثير من النساء والأطفال تحت الأنقاض، وهناك المئات من المصابين لا يجدون علاجا بعد أن دمر جيش الاحتلال المستشفيات، واختطف الطواقم الطبية، وقام بتعذيب الأطباء، وقتل الكثير منهم. * سلوك وسائل الإعلام الغربية يكشف عنصريتها، وأنها تعمل لتحقيق الأهداف السياسية للدول الغربية، وتتطابق تغطيتها مع تصريحات السياسيين الغربيين الذين أشادوا بالعملية، واعتبروها نجاحا. كما نقلت تلك الوسائل رقص الاسرائيليين في الشوارع، واحتفالات المنظمات اليهودية الأمريكية، بالرغم من أنه تم قتل ثلاثة أسرى اسرائيليين. هذه العملية التي وصفها وزير الدفاع الاسرائيلي بأنها عملية بطولية تشكل جريمة ضد الانسانية انتهكت فيها اسرائيل القوانين الدولية، وفي الوقت نفسه تعتبر جريمة غدر، شاركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم استخدام شاحنات الإغاثة الانسانية التي انطلقت من الرصيف العائم الذي أنشأته أمريكا على ساحل غزة، لكن بدلا من أن تنقل الشاحنات المساعدات لأهالي مخيم النصيرات، تم اخفاء الجنود الاسرائيليين في زي عمال الاغاثة، وحملت تلك الشاحنات الموت والدمار والمتفجرات. * يقول جوناثان كوك: كان يجب أن تدين ادارة بايدن هذه المذبحة، وتعلن براءتها من المشاركة فيها لكن جاك سوليفان مستشار الرئيس بايدن لشؤون الأمن القومي افتخر بالمذبحة، واعترف بأن الولايات المتحدة قدمت المساعدة لإسرائيل في تحديد موقع الأسري في غزة، ومساعدة الجيش الاسرائيلي على استعادتهم. وأثارت تعليقات سوليفان الشكوك في طبيعة المساعدات التي قدمتها أمريكا لإسرائيل في هذه العملية وأنها لم تقتصر على العمليات المخابراتية بل تعدتها إلى تدمير الكثير من المواقع في غزة، وأنها شاركت بشكل مباشر في مذبحة النصيرات حيث شاركت وحدة الأسري التابعة للجيش الأمريكي في هذه العملية. * كما بدأ المراقبون يثيرون التساؤلات حول أهداف أمريكا من انشاء الرصيف العائم على ساحل غزة، وأن هدفه هو أن تستخدمه اسرائيل لشن غاراتها على وسط غزة ؛ ويرى جوناثان كوك أن هؤلاء المراقبين على حق حيث تم اصلاح هذا الرصيف قبل هذه العملية بيوم واحد، وهذا يؤكد مشاركة أمريكا في العملية، وتوفيرها الموقع الذي تم استخدامه في ارتكاب المذبحة، وهذا يعني أن أمريكا تورطت في ارتكاب جريمة إبادة. يضيف جوناثان كوك: إن مشاركة الولايات المتحدة في مذبحة النصيرات ينفي عنها صفة الوسيط الأمين، ويثير الشكوك في أهداف جولات بلينكن المكوكية، وهذا ما أوضحه ماثيو ميلر المتحث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بقوله: إن هدف أمريكا هو اقناع حماس بحل نفسها، وهذا يعني الاستسلام مقابل وقف اطلاق النار، ووضع الشعب الفلسطيني أمام خيار الموت أو الاستسلام. * يشرح جوناثان كوك ما يطلق عليه هندسة الموت التي يقوم بها جيش الاحتلال الاسرائيلي والتي تقوم على التطهير العرقي والإبادة والتجويع. لقد هندست اسرائيل مجاعة في غزة بهدف تجويع سكانها حتى الموت، ودفعهم للخروج منها، وقد تضمنت مذكرة الاعتقال التي أصدرها المدعي العام بمحكمة الجنايات الدولية اتهام نتنياهو بطرد السكان باستخدام المجاعة المخططة، وهذا يشكل جرائم ضد الانسانية. ولقد شاركت أمريكا مع اسرائيل في منع وصول الإغاثة الانسانية، كجزء من خطة لتجويع السكان، هذه بعض الحقائق التي تشكل صدمة لكل صاحب ضمير: إنها هندسة المجاعة والموت والمذابح والإبادة والتطهير العرقي.

477

| 16 يونيو 2024

القيادة واليقين: لماذا تحتاج الأمة لقيادات جديدة عندما تواجه الأزمات ؟!

الأزمات يمكن أن تفتح مجالات جديدة أمام الأمم لتجدد نفسها، وتنهض وتنطلق لتبني المستقبل، ومن التاريخ يمكن أن نستمد الكثير من الأدلة علي أن الأمة يمكن أن تحول المحنة إلى بداية مرحلة جديدة من الكفاح لتحقيق أهداف عظيمة. كما أن الأزمة يمكن أن تكون فرصة لاختيار قيادات جديدة تعبر عن حلم عظيم، وتقنع الأمة بأنها تستطيع أن تحققه، وأنها يمكن أن تبتكر الكثير من الأفكار الجديدة التي تشكل مفاجأة لا يتوقعها الأعداء. لكن من أهم سمات القيادات التي يمكن أن تغير الواقع ؛ أنها تمتلك اليقين الذي يملأ القلب قوة واصرارا وثباتا وعزيمة وقدرة على رؤية الجوانب المشرقة في الأحداث.. فالمحلل السياسي يمكن أن يصف لك الواقع، وموازين القوة، ويتوقع أن الذي يحقق النصر هو الذي يمتلك القوة الصلبة ويستخدمها في القتل والتدمير، لكن القائد يمكن أن يقدم رؤية جديدة تقوم على أن الايمان واليقين بنصر الله أهم عوامل تحقيق النصر. هكذا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته كيف تواجه الأزمات بيقينها في الله، وكيف تأخذ بالأسباب عبادة لله، فتبذل كل جهدها لاعداد ما تستطيع من قوة مادية ؛ ثم تؤمن وتدرك وتثق بأن النصر بيد الله وحده، فالقوة المادية ضرورية ومهمة لكنها مجرد وسيلة يستخدمها المقاتلون لتحقيق هدف عظيم. عندما تشققت أيدي المؤمنين وهم يحفرون خندقا حول المدينة ؛ ليمنعوا الأحزاب من الوصول إليها، بشر رسول الله أمته بانتصارات كبرى على الفرس والروم، وفتوحات عظيمة.. وتلقي المؤمنون البشرى بالتصديق، فكل ما يقوله الرسول حق، وكل ما وعد به سيتحقق مهما طال الزمن، فهذا وعد الله. وهذا ما يميز المؤمنين الذين تنطلق بصيرتهم لرؤية حكمة الله في الأحداث، فهي اعداد للأمة، واختبار يجب أن تنجح فيه، ومرحلة ضرورية لاكتشاف الحقائق، واختيار القيادات. والمؤمنون الذين استقبلوا وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وهم يحفرون الخندق بالتصديق واليقين والأمل ؛ أصبحوا قادة حققوا انتصارات، وفتحوا البلاد وقلوب العباد، وأضاءوا الدنيا بنور المعرفة الاسلامية، وبنوا أعظم الحضارات التي عرفتها الانسانية. وكان يقينهم في وعد الله لهم بالنصر أهم مصادر قوتهم، حيث ملأ قلوبهم اصرارا وصمودا وعزة ومنعة، فلم تتمكن جيوش الأعداء من الثبات أمامهم ؛ لأنهم يواجهون بقوتهم المادية الصلبة رجالا يتميزون بشجاعة العقل والقلب والضمير، ويثقون في نصر الله. والأمة عندما تواجه الخطوب وتشتد عليها المحن تحتاج قائدا يقدم رؤية، ويثق في قدرته على تحقيقها، ويقرأ الواقع بعمق لكنه لا يستسلم له، ويعرف قوة عدوه ولا يستهين بها، لكنه يدرك حدود القوة المادية الصلبة، وأن النصر يرتبط باليقين، فالمهزوم نفسيا لا يمكن أن يحقق نصرا أو انجازا. لذلك طور الغرب أساليب الحرب النفسية ليدفع الشعوب إلى الشعور بالعجز عن مواجهة قوته المادية، فوسائل الاعلام تحدثك عن التقدم التكنولوجي، وأساليب التجسس، ووسائل الإبادة والتدمير، فيملأ الرعب قلوب عبيد الواقع، فيستسلمون ويخضعون وينهزمون، ويبررون عجزهم بالعقلانية والواقعية والمنطق والحسابات الدقيقة. مراجعة سير معظم القيادات خلال القرن العشرين ؛ توضح أنهم انهزموا قبل أن تبدأ الحرب، وأعطوا للعدو فوق ما يتمناه ويحلم به، ولا يستطيع أن يحققه بقوته المادية التي يتباهى ويتفاخر بها. لذلك فإن الواقعية لا تصنع قيادات تحقق امجادا وانتصارات، والأمة تحتاج إلى قيادات تعد ما تستطيع من قوة، ولكنها تملأ القلوب يقينا في نصر الله، وفي قدرة الأمة على تحقيق أهداف عظيمة. إن التاريخ يوضح لنا أن اليائسين لا يصنعون المستقبل، ولا يحققون المجد، ومن ينظر إلى الواقع في عالمنا يصيبه الإحباط والاكتئاب والخوف والعجز والوهن، لكن القائد الذي يملأ قلبه يقينا بنصر الله ؛ يستطيع أن يقدم رؤية جديدة يستثمر فيها مصادر قوة أمته، ويواجه العدو بصبر وايمان وثبات. القائد الذي يملأ اليقين قلبه وعقله يستطيع أن يغير الواقع، ويرفض الخضوع، ويعبر عن حق أمته في تحرير أرضها، ويدافع عن الحق، ووعد الله بالنصر سوف يتحقق رغم أنف المتخاذلين الخائفين من قوة العدو الصلبة.

252

| 09 يونيو 2024

العدوان الإسرائيلي على غزة وذكريات حرب فيتنام

أعاد العدوان الإسرائيلي على غزة ذكريات حرب فيتنام، فالطلاب بدأوا يعبرون عن يقظة ضميرهم، ورفضهم للمذابح؛ التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين؛ والتي لا تقل قسوة ووحشية عن تلك التي ارتكبها الجيش الأمريكي في فيتنام. ولقد بدأت المظاهرات ضد العدوان الإسرائيلي في جامعة كولومبيا، فأعاد المشهد ذكريات الإنجاز الذي حققه الطلاب عندما تمكنوا من إجبار الإدارة الأمريكية على التخلي عن صلفها وغرورها، واتخاذ قرار الانسحاب من فيتنام. وكان هناك شعور عام لدى الشعب الأمريكي بأن حرب فيتنام تشكل له عارا، وأن الجيش ارتكب جريمة ضد الإنسانية. حتى في أوروبا كانت الشعوب الأوروبية تشعر بالعار، فالمذابح التي ارتكبها الجيش الأمريكي تشكل جريمة ضد الحضارة، على سبيل المثال نشرت مجلة بريطانية صورا إباحية، فقررت الحكومة البريطانية إغلاقها لأنها تشكل عارا لبريطانيا، لكن محامي المجلة دفع بأن حرب فيتنام أكثر فحشا وقبحا وانتهاكا للحضارة والقيم والأخلاق من الصور التي نشرتها المجلة. لكن ماذا يمكن أن يقول هذا المحامي الآن، فالجيش الإسرائيلي ألقى على غزة أكثر من 120 ألف طن من المتفجرات، وهو أكثر عشرات المرات مما ألقاه الجيش الأمريكي على فيتنام، وبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين أكثر من 36 ألفا، والجرحى أكثر من 70 ألفا، وقام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإحراق خيام اللاجئين في رفح وحرق أجسادهم، بينما يشاهد العالم تلك الجريمة التي تفوق مذبحة سايجون. لكن الذكريات لا تتوقف عند ذلك، فبطولات المقاتلين من أجل تحرير وطنهم في غزة يمكن أن تفخر بها الإنسانية، كما افتخرت يوما ببطولات الفيتناميين، وكما قدم الفيتناميون للعالم دروسا في المقاومة والقتال من أجل الحرية، يبدع رجال المقاومة الإسلامية في غزة في ابتكار الأفكار الجديدة والتخطيط لاستخدام ما يمتلكونه من أسلحة بسيطة في مواجهة قوة جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة. وكما تطلعت الشعوب التي تكافح لتحرير أرضها يوما للمقاومة الفيتنامية، فإنها تتطلع اليوم بإعجاب للمقاومة الفلسطينية التي تبدع وتبتكر الكثير من الأفكار الجديدة. من أهم ما يمكن أن يثير إعجاب الشعوب أن المقاومة الفلسطينية تقود ثورة عقول، فهي لا تقاتل فقط بالسلاح، ولكن تخطط إستراتيجيا لمقاومة الاحتلال على مدى زمني طويل، فمن أهم سمات حروب التحرير أنها تستمر لسنوات طويلة، فهي ليست معركة بين جيوش نظامية يمكن أن ينتصر فيها الجيش الأكثر قوة وقدرة على التدمير.. لكن المقاومة يمكن أن تستدرج الجيش النظامي في المكان الذي تريده، وتخرج له من تحت الأرض لتقاتل بشروطها، كما فعلت المقاومة الفيتنامية. الأرض الفيتنامية قاتلت مع المقاومة التي كانت تعرف أسرارها، وكذلك أرض غزة تقاتل مع الفرسان الذين أحبوا أرضهم فأحبتهم، وكشفت لهم عن إمكانياتها.. لذلك يمكن أن تستمر المقاومة الفلسطينية لسنوات حتى تحقق النصر، كما استمرت المقاومة الفيتنامية. وفي حروب التحرير يفوز الأكثر قدرة على تحمل القرح والألم ويصبر ويصمد، أمام جيش الاحتلال الذي يريد تحقيق نصر سريع. يمكن أن نلاحظ أيضا أن أهم إنجازات المقاومة الفيتنامية أنها تمكنت من كسر غرور القوة الأمريكية، وبرهنت للعالم أن السلاح الأمريكي المتقدم، لا يستطيع أن يقهر إرادة شعب قرر الصمود، وكذلك فعلت المقاومة الإسلامية في غزة، التي برهنت للعالم على أن غرور جيش الاحتلال الإسرائيلي بقوته سيكون أهم أسباب انكساره وهزيمته. وإن كانت المقاومة الفيتنامية كسبت إعجاب العالم في ميادين القتال، فإنها أيضا أثارت الخيال في ميدان المفاوضات، لكن تلك قصة أخرى سأرويها لكم يوما. أما المقاومة الإسلامية فإنها أيضا تستحق الإعجاب بإصرارها على موقفها في المفاوضات، فالمفاوض يكمل دور المقاتل، والمقاومة تقوم بوظيفتها، وتوجه رسائلها الواضحة للعالم، وتحدد شروطها، وترفض المساومة على الثوابت، وأهمها التوصل إلى صفقة عادلة تتضمن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب جيش الاحتلال من غزة، ووقف العدوان. وبذلك تدير المقاومة الفلسطينية المفاوضات، كما أدارها المفاوض الفيتنامي، والعالم يتزايد رفضه للعدوان على غزة كما تزايد رفضه للعدوان الأمريكي على فيتنام، وتشعر الإنسانية كلها بالعار الذي سببه جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي ينتهك القانون الدولي والحضارة والأخلاق، لذلك يجب أن تغضب الشعوب على هذا الجيش وترفض عنصريته وتقف مع شعب فلسطين الذي يكافح لتحرير أرضه.

546

| 02 يونيو 2024

مصير دولة الاحتلال مثل سفينة التيتانك

بعد أن أكد أنها انهزمت أمام حماس أكد اللواء المتقاعد بجيش الاحتلال الإسرائيلي أن مصير إسرائيل مثل سفينة التيتانك؛ فما دلالات ذلك التشبيه، وما الذي دفعه لتلك المقارنة. من الواضح أن الجنرال بريك يشير إلى أهم عوامل السقوط والانهيار وهو غرور القوة؛ فالمهندس الذي أشرف على بناء سفينة تيتانك صرح بأنها لن تتأثر؛ حتى لو اصطدمت بجبل جليد، حيث إنها دليل على التقدم التقني الذي تفخر به بريطانيا العظمى في ذلك الوقت، وأنها أكبر سفن العالم، وأكثرها رفاهية. لذلك لم يهتم المهندسون الذين استخدموا عقولهم في تصميم السفينة وبنائها بتوفير قوارب النجاة، بالرغم من نصوص القوانين، لأنهم لم يتصوروا إمكانية غرق السفينة، وعطل غرور القوة خيالهم، ودفعهم إلى تجاهل إجراءات السلامة، والمحافظة على حياة المسافرين. وكان ذلك الغرور الذي أصاب المهندسين من تجليات غرور بريطانيا التي كانوا يومئذ يقولون إنها لا تغرب عنها الشمس، لكن السفينة غرقت وأصاب ذلك الغرق العالم بصدمة شديدة، ومضت الأيام، وانهارت الإمبراطورية البريطانية، وغربت شمسها، وتحولت إلى دولة تابعة لأمريكا التي كانت تحتلها. الغرور الذي أصاب حكام بريطانيا دفعهم إلى تجاهل حقوق الشعوب، وآمالها في تحقيق استقلالها، والتحرر من الاستعمار، وظنوا أن قوتهم تضمن لهم السيطرة على الشعوب، تماما كما تخيل المهندسون الذين بنوا السفينة تيتانك. ولعل الجنرال إسحق بريك قد أطلق لخياله العنان، فاكتشف أن كل التقدم التقني انهار عندما اصطدم بجبل الجليد، وأن بريطانيا غربت عنها الشمس عندما اصطدمت بإرادة شعوب أرادت أن تتحرر من الاحتلال.. لذلك شكل تشبيه الجنرال بريك استشرافا للمستقبل، فالتقدم التقني يمكن أن يصطدم بجبل فينهار، والقوة الغاشمة يمكن أن تصطدم بإرادة شعب قرر أن يحرر أرضه. ومن المؤكد أن قوة دولة الاحتلال الإسرائيلي أقل بكثير من قوة بريطانيا العظمى التي سلمتها أرض فلسطين، وأعطتها أسلحة الجيش الإنجليزي لترتكب به المذابح ضد الشعب الفلسطيني، وتثير به الرعب، فترغم هذا الشعب على الهجرة من أرضه. مع ذلك فإن المقارنة قد تبدو ناقصة في بعض جوانبها، فالقيادات السياسية البريطانية اشتهرت بالدهاء، وصنع المؤامرات وخداع الشعوب.. أما القيادات الإسرائيلية - خاصة النتن ياهو - فإن قسوتها تثير غضب الشعوب وسخطها. وكان أهم عناصر القوة التي تمكنت أن تقنع بها الصهيونية أوروبا وأمريكا بتأييدها وإمدادها بالأسلحة والأموال السردية التي تقوم على أن اليهود تعرضوا للاضطهاد والمذابح علي يد هتلر، لكن الآن يتضح زيف هذه السردية، حيث يظهر للعالم كله كيف يندفع جيش الاحتلال لارتكاب أبشع المذابح ضد الفلسطينيين في غزة، ويقوم بعملية إبادة وتدمير وتهجير قسري، وينتهك القانون الدولي الإنساني والأخلاقيات. وجيش الاحتلال الإسرائيلي اصطدم بحركة تحرر وطني تمتلك حلما تصر على تحقيقه، وبشعب فلسطين صاحب الأرض والتاريخ والشرعية، والمقاومة الفلسطينية يمكن أن تواصل القتال بصبر وإبداع، والزمن يعمل لصالحها، فالرأي العام العالمي يتغير، وشعوب العالم أصبحت تدرك زيف الدعاية الإسرائيلية، وأن شعب فلسطين هو الذي يتعرض للإبادة، والعالم يتابع تلك الجريمة على شاشات التليفزيون. أما الشعوب العربية فإن الغضب يغلي في صدورها بالرغم من الهدوء الذي يبدو على السطح خوفا من الحكام الطغاة، لكن العقلاء يدركون أن الانفجار قادم، وأن الشرر سيتطاير في كل الاتجاهات، وسينتج منه اشتعال النيران في كل الدول بما فيها أمريكا والدول الأوروبية. ينسب إلى أحد الساسة البريطانيين المشهورين بالدهاء وهو اللورد كرومر – الذي كان الحاكم الفعلي لمصر – قوله: إذا وضعت الغطاء على المرجل انفجر، أما إذا تركت البخار يخرج فإن سلامة المرجل مضمونة (طبقا لترجمة جريدة المقطم). وربما يكون من سوء حظ دولة الاحتلال الإسرائيلي أن طغاة العرب يحكمون الغطاء، ولا يتركون البخار يخرج، ولا يتيحون للشعوب التعبير عن غضبها، فيظن النتن ياهو أن تلك الشعوب ماتت، لكن تلك الشعوب ستنفجر قريبا، وخيال النتن ياهو تجمد مثل مهندسي التيتانك فلم يستطع أن يتخيل أن الاصطدام يمكن أن يحدث، وهو لن يوفر قوارب النجاة لليهود. وذكاء الساسة يمكن أن يخونهم عندما يتجاهلون التفكير في مواجهة المخاطر، وحماية شعوبهم، فالقوة الغاشمة لها حدودها ويمكن أن تنهار كالتقدم التقني عندما اصطدم بجبل الجليد.

432

| 26 مايو 2024

الايمان بالآخرة أهم مصادر قوة القيادة: رؤية للمستقبل

إنهم يشنون هجوما شرسا يستهدف دفعك للشك في الآخرة، لتفقد أهم مؤهلاتك لقيادة الشعوب، وتحقيق الانتصارات، وبناء مشروع حضاري جديد يحرر البشرية من العبودية للمادية والرأسمالية والاستعمار القديم والجديد. لكن ما هذا الكلام الغريب؟، وما علاقة الايمان بالآخرة بالقيادة وبناء المستقبل؟! انهم يعملون لخداعك بأن الغرب حقق التقدم عندما تخلى عن الدين، وركز على الدنيا، وطور العلوم على أساس التجربة، والمعرفة التي يمكن الحصول عليها عن طريق الحواس، وتطوير مقاييس مادية للنجاح والانجاز. يقولون لك انظر كيف تمكن الغرب من اختراع السيارات والطائرات والأسلحة، وبنى ناطحات السحاب، بينما أنت تحلم بالجنة، وتحرم نفسك من أجلها من متع الحياة الدنيا، وتغض بصرك، فتصاب بالأمراض النفسية الناتجة عن الكبت. هكذا تستهدف دعايتهم عقلك، وتثير شكوكك، وتقهر نفسك، فتشعر بعجزك، وتفقد الثقة في ذاتك، وهم يحاصرونك كل يوم عبر وسائل الاعلام التي تسيطر عليها السلطات التابعة للغرب. يقولون لك إن من يريد الآخرة عليه أن ينعزل عن الدنيا، ويهجر السياسة والعلوم الحديثة، ونجحوا بذلك في خداع الشعوب وتغييب وعيها. لكن هل يمكن أن تفكر معي لماذا أطلقوا الآن أتباعهم لإثارة الشكوك في الآخرة؟. سأحاول أن أقدم لك إجابة جديدة. إن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم تعلقت قلوبهم بالآخرة، فانطلقوا ليحرروا البشرية من ظلم الامبراطوريتين الفارسية والرومانية، ليكون الناس عبادا لله وحده، يعبدون الله كما أراد الله سبحانه أن يعبد في الأرض. هؤلاء الفرسان المسلمون شحذ الايمان بالآخرة عزيمتهم وأضاء بصيرتهم، فتمكنوا من تحديد أهداف حياتهم، وعملوا لبناء حضارة ينعم في ظلها الانسان بالعدل والحرية. لو درسنا تاريخ الاسلام لاكتشفنا أن الايمان بالآخرة دفع هؤلاء المسلمين للبحث العلمي، وتطوير المنهج التجريبي، وتطوير الصناعة والتجارة وبناء المدن والمستشفيات، ومحاربة الفقر، فتمكن الناس من أن يحققوا لأنفسهم حياة طيبة يتمتعون فيها بنعم الله سبحانه وتعالي باعتدال ودون إسراف أو تقتير أو تبذير. الايمان بالآخرة شحذ همم الناس، وجعلهم يدركون أن المعرفة هي أهم ثروة يمكن أن يحصل عليها الانسان، وكل انسان يستطيع أن يتمتع بحقه في الحصول على المعرفة ونقلها للآخرين، لذلك تحول المسلمون إلى قادة للأمم ينشرون المعرفة الاسلامية التي أنعم الله بها عليهم. والآن تشتد حاجة البشرية لهذه المعرفة بعد أن أغرقها الغرب في المادية واشباع الشهوات، وأصبح كل انسان يحتاج إلى إجابة عن سؤال مهم: هو ماذا بعد الموت؟ وهل الموت هونهاية الحياة؟. الإسلام وحده هو الذي يقدم لك اجابة واضحة على هذا السؤال، وهذه الاجابة تطلق أشواق القلب لرضاء الله وجنته، وتسهم في زيادة قدرته على تحديد أهداف حياته، ورؤيته للكون. لذلك يدفع الايمان بالآخرة الانسان؛ للانطلاق في الحياة؛ ليعمرها عبادة لله، ولينشر المعرفة ليضيء بها للناس حياتهم، والمعرفة بالله أعظم نعمة يحصل عليها الانسان. لكي يقوم المسلم بدور تاريخي جديد في بناء مجتمع المعرفة يجب أن ينطلق من ايمانه بالآخرة، فالحياة رحلة يجب أن يعمل الانسان فيها ليفوز برضاء الله وجنته. لكن ما علاقة ذلك بالقيادة؟ من أهم مؤهلات القيادة الأصيلة القائمة على المبادئ أن يقدم الإنسان التضحيات لتحقيق أهداف عظيمة. لكن لماذا أقدم التضحيات، ولماذا أعمل دون الحصول علي ثمن أو أجر؟ الفارس المسلم الذي انطلق من جزيرة العرب ينقل المعرفة الاسلامية للبشر، ويقاتل لتحريرهم يؤمن بيقين أنه سيفوز بالنصر، وهو يستخدم كل طاقاته وفكره وخياله ليحرر البشر من الطغيان، فإن فاز بالشهادة فما عند الله خير وفي الجنة من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. لذلك حرر الايمان بالآخرة قلوب القادة المسلمين من الخوف، فهم لا يخافون إلا من الله وحده، ويتطلعون إلى رضاء الله وجنته. ولكي تكون قائدا يجب أن يضيء إيمانك بالآخرة طريقك، ويسهم في بناء رؤيتك وتحديد أهدافك. والناس يحتاجون الآن لدورك في تحريرهم من المادية والجهل والزيف والعبودية للدنيا وللطواغيت وللاستعمار القديم والجديد ليكونوا عبادا لله وحده.

762

| 19 مايو 2024

عندما ندافع عن الإسلام يكون لحياتنا معنى وقيمة

يتعرض الإسلام لعدوان غاشم يستخدم الكثير من الوسائل والأسلحة، وسأركز اليوم علي الدعاية التي يقوم بها أنصاف الجهلاء التابعين للغرب، ويدعون كذبا أنهم يقدمون لك فكرا وبحثا علميا. وأنا أنوي أن أخوض معهم معركة فكرية، وأبرهن بالعلم على زيف أفكارهم، وأنهم يقومون بعملية تدليس وخداع وسرقة من كتب المستشرقين؛ فأنا باحث علمي؛ طورت طوال حياتي مهاراتي في تطبيق المناهج العلمية الحديثة؛ ربما استعدادا للقيام بهذا الدور في تلك المرحلة الخطيرة التي تمر بها الأمة الإسلامية، والتي يجب أن يقوم العلماء الذين يعتزون بالانتماء لها بوظيفتهم في بناء مستقبلها. لكن سأقدم لك اليوم بعضا من الأسس التي يمكن أن تنطلق منها للمشاركة في الدفاع عن الاسلام، وفضح المتغربين الذين يريدون لك أن تتخلى عن الاسلام لتصبح مجرد عبد للغرب وللمادة والدنيا والاستبداد. سوف توسوس لك نفسك: لماذا تتجشم كل هذا العناء، وأنت ترى أنصاف الجهلاء يطلقون على أنفسهم ألقابا فخمة ضخمة؛ مثل المفكرين والباحثين المتنورين الحداثيين المتقدمين الناقدين، ويغترفون الأموال من خزائن الغرب، والسلطات المستبدة التابعة له، وتفتح أمامهم وسائل الإعلام ؛ ليدلسوا على الناس بكلام سخيف ؛ بينما أنت مطارد لأنك تدافع عن الإسلام، ومهدد بالاعتقال والنفي والفصل والقهر. سيجد الشيطان مدخلا لنفس هي بالتأكيد تتمنى الراحة والأمان والمال الوفير.. لكن اسأل نفسك: ما هدف حياتي؟! وما معنى تلك الحياة إن لم أدافع فيها عن الحق، وانتصر على الباطل الذي ينتفش عندما يخاف الناس على حياتهم من سلطات ربطت مصيرها بأعداء الأمة. إن الله سبحانه وتعالى يعطيك منحا عظيمة عندما تقوم بوظيفتك في الدفاع عن الإسلام في وقت يتعرض فيه للمحن والفتن، وتنتصر على الخوف والزيف، فتكون لحياتك معنى وقيمة وأهمية. ومن المؤكد أن تلك الحياة سوف تنتهي في الأجل الذي حدده الله لنا، سوف تنتهي حياة عبيد الغرب الباحثين عن الشهرة والمال، وسوف تنتهي حياة الفرسان الأحرار الذين تعرضوا للمطاردة والسجن والنفي لدفاعهم عن الاسلام..لكن ما معنى الحياة وما قيمتها إن لم ندافع فيها عن عقيدتنا وحضارتنا وهويتنا ؟!! إن هذه الفترة الكئيبة سوف تمر، وهذا الواقع سوف يتغير، والكثير من المفكرين الغربيين بدأوا يعترفون بفشل مشروع التنوير الأوروبي ؛ الذي شكل الأساس الفكري والثقافي للاستعمار، ونهب ثروات الشعوب، والمشروع الصهيوني الذي كان أهم نتائج الاستعمار ينهار، بالرغم من كل المذابح التي يرتكبها باستخدام القوة الغاشمة، والأسلحة الأمريكية الحديثة. نحن في بداية مرحلة جديدة، تشتاق فيها كل الشعوب لعدل الإسلام ورحمته، ويتطلع الأحرار في كل العالم للحضارة الإسلامية التي يمكن أن تنقذ الإنسان من العبودية للمادة، ومن الخوف من القوة الغاشمة، ومن الفقر الذي انتشر بين الناس فقهر قلوبهم. والغرب يدرك ذلك جيدا؛ لذلك حرك أتباعه ليزيفوا وعي الناس، وينشروا الشك في العقيدة الاسلامية، والخوف من الاسلام الذي ربطوه بالارهاب والتخلف.. لكن الغرب لم يجد سوى أنصاف الجهلاء الذين يكررون بلا وعي أفكار المستشرقين التي تم انتاجها في القرن التاسع عشر، فمن هو المتخلف ؟!! لذلك انتفض واقهر خوفك؛ لتنال شرف الدفاع عن دينك وهويتك في الدنيا فتكون لحياتك معني، وسوف تفخر بهذا الدور عندما يتغير هذا الواقع قريبا، ويسقط الزيف، وتنتفض الأمة ضد الذين أفقروها، وأغرقوها في الديون، ونهبوا ثرواتها. هؤلاء الذين يدعون التنوير والحداثة والتقدم لا يستطيعون قراءة الواقع، أو رؤية أضواء المستقبل، وطمست العبودية للغرب بصيرتهم، فلم يكتشفوا ما يمكن أن يقدمه الاسلام للإنسانية، وكيف يمكن أن يقود كفاحها ضد الظلم والقهر والفقر. إنها فرصتك لتكتشف معنى حياتك، وتبني مستقبل أبنائك بالدفاع عن دينك وهويتك، والانتصار للحق، وقيادة الناس بالمبادئ والمعرفة والوعي لتغيير واقعهم البائس الكئيب. أنت صاحب حضارة عظيمة؛ يجب أن تعيد اكتشافها، وتقديمها للعالم، فهي حضارة المستقبل؛ رغم أنف أنصاف الجهلاء التابعين للغرب والسلطات المستبدة، وعندما تتقدم للدفاع عن الاسلام يمكن أن تتعرض للمحن والابتلاء في نفسك أو في مالك وأولادك؛ لكنك ستنال الشرف والمجد والحرية والفخر بالدور والوظيفة الحضارية، وتعيش بكرامة، وتفوز برضاء الله.

1089

| 12 مايو 2024

الشوق إلى الجنة وبناء هوية الأمة بداية الطريق إلى النصر

غرور الغرب بقوته حجب عن بصر حكامه وعلمائه رؤية الكثير من الحقائق؛ التي كان يمكن أن تسهم في ترشيد الصراع، وفتح المجال لبناء علاقات مع المسلمين؛ تقوم على التفاهم بدلا من الصدام. لم يدرك الغرب المستكبر أن للمسلمين هوية ووظيفة حضارية، يجب أن يفهمها من يريد سلاما وتعاونا في تحقيق أهداف مشتركة، وتلك الهوية تفرض على المسلمين القيام بوظيفة الدعوة للإسلام، والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، والجنة هي الأمل الذي يعيش المسلم يعمل على تحقيقه ؛ لذلك يجاهد ويصبر ويعبد الله كما أراد الله سبحانه وتعالى أن يعبد في الأرض. بدون استكبار يجب أن يدرس الغرب هوية المسلمين لكي يفهمهم، فالعدوان الإسرائيلي على غزة بداية مرحلة جديدة تفرض على الجميع إعادة التفكير في بناء المستقبل، فالقوة الغاشمة لا تكفي لتحقيق الانتصارات في المعارك الممتدة لعقود طويلة. هناك الكثير من المؤشرات على أن الجيل الجديد في الغرب بدأ يبحث عن طريق جديد، فالاستكبار الثقافي الغربي ارتبط بعصر الاستعمار الذي استخدمت دول الغرب فيه كل الأسلحة المتقدمة لإبادة الشعوب، ونهب ثرواتها، وفرض الضعف والتخلف والخنوع عليها.. وهذه المرحلة توشك أن تنتهي، حيث واجهت المقاومة الإسلامية في غزة قوة الغرب الغاشمة، لكنها صبرت وأصرت على مقاومة العدوان بأسلحتها البسيطة، فأوضحت للعالم أن قوة الإيمان أكبر تأثيرا من مئات الآلاف من أطنان المتفجرات التي قذفها جيش الاحتلال على غزة، في جريمة لم يشهد العالم لها مثيلا. لذلك يجب أن يفكر العالم في هذه القوة التي تثير خيال الأحرار الحالمين بتحرير أرضهم، وبناء عالم أكثر عدلا، ويجب أن يتذكر العالم أن الشعب الفلسطيني تعرض منذ عام 1919 للكثير من الهزائم والمعاناة والألم والمذابح والتدمير واللجوء والمجاعات.. وكل ما يمكن أن تتخيله من ألوان العذاب.. فكيف تمكن هذا الشعب من الصمود، وكيف تمكنت المقاومة الإسلامية من فتح المجال لمعركة تحرير يقود فيها المجاهدون ثورة عقول ترتبط بقلوب مؤمنة تشتاق إلى الجنة. لكي نفهم ذلك يجب أن نقرأ القرآن ؛ فهو المصدر الأصيل لهوية الأمة الإسلامية ووظيفتها الحضارية، وفي ضوئه يمكن أن ندرك أن المستقبل سوف يبنيه المؤمنون الصابرون الذين يجاهدون في سبيل الله، وتتوق نفوسهم للجنة، ومن أجل ذلك يتحملون الشدائد ويصبرون ويتحدون قوة جيش الاحتلال الغاشمة. يقول الله سبحانه وتعالي للمسلمين بعد الهزيمة؛ التي تعرضوا لها في غزوة أحد: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾[ 142: سورة آل عمران] يقول السعدي في تفسير هذه الآية: لا تظنوا، ولا يخطر ببالكم أن تدخلوا الجنة من دون مشقة واحتمال المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته، فإن الجنة أعلى المطالب، وأفضل ما به يتنافس المتنافسون، وكلما عظم المطلوب عظمت وسيلته، والعمل الموصل إليه ولكن مكاره الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله عند توطين النفس لها، وتمرينها عليها ومعرفة ما تؤول إليه، تنقلب عند أرباب البصائر منحا يسرون بها، ولا يبالون بها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. لذلك يصر المسلمون على الصبر الذي يرتبط بالشجاعة والجهاد والدعوة، وعلى أن يفوزوا في اختبار الجهاد، ويتحدوا الباطل الذي غرته قوته الغاشمة، وما يمتلكه من أسلحة تدمير وإبادة.. وهم يثقون في نصر الله الذي سيأتي حتما عندما ينجحون في الاختبار، وهو صعب وشديد على نفوس تودع الأحباب كل يوم.. لكنهم يعتقدون أن هؤلاء الأحباب ينتقلون إلى جنة الله، وفيها الفوز برضاء الله. القرآن يشكل للمؤمنين هويتهم ووظيفتهم الحضارية وغاية حياتهم وتصورهم لمكانتهم في هذا الكون.. لذلك سيستمر المؤمنون في جهادهم مهما طال الزمن، وسيصبرون فما هو إلا اختبار سيأتي بعده النصر.. وفي ميدان الجهاد تبرز الهوية واضحة وساطعة يفتخر بها المؤمنون الذين يصبرون ويجاهدون ويتطلعون إلى نصر الله والفوز برضاه وجنته. لم يفهم الغرب تلك الحقائق لأن علماء المسلمين لم يتمكنوا طوال القرنين الماضيين من توضيحها.. لكن المقاومة الإسلامية في فلسطين أكدتها بالصبر والجهاد والإيمان واليقين والعمل.. وبتلك الهوية الواضحة ستبني الأمة الإسلامية مستقبلها.

633

| 05 مايو 2024

أصالة القيادة وهوية الأمة الإسلامية.. كيف نبني المستقبل في ضوء القرآن؟

من أهم مؤهلات القائد الأصيل الاعتزاز بهوية أمته، والفخر بها، والانطلاق من الوعي بها لصياغة رؤيته للمستقبل، وكلما ازداد وعيه بالهوية زاد تأثيره على الجماهير، وتمكن من كسب العقول والقلوب. وكلما تزايدت التحديات، اشتدت حاجة الأمة لقيادات تبرهن على أصالتها وشجاعتها وقوتها بالتحديد الواضح للهوية، وتوعية الأمة برسالتها ووظيفتها الحضارية، ودورها التاريخي. والقائد المسلم يحتاج إلى قراءة القرآن بعقله وقلبه في هذه المرحلة التاريخية، ليكتشف ذاته، ويقدم نفسه للعالم انطلاقا من هوية أمته التي اختارها الله سبحانه وتعالى لتحمل رسالته الخاتمة إلى البشر. لذلك حدد الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة هويتها في القرآن الكريم، وبذلك يمكن أن تفخر هذه الأمة بأصالة مصدر هذه الهوية، وجدارتها ببناء الحضارة، وإقامة العدل، ونقل المعرفة للبشر. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾﴿١٤٣﴾ ومفهوم «الوسط « مفهوم إسلامي، يتميز بالثراء، ويشمل الكثير من الدلالات، منها الشرف والرفعة والعلو والحسن والفضل والخيرية، ويقول ابن كثير: لما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب. ويشمل المفهوم أيضا العدل؛ فالأمة الإسلامية هي أعدل الأمم، ولذلك اختصها الله بالشهادة على كل الأمم في الدنيا والآخرة، والعدل من أهم الأسس التي تقوم عليها هوية الأمة، وهو هدف تعمل لتحقيقه، وعليه تقوم حضارتها. القرآن يوضح لهذه الأمة وظيفتها في هذا الحياة، ومميزات شخصيتها، ومؤهلاتها للقيام بدورها في حياة الناس الذين ستشهد عليهم، لذلك يجب أن تبلغهم رسالة الله، وتدعوهم إلى الإسلام، وتنقل لهم المعرفة التي أنعم الله بها على هذه الأمة، وهي أجمل وأعظم ما تملك، وهي مصدر قوتها وثروتها. والأمة الإسلامية عندما تقوم بدورها في نقل المعرفة للناس، فإنها تقيم العدل، فمن حق الإنسان أن يعرف ويتعلم ثم يختار بإرادته الحرة.. وبذلك كانت الأمة تتحمل المسؤولية بكل ما فيها من أعباء وواجبات، ويجب أن تقدم التضحيات، وتقوم بدور حضاري في تحرير البشرية من العبودية لغير الله؛ حتى لا يقهر الطواغيت الناس، ويمنعوهم من اتباع الحق. هذه الأمة الوسط المكلفة بنقل الرسالة للبشر وإقامة العدل يجب أن تقدم التضحيات، فليس من السهل القيام بهذه الوظيفة.. إنها تشهد أنها بلغت الناس الرسالة ونقلت لهم المعرفة ودافعت عن حريتهم. لذلك فإن الأمة تبني مستقبلها على أساس الوعي بالوظيفة والمسؤولية، وتعد قياداتها الذين يستطيعون أن يقدموا التضحيات لتحقيقها. من أهم مؤهلات القائد أن يكون مستعدا للقيام بهذا الدور، وما يفرضه من أسلوب حياة، فيرفض الغرق في الشهوات، ويكون مثلا أعلى وقدوة للناس، يتطلع دائما إلى رضا الله، ويعلم أن ما عند الله خير من الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها، لكنه يحصل على حقه من المتع الحلال التي أباحها الله له، وأنعم بها عليه دون إسراف وتبذير، وهو يعمل دائما لتزكية نفسه لتأهيلها للقيام بوظيفتها الحضارية. هو يعطي لنفسه ما تستحقه من كرامة، ويعمل على حفظ حياته وترقيتها، ويطلب الغنى، مع الالتزام في تحصيله بأحكام شريعة الله، وينفق أمواله فيما ينفع الناس والمجتمع، ويعبد الله الذي أنعم عليه بالغنى والثراء، ويرفض المادية والفردية والجشع والترف. والقائد الذي تريده الأمة يستخدم عقله بكفاءة ؛ فيخطط ويبدع ويبتكر، لكنه يعبد الله الذي أنعم عليه بالعقل، ويلتزم بمبادئ الإسلام وقيمه، ويقوم بصياغة رؤيته في ضوء القرآن، ويلتزم بالأخلاق في تأثيره على الجماهير، وفي صياغة رسائله وخطابه. ولأنه ينتمي للأمة الوسط، فإنه يلتزم بالعدل، وهو يدرك أهميته في بناء المستقبل، فالظلم مؤذن بخراب العمران، والسقوط مصير كل ظالم، والحق لابد أن ينتصر. ولكي تبني الأمة الإسلامية مستقبلها يجب أن تقوم بتأهيل قيادات أصيلة تدرك معنى الانتماء إلى أمة حدد الله سبحانه هويتها في القرآن الكريم، ووصفها بأنها خير أمة، ولذلك يجب أن يقوم بدوره في تحقيق هدف الأمة الرئيس، وهو بناء الحضارة على أساس العدل، وتحرير البشرية من العبودية لغير الله.

1374

| 28 أبريل 2024

القرآن يبني صورة الأمة الإسلامية ويضيء لها طريق النصر

الأمة الإسلامية تحتاج لقراءة سورة الفتح لتخطط لبناء مستقبلها، ولتبني قوتها، وتستعيد مكانتها العالمية، فصورة الأمة عن ذاتها من أهم مصادر القوة، وكلما ازدادت هذه الصورة وضوحا انطلق المؤمنون ليكسبوا العقول والقلوب، وما أجمل تلك الصورة التي رسمها القرآن للمؤمنين في الآية 29 من سورة الفتح: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾. فالله سبحانه وتعالى أكرم رسوله صلى الله عليه وسلم والذين معه بهذه الصورة المضيئة التي توضح خصائصهم، وأنهم ينطلقون في حياتهم من عقيدتهم، فهي التي تحدد سلوكهم، وأهدافهم؛ فهم يتعاملون مع الكفار بشدة وقوة وشجاعة، ويغضبون لله، وهم مستعدون دائما لمواجهة الباطل، وتقديم التضحيات فداء لدينهم وعقيدتهم. هذا يفسر لنا كيف تمكن المسلمون رغم ضعف عدتهم وقلة عددهم من تحقيق الانتصارات العظيمة، ففي خلال قرن واحد انهارت أمامهم الإمبراطوريتان الفارسية والرومانية، وتمكنوا من تحرير الشعوب من العبودية للطواغيت. لكن شدة المؤمنين وشجاعتهم في مواجهة جيوش الكفر لا تكفي لتفسير انتصاراتهم العظيمة، فهناك سمة أخرى فتحت للمسلمين قلوب الناس، وأثارت خيالهم، ودفعتهم إلى الإيمان برسالة الإسلام وتصديقها، هي سمة الرحمة، وهي أساس السلوك الحضاري الذي كسب به المسلمون عقول الناس وقلوبهم. لقد رأى الناس كيف تميز الرحمة سلوك المؤمنين، وهذه الرحمة تشمل منظومة من الأخلاق الفاضلة منها العطف والإيثار والجود والكرم والبر وحب الخير والتماس الأعذار عندما تزل قدم أحدهم فيخطئ.. والمؤمنون الذين يتميزون بالرحمة هم أهل لإقامة العدل في الأرض. فإن انتهت المعركة تجلى خلق الرحمة، فتعامل المؤمن بسماحة نفسه وطيب خلقه مع إخوانه المؤمنين، ومع كل مسلم يختار بإرادته الحرة أن يدخل في الإسلام بعد أن رأى تجليات أخلاق المؤمنين.. وهو ما نطلق عليه في العصر الحديث قوة الجاذبية والتي تشمل الثقافة والمبادئ والقيم والحضارة. بكل شجاعة وثبات وصمود تعامل المسلمون مع الكفار في معارك التحرير، فحققوا انتصارات ما زالت حتى الآن تثير حيرة المؤرخين، فلا مجال خلال المعركة إلا للشدة والبأس والبطولة والقوة والإصرار على تحقيق النصر.. لذلك لم يكن أمام الكفار سوى الانسحاب أمامهم خوفا من الفرسان الذين يقتحمون الميادين يرفعون لواء الحق، ويهتفون: «إنه لجهاد نصر أو استشهاد». إنها العقيدة التي ملأت قلوبهم شجاعة، وأطلقت عقولهم لتنتج الكثير من الأفكار التي لم يتوقعها الكفار، وتبتكر الخطط الإستراتيجية، وبذلك لم تكن الشدة في سواعدهم التي تقاتل بالسيوف فقط، ولكنها أيضا تتجلى في شجاعة القلوب وقوة العقول ومضاء العزائم والإصرار على تحقيق النصر. يمكنك أن تشاهد اليوم نموذجا حيا ومثالا واقعيا يلهم الشعوب في إصرار المجاهدين المؤمنين في غزة، وهم يتحدون بأسلحتهم البسيطة قوة جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة، فالإيمان ملأ قلوبهم شجاعة وقوة، وهم يتخيلون صورة محمد صلى الله عليه وسلم والذين معه؛ فتلك الصورة كانت أهم مصادر قوتهم.. إنهم يواجهون العدو بشدة تليق بهم، وهي ضرورة في ميادين القتال. وفي الوقت نفسه يتقاسمون التمرات، وكسرات الخبز الجافة، ويؤثر كل منهم أخاه على نفسه، وسلوكهم هذا يشكل لهم نصرا، فهو يجذب لهم إعجاب الشعوب وحبها.. وهو نموذج يلهم كل الأحرار الذين يتطلعون لتحقيق العدل.. فلا عدل بدون رحمة، كما أنه لا نصر بدون شدة.. والشدة على الكفار في ميدان القتال ترتبط بالرحمة بين المؤمنين، فتضيء جباههم من أثر السجود، لينتقل ذلك الضوء من الجباه الساجدة إلى قلوب كل الأحرار في هذا العالم الذي أصبح الظلم يهدد بتقويض أركانه وزلزلة دعائمه وتخريب عمرانه. وبالشجاعة والرحمة يمكن أن نعيد بناء الحضارة الإسلامية التي تشتد الآن حاجة البشرية لها، لذلك يتطلع الأحرار إلى المؤمنين في غزة بحب وإعجاب.

1185

| 21 أبريل 2024

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6609

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6483

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

3252

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2538

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1887

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
المدرجات تبكي فراق الجماهير

كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...

1701

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1695

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1497

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

1059

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

999

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...

993

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
فاتورة الهواء التي أسقطت «أبو العبد» أرضًا

“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...

933

| 27 أكتوبر 2025

أخبار محلية