رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أعاد العدوان الإسرائيلي على غزة ذكريات حرب فيتنام، فالطلاب بدأوا يعبرون عن يقظة ضميرهم، ورفضهم للمذابح؛ التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين؛ والتي لا تقل قسوة ووحشية عن تلك التي ارتكبها الجيش الأمريكي في فيتنام. ولقد بدأت المظاهرات ضد العدوان الإسرائيلي في جامعة كولومبيا، فأعاد المشهد ذكريات الإنجاز الذي حققه الطلاب عندما تمكنوا من إجبار الإدارة الأمريكية على التخلي عن صلفها وغرورها، واتخاذ قرار الانسحاب من فيتنام. وكان هناك شعور عام لدى الشعب الأمريكي بأن حرب فيتنام تشكل له عارا، وأن الجيش ارتكب جريمة ضد الإنسانية.
حتى في أوروبا كانت الشعوب الأوروبية تشعر بالعار، فالمذابح التي ارتكبها الجيش الأمريكي تشكل جريمة ضد الحضارة، على سبيل المثال نشرت مجلة بريطانية صورا إباحية، فقررت الحكومة البريطانية إغلاقها لأنها تشكل عارا لبريطانيا، لكن محامي المجلة دفع بأن حرب فيتنام أكثر فحشا وقبحا وانتهاكا للحضارة والقيم والأخلاق من الصور التي نشرتها المجلة. لكن ماذا يمكن أن يقول هذا المحامي الآن، فالجيش الإسرائيلي ألقى على غزة أكثر من 120 ألف طن من المتفجرات، وهو أكثر عشرات المرات مما ألقاه الجيش الأمريكي على فيتنام، وبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين أكثر من 36 ألفا، والجرحى أكثر من 70 ألفا، وقام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإحراق خيام اللاجئين في رفح وحرق أجسادهم، بينما يشاهد العالم تلك الجريمة التي تفوق مذبحة سايجون.
لكن الذكريات لا تتوقف عند ذلك، فبطولات المقاتلين من أجل تحرير وطنهم في غزة يمكن أن تفخر بها الإنسانية، كما افتخرت يوما ببطولات الفيتناميين، وكما قدم الفيتناميون للعالم دروسا في المقاومة والقتال من أجل الحرية، يبدع رجال المقاومة الإسلامية في غزة في ابتكار الأفكار الجديدة والتخطيط لاستخدام ما يمتلكونه من أسلحة بسيطة في مواجهة قوة جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة.
وكما تطلعت الشعوب التي تكافح لتحرير أرضها يوما للمقاومة الفيتنامية، فإنها تتطلع اليوم بإعجاب للمقاومة الفلسطينية التي تبدع وتبتكر الكثير من الأفكار الجديدة. من أهم ما يمكن أن يثير إعجاب الشعوب أن المقاومة الفلسطينية تقود ثورة عقول، فهي لا تقاتل فقط بالسلاح، ولكن تخطط إستراتيجيا لمقاومة الاحتلال على مدى زمني طويل، فمن أهم سمات حروب التحرير أنها تستمر لسنوات طويلة، فهي ليست معركة بين جيوش نظامية يمكن أن ينتصر فيها الجيش الأكثر قوة وقدرة على التدمير.. لكن المقاومة يمكن أن تستدرج الجيش النظامي في المكان الذي تريده، وتخرج له من تحت الأرض لتقاتل بشروطها، كما فعلت المقاومة الفيتنامية.
الأرض الفيتنامية قاتلت مع المقاومة التي كانت تعرف أسرارها، وكذلك أرض غزة تقاتل مع الفرسان الذين أحبوا أرضهم فأحبتهم، وكشفت لهم عن إمكانياتها.. لذلك يمكن أن تستمر المقاومة الفلسطينية لسنوات حتى تحقق النصر، كما استمرت المقاومة الفيتنامية. وفي حروب التحرير يفوز الأكثر قدرة على تحمل القرح والألم ويصبر ويصمد، أمام جيش الاحتلال الذي يريد تحقيق نصر سريع.
يمكن أن نلاحظ أيضا أن أهم إنجازات المقاومة الفيتنامية أنها تمكنت من كسر غرور القوة الأمريكية، وبرهنت للعالم أن السلاح الأمريكي المتقدم، لا يستطيع أن يقهر إرادة شعب قرر الصمود، وكذلك فعلت المقاومة الإسلامية في غزة، التي برهنت للعالم على أن غرور جيش الاحتلال الإسرائيلي بقوته سيكون أهم أسباب انكساره وهزيمته. وإن كانت المقاومة الفيتنامية كسبت إعجاب العالم في ميادين القتال، فإنها أيضا أثارت الخيال في ميدان المفاوضات، لكن تلك قصة أخرى سأرويها لكم يوما. أما المقاومة الإسلامية فإنها أيضا تستحق الإعجاب بإصرارها على موقفها في المفاوضات، فالمفاوض يكمل دور المقاتل، والمقاومة تقوم بوظيفتها، وتوجه رسائلها الواضحة للعالم، وتحدد شروطها، وترفض المساومة على الثوابت، وأهمها التوصل إلى صفقة عادلة تتضمن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب جيش الاحتلال من غزة، ووقف العدوان. وبذلك تدير المقاومة الفلسطينية المفاوضات، كما أدارها المفاوض الفيتنامي، والعالم يتزايد رفضه للعدوان على غزة كما تزايد رفضه للعدوان الأمريكي على فيتنام، وتشعر الإنسانية كلها بالعار الذي سببه جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي ينتهك القانون الدولي والحضارة والأخلاق، لذلك يجب أن تغضب الشعوب على هذا الجيش وترفض عنصريته وتقف مع شعب فلسطين الذي يكافح لتحرير أرضه.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1131
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
945
| 16 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
717
| 22 ديسمبر 2025