رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من أهم مؤهلات القائد الأصيل الاعتزاز بهوية أمته، والفخر بها، والانطلاق من الوعي بها لصياغة رؤيته للمستقبل، وكلما ازداد وعيه بالهوية زاد تأثيره على الجماهير، وتمكن من كسب العقول والقلوب. وكلما تزايدت التحديات، اشتدت حاجة الأمة لقيادات تبرهن على أصالتها وشجاعتها وقوتها بالتحديد الواضح للهوية، وتوعية الأمة برسالتها ووظيفتها الحضارية، ودورها التاريخي.
والقائد المسلم يحتاج إلى قراءة القرآن بعقله وقلبه في هذه المرحلة التاريخية، ليكتشف ذاته، ويقدم نفسه للعالم انطلاقا من هوية أمته التي اختارها الله سبحانه وتعالى لتحمل رسالته الخاتمة إلى البشر. لذلك حدد الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة هويتها في القرآن الكريم، وبذلك يمكن أن تفخر هذه الأمة بأصالة مصدر هذه الهوية، وجدارتها ببناء الحضارة، وإقامة العدل، ونقل المعرفة للبشر. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾﴿١٤٣﴾
ومفهوم «الوسط « مفهوم إسلامي، يتميز بالثراء، ويشمل الكثير من الدلالات، منها الشرف والرفعة والعلو والحسن والفضل والخيرية،
ويقول ابن كثير: لما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب. ويشمل المفهوم أيضا العدل؛ فالأمة الإسلامية هي أعدل الأمم، ولذلك اختصها الله بالشهادة على كل الأمم في الدنيا والآخرة، والعدل من أهم الأسس التي تقوم عليها هوية الأمة، وهو هدف تعمل لتحقيقه، وعليه تقوم حضارتها.
القرآن يوضح لهذه الأمة وظيفتها في هذا الحياة، ومميزات شخصيتها، ومؤهلاتها للقيام بدورها في حياة الناس الذين ستشهد عليهم، لذلك يجب أن تبلغهم رسالة الله، وتدعوهم إلى الإسلام، وتنقل لهم المعرفة التي أنعم الله بها على هذه الأمة، وهي أجمل وأعظم ما تملك، وهي مصدر قوتها وثروتها.
والأمة الإسلامية عندما تقوم بدورها في نقل المعرفة للناس، فإنها تقيم العدل، فمن حق الإنسان أن يعرف ويتعلم ثم يختار بإرادته الحرة.. وبذلك كانت الأمة تتحمل المسؤولية بكل ما فيها من أعباء وواجبات، ويجب أن تقدم التضحيات، وتقوم بدور حضاري في تحرير البشرية من العبودية لغير الله؛ حتى لا يقهر الطواغيت الناس، ويمنعوهم من اتباع الحق.
هذه الأمة الوسط المكلفة بنقل الرسالة للبشر وإقامة العدل يجب أن تقدم التضحيات، فليس من السهل القيام بهذه الوظيفة.. إنها تشهد أنها بلغت الناس الرسالة ونقلت لهم المعرفة ودافعت عن حريتهم. لذلك فإن الأمة تبني مستقبلها على أساس الوعي بالوظيفة والمسؤولية، وتعد قياداتها الذين يستطيعون أن يقدموا التضحيات لتحقيقها. من أهم مؤهلات القائد أن يكون مستعدا للقيام بهذا الدور، وما يفرضه من أسلوب حياة، فيرفض الغرق في الشهوات، ويكون مثلا أعلى وقدوة للناس، يتطلع دائما إلى رضا الله، ويعلم أن ما عند الله خير من الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها، لكنه يحصل على حقه من المتع الحلال التي أباحها الله له، وأنعم بها عليه دون إسراف وتبذير، وهو يعمل دائما لتزكية نفسه لتأهيلها للقيام بوظيفتها الحضارية.
هو يعطي لنفسه ما تستحقه من كرامة، ويعمل على حفظ حياته وترقيتها، ويطلب الغنى، مع الالتزام في تحصيله بأحكام شريعة الله، وينفق أمواله فيما ينفع الناس والمجتمع، ويعبد الله الذي أنعم عليه بالغنى والثراء، ويرفض المادية والفردية والجشع والترف. والقائد الذي تريده الأمة يستخدم عقله بكفاءة ؛ فيخطط ويبدع ويبتكر، لكنه يعبد الله الذي أنعم عليه بالعقل، ويلتزم بمبادئ الإسلام وقيمه، ويقوم بصياغة رؤيته في ضوء القرآن، ويلتزم بالأخلاق في تأثيره على الجماهير، وفي صياغة رسائله وخطابه.
ولأنه ينتمي للأمة الوسط، فإنه يلتزم بالعدل، وهو يدرك أهميته في بناء المستقبل، فالظلم مؤذن بخراب العمران، والسقوط مصير كل ظالم، والحق لابد أن ينتصر.
ولكي تبني الأمة الإسلامية مستقبلها يجب أن تقوم بتأهيل قيادات أصيلة تدرك معنى الانتماء إلى أمة حدد الله سبحانه هويتها في القرآن الكريم، ووصفها بأنها خير أمة، ولذلك يجب أن يقوم بدوره في تحقيق هدف الأمة الرئيس، وهو بناء الحضارة على أساس العدل، وتحرير البشرية من العبودية لغير الله.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1131
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
945
| 16 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
717
| 22 ديسمبر 2025