رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تتنوع مُسمّيات (المطر) في لغة العرب تبعا لشدته وغزارته، ومنها الرشّ: وهو أول المطر، والطّلّ: المطر الضعيف، والرذاذ: المطر صغير القطر، والديمة: المطر يَطول زمانه في سكون، والغيث: المطر الغزير الذي يجلب الخير، والوابل: الغزير الكبير القطر، والطوفان: المطر الذي يُغرق الأرض، والمُحتَطِب: القالع لأصول الشجر، لقوته وشدة وقعه وسيلانه، والهَطِف: هو المطر الغزير ذو الصوت العالي، وغيرها من المسمّيات. والمدهش أن هذا المطر اللطيف المُنعش الذي يَسقط على شكل قطرات عندما تتشبع السحب بقطرات الماء والذي لا حياة للكائنات الحيّة من دونه يُمكن أن ينقلب من نعمة إلى بلاء كما في الطوفان، والظروف غير الجاهزة لاستقبال المطر الشديد كما في الخيام وبيوت الطين وغيرها من الظروف الإنسانية الصعبة والحرجة! وبعد اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية و»إسرائيل» تستمر تبعات الحرب، وربما، العقوبات «الإسرائيلية» ضد أهالي غزة وخصوصا في منعها توفير الضروريات الحياتية ومنها البيوت الجاهزة والخيام، وبالذات ونحن في بداية فصل الشتاء الذي يمتاز بقسوته وبرودته الشديدة في فلسطين! وبعد هطول الأمطار بغزة لبضع ساعات، الجمعة الماضية، انقلبت حياة مليون ونصف المليون إنسان رأسا على عقب! وشاهدنا عبر النقل التلفزيوني المباشر مئات الصور المليئة بالألم والأسى، وكيف أن مئات العوائل تعيش في الفلاة، وأطفالهم ينامون وسط خيام مُمَزّقة وبالية تُحيط بها مياه الأمطار، وحياتهم تفتقر لأبسط وسائل التدفئة، ولم يبق أي شيء داخل خيامهم بسبب غزارة الأمطار: لا غذاء، ولا فُرُش، وما يملكونه أُغرق بمياه الأمطار! ويبدو أن المساعدات التي أُدْخِلت لغزة اقتصرت، غالبا، على الخبز والماء وبعض المواد الغذائية، ولم تتضمن البيوت الجاهزة والخيام، وغالبية العوائل لا تمتلك المال المطلوب لشراء الخيام التي تُباع بالأسواق السوداء! مئات آلاف الناس يعيشون في أحياء غالبيتها غارقة بالمياه، وفي خيام بالية وعائمة وسط البِرَك، وشاهدنا بعض الأمهات يبكين ويصرخن حزنا وألما على أطفالهن وأحولهن، حيث الأطفال، والمرضى وكبار السن، ينامون على فُرُش بسيطة وبثياب خفيفة وبطانية واحدة والأمطار تهطل على خيامهم الممزقة، والرجال والشباب، الأقوياء والأصحاء، خلال ساعات هطول المطر يحاولون، عبثا، نزح مياه الأمطار! فأيّ حياة هذه! وكشف «محمود بصل» المتحدث باسم الدفاع المدني بغزة بأن «نصف مليون عائلة بلا خيام»، وأنهم بحاجة للبيوت الجاهزة والخيام! وذكرت وكالة «الأونروا» أن الأمطار تزيد من صعوبة أوضاع غزة وأنها «بحاجة ماسة وعاجلة لمستلزمات الإيواء مع دخول الشتاء»! وقد غمرت المياه، كذلك، العديد من المستشفيات والمراكز الصحية وبينها مستشفيات أصدقاء المريض للأطفال، والرنتيسي والشفاء وغيرها من المستشفيات والمفاصل العامة والخاصة! وأكد المكتب الإعلامي لحكومة غزة أن 93 بالمائة هي نسبة الخيام غير الصالحة للسكن في القطاع، وبواقع 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفا! ودَمّر الاحتلال خلال طوفان الأقصى 90 بالمائة من البنية التحتية للقطاع، الذي يحتاج إلى 70 مليار دولار لإعادة إعماره، ودَمّر أيضا 268 ألف وحدة سكنية بالكامل، و148 ألفا بشكل بليغ وغير صالحة للسكن، و153 ألفا بشكل جزئي! وهذه الظروف القاسية دَفَعت المئات للتوجه إلى المباني التي لم تُهدم بشكل كامل، دون التفكير والاهتمام باحتمالية وقوعها عليهم في أي لحظة! وربما وصل الحال بهم، رغم إيمانهم النقي والرفيع، أنهم يدعون الله سبحانه وتعالى لإيقاف الرياح البحرية والأمطار التي تقتحم حياتهم وتهددها ليعيشوا بلا برد أو مطر! وسبق للاحتلال أن رفض 23 طلبا فلسطينيا وأمميا لإدخال المساعدات العاجلة للقطاع بما فيها الخيام، وكأن «إسرائيل» تحاول قتل المدنيين بالبرد مثلما قتلت أحبابهم بطائراتها المسيرة والصواريخ والدبابات! حرب غزة لم تتوقف، و»إسرائيل» بدأت صفحة جديدة من الحرب تتمثل في بقاء القطاع تحت رحمة المعابر والموافقات «الإسرائيلية» لفتحها! ينبغي على المجتمع الدولي ووسائل الإعلام المختلفة العمل لإنقاذ أهالي غزة قبل أن يقتلهم البرد والشتاء القارس عبر سياسة «إسرائيلية» مدبرة بعناية!
414
| 21 نوفمبر 2025
يعيش الإنسان حياته بين الأمل والقنوط، والقوة والضعف، والنجاح والفشل، والحب والكراهية، والسعادة والتعاسة، والسلام والحرب، والانتصار والهزيمة، والمقاومة والاستسلام! وأصعب المواقف الحياتية قد تكون في الظروف الصعبة، ومنها الحروب، حيث يستند الإنسان، رغم قساوة الواقع، على الأمل والقوة والنجاح والحبّ والسعادة والسلام والانتصار والمقاومة، ويصارع القنوط والضعف والفشل والكراهية والتعاسة والخراب والهزيمة والاستسلام! والمقاومة هي لغة عالمية تشبه الابتسامة التي تفهمها جميع الشعوب، وهي لغة جامعة بين الشعوب المحبّة للحرّية، والكفاح، والنضال، والتحدي، والرافضة للعبودية والذل والخنوع، والضعف والمهانة. وهذه المعاني الكريمة والنبيلة جمعت في العديد من المقاومات الحديثة في التاريخ الإنساني الحديث، ولكن يبقى للمقاومة الفلسطينية قدم السبْق على بقية المقاومات لعدة أسباب، وربما، من أهمها: - الثبات على المواقف، السياسية والدبلوماسية والميدانية والحياتية، والتحدي للظلم المتنوع الواقع على الإنسان والجماد دون استسلام رغم طول سنوات النضال ضد العصابات الصهيونية التي تحاول قلب الحقائق التاريخية. - اشْتِهار القضية الفلسطينية كأرض للأبطال، ومدرسة للرجولة، وكأن قَدَر هذه الأرض أن تكون مرجعية الصمود لجميع أحرار العالم. - مرابطة الشعب الفلسطيني في باحات الأقصى وعموم الأرض الفلسطينية وكأنهم يتجاهلون تلك الجيوش الصهيونية المدجّجة بأحدث الأسلحة حولهم! - الالتصاق بالأمل بروحية نادرة بحيث يرون النصر وسط الركام والحطام وجثث الشهداء وأنين الجرحى، ويقينهم بأن كل ذرّة من أرضهم، التي شهدت ما وقع على ذرّاتها من دماء وصرخات وبطولة، تروي حكاية من حكايات البطولة والرجولة! هذه القيم وغيرها مَيّزت المقاومة الفلسطينية عن بقية المقاومات في الوطن العربي والعالم. واليوم، وبعد ملحمة طوفان الأقصى، تبرز أمامنا ملحمة جديدة تتمثل في الصراع بين الحياة والموت، والثبات والاهتزاز، والصلابة واللين، والشجاعة والجبن، وهذه المعاني الرفيعة، الحياة والثبات والصلابة والشجاعة، جميعها ماثلة برجال الأنفاق المقاومين بمدينة رفح! وبعد وقف إطلاق النار بقي غالبية هؤلاء الرجال في المناطق التي انسحب إليها جيش الاحتلال «الإسرائيلي» وفقا للمرحلة الأولى من اتّفاق وقف إطلاق النار، والمعروفة باسم الخطّ الأصفر، وهنا بدأت المعضلة، حيث يتواجد العشرات من مقاتلي حماس داخل شبكات الأنفاق بعموم غزة، وهذه القضية تسببت بحالة من الربكة الاستخبارية والأمنية الصهيونية! ويرفض الجيش «الإسرائيلي» خروج هؤلاء الرجال بسلاحهم ويطالب باستسلامهم، وهذا ما ترفضه المقاومة بشكل قاطع، وهنا تكمن النقطة الحرجة التي يمكن أن تَتَسبّب بانهيار عموم اتفاق غزة لوقف إطلاق النار، والعودة إلى المربّع الأول! والأمر العجيب ليس بالموقف المحرج الحالي فقط، بل بالقدرة المذهلة لمقاتلي المقاومة على الصمود والاختباء داخل هذه المواقع لأكثر من عام ونصف العام، ومع ذلك لم يتمكن الجيش «الإسرائيلي» من العثور عليهم، والوصول لتلك الأنفاق رغم أنهم نبشوا الأرض شبرا شبرا، وما تركوا حجرا على حجر، فكيف تمكّن عناصر المقاومة من الاختفاء، والبقاء على قيد الحياة لأكثر من 500 يوم؟ هذه التطورات أدخلت قادة «إسرائيل» في حالة إنذار وربكة، وقد نقلت القناة الـ12 العبرية عن رئيس أركان الجيش «إيال زامير» تأكيده بأن «الأزمة يجب أن تنتهي إما بقتلهم أو باستسلامهم، واعتقالهم»! وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية بأن «زامير» مستعد للنظر في «إخراج المسلحين في رفح فقط مقابل استعادة رفات الضابط هدار غولدين المحتجز منذ 2014 بغزة». ولكن، ومع تسليم جثة «غولدين»، استمرّت التهديدات «الإسرائيلية» ضد رجال الأنفاق! وأعلن الجيش «الإسرائيلي»، الأربعاء الماضي، قتله 3 مسلحين برفح، وقالت القناة 15 العبرية «يُرجح أنهم من عناصر حماس العالقين بالأنفاق» وبعيدا عن كافة السيناريوهات المحتملة لمعركة الأنفاق أكد «محمد نزال» القيادي في حماس، 9 نوفمبر 2025، لفضائية «الجزيرة مباشر» بأن كتائب القسام حسمت موقفها بشأن مقاتليها بالأنفاق: «لن يَستسلموا، وسيُقاتلون حتى النهاية» وهكذا فقد علّمتنا فلسطين أن الحرية سلعة غالية، وأن الأمل يُزرع في قلوب الناس كما تُزرع الحبوب في الأرض حتى مرحلة جني الثمار والنصر النهائي.
633
| 14 نوفمبر 2025
الحديث عن المآسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحاجة لمجلدات ضخمة، ولفرق توثيق وطنية وأجنبية، ولمؤتمرات ودراسات في الجامعات ومراكز البحوث والدراسات بسبب ضخامة الجرائم «الإسرائيلية» وبشاعتها وانتهاكها المستمر لحقوق الإنسانية!. ومنذ عقود تَدّعي «إسرائيل» بأنها «دولة ديمقراطية»، وهذا يعني أنها تحترم الإنسان، أي إنسان، وحقوقه، أما الواقع فإن المستوطن «الإسرائيلي» يحصل على الحقوق والمعاملة الإنسانية، أما الإنسان الفلسطيني، صاحب الأرض، فتُسلب حقوقه ويُعامل بوحشية مذهلة، وهذا قمّة النفاق السياسي. والإنسانية الحقيقية الصافية تَظهر في المواقف التي يكون فيها الإنسان بلا حول، ولا قوة، ولا ملجأ، ولا حيلة، وهذه جميعها تجتمع في ظروف الأسير، وخصوصاً الفلسطيني، الذي يُسحق ويهلك في ظلمات ودهاليز السجون والمعتقلات «الإسرائيلية»!. وتوجد عشرات السجون ومراكز التوقيف داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنها سجون بئر السبع المركزي، والنقب، ومجدو، وشطة، عوفر، وهداريم، والسجن السرّي رقم 1391، وغيرها من السجون العلنية والسرّية. وسبق لمنظمة «بتسيلم» الحقوقية «الإسرائيلية» أن كشفت بتقريرها الصادر في آب/ أغسطس 2024، الظروف اللا إنسانية التي يخضع لها أكثر من 10 آلاف فلسطيني داخل المعتقلات «الإسرائيلية»، وسَجّلت معاناتهم مع العنف والتعذيب والإذلال، وعنونته بعبارة: «مرحبا بكم في الجحيم»!. ويَتعرّض آلاف الأسرى الفلسطينيين بالسجون «الإسرائيلية» لمختلف أنواع جرائم التعذيب الممنهجة والمتنوعة والمتعمدة!. وشهدت «إسرائيل»، خلال الأسبوع الماضي، هَزّة أمنية وسياسية واستخبارية ضخمة على خلفية التحقيقات الجنائية مع كبار المسؤولين بالنيابة العسكرية، ومنهم المدعية العسكرية الأولى، اللواء «يفعات تومر يروشالمي» بعد اعترافها بالمسؤولية عن تسريب شريط فيديو يوثق قيام خمسة جنود بتعذيب مروع ومُرْعِب لأسير فلسطيني في قاعدة «سدي تيمان» العسكرية، العام الماضي. وأعلنت اللواء «يروشالمي»، استقالتها من الجيش «الإسرائيلي»، في الأول من كانون الثاني/ نوفمبر الحالي، على خلفية التسريب الفيديوي، ولاحقا، وبعد أخبار عن فقدان الاتصال باللواء «يروشالمي»، وتوقعات بانتحارها، أعلنت الشرطة «الإسرائيلية» اعتقالها، الاثنين الماضي!. وقالت «يروشالمي» إنها «صادقت على إخراج مواد للإعلام لصَدّ دعاية كاذبة ضد جهات إنفاذ القانون في الجيش». وأكدت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» قيام الجنود بضرب السجين الفلسطيني ضرباً مبرحاً والاعتداء عليه بطريقة مقززة بعد إحضاره إلى مرفق الاحتجاز يوم 5 تموز/ يوليو 2024، مما «تسبب بكسور في الأضلاع وجروح متنوعة»!. واستنكر رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو نشر الفيديو، ووصفه بأنه «ربما، يكون أخطر هجوم دعائي تَعرّضت له إسرائيل منذ تأسيسها»، وأعلن إجراء تحقيق مستقل بالقضية، ولم يستنكر «نتنياهو» بشاعة محتوى الشريط. وكتب جندي «إسرائيلي» خدم في «سدي تيمان» مقالاً بصحيفة «هآرتس» العبرية في أيار/ مايو 2025، قال فيه: «سدي تيمان، معسكر تعذيب سادي، دخل إليه المعتقلون أحياء وغادروه في أكياس»!. وحسب تقرير المحرر العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، بخصوص السجناء: «أُجريت تحقيقات محدودة جداً حول ظروف الاعتقال الصعبة في السجون الإسرائيلية»، وبحسب أقوال الفلسطينيين فقد توفي 80 معتقلاً في السجون «الإسرائيلية» منذ بداية حرب غزة!. وقال عبد الناصر فروانة مدير الإحصاء بوزارة الأسرى الفلسطينية يوم 22 حزيران/ يونيو 2008م إن إحصائيات الوزارة تُفيد بأن 96 بالمائة من الأسرى تَعرّضوا للضرب، و94 بالمائة تَعرّضوا للوقوف فترة طويلة، و89 بالمائة تَعرّضوا للحرمان من النوم والطعام والشـراب. وبالمقابل اتّهمت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية إدارة سجن جلبوع «الإسرائيلي»، يوم ٨/٨/٢٠٢٥، بتكثيف «أساليب التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين». ووصف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بداية شباط/ فبراير 2025 الظروف القاسية للأسرى الفلسطينيين بأنها «قبور للأحياء»!. وهذه الحقائق ليست مفاجئة لمَن يعرف التاريخ الصهيوني؛ لأن «إسرائيل» التي تقتل الأطفال والنساء الحوامل والشيوخ والمرضى والعاملين بالقطاعات الصحية والإغاثية أمام أنظار العالم لا يُسْتَغْرب منها أن تُنفّذ مثل تلك الجرائم البشعة بالغرف المظلمة. وهناك مقولة رائعة للناشط السياسي الأمريكي «مارتن لوثر كينج»، (1929 – 1968):(ليست المشكلة في قسوة العالم، بل في صمت الإنسانية). وهكذا فالمشكلة ليس في قسوة «إسرائيل»، بل في صمت الإنسانية.
447
| 07 نوفمبر 2025
لم تُعدّ مهنة، «رسالة»، الصحافة والإعلام من المهن الترفيهية والمكتبية الهادئة بل ثقلها الأكبر، اليوم، يقع في ميادين الحروب والمناطق غير الهادئة؛ ولهذا فهي مهنة مُحاطة بالدم والقتل، والترهيب، والاعتقال، والضياع والدموع! وسابقا كُنّا نَسمع باستهداف الصحفيين والإعلاميين خلال تغطيتهم للمعارك والأماكن المربكة دون أن نراها بأعيننا، ولكننا شاهدنا بعض جرائم القتل والترهيب، وعلى الهواء مباشرة، خلال عامين من حرب غزة! وبحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، فقد استشهد 254 صحفيا وصحفية في حصيلة غير مسبوقة! وآخر ضحايا الإعلام هو الشهيد «محمد المنيراوي» الذي استشهد الثلاثاء الماضي بغزة! وقالت المقرّرة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة «فرانشيسكا ألبانيزي»، يوم 2/9/2025، إن «إسرائيل قتلت من الصحفيين منذ 7 أكتوبر 2023 أكثر ممّا قُتل في الحربين العالميتين الأولى والثانية»! ولاحقا طالب خبراء أمميون بفتح تحقيقات مستقلّة بشأن جرائم قتل الصحفيين في غزة، وأكدوا أن «إسرائيل تمنع دخول وسائل الإعلام الدولية، وتستهدف الصحفيين المحليين الذين ينقلون حقائق الإبادة والمجاعة بالقطاع»! والسؤال المُلِح هنا: لماذا استهدفت «إسرائيل» رجال الصحافة والإعلام خلال حرب غزة؟ ويمكن ارجاع ذلك لعشرات الأسباب، وأبرزها: - سعيّ «إسرائيل» الحثيث لوقف التغطية الصحفية المباشرة لجرائمها بغزة. - التعتيم على عمليات المقاومة الفلسطينية وقدرتها على مقارعة قوات الاحتلال! - محاولة التغطية على الرعب والهلع في صفوف الجيش «الإسرائيلي» الذي لا يعرف متى، وكيف سيُسْتَهدف! - تخدير «المستوطنين الصهاينة» حتى لا يُزْرَع الرعب والخوف داخل المدن المحتلّة! - حجب الحقائق عن العالم، وإخفاء حجم الجرائم الصهيونية ضد المدنيين الفلسطينيين! - يُؤمِن قادة «إسرائيل» بأن «الكاميرا» من الأسلحة الميدانية المؤثرة بالجوانب «القانونية والسياسية والنفسية»؛ ولهذا عملوا على تدميرها لأنها «سلاح بتار» إما تنقل جرائم العدو وهذه كارثة، أو تنقل حجم المقاومة وهذه كارثة أكبر! - محاولة ترهيب بقية الصحفيين والقنوات الفضائية لسحب كوادرها من غزة حتى لا يقع عليهم ذات المصير الذي وقع لزملائهم! - عمل «إسرائيل»، والوسائل الإعلامية المساندة لها، لاحتكار رواية الوقائع الميدانية وقلب الحقائق، ونقل الصورة من زوايا لا تُثير الرأي العام العالمي ضد الكيان! وبهذا فإن «شيطنة» الصحافة والإعلام واحدة من المبررات التي تستخدمها «إسرائيل» وأعوانها لتبرير استهدافهم للصحفيين والإعلاميين! واقعيا تُفْرِز الحروب أخلاقيات أطراف النزاع، وقد أظهرت حرب غزة الجيش «الإسرائيلي» على حقيقته الدموية الكارهة للإنسان والحقيقة والسلام. وللتاريخ فإن استهداف رجال الصحافة والإعلام يدخل ضمن حملة «إسرائيلية» مُمنهجة ومدروسة لخلط الأوراق، وتضييع الحقيقة وطمسها، ونحر الوعي الإنساني، واسكات الشهود، والانتقام من المقاومة ومَن يدعمها، وليست حوادث فردية عن طريق الخطأ كما تدعي الماكينة الرسمية الصهيونية! وهذه دلائل واضحة على استهانة قادة «إسرائيل» بالقوانين الدولية الناظمة لعمل الصحافة والإعلام خلال الحروب، ومنها القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف)! وهذا الاستهداف «الإسرائيلي» العلني والمتعمّد للإعلام يُعدّ جريمة حرب ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفقا للمادة 8 من نظام «روما الأساسي». وأظهرت تقارير منظمة «مراسلون بلا حدود»، و»اليونسكو» أن حوالي 80٪ من حالات القتل للصحفيين حول العالم لم يُحاسَب عليها أحد منذ العام 2003، أما بالنسبة «لإسرائيل» فإن 100 بالمائة من حالات قتلها المتعمّد للصحفيين والإعلاميين لم تُحاسب عليها! شهداء الصحافة والإعلام ليسوا مُجرد أرقام بقائمة شهداء الأقصى بل هُمْ رجال المهام العسيرة، الذين أوصلوا للعالم صور القتل والخراب الذي سببته آلة الحرب «الإسرائيلية» في غزة، وكانت كاميراتهم وحناجرهم وصورهم لا تَقلّ رعبا للصهاينة من عمليات المقاومة القاصمة للظهر لأن الكاميرا في الحرب الأخيرة قَلَبت الموازين، ودفعت غالبية الدول الغربية لتغيير مواقفها من المقاومة والقضية الفلسطينية! تضحيات رجال الصحافة والإعلام الثمينة لم تذهب سدى، وقد أثمرت الكثير، ومنها تلك المواقف السياسية والإنسانية العالمية المساندة للقضية الفلسطينية ولأحرار غزة، وهذا هو النصر الأصيل والثمين والحقيقي!
480
| 31 أكتوبر 2025
يعاني الإنسان منذ القدم من الأمراض الجسدية والنفسية البسيطة والمعقدة، ويبدو أن الأمراض الجسدية تَقلّصت بمرور الأيام وبتطوّر علوم الطب والكيمياء والصيدلة وغيرها. ومقابل هذا التقلّص بعموم الأمراض الجسدية هنالك تصاعد من حيث الكمّ والنوع في الأمراض النفسية والعقلية التي تداخلت وتعسّرت نتيجة التعقيدات المركبة والمتسارعة للحياة الإنسانية الملوثة بالأنانية، والتكالب «الوحشي» على الماديات، وهشاشة التلاحم الإنساني! والأمراض النفسية «الاضطرابات» هي «حالة نفسية تنطوي على حدوث أعراض جسدية وغالبا ما يصعب تفسيرها طبّيا»! وهنالك العديد من الأمراض النفسية المركبة والبسيطة، التي تصيب الرجال والنساء والصغار والكبار، وأبرز أسبابها الظروف الحياتية الصعبة، والعوامل الوراثية، والوقائع المهلكة ومنها الحروب، والكوارث الطبيعية الضخمة، وبعض الألعاب الإلكترونية وغيرها. وهنالك عدة أنواع من الأمراض النفسية، ومنها القلق من المستقبل، ونوبات الهلع، والكآبة، والاضطرابات العقلية، والصدمات النفسية الحادة، والأرق، ومتلازمة القلب المكسور وغيرها من الأمراض المدمرة للفكر والعقل، وبالمحصلة للجسد والحياة! ومع نهاية طوفان الأقصى، وبعد عامين من الضغط العسكري والمعنوي والمالي والاقتصادي والنفسي على «إسرائيل»، كشف التقرير السنوي الصادر عن المركز «الإسرائيلي» للإدمان والصحة النفسية (ICA)، ونشر بصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، يوم 18 كانون الأول/ أكتوبر 2025 عن جانب آخر من المآسي «الإسرائيلية» التي طالت حوالي 3 ملايين نسمة من أصل 10 ملايين! ورسم التقرير صورة مرعبة لمجتمع تنخره الأمراض النفسية والعقلية ويعاني هشاشة واضحة وجماعية نتيجة الصدمات المزعجة والمرهقة التي خلفتها حرب غزة! ويُبيّن تقرير المركز «الإسرائيلي» للإدمان أن «26.6 % من الإسرائيليين، أي أكثر من ربع السكان، يستخدمون مواد مسببة للإدمان في مستوى خطر مرتفع». وأكد التقرير زيادة بنسبة «170 % في استهلاك الكحول، و180 % في القنّب الهندي (الحشيش)، و250 % في المواد الأفيونية». وقال روني روكاش، مدير القسم السريري في الجمعية «الإسرائيلية» لمكافحة الإدمان، إن «واحدا من كل أربعة أشخاص أبلغ عن زيادة بتعاطي المخدرات، بعد أن كان واحدا من كل عشرة، هو أمر لا يكاد يُصدَّق»! وسبق لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن ذكرت بداية أيلول/ سبتمبر 2024 أن أكثر من 50 % من جنود الجيش «الإسرائيلي» اعترفوا بأنهم تعاطوا «مخدر الحشيش»! وكشفت منظمة «أران/ERAN» العبرية للإسعافات الأولية النفسية، منتصف أيار/ مايو الماضي، بأن 48% من المكالمات التي تصلها ترتبط بالشكوى من مؤشرات القلق، والصدمة، والشعور بالفقد، والعزلة، والاكتئاب، وصعوبة النوم، وهو رقم قياسي منذ تأسيسها بالعام 1971، ووصفت ما يحدث بأنه «تسونامي نفسي عصبي»! وبحسب دراسة حديثة، نقلتها افتتاحية صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 23 حزيران/ يونيو 2025، وأُجريت في الجامعة العبرية ومستشفى هداسا: فإن «نصف المواطنين في إسرائيل يعانون من الأرق، وأن عواقبه على الصحة النفسية والجسدية خطيرة»! واستجابة لهذه الأوضاع المتدهورة، أطلق المركز «الإسرائيلي» برنامجا باسم «طريق آخر»، لمعالجة الصدمة والإدمان معا! فماذا يعني انتشار تلك الظواهر والأمراض في المجتمع «الإسرائيلي»؟ يمكن القول بأنها تشير لعدة جوانب، ومن أبرزها تخوّف السكان من المستقبل المظلم، وبالذات بالنسبة للذين جاؤوا إلى «إسرائيل» من أرجاء الأرض بحثا عن «الجنسيّة والعمل وتأمين مستقبلهم»! وتؤكد أيضا عدم ثقة «الجمهور» بالقدرات العسكرية والأمنية «الإسرائيلية» في مواجهة الأساليب المتنوعة والمتطوّرة للمقاومة الفلسطينية واحتمالية اختراقها للحدود الفاصلة، وتنفيذ عمليات نوعية ومتجدّدة بالعمق الصهيوني، وكذلك التشكيك بقدرات الجيش على إنهاء إمكانيات بضع مئات من رجال المقاومة لصلابتهم! وتُدلّل تلك الظواهر كذلك على أن المواطنين الصهاينة محبطون ويتوقّعون الموت في كل زمان ومكان، وهذا قمّة الرعب والخوف والحرب النفسية! وبالمحصلة هذه دلائل واضحة على عجز حكومة «إسرائيل» عن إدارة الأزمات الأمنية والاجتماعية والصحية وغيرها! وهكذا فإن حرب غزة انتهت في الميدان، ولكن أعتقد أن «إسرائيل» تنتظرها العديد من الحروب الداخلية والخارجية، في الميادين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والنفسية، وستظل تعاني تبعاتها، المعقدة والمتداخلة، لسنوات طويلة!
741
| 24 أكتوبر 2025
«ما عشناه أصعب ممّا يمكن لإنسان أن يراه في حياته، لكننا ثابتون على أرضنا»! بهذه الكلمات اختصر مواطن فلسطيني من غزة ما وقع في القطاع لعامين متواليين ودون توقف، ليلا ونهارا، بآلة الحرب والموت «الإسرائيلية»! وعندما دخل اتفاق وقف إطلاق النار حَيّز التنفيذ يوم العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2025 صار العالم بأجمعه في حالة هادئة، وكأنه دخل، دون وعي، مرحلة الاحتفال والسعادة والفرح ليقينهم التام أن كل دقيقة تَمُرّ يقتل فيها بريء جديد في غزة، ولهذا كانت السعادة ومظاهر الاحتفال المحلي والعالمي! ومع الدقائق الأولى لوقف إطلاق النار بدأت الأمواج البشرية لمئات آلاف الغزيين بالهجرة من الجنوب نحو الشمال، رغم أن الأجواء والأرجاء مليئة بآثار وصور القتل والدمار أينما التفتوا، ولكنهم مع ذلك أَصرّوا على العودة لبيوتهم وذكرياتهم! هذا الإصرار والعشق للأرض، والتمسّك بالوطن رغم الدروب المدمّرة وغير المهيئة للسير يُدلل على أن الفلسطينيين شعب نادر ليس هنالك مثلهم في الأرض اليوم! عاد الناس لأحيائهم رغم الركام والقنابل، والصواريخ غير المنفلقة، والبيوت الملغمة، عادوا لمنازلهم سيرا على الأقدام ومعهم الكثير من المعوقين، والشيوخ، والأطفال، والنساء لأنهم يعرفون قيمة وطنهم، وأرضهم، وتاريخهم! ومع هذه المخاطر القاتلة يفترض الآن ادخال فرق خاصة لتخليص القطاع من المخلفات المهلكة لتفادي فقدان المزيد من الأبرياء! في اليوم التالي للاتفاق بدأت مرحلة جديدة خالية من أصوات المدافع، وأزيز الطائرات لكنها مليئة بالأمل الذي سيُعيد بناء غزة بسواعد أهلها! في الدقائق الأولى للاتفاق انتشر المئات من عناصر الأمن الداخلي على مفترقات غزة لتأمين الأوضاع، وحماية الناس، وكأنهم استعدوا بعناية لهذه اللحظة! وشرعت بلدية غزة بفتح الطرقات وبإمكانيات بسيطة، لتُسَهِّل على الناس عودتهم السلسة لأحيائهم المدمرة! ومع الساعات الأولى للاتفاق بدأ مجاهدو الدفاع المدني بالبحث عن الشهداء بين الركام، وانتشلوا جثامين 150 شهيدا في أول يومين، ويقال بأن هنالك آلاف الجثث المتحلّلة تحت أطنان الحديد والاسمنت! غزة اليوم مدينة خاوية، تَفتقر للماء والكهرباء والطرقات، والجامعات، وقد أعدم الاحتلال 193 أكاديميا جامعيا وعالما، وهي بلا مدارس حيث دُمّر فيها 670 مدرسة، وبلا مستشفيات، وقد قتل الاحتلال أكثر من 1,700 من العاملين الصحيين، وبلا مخابز، وبلا أسواق، ولكنها مليئة بالإيمان، والأمل، والحب، والاستعداد للتضحية، وإعادة الإعمار! ونتيجة لهذه الأوضاع المعقدة ينبغي بداية توفير الطعام والمياه الصالحة للشرب، والمستشفيات الميدانية والعلاج داخل القطاع، وكذلك تأمين العلاج خارج غزة، لأكثر من 17 ألف جريح حالتهم خطرة، وتوفير الأطراف الصناعية لخمسة آلاف طفل وفقا لتصريحات «أمجد الشوا»، رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية! الآلاف من أهالي غزة صُدِمُوا، حينما عادوا، من هول الخراب الذي خَلّفه الاحتلال إلا أنهم لم يَنْكَسِروا، وهم ثابتون رغم أن هنالك 2700 عائلة غَزّية أُبيدت بكامل أفرادها، وأكثر من مليونيّ شخص بلا مأوى! وهنالك مئات الأدلة على ثبات الغَزّيين وصمودهم، وننقل هنا شهادة لوالد شهيدين من القطاع: «غزة مدرسة للعالم في الرجولة والشجاعة والثبات، وسنبقى مرابطين، وغزة لا تَستسلم رغم الدمار»! وهكذا سَطّرت غزة انتصارها أمام العالم أجمع، وخير الشهادات تلك التي يُثْبتها العدو، ومنها شهادة الكاتب «نداف هعتسني»، يوم الاتفاق، بصحيفة (إسرائيل اليوم) العبرية:»بخلاف الفرحة الآنية (بإطلاق المُختطفين)؛ لا يوجد سبب للاحتفال، بل العكس تماما. وفقا للمخطّط الغامض الذي يبدو أنه يَتبلّور، ليس فقط أن حماس انتصرت ونحن خسرنا، بل المستقبل يبعث على قلق أكبر بكثير»! بعد وقف إطلاق النار، ولأول مرة منذ عامين، رأينا مراسلي القنوات الفضائية يتكلمون دون دموع وخوف ودروع وخُوَذ واقية! لا شك بأن اليوم التالي لغزة اختبار كبير لإرادة البناء والإعمار والتلاحم المجتمعي والتعايش الإنساني! وهكذا فإن أهل غزة، المدينة الساحلية على البحر الأبيض المتوسط، تَتَجدد فيهم الحياة والطموح والتمسك بالمبادئ مثلما تَتجدد أمواج البحر الذي عَلّمهم التوكل والصبر والصمود والتمسك بالأمل والمستقبل!
573
| 17 أكتوبر 2025
الإنسانية تلك المفردة العميقة والمليئة بالمعاني النبيلة والصافية والملاصقة للإنسان والخير والعطاء، والعمل الصالح، والحب والوفاء. وتُمثل الإِنسانية مجموع خصائص الجنس البشري التي تُميزه عن غيره من الكائنات الحية! والإنسانية صفة أخلاقية تَتمثل بالتعاطف والتراحم، والعمل على تقليل مآسي الآخرين ومساعدتهم لتجاوز ظروفهم القاهرة، وبما يحفظ حياتهم وسلامتهم وكرامتهم وكافة حقوقهم الإنسانية، دون النظر لدينهم وقوميتهم وبقية الهويات الفرعية! والإنسانية تَبرز في كافة الأوقات والمواقف، ولكنها تُتَرجم بوضوح في المواقف الحرجة المليئة بالرعب والخوف والموت ومنها الحروب والكوارث الطبيعية والحوادث المتنوعة! ومنذ بداية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى اللحظة تتوالى المواقف الإنسانية العربية والعالمية الداعمة لحياة الإنسان والسلام والأمن والرافضة لموت الأبرياء والحرب والرعب في غزة! ويمكن تقسيم عموم المواقف الإنسانية الداعمة لغزة إلى جانبين رئيسيين وهما: - الجانب الإنساني الدبلوماسي: وهذا الجانب مثلته بشكل واضح وأصيل الدبلوماسية القطرية بالدرجة الأولى، ورافقتها الدبلوماسية المصرية وأخيرا رافقتهما التركية والأمريكية. وسعت هذه الدبلوماسية الإنسانية لوقف شلال الدم الذي سحق حتى اليوم ما يقرب من 70 ألف إنسان فلسطيني، وأكثر من 179 ألف جريح، وما يقرب من مليوني نازح، وأكثر من 19 ألف معتقل، وأكثر من 200 ألف منزل متضرر، وفقا للجهاز الفلسطيني المركزي للإحصاء. وقد ذكر «بشارة بحبح»، الوسيط الفلسطيني بين واشنطن وحماس، في لقاء مع «الجزيرة مباشر» بالخامس من تشرين الأول/ أكتوبر 2025 أن المفاوضين القطريين والمصريين عملوا بجدية كبيرة للحفاظ على حقوق الفلسطينيين خلال المفاوضات الطويلة والمرهقة مع «إسرائيل». وآخر ثمار تلك الجهود الدبلوماسية الإنسانية هو اتفاق وقف إطلاق النار في غزة فجر الخميس الماضي، وهذه قمة الإنسانية الدبلوماسية الناشرة للسلام والأمن والخير والمحبة. - الجانب الإنساني الشعبي: وهذا الجانب لم يقتصر على بقعة معينة من الأرض، وبرز في غالبية المدن، وجميع تلك الأصوات الإنسانية كانت تُنادي بضرورة وقف الحرب والمجاعة في غزة. وتَمثل هذا الجانب بوضوح في الفعاليات العربية والأجنبية الهادفة للتقليل من حجم كارثة غزة. ويمكن عَد أساطيل «الحرية والصمود» الساعية لكسر حصار غزة والتي واجهتها «إسرائيل» بالقوة من أبرز صور الدعم الإنساني الشعبي بعد المساعدات الإنسانية «الرسمية» الجوية من عدة دول عربية. وقد أعلن أسطول الصمود، يوم 3/10/2025 أن البحرية «الإسرائيلية» سيطرت على جميع سفنه، 42 سفينة، وبهذا فإن «إسرائيل» أثبتت للمجتمع الدولي بأنها تُريد سحق أهالي غزة وقتلهم بكافة الطرق المتاحة، ومنها منع الغذاء والدواء! وتمثل هذا الجانب الإنساني كذلك بالمظاهرات العملاقة بالمدن الإسلامية والأجنبية، حيث تظاهر، الأحد الماضي، مئات آلاف الأوروبيين والأمريكيين وغيرهم للمطالبة بوقف حرب غزة، والإفراج عن ناشطين كانوا على متن «أسطول الصمود» للمساعدات الإنسانية، الذي اعترضته «إسرائيل» خلال إبحاره باتجاه غزة. وشملت المظاهرات مدن وارسو وروما، التي تظاهر فيها ربع مليون شخص، وبرشلونة ومدريد وباريس ودبلن ولندن وأمستردام، وإسطنبول وواشنطن ونيويورك وغيرها. وفي ملف الغضب الشعبي العالمي ذكر تقرير «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)»، والمنشور في أغسطس/ آب الماضي، أن حرب «إسرائيل» التي استمرت قرابة عامين دفعت أجزاء من غزة لمجاعة «من صنع الإنسان»، مما زاد من «معاناة الفلسطينيين للبقاء في ظل القصف المتواصل والنزوح الجماعي وانتشار الأمراض»، وهذا التقرير ساهم في نشر الغضب الشعبي العالمي تجاه «إسرائيل»! وبعد أكثر من 700 يوم من الحرب، توفي 455 فلسطينيًا نتيجة الجوع وسوء التغذية، بينهم 151 طفلًا، وفقًا لبيان صحة غزة بالأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2025. المجازر والمذابح والمآسي التي شهدتها غزة استنهضت المشاعر الإنسانية بعموم الأرض لأن ما يحدث في القطاع يفوق الخيال، ولا يمكن تبريره. وهكذا ستبقى غزة عنوانا للإنسانية، كما قال الدكتور «فايز أبو شمالة»، الناشط السياسي الفلسطيني المقيم في غزة: «هذه هي غزة، التي ظَلت بعد كل هذا الدمار عنواناً للإنسانية، وعنوانًا للفصاحة والحصافة والمنعة والعزة»!
639
| 10 أكتوبر 2025
ذكرت المادّة (4) من ميثاق الأمم المتحدة الصادر في 26 كانون الثاني/ يونيو 1945: أن العضوية في «الأمم المتحدة» مُباحة لجميع الدول الأخرى المُحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمّنها هذا الميثاق. وحينما نعود إلى أدبيات وبيانات الأمم المتحدة نجد أن الجمعية العامة للمنظمة الدولية أَنشأت، في 29 كانون الثاني/ نوفمبر 1947، «لجنة خاصة بفلسطين بعد الحرب العالمية الثانية». ولاحقا اقترحت اللجنة خطّة لتأسيس «دولة عربية مستقلة، ودولة يهودية مستقلة، ومدينة القدس»، ممّا اعتبر حينها «نصرا دبلوماسيا» للكيان الصهيوني، ولكنّ المقترح رُفِض من الفلسطينيين وجامعة الدول العربية. ومع استمرار القرارات الدولية لصالح «إسرائيل» التي لم تتوقف عن قضم الأراضي الفلسطينية، لجأت السلطة الفلسطينية بزعامة الراحل ياسر عرفات يوم الخامس عشر كانون الثاني/ نوفمبر 1988 من المهجر في الجزائر إلى إعلان الاستقلال وولادة دولة فلسطين. وتوالت حينها الاعترافات الدولية الكبيرة، وأبرزها من الاتحاد السوفيتي السابق الذي سارع للاعتراف بدولة فلسطين، ولاحقا جاءت اعترافات الدول العربية ودول عدم الانحياز والعديد من الدول الآسيوية والإفريقية! وبعد عقود من النضال الفلسطيني قَرّر رئيس بروتوكول الأمم المتحدة «يوتشول يون» يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2012، أن «تُستخدم الأمانة اسم دولة فلسطين في جميع وثائق الأمم المتحدة الرسمية»، وأقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 أيار/ مايو 2024 قرار «انضمام فلسطين بصفتها دولة في الأمم المتحدة»! ويبدو أن من ثمار الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية أن سُلْطت الأضواء والأنظار إلى الحقوق الفلسطينية الأصيلة بالأرض والوطن، ولهذا رأينا خلال العامين الماضيين تنامي الاعترافات بالدولة الفلسطينية، والدعوات المشجّعة والداعمة لهذه الخطوة، وخصوصا في القارّة الأوروبية. وتعتبر السويد أول دولة أوروبية اعترفت بدولة فلسطين في العام 2014، وفي خطوة داعمة للنضال الفلسطينية أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال، يوم 21 أيلول/ سبتمبر 2025، اعترافها بدولة فلسطين! فيما أعلنت فرنسا يوم 22/9/2025 اعترافها بالدولة الفلسطينية، وكذلك أعلنت بلجيكا ولوكمسبورغ ومالطا، خلال اجتماعات الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام اعترافها بدولة فلسطين! واليوم نلاحظ بأن الفرق بين الاعتراف العالمي بالكيان الصهيوني والاعتراف بدولة فلسطين أقل من عشر دول فقط، حيث هناك (157) دولة من أصل (193) دولة عضوا بالأمم المتحدة تعترف رسميًا بدولة فلسطين، بينما تعترف (165) دولة بالكيان الصهيوني. وتتمثّل أهمّية الاعتراف بدولة فلسطين كونه يؤكد أن فلسطين كيان سياسي مستقل له سيادة وحدود وحكومة، ودولة قائمة بنفسها مثل أي دولة في العالم، ويحقّ لسكانها تقرير مصيرهم ضمن دولتهم المستقلة! وهذا الاعتراف يفتح الباب لآفاق قانونية ودبلوماسية، وَيُؤذن بالتمثيل الدبلوماسي حول العالم لدولة فلسطين وليس للسلطة الفلسطينية. وهذا الاعتراف يدعم الموقف الرسمي والشعبي الفلسطيني في الصراع مع «إسرائيل»، وكذلك تقوية وتثبيت الشرعية الفلسطينية داخل المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية وغيرها من الكيانات الدولية والمنظمات المعنية بالجرائم الحربية والتهجير والحقوق التاريخية الفلسطينية. وهذه الاعترافات المتوالية دليل على تنامي الوعي العالمي، والغربي خصوصا، بالحقوق الفلسطينية والتعسف «الإسرائيلي». والمؤكد أن هذه الاعترافات هي ضربة قانونية ودبلوماسية «لإسرائيل» كونها تتضمن الاعتراف بأن «إسرائيل» تحتل أراضي دولة أخرى ذات سيادة، وهذه جميعها تدعم النضال الفلسطيني وتقصم ظهر الاحتلال، وتنزع أيّ شرعية عن الاحتلال، وبالنتيجة رفض عمليات الاستيطان «الإسرائيلي» والقتل والتهجير وكل ما يتعارض مع القوانين الإنسانية الدولية. وأبرز المواقف الدولية الجديدة ظهرت يوم 22/ 9/ 2025 حيث حذّرت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر «إسرائيل من ضَمّ أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، كرد فعل على قرار المملكة المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين». وهكذا ستُعزز هذه الاعترافات المتنامية من حضور القضية الفلسطينية في المحافل الدولية والإقليمية! وأظن أن الأيام القادمة حبلى بالأحداث والمواقف المساندة للنضال الفلسطيني الميداني والدبلوماسي! الاعتراف الدولي المتسارع والمتنامي بدولة فلسطين بداية الخلاص الفلسطيني الكامل من الاحتلال الصهيوني القاتل.
423
| 03 أكتوبر 2025
لم تكن كلمة سموّ الأمير تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر الشقيقة، في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي هي الكلمة الأولى، حيث سبق لسموّه أن ألقى العديد من الخطابات، بدءًا من كلمته الأولى في الدورة (68) وحتى كلمته الأخيرة في الدورة (80) للجمعية العامة. وكانت كلمة سموّه يوم 24 أيلول/ سبتمبر 2013، خلال الدورة (68) قد أدان فيها «الاحتلال الإسرائيلي وسياسات التهويد والاستيطان». وهكذا كافة كلمات سموّه في الجمعية العامة لم تتجاهل الهمّ الفلسطيني، وكانت على رأس الهموم العربية والإسلامية، وتُركّز على وجوب نهاية الاحتلال ومشاريعه التوسعية. والدبلوماسية القطرية تمتاز بالقدرة الواضحة على التأثير والفاعلية الإقليمية والدولية، ولهذا لعبت العديد من الأدوار الحاسمة في نزاعات الفرقاء بأفغانستان ولبنان ودارفور وفلسطين وغيرها. وسبق أن ذكرت بمقالي «رسائل الدوحة» في الشرق الغراء يوم 19 أيلول/ سبتمبر 2025، أن قمّة الدوحة، العربية الإسلامية الطارئة، يوم 15/9/2025:»خطوة دقيقة لمرحلة مفصلية ستكون لها ثمارها وتبعاتها الكبيرة على المنطقة والعالم». واليوم نَلمس بعض ثمار تلك القمّة وتأثيرها الجليّ على مجريات النقاشات الإقليمية والعالمية، وحضورها البارز ضمن مواقف وكلمات زعماء الدول في الدورة (80) للجمعية العامة! والكلمة الدقيقة لسموّ الأمير أمام الجمعية العامة، الثلاثاء الماضي، وضعت النقاط على العديد من القضايا الشائكة بعموم منطقتنا، وخصوصا الصراع العربي – «الإسرائيلي»، وتعالي «إسرائيل» على القوانين والمواثيق الدولية! ولا يوجد ما هو أدلّ وأبرز على سياسات «إسرائيل» الهمجية من هجومها الغادر على مدينة الدوحة، والذي استهدف اجتماعا للوفد المفاوض لحركة حماس يوم 9 أيلول/ سبتمبر الحالي، والذي يُعدّ، بحسب خطاب سموّ الأمير: «انتهاكا خطيرا لسيادة دولة، وخرقا سافرا وغير مبرر للأعراف والمواثيق الدولية، واعتداءً على دولة وساطة صانعة للسلام وكَرّست دبلوماسيتها لحلّ الصراعات بالطرق السلمية، وتبذل، منذ عامين، جهودا مضنية من أجل التوصل إلى تسوية توقف حرب الإبادة في غزة»! وعليه، ومع هذه السياسات الصهيونية الغادرة، كيف يمكن الوثوق بالمعاهدات مع «إسرائيل»؟! وقد اختصر سموّ الأمير، وبعبارات مباشرة، حقيقة الغدر «الإسرائيلي» في هجوم الدوحة بقوله:» يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال أعضائها، من الصعب التعامل مع هذه الذهنية التي لا تحترم أبسط المبادئ في التعامل بين البشر، فتوقع تصرفات أصحابها يكاد يكون مستحيلا، أليس هذا هو تعريف الحكومة المارقة؟»! وقد ركّزت كلمة سموّه على تمسك قطر بالوساطة والشرعية الدولية، وضرورة «احترام العمل الدبلوماسي والوساطة، وألا تُستخدم القوة لعرقلة التفاوض»! وبهذا لم يكن خطاب سموّ الأمير مُجرّد خطاب روتيني على منصة دولية بل كان دعوة لإعادة النظر في المواقف الدولية، وبالذات تلك المتعلّقة «بإسرائيل» وتَغوّلها في المنطقة، وسحقها لأرواح الناس وحقوق الفلسطينيين، وانتهاكها لسيادة الدول، وتهديدها لأمن واستقرار الأبرياء، وكأنها فوق القوانين، ولا تُسأل عمّا تَفْعَل! والملاحظ أن الخطاب الأميري لم ينحصر بالملفّات القطرية والفلسطينية و»الإسرائيلية» بل تناول الملفّات السورية واللبنانية والسودانية وغيرها! لقد كان للحكمة القطرية دور فاعل في الوساطات العسكرية، والاستخدام الذكي للقوة الناعمة، وكذلك قدرتها الفائقة للمناورة في بيئة إقليمية معقدة! ويمكن القول بأن عموم الخطابات الرسمية القطرية تقوم على عدّة عوامل رصينة، وأبرزها الهدوء والاتزان، والابتعاد عن الخطابات العاطفية، والتركيز على المنطق والوضوح، وأهمية سيادة الدولة، ورفض الوصاية الخارجية، والإصرار على الحوار والدبلوماسية المثمرة، والاستثمار في الإنسان والموارد العامة والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية والإنسانية! وهكذا أتوقع، وكواحدة من ثمار قمّة الدوحة، أن تشهد كلمة «بنيامين نتنياهو» في الجمعية العامة يوم 26/9/2025 انسحابا كبيرا من القاعة العالمية كما حدث في كلمته بذات المكان العام الماضي! إن الأمان الحقيقي للعالم وللمنطقة وشعوبها يكون بحلّ الدولتين، وكفّ «إسرائيل» لعبثها واستخفافها بالقوانين الدولية والإنسانية، وإلا فستبقى منطقتنا بؤرة للظلم والمواجهات والقتل والدماء والدمار والتخريب!
738
| 26 سبتمبر 2025
القمّة العربية الإسلامية الطارئة التي عُقدت في الدوحة الإثنين الماضي، 15/ 9/ 2025، لم تكن مُجرّد فعالية لتجميع قادة الدول العربية والإسلامية على صعيد واحد، بل خطوة دقيقة لمرحلة مفصلية ستكون لها ثمارها وتبعاتها الكبيرة على المنطقة والعالم. وصدر عن القمة بيان ختامي صارم، حَمل عدّة رسائل دقيقة وفاعلة، وأهمها: - إدانة شاملة لإسرائيل: بعد إدانة مجلس الأمن الدولي، وبالإجماع، للهجوم «الإسرائيلي» على الدوحة، جاء الموقف العربي – الإسلامي داعما ومؤيّدا للإدانة الدولية. وقد رفعت القمّة العربية – الإسلامية من مستوى الخطاب ضد «إسرائيل»، واستخدم البيان الختامي عبارات شديدة اللهجة تتعلّق بهجوم الدوحة، ومنها «العدوان الجبان وغير الشرعي» و»جريمة ضد الإنسانية». وأن العدوان «انتهاك مباشر لسيادة دولة عربية ومن الدول المحورية في الوساطة». وهذا تطور كبير في الخطاب الرافض للعبث «الإسرائيلي» بأمن المنطقة عموما، وفلسطين خصوصا. وبيان الدوحة بداية لتصعيد مرتقب ومتوقّع على المستويات الدبلوماسية والقانونية الدولية والاقتصادية وغيرها. -الموقف القطري الصلب مَن يُتابع الخطاب القطري الرسمي منذ اللحظات الأولى للعدوان الصهيوني على الدوحة يجد «الغضب» الرسمي القطري واضحا وصريحا، وبالذات كَون الدولة القطرية كانت تلعب دور الوسيط في ملفّات حساسة بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين ومنها ملفّ وقف الحرب. وهذا الموقف القطري الصلب كانت من أولى ثماره القمّة العربية- الإسلامية الطارئة والمساندة للدولة القطرية. - نصرة فلسطين: لا شكّ أن قمّة الدوحة كانت لمساندة الموقف القطري الرافض للعدوان «الإسرائيلي» إلا أنها لم تتراجع عن مواقفها الإنسانية ودعم جهود الوسطاء، قطر ومصر والولايات المتحدة، لوقف العدوان الصهيوني بغزة رغم المحاولات «الإسرائيلية» لإجهاض تلك الجهود. وشدّدت القمّة على رفض السياسات الهادفة لإعادة رسم خارطة المنطقة، وأدانت أيّ «محاولات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين». سَعَت القمّة إلى تسليط الضوء على ضرورة تَحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته أمام الانتهاكات «الإسرائيلية»، وذَكّرت بخيبة الأمل العربية – الإسلامية من الأداء المتقاعس للمنظمات الدولية في مواجهة الانتهاكات «الإسرائيلية» الخطيرة والمتكررة. وأصرّت على ضرورة متابعة محكمة العدل الدولية لمهامها المتعلّقة بالجرائم «الإسرائيلية» ووجوب ملاحقة أيّ مُتّهم بهذه الجرائم. - مراجعة العلاقات الاقتصادية مع «إسرائيل» ركّزت القمّة على ملفّ «مراجعة العلاقات الاقتصادية» مع «إسرائيل»، وهذه المراجعة من الأدوات الفاعلة كونها ستترك الكيان محاصرا وسط الدول الضاغطة عليه قانونيا واقتصاديا، وبالمحصّلة سيُجْبَر على مراجعة سياساته الضاربة للقوانين والأعراف الدولية. وهذه الفعّاليات الدبلوماسية والقانونية تتطلّب تحرّكات عربية – إسلامية جماعية ومنفردة لتحقيق هذه الغايات القانونية الحساسة والضاغطة على تل أبيب. - تقويض السلام: وفي تطوّر دبلوماسي مُتقدّم جدا، ركّزت القمة على أن عدوان «إسرائيل» الغاشم على قطر يُقوِّض أي فرص لتحقيق سلام بالمنطقة. وهذه رسالة كبيرة لقادة «إسرائيل» ولمَن يساندونهم بأن السلام لا يعني القبول بالعبث الصهيوني بأمن الدول. وأكدت القمّة على ضرورة «تنسيق الجهود الرامية لتعليق عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة». وبعد البيان الختامي للقمّة بساعات حذّر رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، من أن «إسرائيل» تواجه نوعًا من العزلة قد يستمر لسنوات. وكذلك جَدّد مجلس الأمن الدولي ادانته للهجوم «الإسرائيلي» على قطر بعد ساعات من انتهاء أعمال قمة الدوحة. اللغة الدبلوماسية الصلبة والموحّدة للبيان الختامي، وتركيز القمّة على رفض العدوان «الإسرائيلي» على قطر وغزة وبقية الدول، وتسليط الضوء على مبدأ سيادة الدول، وربط هجوم الدوحة بالموقف القطري الإنساني المتميّز والداعم للقضية الفلسطينية جميعها كانت رسائل عربية – إسلامية من قمّة الدوحة ليس «لإسرائيل» فحسب بل للمجتمع الدولي والدول الداعمة لتل أبيب. وهكذا، ورغم التهديدات «الإسرائيلية» اليومية باحتلال كامل غزة، ومهاجمة بعض الدول إلا أن موقف تل أبيب، إقليميا ودوليا، سيكون ضعيفا ومنبوذا ومختلفا تماما بين مرحلة ما قبل قمّة الدوحة وما بعدها! وبهذا تواصل الدبلوماسية القطرية حَصْد ثمار الحوارات الحكيمة والسياسات الدقيقة القادرة على تحويل الأزمات إلى مكاسب للإنسان والكون.
507
| 19 سبتمبر 2025
الدوحة تلك المدينة الهادئة الآمنة المطلّة على الخليج العربي لها نصيب كبير من اسمها فهي مَظلّة للخير والسلام والمحبّة والأخوّة والتلاحم الإنساني! والدوحة رغم صغرها مساحةً إلا أنها كبيرة وعملاقة في أدوارها الإقليمية والدولية، وقد لعبت عشرات الأدوار الفاعلة وساهمت في ترميم العلاقات الممزّقة، واخماد الحروب واحلال السلام في العديد من المناطق! والدوحة هي الشجرة العظيمة التي يستظل بها الضيوف الذين تخنقهم الأرض، وهي المضيف المفتوح للقاصي والداني دون النظر لقوميته ودينه وشكله وغيرها من الهويات الفرعية، فهي أرض الاستقرار لمَنْ لا يجد الأمان في الأرض! والدوحة المحروسة هي عاصمة الدولة القطرية ومقر المؤسسات المالية والتجارية المحلية والدولية، وتمتاز بمطارها ومينائها وكثرة مساجدها والمباني العملاقة والحديثة والتراثية، والمكتبات العامرة بالكتب الجديدة والقديمة، وهي مدينة السياحة والنقاء والصفاء! هذه المدينة الآمنة حاولت خفافيش الظلام الصهيونية أن تعكّر صفوها، وتهزّ أركان أمنها، وتكسر طمأنينتها، ولكنها خابت وفشلت وكسرت! إن المحاولة الاجرامية «الإسرائيلية» يوم التاسع من أيلول/ سبتمبر 2025 لاستهداف الوفد المفاوض من قادة المقاومة الإسلامية «حماس» في الدوحة فعل لا يمكن تبريره، وضرب لسيادة دولة معروفة بحبّها للسلام، وعملها الدؤوب لحسم ملفّ المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية حتى خلال لحظات الهجوم الإرهابي، وهذا دليل على عبثية قرار تل أبيب باستهداف الدوحة، ويثبت عدم جدّية حكومة بنيامين نتنياهو في حسم ملفّ المفاوضات مع الفلسطينيين! وقد أدانت الخارجية القطرية «وبأشد العبارات، الهجوم الإسرائيلي الجبان الذي استهدف مقرّات سكنية يقيم فيها عدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة الدوحة» وأكدت بأن «الاعتداء الإجرامي يشكل انتهاكا صارخا لكافة القوانين والأعراف الدولية، وتهديدا خطيرا لأمن وسلامة القطريين والمقيمين على أرضها». ونوّهت الوزارة إلى أن دولة قطر تؤكد أنها «لن تتهاون مع هذا السلوك الإسرائيلي المتهوّر والعبث المستمر بأمن الإقليم، وأي عمل يستهدف أمنها وسيادتها»! وقد حاولت «إسرائيل» بعمليتها الخائبة والفاشلة اغتيال وفد قادة المكتب السياسي لحماس، وهم ضيوف قطر، حينما كانوا في اجتماع يتعلّق بالمفاوضات، وخطّة التهدئة، ودراسة المقترح الأمريكي لإنهاء حرب غزة! وبهذا فإن الغدر «الإسرائيلي» يتنافى مع الجهود القطرية لإحلال السلام، ودور الدوحة المحوري في الافراج عن عشرات الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية ! وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول «إسرائيل» فيها اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية خارج الأراضي المحتلة، وسبق للقوات الخاصة «الإسرائيلية» أن اغتالت، يوم 10 نيسان/ أبريل 1973، كمال عدوان، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في بيروت، واغتالت معه «كمال ناصر» المتحدث الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية، ومحمد يوسف النجار مسؤول العلاقات الخارجية للمنظمة ! ولاحقا، يوم 16 نيسان/أبريل 1988 اغتالت «إسرائيل» «خليل الوزير» (أبو جهاد) نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية داخل منزله في تونس! وفي يوم 14 كانون الثاني/يناير 1991 اغتال الموساد رئيس جهاز الأمن الموحد لحركة فتح «صلاح خلف» (أبو إياد) في تونس أيضا! وفي 31 تموز/يوليو 2024، قُتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في طهران، ونقلت رويترز «تأكيدًا رسميًا من إسرائيل بأن الهجوم كان عملية اغتيال نفذتها القوات الإسرائيلية»، وغيرهم العديد من شهداء القيادات الفلسطينية في الخارج فضلا عن المئات من قيادات الداخل الذين اغتالتهم «إسرائيل»! هجوم الدوحة الغادر فشل فشلا شنيعا في قتل قادة حماس رغم الإعلان المتسارع من الجانب «الإسرائيلي» عن نجاحه! ومن الضروري التركيز بأن الهجمات الجوّية «الإسرائيلية» على الدوحة كان بأكثر من 15 طائرة، ومع ذلك خابت وفشلت في محاولتها، وبالمقابل نجحت قطر في حماية ضيوفها، وهذا انجاز أمني واستخباري يُحسب لدولة قطر! وأخيرا أظن أن العملية الإرهابية هي المسمار الأخير في نعش المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية! وهكذا ستبقى قطر أكبر من هذه الهجمات الشريرة، وما التلاحم الدولي والعربي مع الدوحة إلا دليل قاطع على مكانة قطر وأهلها في العالم! حمى الله قطر وأهلها، وخيّب الله أعمال المخربين والكارهين للدوحة أينما كانوا!
540
| 12 سبتمبر 2025
غالبية الكتب الفكرية والأدبية والاجتماعية مثل الناس، منها المتميّز، ومنها مجرّد أوراق سُوّدت بحبر المطابع بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع! وهنالك بعض الكتب التي تُطْبَع في الذاكرة الإنسانية، ومنها كتاب «مَن حرّك قطعة الجبن الخاصة بي؟» (Who Moved My Cheese?) للكاتب الأمريكي «سبنسر جونسون»، والمعروف بكتبه التحفيزية والتعليمية للأطفال وغيرهم، وهذا الكتاب، ورغم صدوره في العام 1998، إلا أن الدروس المستخلصة منه كبيرة وعديدة! ويمكن الاستفادة من الكتاب في كافة جوانب الحياة بما فيها الأعمال التجارية والمالية والإدارية، وجوانب الحياة الإنسانية، والسياسية، والاجتماعية، والعلمية وغيرها! والكتاب يتضمن حكاية رمزية ليست معقّدة ولكنّها عميقة، وتهدف إلى تقديم المساعدة للتعامل مع المتغيّرات الحياتية، الشخصية والمهنية. وحاول الكاتب، بطريقة ذكية، تقريب المعنى للجمهور عبر استعارة مفردة لأحد مشتقّات الحليب، والمنتج المعروف للجميع إلا وهو «الجبن» (The Cheese) لتمثيل ما يطمح إليه الإنسان في الحياة، مثل التفوّق، والسعادة، والعلاقات المميّزة، والعمل المثمر وغيرها من صور النجاح، وقد عَبَّر عن الواقع برمز «المتاهة»، وهي البيئة المحيطة بالناس، ويبحثون فيها عمّا يريدونه من معان نبيلة وسامية! وفكرة الكتاب تدور حول عَالَم خيالي، وعَالَم حقيقي، ومثّل العَالَم الأول بفأرين (سنيف وسكوري)، وهما يصوّران الجانب الفطريّ البسيط، ويتعاملان مع أيّ تغيير بسرعة كبيرة، ويتكيّفان معه دون أيّ تفكير أو تردّد! والعَالَم الحقيقي تمثّل بقزّمين صغيرين وهما (هم وهاو)، وهما يرمزان لعَالَم البشر الذين يخافون ويتردّدون ويتحيّرون عن حدوث التغيير أو عند مواجهته. ويحاول الكاتب، ومن جانب ذكي، أن يقارن بين تعامل الفئران والكثير من الناس مع التغيير، حيث يذكر بأنّ الفئران حينما يختفي الجبن عن مكانه المعتاد تتكيّف مباشرة مع الواقع الجديد، وهو انعدام الجبن، وتبحث، دون أي تردّد، عن جبن جديد! بينما الأمر مختلف عند الشخصين الصغيرين (هم وهاو)، ويبيّن بأنهما يشعران بالخوف والغضب والتردّد، ولكن، وهنا مربط الفرس، نجد في النهاية أن أحدهما وهو (هاو) يتعلّم الدرس، ويبدأ بالتكيّف مع الواقع الجديد، أيّا كان هذا الواقع، وفي أيّ مجال من مجالات الحياة، ويخرج (هاو) للبحث عن جبن جديد، أيّ عن فرصة جديد، وأمل جديد، وحياة جديدة، وعالم جديد بعد أن فقد قطعة الجبن، الفرصة، أو أيّ أمر آخر: المال، الوظيفة، المنصب وغيرها! وهذه الحكاية فيها الكثير من الدروس، وربّما من أبرزها هي أنّ تَقَبّل الإنسان للواقع الجديد والتكيّف معه، ولو بعد حين، من أهمّ أسباب النجاح، واستمرار العطاء والتمسّك بالحياة! وكذلك ضرورة تَقَبّل فكرة أو فرضيّة بأن الحياة تتغيّر، تماما مثلما يتغيّر الليل والنهار، والصحّة والعافية، والنور والظلام، والحياة والموت! ومن أبرز دروس الكتاب أنّ الخوف يعيق النجاح والتقدّم، وأن الخوف من المجهول والفشل من أبرز أسباب الخمول والتراجع والتردّد، وأخيرا فإنّ التجارب الجديدة مليئة بالمتعة، والماء الراكد يأسن ويصاب بالعفن، والبلبل المحبوس يموت! وهكذا فإن الكتاب يُعدّ نبعا صافيا ودليلا عمليّا وتحفيزيّا لفهم متغيّرات الحياة والعمل وكيفية التعامل معها وخصوصا في مجالات التنميّة الذاتية والإدارة! إن الحركة في الحياة هي تماما مثل الروح في الجسد، فحينما تغادر الروح يبقى الجسد جثّة هامدة تتعفّن خلال أيّام معدودات، وكذلك الحركة حينما تنعدم من الحياة فحينها ستكون حياة الناس هشّة، ومملّة، ومحاطة بالوساوس والمشاعر السلبيّة السقيمة! لنتّفق بإخلاص ألا نضيع أيّ ساعة من حياتنا بلا هدف حقيقي، وأن نتمسّك بالحياة تمسّكا منتجا، مثمرا، مليئا بحبّ الناس والعمل وبعيدا عن الكسل والفراغ والناس السلبيّين والمثبّطين! لنحرّك حياتنا بالإيمان والعمل والتعاون والتلاحم والحبّ والعطاء والسلام والنور!
651
| 05 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...
13590
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...
1791
| 21 نوفمبر 2025
شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...
1419
| 18 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17...
1173
| 20 نوفمبر 2025
القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...
1143
| 18 نوفمبر 2025
شهدت الجولات العشر الأولى من الدوري أداءً تحكيميًا...
1125
| 25 نوفمبر 2025
في مدينة نوتنغهام الإنجليزية، يقبع نصب تذكاري لرجل...
1035
| 23 نوفمبر 2025
كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...
996
| 20 نوفمبر 2025
في عالم يتسارع كل يوم، يصبح الوقوف للحظة...
918
| 20 نوفمبر 2025
نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...
810
| 18 نوفمبر 2025
حينما تنطلق من هذا الجسد لتحلّق في عالم...
702
| 21 نوفمبر 2025
أقرأ كثيرا عن مواعيد أيام عالمية اعتمدتها منظمة...
657
| 20 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية