رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جاسم الشمري

مساحة إعلانية

مقالات

51

جاسم الشمري

مَن حرّك قطعة الجبن؟

05 سبتمبر 2025 , 12:35ص

غالبية الكتب الفكرية والأدبية والاجتماعية مثل الناس، منها المتميّز، ومنها مجرّد أوراق سُوّدت بحبر المطابع بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع!

وهنالك بعض الكتب التي تُطْبَع في الذاكرة الإنسانية، ومنها كتاب «مَن حرّك قطعة الجبن الخاصة بي؟» (Who Moved My Cheese?) للكاتب الأمريكي «سبنسر جونسون»، والمعروف بكتبه التحفيزية والتعليمية للأطفال وغيرهم، وهذا الكتاب، ورغم صدوره في العام 1998، إلا أن الدروس المستخلصة منه كبيرة وعديدة!

ويمكن الاستفادة من الكتاب في كافة جوانب الحياة بما فيها الأعمال التجارية والمالية والإدارية، وجوانب الحياة الإنسانية، والسياسية، والاجتماعية، والعلمية وغيرها!

والكتاب يتضمن حكاية رمزية ليست معقّدة ولكنّها عميقة، وتهدف إلى تقديم المساعدة للتعامل مع المتغيّرات الحياتية، الشخصية والمهنية. 

وحاول الكاتب، بطريقة ذكية، تقريب المعنى للجمهور عبر استعارة مفردة لأحد مشتقّات الحليب، والمنتج المعروف للجميع إلا وهو «الجبن» (The Cheese) لتمثيل ما يطمح إليه الإنسان في الحياة، مثل التفوّق، والسعادة، والعلاقات المميّزة، والعمل المثمر وغيرها من صور النجاح، وقد عَبَّر عن الواقع برمز «المتاهة»، وهي البيئة المحيطة بالناس، ويبحثون فيها عمّا يريدونه من معان نبيلة وسامية!

وفكرة الكتاب تدور حول عَالَم خيالي، وعَالَم حقيقي، ومثّل العَالَم الأول بفأرين (سنيف وسكوري)، وهما يصوّران الجانب الفطريّ البسيط، ويتعاملان مع أيّ تغيير بسرعة كبيرة، ويتكيّفان معه دون أيّ تفكير أو تردّد!

والعَالَم الحقيقي تمثّل بقزّمين صغيرين وهما (هم وهاو)، وهما يرمزان لعَالَم البشر الذين يخافون ويتردّدون ويتحيّرون عن حدوث التغيير أو عند مواجهته.

ويحاول الكاتب، ومن جانب ذكي، أن يقارن بين تعامل الفئران والكثير من الناس مع التغيير، حيث يذكر بأنّ الفئران حينما يختفي الجبن عن مكانه المعتاد تتكيّف مباشرة مع الواقع الجديد، وهو انعدام الجبن، وتبحث، دون أي تردّد، عن جبن جديد!

بينما الأمر مختلف عند الشخصين الصغيرين (هم وهاو)، ويبيّن بأنهما يشعران بالخوف والغضب والتردّد، ولكن، وهنا مربط الفرس، نجد في النهاية أن أحدهما وهو (هاو) يتعلّم الدرس، ويبدأ بالتكيّف مع الواقع الجديد، أيّا كان هذا الواقع، وفي أيّ مجال من مجالات الحياة، ويخرج (هاو) للبحث عن جبن جديد، أيّ عن فرصة جديد، وأمل جديد، وحياة جديدة، وعالم جديد بعد أن فقد قطعة الجبن، الفرصة، أو أيّ أمر آخر: المال، الوظيفة، المنصب وغيرها!

وهذه الحكاية فيها الكثير من الدروس، وربّما من أبرزها هي أنّ تَقَبّل الإنسان للواقع الجديد والتكيّف معه، ولو بعد حين، من أهمّ أسباب النجاح، واستمرار العطاء والتمسّك بالحياة!

وكذلك ضرورة تَقَبّل فكرة أو فرضيّة بأن الحياة تتغيّر، تماما مثلما يتغيّر الليل والنهار، والصحّة والعافية، والنور والظلام، والحياة والموت!

ومن أبرز دروس الكتاب أنّ الخوف يعيق النجاح والتقدّم، وأن الخوف من المجهول والفشل من أبرز أسباب الخمول والتراجع والتردّد، وأخيرا فإنّ التجارب الجديدة مليئة بالمتعة، والماء الراكد يأسن ويصاب بالعفن، والبلبل المحبوس يموت!

وهكذا فإن الكتاب يُعدّ نبعا صافيا ودليلا عمليّا وتحفيزيّا لفهم متغيّرات الحياة والعمل وكيفية التعامل معها وخصوصا في مجالات التنميّة الذاتية والإدارة!

إن الحركة في الحياة هي تماما مثل الروح في الجسد، فحينما تغادر الروح يبقى الجسد جثّة هامدة تتعفّن خلال أيّام معدودات، وكذلك الحركة حينما تنعدم من الحياة فحينها ستكون حياة الناس هشّة، ومملّة، ومحاطة بالوساوس والمشاعر السلبيّة السقيمة!

لنتّفق بإخلاص ألا نضيع أيّ ساعة من حياتنا بلا هدف حقيقي، وأن نتمسّك بالحياة تمسّكا منتجا، مثمرا، مليئا بحبّ الناس والعمل وبعيدا عن الكسل والفراغ والناس السلبيّين والمثبّطين!

لنحرّك حياتنا بالإيمان والعمل والتعاون والتلاحم والحبّ والعطاء والسلام والنور!

مساحة إعلانية