رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رائد حمزة مقداد

مساحة إعلانية

مقالات

42

رائد حمزة مقداد

من الخور إلى الدوحة.. نداء لا يُرد

05 سبتمبر 2025 , 12:34ص

في الفضاء الواسع، لا يسكنُ الناسُ وحدهم، بل يسكنُ معهم وجعٌ لا يُقال، وحنينٌ لا يُحتمل. ذكرياتٌ مثقلةٌ، وأرواحٌ ترتجفُ خلفَ جدرانٍ لا تنطق، وصمتٌ يعلو فوقَ كلِّ صوتٍ، كأنّهُ شاهدٌ على ما لا يُروى. هنا، ينامُ الطفلُ على وسادةٍ من خوفٍ، وتختبئُ المرأةُ خلفَ ستارِ الحذرِ، ويحملُ الشيخُ أنفاسَهُ على كفٍّ من رجاء، لأنّ الحلمَ بمأوى آمنٍ باتَ بعيدًا، كالغيمِ في صيفٍ حارق. البيوتُ لم تعدْ مأوى، بل جدرانٌ متلاصقةٌ، تتشابكُ فيها الأنفاسُ، وتتصادمُ فيها الأحلامُ، وتتسللُ الأمراضُ من زاويةٍ إلى أخرى، كأنّ الحريقَ في بيتٍ واحدٍ لا يكفي، بل يمتدُّ ليحرقَ الجميع. غيابُ السلامةِ من الحريقِ ليسَ خطأً فرديًا، بل جرحٌ جماعيٌّ، يتركُ أثرًا في كلِّ ركنٍ، والنظافةُ التي غابتْ عن الساحةِ المشتركةِ، حوّلتها إلى ملعبٍ للأوبئة، وبيئةٍ خصبةٍ للداء. هنا، لا فرقَ بين كبيرٍ وصغيرٍ، فالمرضُ لا يختارُ ضحيةً، بل يطرقُ كلَّ بابٍ، والساحةُ التي تجمعُنا، أصبحتْ منفىً للوعي، كأنّها ليستْ مسؤوليتَنا، وكأنّنا لا نسكنُ فيها جميعًا. ويشتدُّ الصراعُ بين العازبِ والعائلةِ، فالعازبُ يطلبُ حريةً لا تُقيَّد، والعائلةُ تبحثُ عن سكينةٍ لا تُنتهك، وفي هذا التداخلِ، تُقيَّدُ الحرياتُ، وتُكسرُ المشاعرُ. لكنّ الحلَّ لا يحتاجُ معجزةً، بل صوتَ مراهقٍ ناضجٍ خرجَ من بينِ الجدرانِ، ينادي بحلٍّ يحفظُ الكرامةَ، ويصونُ الحقوقَ، مدنٌ للعزابِ، فيها كلُّ ما يُغنيهم عن الاختلاطِ بالعائلات. خدماتٌ، صحةٌ، تسوّقٌ، رياضةٌ، ترفيهٌ، تمنحُ العازبَ حريتَهُ، وتحفظُ للعائلةِ دفءَ بيتِها، وتُراقبُ الساحاتِ، وتُفتّشُ على ضوابطِ السلامةِ والنظافةِ، كي لا يُحرقَ بيتٌ، ولا يُمرضَ جسدٌ، ولا تُهدَرَ روحٌ. نداءٌ يخرجُ من قلوبٍ منهكةٍ، توسُّلٌ من أصواتٍ جفّتْ في الحناجرِ، صرخةٌ من شوارعِ الخورِ، من أزقّتِها، من أسوارِها المشتركة، تسافرُ إلى الشمالِ ومدنِه، ثم تعودُ إلى قلبِ الدوحةِ، تطلبُ الرحمةَ، تطلبُ الحلَّ، تطلبُ المساعدة. المسؤوليةُ ليستْ شعارًا، بل حياةٌ تُبنى، والرحمةُ ليستْ عاطفةً، بل يدٌ تُمدُّ حينَ يُستغاثُ بها، والعدلُ ليسَ ترفًا، بل أساسٌ لا يُستغنى، فهل من قلبٍ يسمعُ؟ هل من عينٍ ترى؟ هل من يدٍ تُعانقُ النداء؟ فيا من تسكنون خلف الجدران، اسمعوا نداءً خرج من حناجر جفّت، ومن قلوبٍ أنهكها الانتظار. صرخةٌ لا تحمل كلماتٍ فقط، بل تحمل أرواحًا تبحث عن دفء، عن مأوى، عن حياةٍ لا تُحرق ولا تُهدر. الحريقُ لا يعرفُ بيتًا واحدًا، بل يزحفُ كوحشٍ أعمى، يلتهمُ كلَّ ما حوله، والنظافةُ ليست رفاهية، بل درعٌ يحمي من أمراضٍ لا تُحصى، بعضها نعرفه، وبعضها لم يُكتشف بعد. في الساحاتِ المشتركة، حيثُ تلتقي الأنفاسُ، تُزرعُ بذورُ الوباء، ويُصابُ الشيخُ والطفلُ والمرأةُ والرجلُ، دونَ تمييز، دونَ رحمة، كأنّ المكانَ لا يعنيهم، كأنّ المرضَ لا يطرقُ أبوابَهم جميعًا. وحين تتداخلُ حياةُ العازبِ والعائلةِ، تُقيَّدُ الحرياتُ، وتُكسرُ المشاعرُ، ويولدُ صراعٌ لا يُرى، لكنه يُشعر. ومن بين هذه الجدران، يخرجُ صوتُ الحكمةِ من مراهقٍ ناضجٍ، يقترحُ فصلًا لا يُقصي، بل يُنقذ، مدنًا للعزابِ تحفظُ كرامتهم، وتُعيدُ للعائلةِ سكينتها، وللجميعِ حق في حياةٍ آمنةٍ، نظيفةٍ، راقيةٍ، فهل من قلبٍ يسمع؟ هل من يدٍ تمتد؟ هل من ضميرٍ يستيقظ؟

مساحة إعلانية