رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رائد حمزة مقداد

مساحة إعلانية

مقالات

114

رائد حمزة مقداد

الشمس تشرق داخلنا.. رحلة في طبّ الضوء وفلسفة الحياة

15 أغسطس 2025 , 02:47ص

في ظهيرة صيفية، جلستُ على شرفة تطلّ على البحر، أراقب الشمس وهي تلامس وجهي كأنها تهمس لي: «أنا الحياة، وأنا الخطر». لم تكن تلك اللحظة مجرد استراحة، بل بداية رحلة تأملية في العلاقة المعقدة بين الإنسان والشمس، بين الصحة والضوء، بين الجسد والروح. ومنذ تلك اللحظة، تذكرت الدور الحيوي الذي تقوم به مؤسسة الرعاية الصحية الأولية في قطر، التي تسعى من خلال مراكزها المنتشرة في البلاد إلى تعزيز هذا الوعي الصحي، وتوجيه الناس نحو التوازن بين الاستفادة من الشمس والوقاية من أضرارها.

علميًا، الشمس هي المصدر الأول لإنتاج فيتامين D، الذي يشبه الهرمون أكثر من كونه فيتامينًا، ويؤثر في امتصاص الكالسيوم، تقوية العظام، وتنظيم المناعة. لكنها أيضًا تحمل خطرًا خفيًا: الأشعة فوق البنفسجية (UV)، التي تخترق الجلد وتعبث بالحمض النووي، مسببةً أمراضًا جلدية وسرطانات. وهنا يأتي دور الفحوصات الدورية، والتوعية المجتمعية، وتوزيع النشرات الإرشادية في المراكز الصحية، لحماية الأفراد من هذه المخاطر.

لكن، هل الشمس مجرد تفاعل كيميائي؟ أم أنها شيء أعمق؟ لماذا نشعر بالسعادة حين تشرق؟ ولماذا ينهار مزاجنا في الشتاء؟ هنا تتدخل الفلسفة النفسية، لتخبرنا أن الضوء ليس فقط فيزيائيًا، بل هو رمزٌ للمعنى، وأداةٌ للشفاء النفسي. فالتعرض للضوء الطبيعي يزيد من إنتاج السيروتونين، الذي يرتبط بالهدوء والتركيز، وينظم الإيقاع اليومي للجسم. وتدعم المؤسسة هذا الجانب من خلال برامج الصحة النفسية التي تُنفذ في مراكزها، وتُعزز من خلالها أهمية التوازن النفسي المرتبط بالعوامل البيئية.

في العلاج النفسي، يُستخدم الضوء لإعادة التوازن الداخلي. وكما يقول الفيلسوف النفسي دان بيتس، فإن الحكمة تُولد من الألم وتُصقل بالتأمل. فحين نُصاب بحروق الشمس أو نُعاني من الاكتئاب الموسمي، لا نحتاج فقط إلى كريم واقٍ، بل إلى سردية شخصية تعيد تشكيل علاقتنا مع الضوء، ومع أنفسنا. وتُسهم المؤسسة في هذا الجانب عبر جلسات التوعية الجماعية، والاستشارات النفسية المتاحة في مراكزها. لكن الشمس ليست عادلة في عطائها. فالحوامل أكثر عرضة لـ الكلف، وقد يؤدي التعرض المفرط إلى تحلل حمض الفوليك الضروري لنمو الجنين. أما الرُضع، فبشرتهم لا تحتوي على ما يكفي من الميلانين، ويُمنع تعريضهم المباشر للشمس قبل عمر 6 أشهر. وكبار السن معرضون لـ التقرن الشعاعي، ونقص التعرق لديهم يزيد من خطر ضربة الشمس. وتحرص المؤسسة على تقديم إرشادات خاصة لكل فئة عمرية، من خلال فرق التثقيف الصحي، والعيادات المتخصصة في كل مركز.

نصائح طبية للجميع:

. استخدم واقيًا شمسيًا واسع الطيف (SPF 30+).

. تجنب الشمس بين 10 صباحًا و4 مساءً.

. ارتدِ ملابس واقية وقبعة واسعة.

. اشرب الماء بانتظام.

. راقب علامات الإنهاك الحراري.

. استشر الطبيب قبل تناول مكملات فيتامين D.

وفي الختام، تلعب مؤسسة الرعاية الصحية الأولية دورًا محوريًا في حماية صحة الجمهور، من خلال أكثر من 30 مركزًا صحيًا موزعًا في أنحاء البلاد، تقدم خدمات وقائية وتوعوية، وتُعزز أنماط الحياة الصحية، وتوفر رعاية متمحورة حول الإنسان، تضع سلامة الفرد والأسرة في قلب الاهتمام.

الشمس ليست عدوًا، لكنها ليست صديقة عمياء. إنها معلمة قاسية، تُكافئ من يفهمها، وتعاقب من يستهين بها. وبين دفئها واحتراقها، نتعلم أن الصحة ليست فقط وقاية من المرض، بل وعيٌ بالعلاقة بين أجسادنا والعالم من حولنا، بدعم مؤسسات وطنية رائدة كالرعاية الصحية الأولية.

مساحة إعلانية