بالموافقة السامية على إنشاء كلية للشرطة كمؤسسة علمية أكاديمية تهدف إلى تأهيل منتسبي وزارة الداخلية علميا بالعلوم والمعارف الشرطية، تصبح وزارة الداخلية على أعتاب البدء بمرحلة جديدة أخرى من التمييز في تحقيق الجودة في مخرجاتها من خدمات أمنية وإدارية للجمهور، جودة ما كان لها أن تتحقق لولا قناعة الفكر القيادي القائم على رأس الهرم الإداري بأهمية العنصر البشري والعمل على رفع كفاءته فكريا وسلوكيا في أدائه الوظيفي، إن تحقيق الجودة في الأداء الوظيفي والمؤسسي هدف كلي ضمن استراتيجية بعيدة المدى تبنتها وزارة الداخلية ضمن مفهوم (إعادة البناء) الذي يرتكز على إعادة تشكيل بنية الهيكل الإداري والتنظيمي للوزارة من حين لآخر كي تتمكن من البقاء والقدرة على المنافسة، وحتى تؤتي إستراتيجية إعادة البناء ثمارها المرجوة في تحقيق أهدافها المنظورة لا بد للقيادة الإدارية من توظيف أفضل العناصر البشرية والعمل على تحفيزها على القيام بالعمل وان تسمح لهم بإنجازه بطريقتهم الخاصة، بمعنى آخر، لكي يصبح المدير ناجحا عليه القيام بعملية بحث عن المواهب سواء من داخل التنظيم أو من خارجه، إن نجاح الوزارة في تحقيق جودة أدائها الوظيفي الذي بات على مرأى ومسمع من العامة من الناس، هدف قامت عليه إستراتيجية الجودة التي بدأتها وزارة الداخلية من خلال استحداث إدارة للجودة تعنى بوضع خطة تطوير شاملة ضمن إستراتيجيتها للنهوض بخدمات الوزارة على المستويين الأمني والإداري، وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف أسندت المهام لمن هم أهل لها وتم توظيف الكفاءات من المنتسبين للوزارة والاستعانة ببيوت خبرة ذات سمعة دولية في مجال التطوير والإصلاح الإداري، إن نجاح وزارة الداخلية في تحقيق معايير جودة عالية في خدماتها الأمنية الإدارية سبقتها مراحل إعداد ودراسة واستطلاع آراء الجمهور من داخل الوزارة وخارجها بهدف الوصول لأعلى معايير الجودة من الخدمات المقدمة للعامة، وهو هدف كلي وضعته قيادة الوزارة نصب عينيها وحرصت على أن لا يقل مستوى الجودة في الخدمات عن المرتبة الأولى او الثانية فنالت المرتبة الأولى بامتياز، إن ما تحقق من إنجاز من الجودة في أعمال الوزارة من خدمات إدارية وأمنية نتاج لإعادة توجيه إستراتيجية تبلورت من خلال بناء آلة بشرية حيوية ساهمت بالدفع بقوة لآلة العمل، فقادة العمل الجيدون يخلقون تصورا ما، ثم تتضح لهم معالمه ثم يمتلكون ذلك التصور ويندفعون إلى تحقيقه بعزم لا يلين، وعلى الرغم من ان القادة الإداريين في الداخلية يتميزون بالصلابة بحكم الطبيعة العسكرية للمهنة، إلا أنهم منفتحون يتنقلون هنا وهناك في جميع أقسام الوزارة للوصول إلى العاملين وجمهور العامة ولا يلتصقون بالقنوات الإدارية، واتصالهم مع العاملين والجمهور مباشر، وسهولة الوصول لهؤلاء القادة مباشرة وذلك يمثل بالنسبة لهم عقيدة دينية لا يحيدون عنها، ولا يملون من الاستماع لوجهات النظر والآراء المرتدة إليهم.. حدد القادة الأهداف الكلية، ووكلت لمن هم أهل لها، فكان الإبداع والتميز، إن كلية الشرطة المرتقبة، ستصبح عند بدء الدراسة فيها، منارة علم ومعرفة للعلوم الشرطية تحديدا والعسكرية عامة، وستساهم في تعزيز ثقافة الأمن والسلام لكافة شرائح المجتمع. في إحدى مؤسسات القطاع العام أنشئت إدارة لوضع إستراتيجية وطنية لمرحلة قادمة، أسندت إدارة تلك المؤسسة المهام لخريج شريعة يعاونه خريج لغة عربية، الطاقم المساعد ما بين الابتدائية والإعدادية وفنون الطبخ، إدارة أشبه بفرقة موسيقية يمارس فيها الطبال دورالراقصة، والراقصة تعزف الناى، وعازف الناى يرقص، ليخرج اللحن نشازا كانهم مجموعة من الغربان، وحتى تبلغ الإدارة رشدها وتوكل المهام لمن هم أهل لها، علينا أن نسمع مكرهين لا ابطال لمايسترو الفرقة (أم ترتل).

قادة الادارة صنفان، حكيم يؤتى الحكمة فيغرف من فكره وحكمته المرؤوسون ويدفع بالمؤسسة الى تحقيق أهدافها ومنها جودة المخرج من خدمات وسلع، والحكيم " تاييشى " يمثل هذا الصنف من قادة الادارة ' صاحب نظرية (كايزن) والتى تقوم على فلسفة التغيير فى مؤسسات الأعمال والادارة نحو الأفضل والأحسن فى قيادة المنظمات، فالقيادى المبدع ليس بالشخص الذى يشغل منصبا قياديا فى المنظمة الادارية كشاغلى المناصب من مديرى ادارات عندنا كالخشب المسندة كأنهم أعجاز نخل خاوية وانما كما يقول الحكيم تاييشى، ان المدير المبدع فى التنظيم هو من يشغل المؤسسة بالأنشطة التى تؤدى بها الى تحسين أدائها باستمرار، وصنف سقيم فى فكره كالمرأة العجوز التى لا تلد، أينما يوجه لا يأتى بخير كالصنم لا يسمع ولا ينطق ولا يقدر باتيان فعل نافع أو دفع الضر، فمثله مثل الأبكم لا يفهم ولا يفهم عنه، ان نظرية كايزن والتى جاء بها الحكيم تاييشى أحدثت ثورة فى البيروقراطيات الغربية حيث أحدثت النظرية تغييرا جذريا فى سلوك قادة منظمات الأعمال التى أخذت بالنظرية موضع التطبيق ورفعت من كفاءة العاملين والتى انعكست بدورها على الانتاجية وجودة الخدمات فحققت بذلك أرباحا طائلة فى ميزانياتها السنوية، تقوم النظرية على أربعة أسس للتغيير نحو الأفضل فى السلوك الوظيفى والمؤسسى (١) — (اتخاذ القرارات بصورة جماعية ).. وهنا أتساءل.. كم من قرار يستشار فيه الموظف من قبل مسؤوله قبل أن يتخذ فى حقه، واقع حال الموظفين فى مؤسسات الادارة العامة عندنا يذكرنى بمشهد طريف فى احدى مسرحيات دريد  لحام عندما اتصل بمسؤول الاسعاف طالبا منه توفير سيارة اسعاف لنقل زوجته الحامل الى المستشفى، فسأله المسؤول عن صفته فأجاب غوار بأنه مواطن، فرد المسؤول (طز )، هكذا ينظر الى الموظفين فى حال اتخاذ قرار يمسهم فى التنظيم من قبل المسؤولين (٢) — التوظيف مدى الحياة ).. غالبا ما يرتبط العمر الوظيفى للموظف بمزاج المسؤول الأعلى فى الوزارة والذى يمثله (الوزير )، جامعة قطر من الجهات التى لجأت الى الفصل التعسفى بحق القطريين سواء فى كادرها التعليمى أو الاداري، ففى غياب استراتيجية بعيدة المدى والتى تعانى منها مؤسسة الادارة العامة القطرية تصبح مزاجية المسؤول الأعلى (الوزير) هى الوسيلة التى يلجأ اليها ذلك المسؤول فيما يتعلق ببقاء الموظف أو عزله وتقليص درجته الوظيفية (٣) — التعليم والتدريب المستمران.. غالبا ما ينظر الى التدريب كفسحة يقضيها الموظف بعيدا عن مقر عمله خاصة اذا مسؤوله المباشر لا يحظى بشعبية من قبل مرؤوسيه، ويلجأ بعض المسؤولين الى الحاق الموظف الأعلى منه فى الدرجة العلمية لأنه يشكل مصدر  ازعاج فيشغله بدورات تدريبية لا حاجة له فيها، خاصة وأن غالبية مديري الادارات الحكومية لا يحملون سوى الابتدائية أو الاعدادية، فالجاهل عدو جهله (٤) — الادارة الأبوية الحنونة.. للعلاقات الانسانية فى العمل مفعول السحر على العاملين فهى تزيد من انتاجية العامل وتزيدهم ولاء  للمؤسسة، الا أن فشل بعض قادة الادارات فى الخدمة المدنية فى توظيف هذا العنصر أوجد حالة من الشرذم فى علاقات الموظفين مع رؤسائهم، فالموظف يلعن مديره، والمدير يلعن مسؤوله الأعلى، والمسؤول الأعلى يسخر من مرؤوسيه ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين.. ٦٧ زخرف ).

يطرح "PAUL M COOK" مؤسس شركة Raychem، للصناعات الجوية والفضائية والاتصالات الأمريكية، نظريته في قيادة المؤسسة سماها "الإدارة بالتجوال"، تتلخص النظرية في قيام القائم على رأس الهرم الإداري في مؤسسة خاصة أو قطاع عام (وزير، وكيل وزارة، مديرو الإدارات)، بالاتصال بنفسه يوميا بالموظفين أو من خلال وحدة "العلاقات العامة"، ليسألهم، كيف أنجزت الأعمال؟ وما هي النتائج المستهدفة التي تحققت؟ نظرية تضع القيادة على مسافة قريبة من التابعين في المؤسسة تمنحها فرصة التعرف على الأفكار التي يحملها العاملون والتي يمكن أن تسهم في تحقيق أداء أفضل وبالتالي جودة في أعمال المؤسسة من مخرجات، نظرية تحفز العاملين على إبقاء عملية الإبداع لديهم مستمرة، في تحليله لنظريته تلك، يقول PAUL M Cook: إن نظرية الإدارة بالتجوال تمنح القادة الإداريين بناء شبكة من العلاقات الإنسانية مع العاملين في المؤسسة ومد خطوط اتصال مباشرة معهم من خلال تجواله في الوحدات الإدارية يتعرف على مواطن القوة والضعف في سلوكه القيادي عن طريق الآراء المرتدة مباشرة من مرؤوسيه وبالتالي تقليل مساحة الخطأ والنقد الذي قد يدفع به للقيل والقال وكثرة سؤال منتقديه من قبل الجمهور الداخلي، ناهيك عن النقد الذي قد يتعرض له من جمهور المتعاملين من خارج المؤسسة الذين ترتبط مصالحهم بمؤسسته التي يرأسها أو (الوزارة)، بالإضافة إلى ذلك تتيح النظرية للقيادة الإدارية التعرف عن قرب على مؤهلات وخبرات المنتسبين لوزارته أو المؤسسة التي يرأسها، حيث معرفته تلك تعينه على حسن اختياره في تعيين الأكفاء في مناصب قيادية، وفي بلد تتسع فيها دائرة الحريات الإعلامية تصبح آراء العامة المرتدة على ضعف الأداء المؤسسي رصاصة رحمة يوجهها الجمهور للقيادة الإدارية، وما لم يتدارك رأس الهرم الإداري (القيادة) تلك الآراء ويعمل على تصحيح سلوكه الوظيفي كقائد إداري؛ فإنه بذلك قد شرع في دق آخر مسمار في نعشه، في إحدى مؤسسات القطاع العام (وزارة) ومنذ أن تولى أحد العاملين فيها حقيبتها الوزارية بلغت نسبة التسرب الوظيفي فيها قرابة 30 % من كادرها المؤهل من دون أن يكترث ذلك القيادي القائم على رأس هرمها الإداري لتلك النسبة والعمل على الحد منها !!؟؟، وبدأ مؤشر الأداء السلوكي لقيادة تلك المؤسسة في الهبوط الحاد مما أوجد حالة من التذمر والسخط لدى المنتسبين للمؤسسة وأصبح القائم عليها حديث العامة في مجالسهم ولسان حالهم ينطق بالدعاء "اللهم عجل زواله القريب"، وقد أزيل ذلك المسؤول عن رأس الهرم أو قل ـ إن شئت ـ (خلع). تبرز النظرية بحسب تحليل مُنظرها، أهمية دور إدارة العلاقات العامة في التنظيم الإداري كحلقة وصل ما بين القمة والقاعدة من جمهور التنظيم الإداري الداخلي، وهم الموظفين والخارجين وهم العامة ممن ترتبط مصالحهم بالتنظيم الإداري، وهذا يتطلب بأن يكون موظف العلاقات العامة على درجة عالية من التأهيل العلمي ولديه قدرة على التحليل الإحصائي كي يتمكن من رصد الظواهر الإدارية وترجمتها إلى لغة الأرقام، والتي تعطي بدورها مؤشرات تعين القيادة الإدارية من إتخاذ قرارات مبنية على معايير علمية وموضوعية واضحة المعالم، إلا أن واقع الحال في بعض من مؤسسات القطاع الحكومي (الوزارات) مغاير تماما بالنسبة لقادتها الإداريين وكذلك الحال بالنسبة لإدارة العلاقات العامة فيها، قادة إداريون يعيشون في غياهب الجب عن مرؤوسيهم ووحدات للعلاقات العامة يرأسها ويعمل فيها ملأ لا يكادون يفقهون حديثا عن أبجديات العلاقات العامة، هم لحاشية الملك أقرب من كونهم موظفي العلاقات العامة، حملوا من اوزار مديريهم لا يدركون من الفعل غير تهيئة مصعد (الوزير) وتجهيز موائد البوفيهات وحمل متاع الملك في حله وترحاله وإصدار بيانات الشجب والإنكار ضد منتقدي الأداء الوظيفي والمؤسسي "لبئس ما كانوا يفعلون"، إين دور العلاقات العامة في رصد ظاهرة التسرب الوظيفي؟ أين هي الدراسات والأبحاث التي تمكن من وضع استراتيجيات إدارية بعيدة المدى تحقق جودة في المخرجات؟ ما هي مؤهلات القائمين على إدارة الاستراتيجيات في التنظيم؟ ماذا أضاف مدير العلاقات العامة من رؤى وأفكار من شأنها إضافة قيمة إدارية لعمله؟ إن نظرية "الإدارة بالتجوال" يتطلب فهمها قادة خبروا بعلوم الإدارة وتمرسوها لا قيادات أقل ما توصف بأنها "صم بكم عمي" وهم كل على التنظيم.