رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أمل عبدالملك

[email protected]
@amalabdulmalik

مساحة إعلانية

مقالات

642

أمل عبدالملك

عودة للغة العربية

12 يناير 2025 , 02:00ص

في إجازة نهاية السنة زارت إحدى صديقاتي العربيات المهاجرة للدنمارك الدوحة لأول مرة وأُعجبت بل وقعت في غرام الدوحة ومرافقها وخدماتها وبنيتها التحتية ونظامها وأماكنها السياحية، وأشادت بالحكومة الرشيدة التي جعلت من قطر جنة الأرض، ناهيكَ عن السلام والأمان الذي شعرت به هي وعائلتها وهم يقومون بالجولات السياحية في الدوحة، ودعت الله ان يديم علينا الأمن والأمان والازدهار وأن يحفظ الله قطر من كل شر، ولكنها عبّرت عن مشاعر الاستياء عن عدم استخدام اللغة العربية في الأماكن العامة وأن اللغة الإنجليزية هي اللغة السائدة في التعاملات وقارنت ذلك مع الدنمارك حيث تعيش بأنهم يحرصون على التحدث بلغتهم وتعزيزها عند الأجيال الجديدة رغم تعلمهم اللغة الإنجليزية، كما لاحظت أن كثيرا من العائلات العربية والقطرية يتحدثون مع أبنائهم الصغار في الأماكن العامة باللغة الإنجليزية ويهملون العربية، وهذه الملاحظة ربما اغلبنا يلاحظها وسبق أن عبّرت عن استيائي عنها، فالأطفال يتحدثون لغة عربية ركيكة نتيجة التركيز على اللغة الإنجليزية أكثر، فهم يدرسون في مدارس أجنبية وفي البيت تعاملهم مع المربيات والأم كذلك بالإنجليزية مما ينشئ الطفل بعيدا عن اللغة العربية وما يتبعها من قيم ومبادئ أصيلة وإسلامية وعربية وهذا يتطلب جهدا أكثر من العائلة في غرس العادات والتقاليد الإسلامية.

ومما لا شك فيه أن اللغة العربية تواجه بعض التحديات التي قد تؤثر على انتشارها واستخدامها، فمثلاً استخدام اللغات الأجنبية في مجالات التعليم، التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي بالتأكيد يؤدي إلى تقليل الاعتماد على اللغة العربية، ويعد النزعة إلى اللهجات المحلية واستخدامها بشكل متزايد، خاصة في وسائل الإعلام الاجتماعية والترفيه، قد يؤثر على الفصحى، مما يُعرّض الفصحى إلى التهميش، وللتعليم في بعض البلدان، دور مهم وذلك لعدم تدريس اللغة العربية بشكل كافٍ، مما يؤدي إلى تراجع مهارات القراءة والكتابة لدى الأجيال الجديدة، كما ساهم انتشار العولمة في نشر ثقافات ولغات أخرى، مما قد يؤدي إلى تآكل الثقافات واللغات المحلية بما في ذلك العربية، وقلة المحتوى العربي المتميز على الإنترنت مقارنة باللغات الأخرى قد يؤثر على جذب الشباب لاستخدام العربية، بالرغم من انتشار اللغة العربية والتي يتحدث بها أكثر من 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم باعتبارها لغة القرآن الكريم، وتعتبر الفصحى اللغة الرسمية المستخدمة في الإعلام والتعليم والأدب، بينما تعبر اللهجات المحلية عن الفخر بالتراث الثقافي لكل منطقة، فهذا التنوع يعكس أساليب الحياة والعادات والتقاليد، وكل ذلك يجسد غنى الثقافة العربية.

وتلعب اللغة العربية أيضًا دورًا هامًا في الأدب والفنون، فقد أبدع الأدباء والشعراء العرب في شتى العصور، معبرين عن مشاعرهم وأفكارهم باستخدام جمالية اللغة العربية، من الجاحظ إلى نزار قباني، وأحدث الأدب العربي تأثيرًا كبيرًا على الثقافة العالمية، إذ يمتاز بأسلوبه الفريد وبلاغته، مما جعله محط اهتمام لدراسات الأدب في جميع أنحاء العالم.

وفي عصر التكنولوجيا الحديثة، لا يمكن إغفال أهمية اللغة العربية في العالم الرقمي أيضًا، فإن زيادة المحتوى العربي على الإنترنت وتوافر منصات التعليم الإلكتروني باللغة العربية يعمل على جعل المعرفة متاحة للجميع، كما أن وجود المبادرات التي تعزز تعلم اللغة العربية عبر الانترنت، يساهم في الحفاظ عليها وتعزيز استخدامها.

وتولي دولة قطر اهتماما كبيراً باللغة العربية، حيث تعتبر اللغة العربية جزءا أساسيا من هويتها الثقافية والوطنية، ويظهر اهتمامها في التعليم، حيث يتم تدريس اللغة العربية في جميع مستويات التعليم الحكومي، من المدارس الابتدائية إلى الجامعات، كما تتوفر برامج تعليمية خاصة لتعزيز اللغة العربية وآدابها، كما تأسست العديد من المؤسسات والهيئات الثقافية في قطر لتعزيز اللغة العربية، حيث تُعقد فعاليات وورش عمل ومحاضرات تروج للغة، وتشجع دولة قطر على تعلم اللغة العربية بالمسابقات والجوائز حيث تنظم مسابقات أدبية مثل مسابقات الشعر والكتابة باللغة العربية، وكذلك تُقدم جوائز لتشجيع الأدباء والكتاب العرب، وتحرص الدولة على تنظيم الفعاليات الثقافية ومعرض الكتاب التي تركز على الثقافة العربية، مثل مهرجان «كتارا للرواية العربية» ومهرجان «الدوحة للكتاب».

ويبقى دور الأسرة هو الأهم في المحافظة على اللغة العربية، فالجهود يجيب أن تكون مشتركة بين الافراد والمجتمعات والحكومات، وتعليم الأبناء اللغة العربية يجب أن يولي اهتماما أكبر من الأهل كما يمكن أن تلزم وزارة التربية والتعليم العالي المدارس الخاصة بزيادة حصص اللغة العربية والشرعية لينشأ الطلاب أكثر وعياً بدينهم وتمسكاً بتعاليم دينهم ولغتهم العربية، وأن يحرص الأهالي على مخاطبة أبنائهم باللغة العربية ويبتعدوا عن اللغات الاجنبية التي يمكن أن تكون مقتصرة على وقت الدراسة أو عندما يحتاجون التواصل فيها مع جنسيات غير عربية.

اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي سيدة في عالم المعاني والألوان الثقافية، إن المحافظة على هذه اللغة وتعزيز استخدامها تعد واجبًا جماعيًا لضمان استمرار الهوية العربية وتطور الثقافة في عالم متغير. إذ تبقى اللغة العربية رمزًا للكرامة والقيم الإنسانية، مما يجعلها أحد أهم المكونات التي يجب أن تحافظ عليها المجتمعات العربية. تَعّلم اللغات الأجنبية مهم جداً ويفتح آفاقاً أكثر ولكن لا خير فيمن يجهل لغته الأصلية وهويته العربية ويتمسك بلغة وثقافة دخيلة عليه.

مساحة إعلانية