رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

813

د. فاتن الدوسري

دول الخليج والحكم الرشيد

08 يونيو 2025 , 01:30ص

حققت دول مجلس التعاون الخليجي طفرة مذهلة في كافة المجالات خلال العقد الماضي، ومن المنتظر أن تتضاعف هذه الطفرة إلى خمس مرات خاصة على الصعيد الاقتصادي بحلول عام 2030. وأثار هذا بالطبع جدلاً كبيراً خاصة في الغرب حول مكمن السر في هذه الطفرة المذهلة في دول مصنفة غربياً على أنها "غير ديمقراطية"، ولماذا دول الخليج تحديدا إذا كان الأمر ليس ذا صلة بالديمقراطية؟

وكلمة أو مكمن السر هو "الحكم الرشيد" الذي برعت فيه دول الخليج بصورة لا مثيل لها.

تعددت تعريفات الحكم الرشيد، وبين هذه التعريفات، تعريف عام شامل مفاده "أسلوب في الحكم أو إدارة الحكم أو الشأن العام يرمى إلى استغلال جميع موارد الدولة أفضل استغلال من أجل تحقيق هدفين رئيسيين: التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية". وبناء على هذا التعريف، تقتضى ممارسة الحكم الرشيد تطبيق أو إرساء عدة معايير أهمها:

مكافحة صارمة للفساد، القضاء على البيروقراطية، وبناء مؤسسات مرنة رشيقة، تطبيق الشفافية والرقابة الإدارية، المساءلة الشاملة، حكم القانون، المشاركة في اتخاذ القرار، الاعتماد على الكفاءات والخبرات.

عند قراءة رؤى مجلس التعاون الخليج مثل رؤية قطر 2030 على سبيل المثال، نجد أن إرساء تلك المعايير تم التأكيد عليه كأولوية أساسية في كافة المجالات المستهدفة بالتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، وإن كان مرمى الرؤى الرئيسي هو ذلك بالضبط، علاوة على رفع مكانة الدولة كدولة عظمى في النظام الدولي عبر التفوق والمنافسة على المراكز الأولى عالميا في كافة المجالات حتى المجالات التي حقق فيها الغرب اختراقا كبيرا كالفضاء والبيئة والتعليم والرياضة.

وهذا يجعلنا نصدق مؤشرات وتوقعات المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي المتعلقة بالتنمية في الخليج بحلول 2030 على أقل تقدير. إذ بحسب هذه التقديرات ستحتل قطر المركز الأول عالميا في مؤشر الرفاهية دون منافس، وفى مكافحة الفساد والطاقة النظيفة مع الدول الإسكندنافية، والثالث عالميا في جودة التعليم، والإمارات تتصدر عالمياً في النزاهة الإدارية، والمناخ الجاذب للاستثمار، ومن العشرة الكبار في مجال الفضاء والطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة، والسعودية الثالث عالميا في جذب الاستثمارات والكفاءة الإدارية، ومن العشرة الكبار في المجال الصحي والرياضي وجودة التعليم والذكاء الاصطناعي.

وكل من البحرين والكويت وسلطنة عمان، ستحتل مراكز متقدمة عالميا في مجالات الكفاءة الإدارية ومحاربة الفساد والتجارة البحرية والتعليم.

* إن ما تحققه دول الخليج من طفرة مذهلة عبر الحكم الرشيد، يفاقم من الجدل في الغرب خصوصاً حول الديمقراطية في الخليج ومستقبلها، والعلاقة بين الحكم الرشيد والديمقراطية، إذ هناك حالة من الذهول حول كيف تحقق هذه الدول تلك الطفرة المذهلة التي من الصعب تحقيقها دون حكم ديمقراطي، بل تفوقت على كثير من الدول الغربية. والواقع أن هذا الجدل، أو بفضل تجربة الخليج في الحكم الرشيد، قد كشف الكثير من المغالطات المزمنة عن الديمقراطية ذاتها.

وتتبدى المغالطة الأولى في تصوير الديمقراطية على أنها أفضل نظام للحكم والطريق الوحيد الذي لا بديل عنه للتنمية والعدالة والاستقرار واحترام حقوق الإنسان وغيرها، وذلك عبر ممارسات معينة مسلم بها على رأسها التداول السلمي للسلطة، وحرية الصحافة والرأي والتعبير، والفصل بين السلطات خاصة استقلال القضاء.

لا جدال بأن الديمقراطية من أفضل نظم الحكم التي عرفها التاريخ، لكنها ليست مثالية، وفى بعض الأحيان تكون مثالبها مدمرة.

* أما المغالطة الثانية فتتعلق بإمكانية بل بضرورة تعميم الديمقراطية وآلياتها والمبادئ الليبرالية الحاكمة لها على العالم، دون مراعاة للخصوصية الثقافية والاجتماعية للدول. وواقع الأمر أن تلك المغالطة تتبدى بجلاء في الدول الغربية ذاتها، فمستوى أو ما يسمى جودة الديمقراطية متباينة بشدة بين الدول الغربية العريقة، ففي بعض البلدان الأوروبية تعانى المرأة أشد معاناة في تولى مناصب قيادية، وفى الولايات المتحدة لا يسمح للمتجنس بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وفى فرنسا لا بد أن يكون المرشح للرئاسة فرنسي الجنسية "كاثوليكي المذهب"، ومرجع كل ذلك الخصوصية الثقافية لكل دولة التي لا تسمح على الإطلاق بتطبيق ديمقراطية ليبرالية خالصة.

* والمغالطة الثالثة المتعلقة بلب الحكم الرشيد تتعلق بفرضية "لا تنمية اقتصادية دون ديمقراطية"، من حيث المبدأ يمكن القول إن مرتكزات الحكم الرشيد لدول الخليج، لا تعكس فقط مبادئ الديمقراطية السياسة والاقتصادية، بل تتفوق عليها أيضا. لا سيما في مسألة دولة الرفاهية وعدالة التوزيع، فالديمقراطية الاقتصادية ذاتها لا تلبى كليهما بالشكل الكافي أو المرجو، بل أسهم ما بات يطلق عليه "النيوليبرالية المتوحشة" في نفور حاد من الديمقراطية وكراهية شديدة للتجارة الحرة والعولمة انعكست في الصعود الصاروخي لليمين المتطرف.

** خلاصة القول، قدمت أو برهنت دول الخليج للعالم عبر الحكم الرشيد إمكانية تحقيق التنمية والرفاهية والعدالة الاجتماعية لمستويات مذهلة غير محققة في معظم الدول الغربية، في ظل خصوصية اجتماعية وثقافية تتم فيها ممارسة الديمقراطية تعكس هذه الخصوصية.

مساحة إعلانية