رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

492

د. أحمد المحمدي

الضغوط الخارجية وقلق الداخل

06 أكتوبر 2025 , 01:28ص

من سنن الله في خلقه: أن يحيى الإنسان في دار ابتلاء، فلا يخلو عمره من ضغوط.

تلك تكاليف الحياة وطبيعتها: عمل وأسرة، علاقات ومطالب، تفاصيل صغيرة تتراكم حتى تثقل النفس. ليست هذه علامة على سوء الحظ، بل على حقيقة الوجود: أنك مخلوق في دنيا دار اختبار، لا جنة قرار.

والقوة أن ندرك أنّ هذه الضغوط ليست عدوّاً يُستأصل، ولكنها قدر محتوم يجب أن يُستقبل بالإيمان. فبدلاً من الهروب منها أو إنكارها، يكون الوعي بها وقبولها بداية الحصانة الداخلية، التي تمنح القلب طمأنينة وثباتاً في مواجهة العواصف.

ثانياً: حين يتسرب الضغط إلى الداخل

المصيبة ليست في الخارج، ولكن في الداخل. هناك من يجعل من الحدث المرهق وقوداً لنهوضه، وهناك من يفتحه على نفسه باباً للقلق والوسواس، حتى يصبح أسيراً لردود فعله.

انظر مثلا إلى قضية النقد في العمل؛ قد يكون عند مؤمن فرصة لمراجعة وتزكية، وقد يكون عند ضعيف النفس مصدراً لهدم ثقته بنفسه. 

الحدث واحد، ولكن الاستقبال يختلف باختلاف القلب. فمن عمر قلبه باليقين، جعل من الضغوط سلّماً، ومن خلا قلبه من المعنى صار عبداً للقلق والوهم.

ثالثاً: بناء الحصانة الداخلية

الحماية ليست في نفي الضغوط، فهذا أمر خارج عن إرادتنا، بل في تقوية الداخل، وصيانته بالإيمان والعمل الصالح. ومن سُبل ذلك:

1. إعادة التفسير بالإيمان: أن ينظر إلى كل ما يجري بأنه امتحان من الله، فيه عبرة وفرصة للتعلم.

2. مجاهدة الخواطر: أن يطرد وساوس السوء، ويستبدلها بذكر الله، وآياته التي تنير البصيرة.

3. تحقيق التوازن: في العمل والراحة، فإن لنفسك عليك حقاً، وإن لبدنك عليك حقاً، والراحة عبادة إن نويت بها التقوّي على الطاعة.

4. المرونة الإيمانية: تقبّل الخسارة والفشل كجزء من قدر الله، والتسليم بأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

ومن وسّع أفقه على حكمة الله في قضائه، صغرت في عينه أثقال اللحظة، واستراح قلبه برضا ربه.

رابعاً: الأزمة في الداخل لا في الخارج

كالقبطان أمام الرياح، لا يملك أن يوقفها، ولكنه يملك أن يوجه شراعه. كذلك المؤمن، لا يملك نفي الضغوط، ولكنه يملك أن يجعل منها طريقاً إلى الله.

خطوات عملية لإحكام “أشرعة الداخل”:

• الذكر والدعاء: فاللسان إذا انشغل بالتسبيح والتحميد والتهليل، اطمأن القلب وخمدت ثورته.

• تنظيم الوقت: فإن كثيراً من القلق وليد الفوضى، والمؤمن مأمور بحسن التدبير: “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا”.

• صحبة صالحة: تبث فيك العزم، وتذكرك بالله إذا نسيت، وتخفف الحمل عنك بالمشاركة والمساندة.

• الصلاة والقيام: فهي صلة بالله، وراحة القلب، وبها يلقى العبد الطمأنينة التي لا تمنحها الدنيا.

خامسا: نحو طمأنينة أعمق

ليست الطمأنينة فراغاً من المشكلات، ولكنها سكينة يهبها الله لعبده، تمكّنه أن يثبت وسط العواصف. 

إن كثيراً من الناس يظنون راحة البال تعني انعدام الأزمات، وهذا وهم؛ فالابتلاء جوهر الحياة. لكن المؤمن يجعل من المحنة منحة، ومن الشدة طريقاً إلى رفعة.

القلق: جرس إنذار لا عدو

القلق في أصله ليس شراً محضاً، بل هو نذير ينبهك أن تعود إلى الله، أو أن تعدّل مسارك. 

فالخطر حين يتحول إلى وسواس دائم يقعدك عن السير، أما إذا استُقبل بروح إيمانية، صار دافعاً لمراجعة النفس والعودة إلى الجادة.

الضغوط كوقود للنمو

كم من عظيم صنعته محنة! وكم من إنجاز وُلد في رحم بلاء!

• الفشل يوقظ ملكة الإبداع.

• الخسارة تعلم قيمة العطاء والشكر.

• المرض يذكر بفناء الجسد، ويدفع إلى إعادة ترتيب الأولويات.

وهكذا لا تكون الضغوط صخرة تسحق، بل هي وقود يرفع المؤمن درجات عند ربه.

ملامح الإنسان المتوازن

المؤمن المتوازن ليس من نجا من المنغصات، ولكن من صاغ منها عبادة ومعنى.

• يواجه بثبات مستعيناً بالله، ولا يكتم مشاعره البشرية.

• يتألم، نعم، لكن يجعل من ألمه زاداً إلى الطاعة.

• يسقط أحياناً، لكن يقوم وقد تعلم من سقطة واحدة ما لا يتعلمه من سنين رخاء.

إنه يعيش حياة أعمق، لأن كل تجربة عنده لبنة في بناء صرح إيمانه.

خطوات عملية نحو طمأنينة أعمق

1. إعادة التفسير بالإيمان: اسأل نفسك أمام كل ضغط: ماذا يريد الله أن يعلّمني من هذا البلاء؟

2. التركيز على الممكن: اعمل فيما تملك، ودع ما لا سلطان لك عليه لمدبر الكون.

3. تنظيم الطاقة: نومٌ بنية التقوي على العبادة، وحركة تحفظ الجسد، وراحة ترد القلب إلى الطاعة.

4. المرونة الذهنية: تقبّل التغيير كجزء من قدر الله، فخسارة اليوم قد تكون مقدمة لفوز أعظم غداً.

إن الطمأنينة لا تعني غياب الرياح، ولكن حسن ضبط الأشرعة بقوة الإيمان، فالضغط ليس نقمة، بل فرصة يفتحها الله لعبده ليكتشف نفسه من جديد، ويزداد قرباً منه، ومن فهم هذه الحقيقة لم ينتظر البحر حتى يهدأ، بل يجعل من العاصفة قوة تدفعه نحو شاطئ أرحب من اليقين، وأوسع من الطمأنينة.

مساحة إعلانية