رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

1811

لليوم العاشر.. ليل غزّة ملبّد بالصّواريخ ونهاره شاهدٌ على المجازر 

19 مايو 2021 , 04:10م
alsharq
من العدوان الإسرائيلي على غزّة
غزة - حنان مطير

قبل أن تصل اللقمة لأفواههم، وصل الصاروخ الصهيوني لبيت عائلة "أبو داير " ودمره فوق رؤوسهم ليسقطوا جميعًا، منهم الشهداء ومنهم الجرحى، ويبقى الطعام والأطباق شاهدًا على لقمةٍ لطّختها الدّماء دون أن تصل للأمعاء.

كان زياد أبو داير"54 عامًا"، قد نجا من المجزرة التي حلّت بشارع الوحدة بمدينة غزّة قبل بضع ليالٍ، ورأى أن ينتقل لبيت أخيه ظنّا منه أنه أكثر أمانًا، ليلاقي قدَره في البيت الذي ظنّه آمنًا، ويستشهد مع أولى الضربات التي أصابت بيتهم بعد قصف بيت عائلة "الشوّا" المقابل، ويترك ابنه الوحيد يتحسّر على فراقِه.

بالأمس ذهبتُ إلى فراشي البارد ومشهد أطباق عائلة "أبو داير" والطعام الممزوج بغبار الصاروخ ودخانِه الأسود يلاحق مخيلتي، فيما صغيري ذي الخمسة أعوام يُكوِّر نفسَه على الفراش ويلفّ ذراعيه حول رقبه جدته تارةً ويقول لها "الله يحميكي" ثم حول رقبتي ويدعو لي بالمثل، فنطبع على وجهه ويديه الكثير من القبلات ونُطمئنه أننا في أمان وفي دواخلنا نخفي الكثير من الوجع والذعر والدمعات.

كنتُ أسترق غفوة من ليلنا المُلبّد بالصواريخ، لكن سرعان ما كانت تجتاحُ غفوَتي قذيفةٌ تسقط في مكان ما شمال قطاع غزة حيث أعيش،  فيقفز قلبي وتجحظُ عيناي وعيون كل من حولي، بعد أن أوجَعتْ ودمّرتْ وتركَتْ خلفها آثار الإجرام والمجازر في الشرق أو الغرب أو الجنوب.

لا يكمن الوجع في تلك القصة فقط، ففي كل بيت أو شارع أو مؤسسة طالتها آلية الاحتلال العسكرية قصة مليئة بالحكايات والذكريات والخير والفرح، مليئة بالحب والأمل،  جميعها باتت تحت الأنقاض تناجي العدل والرحمة، فمكتبة "منصور" العريقة لا تنفك تباغتني مع كل ضربة صاروخ أسمعها حولي، فهي التي لطالما أذهَلَتْني، فأبحرتُ بين أقسامِها المختلفة وسافرتُ إلى سحر عوالمِها، ما بين الأدب والتاريخ والفن والعلوم وغيرها، كان شغفًا يلحّ عليّ بلمس كل كتابٍ مصفوف على أحد رفوفِها، وفتحه واشتمام رائحته وإن لم أكن أريد شراءه، تلك الكتب العظيمة باتت اليوم مدفونةً تحت الأنقاض، محروقةً بعدة صواريخ صهيونيّة حاقدة ما انفكّت تُدَمّر كل ما يمكن أن يبني حضارةً ويُعمّر. 

كانت نقطة الالتقاء مع صديقات جامعتي الإسلامية، "أين أجدُك يا حنان؟ عند مكتبة منصور، من أين سننطلق؟ من مكتبة منصور، من أين حصلتِ على هذا الكتاب الرائع؟ من مكتبة منصور، لقد انتهت "منصور" بقذائف الظلم والجور، وحلّت العتمة مكان العِلمِ والنور، فهل من فرقٍ بين صهيونيّ ومغول؟!

يقف صاحبُها فوق الأنقاض ويجمع بعض الكتب التي نجت من القصف، يُلملمُها وينفض غبار الموت عنها بعد أن ضاع مصدر رزقه وسرّ سعادته وأمله، يجمعها وإن لن تفيده في شيء، إنما هي شيء من رائحة أعظم ما كان يمتلك.

ذلك الانقضاض الإجراميّ على المكتبة ومن قبلها على عددٍ من المدارس ومؤسساتٍ للثقافة والفنون وعلى قرية الفنون والحِرَف ومبنى الكتيبة الذي كان من المقرر تحويله لمكتبة وطنية عامة ليس سوى فشل وإفلاس سياسي وعسكري، ما دامت هدفًا عسكريًا لجيش الاحتلال.

إفلاس في المساء وإفلاس في الصباح يروح ضحيته الأبرياء من أهل قطاع غزّة، ففي الصباح حاول الاحتلال كعادته قصف الحقيقة وكتمها  من خلال قتل الصحفيين ليلحق بموكب الشهداء فارسًا جديدًا من فرسان الحقيقة وهو الشهيد يوسف أبو حسين المذيع بإذاعة الأقصى حيث قصفت الصواريخ بيتَه وسجل الاحتلال جريمته الجديدة مع طلوع شمسٍ جديدة، وما إصراره وتعمده استهداف المقار الإعلامية والصحفيين إلا اعتراف بالهزيمة.

مساحة إعلانية