رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ربما لم يذق شعب سوريا الشقيق طعم الفرحة منذ سقوط نظام بشار، سوى في هذا اليوم الذي أُعلن فيه عن رفع العقوبات عن سوريا، ذلك الحدث الذي عبّرت عن أهميته علامات التأثر في وجه وزير الاقتصاد السوري نضال الشعار على الهواء خلال مقابلة تلفزيونية، وهو يوجه برقيات الشكر للأطراف التي أسهمت في هذا الحدث، وهو يختتم حديثه قائلا: العالم سيندهش بالسرعة والدقة التي سيقوم بها السوريون بنهضة بلادهم.رفع العقوبات بالفعل حدث جلل، يتصور أنه سيكون مرحلة تاريخية فارقة في حياة السوريين، وانطلاقة قوية لبناء الاقتصاد السوري وتحسين الأحوال المعيشية لهذا الشعب الذي ذاق الأمرّين خلال حكم عائلة الأسد. وما أن تم الإعلان من قلب العاصمة السعودية الرياض ومن خلال القمة الخليجية الأمريكية عن إلغاء العقوبات عن سوريا، حتى سجلت الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي في السوق الموازية ارتفاعا بنسبة 10 % على الأقل. رفع العقوبات عن سوريا، يعني أن تصبح الأسواق مفتوحة أمام السلع والبضائع الأساسية الغذائية والدوائية خاصة، وتيسير الحصول عليها، لرفع معاناة المواطن السوري، بعدما كانت تفرض عليها قيود مشددة. رفع العقوبات عن سوريا يعني تدفق أموال السوريين في الخارج إلى ذويهم، فتستفيد الدولة، ويتحسن وضع العائلات في نفس الوقت. رفع العقوبات عن سوريا، يعني تدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال من كل حدب وصوب، وبهذا يفتح المجال أمام إعادة الإعمار والقيام بمتطلبات البنى التحتية التي تضررت من الحرب، فتحدث طفرة في بناء المؤسسات التعليمية والصحية وإعادة تأهيل الطرق. يترتب على ذلك القضاء على البطالة واستيعاب الطاقات الهائلة للشعب السوري الذي يتميز بالوعي والثقافة والإنتاجية التي شهدت عليها نجاحاته في المشروعات الصغيرة التي أنشأها السوريون خارج حدود الوطن. كما يترتب على ذلك تنشيط الإنتاج المحلي في قطاعات مختلفة وخاصة الزراعة والصناعة بعد تيسير الحصول على المواد الخام، وفتح الطريق أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي. البطل الأول لهذا الإنجاز هو الشعب السوري، الذي تحمل كثيرًا وصبر كثيرًا حتى سقط النظام، ثم التف حول قيادته الجديدة وشد عضدها وساندها في منع تفتيت البلاد. الحديث عن هذه البشريات ليس استدبارًا أو تنصلًا من حكمة «لا تبغ فراء الدّب قبل صيده»، إذ إن البعض يطرح مخاوفه بشأن مدى التزام ترامب بما أعلنه في قمة الرياض، ويرى أن هذه الفرحة ينبغي أن تؤجل لحين دخول الوعود حيز التطبيق. وربما يعزز من تلك المخاوف، تجربة السودان في مسألة رفع العقوبات عنها والتي أعلنتها الولايات المتحدة في 2017، ثم تلاشت أحلام السودانيين بقرارات أمريكية بتجديد العقوبات. لكن ما يطمئن السوريين ويطمئننا جميعًا على دخول هذا القرار حيز التنفيذ، أن الأوضاع في سوريا تختلف عن نظيرتها في السودان، فعلى الرغم من أن هناك تطلعات انفصالية في سوريا، إلا أن الإدارة الجديدة تعاملت مع هذه الملفات بحكمة، وجنّبت البلاد شرور الحرب الأهلية، خلافا للسودان الذي يشهد اقتتالا داخليا بين الجيش والوطني وميليشيات الدعم السريع. أضف إلى ذلك أن هذا القرار جاء وفق جهود ومباحثات وتفاهمات مع البيت الأبيض، لعبت دول السعودية وتركيا وقطر دورًا كبيرًا في إنجاحها، فهناك إذن ثلاث دول ذات ثقل سياسي واقتصادي لها شراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة، ترعى هذا القرار، فمن ثم تنعقد الآمال عليها في إنجاح وتفعيل وتطبيق هذا القرار. فترامب بحاجة إلى هذه الدول في البناء الجديد للتحالفات الذي يسعى إليه لإنشائه، والذي يرتكز أكثر ما يرتكز على المصالح الاقتصادية. لذلك نقول في ارتياح أنه يحق للسوريين أن يفرحوا دون إرجاء لفرحتهم، ونسأل الله أن يمكن لأهل سوريا من إعادة بناء وطنهم، وأن يفرج الكرب عن الأشقاء في غزة واليمن والسودان وسائر بلاد الأمة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
828
| 18 مايو 2025
عندما طرح يوسف عليه السلام نفسه أمام ملك مصر لتولي الشؤون المالية للبلاد، قدم مسوغات التعيين {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } [يوسف: 55]. قال الإمام ابن كثير في تفسيره: «{حفيظ} أي: خازن أمين، {عليم} ذو علم وبصر بما يتولاه»، فقد جمع مع مؤهل الأمانة والنزاهة مؤهلا آخر يتعلق بالقدرة والقوة وهو مؤهل العلم. وعندما طلبت إحدى ابنتي شعيب من أبيها استئجار موسى عليه السلام بعدما سقى لهما، بيّنت مؤهلاته لهذه المهمة {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } [القصص: 26]، فاستدلت على قوته برفعه الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال، واستدلت على أمانته بأنه أمرها أن تمشي خلفه فإذا حاد عن الطريق قذفت حصى ليهتدي بها، وذلك صونا لحيائها من أن ينظر إليها وهي تسير أمامه. وفي قصة سليمان عليه السلام، يخبرنا القرآن عن ذلك الاجتماع الذي دار حول عرش بلقيس، واستطلاع سليمان الرأي لمن يستطيع الإتيان بعرشها، تقدم عفريت من الجن للمهمة ومعه مؤهلاته {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39]. العامل المشترك في هذه المواقف القرآنية، هو اجتماع عنصري القوة والأمانة للتصدر في الأمور العامة وتولي مسؤوليات الآخرين، وهما المؤهل الذي ينبغي توافره فيمن يريد أن يكون جزءًا من أي عملية نهضوية. هذا بدوره يقودنا إلى حقيقة هامة، أنه لا يكفي أن يكون المرء صالحا ملتزما بشرع الله (أي حاز مؤهل الأمانة) حتى يتولى المسؤوليات العظيمة، فلابد وأن يجتمع إليه القدرة والمهارة التي يتطلبها القيام بأمر الناس (أي مؤهل القوة). هذه الحقيقة كانت ماثلة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى سبيل المثال يشيد بجانب الأمانة لدى الصحابي أبي ذر الغفاري فيقول: (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر)، وهو نفس الصحابي الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم من تولي الإمارة حيث قال له: (يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، فلا تولين إمرة اثنين). فهو وإن كان تقيا ورعا صالحا، به ضعف فيما يتعلق بالقيام على المسؤوليات العامة للناس، ووفقا للمعايير النبوية، قاد خالد بن الوليد رضي الله عنها جيشا فيه من الصحابة من هم أكثر منه تقوى وورعا، ذلك لأنه فاقهم في وضع الخطط الحربية والقدرة على إدارة المعارك. فهذا معيار لا ينبغي أن يتخلف فيمن يتولى أمور الناس (القوي الأمين)، حتى في الوظائف الحكومية لابد من اعتبار هذا المعيار، فالموظف إن كان صالحا أمينا وله مع ذلك ضعف دراية بالعمل، سيكون عمله قاصرا، وإن كان صاحب مهارة وقدرة لكن له مع ذلك فساد في الأمانة والورع والدين، فسوف يكون تعيينه بهذا المنصب وبالا على العمل وبابا للشر قد فُتح، وحدِّث ولا حرج عن الرشوة والاختلاس واستغلال المنصب في التربح ونحوه. وعبر مراحل التاريخ الإسلامي لم يطرح العلماء الصالحون أنفسهم لحكم البلاد وفيها من هم على قدر أقل من الصلاح والدين، لكنهم في الوقت نفسه أقدر على سياسة البلاد، نظرًا لأن العلماء غالبا يكونون منغمسين في العلم النظري والبحث والقياس، بعيدين عن دهاليز السياسة ومنعطفاتها، لذلك كان العلماء يقومون بدور المراقب والضابط لأداء السياسي، كما كان حال العز بن عبد السلام مع السلطان سيف الدين قطز، والقاضي شداد مع صلاح الدين الأيوبي، وغيرهم. معيار القوة والأمانة هو الأساس في كل من يتصدر لشؤون الناس والمسؤوليات الجسام، بدءًا رأس الدولة وانتهاءً بأصغر عامل فيها، وإن اعتماد مؤهليّ القوة والأمانة في الاختيار هو الأساس في صناعة أي نهضة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
687
| 11 مايو 2025
غالباً ما يكون توجيه الكاتب الناشئ نحو طريق الكتابة مقتصرًا على الأدوات والمقومات المادية من رافد ثقافي وتدريب عملي على قوة الصياغة ونحوه، ومع أهمية ذلك وكونه أساسا في تكوين شخصية الكاتب وصقل موهبته وتحقيق طموحاته، إلا أن هناك صفات معنوية لا ينبغي تجاهلها، بل ينبغي توعية الكاتب المبتدئ بأهميتها ولزومها لمسيرته بشكل دائم، أدوّن ثلاثا منها في هذه السطور. فلابد للكاتب ابتداءً من أن يكون صاحب رسالة، لا صاحب قلم جلّ طموحاته أن يقرأ لنفسه مقالا في الصحف والمواقع أو يطبع له كتاب يتنقل بين معارض الكتاب فحسب، فالكلمة أمانة ومسؤولية، لابد لها من رسالة تضبط مسارها وتدعم استمرارها وتوجه صاحبها إلى غايات كبرى سامية. وليس هناك للكاتب من رسالة أسمى من انتشال الناس من ظلمات الجهل إلى المعرفة، والإسهام في تنشئة الوعي والنهوض به في الأمة، وبناء إنسان يرتبط بالسماء وفي الوقت ذاته يقطع السبل في الأرض نحو البناء الفعال الذي ينسجم مع مهمة الاستخلاف في الأرض والقيام بحق العبودية لله تعالى. إن اتصال الكلمة المكتوبة بالحق الذي أراده الله، يصنع منها أداة بناء خالدة، ونحن بلا شك نعيش في عصرنا هذا على مبادئ وقواعد وأنماط وأفكار خلدتها كلمات اتصلت بالسماء، وها هنا يطالعنا الأديب عبد الوهاب عزام رحمه الله بقوله: «ولن تخلد الكلمة على الأجيال إلا إن اتصلت بالحق والخير، وكان لها من قوانين الله في خلقه سند، ومن إلهامه لعباده مدد». الصفة الثانية التي لابد وأن تتوافر في السائر على درب الكتابة، هي العاطفة الحية، فكما يقال: ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المُستأجرة، وكلما سيطرت على الكاتب عاطفة حية متقدة وتفاعل قوي مع أزمات الأمة وأحداثها الجسام، وكلما احترق قلبه على أحوال الإنسانية بشكل عام، وتملكته رغبة صادقة في الإسهام بتغيير الواقع السيئ، كلما أحدثت كلمته التأثير في الجماهير، لذلك قال يحيى بن معاذ رحمه الله: «أحسن شيء: كلام رقيق، يستخرج من بحر عميق، على لسان رجل رفيق». ثالث هذه الصفات، هي الصبر والمثابرة، فالكاتب يحتاج إلى ذلك طيلة مسيرته في الكتابة، يحتاجها في إلزام النفس بواجب علمي وعملي في القراءة والمطالعة والتدريب، ويحتاجها في التخلص من الحال التي يصاب بها المبتدئ غالبا وهي انتظار الإلهام حتى يحرك القلم، فبالصبر والمثابرة يخرج الكاتب من سجن هذه الفكرة، وتصير لديه القدرة على أن يكتب ويبدع حتى وإن كانت نفسه تأبى. ومن المعلوم أن الصبر كغيره من الصفات أمر جبلي مركوز في تكوين الإنسان كل بحسب درجته، لكن من المقطوع به أيضا أن هذه الصفة يتم اكتسابها، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف: (ومن يتصبر يصبره الله)، وفي حديث آخر (إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه)، فدل على أن الصفات قابلة للاكتساب والتغيير، وإلا لما جاءت الوصايا النبوية بتحسين الأخلاق. فطريق الكتابة شاق وطويل، يحتاج إلى نفس طويل، ولذا ينبغي على من يتأهل للكتابة أن يوطن نفسه على طول أمد التدريب، وعدم التصدّر قبل التحضّر، فذلك أدعى لعدم السقوط. كما يحتاج إلى الصبر والمثابرة لتحمل الأذى الذي يأتيه ممن يخالفه الرأي والمنحى، فكما قال الإمام سفيان الثوري وغيره: «رضا الناس غاية لا تُدرك»، فما من أحد قد اجتمع عليه الناس، الله جل جل جلاله لم يجتمع كل البشر على الإيمان به، وكذلك الرسل والأنبياء، وكذلك كل العلماء والأدباء والمفكرين، فمن ثم يتعرض الكاتب للنقد والتجريح والتشويه والنيل من عرضه من قبل بعض المخالفين، فلا ينجيه من ذلك إلا الصبر. فهي ثلاث نصائح لكل من هَمّ بسلّ قلمه مرتادًا طريق الكتابة، عسى الله أن يجعل فيها الفائدة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
603
| 04 مايو 2025
عاقل الأندلس، هكذا لقّب الإمام مالك تلميذه يحيى بن يحيى الليثي الذي تفقه على يده في المدينة، وسبب تلك التسمية، أن يحيى كان يومًا في مجلس الإمام، فقال قائل: قد حضر الفيل، فخرج طلاب مالك لينظروا إليه عدا يحيى، فسأله: مالَك لم تخرج فترى الفيل - لأنه لا يكون في الأندلس- فقال له يحيى: إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم من هديك وعلمك، ولم أجئ لأنظر إلى الفيل، فأعجب به الإمام مالك ولقبه بعاقل الأندلس. والمتأمل في هذا النعت الذي أضفاه مالك على تلميذه، يدرك أنه استحقه بأمر لا يحسن الكثيرون الالتزام به، ألا وهو التركيز على الهدف دون الالتفات إلى الصوارف والشواغل التي تجعله يحيد عنه. إنما حياتنا مُترعة بالأفيال التي تعترض سبلنا في كل وقت وفي كل مكان وفي كل مجال، وتشغلنا بالالتفات إليها عن التركيز على تحقيق أهدافنا. فابتداء من حقيقة الخلق العظمى يبدأ عمل الأفيال، فالإنسان يدرك أنه جاء إلى هذه الحياة لغاية تحقيق العبودية لله والقيام بمهمة الاستخلاف، ومع ذلك يلتفت عن هذا الهدف الذي يترتب عليه مصيره الأبدي، وربما قضى حياته في التعاطي مع هذه الصوارف وكأنها الغاية الكبرى. على سبيل المثال، فريضة كالحج الذي هو ركن من أركان الإسلام، تعترض الحجيج أفيال كثيرة، فترى كثيرا منهم ينشغلون في هذه الرحلة المباركة بتوثيق كل خطوة عن طريق الجوال، أو يولون جولات شراء الهدايا اهتماما مبالغا فيه، أو ينصرفون عن التركيز على تحقيق هدفهم بالمشاحنات والمنازعات. والأمر يمتد إلى كل مجالات الحياة، ما من هدف للإنسان إلا وتتراءى أمامه الأفيال التي تشغله عن التركيز على أهدافه. في العمل والتكسب، يتعرض المرء مثلا للانشغال عن التركيز في العمل والإنتاج وتكوين الثروة، بالنظر إلى الأثرياء الذين يتربحون بمجهود أقل وعوائد أكثر غزارة، فيصاب بالإحباط وتفتر همته، مع أن الأولى به أن يركز في عمله ويبرع فيه ليكون طريقا له إلى الثروة التي قد يصل بسببها إلى تحقيق نفس المعادلة: مجهود أقل وعائد أكبر. في المنزل، قد ينشغل الأبوان عن تربية الأبناء على الالتزام بتعاليم الدين والأخلاقيات والفضائل والقيم، وهي لُبّ مهام الوالدين، بالتركيز على توفير سبل الترفيه بشكل مبالغ فيه، حتى لا يقال انهم أقل من أقرانهم. والمتصدر للشأن العام بالتوجيه والقيادة والتثقيف ونحوه، ربما ضعف تركيزه على مهامه وأهدافه، بكثرة الالتفات إلى النقد الموجه إليه، وخوض معارك جانبية لا تصب في تحقيق هدفه. وقد ينشغل صاحب العمل الإصلاحي الذي يحتاج إلى نفس طويل، عن التركيز على عمله بالانصراف إلى التفكير بالنتائج المستقبلية، أو عدم وجود ثمرة آنية. كلها أفيال تعترض أهداف الإنسان، فإما أن يستجمع همه في التركيز على تحقيق أهدافه دون الالتفات إليها، وإما أن يخضع لنداءاتها فيرجع في النهاية بخفي حنين. العاقل ذو الهمة العالية، لا يحيد عن التركيز على تحقيق أهدافه، ويطرح الانشغال بالأفيال جانبا، وقد كتبت سابقا عن نور الدين محمود زنكي سلطان الشام، وكيف أنه كان يعمل على هدف تحرير الأقصى، فكان كل تركيزه على هذا الهدف رغم الضعف والخور والشتات الذي ضرب أوصال الأمة، حتى أنه قد أمر ببناء منبر ليضعه في الأقصى بعد التحرير، حتى قال العماد الأصفهاني في أمره: «»فكان حاله وهو يأمر بالبناء ويصنعه، كحال نوح عليه السلام وهو يصنع الفلك، كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه». فعمل على هذا الهدف دون الانصراف إلى الأفيال، على الرغم من أنه لم يدرك تحقيق هذا الهدف في حياته. استجماع الهمة للتركيز على تحقيق الهدف دون الالتفات إلى الأفيال هو سبيل الارتقاء واستثمار الأعمار فيما ينفع، فإذا عرفت فالزم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
729
| 27 أبريل 2025
أيهما سابق للآخر: الاحتلال أم المقاومة؟ ذلك هو السؤال الذي ينبغي أن نطرحه عند التفكير بشأن اشتراط الحكومة الإسرائيلية نزع سلاح المقاومة الفلسطينية من أجل وقف إطلاق النار. تحرير هذه المسألة يضع الأمور في نصابها، ويضع كذلك الجاني والضحية كل في مكانه، فلولا أن هناك احتلالا غاشما جاسمًا على صدور الفلسطينيين منذ عام 1948، لما وُجدت المقاومة المسلحة بالأساس. فلسطين هي الدولة الوحيدة في العالم التي وقفت عند حدودها القاعدة المتفق عليها في كل الأعراف الدولية، وهي الحق المشروع للشعوب في الكفاح المسلح لنيل حريتها واستقلالها. لقد فرض الاحتلال والراعي الأمريكي في ظل الخور العربي، رؤية جديدة تتعلق بالصائل الصهيوني وأصحاب الأرض، مفادها أن المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين هي أعمال عدائية لضرب عملية السلام. أعترف بأن الاحتلال قد نجح في اجتزاء الأحداث الراهنة من سياقها التاريخي، فأُسقطت الخلفية التاريخية لها، فلم يعد ينظر إليها على أنها عدوان واحتلال بدأ منذ ثمانية عقود ارتكبت فيه قوات الاحتلال أبشع الجرائم، وتمددت في أرض أصحاب الحق، بل غدا تقييم الموقف منزويا عند توقيت انطلاق عملية طوفان الأقصى، التي تم تصويرها على أنها بداية العدوان وذبح السلام، ومن ثم فإن الرد الإسرائيلي كان منطقيًا، وترتب عليه أن تدفع المقاومة ثمن هذه الحماقة وترضخ لهذه الشروط، هكذا يفكر بعض المنبطحين من أمتنا. أليس أمرًا مضحكًا أن المحتل الذي يمتلك السلاح النووي وأعتى ترسانة أسلحة في المنطقة، يشترط على أصحاب الأرض نزع أسلحتهم التي ليس فيها ولا بينها طائرات أو دبابات أو مدرعات أو قطع بحرية؟ ذكرني ذلك بما قرأته عن حقبة الاحتلال البريطاني لفلسطين، حيث حظرت بريطانيا على الفلسطينيين أصحاب الأرض حيازة السكاكين الطويلة، في الوقت الذي كانت تُسلح وتدرب عصابات الهاجاناه والإرجون وشتيرن اليهودية الدخيلة. ويقينًا لو لم تمتلك المقاومة سوى السكاكين لأراد الاحتلال نزعها. كل من يرضى أو يدعو المقاومة إلى نزع سلاحها، لو سألته ماذا لو احتل العدو بلدك واعترفت به الدول الكبرى والأمم المتحدة؟ لأجاب قطعًا: الشعب سيدافع عن أرضه بكل ما أوتي من قوة، ولتذهب الأمم المتحدة وكل قوى العالم إلى الجحيم. مسألة المقاومة ليست مسألة جزئية في فلسطين، ولا تتعلق بفصيل له توجهاته الفكرية، إن المقاومة فكرة مشروعة، وترجمتها إلى إجراءات واقعية للتحرير حق مشروع، سواء قاد زمامها حماس أو فتح أو أي كيان فلسطيني، سواء قاد زمامها مسلم أو مسيحي، فهي قضية عامة تتعلق بحق أصيل مكفول بالشرائع السماوية والدساتير الأرضية، وهو حق الشعوب في نيل استقلالها. تسليم المقاومة سلاحها يعني أنها تدفن رأسها في الرمال وتعمى عن النظر إلى التجارب القريبة السابقة، فكل من رضي بأن يسلم سلاحه لعدوه كان بانتظاره مصير مشؤوم. في ثمانينيات القرن الماضي وافقت منظمة التحرير على تسليم أسلحتها بعد حصار بيروت، مقابل الخروج الآمن وبضمانات دولية، فارتكب الاحتلال بعدها بأيام قليلة مجزرة صابرا وشاتيلا. أوكرانيا ورثت ترسانة نووية ضخمة عن الاتحاد السوفييتي وكذلك صواريخ عابرة للقارات، لكنها استجابت لضغوط دولية بالتخلي عن النووي، فوقعت عام 1994 على مذكرة بودابست مع أمريكا وروسيا وبريطانيا، بتسليم كامل ترسانتها إلى روسيا، مقابل احترام سيادة أراضيها، وها هي الآن تتسول الغرب في حمايتها من الروس. في حرب البوسنة في التسعينيات، وعدت الأمم المتحدة بحماية سربرنيتسا وجعْلها منطقة آمنة مقابل نزع سلاح القوات البوسنية، ولم يتم في المقابل نزع سلاح الصرب، فكانت النتيجة تعرضت المدينة لأبشع مجازر العصر على مرأى ومسمع القوات الدولية، والأمثلة كثيرة. فالاحتلال الذي يشترط نزع سلاح المقاومة، إنما يطالب الفلسطيني بتقييد يديه ليقوم هو بذبحه. سلاح المقاومة حق للشعب الفلسطيني وليس حقا لحماس أو أي من الفصائل، ولا يحق لهذه الفصائل أن تتخلى عنه ما بقي السبب الذي من أجله رفعت السلاح، وهو الاحتلال الصهيوني الجائر، والذي لم يجلسه على طاولة التفاوض يومًا سوى ذلك السلاح، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1323
| 20 أبريل 2025
عندما عُرض على يوسف عليه السلام في سجنه رؤيا الملك لسبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، قام بتأويلها كما جاء في القرآن الكريم: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 47 - 49]. المُلاحَظ في تأويل يوسف عليه السلام لرؤيا الملك، أنه لم يكتف بتفسيرها، بل قدم إليهم حلا عمليا لمواجهة هذه المجاعة، وهو ترك ما يحصدونه في سنابله لئلا يفسد أو يأكله السوس، وهذا أدعى لبقائه فترة طويلة، فلا يأخذون منه إلا القليل بمقدار الحاجة. هذا المشهد القرآني يمثل منهجية في التعامل مع الأزمات الفردية أو الجماعية، وهي عدم الاقتصار على عرض المشكلة أو تفسيرها أو إفاضة البيان في أبعادها، وإنما الزيادة على ذلك بطرح الحل العملي للخروج من الأزمة أو حل المشكلة. فرعٌ عن القصور في التعامل مع المشكلات بدون تقديم حل عملي، اعتقاد البعض أن الدعاء وحده كافٍ في رفع الأزمات سواء الخاصة أو العامة. الدين الذي حثّنا على التمسك بالدعاء والتزامه، هو نفسه الدين الذي أمرنا أن نأخذ بالأسباب المادية، فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر أن هذه الأمة تنتصر بضعفائها وتضرعهم، كان يخوض المعارك بنفسه ولم يكتف بالدعاء. وفي معركة بدر كان على مشارف القتال يُلح على ربه في الدعاء حتى أشفق عليه الصديق أبو بكر، كان ذلك وهو يرتدي ثياب الحرب وعُدّتها، ولم يقتصر على الدعاء بل أخذ بأسباب النصر المادية. وهذا هو ما استقر في وجدان سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الدين، فهذا هو الإمام الشعبي من فقهاء التابعين الذين ولدوا في خلافة الفاروق عمر رضي الله عنه، يمر بإبل قد أسرع فيها الجرب، فَقَالَ: يا فتيان: ألا ترون إبلكم هذه؟ قالوا: إن لنا عجوزاً نتكل على دعائها؛ قال: أحب أن تضيفوا إلى دعائها شيئاً من القطران. والبعض ينسب هذه القصة لعمر بن الخطاب نفسه، لكنني لم أقف عليها، والشاهد أن الشعبي دعاهم مع الاعتماد على الدعاء إلى الأخذ بما يسره الله من أسباب مادية هي بالأساس من نعم الله التي علمها عباده، وهو دهن بدن الإبل بالقطران للقضاء على الجرب. وقطعًا ليس هذا تقليلا من شأن الدعاء وأهميته، فهو سلاح المؤمن في كل الأوقات، لكن المذموم هنا هو الاقتصار على الدعاء وحده دون الأخذ بالأسباب المادية، فالبعض لا يقدم شيئا عمليا تجاه الأزمة الضارية التي يعاني منها أهل غزة، ويكتفي بالتضرع والدعاء من أجلهم ليريح ضميره، مع أن بإمكانه أن يقوم بخطوات عملية على طريق نصرة أهل غزة، سواء بالعمل الإغاثي، أو بالتفاعل مع القضية عن طريق مواقع التواصل ونقل صورة المعاناة إلى العالم، أو بالمشاركة في أية فاعليات عامة تقوم من أجل معاناة القطاع، أو حتى بالحديث مع من يقعون في دائرة نفوذه أو تأثيره حول هذه القضية لئلا تخفت جمرتها في النفوس. إن الاكتفاء بالدعاء وحده يصلح فيما إذا كان المرء لا يستطيع أن يقدم شيئا عمليا، وانقطعت به الأسباب، فحينها لا يُلام على هذا المسلك، أما الاكتفاء بالدعاء واعتباره هو كل شيء لمواجهة الأزمات، فهذا من شأن المتواكلين الذين يشبهون أهل البطالة في بطالتهم رغم القدرة على العمل وطلب الرزق من الله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
675
| 13 أبريل 2025
أعاد تنصيب الشيخ أسامة الرفاعي مفتيًا عاما لسوريا إلى المشهد قضية الخلاف التاريخي المعروف بين الحنابلة (أو الذين يُعبر عنهم حاليا بالسلفية) والأشاعرة، حيث إن الشيخ الرفاعي أشعري العقيدة. قامت الدنيا ولم تقعد، وعلت أصوات لم تقدم شيئا لقضايا الأمة سوى التنظير وإطلاق الأقلام بالنقد والتقويم على الأرائك تحت المبردات، منددة بهذا العمل الشنيع الذي قام به الرئيس أحمد الشرع عندما اختار مفتيا أشعريا متصوفا. مشكلة هؤلاء المتنطعين إن سلمت نواياهم، هي الانفصال عن الواقع الذي يعيشون فيه، ولا يفرقون بين المجالس الفقهية التي تُبحث فيها المسائل الخلافية، وشؤون الدولة التي تعتمد أكثر ما تعتمد على السياسة الشرعية والفقه المقاصدي وفقه المصالح والمفاسد. الشرع قد أصبح رئيس دولة، ولا ينبغي أن يكون رئيسا إقصائيا طائفيا، فاختار لهذا المنصب رجلا من أهل الثقة والعلم والنضال، فما الغضاضة في ذلك؟ وإن كان هناك اختلاف في مسائل اختلف فيها الأولون فإن حكم الحاكم يرفع الخلاف. لا أدري هل يترك أحمد الشرع عالما من رموز الثورة المناضلين الذين واجهوا ظلم بشار لأنه أشعري، وينصّب واحدا من علماء لا تتجاوز أبصارهم كتب الفقه والعقيدة والحديث؟! سيجيب المتنطعون: نعم يترك تنصيب الرفاعي لأنه أشعري المذهب مخالف لأهل السنة. فأقول لهؤلاء المتنطعين: إذن، لا تأخذوا العلم عن البيهقي، ولا النووي شارح صحيح مسلم، ولا ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري، ولا العز بن عبد السلام، ولا ابن الجوزي، ولا الباقلاني، ولا البيضاوي، ولا الآمدي، ولا فخر الدين الرازي، ولا ابن عساكر، ولا الشهرستاني، ولا القاضي أبي بكر بن العربي المالكي، ولا أبي حامد الغزالي، ولا إمام الحرمين أبي المعالي الجويني، ولا النيسابوري، وغيرهم الكثير، فهؤلاء من الأشاعرة، كذلك العديد من قادة الإسلام كانوا أشاعرة أبرزهم صلاح الدين الأيوبي الذي توحد المسلمون تحت رايته في تحرير القدس من براثن الصليبيين. وإن كنت بشكل شخصي أتجه لمذهب الحنابلة في الاعتقاد، إلا أنني أقول: إن الخلاف بين الأشاعرة والحنابلة يدور في فلك أهل السنة والجماعة، ومن يُخرج الأشاعرة عن أهل السنة والجماعة فهو ضيق الأفق، فصلب اختلافهم في مسائل حول صفات الله، كل منهم ذهب فيها باجتهاده، لكن أصحاب الفريقين في النهاية قد أرادوا تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه، وهو بحث يطول ليس هذا موطنه. ولا يفوتني في هذا المقام أن أذكر بأن شيخ الأزهر ومعظم علماء هذا الصرح العلمي التاريخي هم من الأشاعرة، ولا يستطيع أحد أن ينكر علمهم وفضلهم والاعتداد بآرائهم الاجتهادية. إن تفجير هذا الخلاف وإعادته يفرق هذه الأمة ويشتت شملها في وقت هي أحوج ما تكون إلى الوحدة والائتلاف، وليست أزمات الأمة قليلة أو هينة حتى تتحمل مثل هذه الزوبعات التي تثار كل وقت وحين. فلا أدري كيف يثيرون مثل هذه القضايا التاريخية في ظرف تُباد فيه غزة، وتُستهدف فيه سوريا من كل صوب، وتُقصف فيه اليمن وبيروت، وأمريكا تحرك قواتها إلى المنطقة التي يعربد فيها الكيان الصهيوني، ثم يأتي المتنطعون بعد هذا كله ويثيرون الفتنة لأن الشرع نصب مفتيا أشعريا!. إننا في هذه المرحلة الحرجة بحاجة إلى التقارب والبحث عن المشتركات، لا التنافر والطنطنة حول مواطن الخلاف، بحاجة إلى تغليب المصالح العليا للأمة، لا تغليب النظرة الجزئية الضيقة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1977
| 06 أبريل 2025
نشأ عن السينما فرع آخر أكثر واقعية وارتباطاً بالمنفعة البشرية، إضافة إلى أبعاده الترفيهية، وهو الفيلم التسجيلي أو الوثائقي، ويعرف وفقا للموسوعة البريطانية أنه نوع من الأفلام السينمائية غير الروائية، بمعنى أنه لا يتضمن قصة ولا خيالا، وهو يتخذ مادته السينمائية من واقع الحياة، فيصور هذا الواقع ويفسر حقائقه المادية أو يعيد تكوين هذا الواقع وتعديله بشكل يعبر عن الحقيقة الواقعة، هادفا بذلك إلى تحقيق غرض تعليمي أو غرض ترفيهي. ويرتكز هذا الفن على ثلاث قواعد: الأولى: التعامل مع عناصر واقعية ملموسة ليست من نسج الخيال، وتكون القصة هي المكان والمكان هو القصة، حيث تتناول مظاهر الحياة المتعددة بمحيطها الواقعي. الثانية: توظيف عناصر الواقع لتفسير القضية أو الحدث، حيث يجرى تنظيم المادة على ضوء دراسة متأنية وفهم الواقع فهما عميقا. الثالثة: عدم الاقتصار على الوصف السطحي للحدث أو القضية، وإنما يقدم الموضوع في قالب جذاب. ولدت السينما التسجيلية في أواخر القرن 19، على يد الأخوين الفرنسيين لوي وأوغست لوميير، حيث قدما عرضا عنوانه "الخروج من مصانع لوميير ووصول قطار إلى محطة لاسبوتات"، في مدة لا تتجاوز دقيقتين، ويظهر فيه قطار يصل إلى محطة، وعمال يخرجون من مصنع، وبذلك كانا أول من اخترع الفيلم الوثائقي، كما قام الأمريكي إيدسون بوضع حجر الأساس لما يعرف بالسينما الإثنوغرافية عندما قدم سلسلة من الأفلام عن رقصات الساموا الهندية واليهودية. مع تراكم الخبرات، تحولت السينما التسجيلية أو الوثائقية من مجرد تصوير مشاهد حية إلى فن يعبر عن وجهة نظر صاحبه، فتنوعت هذه الصناعة في مناهجها وموضوعاتها وتوجهاتها، حيث عرضت أفلاما وصفية وتحليلية وأفلاما تناقش أحوال البسطاء، وأخرى في النقد الاجتماعي، والتنمية البشرية. ورغم اعتمادها بصورة أقل على جانب الإمتاع البصري والسمعي مقارنة بالسينما، إلا أن التقدم التكنولوجي قد أتاح لمجال الأفلام التسجيلية والوثائقية الدخول في مرحلة جديدة من مراعاة تلك الجوانب الترفيهية والإمتاعية. وقد تم استغلال الفيلم التسجيلي في الدعاية السياسية في النظم الديكتاتورية، سواء في الاتحاد السوفييتي أو ألمانيا النازية، وعلى سبيل المثال: أخرجت ليني ريفيستاهل فيلما بعنوان "انتصار الإرادة"، كان الهدف منه إلقاء الضوء على جوانب البطولة في شخصية الزعيم النازي هتلر، وأثناء الحرب العالمية الثانية، أنتجت معظم الدول أفلاما حربية، تجسد الآثار المدمرة للحرب بتمويل حكومي في معظم الأحيان. وعلى الرغم من أن المخرج الأمريكي مايكل مور يؤكد أن السينما التسجيلية استطاعت الخروج عن عزلتها، إلا أنها تواجه العديد من التحديات، أبرزها التمويل، وانكفاء وسائل الإعلام عن تغطية مثل هذه النوعية من الأفلام. إن أهمية طرح موضوع الأفلام التسجيلية والوثائقية يكمن في أنها تعد مجالا لبناء الوعي الثقافي وتعزيز الانتماء الوطني والتنشئة الاجتماعية والتنمية البشرية والارتباط بالتراث والتاريخ، إلا أنه لم يأخذ حقه من الاهتمام والتطوير في مجتمعاتنا العربية. والمعروف والمشاهد في العالم العربي، أن الفيلم الروائي يلقى اهتماما إعلاميا ودعائيا كبيرا أكثر بكثير من الفيلم التسجيلي، بينما في الدول الأوروبية يأخذ الاهتمام بالفيلم التسجيلي ذات الاهتمام بالفيلم الروائي أو قريبا منه، ومن ناحية أخرى يلجأ الفيلم الروائي للإنفاق على الحملات الإعلانية لكسب الجماهير ويخصص لها ميزانية، وهو الشيء الذي لا يتوافر في الفيلم التسجيلي. ضعف الاهتمام العربي بالفيلم الوثائقي يرجع برأيي إلى سلوك رأس المال الذي يتجه غالبا لتحقيق الربح دون أن يكون الشأن العام ضمن أولوياته، وفي الوقت نفسه لا يمكن الاعتماد على التمويل الحكومي لمثل هذا المجال في ظل استيعاب الميزانيات العامة لمجالات أهم تتعلق بالضرورات المعيشية والحياتية كالصحة والتعليم وقطاعات الزراعة والصناعة ونحوها، خاصة في الدول العربية الفقيرة. كما أن الجزء التثقيفي هو الأبرز في تلك النوعية وليس الترفيه، وهو لا يمثل ذروة اهتمام شرائح مجتمعية متعددة، إضافة إلى أن الإنتاج السينمائي يتعلق بالمردود السياسي وبالمنفعة الآنية أكثر. هي إشارة لكل من يهمه الأمر، على الصعيد الرسمي أو الجماهيري، عسى أن يتم الاهتمام بهذا النوع من الأفلام، والذي يمكن أن يحدث طفرة علمية وثقافية في المجتمعات العربية، إذا توافرت له الإمكانات اللازمة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
648
| 30 مارس 2025
ودّعت الأمة قبل أيام العالِم الجليل أبا إسحاق الحويني، ذلك الرجل الذي اشتهر بغزارة العلم والتفاني في خدمة السنة النبوية، واشتهر كذلك بعفة اللسان وتبسيط البيان لعامة المسلمين، وذلك بعد صراع مع المرض دام عدة أعوام، تاركا إرثا عظيما من العلم المكتوب والمسموع. يقول الله تعالى: (وما تدري نفس بأي أرض تموت)، فالله تعالى قد اختار تراب قطر لكي يواري جثمان هذا الشيخ، حيث صلت عليه الجموع في مسجد محمد بن عبدالوهاب ودُفن في مقابر مسيمير في الدوحة. ما زلنا نذكر قبل أشهر، أن التراب نفسه قد وارى جثمان القائد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وهو التراب نفسه الذي وارى جثمان العالم الفقيه الدكتور يوسف القرضاوي قبل عامين ونصف العام. ما أكثر الدعاة والعلماء من شتى الأقطار، والذين فتحت لهم قطر الأبواب، وعاشوا على أرضها مُكرمين مُعززين، منهم العلماء والدعاة، ومنهم من أبناء التيار الإسلامي، ومنهم المنتمون إلى حركات المقاومة المشروعة، بما يضعنا أمام ذلك السؤال: لماذا تحتضن قطر كل هؤلاء؟ إن الإجابة على هذا السؤال تكون بطرح سؤال مضاد: ولماذا لا تحتضن قطر هؤلاء؟ قطر تفتح أبوابها للجميع، لذلك اشتهرت بلقب كعبة المضيوم، وتنفرد بسمة انعدام تلك الحساسية الشديدة التي تعاني منها معظم الدول العربية تجاه الدعاة والعلماء. رؤية قطر في عدم إغلاقها الأبواب أمام العلماء والدعاة نابعة من رؤية أعم، وهي سياسة الباب المفتوح تجاه الجميع، فلا تمانع في القبول بوجود أي شخصية من أي المشارب كانت، طالما أنها مسالمة، ولن تعكر صفو السلم الأهلي. قطر لا تقبل بوجود الإرهابيين والتكفيريين والمخربين، بل هي عضو فاعل في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. وفي المقابل، ترى قطر أن الإسلاميين المعتدلين ليسوا أعداء، وأن الانفتاح على ذلك التيار وإقامة علاقات متزنة مع فصائله واتجاهاته المختلفة، أفضل من التضييق عليها أو محاربتها ودفعها خارج المسار السلمي. بل تؤمن قطر بأن استثمار هذه العلاقة مع الإسلاميين تدفع باتجاه التقارب مع الغرب وانفراج العلاقات بين الشرق والغرب وبين الإسلام وغيره، ما يعتبر استثمارا في صناعة السلام. لقد مكنت هذه الرؤية دولة قطر من نجاح وساطتها في حل النزاعات، منها: الوساطة بين طالبان وأمريكا لتبادل الأسرى، والوساطة في إنهاء أزمة راهبات معلولا، والوساطة للإفراج عن الصحفي الأمريكي بيتر ثيو كيرتس والذي كان مختطفا في سوريا، إضافة إلى الوساطة في الإفراج عن 45 جنديا من قوات حفظ السلام في سوريا أيضا. كما أن علاقة قطر بحركة المقاومة الإسلامية حماس، واستضافتها قياديي الحركة على أرضها، جعلتها تلعب دورًا رئيسيًا في المفاوضات بين المقاومة والجانب الإسرائيلي، وذلك لأنها تتمتع بثقة عالية من قبل المقاومة. هذا التوجه القطري تعرض لضغوط كثيرة، والاتهام بدعم ورعاية الإرهاب، وهي تهمة تسعى معظم الدول العربية لإثبات البراءة منها بالانزواء والتجرد من إقامة علاقات مع الإسلاميين، غير أن قطر لم تسع لتبرئة ساحتها من هذه التهمة من خلال التراجع عن سياستها في علاقات مفتوحة متزنة مع الإسلاميين المعتدلين، ذلك لأنها تسير في هذا الاتجاه بخطى وملامح واضحة للجميع، وتتعامل مع الإسلاميين بموضوعية في تقييم أوضاعهم. لذلك ترى في العلماء وهذه الشخصيات التي تقيم على أرض قطر تنوعًا ظاهرًا، فمنهم العالم الأزهري، ومنهم الداعية السلفي، ومنهم المنتمون إلى تيار الإسلام السياسي، ومنهم حركات المقاومة المشروعة، تقبل قطر بوجودهم طالما أنهم ناؤون عن وصف الإرهاب والتطرف (بالمعنى الحقيقي)، وطالما أنهم لا يضرون بالسلم الأهلي، وهذا يمثل قمة الاتزان في التعامل مع الآخرين. قطر لا تغلق أبوابها بوجوه المعتدلين من كل المشارق والمغارب، ومن كل الاتجاهات والمشارب، لأنها لا ترى مبررًا لذلك، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1011
| 23 مارس 2025
للبشر خصائص عقلية ونفسية تتصل بعملية التفكير، من أبرزها خاصية "التعويض"، وهي محاولة يلجأ إليها العقل البشري في ظروف المحن والأزمات والسقوط، بغرض الشعور برضا النفس، كنوع من التخفيف ورفع الروح المعنوية. فالتعويض من خلال علم النفس يعد من آليات الدفاع التي يعمل من خلالها الفرد لحماية نفسه واستبدال الحرمان، أو التغلب على الصفات السلبية الموجودة، أو الواقع السلبي الذي يعيش فيه. فربما كانت فتاة مثلًا مفتقدة في مراهقتها للإطراء في ملبسها ومظهرها وهندامها، فتتجه طموحاتها بشكل تلقائي إلى أن تكون عارضة أزياء في المستقبل لتعويض هذا الحرمان وإثبات الذات. وقد نرى تطبيقا عمليا لخاصية التعويض لدى كثير من ذوي الإعاقة الجسدية، إذ يتجهون إلى ممارسة ألعاب القوة ورفع الأثقال والمشاركة في بطولات محلية ودولية في هذا المجال لذوي الإعاقة، لأنها بالفعل ترفع معنوياتهم وتعوضهم عن الشعور بالنقص أو الدونية وفقًا للمشاعر التي تسيطر عليهم. من الأمثلة الظاهرة في هذا العصر على خاصية التعويض التي أثرت على مسار الشعوب والأمم، الشعب الياباني الذي خرج من الحرب العالمية بهزيمة مدمرة، خاصة بعد تعرضه للعدوان البربري الأمريكي بإسقاط قنبلتين نوويتين على هيروشيما ونجازاكي، للإسراع في إنهاء الحرب وإرهاب حلفاء الأمس وأعداء الغد. استطاع الشعب الياباني أن ينهض من جديد لبناء اليابان، واستطاع خلال فترة وجيزة من إحداث نقلة بعيدة خاصة في مجال الاقتصاد، إذ صار لليابان اقتصاد قوي يعد من أكبر مصادر القلق الاقتصادي للولايات المتحدة نفسها. مفتاح هذه النهضة، هو استلهام اليابانيين القوة من تاريخ أجدادهم الأوائل، وتقاليدهم التليدة في الفروسية وحب الوطن والشغف بالمعرفة، فكانت هذه المشاهد هي لُبّ عملية التعويض التي أثرت في إعادة بناء اليابان. ومن هذه النماذج كذلك: انتصار العرب على الإسرائيليين بعد هزيمة الإذلال التي تلقتها الدول العربية في نكسة 1967، تلك الهزيمة التي عززت أكاذيب الصهيونية حول الجنس العربي المتخلف أبد الدهر، وحول الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، فسادت حالة من اليأس والهزيمة النفسية لدى الشعوب العربية جميعا، وفي هذا التحول من الهزيمة إلى النصر كان التعويض يرتكز على استدعاء البُعد العقدي واستحقاق الدعم الإلهي لكونهم يمثلون معسكر الحق وعدوهم الصهيوني يمثل معسكر الباطل، ويرتكز كذلك على استدعاء الرصيد الحضاري لهذه الدول ذات الحضارات العريقة، مقابل دولة لقيطة تكونت منذ عقود بجمع شتات اليهود في أصقاع الأرض. هذا التعويض خلّص شعوب وجيوش العرب من قيد الشعور بالدونية والضعف مقابل التهويل من قوة العدو وتضخيمها، خاصة وأن الاحتلال الصهيوني قد برع في استغلال دوافع الأمان لدى الإنسان العربي بإثارة الخوف والفزع لإرهاب الشعوب، كما حدث في مذبحة كفر قاسم 1948 على يد العصابات الصهيونية لإرهاب المواطنين الفلسطينيين العرب المسالمين ودفعهم تحت تأثير الرعب إلى مغادرة أراضيهم، وكما فعل إبان حرب الاستنزاف بقصف مدرسة بحر البقر بإحدى قرى محافظة الشرقية بمصر، والتي كانت مجزرة وحشية لبث الرعب وإجبار المصريين على الاستسلام للشروط الإسرائيلية. عملية التعويض هي حافز عظيم لشعوبنا التي أنهكتها الحروب كغزة وسوريا في إعادة البناء وتجاوز المحن وأسباب اليأس والإحباط، لكن ذلك لا يتأتى إلا في حال اكتمال الوعي الفردي والجماعي. فهناك تعويض سلبي أجوف يتمثل في التمحور حول الماضي والتاريخ والخصائص المُميِّزة من عقيدة وحضارة ونحوه، والاكتفاء بذلك، والانكفاء على أمل زائف بأن هذه الخصائص كفيلة بذاتها للنهوض. بل لابد من إدراك ضرورة التعاطي مع الواقع والسعي لامتلاك الأدوات وبذل الجهد وإدراك التحديات والمخاطر، وفي هذه الحال تكون هذه الخصائص العقدية والحضارية والتاريخية بمثابة الروح الدافعة للعمل والنهوض وتجاوز المحن، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. [email protected]
777
| 16 مارس 2025
الخطأ طبيعة بشرية، فما من إنسان إلا ويقع في ارتكاب الأخطاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقرر هذه الحقيقة بقوله: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون). لكن أشد من الخطأ، أن يسعى المخطئ لتبرير الخطأ بحجج واهية ومبررات شتى للتغطية عليه وتبرئة نفسه، نعم لا أحد يرغب في الظهور بمظهر المعيب الناقص، لكن تبرير الخطأ بغير وجه حق هو آفة خطيرة تقلب موازين العدل والإنصاف، وغالبا ما يعبر ذلك عن تلبّس صاحبه بداء الكِبر. لدينا بهذا الصدد مثل لاثنين من خلق الله، كان أحدهما على النقيض من الآخر حيال الخطأ، وهما آدم عليه السلام، وإبليس. عندما عصى الشيطان ربه برفض السجود لآدم، لم يقر بالخطأ الذي ارتكبه، وإنما شرع في التبرير لهذا الخطأ يحركه في ذلك الكبر، فكانت حجته الواهية هو القياس الفاسد (خلقتني من نار وخلقته من طين)، فقد أعطى لنفسه الحق في تفضيل النار على الطين بدون سند، ولو أنه اعترف بالخطأ واستغفر ربه لعفا عنه، لكنه أصر على التبرير والتمسك برأيه الفاسد. وأما آدم عليه السلام، فحين وقع في المخالفة وأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، سلمت نفسه من الكبر، وأقر على الفور بالخطأ، ولم يبرر، ولم يسق الحجج، فكان صريحا مع نفسه، وعلم أنه لم يكن هناك داع لهذه المخالفة سوى الفضول والانصياع لتسويل الشيطان، فتاب هو وزوجه: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). وفقًا لمنطق تبرير الأخطاء بالباطل، يشرعن الكثيرون أخطاءهم، فهذا يسرق ويبرر بالاحتياج، وهذا يضرب زوجته بمبرر طبيعة الغضب فيه، وهذا يشرب الخمر لينسى آلامه، وهذا يرتشي ويبرر ذلك بأن رؤساءه في العمل يرتشون، فهكذا وبهذا المنطق سوف يجد كل مخطئ ما يبرر به الخطأ ويشرعنه. تبرير الخطأ بالباطل يضيع الحق، فلو أن رجلا يقود سيارته بمنطقة نائية عن الرقابة متجاوزا المسافة القانونية بين السيارات أثناء السير، وصدم سيارة رجل آخر من الخلف، ثم شرع يبرر هذا الخطأ بالباطل، في الوقت الذي يراه الطرف الآخر مخطئًا، فكيف لا يضيع الحق بينهما؟ لا يدع تبرير الخطأ بالباطل إلا صاحب نفس زكية وذو حكمة وحسن إدراك، حيث يعلم أن الخطأ من طبيعة البشر، ولن ينقص من قدره شيء إن اعترف بأخطائه، وفي نفس الوقت يأخذ من الموقف عظة لئلا يتكرر الوقوع فيه، كما أنه امرؤ شجاع يواجه أخطاءه في جرأة، وفوق ذلك يراقب الله عز وجل، فهو يعلم أن الحجج الواهية التي يسوقها لتبرير ما وقع فيه من خطأ، قد يخدع بها الناس، لكنه لن يخدع بها الذي يعلم السر وأخفى. تحدثنا كتب السيرة النبوية عن أحد هؤلاء الذين واجهوا أخطاءهم في شجاعة، وراقبوا الله، ولم يبرروا لأخطائهم بالباطل رغم قدرتهم عليه. هو الصحابي كعب بن مالك رضي الله عنه، أحد الذين تخلفوا عن غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم بغير عذر، فلما رجع صلى الله عليه وسلم جاءه من تخلفوا عن الغزو يسوقون المبررات، فقبل منهم أعذارهم التي أعلنوها لأن الأحكام تجرى على الظاهر. أما كعب، فما إن علم بعودة النبي صلى الله عليه وسلم حتى جعل يجهز مبررات يقدمها، لكنه بعد أن دخل عليه المسجد وسأله النبي عن سبب تخلفه، قال بكل صراحة: يا رسول الله، والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا، لخرجت من سخطه بعذر، ولقد أُعطِيتُ جدلًا، والله ما كان لي عذر حين تخلفت عنك، فقال صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك. فالرجل يملك المقدرة على الدفاع عن نفسه بالباطل، لكنه أبى إلا أن يكون صادقا ويعترف بالخطأ، مهيئا نفسه لاحتمال النتائج مهما كانت. المرء مطالب بالتخلي عن نرجسيته وكبره في التعامل مع الأخطاء، فيقر بها ويترك التبرير بالباطل، لأنه بالضرورة ينشد ذلك في الآخرين، وقديمًا قالوا: "الاعتراف بالحق فضيلة"، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. [email protected]
777
| 09 مارس 2025
نعمةٌ من نعم الله لا يستحضرها كثير من الناس، وإن استحضروها فغالبا لا يدركون قيمتها، إنها نعمة أن يأتي رمضان عليك وأنت بين أناسٍ يبجّلون هذا الشهر الفضيل، ويعرفون له قدره، ويبتهجون بطلائعه، ويستعدون لاستقباله كحبيب طال به الغياب، فترى وجه الحياة بكامله قد تغير وتزين في هذا الشهر. ربما أثير الحديث عن هذه النعمة، لأنني أدركت قيمتها، بعد أن أمضيت 11 عامًا في تركيا التي أحبها وأدين لها بالكثير، فعلى الرغم من الجهود التي تُبذل لإعادة مظاهر الحياة التركية إلى الصبغة الإسلامية التي عاشت بها عدة قرون، وعلى الرغم من الخطوات التي قطعتها الحكومة ذات الجذور الإسلامية في تعزيز الشعائر الإسلامية، إلا أن بعض الناس لا يزال حاملا لمظاهر العلمانية التي تجذرت في شريحة واسعة منه من بعد سقوط الخلافة العثمانية. عندما تعيش كمسلم عربي في تركيا سترى كثيرا ممن حولك لا يبالون بالجهر بالفطر في نهار رمضان، لا تلحظ تغيرات واضحة في حياة الناس، وكأنهم يعيشون أياما عادية، وأعني هنا خارج جدران المساجد، كما لا أقصد هنا التعميم، ولكنني أتحدث من واقع المقارنة التي ارتكزت على كوني عربية شهدت في موطنها شهر رمضان مرارًا وتكرارًا، فليس هناك وجه للمقارنة بين الواقعيْن. إنها حقًا نعمة عظيمة أن تشهد هذا الشهر وأنت بين قومٍ ترى في أحاديثهم قبل رمضان الشوق إلى مجيئه، والدعوات الحارة بأن يبلغهم هذا الشهر، والاستعدادات التي تجري على قدم وساق لاستقباله، سواء كانت استعدادات إيمانية تعبدية أو مادية. أن تشهد الجموع تتدفق إلى صلاة التراويح كأنها تطلب السقيا، أن ترى التنافس في فعل الخيرات، والحرص على إطعام الفقراء ونيل ثواب إفطار الصائمين. أن ترى الناس من حولك يقبلون على كتاب الله، ويتبارى الأقران في عدد الختمات التي ينجزونها في هذا الشهر. أن ترى كل ميقات كل شيء في البلد متكيفا مع شعائر رمضان من صلوات وإفطار وتراويح، وأن ترى التهانئ لا ينقطع بثّها بين الناس، فتلك والله نعمة عظيمة، يشعر بالحرمان منها خاصة أولئك الذين يعيشون كأقليات في بلدان غير إسلامية، ولا أعني هنا غياب هذه المظاهر بصورة مطلقة، لكن مهما بدا منها شيء فلن تكون بذات القدر في البلدان العربية الإسلامية. إن من شأن هذه النعمة، أن يجد المرء خلالها على فعل الخير أعوانا، يشدون أزره على فعل الخير، وتدفعه هذه الأجواء إلى أن يعيد صياغة شخصيته في ذلك الشهر الفضيل، وتجعله يستحضر حقيقة أن رمضان ضيف حبيب يأتي على فاقة، سرعان ما تمضي أيامه ويرتحل، فيكون الوداع الذي لا يعرف المرء هل سيشهده مرة أخرى أم تعاجله المنيّة. إن المجتمع الذي يغلب عليه توقير شهر رمضان، يستشعر المرء فيه جماعية الطاعة، ومن ثم يُحدث تأثيرا قويا في تهذيب النفوس وتصفية القلوب، فهذا الإظهار لشعائر الإسلام في رمضان يقرب الناس من الامتثال للتوجيه القرآني (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، والإنسان قد جُبل على التأثر بمن حوله كما جاء في الحديث النبوي (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). فإن تشهد رمضان فتلك نعمة عظيمة، وإن تشهده بين من يُجلّه فتلك نعمة عظيمة أخرى، فاشكروا الله عليها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1104
| 02 مارس 2025
مساحة إعلانية
في عالم تتسابق فيه الدول لجذب رؤوس الأموال...
9936
| 13 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام...
2391
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم...
1302
| 14 نوفمبر 2025
شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...
1248
| 18 نوفمبر 2025
في بيئتنا الإدارية العربية، ما زال الخطأ يُعامَل...
1188
| 12 نوفمبر 2025
يبدو أن البحر المتوسط على موعد جديد مع...
1131
| 12 نوفمبر 2025
يعكس الاحتفال باليوم القطري لحقوق الإنسان والذي يصادف...
909
| 12 نوفمبر 2025
الاهتمام باللغة العربية والتربية الإسلامية مطلب تعليمي مجتمعي...
870
| 16 نوفمبر 2025
في صباح يعبق بندى الإيمان، تُطلُّ قطر بنداء...
867
| 13 نوفمبر 2025
نعم ترجّل الفارس عن فرسه الذي كان يصول...
783
| 13 نوفمبر 2025
القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...
780
| 18 نوفمبر 2025
نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...
741
| 18 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية