رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
• ما معنى أن يعم الهدوء كل الأرجاء والوجوه؟ وما معنى ان تصادف إنسانا يلتزم الصمت في معظم الاوقات ومع الجميع؟ ثمة وجوه صامتة بملامحها مهما نطقت، وأعين تقول ما تعجز الكلمات عنه. وثمة حديث عابر يفتقد الحرارة والعمق، يقابله صمت ناطق يعبر باللمحة والنظرة وانسجام الملامح مع ما يختلج في النفس.
• نوع من الوجوه يرفض الاقنعة الجامدة والمشاعر السلبية التي نرتديها احيانا. وجوه تبلغ ذروة الجمال الانساني وهي ساكنة متأملة بعيدا. فالانسان يحتاج في احيان كثيرة الى لحظات صمت بينه وبين ذاته، يراجع فيها نفسه، يرتب اوراقه، يقيم ويقوم. هنا يضيء الصمت طريقا خفيا للسلام الداخلي، ويصنع مسافة صغيرة نرى منها الاشياء اوضح ونختار كلماتنا بعناية اكبر.
• وهناك.. مشاعر صامتة متبلدة، باردة كشتاء قارس، لا يحركها موقف ولا كلمة ولا دمعة ولا احساس!. صمت ثقيل كتمثال نحركه ونحدق فيه من دون اكتراث.
• وهناك..صمت صحي نابض بالحياة، صمت يمنح النفس فرصة للتنفس وجمع الشظايا، صمت يعيد ترتيب الفوضى بلطف، ويوقظ فينا القدرة على الاصغاء لانفسنا والى من نحب.
• تتجول في المدينة نهارا فلا تجد للصمت حيزا مع ضجيج الحركة الذي يغطي كل معنى للهدوء. للنهار ايقاعه الساعي نحو الاهداف. ومع الغروب وارتداء السماء رداءها الاسود يتجلى معنى الصمت بهدوء الليل وسكونه وتناغم حركة الاحياء فيه، كأنها لوحة فنية تعبر بالالوان والوجوه والظلال. في هذا السكون تبدأ الافكار بالنضج، وتخرج الحلول من مخابئها، ويصير القلب اقدر على التسامح.
• وفي زمن يضج بالضوضاء، وتتعالى فيه اصوات المنصات حتى ضاعت معاني الانصات والحوار، يغدو الصمت خيار الحكماء: استراحة واعية تحفظ راحة النفس وسلامة الروح من مجاراة اشكال من البشر لا جدوى من مجالستهم. صمت لا يهرب بل يختار، يضع حدودا ناعمة، ويعيد للكلمة قيمتها حين تقال، وللجلسة معناها حين تثمر.
• ومن اجمل اشكال الصمت المؤقت.. ذلك الصمت المطبق في قاعة الامتحان. الممتحنون منكبون على الاجابة، والصمت يغلف المكان. تسمع نغما خفيا من احتكاك القلم بالورق، وخطوات بطيئة للمراقبين ذهابا وايابا. هكذا يعمل الصمت كحاضنة للتركيز، يفتح مساحة ليتقدم الجهد في هدوء ويثمر.
• ونفتقد ساعات من الصمت في لحظات الحزن وفقد الاحبة. صار بعض العزاء اشبه بملتقى صاخب: احاديث متقاطعة ومجاملات طويلة وعيون تشتت عن الدعاء. والحال ان العزاء لحظة رحمة واصغاء؛ فسحة هدوء يخف فيها الكلام ويكثر فيها الدعاء والذكر، وكتف يواسي لا مجلس يستعرض. الصمت هنا ادب وحرمة، يمنح المكلوم حق دمعة لا تستعجل، ويمنح الراحل نصيبه من الدعاء.
• وللصمت وجه مخيف ايضا. صمت رهيب موحش قاتل، تشعر به في الجدران والاثاث والوجوه. صمت يقيم في دور رعاية المسنين مثلا، حيث يترقب المقيمون حركة باب لعلهم يلمحون طيفا لانسان يشعر بهم وبقيمتهم. هناك يطلب الصمت كلمة مواساة ودعاء صادقا ويدا حانية تكسر وحدته. وهنا تتجلى قيمة الصمت الاخلاقي: ان نصغي للمهمشين، ان نكون الصوت الذي يدفئ الفراغ، وان نحول السكون البارد الى طمأنينة مشتركة.
• ولا ندرك نعمة الصمت وعمقه الا حين نجالس ثرثارا لا يترك مجالا لغيره، يمل الحضور بما يظنه عالما بكل شيء. عندها نفهم ان الصمت ادب ومعرفة بموضع الكلمة. فالصمت ليس هروبا من الحوار، بل احترام لوزن الكلمة واثرها. بالصمت نتعلم الاصغاء، وبالاصغاء نرى الانسان كاملا، ونبني جسورا اصدق.
• حديث الصمت له شجون. قد يكون حديث قلم على ورق، او حديث عيون، او حديث ارواح تتلاقى قبل ان تنطق بحرف. الصمت زينة للنساء والرجال على السواء، تحفظ به الكرامة وتعز به المكانة. وهو ايضا طاقة ايجابية تزرع التركيز، وتوقظ الابداع، وتمنح القلب فرصة للشفاء، وتعلمنا ان نرد الجميل بعمل لا بضجيج.
• لنمنح الصمت مكانه العادل في يومنا. دقيقة هدوء قبل قرار، لحظة اصغاء قبل حكم، فسحة تأمل قبل كلمة. من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت. بالصمت ينبت الخير، وبالكلمة الطيبة يزهر الاثر.
• آخر جرة قلم: لا يعني الصمت اطالة زمنه ولا الانسحاب من دفء الناس وأحاديثهم اللطيفة والراقية. اللقاءات الحميمة والصداقات الحقيقية، والفضفضة اللطيفة، والاحاديث الايجابية ذات المعنى والقيمة، بل وحتى تلك الاحاديث العادية حين تصدر من قلوب مطمئنة، كلها تمنح الروح حياة وتضيف للقاء فنا في الاستمتاع بالاجتماع. فكما يرممنا الصمت، تعيدنا الكلمة الطيبة الى بعضنا، ويكتمل التوازن بين هدوء النفس وود الناس..
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3327
| 04 نوفمبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2580
| 30 أكتوبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2097
| 03 نوفمبر 2025