رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تناولت وحذّرت منذ فوز الرئيس ترامب وسيناريوهات عودته في مقالات وبودكاستات عن إعصار عودة ترامب لتصفية حساباته وانتقامه من الدولة العميقة. لتكراره في مهرجاناته الخطابية ومقابلاته عن مؤامرات الدولة العميقة وسرقتها الانتخابات ورفضه الإقرار بهزيمته حتى اليوم «خسارة انتخابات الرئاسة عام 2020» ضد الرئيس بايدن. ولا يجرؤ وزراؤه الإجابة بصراحة على أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ، والاعتراف بخسارة ترامب انتخابات الرئاسية. فكانوا يراوغون ويتهربون من الإجابة!! لخشيتهم من غضبه وانتقامه بطردهم إذا خالفوا قناعاته!! في ترهيب ورسالة: غير مقبول إظهار أي تباين مع وجهات نظره ومواقفه في رئاسة ترامب الأخيرة.
يؤمن ترامب بحصوله على تفويض مطلق بفوزه القوي بالصوت الشعبي بـ 77.2 مليون صوت. وكذلك فاز بأصوات المجمع الانتخابي الأهم، وانتزع حزبه أغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ من الديمقراطيين، ما يمكنه بالمصادقة على ترشيحه الوزراء والمسؤولين الذين يرشحهم لمناصبهم وتمرير أجندته ومشاريعه. وكذلك احتفظ حزبه بالأغلبية الضئيلة في مجلس النواب. لكنه يواجه مخاطر، تراجع قبل أيام عن ترشيح النائبة اليس ستافنيك من ولاية نيويورك الموالية بقوة لترامب، والداعمة لإسرائيل-لمنصب السفير ومندوبة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة، خشية خسارة مقعدها في مجلس النواب للديمقراطيين!! وذلك يحصّن ويعزز قناعة ترامب بأنه يمكنه تنفيذ أجندته دون عواقب وكلفة.
ما تشهده الولايات المتحدة منذ عودة ترامب لرئاسته الثانية غير مسبوق بشطحاته وتصميمه على الانتقام والتصعيد في الداخل والخارج معاً. توسع أجندته وأوامره التنفيذية الخلافات والانقسامات والشرخ المجتمعي والسياسي بمقاربات غير مسبوقة مدعوما من جماعته (MAGA) حولها ترامب لطائفة موالية تصطف كليا معه. وتقليصه حجم الحكومة الأمريكية بقيادة الون ماسك أغنى رجل في العالم. كلفه ترامب الإشراف على «إدارة الكفاءة الحكومية»-تسببت بإلغاء ودمج إدارات وهيئات حكومية، تسببت بخسارة وظائف لأكثر من 100 ألف أمريكي. بينهم من انتخبوا ترامب!!
وتتعمق ظاهرة ترشيحات وتعيينات ترامب لمناصب قيادية: وزراء ومديرين ومستشارين يقدم ترامب الولاء والتبعية على الكفاءة والخبرة والاستقلالية. وهذا يشمل وزير الدفاع هاغسيث (مذيع درجة ثانية في فوكس نيوز) كشف خطط ضرب مواقع وأهداف للحوثيين وأضاف صحفيا إلى مجموعة عمل على تطبيق سيغنال-فجّر فضيحة باتت تعرف «فضيحة سيغنال غيت». تحظى بتغطية وتحليل واسع في وسائل الإعلام ولدى الرأي العام الأمريكي المصدوم من التسيب والفوضى وغياب المهنية. وتعيين وزير الخارجية روبيو من صقور الحزب الجمهوري ومنافس ترامب في انتخابات الرئاسة عام 2016-كان عضو مجلس شيوخ من فلوريدا وموال بقوة لإسرائيل ومعارض للصين يصطف كليا مع ترامب. وتولسي غيبارد مديرة الاستخبارات الوطنية المشرفة على 18 جهاز استخبارات من مختلف المستويات ومدنية وعسكرية-لا تملك أي خبرة وخلفية ودراية في مجال الاستخبارات والأعمال الأمنية!!
اثارت تعيينات ترامب المثيرة للجدل، انتقادات وتساؤلات مستحقة عن كفاءة وصواب قرارات هؤلاء المسؤولين الذين فشلوا في أول عملية عسكرية بفضيحة سيغنال حول استهداف الحوثيين في اليمن ومطالبات بالتحقيق الجنائي وإقالة وزير الدفاع هاغسيث ومستشار الأمن الوطني مايك والتز!!
لكن الصادم في مواقف وقرارات ترامب داخليا ليس حملة الترحيل والطرد الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة ولكن ترحيل بطريقة غير شرعية لخارج أمريكا بطريقة غير شرعية وبمخالفة وتحدٍ لأحكام قضاة. وبعضهم نُقلوا إلى سجون السلفادور سيئة السمعة!! وطالت الاعتقالات والحجز طلبة أمريكيين، وحتى اعتقال وترحيل طلبة أجانب يدرسون في جامعات أمريكية لتظاهراتهم رافضين ومنددين بحرب إبادة إسرائيل على غزة-واتهام من يتظاهرون بمناصرة لحركة حماس ودعم منظمة إرهابية والعداء للسامية. في ممارسات تخالف القانون وتعديلات الدستور.
وشمل القمع والتعدي على الحقوق السياح وزوار، وانتشرت ظاهرة توقيف والتحقيق مع مسافرين أوروبيين وكنديين وعرب ومسلمين وغيرهم في مطارات الولايات المتحدة. والقيام بتفتيش أجهزة هواتفهم النقالة ومنشوراتهم في وسائط التواصل الاجتماعي، وحتى اعتقالهم إذا وترحيلهم إذا اكتشف أي منشور يدعم حماس وينتقد حرب إسرائيل وسياسات ترامب!! لم تشهد أمريكا بتاريخها تكميما للأفواه وترهيب وقمع الحريات بهذا التدني!
خارجياً تُعمّق سياسات وتصعيد ترامب تجاه الجيران والحلفاء بالوعيد والاستفزاز والتهديد بالسطو والتعدي على سيادة الحلفاء. يبرز ذلك بشكل صادم مع الجيران (كندا والمكسيك) والحلفاء الأوروبيين المقربين، بترهيبهم والتهديد بزيادة الرسوم الجمركية وضم كندا، والسطو على غرينلاند أكبر جزيرة في العالم بحكم ذاتي من الحليف والعضو في حلف الناتو الدنمارك- واستعادة قناة بنما وامتلاك قطاع غزة مجانا وتحويله لمنتجعات!!
وكان صادما تهديد ترامب لكندا والأوروبيين بتغريده: «إذا تحالف الاتحاد الأوروبي مع كندا للإضرار بمصالح أمريكا الاقتصادية فسنرفع نسبة الرسوم الجمركية (أكثر من 25% المخطط للبدء بتطبيقها في 2 أبريل القادم)على الطرفين!! لحماية الصديق الأفضل لدى الدولتين» تصوروا ترامب يتخبطه يخطئ ويصف ترامب الاتحاد الأوروبي-(27 دولة) دولة!!
وكان منفراً للأوربيين وحلفاء أمريكا وصف فانس نائب ترامب في المحادثة على تطبيق سيغنال: «أكره الاستمرار بإنقاذ أوروبا»!! ليتفق معه ويعلق وزير الدفاع هاغسيث «أتفق مع تعليقك وكراهية الأوروبيين»!(Free Loading) ومثيرين للشفقة»!! ويقوم فانس-نائب ترامب وزوجته بزيارة مستفزة وغير مرحب بها إلى قاعدة أمريكية في جزيرة غرينلاند-التي يصر ترامب على ضمها-مدعياً أهميتها للأمن الأمريكي والدولي وثرواتها الطبيعية!!
لم ينتخب 49.7% من الأمريكيين ترامب لأولوياته المعكوسة، ولطردهم من وظائفهم، وقمع حرياتهم ومعاداة جيرانهم وحلفائهم ورفع أسعار السلع والتضخم. ودعم حرب إبادة إسرائيل للفلسطينيين! ومنهم انتخبوه!! وبسبب نتائج سياساته الاقتصادية وزيادة الرسوم الجمركية وتهديده يعزف الأوروبيون والكنديون وطلبة ومستثمرون وسياح عن زيارة أمريكا!! والنتيجة يتراجع الرضا عن سياسات ترامب إلى 49% في استطلاعات الرأي الأخيرة!!
واضح هذه لم تعد أمريكا التي نعرفها ويعرفها الأمريكيون والعالم!!
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @docshayji
@docshyji
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6693
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2757
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2421
| 30 أكتوبر 2025