رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جاسم إبراهيم فخرو

مساحة إعلانية

مقالات

546

جاسم إبراهيم فخرو

تعدد النساء بين الحضارات

25 سبتمبر 2025 , 05:18ص

منذ فجر التاريخ كان تعدد النساء سمة أغلب الحضارات والشرائع. ففي سومر وبابل ومصر الفرعونية عُرف الملوك بالزوجات والمحظيات لتوسيع النفوذ والنسل، وفي اليونان وروما أُقرّ الزواج الأحادي رسميًا لكن الواقع امتلأ بالجواري والسراري، وفي الهندوسية والكونفوشيوسية استقر النظام على زوجة رئيسية مع محظيات، بل إن اليهودية أجازت التعدد صراحة، بينما جاء الإسلام فأقرّه منظمًا حتى أربع زوجات بشرط العدل والقدرة. لأن المسؤولية عند الله عظيمة، والحساب على الظلم عنده شديد.

هكذا كان التعدد يعكس سلطة الرجل المقتدر، سواء سُمّين زوجات أو جواري أو محظيات. لكن الاستثناء الوحيد كان المسيحية؛ إذ فرضت قدسية الزوجة الواحدة، واستطاعت –بدعم الأنظمة والقوانين– أن تجعل هذا النموذج ثقافة عالمية. لقد فازت المسيحية “رغم أنف الجميع”، لكن الوجه الآخر لانتصارها كان تفشّي الفساد الأخلاقي والعلاقات غير المشروعة، بعدما أُغلق الباب أمام التعدد المنظم الذي وفر عبر التاريخ متنفسًا واقعيًا للغريزة الإنسانية.

وبذلك يمكن القول إن القوانين والثقافات الحديثة، بما في ذلك في كثير من الدول المسلمة، قد تأثرت إلى حد بعيد بالإرث المسيحي، ليس في موضوع الزواج فقط، بل في أنماط الحياة بصفة عامة، حتى أصبحت هي المرجعية السائدة عالميًا، على الرغم من مخالفتها لما كان مألوفًا في أغلب الحضارات والشرائع السابقة. وقد ترسخت أفكار المسيحية في أذهاننا نساءً ورجالًا، والمؤسف أن مجتمعاتنا الإسلامية ضربت بشرائعها الإلهية عرض الحائط، وتركت ما نظمه الإسلام من حلول عادلة وواقعية للأسرة والمجتمع، لتقدّس القوانين الغربية الوضعية وتتبناها رسميًا وفكريًا. فكانت النتيجة تفككًا أسريًا وارتفاع نسب الطلاق والخيانة والعلاقات غير المشروعة، وتراجع الاستقرار الاجتماعي الذي كان التعدد المنظم عبر العصور يكبح جماحه ويحافظ على التوازن.

لقد خسرنا استقرار الأسرة يوم قدّسنا القوانين الوضعية، وأعرضنا عمّا شرعه الله من عدل وحكمة تحفظ للمجتمع تماسكه. وإنها لوقفة صادقة مع النفس والتفكر، نستحضر فيها صوت الفطرة، ونزن بها خطواتنا بين ميراث حضاري دخيل وشرع رباني أصيل. اللهم ألهمنا رشدنا، وردّنا إلى دينك ردًّا جميلاً، واحفظ بيوتنا وأمتنا من التفكك والضياع.

مساحة إعلانية