رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في الآونة الأخيرة زادت مطالب بعض الجهات الدولية بإلغاء نظام كفالة الأجانب المعمول به في بعض دول الخليج ودولة قطر باعتبار أن هذا النظام يعمل على ربط شرعية إقامة العامل الوافد بصاحب العمل أو(الكفيل) بما لا يمكن للعامل الوافد تغيير عمله أو وظيفته دون موافقة كفيله إلا في حالات استثنائية وبإذن صريح من الجهة المختصة وأنه لكي يستطيع العامل الوافد المغادرة يتعين عليه الحصول على تأشيرة خروج من كفيله.
ولكي نبحث موضوع نظام الكفالة بتعمق أكثر نقرر منذ البداية أن نظام كفيل الإقامة المعمول به في التشريع القطري وفقاً للقانون رقم 4 لسنة 2009 يستمد نشأته وتقريره وتطبيقه من ضرورات واقعية، أمنية واجتماعية واقتصادية تعطي للدولة حقاً كاملاً في صيانة أمنها وكيانها وهويتها، وهو حق معترف به لجميع الدول وفقاً لمبادئ القانون الدولي والمعاهدات الدولية.
ونظام الكفالة يعد إجراءً إدارياً قصد به تنظيم وضبط مركز الوافد فيما يتعلق بإقامته في الدولة في إطار التدابير والإجراءات والضمانات القانونية التي تهدف في الأساس لممارسة الدولة لحقوقها المشروعة في فرض سلطانها وهيمنتها من أجل حماية المجتمع القطري وكيانه من أي خطر قد يتعرض له، لاسيما مع وجود هذا الزيادة الكبيرة في أعداد الوافدين التي تجاوزت 85% من المواطنين القطريين.
إذن من حق الدولة التي يقيم على أرضها ما يجاوز 85% مقيم أجنبي غير قطري، أن تضع قيوداً لحماية أمنها واستقرارها، كما أنه من حق صاحب العمل في هذه الدولة أن يشعر بالأمان، ومن حق الوافد الأجنبي أيضاً أن يعيش حياة كريمة وأن يتمتع بكافة الضمانات والحقوق التي تحفظ له كرامته وحقوقه.
من هنا وفي ضوء هذه المعادلة لا يمكن القبول بأي إملاءات أو إجراءات تُفرض من الغير على أي دولة فيما يمس أمنها واستقرارها الاجتماعي والديموغرافي بل إن الدولة المعنية هي القادرة على إصدار التشريعات اللازمة التي ترى فيها ملاذ حمايتها وحماية مواطنيها، وبالتالي فإن المناداة بإلغاء نظام كفالة الوافدين والذي يعتبر – في اعتقادنا – صمام أمن واستقرار الدولة والمجتمع القطري، هذه المناداة تستحق الدراسة، ذلك أن نظام الكفالة أثبت فاعليته وجدواه طيلة العقود الماضية واستطاعت الدولة التحكم والسيطرة على قطاع العمالة الوافدة بما انعكس إيجاباً على الدولة والكفلاء والمكفولين ووفر الطمأنينة والاستقرار لأصحاب الأعمال وللعاملين المكفولين على حدٍّ سواء، ولا يقدح في كل ذلك حدوث بعض السلبيات وتلاعب بعض أصحاب النفوس الضعيفة بمخرجات هذا النظام واستغلاله لمصالحهم الخاصة. وقد تكفلت التشريعات المعمول بها حالياً في الدولة بمعاقبة الكفيل في حالة ما إذا شكل فعله هذا مخالفة أو جريمة أو ذنبا سواء من الناحية الجنائية أو المدنية، ويستطيع المكفول أيا كانت صفته أن يقاضي كفيله أمام الجهات المختصة.
صفوة القول أن المشرع القطري عندما أوجب على كل وافد أجنبي يريد الإقامة في البلاد، أن يكون له كفيل قطري إنما قصد من ذلك تنظيم وضبط مركز الأجنبي فيما يتعلق بإقامته في الدولة ضمن الأطر التي تهدف في الأساس إلى ممارسة الدولة لحقوقها المشروعة في فرض سيادتها وسلطتها من أجل حماية المجتمع القطري ولم تقصد من هذا الإجراء الإساءة إلى العامل الوافد أو الانتقاص من حقوقه أو كرامته لأنه مع غياب الضوابط والشروط التي تحدد إقامة الأجانب في الدولة ومنها أن يكون لكل أجنبي كفيل إقامة قطري، سوف تعم الفوضى والاضطراب مما سوف تبرز معه العديد من المشكلات سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي بما يزعزع الاستقرار في المجتمع القطري. ونؤكد على أن النقد الموجه إلى نظام الكفالة نابع في حقيقة الأمر من عدم إدراك وأهمية هذا الإجراء للمجتمع القطري وخصوصيته فيما يتعلق بالتركيبة السكانية.
قلنا إن بعض ضعاف النفوس من الكفلاء القطريين حولوا نظام الكفالة المعمول به إلى أداة لاستغلال مكفوليهم من العمالة الوافدة عندما يرفض الكفيل إعطاء المكفول موافقة بنقل كفالته إلى شخص آخر والسماح له بالعمل لدى الآخرين ويصر على مغادرة العامل إلى بلده رغم أن هناك فرصة لكي يعمل هذا العامل في الدولة.
والثابت أن المخالفين من الكفلاء القطريين لنظام الكفالة هم قلة شاذة من المواطنين العاديين وأصحاب المؤسسات الصغيرة والشركات الوهمية أما غالبية الكفلاء سواء من الجهات الحكومية أو المؤسسات والشركات والأفراد فهم يعاملون المكفولين المعاملة الإنسانية اللائقة ويعطونهم حقوقهم المالية والمعنوية كاملةً.
والواقع أن القانون رقم 4 لسنة 2009 بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم وكفالتهم والذي تضمن في الباب الرابع منه المواد التي تنظم كفالة الوافدين اشتمل على عدة إيجابيات خففت الكثير من القيود التي قد يفرضها الكفلاء على المكفولين وهي على النحو الآتي:
أولاً: بموجب المادة (43) من القانون يجوز لوزير الداخلية إصدار سمات ومنح تراخيص إقامة بدون كفيل للفئات التالية:
1- المستثمرون الخاضعون لأحكام القانون رقم (13) لسنة 2000 بتنظيم استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي.
2- المالكون والمنتفعون بالعقارات والوحدات السكنية وفقاً لأحكام القانون رقم (17) لسنة 2004 بتنظيم تملك وانتفاع غير القطريين بالعقارات والوحدات السكنية.
3- أي فئات أخرى تحدد بقرار من مجلس الوزراء.
مؤدى ما تقدم أن التشريع القطري سمح لطائفة من الوافدين بالإقامة في الدولة دون كفيل إقامة، كما خول القانون مجلس الوزراء ضم فئات أخرى من الوافدين وإعطاءها رخص إقامة في البلاد دون كفيل.
ثانياً: سمح القانون بنقل كفالة العامل الوافد على أن يكون ذلك باتفاق كتابي بين صاحب العمل الجديد وصاحب العمل السابق للعامل بعد موافقة الجهة المختصة بوزارة العمل بالنسبة للفئات الخاضعة لأحكام قانون العمل.
ثالثاً: واستحدث القانون حالة جديدة لنقل كفالة العامل، إذ أجاز لوزير الداخلية الموافقة على نقل كفالة العامل الوافد بصفة مؤقتة في حالة وجود دعاوى بين الكفيل والعامل الوافد، وللوزير أو من ينيبه الموافقة على نقل كفالة الوافد الذي لا يسري عليه قانون العمل مثل الموظفين والعاملين في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة وخدم المنازل والمستخدمين في الأعمال العارضة إلى رب عمل آخر في حال ثبوت تعسف الكفيل أو إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك. ويجوز للوزير أو من ينيبه بناءً على طلب العامل وموافقة وزارة العمل نقل كفالة العامل الذي يسري عليه قانون العمل إلى رب عمل آخر.
مؤدى ذلك أن المشرع القطري أعطى لوزير الداخلية صلاحية نقل كفالة المكفول إلى صاحب عمل جديد دون موافقة كفيله في الأحوال السابقة.
جميع ذلك يدل على أن المشرع القطري خطا خطوات متقدمة وأدخل تعديلات على نظام الكفالة المعمول به لصالح المكفولين الوافدين.
ومن جهة أخرى فإن القانون عالج مأذونية خروج المكفول في المادة (18) إذ نصت المادة على أنه: "ولا يصرح للوافدين فيما عدا النساء اللاتي على كفالة رب الأسرة والقُصّر والزوار الذين لا تجاوز مدة زيارتهم للدولة ثلاثين يوماً بمغادرة البلاد بصفة مؤقتة أو نهائية إلا بعد تقديم إذن بالخروج من كفيل الإقامة".
ويحل محل هذا الإذن، عند تعذر حصول الوافد عليه لامتناع كفيله من إعطائه له أو لوفاة الكفيل أو لغيابه مع عدم تعيينه وكيلاً عنه، تقديم كفيل خروج، أو شهادة بعدم وجود أحكام تحت التنفيذ أو دعاوى مطالبة ضد الوافد، تصدر من المحاكم المختصة بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ الإعلان في صحيفتين يوميتين لمرة واحدة من تاريخ مغادرة الوافد للبلاد، وذلك وفقاً للإجراءات والضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير.
المستفاد من هذا النص أن المشرع القطري قرر ضرورة حصول المكفول قبل مغادرته البلاد على إذن خروج مكتوب من كفيله، ولا يستطيع المكفول مغادرة البلاد إلا بحصوله على هذا الإذن (مأذونية الخروج) إلا أنه بالمقابل وضع بدائل أخرى في حالة ما إذا امتنع الكفيل أو تعذر حصول المكفول على الإذن.
والحقيقة أن البدائل التي أوردها المشرع في المادة (18) تحتاج إلى إعادة نظر لتمكين المكفول من الحصول على إذن الخروج بسرعة وحتى لا يكون عُرضةً لإجراءات طويلة ومعقدة تمنعه من السفر وطالما أن المشرع قرر الاستغناء عن موافقة الكفيل على مأذونية خروج مكفوله سواء لرفضه أو غيابه فإنه يتعين وضع آلية سريعة لتمكين المكفول من السفر فوراً.
وفي اعتقادي الخاص أن إيجاد آلية سريعة لحصول المكفول على مأذونية خروج في حالة رفض الكفيل ذلك أمر تحتمه المصلحة العامة للدولة وهو إجراء من المهم تحقيقه بتخصيص جهة محددة بوزارة الداخلية تختص بإصدار مأذونيات خروج الوافدين فوراً وبعد التحقق من عدة بيانات للوقوف على أسباب امتناع الكفيل عن التوقيع على مأذونية خروج مكفوله.
وفي جميع الأحوال إذا ما ثبت أن الكفيل قد تعسف أو تعمد عدم التوقيع على مأذونية خروج المكفول فلابد من مؤاخذته عن هذا التصرف.
وتبقى نقطة أخيرة ومهمة يتعين علاجها وهي مسألة نقل كفالة العامل الوافد من كفيل لآخر.
أوضحنا أن القانون الحالي لتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم وكفالتهم اتخذ خطوات مهمة نحو إصلاح نظام الكفالة حين ذهب المشرع القطري في المادة (22) من القانون إلى السماح بنقل كفالة العامل الوافد وكذلك ما تضمنه القانون في المادة (12) من الموافقة على نقل كفالة العامل الوافد في حال ثبوت تعسف الكفيل أو إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.
مؤدى ذلك أن المشرع القطري عمل على تخفيف القيود التي تحد من نقل الكفالة للعمال الوافدين لأسباب حددها القانون على النحو الذي أشرنا إليه سلفاً.
وبالنظر إلى أن القانون أو التشريع الذي يحكم إقامة وتنقل الأجانب أو الوافدين أو المهاجرين في معظم الدول تحتاج قواعده إلى المراجعة الدائمة والتعديل والإضافة وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة للدولة، وهو من أكثر القوانين واللوائح التي من الضروري مراجعتها بين فترة وأخرى. وتعتبر هذه القوانين الأهم التي توفر الاستقرار والطمأنينة لكافة شرائح المقيمين في الدولة ومعرفة حقوقهم وواجباتهم والضمانات المقررة لهم وكذلك ما يتوجب عليهم الالتزام به لتأتي إقامتهم مشروعة ومتفقة مع التشريعات النافذة في الدولة.
وأرى كخطوة أولى متقدمة ضرورة إصدار تعديل تشريعي يعطي المكفول الحق في نقل كفالته من كفيله إلى صاحب عمل آخر بعد انقضاء فترة يحددها المشرع القطري، بما يسمح للعامل بنقل كفالته بعد مرور تلك الفترة دون موافقة كفيله على أن تتولى وزارة الداخلية إصدار تلك الموافقة بعد تأكدها من عدم وجود موانع قانونية تمنع من ذلك على أن يسري هذا التعديل على جميع المكفولين الخاضعين لقانون العمل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13716
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1815
| 21 نوفمبر 2025
شهدت الجولات العشر الأولى من الدوري أداءً تحكيميًا مميزًا من حكامنا الوطنيين، الذين أثبتوا أنهم نموذج للحياد والاحترافية على أرض الملعب. لم يقتصر دورهم على مجرد تطبيق قوانين اللعبة، بل تجاوز ذلك ليكونوا عناصر أساسية في سير المباريات بسلاسة وانضباط. منذ اللحظة الأولى لأي مباراة، يظهر حكامنا الوطنيون حضورًا ذكيًا في ضبط إيقاع اللعب، مما يضمن تكافؤ الفرص بين الفرق واحترام الروح الرياضية. من أبرز السمات التي تميز أدائهم القدرة على اتخاذ القرارات الدقيقة في الوقت المناسب. سواء في احتساب الأخطاء أو التعامل مع الحالات الجدلية، يظل حكامنا الوطنيون متوازنين وموضوعيين، بعيدًا عن تأثير الضغط الجماهيري أو الانفعال اللحظي. هذا الاتزان يعكس فهمهم العميق لقوانين كرة القدم وقدرتهم على تطبيقها بمرونة دون التسبب في توقف اللعب أو توتر اللاعبين. كما يتميز حكامنا الوطنيون بقدرتهم على التواصل الفعّال مع اللاعبين، مستخدمين لغة جسدهم وصوتهم لضبط الأجواء، دون اللجوء إلى العقوبات القاسية إلا عند الضرورة. هذا الأسلوب يعزز الاحترام المتبادل بينهم وبين الفرق، ويقلل من التوتر داخل الملعب، مما يجعل المباريات أكثر جاذبية ومتابعة للجمهور. على الصعيد الفني، يظهر حكامنا الوطنيون قدرة عالية على قراءة مجريات اللعب مسبقًا، مما يسمح لهم بالوصول إلى أفضل المواقع على أرض الملعب لاتخاذ القرارات الصحيحة بسرعة. هذه المرونة والملاحظة الدقيقة تجعل المباريات أكثر انتظامًا، وتمنح اللاعبين شعورًا بالعدالة في كل لحظة من اللعب. كلمة أخيرة: لقد أثبت حكّامُنا الوطنيون، من خلال أدائهم المتميّز في إدارة المباريات، أنهم عناصرُ أساسيةٌ في ضمان نزاهة اللعبة ورفع مستوى المنافسة، ليكونوا مثالًا يُحتذى به على الصعيدين المحلي والدولي.
1263
| 25 نوفمبر 2025