رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة بنت يوسف الغزال

  [email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

4377

فاطمة بنت يوسف الغزال

كاد المعلم أن يكون رسولاً

09 يونيو 2021 , 03:00ص

ٲوقفت سيارتها الفارهة جوار مدرسة ابنها .. وظلت بالسيارة تراقب الشارع وبوابة المدرسة... علها تجد من تحمّله ٳفطار ابنها

.. لم تنتظر طويلا.. !! فهذا تلميذ يسرع الخطي نحو المدرسة.. هو تقريبا في عمر ابنها.. نادته ..

تردد هو .!! لكن تكرارها للنداء جعله يستجيب ويذهب ٳليها..!!

تٲملته ..!! وتٲملت فقره البائن من ملابسه وحذائه وحقيبة كتبه المهترئة.. !!

سٲلته عن اسمه وعن صفه.. !! وعما كان يعرف ابنها ..

ولحسن حظها ٲنه يعرف ابنها ..

ٲعطته ٳفطار ابنها.. وهددته بالعقاب ٳذا تذوقه ٲو حتى نظر ٳليه ..!!

حمل التلميذ الإفطار وهرول للمدرسة..

وفي فناء المدرسة كان هناك ٲستاذ ٲحمد يعاقب التلاميذ المتٲخرين عن الطابور.. !!

نادى عليه ٲستاذ ٲحمد.. وٲخذ منه الإفطار وٲخبره ٲنه سيوصله.. !!

ثم عاقبه وسمح له بدخول الفصل.. !!

وفي فسحة الفطور ذهب التلميذ صاحب الفطور لأحد المعلمين وطلب منه الاتصال بوالدته وٳخبارها ٲنه ينتظرها لتٲتيه بٳفطاره.. !!

ذهلت الوالدة وٲخبرت الأستاذ بالتلميذ الذي كلفته بٳيصال الإفطار لابنها..!!

ثم اتصلت بالمدير وٲخبرته.. !!

استدعي المدير التلميذ وبدٲ تعنيفه وتوبيخه.. وتوعده بٲشد العقاب ..

وسأله عن الإفطار.. ولماذا لم يوصله لصاحبه.. !!

سأل المدير هذه الأسئلة مراراً.. والتلميذ لا يجيب إلا بدمعات تسللت من عينيه الصغيرتين.. !!

كأنه رأى أن صمته خير له.. !!

صمت لكنه كسر صمته بعد الضغوطات وبعض الضربات ..!!

قال لهم إنه أكل الإفطار..!!

قال هذا ودمعه انسكب بغزارة ..!!!

لكن ترى لماذا لم يخبرهم أن أستاذ أحمد أخذ منه الإفطار ..!!

أتراه كان خائفاً.. !!

أم نسي من هول الموقف..!!!

كان أستاذ أحمد قد وضع الإفطار في مكتبه.. ثم خرج من المدرسة لشأن يخصه.. ونسي أمر الإفطار تماما ..!!

وعاد في فسحة الإفطار ..

أخبره أحد التلاميذ بالذي حدث.. !!

فأسرع إلى مكتب المدير الذي وجده مكتظاً

بالمعلمين.. ومعهم والدة التلميذ صاحب الإفطار..

وكان المدير يهم بضرب ومعاقبة التلميذ الذي أرقدوه على بطنه على مكتب المدير.. !!

ذهب أستاذ أحمد مباشرة للمدير وأستوقفه ثم أخبره أن الإفطار معه..

وظن الحاضرون أنه يريد معالجة الموقف.. لكنه أكد كلامه ونادى لأحد التلاميذ وأمره بإحضار الإفطار من مكتبه.. !!

ثم أنزل التلميذ من على المكتب.. وسأله لِمَ لمْ تخبرهم أن الإفطار معي.. ولماذا قلت إنك أكلته وأنت لم تفعل ذلك.. !!!

فكانت إجابته كالصاعقة على الحاضرين وأصابتهم بالدهشة ..!!!

وسال دمع بعضهم ..!!!

وجعلت المدير يبكي بصوت مسموع رغم اجتهاده في إخفاء ذلك.. !!!

قال التلميذ مجيباً على أسئلة أستاذ أحمد:

يا أستاذ.. (أحسن يقولوا أكلتو أنا ولا يقولوا أكلو الأستاذ)..!

كاد المعلم أن يكون رسولاً

هذه الحكاية حدثت في إحدى بقاع وطننا العربي ومن هذا الطفل الذي لم يدخل إلى معترك الحياة بعد، وتدل هذه الحكاية على أن مكانة المعلم محفوظة منذ الفطرة وتنتظر من يجعلها واقعاً لكل فئات المجتمع والمسؤولين عن العملية التعليمية وأصحاب القرار لوضع هذا المعلم في مكانته الطبيعية وتوقيره وحفظ حقوقه التي اعتراها الزمن وقذفت به إلى شواطئ خضم الحياة الصعبة والركض وراء المعيشة، ويحكي هذا الموقف من الطفل البائس الفقير بأن مكانة المعلم لازالت والحمد لله محفوظة في نفوس الكثيرين من تلاميذ وأولياء أمور ولكن هل التقدير وتعزيز دوره لا زال موجوداً في نفوسنا، لابد أن نسمو ونضع أساتذتنا ومعلمينا في المكانة التي يجب أن يكونوا فيها كما علمنا ديننا الحنيف ولن تصلح مجتمعاتنا وترتقي إلا بوضع المعلم في مكانه الصحيح واللائق بالرسالة التي يقوم بتوصيلها لإصلاحنا وإصلاح مجتمعاتنا، ولم أجد بيتا للشعر أو تعبيراً أجمل من قول شاعرنا الفذ أحمد شوقي عندما قال: (قم للمعلم وفه التبجيلا … كاد المعلم أن يكون رسولا)، فعلاً المعلم يصل إلى مكانة الرسول ولكن بتكليف من المجتمع وقدراً من المولى عز وجل، وقد وضع ديننا الإسلامي المعلم في مكانه الصحيح الذي من المفترض أن يضعه مجتمعاتنا فيه، قال تعالى : “أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ” [الزمر: 9]

وقال صلى الله عليه وسلم متحدثا عن نفسه: ( إِن الله لم يبعثني مُعْنِتا ولا مُتَعَنِّتا ولكن بعثني مُعَلِّما مُيَسِّرا).

مكانة المعلم في مجتمعاتنا

العلم والتربية أساس كل حضارة وعمران: عباد الله كلنا نردد مقولة “العلم نور” وهي المقولة لم تأتِ من عبث، فالعلم هو النور الذي ينير الدرب أمام البشرية لتسير في طريق التقدم والازدهار، وهو النور الذي ينير عقل البشر ليخرجوا من ظلمات الجهل، فلولا العلم لبقيت حياة الإنسان بدائية قريبة من عيش الحيوانات العجماوات، وإنه لا يمكن لأمة أن ترتقي إذا لم يكن عندها تعليم راق، وإذا لم تستثمر في ذلك استثمارا حقيقيا.

المعلم هو أساس الحياة

المعلم والمربي الحكيم هو أساس التعليم والتربية

إذا كان للتعليم تلك المكانة والمزية، فإنه لا يكون هناك تعليم جيد دون وجود معلمين مخلصين ومؤهلين، فالمعلم هو أحد عديد العوامل التي تؤدي لنجاح منظومة التربية والتكوين، فهو يساعد التلاميذ على التفكير النقدي، والتعامل مع المعلومة، ويعلمهم القيم والأخلاق، ويهذّب طباعهم ويجعلهم أكثر إيجابية في هذه الحياة، وبالتالي فإنه يخلق مجتمعاً واعياً ومواكباً لكلّ ما هو جديد..

إن المعلم من أسمى وأنبل الأشخاص في هذا العالم، لدوره العظيم الذي يقوم به في المجتمع، بحيث إنّ دوره لا يقلّ أبداً عن دور المهنيين الآخرين كالأطباء، والمهندسين، والصيادلة وغيرهم، بل على العكس فإنّه لولا المعلم لما كانت المعرفة لتصل إليهم حتى يصبحوا على ما هم عليه الآن.

كسرة أخيرة

رسالتي التي أود أن أحملها لمجتمعنا بأن هذا التلميذ البائس عرف قيمة الأستاذ ومكانته لدى الناس ولا يريد أن يشوه هذه الصورة الجميلة...

أما آن الأوان لمؤسساتنا التعليمية أن ترتقي إلى مستوى هذا التقدير العفوي الطفولي وترفع من قدر المعلم وسط المجتمع بدلاً من معاملته كموظف عادي وتستقطع منه العلاوات والبدلات وتصعّب عليه مجابهة غلاء المعيشة، بل أطالب من خلال رسالتي هذه بتكريم المتقاعدين والمتقاعدات من المعلمين تكريماً لما قدموه لهذا المجتمع وتخريجهم أجيالا من أبنائنا الفاعلين في هذا المجتمع والذين ساهموا في بناء هذا الوطن الغالي..

التحية والتقدير لأساتذتنا الأجلاء

الكاتبة الصحفية والخبيرة التربوية

[email protected]

اقرأ المزيد

alsharq سقوط غرناطة من جديد!

إن تأملت حوادث التاريخ، ستجدها تتكرر بنفس السيناريوهات تقريباً، أو أحياناً بشكل تكاد تكون طبق الأصل من بعضها... اقرأ المزيد

312

| 02 أكتوبر 2025

alsharq خطة ترامب.. أسئلة تنتظر أجوبة

اعذروني ولكني أبدو متخوفة جدا من خطة ترامب بشأن غزة حتى وإن مالت الدول العربية ودول العالم ككل... اقرأ المزيد

180

| 02 أكتوبر 2025

alsharq بين جذور المجالس وتيارات الشاشات

في قطر، كما في غيرها من مجتمعات الخليج، لم تكن الهوية يوماً مجرد رواية موروثة، بل كانت دومًا... اقرأ المزيد

162

| 02 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية