رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

1248

إبراهيم عبد المجيد

مسلسل «معاوية» بين المنع والتحريم

06 مارس 2025 , 02:00ص

كالعادة مع شهر رمضان الكريم يشيع الجدل حول المسلسلات التليفزيونية، ومع أول حلقة دون انتظار لبقية الحلقات أو عدد كاف منها. جدل هذا العام عنيف حول مسلسل «معاوية»، وحول تجسيد الصحابة والأنبياء في الأفلام أو المسلسلات وحرمته. ففي المسلسل شخصيات كثيرة من الصحابة. أول ما أحب أن أشير إليه هو أن الفن لا يُحدِث تحولا في فكر المشاهد إلا إذا كان لديه استعداد نفسي لذلك. في الفن حرية وأكثر الشخصيات فتنة للقارئ في الروايات أو الأفلام، هي الشخصيات المغامرة والخارجة على المألوف. كم شخصا تأثر بها؟ ربما لا أحد غير من يدفعهم المجتمع إلى ذلك. قرأنا كثيرا أن روايات مثل «كوخ العم توم» للكاتبة الأمريكي هارييت بتشر ستو، ساهمت في إشعال الحرب الأهلية الأمريكية. والحقيقة أن الحرب اشتعلت لرغبة الشمال في ثروات الجنوب الطبيعية التي هي أكثر، وظلت العبودية بعدها لعشرات السنين. وأن رواية «الأم» لماكسيم جوركي أشعلت الثورة الشيوعية في روسيا، والحقيقة أن الشيوعيين كان لهم تاريخ من النضال قبلها بكثير. وأن رواية « عودة الروح « لتوفيق الحكيم كانت أحد أسباب حركة يوليو 1952، والحقيقة أن طريق الليبرالية في مصر كان تقريبا قد أنهى على نفوذ الملك فاروق، وجاء عصر الانقلابات وكانت أمريكا من مشجعيه، لتحتل مكان بريطانيا وفرنسا، اللتين خرجتا من الحرب العالمية الثانية أضعف. إذن ماذا يفعل الفن؟ يصنع إنسانا سويا بالقراءة أو المشاهدة والمتعة التي يشعر بها.

يأتي مسلسل معاوية فتشتعل الآراء حوله، تُصدر هيئة كبار العلماء بالأزهر في مصر، بيانا بتحريم المشاهدة بسبب تجسيد الصحابة وتمنعه العراق. أعرف أن العراق يعيش تحت صراع بين السنة والشيعة، والموالون لإيران لهم النفوذ الأكثر، وفي الوقت الذي يمنعون المسلسل لا يمنعون مسلسلات إيرانية جسدت الصحابة مثلا. للأمر في العراق خلفية سياسية. في مصر سبب تحريم تجسيد الصحابة والأنبياء في الفنون أنهم أعظم من أي ممثل. هنا يتناسى الذين يحرمون ذلك أن من تشاهده على الشاشة ليس الممثل، بل شخصية فنية. كم شخصية يتمثلها الممثل في حياته وأين هو منها؟ ثم نحن في مصر خارج الصراع بين السنة والشيعة. عقولنا سنة لكن قلوبنا مع آل بيت الرسول وحبنا لهم فائق، وليس أجمل لدى المصريين من زيارة ضريح السيدة زينب أو الحسين. تحريم تمثيل الصحابة أمر قديم للأزهر ليس مفاجئا لي. أذكر اجتماعا لنا أنا وبعض الفنانين مثل حسين فهمى والمخرج مجدي أحمد علي والمنتج محمد العدل منذ عشر سنوات تقريبا، مع شيخ الأزهر ورجاله لنقنعهم بتجسيد الصحابة، ولم يوافقوا. لكن هل يصلح المنع أو التحريم في هذا الزمن. المنع فاشل مقدما لأن هناك وسائط للفرجة غير التليفزيون شائعة حتى مع الأطفال، مثل الهاتف النقال. المنع يجذب المشاهد أكثر للعمل. هو فقط يريح المسؤولين. أنظر إلى الفن التشكيلي في أوروبا عبر الزمان، وكيف جسد كل الأنبياء ومن معهم قبل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، في لوحات فنية باهرة. لم يرَ أحد هذه اللوحات ليؤمن أو يكفر، لكنها المتعة البصرية لا أكثر. كذلك فعلوا في السينما. أنظر كم ضاع علينا من متعة بسبب التحريم.

كان على المهاجمين الانتظار ويكون النقد الفني لمفردات البناء الدرامي، من أزياء ومبان ولغة وغيرها ومناسبتها. كذلك النقد الفكري إذا حرص المسلسل على تبرئة معاوية دائما، خاصة في أحداث الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان ابن عفان. وفي النهاية لن يغير المسلسل العالم.

مساحة إعلانية