رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

1329

السادة:لا سعادة ولا استقرار في الحياة إلا بالامتثال لشرع الله

24 يوليو 2015 , 07:53م
alsharq
الدوحة - بوابة الشرق

قال فضيلة الشيخ عبدالله السادة إِنَّ تَحْقِيقَ حَيَاةٍ سَعِيدَةٍ مِلْؤُهَا الأَمْنُ وَالاِسْتِقْرَارُ، بَاطِنُهَا التَّرَاحُمُ وَظَاهِرُهَا الاِعْتِزَازُ وَالاِنْتِصَارُ؛ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِامْتِثَالِ شِرْعَةِ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، فَفِي تَغْيِيبِ تِلْكَ التَّشْرِيعَاتِ الْمُبَارَكَةِ يَعِيشُ النَّاسُ أَحْوَالاً مُضْطَرِبَةً، وَيُقَاسُونَ أَلْوَاناً مِنَ الذُّلِّ وَالْكَآبَةِ، فَالْعَمَلُ لاَ يَتِمُّ، وَالْحَضَارَةُ لاَ تَزْدَهِرُ، وَالْمُجْتَمَعُ لاَ يَرْتَقِي، وَالأَمْرَاضُ تَسْتَعْصِي وَتَتَوَرَّمُ، وَقُلُوبُ النَّاصِحِينَ الْمُشْفِقِينَ تَتَصَدَّعُ وَتَتَأَلَّمُ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ فِي الْمُعْرِضِينَ عَنْ هَدْيِهِ الْمُحْكَمِ: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً".. وذكر السادة في خطبة الجمعة، أنَّ حَاجَةَ الْمُجْتَمَعَاتِ إِلَى الأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ ضَرُورِيَّةٌ، لاَ تَقِلُّ عَنْ حَاجَتِهَا لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَكَثِيراً مَا يَقْرِنُ الْقُرْآنُ بَيْنَ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ، كَمَا قَالَ جَلَّ جَلاَلَهُ: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ". وأضاف: "وَلَمَّا كَانَ الأَمْنُ وَالاِسْتِقْرَارُ أَسَاسَ كُلِّ دَعْوَةٍ سَدِيدَةٍ، وَأَصْلَ كُلِّ دَوْلَةٍ قَوِيَّةٍ رَشِيدَةٍ؛ دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِهَذَا الدُّعَاءِ: " رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ"، بَلْ إِنَّ اللهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ بِحُصُولِ الأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ فِيهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً"، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ" أَيْ: مِنَ الْعَذَابِ وَالْمَوْتِ وَانْقِطَاعِ النَّعِيمِ، وَلَوْلاَ حُصُولُ هَذَا الأَمْنِ لَمْ يَلْتَذُّوا بِالْجَنَّةِ.. وَعَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ جَهنَّمُ، فَقَدْ عُوقِبَ أَهْلُهَا بِفِقْدَانِ الأَمْنِ، وَبِالْمَصِيرِ الْمُظْلِمِ، وَالْمُسْتَقَرِّ الأَسْوَأِ، "إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً".

عاقبة فقد الأمن

وأكد السادة أِنَّ كُلَّ بَلَدٍ يَفْقِدُ الأَمْنَ وَالاِسْتِقْرَارَ بِأَنْوَاعِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ؛ دِينِيّاً كَانَ أَوْ سِيَاسِيّاً، اقْتِصَادِيّاً كَانَ أَوِ اجْتِمَاعِيّاً، تَضْطَّرِبُ أَحْوَالُهُ، وَيُفَارِقُهُ أَهْلُهُ مُخَلِّفِينَ وَرَاءَهُمْ كُلَّ غَالٍ وَنَفِيسٍ، يَنْشُدُونَ بَلَداً يَنْعَمُ بِالأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ؛ لأَنَّهُ لاَ قِيمَةَ لِلأَمْوَالِ وَالدُّورِ إِذَا فُقِدَ رُكْنُهَا الرَّكِينُ؛ وَهُوَ الأَمْنُ، وَلَكَمْ تَجَرَّعَتِ الْبَشَرِيَّةُ الذُّلَّ وَالْفِتَنَ، وَتَاهُوا فِي أَوْدِيَةِ الْبَلاَيَا وَالْمِحَنِ؛ حِينَ تَخَلَّوْا عَنْ أَسْبَابِ الأَمْنِ، وَاسْتَهَانُوا بِنِعْمَةِ الاِسْتِقْرَارِ.

ولفت إلى أن القرآن الكريم سَجَّلَ شَيْئاً مِنْ أَحْوَالِهِمْ لِنَتَّعِظَ وَنَعْتَبِرَ، "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ، وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً".. "وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ". وذكر أن لِلأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ أَسْبَاباً مُهِمَّةً، وَطُرُقاً تَنْتَشِلُ أَصْحَابَهَا مِنَ الْحَضِيضِ وَالْمَذَمَّةِ، وَتَعْلُو بِهِمْ إِلَى الشُّمُوخِ وَالسُّؤْدَدِ وَالْقِمَّةِ، فَالأُمَّةُ الَّتِي تَقْوَى وَتَسُودُ هِيَ الَّتِي تَعْمَلُ بِلاَ كَسَلٍ وَرُكُودٍ، وَفِي تَأْصِيلِ هَذَا الْمَعَنْى الْجَلِيلِ تَضَافَرَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: طهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"، وَيَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا"، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجِزْ" صدق رسول الله.. وقال الخطيب إِنَّ مِنْ أَسْبابِ الأَمْنِ وَطُرُقِ الاِسْتِقْرَارِ، اجْتِمَاعَ الْقُلُوبِ عَلَى الْوَحْيِ الْمُحْكَمِ؛ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَتَتَوَحَّدُ الْكَلِمَةُ وَالأَهْدَافُ، وَيَسُودُ الْعَدْلُ وَالإِنْصَافُ، فَلاَ تَعَصُّبَ إِلاَّ لِلْحَقِّ، وَلاَ تَعَامُلَ إِلاَّ بِصِدْقٍ، فِي بُعْدٍ عَنِ الْعَصَبِيَّاتِ الضَّيِّقَةِ، وَمُوغِرَاتِ الصُّدُورِ الْمُفرِّقَةِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"..

تشديد على جهاد المنافقين

وذكر أيضا أن مِنْ أَسْبَابِ الأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ عَدَمُ التَّهَاوُنِ فِي جِهَادِ الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"، فَفِي تَرْكِ الْجِهَادِ تَعْرِيضُ الأُمَّةِ بِأَسْرِهَا لِلْهَلاَكِ، فَلاَ عُلُوَّ لِلإِسْلاَمِ إِلاَّ بِقُوَّةٍ تَحْمِيهِ، وَظُهُورٍ يُرَغِّبُ لِلدُّخُولِ فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ تَوَعَّدُ اللهِ الأُمَّةَ بِالاِسْتِبْدَالِ، إِنْ هِيَ تَخَلَّتْ عَنْ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ الْعَظِيمَةِ، سَوَاءٌ كَانَ بِالنَّفْسِ أَمْ بِالْمَالِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ: "إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".. وأِشار إلى أن مِنْ طُرُقِ الأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ إِقَامَةُ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ، فَقَدْ فَرَضَهَا اللهُ تَعَالَى لِمَصَالِحَ مَعْلُومَةٍ، لاَ تَكَادُ تَخْفَى عَلَى ذِي عَقْلٍ وَإِنْصَافٍ، فَفِي إِقَامَتِهَا حِفْظٌ لِلأُصُولِ الْمُهِمَّةِ: الدِّينِ، وَالنَّفْسِ، وَالنَّسْلِ وَالْعِرْضِ، وَالْعَقْلِ، وَالْمَالِ، وفِي تَضْيِيعِهَا إِشَاعَةٌ لِلْجَرَائِمِ وَالْفَوَاحِشِ، وَمَهْمَا اخْتَرَعَ الْبَشَرُ مِنْ عُقُوبَاتٍ، فَلَنْ تَصِلَ إِلَى الْمَقْصُودِ الَّذِي أَرَادَهُ الشَّارِعُ مِنَ الأَمْنِ وَالرَّخَاءِ، وَقَدْ شَبَّهَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ وَالْخِصْبِ، فَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الأَرْضِ خَيْرٌ لأَِهْلِ الأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا".

العدل أساس الأمن

وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ: إِقَامَةُ الْعَدْلِ بَيْنَ الرَّعِيَّةِ، وَالْحُكْمُ بِالإِنْصَافِ وَالسَّوِيَّةِ، لاَ عَلَى مُقْتَضَى الْجَاهِ وَالأَهْوَاءِ الرَّدِيَّةِ، فَيُؤْخَذُ الْحَقُّ مِنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ أَقْسَمَ فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"، وَاخْتَصَمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَعَ يَهُودِيٍّ فِي دِرْعٍ، فَحَكَمَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي بِالدِّرْعِ لِلْيَهُودِيِّ لِعَدَمِ وُجُودِ البَيِّنَةِ عِنْدَ الْمُدَّعِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ!! وَأَخَذَ الْيَهُودِيُّ الدِّرْعَ، وَمَضَى وَهُوَ لاَ يَكَادُ يُصَدِّقُ نَفْسَهُ! ثُمَّ عَادَ بَعْدَ خَطَوَاتٍ لِيَقُولَ: يَا لَلَّهِ!! أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُقَاضِينِي إِلَى قَاضِيهِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ؟ إِنَّ هَذِهِ أَخْلاَقُ أَنْبِيَاءٍ! أَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ! الدِّرْعُ دِرْعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، سَقَطَتْ مِنْ بَعِيرِكَ الأَوْرَقِ فَأَخَذْتُهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: "أَمَا إِذْ أَسْلَمْتَ فَهِيَ لَكَ".

الإسلام نظم الحياة

وأوضح فضيلته أن الإِسْلاَمَ بِتَشْرِيعَاتِهِ الْمُحْكَمَةِ، سَنَّ مِنَ الأَحْكَامِ وَالآدَابِ مَا يَجْعَلُ حَيَاةَ النَّاسِ مُنْتَظِمَةً، فَعَرَّفَ الْمُكَلَّفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبَاتٍ، وَدَلَّهُ عَلَى مَا لَهُ مِنْ حُقُوقٍ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بَيْنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ، أَوِ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ، أَوِ الْوَالِدِ وَأَوْلاَدِهِ، أَوِ الْجَارِ وَجِيرَانِهِ، أَوِ الْمُعَلِّمِ وَتَلاَمِيذِهِ، ثُمَّ جَعَلَ التَّعَامُلَ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، فَغَدَا الْمُؤْمِنُ هُوَ الَّذِي يَأْمَنُهُ النَّاسُ، وَالْمُسْلِمُ هُوَ الَّذِي يَسْلَمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، فَيَعِيشُ الْمُجْتَمَعُ الْمُسْلِمُ أَمْناً اجْتِمَاعِيّاً وَأَخْلاَقِيّاً لاَ نَظِيرَ لَهُمَا.. وأكد السادة أَنَّ الإِسْلاَمَ حَقَّقَ الأَمْنَ وَالاِسْتِقْرَارَ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ؛ مِمَّنْ عَاشُوا فِي كَنَفِهِ وَتَحْتَ وَلاَيَتِهِ، فَحِينَ انْسَحَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ مِنْ حِمْصَ، بَعْدَ أَنْ فَرَضَ عَلَيْهَا الْجِزْيَةَ، بَكَى النَّصَارَى فِي حِمْصَ، وَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْتُمْ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ الرُّومِ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى دِينِنَا، أَنْتُمْ أَوْفَى لَنَا، وَأَرْأَفُ بِنَا، وَأَكَفُّ عَنْ ظُلْمِنَا، وَأَحْسَنُ وِلاَيَةً عَلَيْنَا، وَلَكِنَّهُمْ (أَيِ: الرُّومَ) غَلَبُونَا عَلَى أَمْرِنَا، وَعَلَى مَنَازِلِنَا!!

وقال الشيخ: إِنَّ تَشْرِيعَاتِ الإِسْلاَمِ تَعَدَّتْ بَنِي الإِنْسَانِ؛ حَتَّى أَضْفَتِ الأَمَانَ عَلَى النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، فَحَرَّمَتْ إِتْلاَفَ النَّبَاتِ دُونَ سَبَبٍ سَائِغٍ، وَمَنَعَتْ إِيذَاءَ الْحَيَوَانِ وَقَتْلَهُ دُونَ حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ: الصَّيْدُ الْجَائِرُ لِلطَّيْرِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ؛ الَّذِي يُؤَثِّرُ سَلْباً عَلَى الْبِيئَةِ، ثُمَّ يَنْعَكِسُ ذَلِكَ عَلَى الإِنْسَانِ، فَالشَّرْعُ بِقَاعِدَتِهِ الْعَامَّةِ حَرَّمَ الضَّرَرَ كُلَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ وَاقِعاً عَلَى الإِنْسَانِ، أَوْ عَلَى النَّبَاتِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ"، وَلاَ يُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ لِسَبَبٍ سَائِغٍ وَمَقْصُودٍ صَحِيحٍ؛ فَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ، قَالَ: "مَا مِنْ إِنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُوراً فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلاَّ سَأَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: "حَقُّهَا أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا وَلاَ يَقْطَعْ رَأْسَهَا فَيَرْمِي بِهِ".

العدل طوق النجاة

واختتم السادة بالقول: "إِنَّهُ لاَ حَيَاةَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، وَلاَ نَجَاةَ لَهَا فِي عُصُورِهَا الْمُتَأَخِّرَةِ، إِلاَّ بِالتَّمَسُّكِ بِأَسْبَابِ الَْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ، وَالْقُوَّةِ وَالْمَهَابَةِ، فَفِي ظِلِّهَا تَنْعَمُ بِالأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ، فَإِنْ فَرَّطَتْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَقَعَ نَقِيضُ ذَلِكَ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"، وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: "يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فَقَالَ قَائِلٌ: أوَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"..!! فَالْعَمَلَ الْعَمَلَ مَعْشَرَ الأَنَامِ، وَالْعَوْدَةَ الْعَوْدَةَ لِعِزِّ الإِسْلاَمِ، كَمَا كَانَ أَسْلاَفُنَا فِي سَالِفِ الأَيَّامِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ والمسلمات.

اقرأ المزيد

alsharq الداخلية: إغلاق مروري على بعض الطرق بالتزامن مع استضافة القمة العالمية للتنمية

أعلنت وزارة الداخلية عن إغلاق مروري مؤقت على بعض الطرق، بالتزامن مع استضافة دولة قطر لمؤتمر القمة العالمي... اقرأ المزيد

630

| 03 نوفمبر 2025

alsharq  رئيس مجلس الوزراء يهنئ رئيس بنما

بعث معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، برقية تهنئة إلى... اقرأ المزيد

32

| 03 نوفمبر 2025

alsharq سمو نائب الأمير يهنئ رئيس بنما

بعث سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل ثاني نائب الأمير، برقية تهنئة إلى فخامة الرئيس خوسيه راؤول مولينو... اقرأ المزيد

26

| 03 نوفمبر 2025

مساحة إعلانية