اقترح ديوان الخدمة المدنية والتطوير الحكومي تخفيف ساعات العمل للموظفات الأمهات القطريات وأمهات الأبناء القطريين في الجهات الحكومية، بناءً على التجربة الناجحة في...
رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
حققت مكتبة قطر الوطنية العديد من الانجازات والمشاريع، التي ساهمت بشكل كبير في إحداث نقلة واضحة في العلم والمعرفة بالشرق الأوسط، وتشكيل هوية فريدة في تنمية المعارف المختلفة، وقد شهدت المكتبة منذ افتتاحها في نوفمبر الماضي وحتى الآن (396.280) زائرا، في حين وصل عدد الأعضاء المسجلين الجدد في المكتبة (88.390) عضواً جديداً، وتم إعارة (686,671) كتاباً، وذلك حسب آخر إحصائية حصلت عليها الشرق. وانطلاقًا من وظيفتها كمكتبة عامة، توفر مكتبة قطر الوطنية لجميع المواطنين والمقيمين في دولة قطر فرصًا متكافئة للاستفادة من مرافقها وتجهيزاتها وخدماتها التي تدعم الإبداع والاستقلال في اتخاذ القرار لدى روادها، ومن خلال نهوضها بكل هذه الوظائف تتبوأ المكتبة دورًا رياديًا في قطاع المكتبات والتراث الثقافي في الدولة. وتعد مكتبة قطر الوطنية من أكبر داعمي المكتبة الرقمية العالمية، حيث ساهمت فيها حتى الآن بأكثر من 345 مؤلفا ومخطوطة تاريخية، وقد تم رقمنة 3.5 مليون صفحة حتى الآن من الوثائق التاريخية، والمخطوطات العربية والإسلامية، نشر منها على مكتبة قطر الرقمية نحو مليون ونصف مليون وثيقة، وأصبحت متاحة للمطالعة والقراءة، في حين أن هناك تعاونا واسع النطاق مع كبرى المكتبات العالمية من مختلف أنحاء العالم لتبادل الخبرات وتعزيز التعاون في المشاريع ذات الاهتمام المشترك. تم تصميم مبنى مكتبة قطر الوطنية على مساحة قدرها 45.000 متر مربع، وفق أحدث معطيات التكنولوجيا الحديثة، حيث تبلغ السعة الإجمالية لعرض الكتب في المكتبة مليون و200 ألف كتاب تقريباً، منها أكثر من 150 ألف كتاب ومجلة في مكتبة الأطفال واليافعين، في حين توفر المكتبة أكثر من 200 مصدر إلكتروني يمثل كل منها نافذة على أحدث ما وصلت إليه المعرفة الإنسانية من كتب ومجلات ودوريات أجنبية في مختلف التخصصات. وتساهم المكتبة التراثية، التي تقع في منتصف المبنى، قلب مكتبة قطر الوطنية وبتصميم معماري متميز يجعلها تشبه المواقع الأثرية، بطريقة فريدة في إثراء المشهد الثقافي لدولة قطر، حيث توفر أكثر من ( 26) ألف كتاب مطبوع باللغة العربية وباللغة الإنجليزية وغيرهما من اللغات، في حين تضم ما يزيد على ( 1.300 ) خريطة و(4.000 ) مخطوطة، وآلاف الصور الفوتوغرافية ومجسمات لكوكب الأرض، وكتابات الرحالة والمستكشفين ممن حطّوا رحالهم في منطقة الخليج العربي، في حين لدى المكتبة أرشيف يحتوي على المواد الأرشيفية التاريخية والثقافية القيّمة لدولة قطر ومنطقة الخليج والشرق الأوسط والتي تم اقتناؤها من مصادر محلية وإقليمية وعالمية. توفر مكتبة قطر الوطنية، مصادر ومواد معرفية تم إنتاجها خصيصاً لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة لتتناسب مع احتياجاتهم، وذلك في إطار جهود المكتبة المتواصلة بتوفير مئات الآلاف من الكُتُب والمواد المعلوماتية والتعليمية في جميع مجالات المعرفة، وتقدم المكتبة الدعم والمساندة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد تم تجهيز المبنى ليستوعب المستخدمين من هذه الفئة، وإتاحة الفرصة أمامهم للتنقل بحرية في أرجاء المكتبة وبين الأرفف من خلال الممرات المائلة، بهدف الوصول إلى مصادر المعلومات والمواد المعرفية بما في ذلك الكتب الإلكترونية، والكتب المسموعة، ومقاطع الموسيقى والفيديو. وقد صمم مكتبة قطر الوطنية المعماري الهولندي رم كولهاس في قلب المدينة التعليمية ، وصنف المبنى ضمن أفضل 10 مبان خلال العام 2018 ، وذلك وفق تصنيف موقع «Dezeen» البريطاني أحد أهم المواقع لمهندسي وطلاب العمارة، حيث ذكر الموقع أن مبنى المكتبة صمم على مساحة قدرها 45.000 متر مربع، وفق أحدث معطيات التكنولوجيا الحديثة بما يحفز الزوار على استكشاف مسيرة تطور المعرفة من الماضي إلى الحاضر، كما روعي في تصميم المبنى تحقيق التوازن بين توافر المحتوى المعرفي وسهولة الوصول إليه من جهة، والمحافظة على هذا المحتوى وصونه في مكان آمن من جهة أخرى.
5825
| 09 نوفمبر 2018
أكدت دولة قطر على أهمية بذل المزيد من الجهود لتهيئة بيئة مواتية لتشجيع العلم والابتكار ونشر التكنولوجيات، وتعزيز فرص وصول واستفادة جميع فئات المجتمع، خاصة النساء والشباب والأطفال، من خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. جاء ذلك في بيان دولة قطر الذي ألقاه السيد أحمد سيف الكواري السكرتير الثالث في الوفد الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة، أمام اللجنة الثانية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة حول البند (16) الخاص بـ "تسخير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض التنمية". وقال البيان "إن اجتماع اليوم يعكس استمرار اهتمام المجتمع الدولي بموضوع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بوصفها عنصرا محوريا في تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وما تشكله من فرصة فريدة لتطوير المجتمعات والقضاء على الفقر، وتعزيز الركائز الثلاث للتنمية المستدامة على نحو يكفل عدم تخلف أحد عن الركب".. مبينا أن خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وخطة عمل أديس أبابا أولت حيزا هاما لموضوع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ودورها في تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة. ونوه بأن دولة قطر تولي اهتماما خاصا للاستفادة من الإمكانات الهائلة التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والاستثمار فيها، وتنظر إليها كعناصر أساسية للمضي قدما نحو تحقيق التنمية المستدامة. وأضاف البيان أنه "وضمن هذا التوجه، خطت دولة قطر خطوات كبيرة في بناء قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذي يعود بالفائدة على جميع قطاعات المجتمع. وتضطلع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دولة قطر بدور هامٍ في هذا المجال حيث تجري الوزارة، من بين العديد من المسائل الأخرى، دراسة سنوية تمكنها من قياس مدى التقدم الذي تم إحرازه في أهدافها الشاملة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتقوم كذلك بصياغة السياسات والبرامج ذات الصلة، والتوسع في توفير الخدمات المتطورة على الإنترنت". وذكر أن واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا تعتبر جزءا من قطاع البحوث والتطوير في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، كما أنها المنصة الأساسية الحاضنة لمشاريع تطوير التكنولوجيا، وتسعى لدعم البحوث والابتكار وروح الريادة، وقد تم أيضا تأسيس مركز التكنولوجيا المساعدة (مدى) كمنظمة غير ربحية تسعى إلى تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال تقنية المعلومات والاتصالات، وتمكينهم من التواصل وتعلم مهارات الحياة والانخراط في التعليم والعمل. وأكد أن إدراك دولة قطر لأهمية قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والسياسات التي اتبعتها في مختلف المجالات لتطوير هذا القطاع وتعزيز دوره قد انعكست من خلال تصنيف دولة قطر في مصاف أوائل الدول في العالم على مختلف المؤشرات الواردة في تقرير تقنية المعلومات العالمي لعام 2016 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، بما في ذلك تصنيفها الثالثة عالميا في مجال القوانين الوطنية المتصلة باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ونبه إلى أن جرائم الأمن الإلكتروني والقرصنة تشكل نسبة كبيرة من الجرائم التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وتثير قلقا بالغا لدى المجتمع الدولي، مما يتعين التعامل مع هذه الظاهرة بالشكل الذي يتناسب مع خطورتها، وأن يتم اللجوء إلى تدابير وإجراءات ليس فقط بحظر ومعاقبة الجهات التي تتورط في القرصنة لتحقيق مكاسب سياسية أو شخصية، ولكن التعامل معها كمصدر رئيسي لتهديد السلم والأمن الدوليين..وفي نفس السياق، يتوجب حظر المعلومات التي يتم الحصول عليها من خلال القرصنة، واعتبارها معلومات فاقدة للقيمة القانونية، وبالتالي فإن من حق الدول المعنية أو المتأثرة بالجرائم الإلكترونية أن تحصل على حقوقها بموجب القانون الدولي. وقال البيان، في الختام، إن دولة قطر تتعرض لإجراءات أحادية غير قانونية تم التمهيد لها بجريمة قرصنة إلكترونية من أجل تحقيق أهداف سياسية تنتهك مبادئ القانون الدولي والعلاقات الدولية، وحقوق الإنسان.. مؤكدا أن إساءة استخدام تكنولوجيا المعلومات لتحقيق أهداف سياسية وفرض إجراءات غير قانونية ضد الدول ومصادرة القرار السيادي للدول، وفرض الوصاية عليها والتدخل في شؤونها الداخلية يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي ويضر بالدول التي تتعرض مثل هذه الإجراءات التعسفية، وينتهك حقوق شعبها وأمنها الوطني ويشوه صورتها، مما يستوجب وقوف المجتمع الدولي ضد هذه الانتهاكات.
954
| 15 أكتوبر 2017
دار الكتب القطرية.. صرح ثقافي عريق يضيء مواكب النهضة الحديثة صرح ثقافي ومعرفي يضيء موكب النهضة الحديثة التي تشهدها قطر، لا يستمد قيمته من بنائه الشامخ العريق، بل من سعته لمئات الآلاف من الكتب والمخطوطات والدوريات والصحف والمجلات، وغيرها من المصادر والمراجع القيمة والنفيسة، وأوعية المعلومات والمعرفة المتنوعة والمختلفة ..إنها دار الكتب القطرية التي تضم في أروقتها وقاعاتها كنوز قطر الثمينة والنادرة، المكتبة الباذخة، التي يؤمها من أراد المطالعة وعياً ومن شاء الكتاب مرجعاً. تعد دار الكتب القطرية التي أنشئت عام 1962، من أقدم المكتبات الوطنية الخليجية والعربية، فهي المكتبة الوطنية للدولة ومن مسؤولياتها جمع الإنتاج الفكري القطري وتوفيره للأفراد والهيئات، بالإضافة إلى خدمة الجمهور وتقديم الإعارة لكافة فئات المجتمع. تحتضن دار الكتب القطرية، قاعة المخطوطات التي يزيد عمرها على 850 عاماً، وتساهم في حفظ جانب من الإرث الحضاري لأمتنا العربية والإسلامية من الضياع، حيث تضم بين جنباتها أندر وأنفس المخطوطات القديمة والأصلية التي تغطي فروعا كثيرة من العلوم الإسلامية والعربية ، ومن أهمها علوم القرآن والتفسير وعلوم الحديث، والفقه والطب والفلك والكيمياء والحساب والجغرافيا والتاريخ والشعر، بالإضافة إلى احتوائه على المخطوطات المستنسخة، كمخطوط (الكشف والبيان عن تفسير القرآن) المعروف بتفسير الثعلبي، الذي يعود تاريخه إلى قرابة 856 سنة. والعديد من المصاحف بإطاراتها المذهبة والمزخرفة ، والتي كتبت بخط النسخ الواضح الجلي، كما يقوم قسم المخطوطات بعمليات الترميم والتصنيف والفهرسة والحفظ الإلكتروني، لإتاحتها للباحثين والمهتمين داخل وخارج قطر، دون إي رسوم ، تقديراً لمكانتهم ودورهم في إعادة تاريخ أصيل وإضاءة ثقافة عريقة.. كما تضم دار الكتب القطرية أقسام التزويد والفهرسة والتصنيف ، حيث يقوم الأول بالرصد والمتابعة لحركة النشر المحلي والعربي والدوليين ، وتنفيذ سياسة التزويد وتنمية المجموعات وتنويعها ، وإعداد الاشتراك بالدوريات ومتابعة وصولها ، بالإضافة إلى مركز الايداع القانوني الذي يلزم المؤلف والناشر والطابع متضامنين بإيداع خمس نسخ من كل مطبوع، كما تودع نسخة من الرسائل الجامعية للقطريين بالمركز ، أما الثاني فيتولى تصنيف الكتب العربية والأجنبية وفق القواعد الدولية وإعداد الفهارس والقوائم الببليوجرافية، إذ يسهم القسم بإصدار الأدلة والببلوجرافيات من أجل تسهيل البحث لرواد المكتبة ، مثل دليل الرسائل الجامعية للباحثين القطريين ، ودليل الدوريات ، ودليل معرض الدوحة الدولي للكتاب. ومن الأقسام الحيوية التي تحتويها دار الكتب القطرية، وترتبط وتتواصل مع جمهور المكتبة سواء في توفير وتقديم الخدمات للقراء داخل المكتبة أو خارجها ، هي الإعارة الخارجية والإطلاع الداخلي وتوفير خدمة الإرشاد المرجعي والتصوير ، حيث يتيح الأول للقراء الأعضاء استعارة الكتب خارج المكتبة بمعدل كتابين ولمدة أقصاها شهر واحد ودون أية رسوم ، كما يتيح الثاني المطالعة في قاعات المكتبة المفتوحة في أجواء مميزة بالهدوء والراحة ، بالإضافة إلى توفر قاعة لمطالعة الصحف والمجلات والدوريات المحلية والعربية والأجنبية التي تشترك بها الدار وتقدمها لجمهور القراء يوميا.. كما تولي دار الكتب أهمية خاصة لمعارض الكتب ، سواء المعارض الخارجية التي تحرص على المشاركة فيها باستمرار، أو المعارض المحلية التي يقع معرض الدوحة الدولي للكتاب السنوي في مقدمته ، ويعتبر من أكبر معارض الكتب الدولية التي تقام في المنطقة وتحظى بسمعة طيبة واقبال كبير، إلى جانب مشاركتها في الندوات والمؤتمرات العربية والدولية، علاوة على إصدارها للمطبوعات والأدلة الببلوغرافية التي تساعد الجمهور والباحثين في الاستفادة من مقتنيات المكتبة .. كما تتبع دار الكتب القطرية خمس مكتبات فرعية موزعة في سائر أنحاء الدولة ومدنها وقراها تسهم جميعها في إقامة الأنشطة والفعاليات الثقافية والاهتمام بالقراءة والمطالعة والتثقيف، وتشجيع المواطنين والمقيمين عليها ، وهي : مكتبة الخور العامة التي تقع في مدينة الخور وأنشئت عام 1977، ومكتبة الشمال العامة التي تقع في مدينة الشمال وأنشئت عام 979 ، ومكتبة الخنساء العامة (للسيدات والأطفال) وتقع في الدوحة طريق الدائري الرابع مقابل دار الشرق ، وهي أول مكتبة نسائية في قطر أنشئت عام 1981 ، ومكتبة الريان العامة التي تقع في منطقة الريان أحد أحياء العاصمة. وقد أنشئت عام 1982 ، بالإضافة إلى مكتبة الوكرة العامة التي تقع في مدينة الوكرة جنوب العاصمة، وأنشئت عام 1985.
9950
| 07 يونيو 2017
بدأت قوات عراقية مشتركة، اليوم السبت، عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على بلدة "العلم" في مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام "داعش"، بحسب مصادر متطابقة. وقال مصدر عسكري عراقي، إن القوات العراقية المشتركة بدأت صباح اليوم السبت، عملية عسكرية من 4 محاور لتحرير بلدة العلم، وتسعى لدخولها خلال ساعات قليلة لطرد مقاتلي "داعش" منها. وأوضح أن العملية تشارك فيها قوات من قيادة عمليات "دجلة"، و"سامراء"، و"صلاح الدين" التابعة جميعها للجيش العراقي، إضافة إلى مقاتلين من العشائر الموالية للحكومة ومن "الحشد الشعبي"، إضافة إلى فوج "أمية جبارة"، وبإسناد من طيران الجيش العراقي. من جهته، قال مروان ناجي المتحدث باسم مجلس شيوخ صلاح الدين، وينحدر أصله من بلدة العلم، إن مئات المقاتلين يشاركون في عملية تحرير "العلم"، وتوقع انتهاء العملية العسكرية في "وقت قريب".
250
| 07 مارس 2015
أقامت مدرسة عبد الرحمن بن جاسم الإعدادية المستقلة للبنين إحتفالاً بيوم العلم تحت شعار "رسول العلم شكراً" تم خلاله تكريم المعلمين المتميزين حيث قام الأستاذ يوسف عبد الله العبد الله صاحب الترخيص ومدير المدرسة يرافقه الأستاذ محمد عبد الرحمن فخرو نائب المدير للشؤون الأكاديمية والأستاذ حسن عبد الله نائب المدير للشؤون الإدارية والطلابية بتكريم المعلمين. كما قامت مجموعة الطلاب بتكريم كوكبة من المعلمين والإداريين وخلال حفل التكريم تم إلقاء قصائد شعر وكلمات معبرة عن مدى حب الطلاب للمعلمين وقامت المدرسة بتوزيع الزهور ورسائل الشكر على جميع المعلمين والعاملين بالمدرسة كما زينت الجدران بالبنرات واللوحات التي تحمل عبارات الشكر والتقدير للمعلم كما قام مجلس المعلمين بتكريم رواد المدرسة من قدامه المعلمين والموظفين . و قال صاحب الترخيص في بداية الحفل يسعدني أن أتقدم بالتهنئة لكل معلم على هذه الأرض الطيبة , تحية تقدير لمن يغرس بذور الأمل والتقدم , تحية إعزاز لمن يصنع الحضارات , ويؤهل رجالها , وصدق المولى سبحانه القائل في كتابه : "إنما يخشى الله من عباده العلماء" , وصدق رسوله الكريم بقوله : " العلماء ورثة الأنبياء"وما قول أمير الشعراء إلا تأكيدا واعترافا بما جاء بالقرآن وحديث الرسول فقال "كاد المعلم أن يكون رسولا" لذلك . وقال ان المعلم هو أساس النهضة , وحجر الزاوية الذي عليه ترتكز صناعة الحضارات , ومن ثم تتقدم الأمم و هو الشمعة المضيئة التي تحترق تدريجيا لتنير طريق الآخرين , هو طوق النجاة للباحثين عن الحياة , هو عنوان الأمل لمن أراد تقدما وتطورا , فالأمم جميعها يُقاس تقدمها بالنهضة والحضارة , وكلاهما لا يتأتى بدون التعليم . وقال أن المعلم هو من ندعو الجميع للاقتداء به.أما أولادنا الطلاب وأولياء أمورهم الأعزاء فندعوهم جميعا لإجلال المعلم واحترامه وتقديره وتكريمه , فلا فضل يوازي فضل المعلم , ولا يوجد من يستحق التكريم أكثر من معلم أفنى عمره ليخرج من بين يديه الجيل تلو الجيل ممن يحملون على عاتقهم مهمة الارتقاء ببلادهم , فلولا فضل المعلم ما كانوا ولولا جهوده ما نهضت الأمم.نكرر تقديرنا واحترامنا لكل المعلمين , وندعو الله لهم بمزيد من النجاح والتوفيق.
2808
| 06 أكتوبر 2014
المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة الحادية عشرة التفوق في علوم الدنيا: أما علوم الدنيا, فأعدل ما قيل فيها ما قاله الإمام الغزالي, وهو أن فرض الكفاية منها: (كل علم لا يستغني عنه في قِوام أمور الدنيا: كالطب؛ إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان, وكالحساب؛ فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما, وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمَّن يقوم بها حرج أهل البلد (يعني: دخل عليهم الحرج والمشقة) وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين). أقول: وقد يحتاج البلد إلى أكثر من واحد, فالمهم أن يوجد العدد الذي يكفي ويسدُّ الحاجة المطلوبة. قال: (ولا يُتعَجَّب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات؛ فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفايات, كالفلاحة والحياكة والسياسة, بل الحجامة والخياطة, فإنه لو خلا البلد من الحجَّام (الذي يقوم بجراحة الحجامة, وهو نوع من الجراحة الخفيفة) تسارع الهلاك إليهم, وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك, فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء, وأرشد إلى استعماله, وأعد الأسباب لتعاطيه, فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله. وأما ما يعد فضيلة لا فريضة, فالتعمق في دقائق الحساب, وحقائق الطب, وغير ذلك مما يستغنى عنه, ولكنه يفيد زيادة قوة القدر المحتاج إليه) . وما قاله الغزالي هنا قوي وموافق لمقاصد الشريعة, فإنها تقصد إلى إنشاء أمة قوية عزيزة مكتفية بذاتها, قادرة على التصدي لأعدائها, وهذا يوجب عليها– بالتضامن- أن تتفوق في كل العلوم الطبيعية والرياضية التي تحتاج إليها الأمم في عصرنا لتنمو وتتقدم, وليس الطب والحساب فقط, فإنما قال هذا باعتبار زمانه. كما تحتاج الأمة في زمننا إلى الصناعات التكنولوجية المتطورة, وليس أصول الصناعات القديمة وحدها, فكل ما يؤدي إليها, ويعين عليها, فهو فرض كفاية على الأمة, حتى تكون سيدة نفسها, ولا تكون عالة على غيرها. إن الغرب قد ساد العالم في عصرنا– ومنه العالم الإسلامي– بما ملك من علوم الدنيا, من الفيزياء والفلك والكيمياء والجيولوجيا والبيولوجيا وغيرها، وأنشأ ثورة، بل ثورات في العلوم، ولا سيما في مجال الإلكترونيات والفضائيات، والذرة والهندسة والوراثية وغيرها, وفي مجال الأسلحة والأدوية ونحوها. وقد أدى انفصال الإيمان عن العلم في الغرب: أن أصبح هذا العلم في الجانب العسكري خطرًا يهدد العالم بأسلحة الدمار الشامل: النووية والكيماوية والجرثومية. كما أصبح مجالًا لصناعة أدوية غير مأمونة, بل غير مشروعة, يروِّجها أناس لا يخشون خالقًا ولا يرحمون مخلوقًا. وكذلك أمسى الناس يخافون من تطوُّر علم (الجينات)، وتقدم الهندسة الوارثية, والقدرة على استنساخ الحيوان: أن يدخل ذلك عالم الإنسان. ولا علاج لذلك إلا أن يكون العلم في حَضانة الإيمان, وأن يدور في فلك القيم والأخلاق, وهذا ما يوفِّره الإسلام لأهله؛ حيث يوجب على المسلم أن يكون العلم نافعًا للناس لا ضارًّا بهم, وقد استعاذ النبي الكريم من علم لا ينفع. مناقشة للإمام الغزالي في اعتباره تعلُّمَ الدقائق فضيلةً لا فريضة: هذا ولا نوافق الإمام الغزالي على اعتباره التعمق في دقائق الحساب, وحقائق الطب: مجرد فضيلة لا فريضة, فلعل هذا كان بالنسبة إلى زمنه, أما زمننا فيُعتبر التعمق في هذه العلوم وما يشبهها من الرياضيات والفلك، والفيزياء والكيمياء، وعلوم الأرض (الجيولوجيا)، والأحياء (الحيوان والنبات)، وعلوم البحار والصحراء, والتشريح ووظائف الأعضاء وغيرها, بحيث يصل إلى دقائقها, ويرتقي إلى حقائقها: فريضةً لازمة, والأمم تتسابق في هذا تسابقًا خطيرًا, كلٌّ منها تحاول أن تحتل مكانًا يجعل لها قدرًا, وأن تهيئ الفرص للنوابغ من أبنائها ليتعمقوا ويتفوقوا. ولولا التعمق في هذه العلوم ما وصل عصرنا إلى تحطيم الذرة, وغزو الفضاء, وصناعة (الكمبيوتر) والإنترنت، والثورة التكنولوجية, وثورة البيولوجيا (هندسة الوراثة والجينات)، وثورة الاتصالات, وثورة المعلومات, وغيرها.. مما أمسى من خواص عصرنا. وقد لا يكفي واحد متخصص في جانب لإسقاط الحرج والإثم عن الأمة, إنما هذا بحسب الحاجة, والغالب أن الأمة تحتاج في كل مجال إلى فريق كامل من الخبراء, يسدُّون الثغرة, ويلبُّون الحاجة,, ويورثون الخبرة لمن بعدهم. إتقان العلوم الطبيعية والرياضية: ولعل أظهر ما يميِّز (العلم) بالمفهوم العصري أو الغربي: أنه لا يقوم على المنطق الشكلي أو الصوري أو القياسي الذي ينسب إلى أرسطو, وإنما يقوم على منطق الملاحظة والتجربة, ويخضع في نتائجه لما تأتيان به. ولهذا يسمى (العلم التجريبي) ويسمى منهجه (المنهج التجريبي). وهذا يشمل كل العلوم الطبيعية والرياضية التي هي أساس التقدم المادي اليوم, والقرآن والسنة يدعوان الأمة إلى الانتفاع بكل ما سخَّره الله للإنسان في هذا الكون {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية:13]. والإسلام يحترم مبدأ التجربة, ويقرها في أمور الدنيا المتغيرة والمتطورة أبدًا. وهنا أيضًا نجد الرسول عليه الصلاة والسلام سبق إلى إقرار مبدأ التجربة في الأمور الدنيوية الفنية, مثل أمور الزراعة والصناعة والطب وما شاكلها, فما أثبتت التجربة نفعَه في هذا فهو مطلوب شرعًا, وما أثبتت ضرره فهو مرفوض شرعًا. وأوضح مثال لهذا المبدأ: موقفه عليه الصلاة والسلام من قضية تأبير النخل, حيث رأى أصحابه من الأنصار يفعلون ذلك, ولم يكن له بذلك عهد؛ حيث نشأ بمكة، وهي واد غير ذي زرع, فقال لهم كلمة من باب الظن والتخمين, يشير بها إلى أن هذا العمل لا ضرورة له. وفهم الأنصار منها أنها من أمر الوحي والدين الذي لا يجوز مخالفته. فتركوا التأبير في ذلك الموسم, فخرج الثمر رديئًا. فلما علم ذلك عليه الصلاة والسلام بين لهم أن كلمته لم تكن من باب الوحي الإلهي, بل من باب المشورة الدنيوية، حسب ظنه الناشئ عن خبراته البيئية المحدودة, ثم قال لهم في النهاية: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". فهذه الشؤون الدنيوية الفنية المحضة, متروكة لعقولهم ومعارفهم, يدبرونها وفقًا لمصلحتهم، وليس من شأن الوحي أن يتدخل فيها, فهم بها أدرى وأعلم. والقصة في صحيح مسلم, ومسند أحمد وغيرهما, رواها عدد من الصحابة منهم: طلحة بن عبيد الله, ورافع بن خديج, وعائشة, وأنس رضي الله عنهم. ففي المسند عن طلحة رضي الله عنه قال: مررتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في نخل المدينة, فرأى أقوامًا في رؤوس النخل يلقحون النخل, فقال: "ما يصنع هؤلاء؟" قال: يأخذون من الذكر, فيحطُّون في الأنثى، يلقحون به. فقال: "ما أظن ذلك يُغني شيئًا". فبلغهم، فتركوه ونزلوا عنها, فلم تحمل تلك السنة شيئًا, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: "إنما هو ظنٌّ ظننتُه, إن كان يغني شيئًا فاصنعوا, فإنما أنا بشر مثلكم, والظن يخطئ ويصيب, ولكن ما قلتُ لكم: قال الله عز وجل. فلن أكذب على الله"( ). وفي صحيح مسلم من رواية رافع بن خديج أنه قال لهم: "إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به, وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر"( ). وفيه من رواية عائشة وأنس: أنه قال لهم بعد أن خرج التمر شِيصًا– أي: بسرًا رديئًا–: "ما لِنخلِكم؟!". قالوا: قلتَ كذا وكذا. قال: "أنتم أعلمُ بأمر دنياكم"( ). فالقانون الذي يجب الخضوع له هنا: هو القانون الذي تنتجه الخبرة والممارسة, أو المشاهدة والتجربة، ويكفي العقل الإنساني في هذه الأمور هاديًا ودليلًا. أما الوحي فحسْبه أن يضع للناس القيم والمبادئ العامة والضوابط، ثم يَدَع البشر يتصرفون تبعًا لما يعلمون، وحسبهم هذه الكلمة الجليلة: "أنتم أعلم بأمر دنياكم". تعلم اللغات عند الحاجة: ومن فروض الكفاية الواجبة على مجموع الأمة: تعلم لغات الآخرين عند الحاجة إليها, وخصوصًا إذا كان عندهم ما ليس عند المسلمين: من علم يؤخذ، أو حكمة تقتبس, فلا سبيل إلى الانتفاع بما عند غيرك إذا جهِلتَ لغته. ولم يمنع الإسلام من تعلم لغات الآخرين, بل دعا إليها باعتبارها وسيلة للتفاهم بين البشر, كما أنها وسيلة لنشر دعوته في العالم, فهي هنا فرض كفاية؛ وذلك أن رسالته صلى الله عليه وسلم رسالةٌ عالمية, فهو– وإن كان عربيًا, والكتاب المنزل عليه عربي, وقد أرسله الله بلسان قومه ليبين لهم– قد بُعث للناس كافة {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1], {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107], {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158]. فلا بد من تراجِمة بينه وبين أرباب اللغات الأخرى, حتى يُمكِنه تبليغُ الدعوة إليهم, وتلقِّي الإجابة منهم, وقد كان عنده صلى الله عليه وسلم من أصحابه من يعرف الفارسية والرومية والحبشية, ويكفونه الترجمة منها وإليها, ولكن لم يكن عنده من يعرف اللغة السريانية التي يكتب بها اليهود, فأمر كاتب وحيه الأنصاري النابغة: زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتقنها قراءة وكتابة, ويستغني به عن الوسطاء من اليهود في ذلك, وبخاصة أنهم غير مأمونين. وقال زيد: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتعلمتُ له كتابَ يهود بالسِّريانية وقال: إنى والله ما آمَن يهود على كتابي, فما مر لي نصفُ شهر حتى تعلمتُه وحذقتُه, فكنتُ أكتب له إليهم, وأقرأ له كتبهم( ). ولعله كان على شيء من المعرفة بها من قبلُ، (لمجاورة الأنصار لليهود)، حتى أمكنه أن يحذقها في هذه المدة القصيرة. ومن هنا حرص كثير من المسلمين– في عصور ازدهار حضارتهم– على معرفة اللغات, فترجموا منها وإليها, وقال في ذلك الشاعر: بقـــــــدر لغــاتِ المــرءِ يكــثُر نفـعُه فتلك له عند المُلِمَّات أعــــوان فأقبِلْ على درسِ اللغاتِ وحفظها فكلُّ لسانٍ في الحـقيقة إنسـانُ! الأدب مع الله ورسوله أدب المسلم: أدب شامل وعميق ومتنوع. وقد تحدث عنه أهل الأدب من رجال الفقه والسلوك والتربية, فهم يقسمونه إلى أنواع: فهناك أدب مع الله عز وجل, وأدب مع رسوله الذي بلَّغ رسالته إلى الناس، وأدب مع الناس, كلُّ الناس, القريب والبعيد, والمسلم وغير المسلم, والصغير والكبير, والضعيف والقوي, وإن كان اهتمام الإسلام الأكبر والأقوى بالضعفاء من الناس, مثل اليتامى والمساكين، وابن السبيل وما ملكت الأيمان. وهو ما حفلت به آية (الحقوق العشرة) التي جاءت بها سورة النساء, وبدأتها بحق الله تبارك وتعالى, فقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36]. لهذا سنبدأ بما بدأ الله تعالى به, وهو الأدب مع الله سبحانه, والأدب مع رسوله, فهو مضاف إليه عز وجل, ولهذا جعلناهما أدبًا واحدًا في فُسحة الأدب الديني، الذي يجب أن يكون طبيعة بيِّنة لحياة المسلم، قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71], {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]. ذروة الأدب: الأدبُ مع الله: ونحن نتفق مع كبار علمائنا المربِّين: أن ذروة الأدب هى: الأدب مع الله تبارك وتعالى, فإن أحقَّ من نتأدب معه, في قولنا وعملنا, في عبادتنا ومعاملتنا, في عمل جوارحنا وعمل قلوبنا, في سرِّنا وعلانيتنا, أن نتأدب معه سبحانه أعلى أنواع الأدب وأصفاها، وأثبتها وأخلصها. وهو جل شأنه يستحق هذا الأدب الأكبر والأعمق منَّا؛ لأنه هو الذي خلقنا من العدم, وجعلنا شيئًا مذكورًا, وخلقنا في أحسن تقويم, وكرمنا أعظم تكريم, ورزقنا العقل الذي به نفكر, والإرادة التي بها نرجِّح, والقدرة التي بها ننفِّذ، ووهب لنا السمع والبصر والحواس التي تصلنا بالعالم من حولنا, وخلق ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه, وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة, فكل ما في الكون من حولنا, عن أيماننا وعن شمائلنا, ومن بين أيدينا ومن خلفنا, ومن فوقنا ومن تحتنا, جعله الله في خدمتنا ومنفعتنا, ويصب كله في مصلحتنا, كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:32-34] فانظر كيف خلق الله هذه الأجرام الكبيرة, وسخر ما فيها من نِعَم جليلة لفائدة الإنسان. ولذا كرّر في هذه الآيات كلمة {لَكُمْ} خمس مرات, لينبِّهنا على أنه خلق هذه النِّعَم، وسخرها لنا ولمصلحتنا, كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] وقد ذكَّر الله الناس عامة, والمؤمنين خاصة، بهذه النعم التي أنعم بها على عباده: نعمة الحياة, ونعمة الزرع, ونعمة الماء, ونعمة النار, في سورة الواقعة, فقال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:58-73]. %MCEPASTEBIN%%MCEPASTEBIN%
1710
| 08 يوليو 2014
المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة العاشرة العلم المفروض طلبه فرض عين من العلم ما يفترض طلبه، ومنه ما يستحب طلبه، ومنه ما يباح، ومنه ما يذم. والعلم المفروض طلبه، منه ما هو فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية. وفي الحديث المشهور على الألسنة، الذي رواه ابن ماجة وغيره: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". والمراد بالمسلم في الحديث: الإنسان المسلم، رجلاً كان أو امرأة. ولهذا أجمعوا على أن الحديث يشمل كل مسلم ومسلمة، وإن لم يرد لفظ: (ومسلمة) في رواية الحديث. وقد اختلف شرَّاح الحديث في تحديد (العلم) المفروض طلبه. فكل صاحب اختصاص في علم أوَّله على العلم الذي يشتغل به. فالمتكلم (المتخصص في علم الكلام والعقائد) قال: هو علم العقائد الذي يعرف به توحيد الله، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذا أساس الدين. والفقيه قال: هو علم الفقه الذي يعرف به الحلال والحرام، وتعرف به صحة العبادات، واستقامة المعاملات على منهج الشرع. والمفسِّر قال: هو علم تفسير كتاب الله، الذي هو أساس الملة، ومرجع الأمة. والمحدِّث قال: هو علم الحديث المبيِّن للقرآن، المجسِّد لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوالِه وأعماله وتقريراته. والمتصوف قال: هو علم طريق الآخرة، والسلوك إلى الله تعالى، وكيفية تزكية النفس، وعلاج مداخل الشيطان إليها.. إلخ. والأصولي قال: بل هو علم أصول الفقه، الذي به يعرف الاستدلال فيما فيه نص، والاستنباط فيما لا نص فيه. بل هناك من قال: علم العربية، من النحو والصرف والبلاغة، التي بها يفهم القرآن والحديث. بل هناك من قال: هو علم الطب الذي يعرف به الصحة والمرض. وقال: العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان، وعلم الأبدان مقدم على علم الأديان. ذكره بعضهم، وفيه نظر ـ كما قال الزبيدي في شرح (الإحياء) ـ وإيراده في فروض الكفايات. رأيُنا في العلم المفروض على كل مسلم: والذي أراه هنا: أن بعض هذه الأقوال خلطت بين العلم المفروض طلبه على كل مسلم ومسلمة، وهو ما يسمى: (فرض العين)، وبين العلم المفروض (فرضَ كفاية). فعلم التفسير والحديث وأصول الفقه وعلوم العربية، بل وعلم الطب: لا بد منها، على مستوى الأمة، لا على مستوى الأفراد. فهي من فروض الكفاية بلا ريب. وفروض الكفاية هي: ما لا تستغني عنها الأمة في مجموعها، ولا بد أن يقوم بها عددٌ كافٍ من أبناء الأمة يسد الثغرة، ويلبي الحاجة، وإلا أثمت الأمة كلها. تعلم أصول التوحيد والعقيدة: والذي نؤكِّده هنا: أن على المسلم أن يتعلَّم من دينه ما يعرف به ربَّه معرفة تصل إلى حد اليقين، ويعرف به نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم، ويستيقن بصدق نبوته، وصحة رسالته، وأن القرآن الكريم منزَّل عليه من عند الله تبارك وتعالى، بدلائل الإعجاز القرآني الكثيرة. ويعرف العقائد الأساسية في الإسلام: في الإلهيات، والنبوات، والغيبيات المتعلقة بالآخرة والعالم غير المنظور.. وأن يأخذ ذلك أساساً من كتاب الله تعالى بما فيه من بيِّنات تُقنع العقل، وتنير القلب، بعيداً عن التقليد الأعمى، وعن المماحكات الجدلية، التي شاعت في علم الكلام، والتي أفسدَتْ تفكيرَ الخواصِّ، واعتقادَ العوامِّ. وسرُّ ذلك: تأثُّرُها بفلسفة اليونان. ولهذا نادى المحقِّقُون والمجدِّدون المسلمون بوجوب (ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان). والمطلوب هنا: أن تكون دراسة العقيدة مبنية على أساسين: 1 ـ القرآن الكريم، لا على أنه يتضمن أخبارًا وأدلة نقلية فقط، بل بما يتضمنه وما ينبِّه عليه من براهين، ولإثبات التوحيد والنبوة، والجزاء الأخروي، وغيرها، فقد أنزله الله هدى للناس، وبيِّنات من الهدى والفرقان، وقد ناقش الطوائفَ المخالفةَ من الملاحدة والمشركين وأهل الكتاب، وردَّ عليهم بالأدلة العقلية، التي سمَّاها القرآن (البَيِّنات). والسُّنَّة النبوية مبيِّنة لكتاب الله، فيؤخذ من السنن الصحاح ما يبيِّن القرآنَ، وما يسير في ضوئه. 2 ـ العلوم الكونية الحديثة، بما تكشِفُ للناس من أدلة تعين الناس ـ وخصوصاً المرتابين والمتشكِّكين ـ على الوصول إلى اليقين في وجود الله تعالى وفي وحدانيته، وإبداعه في كونه، وإحسانه لخلقه، وتُقرِّب منهم الحقائق الدينية من النبوة وأمور الآخرة، بما يحمله الكون من براهين ناصعة، تحقق وعد الله تعالى في قوله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53]. تعلُّم ما لا بد منه من الفقه والأحكام: كما أن على المسلم أن يتعلم من أحكام الإسلام وشرائعه ما هو في حاجة إليه، من علم الطهارة، والصلاة اليومية، وهي الصلوات الخمس، والصلاة الأسبوعية، وهي صلاة الجمعة الواجبة على الرجال. والمراد : معرفة الأساسيات لا المسائل الغريبة والنادرة، ولا التفصيلات التي تُترك للعلماء المتخصِّصين . ومثل ذلك علم الصيام عندما يجيءُ رمضان، ومثله علم الزكاة عندما يملك نصابها، ويتعلم من أنواع الزكاة ما هو مفتقِر إليه، فإن كان تاجرًا تعلم زكاة التجارة، وليس مطالباً بمعرفة زكاة الأنعام أو الزروع والثمار، وإذا قدر على الحج وعزم عليه عرف أهم أحكامه. كما عليه أن يعرف أهم أحكام الحلال والحرام التي يتعرض لها المسلم في حياته: في المأكل والمشرب والملبس والزينة، والبيت، والعمل، وحياة الأسرة والمجتمع. وعلى كل مسلم أن يعرف ما يخصُّه من أحكام، فالوالي يعرف أحكام الولاية، والتاجر يعرف أحكام التجارة، والطبيب يعرف أحكام الطب، والزوج يعرف حقوق الزوجية وواجباتها، وكذلك الزوجة، والأب يعرف أحكام الأبوة والبنوة، وكذلك الأم.. وهكذا. وعلى كل مسلم أن يعرف من علم الأخلاق والآداب الشرعية: ما يضبط به سلوكه بضوابط الشرع، فلا يحيد عما أمر الله به، ولا يتجاسر على ما نهى الله عنه، متحلِّياً بالفضائل، متخلِّياً عن الرذائل. التمذهب ليس بلازم شرعاً: ولا يلزمه أن يتَّبع مذهباً معيَّناً من المذاهب الأربعة أو غيرها، لأن اللازم شرعاً: ما ألزم به اللهُ ورسوله في الكتاب والسنة، ولم يلزم الله ولا رسوله باتباع أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد، أو جعفر أو زيد، أو غيرهم. فمن التزم بمذهب أحدهم فقد ألزم نفسه ما لا يلزم، وضيَّق على نفسه في أمر وسَّع الله فيه. وخصوصاً إذا كان من أهل العلم، ويمكنه أن يبحث عن الحكم بدليله. فلا ينبغي لمثله أن يرضى بالتقليد، فقد أجمع العلماء المتقدِّمون على أن (العلم) هو معرفة الحق بدليله، وأن التقليد المطلق ليس علماً! وإذا بحث العالم المستقل في أصول المذاهب، ووازن بينها، وارتضى أصول مذهب معين؛ لأنه رآها أصوب وأرجح، فلا حرج عليه في ذلك، ولا يكون مقلِّداً لإمام ذلك المذهب، بل وافق اجتهادُه اجتهادَ ذلك الإمام. وقد يدع مذهبه إلى غيره في بعض المسائل إذا أعوزه الدليل. والأصل: أن العامي لا مذهب له، إنما مذهبه مذهب من يفتيه من العلماء الذين يسألهم. فقد يسألُ في قضية زيداً، وفي أخرى عَمْراً، وفي ثالثة بكراً، وهذا ما كان عليه الناس في عهد الصحابة والتابعين وأتباعهم، يسألون فيما يعِنُّ لهم من أمور: مَن تيسَّر لهم من ثقاتِ العلماء، ولا يلتزمون بواحد فقط، يخصُّونه بالسؤال دون غيره. ولهذا لم يُعرف (التمذْهُب) في عصرهم رضي الله عنهم. وهم القوم الذين يُقتدى بهم فيُهتدى، فهم خير قرون الأمة على الإطلاق، كما صحَّت بذلك الأحاديث. وإنما كان العامِّيُّ لا مذهبَ له، لأن اختيار مذهب معين يقتضي معرفة أصوله، والموازنة بينها وبين أصول غيره، وترجيحها على سواها، وهذه المعرفة والموازنة والترجيح لا يملكها العامي، إنما يملكها العالم الذي بلغ قدرًا من النظر والاختيار، وعنده أهلية الترجيح. وقد يُقبل من الشخص العامي أن يتبع مذهباً من مذاهب الأئمة المعروفين، إذا لم يجد في بلده غيره، كأن ينشأ في بلد كل أهلِه حنفية أو مالكية، أو شافعية، أو حنبلية، فيتمذهب بمذهب علماء أهل بلده، على ألا يتعصب له بالحق والباطل. وإذا نصحه ناصح أمين من ثقات العلماء: أن مذهبه ضعيف في هذه المسألة، واطمأن إليه قلبه، فلا حرج عليه أن يدع مذهبه في هذه القضية، ويأخذ بالمذهب الراجح، وهذا ما يسُرُّ إمامُه الذي يدِّعي اتباعَه. ولا يجوز لمن قلَّد مذهباً معتَبرًا أن يذُمُّ المذاهب الأخرى أو يطعن في أئمتها، فكلهم مجتهدون في معرفة المُحقِّ، والوصول إلى الصواب بقدر الاستطاعة وبذل الجُهد، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، وهذا من فضل الله. كما أنهم جميعاً أئمة في تقوى الله، وفي الغَيْرة على الإسلام، والشجاعة في الحق، وإيثار الآخرة على الأولى، كما تشهد بذلك سِيَرُهم ومواقفهم رضي الله عنهم. تعلُّم أصول السلوك لطريق الآخرة: وعلى كل مسلم أن يعرف من علم طريق الآخرة والسلوك إلى معرفة الله تعالى ومحبته وتقواه ما يساعده على السير في الطريق، ويعينه على معرفة أمراض الأنفس وسبل علاجها، ويعرف مداخل الشيطان إلى القلب، ويقوى البواعث الخيرة في نفسه، حتى يزكِّي نفسَه ويفلح. كما قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9]. ويترقَّى حتى يصلَ إلى درجة الإحسان الذي عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". ويجب الحذر ممَّا دخل هذا العلم من شوائب ومبتدعات، كدَّرت صفاءَه، وأخرجته عن وسطية الإسلام في الجمع بين الدنيا والآخرة، والمزج بين المادة والروح، والتوفيق بين العقل والقلب، والموازنة بين المثال والواقع. وينبغي الاعتماد هنا على أئمة السلوك المتقدِّمين، الذين يعتمدون في تربيتهم وتوجيههم على الكتاب والسنة، والحذر من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين. وهذه هي العلوم التي يجب على كل مسلم معرفتها، وهي ـ كما قلنا ـ موصولة بالكتاب والسنة، فمعرفة هذه العلوم تتضمن معرفة ما يلزم المسلم من التفسير والحديث. علوم مكمِّلة: وهناك علوم مكملة، ينبغي للمسلم أن يُلِمَّ بها، مثل معرفة (السيرة النبوية) من كتاب معتمد على الأقل، ودراسة شيء من (علوم القرآن) و(علوم الحديث) أو مصطلحه، في كتب ميسرة. وإذا تعمَّق في العلم قرأ شيئا من (أصول الفقه)، على أن تُدرس هذه كلها في كتب ميسرة بلغة سهلة معاصرة. والأولى بالمسلم أن يقرأ هذه العلوم على عالم متمكِّن ثقة، حتى لا يقع في أفهام خاطئة، وهو لا يدري، ولا يجد من يصحِّح خطأه، وهذا ما حذَّر منه سلفنا الصالح حين قالوا: لا تأخذ العلم من صُحُفي، ولا القرآن من مُصحفي. يعنون بالصُّحُفي: الذي تعلم من الصُّحُف ـ أي: الكتب وحدها ـ ولم يتلق العلم من أهله وشيوخه، بحيث يحضر ويسأل ويناقش ويفهم، ويعنون بالمُصْحفي: الذي يتعلم قراءة القرآن من المصحف وحده، دون أن يأخذها على يد القراء المتقنين، كما تعلمنا نحن القرآن في الكُتَّاب على أيدي القراء، لوحاً بلوح، نكتبه ونقرؤه قبل أن نحفظه، ثم نحفظُه ونسمُّعه، ثم نعيده ونثبِّته مرة بعد مرة. فمثل هذا (المصحفي) إن جاز له أن يقرأ لنفسه، لا يجوز له أن يكون مُقْرِئاً ومُعَلِّماً لغيره. ثمرة هذا التفقه في الدين: المهم أن يصل المسلم بمعارفه إلى حد يستطيع به: أن يزن أفكاره ومشاعره، وأقواله وأعماله، وعباداته ومعاملاته، وسائر أموره، بميزان الشرع، وأن يحكم على الأشخاص والجماعات، والمواقف والسياسات بحكم الإسلام، ومن منطلق الإسلام، بعيداً عن إفراط الغلاة، وتفريط المقصِّرين، فعلى أساس الإسلام يحمَد ويذُم، ومن منظور الإسلام يُحِب ويَكره، ويقترب ويبتعد، ومن أجله يَرضى ويَسخط، ويصل ويقطع، ويُسالم ويُحارب، فما رضيه الشرعُ رضيه، وما رفضه الشرع رفضه، غير عابئ به، ولا آسِفٍ عليه، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]، وبذا يصبح هواه تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو تمام الإيمان. فرض الكفاية في العلم: وأما فرض الكفاية، فقد يكون في علوم الدين، وفي علوم الدنيا. التبحُّر في علوم الدين: فأما علوم الدين، فما ليس بفرضِ عينٍ فيها، فإن تعلُّمَه والتبحر فيه فرضُ كفاية، بحيث يظل في الأمة مَن إذا استُفتِي أفتى بعلم، وإذا استُقضِي قضى بحقٍّ، وإذا دعا إلى الله دعا على بصيرة. يدل على هذا قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]. فلم يوجب على الجميع النفير لطلب العلم، إنما أوجبه على طائفة في كل فرقة، سواء أكانت هذه الطائفة اثنين أو أكثر أو أقل، ما دامت تكفي لوظيفة التفقيه والإنذار. ولا يجوز للأمة أن تهمل هذا الأمر، حتى لا يوجد فيها من يُفتي الناس ويعلِّمهم ويذكرهم، كما يدل عليه الحديث المتفق عليه "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالًا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا". والواجب على الأمة ـ بالتضامن ـ أن تهيئ من أبنائها من يقوم بهذه المهمة في الإفتاء والتفقيه والتعليم والدعوة والإرشاد، في صورة التخصص العالي، والعلم الاستقلالي ، وأن يكون لديها العدد الكافي بحيث يلبي حاجتها في كل بلد من البلدان، ويجب أن تهيِّئ لذلك من الأسباب، وتنشئ من المعاهد والكليات ما يحقِّق الغرض المنشود.
6174
| 07 يوليو 2014
ذكر وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، إن بلاده تدين بشدة حادثة تدنيس العلم الجزائري أخيرا من قبل شخص في فرنسا، وهي تترقب إخضاع مرتكب هذه الجريمة لصرامة القانون. وقال لعمامرة في تصريح للصحافة على هامش زيارته ميناء الجزائر العاصمة اليوم الأحد: "إننا ندين بشدة هذا الفعل الشنيع الصادر عن شخص يحن لفترة ولت ولن تعود ونترقب أن يتوصل التحقيق الذي تجريه السلطات الفرنسية إلى إخضاع مرتكب هذه الجريمة لصرامة القانون". من جهة أخرى، أكد لعمامرة على مشاركة الجزائر في إحياء الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى التي تستضيفها العاصمة الفرنسية باريس يوم 14 يوليو الجاري، مشيرا إلى أن "الشعب الجزائري يكرم من ساهم منه في تكريس الحرية عبر العالم".
387
| 06 يوليو 2014
المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة التاسعة العلم شرط لصحة العمل العلم شرط ضروري للعمل، لكي يصح ويستقيم على أمر الله، سواء كان هذا العمل عبادة لله، أم معاملة للناس. روى سفيان بن عيينة عن عمر بن عبد العزيز، قال: (من عمِل في غير علم، كان يُفسدُ أكثر مما يصلح). وفي حديث معاذ بن جبل السابق في فضل العلم قال: وهو إمام العمل، والعمل تابعه( ). لا تصح عبادة بلا علم: فلا تستقيم عبادة يجهل صاحبها ما يجب لها من شروط، وما تقوم عليه من أركان، وما يبطلها من أعمال. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أساء صلاته، ولم يؤدِّ لها حقَّها من الطمأنينة: "ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ"( ). وإنما قال له: "لم تصلِّ". مع أنه أدَّى الصلاة أمامه؛ لأن صلاةً منقوصة مبتورة كـ(لا صلاة). لا تصح معاملة بلا علم: وفي المعاملات وشؤون الحياة عامة: شخصية وأسرية واجتماعية، يجب أن يعرف فيها الصحيح من الفاسد، والحلال من الحرام، حتى لا يتورَّط في الحرام، وهو لا يدري، والجهلُ بالأحكام في دار الإسلام ليس عذرًا. فما كان من الحلال بيِّنًا؛ فلا جناح عليه في فعله أو تركه، وما كان من الحرام بيِّنًا فلا عذر له في ارتكابه، وما كان من المُشتبهات التي لا يعلمهن كثير من الناس فالجزم أن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه، "فمن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه"( ). وكان السلف يوصون التاجر الذي يدخل السوق أن يتفقَّه في أحكام البيوع والتعامل، أو يلزم فقيهًا يسدِّده ويرشدُه، كما كانوا يوصون من يؤهل نفسه للسيادة والقيادة، أن يتزوَّد من العلم بما يلزم لمنصبه، وما ينير له الطريق. ومن مأثور قولهم: تفقَّهُوا قبل أن تُسوَّدوا. العلم شرط لتولي المناصب القيادية: وقد قدَّم يوسفُ الصديق نفسَه لملك مصر، ليضعَه حيث يجب أن يوضع مثلُه، مشيرًا إلى مؤهلاته الشخصية، وعلى رأسها الحفظ (يعني الأمانة) والعلم قال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]. وفي الأعمال القيادية العليا — مثل الإمامة العظمى والقضاء — اشترط الفقهاء فيمن يتولاها: العلم الاستقلالي الذي يبلغ بصاحبه درجة الاجتهاد، حتى إذا استُفْتِي أفتى بعلم، وإذا أمَر أمَر بحقٍّ، وإذا حكم حكم بعدل، وإذا دعا دعا على بصيرة. ولم يقبلوا (المقلِّد) في الإمامة والقضاء إلا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات، والنزول من المثل الأعلى إلى الواقع الأدنى. على أن من الواجب على الأمة أن تتدارك أمورها، وتصلح من شأنها، حتى لا يلي أمورها إلا أكْفاء الناس، وأصلحهم للقيادة علمًا وعملًا. ولم يُجزْ أحد من الفقهاء أن يلي أمور المسلمين في السياسة، والقضاء مَن يجهل شرع الله، الذي هو أساس الحكم بين المسلمين، فإنه سيحكم بالجهل أو الهوى، وكلاهما في النار. روى بريدة مرفوعًا: "القضاةُ ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة، فرجل عرف الحق فقضى به. ورجل عرف الحق وجارَ في الحكم؛ فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار". العلم هو المبين لمراتب الأعمال وأولوياتها: ثم إن العلم هو الذي يبيِّن راجح الأعمال من مرجوحها، وفاضلها من مفضولها، كما يبيِّن صحيحها من فاسدها، ومقبولها من مردودها، ومسنونها من مبتدعها، ويعطي كل عمل سعره وقيمته في نظر الشرع. وكثيرًا ما نجد الذين حُرِموا نور العلم يُذيبون الحدود بين الأعمال، فلا تتمايز، أو يحكمون عليها بغير ما حكم الشرع، فيُفْرِطون أو يفرِّطون، وهنا يضيع الدين بين الغالي فيه والجافي عنه. وكثيرًا ما رأينا مثل هؤلاء — مع إخلاصهم — يشتغلون بمرجوح العمل، ويدَعون راجحَه، وينهمكون في المفضول، ويغفلون الفاضل. وقد يكون العمل الواحد فاضلًا في وقت آخر؛ راجحًا في حال مرجوحًا في آخر، ولكنهم لقلة علمهم وفقههم، لا يفرقون بين الوقتين، ولا يميزون بين الحالين. العلم هو الذي يصلح الخلل في فقه الأولويات: ومن المهم جدًّا في حياتنا: أن نهتدي فيها إلى فقه الأولويات، الذي يُعرف به الخير من الشر، والمعروف من المنكر، وأن تعلم أن للمعروف مراتبَ، وأن للمنكرات مراتب، وأن لكلِّ فضيلة، ولكل رذيلة؛ موضعها ومكانها، لا يجوز لنا أن نؤخر ما حقُّه التقديم، وأن نقدِّم ما حقه التأخير، وأن نضع الشيء في غير درجته ومرتبته. رأيتُ من المسلمين الطيبين في أنفسهم من يتبرع ببناء مسجد في بلد حافل بالمساجد، قد يتكلف نصفَ مليون أو مليونًا أو أكثر من الجنيهات أو الدولارات، فإذا طالبته ببذل مثل هذا المبلغ أو نصفه أو نصف نصفه في نشر الدعوة إلى الإسلام، أو مقاومة الكفر والإلحاد، أو في تأييد العمل الإسلامي لإقامة الحكم بما أنزل الله، أو نحو ذلك من الأهداف الكبيرة التي قد تجد الرجال، ولا تجد المال؛ فهيهات أن تجد أذنًا صاغية، أو إجابة ملبية؛ لأنهم يؤمنون ببناء الأحجار، ولا يؤمنون ببناء الرجال! وفي موسم الحج من كل عام أرى أعدادًا غفيرة من المسلمين الموسرين يحرصون على شهود الموسم متطوعين، وكثيرًا ما يضيفون إليه العمرة في رمضان، وينفقون في ذلك بسخاء، وقد يصطحبون معهم أناسًا من الفقراء على نفقتهم، وما كلَّف الله بالحج هؤلاء، فإذا طالبتهم ببذل هذه النفقات السنوية ذاتها لمقاومة الغزو التنصيري في إندونيسيا، أو الغزو الشيوعي في أفغانستان؛ لوَّوا رؤوسهم، ورأيتهم يصدُّون وهم مستكبرون. هذا مع أن الثابت بوضوح في القرآن الكريم: أن جنس أعمال الجهاد أفضل من جنس أعمال الحج؛ كما قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة:19 — 21]. هذا مع أن حجهم واعتمارهم من باب التطوع والتنفُّل، أما جهاد الكفر والإلحاد والعلمانية والتحلل، وما يسندها من قوى داخلية وخارجية، فهو الآن فريضة العصر، وواجب اليوم. ولقد رأيت شبابًا مخلصين كانوا يدرسون في كليات جامعية الطب، أو الهندسة، أو الزراعة، أو الآداب، أو غيرها من الكليات النظرية، أو العلمية، وكانوا من الناجحين، بل المتفوِّقين فيها، فما لبثوا إلا أن أداروا ظهورَهم لكلياتهم، وودَّعوها غير آسفين، بحجة التفرغ للدعوة والإرشاد والتبليغ، مع أن عملهم في تخصصاتهم هو من فروض الكفاية التي تأثم الأمة جميعها إذا فرطت فيها، ويستطيعون أن يجعلوا من عملهم عبادة وجهادًا إذا صحت فيه النية، والتُزمت حدود الله تعالى. ولو ترك كل مسلم مهنته، فمن ذا يقوم بمصالح المسلمين؟ ولقد بُعِث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابُه يعملون في مهنٍ شتَّى، فلم يطلب من أحد منهم أن يدع مهنته ليتفرغ للدعوة، وبقي كل منهم في عمله وحرفته، سواء قبل الهجرة أم بعدها. فإذا دعا داعي الجهاد، واستُنفروا نفروا خفافًا وثقالًا مجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. ولقد أنكر الإمام الغزالي على أهل زمنه توجُّهَ جمهورِ متعلِّميهم إلى الفقه ونحوه، على حين لا يوجد في البلد من بلدان المسلمين إلا طبيبٌ يهودي أو نصراني، يُوكَل إليه علاجُ المسلمين والمسلمات، وتُوضع بين يديه الأرواح والعَوْرات . ورأيتُ آخرين يُقيمون معارك يومية من أجل مسائلَ جزئية أو خلافية، مهمِلين معركةَ الإسلام الكبرى مع أعدائه الحاقدين عليه، والطامعين فيه، والخائفين منه، والمتربصين به. حتى في قلب أمريكا وكندا وأوربا، وجدت من جعلوا أكبر همهم: الساعة أين تُلبس، أفي اليد اليمنى أم اليسرى؟! ولُبس الثوب الأبيض بدل (القميص والبنطلون) واجبٌ أم سُنَّة؟ ودخول المرأة في المسجد: حلال أم حرام؟ والأكل على منضدة، والجلوس على الكرسي للطعام، واستخدام الملعقة والشوكة: هل يدخل في التشبه بالكفار أم لا؟ وغيرها وغيرها من المسائل التي تأكل الأوقات، وتمزِّق الجماعات، وتخلق الحَزَازات، وتُضيِّع الجهود والجهاد؛ لأنها جهود في غير هدف، وجهاد مع غير عدو. ورأيت فتيانًا ملتزمين متعبدين، يعاملون آباءهم بقسوة، وأمهاتهم بغلظة، وأخواتهم بعنف، وحُجَّتُهم أنهم عصاة أو منحرفون عن الدين، ناسين أن الله تعالى أوصى بالوالدين حسنًا، وإن كانا مشركين يجاهِدان ولدهما على الشرك، ويحاولان بكل جهدهما فتنته عن إسلامه، يقول تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15]. فرغم المحاولة المُصِرَّة من الأبوين، التي سماها القرآن: مجاهدة على الشرك؛ أمر بمصاحبتهما بالمعروف، لأن للوالدين حقًّا، لا يفوقه إلا حق الله عز وجل، ولهذا قال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14]. أما الطاعة لهما في الشرك فهي مرفوضة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأما المصاحبة بالمعروف؛ فلا مناص منها، ولا عذر في التخلي عنها. الابتداع في الدين سببه نقص العلم: ورأينا أناسًا مخلصين، يشرعون في الدين ما لم يأذن به الله، يحرمون ما لم يحرمه الله ورسوله، ويأمرون بما لم يأمر به الله ورسوله، ويتعبَّدون الله بغير ما شرع، بل بالأهواء والبدع. شفيعهم لذلك — فيما زعموا — حُسنُ نيَّتِهم، وصفاء طويَّتهم، وصدق رغبتهم في التقرب إلى الله تعالى. وهذا فهم خاطئ لمعنى العمل الصالح المقبول عند الله تبارك وتعالى، فلا يكفي في حسنِ العمل حسنُ النية، وحرارةُ الإخلاص، حتى يكون العمل مأذونًا به، ممهورًا بخاتَم الشرع. ولله در العالم الزاهد الورع — الفضيل بن عياض — الذي عبَّر عن هذا المعنى بعبارات جامعة ناصعة، حين سئل عن أحسن العمل، في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2]. قال: أحسن العمل أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي: ما أخلصه؟ وما أصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا؛ لم يُقبل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا؛ لم يُقبل. ولا يقبل حتى يكون خالصا وصوابًا( ). التأدب مع المعلم: ومن آداب التعلم في الإسلام: توقير المعلِّم، والتأدُّب معه، حتى اشتهر بين المسلمين قولهم: من علَّمني حرفًا صرتُ له عبدًا! وقد جاء في الحديث النبوي: "ليس من أمتي من لم يُجِل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه"( ). أي يعرف له حقَّه. وقد ذكر لنا القرآن تلك الرحلة التاريخية التي قام بها نبي من أولي العزم من الرسل — وهو موسى الذي اصطفاه برسالاته وبكلامه، وأنزل عليه التوراة فيها هدى ونور — ليطلب العلم عند رجل لم يذكر القرآن لنا اسمه، واختلف العلماء في شأنه: أهو نبي أم ولي؟ وحتى إن كان نبيا — وهو الصحيح — فليس في منزلة موسى قطعًا. ويبدو أن موسى قطع هذه الرحلة، هو وفتاه وخادمه على أقدامها، فلم يذكر أنهما كانا يركبان دابة، ولذا قال فيها: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف:62]. وفي هذه القصة التي قصها علينا القرآن يتجلى لنا بعض الآداب المهمة للتعلم. أول هذه الآداب: الحرص على العلم مهما يكن في طلبه من لَأْواء ومشقة وعناء. كما فعل موسى عليه السلام في رحلته إلى (مجمع البحرين) وقد لقي فيها ما لقي من النصب. والأدب الثاني: التلطف مع المعلم، وإظهار الاحترام والتوقير له، وهذا ما نلمسه بجلاء ووضوح في تعامل موسى عليه السلام مع هذا العبد الصالح، الذي عرف باسم (الخضر) عليه السلام، فقد قال له موسى بأدب التلميذ مع المعلم: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:66]. والأدب الثالث: الصبر على المعلِّم، وهذا ما فعله موسى مع معلِّمه، فحين عرض عليه أن يتبعه ليعلِّمه ممَّا علمه الله، قال المعلم: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف:67 — 70]. والأدب الرابع: أن المومن لا يشبع من العلم، وأنه يطلب أبدًا الزيادة منه، كما قال الله لخاتم رسله: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114]. وهذا ما حرص عليه موسى: أن يضيف إلى علمه علما آخر. تصحيح النية: وهناك أدب مهم نبهت عليه السنة النبوية، وهو تصحيح النية: أن يتعلم العلم يريد به وجه الله تعالى. وبذلك يغدو طلب العلم عبادة وجهادًا في سبيل الله. وفي الحديث الصحيح الشهير: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"( ). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلَّم علمًا مما يُبتَغَي به وجه الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عَرف الجنة يوم القيامة". يعني: ريحَها( ). وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعلَّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا تماروا به السفهاء، ولا تَخَيَّروا به المجالسَ. فمن فعل ذلك، فالنارَ النارِ!"
1063
| 06 يوليو 2014
المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة الثامنة فضيلة التعليم يقول الله عز وجل: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]. والمراد هو التعليم والإرشاد. وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] وهو إيجاب للتعليم. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159]. وقوله تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146]. وهو تحريم للكتمان، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. وقال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة:129]. ويقول صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعًا من الناس بعد أن يؤتيهم إياه، ولكن يذهب بذهاب العلماء، فكلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا، فأفتَوْا بغير علم، فضَلُّوا وأضلُّوا"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "من علم علمًا فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار". وقال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة( )، ملعون ما فيها إلا ذكر الله سبحانه وما والاه، أو معلمًا أو متعلمًا"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله سبحانه وملائكته وأهل سماواته وأرضه، حتى النملة في جُحرها، حتى الحوت في البحر؛ ليصلُّون على معلِّمِ الناس الخير"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضًا، فكانت منها بُقعة قبِلَتِ الماء، فأنبتَتِ الكلأَ والعشبَ الكثير، وكانت منها بقعة أمسكتِ الماءَ، فنفع الله عز وجل بها الناسَ، فشربوا منها، وسقوا، وزرعوا، وكانت منها طائفة قِيعانٌ، لا تمسك ماء، ولا تنبتُ كلأً"( ). فالأول ذكره مثلًا للمنتفع بعلمه، والثاني ذكره مثلًا للنافع، والثالث للمحروم منهما. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله عز وجل حكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس، ورجل آتاه الله مالًا فسَلَّطه على هلكته في الخير"( ). فضل التعليم عند الصحابة ومن بعدهم: قال عمر رضي الله عنه: من حدَّث حديثًا فعُمِل به، فله مثل أجر من عمل ذلك العمل. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معلِّم الناس الخير يستغفرُ له كل شيء حتى الحوت في البحر( ). وقال بعض العلماء: العالم يدخل فيما بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل. ورُوي أن سفيان الثوري رحمه الله، قَدِم عسقلان، فمكث لا يسأله إنسان، فقال: اكْرُوا لي لأخرج من هذا البلد، هذا بلد يموت فيه العلم( ). وإنما قال ذلك حرصًا على فضيلة التعليم، واستبقاء العلم به. وقال عطاء رضي الله عنه: دخلتُ على سعيد بن المسيب وهو يبكي، فقلتُ: ما يبكيكَ؟ قال: ليس أحد يسألني عن شيء. وقال الحسن رحمه الله: لولا العلماء لصار الناس مثلَ البهائم: أي أنهم بالتعليم يُخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية. وقال عكرمة: إن لهذا العلم ثمنًا. قيل: وما هو؟ قال: أن تضعه فيمن يحسن حمله ولا يضيِّعُه( ). وقال يحيى بن معاذ: العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا، وهم يحفظونهم من نار الآخرة. وقيل: أول العلم الصمتُ، ثم الاستماعُ، ثم الحفظُ، ثم العملُ، ثم نشرُه. وقيل: علِّمْ علمَك من يجهل، وتعلم ممن يُعلِّم ما تجهل؛ فإنك إذا فعلت ذلك علمتَ ما جهلتَ، وحفظت ما علمتَ. العلم دليل الإيمان: والعلم في نظر الإسلام ليس مقابلًا للإيمان، فضلًا عن أن يكون معاديًا له، كما شاعت هذه الفكرة في أوربا في القرون الوسطى، حين وقفت الكنيسة في تلك العصور تؤيد الخرافة، وتحارب العلم، وتناصر الجمود والتقليد، وتقاوم التفكير الحر، والابتكار المبدع، وتدافع عن القُوى المتسلِّطة من حكَّام وإقطاعيِّين، وتقف في وجه الشعوب والفئات المسحوقة. الإسلام لم يعرف هذا الصراع بين العلم والإيمان في تاريخه؛ لأن هذه الفكرة لا مجال لها في تعاليمه، لا نصًّا ولا روحًا. أما النصرانية، فتقوم أساسًا على أن الإيمان قضية لا علاقة لها بالفكر، بل هي ضدُّه، فهي لا تدخل في دائرة العقل والعلم، بل في نطاق الوجدان والقلب، وليس من شرط العقائد- في النصرانية- أن تكون مقبولة عقلًا، بل يحسن بها أن تكون شيئًا فوق العقل، ولهذا كان من الشعارات المرفوعة عند النصارى (آمن ثم اعلم). أو (اعتقد وأنت أعمى)! وآخر يقول على لسان القسيس: (أغمِضْ عينيك ثم اتْبَعني)! وذلك؛ لأن العقيدة النصرانية مؤسسة على قضايا يرفضها العقل المجرد، مثل التثليث، والتخليص، والفداء، وما يتفرع عنها، وما يلحق بها، حتى قال بعض فلاسفة النصارى في بعض معتقداتهم (غير المعقولة)- وهو القديس (أوجستين)-: أومن بهذا، لأنه محال! وهذا على عكس الإسلام الذي يرفض في بناء العقيدة (التقليد) و(التبعية)؛ كقول من قالوا: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة:104]. أو: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب:67] أو (أنا مع الناس). ويرفض أيضا الظن، حيث لا يغني في شأن العقائد إلا العلم واليقين، ولهذا أنكر على النصارى عقيدتهم في الصلب بقوله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء:157]. وقال في شأن المشركين وآلهتهم المزعومة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم:23]. ثم قال: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم:28]. ويأبى القرآن إلا أن تبنى العقائد على أساس البرهان القائم على النظر العميق، والتفكير الهادئ، ولأجل هذا صاح القرآن في أصحاب العقائد الباطلة: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. ولا عجب أن تكرَّرت في القرآن هذه العبارات المُوقِظة للفكر من غفلته، والمحرِّرة للإنسان من رِبقَة تقليده وجموده، مثل (أفلا تعقلون). (أفلا تتفكرون). (أفلا ينظرون). (أو لم ينظروا). (أو لم يتفكروا). (لقوم يعقلون). (لقوم يعلمون). (لقوم يتفكرون). وحسبُك أن تقرأ هذه الدعوة القوية الصريحة إلى التفكير: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46]. وهذا ما دعا الأستاذَ عباس العقاد– رحمه الله- أن يخرج كتابًا عنوانه: (التفكير فريضة إسلامية). وهذا تعبير صحيح، فالإسلام كما فرض على الناس أن يتعبدوا، فرض عليهم أن يتفكروا. فالعقيدة في الإسلام تقوم على العلم، لا على التسليم الأعمى، يقول القرآن: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:98]. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة:235]. لم يخشَ القرآن عواقب الدعوة إلى النظر والتفكر والعلم أن تأتي بنتائج تناقض حقائق الدين ومسلماته؛ لأن فكرة الإسلام: أن الحقيقة الدينية لا يمكن أن تناقض الحقيقة العقلية، فالحقُّ لا يناقض الحق، واليقينُ لا يعارض اليقين، إنما يعارضُ اليقينُ الظنَّ، وتنافي الحقيقةُ الشكَّ أو الوهمَ أو الافتراض. فليست كل أفهام أهل الدين دينًا؛ كما أنه ليست كل نظريات أهل العلم علمًا. إن القرآن يعتبر العلم الحق داعية إلى الإيمان، ودليلًا إليه. قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج:54]. فهذه المعاني الثلاثة (العلم والإيمان والإخبات) مترتِّبٌ بعضها على بعض: كما يدل عليه العطف بحرف (الفاء) التي تفيد الترتيب والتعقيب بلا مهلة صلة. فالعلم يتبعه الإيمان تبعية ترتيب بلا إمهال ليعلموا فيؤمنوا. والإيمان تتبعه حركة القلوب من الإخبات والخشوع لله تعالى، وهكذا يثمر العلم الإيمان، ويثمر الإيمان الإخبات والتواضع لله رب العالمين. وفي آية أخرى يذكر العلم والإيمان متعاطفَيْن جنبًا إلى جنب؛ كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [الروم:56]. فالعلم والإيمان في الآية الكريمة مقترنان متعاطفان، وليسا من الأضداد التي إذا ثبت أحدهما، انتفى الآخر. وإذا أردنا بالعلم: العلم بمفهومه الشائع اليوم، وهو المادي القائم على المشاهدة الحسية والتجربة؛ فلا ننكر أيضا قيمة هذا العلم، وحاجة الناس إليه؛ لأن العلم المادي مطلوب للإنسان، بلا شك، ولكنه مطلوبٌ طلبَ الوسائلِ لا طلبَ الغايات. وهو يعين الإنسان على الحياة، وييسر له سبلها، ويختصر له الزمان، ويطوي له المكان: فيقرب البعيد، ويُلِين الحديد، ولكنه وحده لا يستطيع إسعاد البشر، كما لا يمكنه وحده أن يضبط سير البشر، ويقاوم أنانية الإنسان، ونزعات نفسه الأمَّارة بالسوء. ولهذا كان الإنسان في حاجة ماسة إلى (العلم الديني) الذي يُنَمِّي الإيمان، ويُحيي الضمائر، ويغرسُ الفضائل، ويقي الإنسان شُحَّ نفسه، وطغيان غرائزه على عقله، وهواه على ضميره، وهذا هو الذي يعصم (العلمَ الماديَّ) من الانحراف، ويحول دون استخدامه في التدمير والعدوان. وقد ضرب لنا القرآن مثلًا بسليمان عليه السلام – الذي آتاه الله ملكا لم يُؤته أحدًا من بعده. فقد أُحضر إليه عرشُ بلقيسَ من سبأٍ باليمن إلى مقرِّه بالشام، قبل أن يرتد إليه طرفُه، بفضل ذلك الذي وصفه القرآن بأنه (عنده علم الكتاب)، وهنا تجلَّى الإيمان حين أرجع سليمان الفضل إلى الله لا إلى نفسه، فلم يركبْه الغرورُ، أو يستبد به الطغيان: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]. وكذلك كان موقف ذي القرنين الذي فتح الفتوح غربًا وشرقًا، وتوَّج حكمَه بإقامة سدِّه العظيم، مستخدمًا ما يَسَّرَهُ له علمُ عصره من وسائل وأدوات، فلما أتمَّ البناء، قال في تواضع المؤمنين: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف:98]. ألا إن العلم الحق هو الذي يهدي إلى الإيمان، والإيمان الحق هو الذي يُفسح مجالًا للعلم، فهما- إذن- شريكان متفاهمان، بل أخوان متعاونان. وهذا هو العلم الذي يريده الإسلام أيًّا كان موضوعه، ومجال بحثه، يريده علمًا في ظل الإيمان، وفي خدمة مُثُله العليا، وإلى ذلك أشار القرآن حين قال في أول آية نزلت: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]. والقراءة عنوان العلم ومِفتاحه ومصباحه، فإذا كان أول أمر إلهي نزل به القرآن: (القراءة)، كان ذلك أوضح دليل على مكانة العلم في الإسلام. ولكن القرآن لم يطلب (مطلق قراءة)، وإنما طلب قراءة مقيَّدة بقيد خاص، وهو أن تكون (باسم الله)، أو كما قال القرآن: {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. وإذا كانت القراءة باسم الله، فقد وُجِّهت إلى الحق والخير والهداية؛ لأن الله تعالى هو مصدر هذا كله. ولا غرو أن نشأ العلمُ في الإسلام في أحضان الدين، وأن نشأت المدارس في صحون المساجد، وبدأت الجامعات الإسلامية العريقة تحت سقوف الجوامع، بل سُمِّي كل منها جامعًا: جامع الأزهر، جامع القرويين، جامع الزيتونة... وهكذا. وكانت هذه الجوامع أو الجامعات تدرس علوم الدين، وعلوم الدنيا معًا، وكان كثير من العلماء التجريبيِّين هم في الوقت نفسه علماء دين، مثل القاضي ابن رشيد الحفيد مؤلف (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه المقارن، ومؤلف (الكليات) في الطب. ومثل الخوارزمي الذي ألف كتابه الفريد، الذي أسس به علم الجبر، ليحل به مشكلات في الوصايا والمواريث من أبواب الفقه!. العلم دليل العمل: والعلم في نظر الإسلام دليل للعمل أيضًا، كما هو دليل للإيمان. ترجم الإمام البخاري في جامعه الصحيح: (باب العلم قبل القول والعمل)، وقال ابن المنير: (أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدِّم عليهما، مصحِّح للنية المصحِّحة للعمل، فنبَّه المصنِّف (يعني البخاري) على ذلك، حتى لا يسبق إلى الذهن، من قولهم: إن العلم لا ينفع إلا بالعمل. تهوينُ أمرِ العلم، والتساهل في طلبه)( ). واستدل البخاري لما ذكره بجملة من الآيات والأحاديث منها: قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]. فبدأ بالعلم، وثنَّى بالعمل، ورأسُ العلم معرفةُ الله تعالى وتوحيده، والخطاب، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، هو متناول لأمته. وقال جل ذكره: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. أي: إنما يخاف الله عز وجل ويقدُره حقَّ قدره، من عرفه، وعلم عظيمَ قُدرته، وسلطانه على خلقه، نتيجة التأمل في أسرار كونه وشرعه، وهم العلماء. وهذه الخشية هي التي تحفِّز على عمل الصالحات، واجتناب السيئات. القرضاوي : تاريخ الإسلام لم يعرف الصراع بين العلم والإيمان المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة الثامنة فضيلة التعليم يقول الله عز وجل: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]. والمراد هو التعليم والإرشاد. وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] وهو إيجاب للتعليم. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159]. وقوله تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146]. وهو تحريم للكتمان، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. وقال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة:129]. ويقول صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعًا من الناس بعد أن يؤتيهم إياه، ولكن يذهب بذهاب العلماء، فكلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا، فأفتَوْا بغير علم، فضَلُّوا وأضلُّوا"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "من علم علمًا فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار". وقال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة( )، ملعون ما فيها إلا ذكر الله سبحانه وما والاه، أو معلمًا أو متعلمًا"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله سبحانه وملائكته وأهل سماواته وأرضه، حتى النملة في جُحرها، حتى الحوت في البحر؛ ليصلُّون على معلِّمِ الناس الخير"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضًا، فكانت منها بُقعة قبِلَتِ الماء، فأنبتَتِ الكلأَ والعشبَ الكثير، وكانت منها بقعة أمسكتِ الماءَ، فنفع الله عز وجل بها الناسَ، فشربوا منها، وسقوا، وزرعوا، وكانت منها طائفة قِيعانٌ، لا تمسك ماء، ولا تنبتُ كلأً"( ). فالأول ذكره مثلًا للمنتفع بعلمه، والثاني ذكره مثلًا للنافع، والثالث للمحروم منهما. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله عز وجل حكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس، ورجل آتاه الله مالًا فسَلَّطه على هلكته في الخير"( ). فضل التعليم عند الصحابة ومن بعدهم: قال عمر رضي الله عنه: من حدَّث حديثًا فعُمِل به، فله مثل أجر من عمل ذلك العمل. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معلِّم الناس الخير يستغفرُ له كل شيء حتى الحوت في البحر( ). وقال بعض العلماء: العالم يدخل فيما بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل. ورُوي أن سفيان الثوري رحمه الله، قَدِم عسقلان، فمكث لا يسأله إنسان، فقال: اكْرُوا لي لأخرج من هذا البلد، هذا بلد يموت فيه العلم( ). وإنما قال ذلك حرصًا على فضيلة التعليم، واستبقاء العلم به. وقال عطاء رضي الله عنه: دخلتُ على سعيد بن المسيب وهو يبكي، فقلتُ: ما يبكيكَ؟ قال: ليس أحد يسألني عن شيء. وقال الحسن رحمه الله: لولا العلماء لصار الناس مثلَ البهائم: أي أنهم بالتعليم يُخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية. وقال عكرمة: إن لهذا العلم ثمنًا. قيل: وما هو؟ قال: أن تضعه فيمن يحسن حمله ولا يضيِّعُه( ). وقال يحيى بن معاذ: العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا، وهم يحفظونهم من نار الآخرة. وقيل: أول العلم الصمتُ، ثم الاستماعُ، ثم الحفظُ، ثم العملُ، ثم نشرُه. وقيل: علِّمْ علمَك من يجهل، وتعلم ممن يُعلِّم ما تجهل؛ فإنك إذا فعلت ذلك علمتَ ما جهلتَ، وحفظت ما علمتَ. العلم دليل الإيمان: والعلم في نظر الإسلام ليس مقابلًا للإيمان، فضلًا عن أن يكون معاديًا له، كما شاعت هذه الفكرة في أوربا في القرون الوسطى، حين وقفت الكنيسة في تلك العصور تؤيد الخرافة، وتحارب العلم، وتناصر الجمود والتقليد، وتقاوم التفكير الحر، والابتكار المبدع، وتدافع عن القُوى المتسلِّطة من حكَّام وإقطاعيِّين، وتقف في وجه الشعوب والفئات المسحوقة. الإسلام لم يعرف هذا الصراع بين العلم والإيمان في تاريخه؛ لأن هذه الفكرة لا مجال لها في تعاليمه، لا نصًّا ولا روحًا. أما النصرانية، فتقوم أساسًا على أن الإيمان قضية لا علاقة لها بالفكر، بل هي ضدُّه، فهي لا تدخل في دائرة العقل والعلم، بل في نطاق الوجدان والقلب، وليس من شرط العقائد- في النصرانية- أن تكون مقبولة عقلًا، بل يحسن بها أن تكون شيئًا فوق العقل، ولهذا كان من الشعارات المرفوعة عند النصارى (آمن ثم اعلم). أو (اعتقد وأنت أعمى)! وآخر يقول على لسان القسيس: (أغمِضْ عينيك ثم اتْبَعني)! وذلك؛ لأن العقيدة النصرانية مؤسسة على قضايا يرفضها العقل المجرد، مثل التثليث، والتخليص، والفداء، وما يتفرع عنها، وما يلحق بها، حتى قال بعض فلاسفة النصارى في بعض معتقداتهم (غير المعقولة)- وهو القديس (أوجستين)-: أومن بهذا، لأنه محال! وهذا على عكس الإسلام الذي يرفض في بناء العقيدة (التقليد) و(التبعية)؛ كقول من قالوا: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة:104]. أو: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب:67] أو (أنا مع الناس). ويرفض أيضا الظن، حيث لا يغني في شأن العقائد إلا العلم واليقين، ولهذا أنكر على النصارى عقيدتهم في الصلب بقوله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء:157]. وقال في شأن المشركين وآلهتهم المزعومة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم:23]. ثم قال: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم:28]. ويأبى القرآن إلا أن تبنى العقائد على أساس البرهان القائم على النظر العميق، والتفكير الهادئ، ولأجل هذا صاح القرآن في أصحاب العقائد الباطلة: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. ولا عجب أن تكرَّرت في القرآن هذه العبارات المُوقِظة للفكر من غفلته، والمحرِّرة للإنسان من رِبقَة تقليده وجموده، مثل (أفلا تعقلون). (أفلا تتفكرون). (أفلا ينظرون). (أو لم ينظروا). (أو لم يتفكروا). (لقوم يعقلون). (لقوم يعلمون). (لقوم يتفكرون). وحسبُك أن تقرأ هذه الدعوة القوية الصريحة إلى التفكير: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46]. وهذا ما دعا الأستاذَ عباس العقاد– رحمه الله- أن يخرج كتابًا عنوانه: (التفكير فريضة إسلامية). وهذا تعبير صحيح، فالإسلام كما فرض على الناس أن يتعبدوا، فرض عليهم أن يتفكروا. فالعقيدة في الإسلام تقوم على العلم، لا على التسليم الأعمى، يقول القرآن: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:98]. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة:235]. لم يخشَ القرآن عواقب الدعوة إلى النظر والتفكر والعلم أن تأتي بنتائج تناقض حقائق الدين ومسلماته؛ لأن فكرة الإسلام: أن الحقيقة الدينية لا يمكن أن تناقض الحقيقة العقلية، فالحقُّ لا يناقض الحق، واليقينُ لا يعارض اليقين، إنما يعارضُ اليقينُ الظنَّ، وتنافي الحقيقةُ الشكَّ أو الوهمَ أو الافتراض. فليست كل أفهام أهل الدين دينًا؛ كما أنه ليست كل نظريات أهل العلم علمًا. إن القرآن يعتبر العلم الحق داعية إلى الإيمان، ودليلًا إليه. قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج:54]. فهذه المعاني الثلاثة (العلم والإيمان والإخبات) مترتِّبٌ بعضها على بعض: كما يدل عليه العطف بحرف (الفاء) التي تفيد الترتيب والتعقيب بلا مهلة صلة. فالعلم يتبعه الإيمان تبعية ترتيب بلا إمهال ليعلموا فيؤمنوا. والإيمان تتبعه حركة القلوب من الإخبات والخشوع لله تعالى، وهكذا يثمر العلم الإيمان، ويثمر الإيمان الإخبات والتواضع لله رب العالمين. وفي آية أخرى يذكر العلم والإيمان متعاطفَيْن جنبًا إلى جنب؛ كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [الروم:56]. فالعلم والإيمان في الآية الكريمة مقترنان متعاطفان، وليسا من الأضداد التي إذا ثبت أحدهما، انتفى الآخر. وإذا أردنا بالعلم: العلم بمفهومه الشائع اليوم، وهو المادي القائم على المشاهدة الحسية والتجربة؛ فلا ننكر أيضا قيمة هذا العلم، وحاجة الناس إليه؛ لأن العلم المادي مطلوب للإنسان، بلا شك، ولكنه مطلوبٌ طلبَ الوسائلِ لا طلبَ الغايات. وهو يعين الإنسان على الحياة، وييسر له سبلها، ويختصر له الزمان، ويطوي له المكان: فيقرب البعيد، ويُلِين الحديد، ولكنه وحده لا يستطيع إسعاد البشر، كما لا يمكنه وحده أن يضبط سير البشر، ويقاوم أنانية الإنسان، ونزعات نفسه الأمَّارة بالسوء. ولهذا كان الإنسان في حاجة ماسة إلى (العلم الديني) الذي يُنَمِّي الإيمان، ويُحيي الضمائر، ويغرسُ الفضائل، ويقي الإنسان شُحَّ نفسه، وطغيان غرائزه على عقله، وهواه على ضميره، وهذا هو الذي يعصم (العلمَ الماديَّ) من الانحراف، ويحول دون استخدامه في التدمير والعدوان. وقد ضرب لنا القرآن مثلًا بسليمان عليه السلام – الذي آتاه الله ملكا لم يُؤته أحدًا من بعده. فقد أُحضر إليه عرشُ بلقيسَ من سبأٍ باليمن إلى مقرِّه بالشام، قبل أن يرتد إليه طرفُه، بفضل ذلك الذي وصفه القرآن بأنه (عنده علم الكتاب)، وهنا تجلَّى الإيمان حين أرجع سليمان الفضل إلى الله لا إلى نفسه، فلم يركبْه الغرورُ، أو يستبد به الطغيان: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]. وكذلك كان موقف ذي القرنين الذي فتح الفتوح غربًا وشرقًا، وتوَّج حكمَه بإقامة سدِّه العظيم، مستخدمًا ما يَسَّرَهُ له علمُ عصره من وسائل وأدوات، فلما أتمَّ البناء، قال في تواضع المؤمنين: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف:98]. ألا إن العلم الحق هو الذي يهدي إلى الإيمان، والإيمان الحق هو الذي يُفسح مجالًا للعلم، فهما- إذن- شريكان متفاهمان، بل أخوان متعاونان. وهذا هو العلم الذي يريده الإسلام أيًّا كان موضوعه، ومجال بحثه، يريده علمًا في ظل الإيمان، وفي خدمة مُثُله العليا، وإلى ذلك أشار القرآن حين قال في أول آية نزلت: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]. والقراءة عنوان العلم ومِفتاحه ومصباحه، فإذا كان أول أمر إلهي نزل به القرآن: (القراءة)، كان ذلك أوضح دليل على مكانة العلم في الإسلام. ولكن القرآن لم يطلب (مطلق قراءة)، وإنما طلب قراءة مقيَّدة بقيد خاص، وهو أن تكون (باسم الله)، أو كما قال القرآن: {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. وإذا كانت القراءة باسم الله، فقد وُجِّهت إلى الحق والخير والهداية؛ لأن الله تعالى هو مصدر هذا كله. ولا غرو أن نشأ العلمُ في الإسلام في أحضان الدين، وأن نشأت المدارس في صحون المساجد، وبدأت الجامعات الإسلامية العريقة تحت سقوف الجوامع، بل سُمِّي كل منها جامعًا: جامع الأزهر، جامع القرويين، جامع الزيتونة... وهكذا. وكانت هذه الجوامع أو الجامعات تدرس علوم الدين، وعلوم الدنيا معًا، وكان كثير من العلماء التجريبيِّين هم في الوقت نفسه علماء دين، مثل القاضي ابن رشيد الحفيد مؤلف (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه المقارن، ومؤلف (الكليات) في الطب. ومثل الخوارزمي الذي ألف كتابه الفريد، الذي أسس به علم الجبر، ليحل به مشكلات في الوصايا والمواريث من أبواب الفقه!. العلم دليل العمل: والعلم في نظر الإسلام دليل للعمل أيضًا، كما هو دليل للإيمان. ترجم الإمام البخاري في جامعه الصحيح: (باب العلم قبل القول والعمل)، وقال ابن المنير: (أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدِّم عليهما، مصحِّح للنية المصحِّحة للعمل، فنبَّه المصنِّف (يعني البخاري) على ذلك، حتى لا يسبق إلى الذهن، من قولهم: إن العلم لا ينفع إلا بالعمل. تهوينُ أمرِ العلم، والتساهل في طلبه)( ). واستدل البخاري لما ذكره بجملة من الآيات والأحاديث منها: قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]. فبدأ بالعلم، وثنَّى بالعمل، ورأسُ العلم معرفةُ الله تعالى وتوحيده، والخطاب، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، هو متناول لأمته. وقال جل ذكره: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. أي: إنما يخاف الله عز وجل ويقدُره حقَّ قدره، من عرفه، وعلم عظيمَ قُدرته، وسلطانه على خلقه، نتيجة التأمل في أسرار كونه وشرعه، وهم العلماء. وهذه الخشية هي التي تحفِّز على عمل الصالحات، واجتناب السيئات. %MCEPASTEBIN%%MCEPASTEBIN%
2611
| 05 يوليو 2014
الحلقة السادسة الإمام الغزالي والعلم: والإمام الغزالي من أئمة الصوفية، الذين بيَّنوا فضل العلم، بل ضرورته لعلم السلوك وعلم طريق الآخرة، الذي يبتغي فيه سالكه مرضاة الله تعالى ودخول جنته، والحصول على ثواب الآخرة، التي قال الله فيها: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]. قالوا: الحسنى: الجنة. والزيادة: التنعم برؤية الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23 — 22] فقد أثبت الغزالي في كتابيه (إحياء علوم الدين)، وكتابه الذي ألفه في أواخر حياته (منهاج العابدين)، أهمية العلم وفرضيته وضروريته للمريدين والسالكين في الطريق إلى الله، وقال في ذلك قولًا حسنًا، يفتح العقول، ويحيي القلوب، ويوقظ الضمائر، ويفتح لمريدي الخير أبوابًا إلى اليقين والاستقامة، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت:6]. قال في منهاج العابدين: (اعلموا - إخواني، أسعدكم الله وإياي بمرضاته -: أن العبادة ثمرة العلم، وفائدة العمر، وحاصل العبيد الأقوياء، وبضاعة الأولياء، وطريق الأتقياء، وقِسْمة الأعزَّة، ومقصد ذوي الهمَّة، وشعار الكرم، وحرفة الرجال، واختيار أولي الأبصار، وهي سبيل السعادة ومنهاج الجنة. فقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92]. وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان:22]. ثم إنا نظرنا فيها، وتأملنا طريقها، من مباديها إلى مقاصدها التي هي أمانيّ سالكيها، فإذا هي طريق وعْر، وسبيل صعْب، كثيرة العقبات، شديدة المشقَّات، عظيمة الآفات، بعيدة المسافات، كثيرة العوائق والموانع، حقيقة المهالك والمقاطع، غزيرة الأعداء والقُطَّاع، عزيزة الأشياع والأتباع. وهكذا يجب أن تكون؛ لأنها طريق الجنة، فيصير هذا تصديقًا لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة حُفَّت بالمكاره، وإن النار حُفَّت بالشهوات"( ). ثم مع ذلك كله، فإن العبد ضعيف، والزمان صعب، وأمر الدين متراجِع، والفراغ قليل، والشُّغُل كثير، والعُمُر قصير، وفي العمل تقصير، والناقد بصير، والأجل قريب، والسفر بعيد، والطاعة هي الزاد، فلا بد منها، وهي فائتة فلا مرد لها، فمن ظفر بها فقد فاز، وسعِد أبد الآبدين، ودهْر الداهرين، ومن فاته ذلك خسر مع الخاسرين، وهلك مع الهالكين؛ فصار هذا الخطب إذن والله معضلًا، والخطر عظيمًا. فلذلك عَزَّ من يقصد هذا الطريق وقَلَّ، ثم عزَّ من القاصدين من يسلكه، ثم عز من يصل إلى المقصود، ويظفر بالمطلوب، وهم الأعِزَّة الذين اصطفاهم الله عز وجل لمعرفته ومحبته، وسدَّدهم بتوفيقه وعصمته، ثم أوصلهم بفضله إلى رضوانه وجنته، فنسأله جل ذكره أن يجعلكم وإيانا من أولئك الفائزين برحمته. نعم، ولما وجدنا هذا الطريق بهذه الصفة، نظرنا فأنعمنا النظر في كيفية قطعها، وما يحتاج إليه العبد من الأُهْبة والعُدَّة، والآلة والحيلة، من علم وعمل، عسى أن يقطعها بحسن توفيق الله تعالى في سلامة، ولا ينقطع في عقباتها المهلكة، فيهلك مع الهالكين، والعياذ بالله، فصنَّفنا فى قطع هذه الطريق وسلوكها: كتبًا كـ(إحياء علوم الدين) و(أسرار المعاملات) و(القربة إلى الله تعالى)، وغير ذلك. واحتوت هذه الكتب على دقائق من العلوم، اعتاصت على إفهام العامة، فقدحوا فيها، وخاضوا فيما لم يحسنوه منها. فأى كلام أفصح من كلام رب العالمين؛ وقد قالوا فيه: إنه أساطير الأولين! ألم تسمع إلى قول زين العابدين علي بن الحسين بن على بن أبى طالب رضوان الله عليهم أجمعين: إنى لأكـتم من علمى جـواهــــــره كيلا يرى الحق ذو جهل فيُـفْتَتنا وقد تـقـدم فى هذا أبو حســـــــــــن إلى الحسين، ووصَّى قبله الحسنا يا رب جوهر علم لو أبـوح به لـقـيل لي: أنـــت مـمن يـعـــبد الوثنا ولاستحلَّ رجال مسلمون دمى يـــــــــرون أقـبــح ما يأتونـــــه حـســــــــنًا وقد اقتضت الحال عند ذوى الدين الذين هم أشرف خلق الله تعالى: النظر إلى كافة خلق الله تعالى بعين الرحمة وترك المماراة، فابتهلتُ إلى من بيده الخلق والأمر: أن يوفقنى لتصنيف كتاب يقع عليه الإجماع، ويحصل بقراءته الإقناع، فأجابنى الذى يجيب المضطَّر إذا دعاه، وأطلعنى بفضله على أسرار ذلك، وألهمني فيه ترتيبًا عجيبًا لم أذكره في المصنفات التى تقدمت فى أسرار معاملات الدين، وهو الذى أنا له واصف فأقول وبالله التوفيق: إن أول ما ينتبه العبد للعبادة، ويتجرد لسلوك طريقها بخطوة سمائية من الله تعالى، وتوفيق خاص إلهي، وهو المعنيُّ بقوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22]. فإذا خطر بقلب العبد أوَّل كل شيء: إني أجدني منعَّمًا بضروب النعم عليَّ، كالحياة والقدرة والعقل والعلم والمنطق، وسائر المعانى الشريفة واللَّذات، وما ينصرف عني من ضروب المضارِّ والآفات، وإن لهذه مُنعمًا يطالبنى بشكره وخدمته، وإن أغفلتُ ذلك فيزيل عني نعمته، ويذيقنى بأسه ونقمته. وقد بعث إليَّ رسولًا أيَّده بالمعجزات الخارقة للعادات، الخارجة عن مقدور البشر، وأخبرني أن لي ربًّا جل ذكره قادرًا عالمًا، حيًّا متكلِّمًا، يأمر وينهى، قادرًا على أن يعاقبني إن عصيته، ويثيبني إن أطعته، عالمًا بأسراري، وما يختلج في أفكاري، وقد وعد وأوعد، وأمر بالتزام قوانين الشرع، فيقع فى قلبه أنه ممكن؛ إذ لا استحالة لذلك فى العقل بأول البديهة، فيخاف على نفسه عنده ويفزع. فهذا خاطر الفزع الذى يُنَبِّه العبد، ويُلزمه الحُجَّة، ويقطع عنه المعذرة، ويزعجه إلى النظر والاستدلال، فيحتاج العبد عند ذلك، ويقلق، وينظر فى طريق الخلاص، وحصول الأمان له مما وقع بقلبه، أو سمع بأذنه، فلم يجد فيه سبيلًا سوى النظر بعقله في الدلائل، والاستدلال بالصنعة على الصانع، ليحصل له العلم اليقين بما هو مَغِيب، ويعلم أن له ربًّا كلَّفه وأمره ونهاه. هذه أول عقبة استقبلته فى طريق العبادة، وهى (عقبة العلم والمعرفة)؛ ليكون من الأمر على بصيرة، فيأخذ فى قطعها من غير بُدٍّ، يحسن النظر فى الدلائل، ووفور التأمل والتعلم، والسؤال من علماء الآخرة، أدلَّاءِ الطريق، سُرُج الأمة، وقادة الأئمة، والاستفادة منهم، واستهداء الدعاء الصالح منهم بالتوفيق والإعانة إلى أن يقطعها بتوفيق الله سبحانه. فبعد حصول هذه المعرفة بالله سبحانه وتعالى جهد حتى يتعلم ما يلزمه من فرائض الشريعة ظاهرًا وباطنًا، فلما استكمل العلم والمعرفة بالفرائض، انبعث ليأخذ فى العبادة ويشتغل بها، فنظر فإذا هو صاحب جنايات وذنوب، وهذا حال الأكثر من الناس، فيقول: كيف أُقبل على العبادة وأنا مُصِرٌّ على المعصية، متلطِّخ بها؟ فيجب عليَّ أوَّلًا أن أتوب إليه ليغفر لي ذنوبي، ويخلصني من أسرها، ويطهرني من أقذارها؛ فأصلح للخدمة، وبِساط القُربة، فتستقبله هاهنا (عقبة التوبة)، فيحتاج لا محالة إلى قطعها، ليصل إلى ما هو المقصود منها، فيأخذ فى ذلك بإقامة التوبة بحقوقها وشرائطها، إلى أن يقطعها، فلما أن حصلت له التوبة الصادقة، وفرغ من هذه العقبة، حنَّ إلى العبادة ليأخذ فيها؛ فنظر فإذا حوله عوائق مُحدِقة به، كل واحدة منها تعوقه عما قصده من العبادة، بضرب من التعويق. فتأملَ، فإذا هى أربعة: الدنيا، والخَلْق، والشيطان، والنفس، فاحتاج لا محالة إلى دفع هذه العوائق وإزاحتها عنه، وإلا، فلا يتأنَّى له مراده من العبادة، فاستقبلته هاهنا (عقبة العوائق)، فيحتاج إلى قطعها بأربعة أمور: التجرد عن الدنيا، والتفرد عن الخَلْق، والمحاربة مع الشيطان، والقهر للنفس. فأما النفس فأشدُّها؛ إذ لا يمكنه التجرد عنها، ولا أن يقهرها بمرة ويقمعها، كالشيطان، إذ هي المطيَّة والآلة، ولا مطمع أيضًا في موافقتها على ما يقصده العبد من العبادة، والإقبال عليها، إذ هي مجبولة على ضد الخير كاللهو واتباعها له، فاحتاج إذن إلى أن يُلجمها بلجام التقوى، لتبقى له فلا تنقطع، وتنقاد له فلا تطغى. فيستعملها فى المصالح والمراشد، ويمنعها من المهالك والمفاسد، فيأخذ إذا في قطع هذه العقبة، ويستعين بالله جل ذكره على ذلك.. عوارض العبادة فلما فرغ من قطعها رجع إلى قصد العبادة، فإذا عوارض تعترضه، فتشغله عن الإقبال على مقصوده من العبادة، وتصدُّه عن التفرغ لذلك، كما ينبغى، فتأملَ فإذا هى أربعة: الأول: الرزق، تطالبه النفس به وتقول: لا بد لي من رزق وقِوام، وقد تجردتَ عن الدنيا، وتفردتَ أيضًا عن الخلق، فمن أين يكون قِوامي ورزقي؟ والثانى: الأخطار من كل شيء يخافه أو يرجوه، أو يريده أو يكرهه، ولا يدرى صلاحه في ذلك أو فساده، فإن عواقب الأمور مبهمة، فيشتغل قلبه بها، فإنه ربما يقع فى فساد أو مَهلكة. والثالث: الشدائد والمصائب تنصبُّ عليه من كل جانب، لا سيما وقد انتصب لمخالفة الخلق، ومحاربة الشيطان، ومضادَّة النفس، فكم من غُصَّة يتجرَّعها، وكم من شدة تستقبله، وكم من هم وحزن يعترضه؟ وكم من مصيبة تتلقاه. والرابع: أنواع القضاء من الله عز وجل بالحلو والمُرِّ، تَرِد عليه حالًا فحالًا، والنفس تسارع إلى السخط، وتبادر إلى الفتنة. فاستقبلته هاهنا (عقبة العوارض الأربعة)، فاحتاج إلى قطعها بأربعة أشياء: التوكل على الله سبحانه فى مواضع الرزق، والتفويض إليه في موضع الخطر، والصبر عند نزول الشدائد، والرضا عند نزول القضاء، فأخذ في قطع هذه العقبة بإذن الله، وحسن تأييده، فلما فرغ من قطعها، وعاد إلى قصد العبادة، نظر فإذا النفس فاترة ضعيفة، كَسْلى لا تنشط، ولا تنبعث لخير كما يحقُّ وينبغى، وإنما ميلها أبداً إلى غفلة ودَعَة، وراحة وبطالة، بل إلى شرٍّ وفضول، وبليَّة وجهالة، فاحتاج معها هاهنا إلى سائق يسوقها إلى الخير والطاعة، وينشطها لهما، وزاجِرًا يزجرها عن الشر والمعصية)( ). فضل العلم في القرآن: لا يوجد كتاب سماوي تحدث في فضل العلم، والثناء على أهله، وبيان ما لهم عند الله وعند خلقه من مكانة؛ غير القرآن الكريم. فانظر إلى شواهد القرآن المتكاثرة في ذلك، يقول الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران:18]. فانظر كيف بدأ سبحانه وتعالى بنفسه، وثنَّى بالملائكة وثلَّث بأهل العلم؛ وناهيك بهذا شرفًا وفضلًا، وجلالًا ونبلًا. وقال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة، ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام. وقال عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9]. فنفى التسوية بين العالم والجاهل، من غير نظر إلى نوع العلم. وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [الفاطر:28] فقصَر خشيةَ الله على العلماء. وقال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:43]. وقال تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:40]، لما طلب سليمان من رعيته من يأتيه بعرش بلقيس من اليمن، وهو في فلسطين، قال عفريت من الجن: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل:39]. ولكن سليمان يريد ما هو أسرع من ذلك. فقال الذي عنده علم من الكتاب: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:40]. وإذا كان السابق من الجن؛ فهذا ليس منهم، فهو من الإنس. وقال ما قال تنبيهًا على أنه اقتدر بقوة العلم. وقال عز وجل في قصة قارون حين خرج على قومه في زينته: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79]. وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص:80]. بيَّن أن عِظَم قدر الآخرة يُعْلَم بالعلم. وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43]. تُثبت الآية أنه لا يعقل الأمثال المضروبة للناس إلا أهل العم وحدهم. وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]. ردَّ حكمه في الوقائع إلى استنباطهم، وألحق رتبتهم برتبة الأنبياء في كشف حكم الله. فضل العلم في السنة: من ذلك: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء"( ). ومعلوم أنه لا رُتبة فوق النبوة، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة. وقال صلى الله عليه وسلم: "يستغفر للعالم ما في السماوات والأرض"( ). وأي منصب يزيد على منصب من تشتغل ملائكة السماوات والأرض بالاستغفار له؟!
4197
| 03 يوليو 2014
الحلقة الخامسة اعلم أن العقل المكتسَب لا ينفكُّ عن العقل الغريزي؛ لأنه نتيجة منه، وقد ينفك العقل الغريزي عن العقل المكتسب، فيكون صاحبه مسلوب الفضائل، موفور الرذائل، كالأنوك (الأبله) الذي لا تجد له فضيلة، والأحمق الذي قلَّما يخلو من رذيلة. وقال بعض الحكماء: الحاجة إلى العقل، أقبح من الحاجة إلى المال، وقال بعض البلغاء: دولة الجاهل عبرة العاقل. وقال أَنُوشِرْوَانُ لِبُزُرْجُمِهْرَ: أي الأشياء خيرُ للمرء؟ قال: عقل يعيش به، قال: فإن لم يكن؟ قال: فإخوان يسترون عيبه، قال: فإن لم يكن؟ قال: فمال يتحبب به إلى الناس، قال: فإن لم يكن؟ قال: فعِيٌّ صامتٌ، قال: فإن لم يكن؟ قال: فمَوْتٌ جارِف. وقال سابورُ بنُ أَرْدِشِير: العقل نوعان: أحدهما مطبوع، والآخر مسموع، ولا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، بين العقل والهوى: وأما الهوى فهو عن الخير صادٌّ، وللعقل مضادٌّ، لأنه ينتج من الأخلاق قبائحَها، ويظهر من الأفعال فضائحَها، ويجعل سترَ المروءة مهتوكًا، ومدخل الشرِّ مسلوكًا. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: الهوى إله يعبد من دون الله، ثم تلا: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23]. وقال عكرمة في قوله تعالى: {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ}: يعني بالشهوات، {وَتَرَبَّصْتُمْ}: يعني بالتوبة، {وَارْتَبْتُمْ}: يعني في أمر الله، {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ}: يعني بالتسويف، {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ}: يعني الموت، {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:14]: يعني الشيطان. العلم مطلوب لكل إنسان: وهذا العلم مطلوب لكل إنسان، يريد أن يعرف حقيقته، وحقيقة الكون من حوله، يسأل الإنسان نفسه: من أنا؟ نحن نرى الناس من حولنا ينشأون من آباء وأمهات، يبدأون صغارًا فيكبرون، وضعافًا فيقوون، وجهَّالًا فيتعلمون، ويجدون كونًا فسيحًا، يعملون فيه، ويتعلمون منه، ويتساءلون فيما بينهم أسئلة تحيرهم، ثم يجدون إجابتها الشافية عند أناس بأقوالهم: نحن رسل الله إليكم، جئناكم مبشرين منذرين، لتعلموا أن لكم ربًّا خلقكم ورزقكم، ولم يدعكم سُدًى، ولم يخلقكم عبثًا، فقد أعلمهم أنه خلقكم لتخلدوا في دار أخرى بعد هذه الدار الفانية، وتدخلوا جنات ربكم تعيشون فيها منعَّمين خالدين، لكم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، في جنة عرضها كعرض السماوات والأرض، أعدت للذين آمنوا بالله ورسله، أما من يكفر بالله ورسله، ويقف ضد الرسل والمؤمنين فليس له إلا النار. والعلم مطلوب أيضًا لكل من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر، ليعرف ماذا يطلب الله منه، لكي يؤدي ما يحبه الله تعالى من معارف يستنير بها عقله، بحيث يعرف نفسه، ويعرف ربه، ويعرف الكون الذي يعيش فيه، وأنه كون كبير مملوك لله تعالى، ومدبَّر بأمره، وفيه ملائكة مسخَّرون لعبادة الله، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وفيه مخلوقون لا نراهم؛ هم الجن والشياطين، وأن من شأن الله تعالى أن يرسل لنا رسله ليعلمونا كيف نطيع الله تعالى ونحبه، بعبادته وحده لا شريك له، وبخلافته في أرضه بتنفيذ شرعه، وتحكيم أمره، وبعمارة أرضه وإحيائها وترتيبها، كما يريدها ربنا عز وجل، وهذا ما يطلبه عالمُ الفقه. والعلم مطلوب كذلك لكل مؤمن بالله ليُكمل إيمانَه ويزيده، ويتقرب إلى ربه، وهو ما يريد به السالك إلى طريق الله تعالى، وهو الصراط المستقيم، الذي نسأل الله تعالى في صلواتنا الخمس في كل يوم أن يهدينا إليه: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [الفاتحة:7-6]. و(العلم) هو الذي يشرح لكل طائفة من هؤلاء ما يطلبونه من الدين- وهناك الذين يطلبون علم العقيدة، أو يطلبون علم الفقه، أو علم السلوك- ما هو المطلوب منهم لأنفسهم، وما المطلوب منهم لغيرهم. وقد وُجِدَ من بعض أرباب السلوك من شكَّك في ضرورة العلم، ولكن العلماء الراسخين ردوا على هؤلاء، وبيَّنوا أن العلم فريضة شرعية وضرورة دينية، لا يستغني عنه إنسان لا في دين ولا في دنيا، فهناك علوم هي فروض كفاية على الناس، وعلوم هي فروض عينية. ابن القيم يشرح منزلة العلم في السلوك : ومن هنا جاء كلام الإمام ابن القيم وهو يشرح (منازل السائرين) لشيخ الإسلام الهروي، فيقول رحمه الله: (ومن منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) منزلة (العلم)، وهذه المنزلة إن لم تصحب السالك من أول قدم يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه: فسلوكه على غير طريق، وهو مقطوع عليه طريق الوصول، مسدود عليه سبل الهدى والفلاح، مغلقة عنه أبوابها. وهذا إجماع من الشيوخ العارفين. ولم ينه عن العلم إلا قطاع الطريق منهم ونوابُ إبليس وشُرَطُه. قال سيد الطائفة وشيخهم الجُنَيْد بن محمد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى آثار الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وقال: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. وقال: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة. وقال أبو حفص رحمه الله: من لم يزِنْ أفعالَه وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة، ولم يتهم خواطره فلا يُعَد في ديوان الرجال. وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: ربما يقع في قلبي النكتة من نُكَت القوم أيامًا، فلا أقْبَل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة. وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء- طاعة كان أو معصية- فهو عَيْش النَّفْس، وكل فعل يفعله العبد بالاقتداء: فهو عذاب على النفس. وقال السَّرِيُّ: التصوف اسم لثلاثة معان: لا يُطفِئ نورُ معرفته نورَ ورعه، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله. وقال أبو يزيد: عملتُ في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئًا أشد عليَّ من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لتعبتُ- واختلاف العلماء رحمة - إلا في تجريد التوحيد. وقال مرة لخادمه: قم بنا إلى هذا الرجل الذي قد شَهَر نفسه بالصلاح لنَزُورَه، فلما دخلا عليه المسجد تنخَّع، ثم رمى بها نحو القبلة؛ فرجع ولم يسلِّم عليه وقال: هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله، فكيف يكون مأمونًا على ما يدعيه؟ وقال: لقد هممتُ أن أسأل الله تعالى أن يكفيني مؤنة النساء، ثم قلتُ: كيف يجوز لي أن أسأل الله هذا، ولم يسأله رسول الله؟ ولم أسأله، ثم إن الله كفاني مؤنة النساء، حتى لا أبالي استقبلتني امرأة أو حائط، وقال: لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات إلى أن يرتفع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود وأداء الشريعة؟ وقال أحمد بن أبي الحواري رحمه الله: من عمل عملًا بلا اتباع سُنَّة فباطلٌ عملُه. وقال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله: الصحبة مع الله: بحسن الأدب، ودوام الهيبة والمراقبة. والصحبة مع الرسول: باتِّباع سُنَّته ولزوم ظاهر العلم، ومع أولياء الله بالاحترام والخدمة، ومع الأهل بحسن الخُلُق، ومع الإخوان بدوام البِشْر ما لم يكن إثمًا ومع الجُهَّال بالدعاء لهم والرحمة. زاد غيره: ومع الحافِظَيْن (الملكَيْن الكاتبين): بإكرامهما واحترامهما وإملائهما ما يحمدانِكَ عليه. ومع النفس بالمخالفة ومع الشيطان بالعداوة. وقال أبو عثمان أيضًا: من أمَّر السُّنَّة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالبدعة؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيْعُوْهُ تَهْتَدُوْا} [النور:54]. وقال أبو الحسين النوري: من رأيتموه يدَّعي مع الله عز وجل حالةً تُخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربوا منه. وقال محمد بن الفضل البامجي- من مشايخ القوم الكبار-: ذهاب الإسلام من أربعة: لا يعملون بما يعلمون، ويعملون بما لا يعلمون، ولا يتعلمون ما يعملون، ويمنعون الناس من التعلم والتعليم. وقال عمرو بن عثمان المَكِّي: العلم قائد والخوف سائق والنفس حَرُونٌ بين ذلك، جَمُوح خَدَّاعة روَّاغة فاحذرها، ورَاعِها بسياسة العلم وسُقها بتهديد الخوف، يتم لك ما تريد. وقال أبو سعيد الخراز: كل باطن يخالفه الظاهر فهو باطل. وقال ابن عطاء: من ألزم نفسه آداب السنة، نوّر الله قلبه بنور المعرفة. ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه. وقال: كل ما سألتَ عنه فاطلبه في مفازة العلم، فإن لم تجدْه ففي مَيْدان الحكمة، فإن لم تجده فزِنْه بالتوحيد، فإن لم تجده في هذه المواضع الثلاثة، فاضرب به وجه الشيطان. وأُلقِيَ بُنَانُ الحمَّال بين يديِ السبُعِ فجعل السبع يَشَمُّه ولا يضرُّه، فلما أُخْرِج قيل له: ما الذي كان في قلبك حين شمَّك السبُع؟ قال: كنتُ أتفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع. وقال أبو حمزة البغدادي- من أكابر الشيوخ وكان أحمد بن حنبل يقول له في المسائل: ما تقول يا صوفي؟: من علم طريق الحق سهُل عليه سلوكُه ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعةُ الرسول في أحواله وأقواله وأفعاله. ومرَّ الشيخ أبو بكر محمد بن موسى الواسطي يومَ الجمعة إلى الجامع، فانقطع شِسْع نعلِه، فأصلحه له رجل صيدلاني فقال: تدري لم انقطع شِسْع نعلي؟ فقلتُ: لا فقال: لأني ما اغتسلت للجمعة فقال: هاهنا حمَّام تدخله؟ فقال: نعم فدخل واغتسل. وقال أبو إسحاق الرقيُّ- من أقران الجنيد-: علامة محبة الله: إيثار طاعته ومتابعة رسوله- صلى الله عليه وسلم-. وقال أبو يعقوب النَّهَرْجُورِي: أفضل الأحوال: ما قارن العلم. وقال أبو القاسم النصراباذي- شيخ خراسان في وقته-: أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع، وتعظيم كرامات المشايخ، ورؤية أعذار الخلق، والمداومة على الأوراد، وترك ارتكاب الرخص والتأويلات. وقال أبو بكر الطَّمَسْتَانِي- من كبار شيوخ الطائفة-: الطريق واضح والكتاب والسنة قائم بين أظهرنا، وفضل الصحابة معلوم لسبقهم إلى الهجرة ولصحبتهم، فمن صحب الكتاب والسنة، وتغرب عن نفسه وعن الخلق وهاجر بقلبه إلى الله: فهو الصادق المُصيب. وقال أبو عمرو بن نُجَيد: كل حالٍ لا يكون عن نتيجة علم فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه. وقال: التصوف: الصبر تحت الأوامر والنواهي. وكان بعض أكابر الشيوخ المتقدِّمين يقول: يا معشر الصوفية، لا تفارقوا السواد (أي سواد المِدَاد)، في البياض تهلكوا. ما يروى عن بعض الصوفية من التزهيد في العلم: ونحو هذا من الكلمات التي أحسن أحوال قائلها: أن يكون جاهلا يُعذر بجهله أو شاطحًا معترفًا بشطحه، وإلا فلولا عبد الرزاق وأمثاله، ولولا (أخبرنا) و(حدثنا)، لما وصل إلى هذا وأمثاله شيء من الإسلام. ومن أحالك على غير (أخبرنا) و(حدثنا) فقد أحالك: إما على خيال صوفي أو قياس فلسفي، أو رأي نفسي؛ فليس بعد القرآن و(أخبرنا) و(حدثنا) إلا شبهات المتكلمين وآراء المنحرفين، وخيالات المتصوفين وقياس المتفلسفين، ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل. ولا دليل إلى الله والجنَّة سوى الكتاب والسُّنَّة، وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم والشيطان الرجيم. ين العلم والحال: و (العلم) ما قام عليه الدليل، والنافع منه: ما جاء به الرسول، و(العلم) خير من (الحال): (العلم) حاكم و(الحال) محكوم عليه. و(العلم) هادٍ و(الحال) تابع. و(العلم) آمِرٌ ناهٍ و(الحال) منفِّذ قابِل. و(الحال) سَيف إن لم يصحبه العلم فهو مخراق في يد لاعب، و(الحال) مَرْكِب لا يجارى، فإن لم يصحبه (علم) ألقى صاحبَه في المهالك والمتالف، و(الحال) كالمال، يؤتاه البَرُّ والفاجر، فإن لم يصحبه نور العلم كان وبالا على صاحبه. الحال بلا علم كالسلطان الذي لا يزعه عن سطوته وازع. الحال بلا علم كالنار التي لا سائس لها ،نفعُ الحال لا يتعدى صاحبه ونفع العلم كالغيثِن يقع على الظِّراب والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر، دائرة العلم تسع الدنيا والآخرة، ودائرة الحال تضيق عن غير صاحبه، وربما ضاقت عنه، العلم هادٍ والحال الصحيح مهتَدٍ به، وهو تركة الأنبياء وتراثهم وأهله عصبتهم ووراثهم. وهو حياة القلوب ونور البصائر وشفاء الصدور، ورياض العقول ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين ودليل المتحيرين، وهو الميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال، وهو الحاكم المفرِّق بين الشك واليقين والغي والرشاد، والهدى والضلال به يُعرف الله ويعبد, ويذكر ويوحَّد, ويحمد ويمجَّد, وبه اهتدى إليه السالكون, ومن طريقه وصل إليه الواصلون, ومن بابه دخل عليه القاصدون. به تعرف الشرائع والأحكام, ويتميز الحلال من الحرام, وبه توصل الأرحام وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها، يوصل إليه من قريب. وهو إمام والعمل مأموم، وهو قائد والعمل تابع. وهو الصاحب في الغربة والمحدِّث في الخَلوة والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشبهة، والغِنَى الذي لا فقر على من ظفر بكنزه والكَنَف الذي لا ضَيْعة على من آوى إلى حِرْزه. مذاكرته تسبيح, والبحث عنه جهاد، وطلبُه قربة وبذلُه صدقة، ومدارستُه تُعدَل بالصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام. قال الإمام أحمد رضي الله عنه: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه.
1599
| 02 يوليو 2014
مساحة إعلانية
اقترح ديوان الخدمة المدنية والتطوير الحكومي تخفيف ساعات العمل للموظفات الأمهات القطريات وأمهات الأبناء القطريين في الجهات الحكومية، بناءً على التجربة الناجحة في...
30978
| 23 سبتمبر 2025
أهابت وزارة العمل بجميع المنشآت ضرورة اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة في ظل الظروف الجوية الاستثنائية المتوقعة. كما أكدت الوزارة عبر حسابها بمنصة اكس،...
6338
| 24 سبتمبر 2025
قضت محكمة الجنايات في الكويت، بإعدام الخادمة الفلبينية المتهمة بقتل طفل مخدومها الرضيع بأن وضعته داخل الغسالة، وذلك بعد ثبوت تقرير الطب النفسي...
3650
| 24 سبتمبر 2025
نشرت الجريدة الرسمية في عددها رقم 24 لسنة 2025 الصادر اليوم الخميس 25 سبتمبر نص قرار وزير العمل رقم (32) لسنة 2025 بتحديد...
3014
| 25 سبتمبر 2025
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل
أعلن الديوان الملكي السعودي، الثلاثاء، وفاة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن محمد آل...
2614
| 23 سبتمبر 2025
شهد مقر الأمم المتحدة حادثة طريفة، اليوم الثلاثاء، إذ أظهر مقطع “فيديو” متداول توقف السلم المتحرك الكهربائي فجأة فور صعود الرئيس الأمريكي دونالد...
1680
| 23 سبتمبر 2025
تمكنت إدارة مكافحة التهريب والممارسات الضارة بالتجارة من إحباط محاولة تهريب حاوية تحتوي على منتجات مقلدة لماركات عالمية. وأوضحت الهيئة العامة للجمارك، في...
1674
| 25 سبتمبر 2025