رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رمضان 1435

2615

القرضاوي : تاريخ الإسلام لم يعرف الصراع بين العلم والإيمان

05 يوليو 2014 , 01:25م
alsharq
الدوحة - بوابة الشرق

المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي

الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة

الحلقة الثامنة

فضيلة التعليم

يقول الله عز وجل: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]. والمراد هو التعليم والإرشاد. وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] وهو إيجاب للتعليم. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159]. وقوله تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146]. وهو تحريم للكتمان، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. وقال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة:129].

ويقول صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعًا من الناس بعد أن يؤتيهم إياه، ولكن يذهب بذهاب العلماء، فكلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا، فأفتَوْا بغير علم، فضَلُّوا وأضلُّوا"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "من علم علمًا فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار". وقال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة( )، ملعون ما فيها إلا ذكر الله سبحانه وما والاه، أو معلمًا أو متعلمًا"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله سبحانه وملائكته وأهل سماواته وأرضه، حتى النملة في جُحرها، حتى الحوت في البحر؛ ليصلُّون على معلِّمِ الناس الخير"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضًا، فكانت منها بُقعة قبِلَتِ الماء، فأنبتَتِ الكلأَ والعشبَ الكثير، وكانت منها بقعة أمسكتِ الماءَ، فنفع الله عز وجل بها الناسَ، فشربوا منها، وسقوا، وزرعوا، وكانت منها طائفة قِيعانٌ، لا تمسك ماء، ولا تنبتُ كلأً"( ). فالأول ذكره مثلًا للمنتفع بعلمه، والثاني ذكره مثلًا للنافع، والثالث للمحروم منهما. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله عز وجل حكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس، ورجل آتاه الله مالًا فسَلَّطه على هلكته في الخير"( ).

فضل التعليم عند الصحابة ومن بعدهم:

قال عمر رضي الله عنه: من حدَّث حديثًا فعُمِل به، فله مثل أجر من عمل ذلك العمل.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معلِّم الناس الخير يستغفرُ له كل شيء حتى الحوت في البحر( ).

وقال بعض العلماء: العالم يدخل فيما بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل.

ورُوي أن سفيان الثوري رحمه الله، قَدِم عسقلان، فمكث لا يسأله إنسان، فقال: اكْرُوا لي لأخرج من هذا البلد، هذا بلد يموت فيه العلم( ). وإنما قال ذلك حرصًا على فضيلة التعليم، واستبقاء العلم به.

وقال عطاء رضي الله عنه: دخلتُ على سعيد بن المسيب وهو يبكي، فقلتُ: ما يبكيكَ؟ قال: ليس أحد يسألني عن شيء.

وقال الحسن رحمه الله: لولا العلماء لصار الناس مثلَ البهائم: أي أنهم بالتعليم يُخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية.

وقال عكرمة: إن لهذا العلم ثمنًا. قيل: وما هو؟ قال: أن تضعه فيمن يحسن حمله ولا يضيِّعُه( ).

وقال يحيى بن معاذ: العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا، وهم يحفظونهم من نار الآخرة.

وقيل: أول العلم الصمتُ، ثم الاستماعُ، ثم الحفظُ، ثم العملُ، ثم نشرُه.

وقيل: علِّمْ علمَك من يجهل، وتعلم ممن يُعلِّم ما تجهل؛ فإنك إذا فعلت ذلك علمتَ ما جهلتَ، وحفظت ما علمتَ.

العلم دليل الإيمان:

والعلم في نظر الإسلام ليس مقابلًا للإيمان، فضلًا عن أن يكون معاديًا له، كما شاعت هذه الفكرة في أوربا في القرون الوسطى، حين وقفت الكنيسة في تلك العصور تؤيد الخرافة، وتحارب العلم، وتناصر الجمود والتقليد، وتقاوم التفكير الحر، والابتكار المبدع، وتدافع عن القُوى المتسلِّطة من حكَّام وإقطاعيِّين، وتقف في وجه الشعوب والفئات المسحوقة.

الإسلام لم يعرف هذا الصراع بين العلم والإيمان في تاريخه؛ لأن هذه الفكرة لا مجال لها في تعاليمه، لا نصًّا ولا روحًا.

أما النصرانية، فتقوم أساسًا على أن الإيمان قضية لا علاقة لها بالفكر، بل هي ضدُّه، فهي لا تدخل في دائرة العقل والعلم، بل في نطاق الوجدان والقلب، وليس من شرط العقائد- في النصرانية- أن تكون مقبولة عقلًا، بل يحسن بها أن تكون شيئًا فوق العقل، ولهذا كان من الشعارات المرفوعة عند النصارى (آمن ثم اعلم). أو (اعتقد وأنت أعمى)!

وآخر يقول على لسان القسيس: (أغمِضْ عينيك ثم اتْبَعني)!

وذلك؛ لأن العقيدة النصرانية مؤسسة على قضايا يرفضها العقل المجرد، مثل التثليث، والتخليص، والفداء، وما يتفرع عنها، وما يلحق بها، حتى قال بعض فلاسفة النصارى في بعض معتقداتهم (غير المعقولة)- وهو القديس (أوجستين)-: أومن بهذا، لأنه محال!

وهذا على عكس الإسلام الذي يرفض في بناء العقيدة (التقليد) و(التبعية)؛ كقول من قالوا: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة:104]. أو: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب:67] أو (أنا مع الناس).

ويرفض أيضا الظن، حيث لا يغني في شأن العقائد إلا العلم واليقين، ولهذا أنكر على النصارى عقيدتهم في الصلب بقوله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء:157].

وقال في شأن المشركين وآلهتهم المزعومة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم:23]. ثم قال: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم:28].

ويأبى القرآن إلا أن تبنى العقائد على أساس البرهان القائم على النظر العميق، والتفكير الهادئ، ولأجل هذا صاح القرآن في أصحاب العقائد الباطلة: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111].

ولا عجب أن تكرَّرت في القرآن هذه العبارات المُوقِظة للفكر من غفلته، والمحرِّرة للإنسان من رِبقَة تقليده وجموده، مثل (أفلا تعقلون). (أفلا تتفكرون). (أفلا ينظرون). (أو لم ينظروا). (أو لم يتفكروا). (لقوم يعقلون). (لقوم يعلمون). (لقوم يتفكرون).

وحسبُك أن تقرأ هذه الدعوة القوية الصريحة إلى التفكير: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46].

وهذا ما دعا الأستاذَ عباس العقاد– رحمه الله- أن يخرج كتابًا عنوانه: (التفكير فريضة إسلامية). وهذا تعبير صحيح، فالإسلام كما فرض على الناس أن يتعبدوا، فرض عليهم أن يتفكروا.

فالعقيدة في الإسلام تقوم على العلم، لا على التسليم الأعمى، يقول القرآن: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:98]. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة:235].

لم يخشَ القرآن عواقب الدعوة إلى النظر والتفكر والعلم أن تأتي بنتائج تناقض حقائق الدين ومسلماته؛ لأن فكرة الإسلام: أن الحقيقة الدينية لا يمكن أن تناقض الحقيقة العقلية، فالحقُّ لا يناقض الحق، واليقينُ لا يعارض اليقين، إنما يعارضُ اليقينُ الظنَّ، وتنافي الحقيقةُ الشكَّ أو الوهمَ أو الافتراض.

فليست كل أفهام أهل الدين دينًا؛ كما أنه ليست كل نظريات أهل العلم علمًا.

إن القرآن يعتبر العلم الحق داعية إلى الإيمان، ودليلًا إليه.

قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج:54].

فهذه المعاني الثلاثة (العلم والإيمان والإخبات) مترتِّبٌ بعضها على بعض: كما يدل عليه العطف بحرف (الفاء) التي تفيد الترتيب والتعقيب بلا مهلة صلة.

فالعلم يتبعه الإيمان تبعية ترتيب بلا إمهال ليعلموا فيؤمنوا.

والإيمان تتبعه حركة القلوب من الإخبات والخشوع لله تعالى، وهكذا يثمر العلم الإيمان، ويثمر الإيمان الإخبات والتواضع لله رب العالمين.

وفي آية أخرى يذكر العلم والإيمان متعاطفَيْن جنبًا إلى جنب؛ كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [الروم:56].

فالعلم والإيمان في الآية الكريمة مقترنان متعاطفان، وليسا من الأضداد التي إذا ثبت أحدهما، انتفى الآخر.

وإذا أردنا بالعلم: العلم بمفهومه الشائع اليوم، وهو المادي القائم على المشاهدة الحسية والتجربة؛ فلا ننكر أيضا قيمة هذا العلم، وحاجة الناس إليه؛ لأن العلم المادي مطلوب للإنسان، بلا شك، ولكنه مطلوبٌ طلبَ الوسائلِ لا طلبَ الغايات.

وهو يعين الإنسان على الحياة، وييسر له سبلها، ويختصر له الزمان، ويطوي له المكان: فيقرب البعيد، ويُلِين الحديد، ولكنه وحده لا يستطيع إسعاد البشر، كما لا يمكنه وحده أن يضبط سير البشر، ويقاوم أنانية الإنسان، ونزعات نفسه الأمَّارة بالسوء.

ولهذا كان الإنسان في حاجة ماسة إلى (العلم الديني) الذي يُنَمِّي الإيمان، ويُحيي الضمائر، ويغرسُ الفضائل، ويقي الإنسان شُحَّ نفسه، وطغيان غرائزه على عقله، وهواه على ضميره، وهذا هو الذي يعصم (العلمَ الماديَّ) من الانحراف، ويحول دون استخدامه في التدمير والعدوان.

وقد ضرب لنا القرآن مثلًا بسليمان عليه السلام – الذي آتاه الله ملكا لم يُؤته أحدًا من بعده.

فقد أُحضر إليه عرشُ بلقيسَ من سبأٍ باليمن إلى مقرِّه بالشام، قبل أن يرتد إليه طرفُه، بفضل ذلك الذي وصفه القرآن بأنه (عنده علم الكتاب)، وهنا تجلَّى الإيمان حين أرجع سليمان الفضل إلى الله لا إلى نفسه، فلم يركبْه الغرورُ، أو يستبد به الطغيان: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40].

وكذلك كان موقف ذي القرنين الذي فتح الفتوح غربًا وشرقًا، وتوَّج حكمَه بإقامة سدِّه العظيم، مستخدمًا ما يَسَّرَهُ له علمُ عصره من وسائل وأدوات، فلما أتمَّ البناء، قال في تواضع المؤمنين: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف:98].

ألا إن العلم الحق هو الذي يهدي إلى الإيمان، والإيمان الحق هو الذي يُفسح مجالًا للعلم، فهما- إذن- شريكان متفاهمان، بل أخوان متعاونان.

وهذا هو العلم الذي يريده الإسلام أيًّا كان موضوعه، ومجال بحثه، يريده علمًا في ظل الإيمان، وفي خدمة مُثُله العليا، وإلى ذلك أشار القرآن حين قال في أول آية نزلت: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]. والقراءة عنوان العلم ومِفتاحه ومصباحه، فإذا كان أول أمر إلهي نزل به القرآن: (القراءة)، كان ذلك أوضح دليل على مكانة العلم في الإسلام.

ولكن القرآن لم يطلب (مطلق قراءة)، وإنما طلب قراءة مقيَّدة بقيد خاص، وهو أن تكون (باسم الله)، أو كما قال القرآن: {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.

وإذا كانت القراءة باسم الله، فقد وُجِّهت إلى الحق والخير والهداية؛ لأن الله تعالى هو مصدر هذا كله.

ولا غرو أن نشأ العلمُ في الإسلام في أحضان الدين، وأن نشأت المدارس في صحون المساجد، وبدأت الجامعات الإسلامية العريقة تحت سقوف الجوامع، بل سُمِّي كل منها جامعًا: جامع الأزهر، جامع القرويين، جامع الزيتونة... وهكذا.

وكانت هذه الجوامع أو الجامعات تدرس علوم الدين، وعلوم الدنيا معًا، وكان كثير من العلماء التجريبيِّين هم في الوقت نفسه علماء دين، مثل القاضي ابن رشيد الحفيد مؤلف (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه المقارن، ومؤلف (الكليات) في الطب.

ومثل الخوارزمي الذي ألف كتابه الفريد، الذي أسس به علم الجبر، ليحل به مشكلات في الوصايا والمواريث من أبواب الفقه!.

العلم دليل العمل:

والعلم في نظر الإسلام دليل للعمل أيضًا، كما هو دليل للإيمان.

ترجم الإمام البخاري في جامعه الصحيح: (باب العلم قبل القول والعمل)، وقال ابن المنير: (أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدِّم عليهما، مصحِّح للنية المصحِّحة للعمل، فنبَّه المصنِّف (يعني البخاري) على ذلك، حتى لا يسبق إلى الذهن، من قولهم: إن العلم لا ينفع إلا بالعمل. تهوينُ أمرِ العلم، والتساهل في طلبه)( ).

واستدل البخاري لما ذكره بجملة من الآيات والأحاديث منها: قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19].

فبدأ بالعلم، وثنَّى بالعمل، ورأسُ العلم معرفةُ الله تعالى وتوحيده، والخطاب، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، هو متناول لأمته.

وقال جل ذكره: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].

أي: إنما يخاف الله عز وجل ويقدُره حقَّ قدره، من عرفه، وعلم عظيمَ قُدرته، وسلطانه على خلقه، نتيجة التأمل في أسرار كونه وشرعه، وهم العلماء. وهذه الخشية هي التي تحفِّز على عمل الصالحات، واجتناب السيئات.

القرضاوي : تاريخ الإسلام لم يعرف الصراع بين العلم والإيمان المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة الثامنة فضيلة التعليم يقول الله عز وجل: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]. والمراد هو التعليم والإرشاد. وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] وهو إيجاب للتعليم. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159]. وقوله تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146]. وهو تحريم للكتمان، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. وقال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة:129]. ويقول صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعًا من الناس بعد أن يؤتيهم إياه، ولكن يذهب بذهاب العلماء، فكلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا، فأفتَوْا بغير علم، فضَلُّوا وأضلُّوا"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "من علم علمًا فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار". وقال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة( )، ملعون ما فيها إلا ذكر الله سبحانه وما والاه، أو معلمًا أو متعلمًا"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله سبحانه وملائكته وأهل سماواته وأرضه، حتى النملة في جُحرها، حتى الحوت في البحر؛ ليصلُّون على معلِّمِ الناس الخير"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضًا، فكانت منها بُقعة قبِلَتِ الماء، فأنبتَتِ الكلأَ والعشبَ الكثير، وكانت منها بقعة أمسكتِ الماءَ، فنفع الله عز وجل بها الناسَ، فشربوا منها، وسقوا، وزرعوا، وكانت منها طائفة قِيعانٌ، لا تمسك ماء، ولا تنبتُ كلأً"( ). فالأول ذكره مثلًا للمنتفع بعلمه، والثاني ذكره مثلًا للنافع، والثالث للمحروم منهما. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله عز وجل حكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس، ورجل آتاه الله مالًا فسَلَّطه على هلكته في الخير"( ). فضل التعليم عند الصحابة ومن بعدهم: قال عمر رضي الله عنه: من حدَّث حديثًا فعُمِل به، فله مثل أجر من عمل ذلك العمل. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معلِّم الناس الخير يستغفرُ له كل شيء حتى الحوت في البحر( ). وقال بعض العلماء: العالم يدخل فيما بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل. ورُوي أن سفيان الثوري رحمه الله، قَدِم عسقلان، فمكث لا يسأله إنسان، فقال: اكْرُوا لي لأخرج من هذا البلد، هذا بلد يموت فيه العلم( ). وإنما قال ذلك حرصًا على فضيلة التعليم، واستبقاء العلم به. وقال عطاء رضي الله عنه: دخلتُ على سعيد بن المسيب وهو يبكي، فقلتُ: ما يبكيكَ؟ قال: ليس أحد يسألني عن شيء. وقال الحسن رحمه الله: لولا العلماء لصار الناس مثلَ البهائم: أي أنهم بالتعليم يُخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية. وقال عكرمة: إن لهذا العلم ثمنًا. قيل: وما هو؟ قال: أن تضعه فيمن يحسن حمله ولا يضيِّعُه( ). وقال يحيى بن معاذ: العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا، وهم يحفظونهم من نار الآخرة. وقيل: أول العلم الصمتُ، ثم الاستماعُ، ثم الحفظُ، ثم العملُ، ثم نشرُه. وقيل: علِّمْ علمَك من يجهل، وتعلم ممن يُعلِّم ما تجهل؛ فإنك إذا فعلت ذلك علمتَ ما جهلتَ، وحفظت ما علمتَ. العلم دليل الإيمان: والعلم في نظر الإسلام ليس مقابلًا للإيمان، فضلًا عن أن يكون معاديًا له، كما شاعت هذه الفكرة في أوربا في القرون الوسطى، حين وقفت الكنيسة في تلك العصور تؤيد الخرافة، وتحارب العلم، وتناصر الجمود والتقليد، وتقاوم التفكير الحر، والابتكار المبدع، وتدافع عن القُوى المتسلِّطة من حكَّام وإقطاعيِّين، وتقف في وجه الشعوب والفئات المسحوقة. الإسلام لم يعرف هذا الصراع بين العلم والإيمان في تاريخه؛ لأن هذه الفكرة لا مجال لها في تعاليمه، لا نصًّا ولا روحًا. أما النصرانية، فتقوم أساسًا على أن الإيمان قضية لا علاقة لها بالفكر، بل هي ضدُّه، فهي لا تدخل في دائرة العقل والعلم، بل في نطاق الوجدان والقلب، وليس من شرط العقائد- في النصرانية- أن تكون مقبولة عقلًا، بل يحسن بها أن تكون شيئًا فوق العقل، ولهذا كان من الشعارات المرفوعة عند النصارى (آمن ثم اعلم). أو (اعتقد وأنت أعمى)! وآخر يقول على لسان القسيس: (أغمِضْ عينيك ثم اتْبَعني)! وذلك؛ لأن العقيدة النصرانية مؤسسة على قضايا يرفضها العقل المجرد، مثل التثليث، والتخليص، والفداء، وما يتفرع عنها، وما يلحق بها، حتى قال بعض فلاسفة النصارى في بعض معتقداتهم (غير المعقولة)- وهو القديس (أوجستين)-: أومن بهذا، لأنه محال! وهذا على عكس الإسلام الذي يرفض في بناء العقيدة (التقليد) و(التبعية)؛ كقول من قالوا: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة:104]. أو: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب:67] أو (أنا مع الناس). ويرفض أيضا الظن، حيث لا يغني في شأن العقائد إلا العلم واليقين، ولهذا أنكر على النصارى عقيدتهم في الصلب بقوله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء:157]. وقال في شأن المشركين وآلهتهم المزعومة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم:23]. ثم قال: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم:28]. ويأبى القرآن إلا أن تبنى العقائد على أساس البرهان القائم على النظر العميق، والتفكير الهادئ، ولأجل هذا صاح القرآن في أصحاب العقائد الباطلة: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. ولا عجب أن تكرَّرت في القرآن هذه العبارات المُوقِظة للفكر من غفلته، والمحرِّرة للإنسان من رِبقَة تقليده وجموده، مثل (أفلا تعقلون). (أفلا تتفكرون). (أفلا ينظرون). (أو لم ينظروا). (أو لم يتفكروا). (لقوم يعقلون). (لقوم يعلمون). (لقوم يتفكرون). وحسبُك أن تقرأ هذه الدعوة القوية الصريحة إلى التفكير: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46]. وهذا ما دعا الأستاذَ عباس العقاد– رحمه الله- أن يخرج كتابًا عنوانه: (التفكير فريضة إسلامية). وهذا تعبير صحيح، فالإسلام كما فرض على الناس أن يتعبدوا، فرض عليهم أن يتفكروا. فالعقيدة في الإسلام تقوم على العلم، لا على التسليم الأعمى، يقول القرآن: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:98]. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة:235]. لم يخشَ القرآن عواقب الدعوة إلى النظر والتفكر والعلم أن تأتي بنتائج تناقض حقائق الدين ومسلماته؛ لأن فكرة الإسلام: أن الحقيقة الدينية لا يمكن أن تناقض الحقيقة العقلية، فالحقُّ لا يناقض الحق، واليقينُ لا يعارض اليقين، إنما يعارضُ اليقينُ الظنَّ، وتنافي الحقيقةُ الشكَّ أو الوهمَ أو الافتراض. فليست كل أفهام أهل الدين دينًا؛ كما أنه ليست كل نظريات أهل العلم علمًا. إن القرآن يعتبر العلم الحق داعية إلى الإيمان، ودليلًا إليه. قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج:54]. فهذه المعاني الثلاثة (العلم والإيمان والإخبات) مترتِّبٌ بعضها على بعض: كما يدل عليه العطف بحرف (الفاء) التي تفيد الترتيب والتعقيب بلا مهلة صلة. فالعلم يتبعه الإيمان تبعية ترتيب بلا إمهال ليعلموا فيؤمنوا. والإيمان تتبعه حركة القلوب من الإخبات والخشوع لله تعالى، وهكذا يثمر العلم الإيمان، ويثمر الإيمان الإخبات والتواضع لله رب العالمين. وفي آية أخرى يذكر العلم والإيمان متعاطفَيْن جنبًا إلى جنب؛ كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [الروم:56]. فالعلم والإيمان في الآية الكريمة مقترنان متعاطفان، وليسا من الأضداد التي إذا ثبت أحدهما، انتفى الآخر. وإذا أردنا بالعلم: العلم بمفهومه الشائع اليوم، وهو المادي القائم على المشاهدة الحسية والتجربة؛ فلا ننكر أيضا قيمة هذا العلم، وحاجة الناس إليه؛ لأن العلم المادي مطلوب للإنسان، بلا شك، ولكنه مطلوبٌ طلبَ الوسائلِ لا طلبَ الغايات. وهو يعين الإنسان على الحياة، وييسر له سبلها، ويختصر له الزمان، ويطوي له المكان: فيقرب البعيد، ويُلِين الحديد، ولكنه وحده لا يستطيع إسعاد البشر، كما لا يمكنه وحده أن يضبط سير البشر، ويقاوم أنانية الإنسان، ونزعات نفسه الأمَّارة بالسوء. ولهذا كان الإنسان في حاجة ماسة إلى (العلم الديني) الذي يُنَمِّي الإيمان، ويُحيي الضمائر، ويغرسُ الفضائل، ويقي الإنسان شُحَّ نفسه، وطغيان غرائزه على عقله، وهواه على ضميره، وهذا هو الذي يعصم (العلمَ الماديَّ) من الانحراف، ويحول دون استخدامه في التدمير والعدوان. وقد ضرب لنا القرآن مثلًا بسليمان عليه السلام – الذي آتاه الله ملكا لم يُؤته أحدًا من بعده. فقد أُحضر إليه عرشُ بلقيسَ من سبأٍ باليمن إلى مقرِّه بالشام، قبل أن يرتد إليه طرفُه، بفضل ذلك الذي وصفه القرآن بأنه (عنده علم الكتاب)، وهنا تجلَّى الإيمان حين أرجع سليمان الفضل إلى الله لا إلى نفسه، فلم يركبْه الغرورُ، أو يستبد به الطغيان: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]. وكذلك كان موقف ذي القرنين الذي فتح الفتوح غربًا وشرقًا، وتوَّج حكمَه بإقامة سدِّه العظيم، مستخدمًا ما يَسَّرَهُ له علمُ عصره من وسائل وأدوات، فلما أتمَّ البناء، قال في تواضع المؤمنين: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف:98]. ألا إن العلم الحق هو الذي يهدي إلى الإيمان، والإيمان الحق هو الذي يُفسح مجالًا للعلم، فهما- إذن- شريكان متفاهمان، بل أخوان متعاونان. وهذا هو العلم الذي يريده الإسلام أيًّا كان موضوعه، ومجال بحثه، يريده علمًا في ظل الإيمان، وفي خدمة مُثُله العليا، وإلى ذلك أشار القرآن حين قال في أول آية نزلت: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]. والقراءة عنوان العلم ومِفتاحه ومصباحه، فإذا كان أول أمر إلهي نزل به القرآن: (القراءة)، كان ذلك أوضح دليل على مكانة العلم في الإسلام. ولكن القرآن لم يطلب (مطلق قراءة)، وإنما طلب قراءة مقيَّدة بقيد خاص، وهو أن تكون (باسم الله)، أو كما قال القرآن: {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. وإذا كانت القراءة باسم الله، فقد وُجِّهت إلى الحق والخير والهداية؛ لأن الله تعالى هو مصدر هذا كله. ولا غرو أن نشأ العلمُ في الإسلام في أحضان الدين، وأن نشأت المدارس في صحون المساجد، وبدأت الجامعات الإسلامية العريقة تحت سقوف الجوامع، بل سُمِّي كل منها جامعًا: جامع الأزهر، جامع القرويين، جامع الزيتونة... وهكذا. وكانت هذه الجوامع أو الجامعات تدرس علوم الدين، وعلوم الدنيا معًا، وكان كثير من العلماء التجريبيِّين هم في الوقت نفسه علماء دين، مثل القاضي ابن رشيد الحفيد مؤلف (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه المقارن، ومؤلف (الكليات) في الطب. ومثل الخوارزمي الذي ألف كتابه الفريد، الذي أسس به علم الجبر، ليحل به مشكلات في الوصايا والمواريث من أبواب الفقه!. العلم دليل العمل: والعلم في نظر الإسلام دليل للعمل أيضًا، كما هو دليل للإيمان. ترجم الإمام البخاري في جامعه الصحيح: (باب العلم قبل القول والعمل)، وقال ابن المنير: (أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدِّم عليهما، مصحِّح للنية المصحِّحة للعمل، فنبَّه المصنِّف (يعني البخاري) على ذلك، حتى لا يسبق إلى الذهن، من قولهم: إن العلم لا ينفع إلا بالعمل. تهوينُ أمرِ العلم، والتساهل في طلبه)( ). واستدل البخاري لما ذكره بجملة من الآيات والأحاديث منها: قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]. فبدأ بالعلم، وثنَّى بالعمل، ورأسُ العلم معرفةُ الله تعالى وتوحيده، والخطاب، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، هو متناول لأمته. وقال جل ذكره: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. أي: إنما يخاف الله عز وجل ويقدُره حقَّ قدره، من عرفه، وعلم عظيمَ قُدرته، وسلطانه على خلقه، نتيجة التأمل في أسرار كونه وشرعه، وهم العلماء. وهذه الخشية هي التي تحفِّز على عمل الصالحات، واجتناب السيئات. %MCEPASTEBIN%%MCEPASTEBIN%

اقرأ المزيد

alsharq أحداث غزة تخفي مظاهر البهجة بعيد الفطر هذا العام

يحل عيد الفطر هذا العام بلا اي مظاهر استعداد للاحتفال بقدومه ولسان الحال يقول " عيد بأي حال... اقرأ المزيد

870

| 27 يوليو 2014

alsharq قطريات يسوقنّ إنتاجهنّ اليدوي للعيد بمواقع التواصل

ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي من الفيسبوك والأنستجرام والواتساب والرسائل النصية والبلاك بيري في تسويق إنتاج قطريات احترفنّ الأشغال... اقرأ المزيد

2826

| 27 يوليو 2014

alsharq د.العربي: الإصابة بالتلبك المعوي الأكثر شيوعا خلال العيد

يلتزم الصائمون خلال ايام شهر رمضان بنظام غذائي يختلف في التوقيت والنوعية عنه في الايام الاخرى. وقد يؤدي... اقرأ المزيد

4572

| 27 يوليو 2014

مساحة إعلانية