رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

453

د. أحمد المحمدي

﴿فماذا بعد الحق إِلا الضلال﴾

31 أغسطس 2025 , 12:41ص

إن الحق في ذاته قاطعٌ جازم، لا يقبل المساومة ولا يحتمل التفاوض؛ لأنه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد، لا يتجزأ ولا يُبعض.

هو الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وهو النور الساطع الذي لا يخالطه غبش. فمن ابتغى غيره فقد انحدر إلى الضلال، وإن سمّاه «اعتدالًا» أو «تسامحًا» أو «عقلانية».

ليست هناك «منطقة رمادية» بين الهدى والعمى، ولا جسرٌ يصل بين النور والظلمة. إنها ثنائية حاسمة: حقٌّ أو ضلال، استقامة أو انحراف، إيمان أو هوى.

ومن هذا الميزان الرباني يُفهم معنى الوسطية؛ فهي ليست تلفيقًا بين المتناقضات، ولا تسوية بين شريعة الله وأهواء البشر، بل هي الثبات على الصراط المستقيم: لا غلوّ يرفع الدين فوق حدوده، ولا تفريط يُنزل به دون مراد الله. فهي العدل الذي شرعه الله، لا الذي تصوغه الأهواء أو تفرضه مقاييس الحضارات.

وعليه، فليست «الوسطية» ما يراه الناس وسطًا بين الإفراط والتفريط، ولا ما ارتاحت له النفوس، أو استحسنه العُرف، أو زكّته المقاييس الوضعية تحت شعارات «العقلانية» و«التسامح».

إن الوسطية في ميزان الإسلام أمرٌ أعمق وأجلّ: إنها الاستقامة على صراط الله دون ميلٍ يمنة أو يسرة. قال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾.

فالاستقامة هنا هي الوسطية الحقّة؛ لأنها انقيادٌ لأمر الله دون زيادة ولا نقصان، وهي المفهوم من قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾.

ليست «وسطًا» بمعنى التنازل عن بعض الحق إرضاءً للبشر، بل «وسطًا» بمعنى خيارًا وعدلًا، لا يميلون إلى غلوّ الغالين ولا إلى تفريط المفرّطين.

فالوسطية إذن ثباتٌ على الحق، لا مساومة عليه.

وهذه سيرة النبي ﷺ وأصحابه شاهد عدل على ذلك؛ فحين عرضت قريش على رسول الله ﷺ مساومة «وسطية»: أن يعبد آلهتهم عامًا ويعبدوا الله عامًا، كان الرد وحيًا حاسمًا: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ … ثم جاء الختام الفاصل: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾.

إنه رفضٌ صريح للتسويات على حساب الحق، وإعلانٌ أن الإسلام لا يقبل التذويب ولا التنازل.

وكذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين توسّعت الفتوحات، عرض بعض قادة الفرس والروم أن يتركوا للمسلمين بعض الأرض ويكفّوا عن القتال، لكن عمر ومن معه علموا أن الدعوة لا تقوم على أنصاف الحلول، فقال قولته المشهورة:

«نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العز بغيره أذلّنا الله».

إن الذين يبحثون اليوم عن «حلٍّ وسط» بين الإسلام والهوى لا يريدون عدلًا، وإنما دينًا على مقاس رغباتهم؛ دينًا يُطعَّم ببعض النصوص ويُخفَّف ببعض الهوى ليُصبح «مقبولًا» عند أصحاب الشاشات والمنابر العالمية. وقد وصف الله حالهم بقوله: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾.

هذه الوسطية المزعومة ليست إلا ستارًا للتفريط يُسمّى «تسامحًا»، وخذلانًا يُدعى «عقلانية»، وخيانةً تُزيَّن بعبارات «الحكمة». 

إن الإسلام جاء ليعلو لا ليُساوِم، جاء ليُعلن كلمة الفصل لا ليذيب الفوارق.

فالتوسط بين الحق والباطل؛ باطل.

والاعتدال بين المعروف والمنكر؛ منكر.

والتوفيق بين الإسلام والتحلل؛ تمييع وهزيمة.

إن الوسطية الحقّة هي الثبات على الوحي، والوقوف عند حدود الله لا يُزاد فيها ولا يُنقص.

هي أن يكون القرآن هو المعيار، والرسول ﷺ هو الأسوة، والصراط المستقيم هو الدرب.

فمن رام غير ذلك، فقد وقع في قول الله تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾.

اقرأ المزيد

alsharq استحالة السلام المستدام مع إسرائيل

في العلوم الاجتماعية برز تخصص يهتم بالتنمية المستدامة عبر الأجيال، ويؤكد هذا التوجه أن التنمية لا تقتصر على... اقرأ المزيد

342

| 20 أكتوبر 2025

alsharq اذكروا غزةَ فإنها أمانة

تعلمون بأنني أتصفح بشكل يومي موقع صحيفة الشرق بل وأستمتع وأنا أتصفحه لتنوعه واهتمامه بأدق الأمور وأصغرها، وهذا... اقرأ المزيد

186

| 20 أكتوبر 2025

alsharq وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت سنتر»، خيارًا ترفيهيًا أو موضة مؤقتة، بل أصبحت جزءًا من... اقرأ المزيد

759

| 20 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية