رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خالد الحروب

خالد الحروب

مساحة إعلانية

مقالات

787

خالد الحروب

ضرورة الانتفاضة الثالثة لقلب الطاولة وتصحيح للمسار

28 يوليو 2014 , 01:48ص

ليس مصير قطاع غزة وحده بل مصير الحاضر الفلسطيني برمته قد يدخل منعرجا جديدا وتحريرا لو اندلعت انتفاضة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية. ستقلب هذه الانتفاضة كل الحسابات الإسرائيلية رأسا على عقب وتعيد الأمور إلى المربع الأول والأصلي: احتلال عسكري كولونيالي وشعب مُحتل يثور ضد ذلك الاحتلال. وستربك مثل هذه الانتفاضة الإستراتيجية الإسرائيلية العسكرية الحالية ضد قطاع غزة القائمة على الاستفراد والاستفادة من "الهدوء" الذي أتاحته مرحلة أوسلو العقيمة في الضفة الغربية. صحيح أن انتفاض الضفة الغربية لم يعد سهلا بعد سنوات التنسيق الأمني الطويلة والعمل المتواصل على "تعقيم المقاومة" هناك, لكن ذلك لا يعني أن ذلك لم يعد خيارا. احتمالية هذا الخيار ما زالت قائمة لأن فتح وأجيالها الجديدة تحتاج إلى نفض ثوري حقيقي وتجديد حتى تلحق بالمقاومة الكبيرة في قطاع غزة, وحتى تُستعاد البوصلة الوطنية مرة ثانية. لماذا الحاجة إلى انتفاضة ثالثة؟

السبب الأول هو تصحيح المسار الوطني العام خاصة بعد فشل مفاوضات السلام وبعد أن تبدى أن إسرائيل ليست في وارد تقديم أي حل للفلسطينيين حتى لو لم يلب أيا من طموحاتهم. بعد أكثر من عشرين سنة مفاوضات, تعاقبت عليها حكومات إسرائيلية عديدة, وإدارات أمريكية متلاحقة, يجب أن يكون قد ثبت للقيادة الفلسطينية أن المفاوضات بشكلها الحالي, ومن دون أي ضغط دولي (وليس تركها للاحتكار الأمريكي) هي انتحار سياسي ووطني للفلسطينيين وتذرية لما تبقى من حقوقهم الوطنية. خلال عقدين من المفاوضات فرضت إسرائيل منطقها التفاوضي وهو التفاوض بعيدا عن الشرعية الدولية وقراراتها, وعدم قبول أي طرف ثالث نزيه أو شبه نزيه يشارك فيها. الموقف الأمريكي, والعربي من ورائه مع الأسف, يقوم على مقولة نقبل ما يتوصل إليه الطرفان, وكأن الطرفين متكافآن في القوة والندية.

الانتفاضة الثالثة وعلى خلفية الصمود الكبير للمقاومة في قطاع غزة معناه التقاط فرصة غالية لتوحيد الموقف الفلسطيني على قاعدة جديدة وعملية وهي رفض الاحتلال ومقاومته بعد أن فشلت المفاوضات معه, وليس على قاعدة فرض المفاوضات واشتراطاتها الإسرائيلية على كل الأطراف الفلسطينية. عناد الإرادة الفلسطينية وأداء المقاومة في قطاع غزة والمفاجآت التي صدمت إسرائيل وجيشها دفعت بكل الفلسطينيين في الداخل والخارج إلى الالتفاف حولها, رغم التضحيات والثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون. وكل ذلك دفع بالرئيس الفلسطيني ومنظمة التحرير والشرائح الأعرض في القيادات الفلسطينية لأن تتبنى مطالبات المقاومة بكونها حقوقا للفلسطينيين في قطاع غزة, وعلى رأسها فك الحصار. الالتفاف التضامني والسياسي حول تلك المطالب يعني أنه في مقدور القيادة الفلسطينية في هذه اللحظة أن تفرض مساراً جديدا, وأن تتحدث لغة جديدة, وأن تعيد "فلسطنة" الأجندة وعدم تركها للتنافسات الإقليمية, بل إعادة توجيهها بالاتجاه الصحيح والوطني.

السبب الثاني الذي يبرر الحاجة إلى انتفاضة ثالثة هو إعادة القضية الفلسطينية إلى الأجندة الإقليمية (المزدحمة بالصراعات والقضايا), وحتى إعادتها إلى رأس قائمة القلق والأجندة الإسرائيلية. في السنوات العجاف الأخيرة, وخاصة بعد الانقسام الفلسطيني, انخفض الاهتمام والقلق من القضية الفلسطينية من كونها القضية المركزية التي تواجه "الأجندة الإسرائيلية" إلى مجرد أن قضية مزايدات في سوق التنافس الحزبي بين التيارات والجماعات الإسرائيلية. تحولت الحالة الاستعمارية الأكبر والأهم في النص الثاني من القرن العشرين وفي القرن الواحد والعشرين إلى بند على برامج الأحزاب الإسرائيلية, كل منها يريد أن يثبت لناخبيه أنه أكثر تطرفا وتشددا كي يكسب أصواتا أكثر في أوساط "دولة الاستيطان" التي صارت تحكم وتتحكم في إسرائيل. الانتفاضة الثالثة تكسر هذه الرتابة التي ندفع ثمنها غاليا وتعيد القضية إلى كل الواجهات بما فيها الإسرائيلية.

السبب الثالث, وربما يكون الأهم, الذي يفرض على الفلسطينيين الآن التحرك الانتفاضي في الضفة الغربية هو كسر "الأمر الواقع" الذي اشتغلت على تثبيته إسرائيل خلال سنوات ما بعد الانقسام الفلسطيني, وهو أمر واقع مدمر بشكل هائل للحقوق الفلسطينية, وللأرض الفلسطينية, وللفلسطينيين. هذا الأمر الواقع قام على ثلاثة مرتكزات: تعميق الانقسام, تعميق التنسيق الأمني, وتعميق الاستيطان. وقد اشتغلت الإستراتيجية الإسرائيلية على الحفاظ على هذه المرتكزات مع توفير غطاء سياسي ودبلوماسي يحميها وهو الاستمرار المتقطع لـ "عملية السلام". تحت ستار ومظلة جولات المفاوضات العقيمة تضاعف الاستيطان, عددا وحجماً, إلى ثلاثة أضعاف خلال منذ التوقيع على أوسلو. وخلالها أيضاً نجح التنسيق الأمني في تفريغ الضفة الغربية من المقاومة وأنتج أجيالا خاضعة لأجهزة الأمن الفلسطيني التي نجحت إسرائيل في تجيير كل أعمالها لتعزيز "الاستقرار والهدوء" الذي حيَد الضفة الغربية من معادلة الصراع والمقاومة مع إسرائيل. حتى المقاومة السلمية وغير العسكرية تم ضبط إيقاعها والسيطرة عليها حتى لا تتسع. بالتوازي مع ذلك استمر الانقسام الفلسطيني الذي خدم إسرائيل خدمة جليلة أيضاً, وعملت هي بدورها على ترسيخه واستثماره. والسعار الإسرائيلي الذي تبع المصالحة الفلسطينية كان سببه أن ركيزة أساسية من ركائز الأمر الواقع الذي ترتاح إسرائيل فوقه قد بدأت تهتز وفي طريقها إلى الانهيار. والحرب الوحشية والإبادية التي أطلقتها إسرائيل ضد قطاع غزة هدفها الأساسي العودة بالأمور إلى "الأمر الواقع".

كسر الأمر الواقع معناه إجبار إسرائيل وداعميها الغربيين والعالم على مواجهة القضية الفلسطينية مرة أخرى, ودفعهم, وخاصة إسرائيل, لمواجهة استحقاقات تفرضها حقوق الفلسطينيين في التحرر الوطني والاستقلال, أو تحويل الأرض كلها إلى دولة واحدة لمواطنيها. يجب ألا يستمر الأمر الواقع الذي جوهره ابارتيهد عنصري يكون فيه العنصر والجنس اليهودي متفوقا على الفلسطينيين الذين يعتبرون أفرادا من الدرجة العاشرة وغير مكتملي الإنسانية. عبر استمرار الأمر الواقع فإن إسرائيل تتملص من المواجهة المباشرة مع السؤال عن مصير الفلسطينيين: هل هم شعب تحت الاحتلال, هل هم مواطنون من درجات دنيا, أم ماذا؟

مساحة إعلانية