رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
دعاء الأمير في قمة الكويت مازال يجلجل في الآفاق: اللهم اجعلنا من الذين تحبنا شعوبنا ونبادلها حباً بحب
في بلد المليون شاعر.. ما أحوجنا إلى قصيدة واحدة تحيي ما مات في العرب!!
الأمن العربي أصبح أكثر انكشافاً ومشاريعُ الأمم الأخرى تتمدد في الوطن العربي
تنعقد يوم غد القمة العربية السابعة والعشرون؛ بحضور من حضر من القادة، نصف الزعماء العرب يتغيبون عنها في العاصمة الموريتانية نواكشوط، بلد المليون شاعر، ما أحوجنا في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، إلى شاعر واحد، وقصيدة واحدة، تحيي ما مات في العرب.
تنعقد هذه القمة العربية في موريتانيا، هذا البلد العربي المحوري، الذي يقع في الشمال الغربي للقارة الإفريقية، على شاطئ المحيط الأطلسي من الجهة الغربية من وطننا، بلد نسيَه العرب، بل نسوا القارة التي يقع فيها، وهي التي تمثل العمق والأمن القومي للعالم العربي، حتى باتت كل مشاريع الأمم تتنافس عليها، إلا العربَ الذين أضاعوا مشروعهم القومي، وباتوا بلا هوية، والكل يتناهشونهم، فأصبحوا فريسة تتكالب عليها الأمم.
تنعقد القمة العربية في ظرف دقيق، ومرحلة حساسة.. وفي كل مرة نردد هذه الجمل "المنمقة"، وهذه المفردات "المدغدغة" للمشاعر، وكأن القمة التي نحن بصدد الحديث عنها هي المنقذة لمشروعنا القومي العربي، أو أنها الرافعة لما سقط منا من أوطان، أو أنها ستجد الحلول لما تعانيه الشعوب من مآسٍ، والبلدان من ويلات.. لم أطلع على جدول أعمال قمة نواكشوط، وإن كنت لا أعتقد أنها سوف تختلف عن قمة شرم الشيخ العام الماضي.. الكثير لم يكن يعرف أن القمة الماضية كانت في هذه المدينة، التي هجرها السياح.. أو قمة الكويت التي كانت قبلها، لكني مازلت أتذكر أبرز جدول أعمال قمة شرم الشيخ، التي تضمنت نحو 12 بنداً، أذكر بعضها.. لتقولوا لي ماذا تم بشأنها، هل حلت هذه القضايا أم إن أوضاعها في مزيد من التدهور..؟!!
القضية الفلسطينية، أهلكناها قتلاً، وليس بحثاً، وفي النهاية لم نقدم لها الحلول، ولم نسعَ لإنقاذ الشعب الفلسطيني، بل أسهمنا في قتله، بالمشاركة مع الكيان الإسرائيلي.. حاصرناه كما يفعل الصهاينة.. سكتنا عن التهويد للأراضي الفلسطينية.. صمتنا عن انتهاك القدس والأقصى والمقدسات الإسلامية.. ثم لمنا الشعب الفلسطيني لأنه أكل "جيفة" وهو يكاد يموت جوعاً.
سوريا.. عام سادس وهذا الشعب يقتل على يد نظامه، والجامعة العربية تقدم رجلاً وتؤخر عشراً، والأنظمة العربية؛ من تقف مع هذا الشعب لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، بل إن هناك أنظمة عربية تقدم الدعم العسكري واللوجستي للنظام الأسدي المجرم، الذي لم يمر على التاريخ أن فعل نظام بشعبه ما يفعله هذا النظام اليوم.. والقتل مستمر لهذا الشعب، الذي يوشك على الانقراض بسبب آلة القتل، التي تحصد يومياً العشرات، ما بين قتيل ببراميل "النظام" المتفجرة، أو الطائرات الروسية الغادرة، أو الحرس الثوري الايراني المحتل، أو ميليشيات حزب الله الحاقدة، أو المرتزقة الذين أتوا بهم من كل حدب وصوب، لقتل هذا الشعب الأبي، الذي كل جريمته أنه طالب بالإصلاح، وبحياة كريمة، فتخلى عنه العالم كله، بل شاركوا القاتل بقتل متعدد الأشكال والألوان.
ليبيا.. لم يترك العرب هذا الشعب يقرر مصيره بإرادته، بعد أن تخلص من حكم الفرد، فأشعلوا فيه النار، وحرضوا أطرافا ضد أخرى، وأمدوهم بالسلاح "المحرم" ليقتل الأخ أخاه، فتحول العرب إلى محرضين، بدل أن يكونوا مصلحين، موحدين للأشقاء في ليبيا.
اليمن.. عام ثانٍ من عاصفة الحزم التي أتت لتنقذ اليمن الشقيق من السقوط في براثن عصابات مرتمية في حضن المشروع الإيراني، استولت على السلطة بقوة السلاح، كما سقطت عواصم أخرى، لكن هذه الخطوة والمبادرة، التي يتحرك فيها العرب لأول مرة، مبادرين بقيادة الشقيقة السعودية، لم تحسم حتى اللحظة، بفعل مؤامرات الظلام، من هنا وهناك، وفي استمرار أمدها مصلحة "حوثية" مع حليفهم المخلوع، فكان الأمل أن يكون للعرب كلمة واحدة، وصف واحد لإنقاذ اليمن من الهاوية، والحفاظ على الأمن القومي العربي، لكن من العرب من يقف على الضفة الاخرى، وكأن الخطر بعيد عنهم، ولا يقدرون أن العِقد إذا انفرط فإن الجميع مهدد بالتبعثر.
العراق.. الطائفية المقيتة فوق الوطنية، دعم العرب العبادي؛ فماذا كانت النتيجة، لم يختلف الوضع كثيراً عن سابقه، ظلت الميليشيات الطائفية هي الآمرة الناهية؛ ترتكب كل الجرائم تحت مرأى ومسمع ما يسمى بـ "الجيش" العراقي، الذي حل محله ما يسمى بـ "الحشد الشعبي"، وهو حشد طائفي بامتياز، مارس القتل لأهل السنة على الهوية، وعمل على تهجير وتغيير التركيبة السكانية للمناطق والمدن؛ قتل من قتل، وهجّر من هجّر.. هذه هي الحقيقة، التي طالما حاول البعض نفيها، لكنها واقع معيش في عراق اليوم، الذي يسام فيه أهل السنة الخسف والنسف، بدعوى محاربة الإرهاب، فأصبح أهل السنة بين المطرقة والسندان، مطرقة "داعش" وسندان "الحشد"، وما حصل في الفلوجة خير شاهد، ولن يكون الوضع مغايراً في الموصل في قادم الأيام.
الصومال.. ماذا فعل العرب من أجل هذا البلد الذي يعيش الجوع والفقر والضياع، بعدما كانت تلك الديار في سالف الأيام تمدنا بالدعم والمساندة، فتركناها اليوم تهيم في الأرض، بلداً ممزقاً، وشعباً مشتتاً، تزعزعه حرب بين فرقائه، لم يجد من يتصدى لها بالإصلاح..
الجزر الإماراتية المحتلة.. مقررة في أجندة كل القمم، فماذا صنعت هذه القمم، وماذا قدمت للأشقاء في الإمارات لاسترجاع جزرهم الثلاث..؟
وكان من بين جدول أعمال القمة العربية الماضية أيضاً، الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب.. فماذا تم بشأنهما؟
مشروع الأمن العربي أصبح أكثر انكشافاً، أما مشاريع الأمم الأخرى فقد أخذت تتمدد في الوطن العربي!! كانت تلك الأمم ـ ولا تزال ـ تتصارع من أجل اقتسام الجغرافيا، والحصول على المكاسب، والمنافع، وخيرات أوطاننا، ونحن في "عالم" آخر، نتفرج، ونرصد التحركات، من وراء الشاشات، وكأن الأمر لا يعنينا.
أما الإرهاب ومكافحته، فلم نعمل معاً من أجل اجتثاثه من جذوره، فالإرهاب مرفوض، ولا يمت لنا، ولتاريخنا، وديننا بشيء، ولكن هل طرحت الدول العربية معالجات حقيقية لهذه القضية، أم إن ما يطرح مجرد "مسكنات"، والقفز في الهتاف ضد الإرهاب إلى الأمام.. أمام الجميع.. بعيداً عن العلاج الحقيقي لهذه القضية، من جذورها، وليس فقط تقليم أظفارها؟.
نحن بحاجة ـ والعالم أجمع ـ إلى الوقوف على مسببات الإرهاب، إن كنا نريد علاجه من جذوره، ولكن للأسف هناك أطراف إقليمية ودولية تغذي الإرهاب، وتستفيد من وجوده وبقائه..
قضية أخرى كانت مطروحة على جدول أعمال قمة شرم الشيخ، ألا وهي تطوير جامعة الدول العربية.. فماذا فعلوا من أجل تطويرها؟!!.. إنهم أتوا بوزير خارجية مصر الأسبق أحمد أبو الغيط، تاريخ حافل، ومسيرة ثرية، من أجل تطوير هذا الصرح "العريق"، يكفي من أعمال هذا الرجل أنه شارك "زميلته" وزيرة خارجية العدو الإسرائيلي مؤتمراً صحفياً في القاهرة في ديسمبر 2008، أعلنت من خلاله الحرب على غزة، فكان داعماً لها، بل تلقفها مسانداً قبل أن تقع من على السلم، وهي تنزل من منصة المؤتمر الصحفي المشترك الشهير!!
قمة نواكشوط العربية.. ماذا يمكنها أن تفعل، وماذا يمكنها أن تعالج؟
المشكلة الحقيقية أن الجامعة العربية، والأنظمة العربية ـ إلا من رحم ربي ـ في جهة، وقضايا الشعوب في جهة أخرى، وما بقي الوضع على هذه الشاكلة، فإن الواقع العربي لن يتغير للأحسن، بل على العكس؛ نحن نتجه نحو مزيد من التشتت، ومزيد من التفرق، ومزيد من الآلام للشعوب العربية، التي لم تعد الغالبية منها تثق بجامعتها الفاضلة، لأنها تعتقد أن هذه جامعة أنظمة، لا تنحاز إلى قضاياها، وما الشعوب العربية التي انتفضت باحثة عن كرامتها، مبتغية إصلاح شؤونها، إلا خير دليل، عندما تخلت الجامعة عن دعم تطلعات هذه الشعوب، وتركتها تقاسي الآلام، دون أن تقف مساندة لها، لتحقيق آمالها، وفق تطلعاتها وإراداتها.
لن أتحدث عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الشعوب العربية، ولن أتحدث عن أرقام البطالة في الوطن العربي، التي تمثل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، بل هي أحد أسباب تخلف دولنا، التي لم تستطع استيعاب هذه الطاقات الشبابية والعلمية، في الإنتاج والإبداع، والعيش الكريم، فأحالتها للجلوس على الطرقات، أو التوجه للانخراط في المنظمات الإرهابية، أو الانزلاق إلى قوائم المدمنين على المخدرات.
الحديث عن الواقع العربي و"البهرجة" السنوية المسماة بالقمم العربية، حديث ذو شجون، فالواقع مرير، والأوضاع متردية، ولكن هذا لا يعني أن نستكين لهذا الواقع، بأنه لا علاج له، وبالتالي القبول به.. فإذا ما كانت هناك إرادة حقيقية، ونية صادقة، وأسند الأمر إلى أهله المخلصين، فحينئذ يمكن تحقيق نهضة شاملة، وحوادث التاريخ القديم والحديث ومجرياته، خير شاهد لمن أراد النهوض وبناء الأوطان، ومزاحمة الأمم على القيادة والريادة.
دعاء الأمير في قمة الكويت
في قمة الكويت 2014 كانت أول مشاركة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كأمير لدولة قطر، فألقى خطاباً يمثل نبض الشعوب العربية، لامس خلاله آمال وتطلعات هذه الشعوب، ومازلنا نتذكر ما قاله سموه آنذاك، في خطابه التاريخي، عندما استحضر حديث رسولنا الكريم قائلاً:
"خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم"، وتحدث سموه عن مأساة الشعب السوري؛ مؤكداً أن الأسلحة الكيماوية، وفوهات البنادق، لا يمكنها أن تقضي على تطلعات الشعب للحرية، وأن معاناة أطفال سوريا أصبحت وصمة عار في جبين المجتمع الدولي..
وتحدث عن قضايا الأمة وشعوبها، مثمناً مواقف ودور الشباب في الوطن العربي، وداعياً إلى فك الحصار عن غزة وفتح المعابر، واختتم خطابه التاريخي بالدعاء قائلاً:
"اللهم اجعلنا من الذين تحبنا شعوبنا، ونبادلها حباً بحب..".
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8664
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
6909
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4818
| 05 أكتوبر 2025