رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كتاب أنيق الطبع شامل المعلومات دقيق الأرقام يحمل غلافه صورة مؤسس نهضة قطر الحديثة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وتتصدر هذا الكتاب القيم كلمة تكريم من خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد أمير قطر، بمناسبة تولي سموه مقاليد الحكم ، وهي بصدقها وعفويتها تشكل برا من الولد بالوالد واعترافا بأفضال من كرس حياته لخدمة شعبه وتمكينه من قيادة مصيره وتحقيق غاياته في التنمية والتميز وخوض غمار القرن الحادي والعشرين بروح متوثبة رائدة في جميع المجالات.
يقول حضرة صاحب السمو الشيخ تميم : "لقد رفع سموه اسمنا عاليا وفي عهده استمدت بلادنا قوتها من فعل الخير ونصرة المظلوم وإصلاح ذات البين واستطاع الوالد أن يحقق ثورة هادئة ومتدرجة وشاملة في كل مفاصل الدولة القطرية بلا استثناء: الاستثمار والاقتصاد والاعلام والثقافة والسياسة الخارجية والتعليم والصحة والرياضة والبيئة ليصنع في بضع سنين معجزة حقيقية في المنطقة ويقدم أنموذجا فريدا لشعوبها وإننا نسجل بمداد من فخر لسموه أن فترة حكمه تمثل مرحلة فارقة في تاريخ قطر".
هذا جزء من كلمة سمو الأمير عن والده حفظهما الله ورعاهما بالصحة والتوفيق وطول العمر، وقد كتب الله سبحانه لي أن أكون شاهدا من جملة آلاف الشهود على صدق وحقيقة كل كلمة قالها عن والده حيث أقمت في هذا البلد الأمين أكثر من ثلث قرن منذ جئته سنة 1991 أستاذا زائرا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية، وألقيت على منبرها محاضرة حول العلاقات بين الإسلام والغرب من الحروب الصليبية الى معارك التحرير من الاستعمار ثم استقررت بالدولة لاجئا إليها من مظالم استبداد نفانا أنا والصديق رفيق المنافي والنضال محمد مزالي رئيس وزراء بورقيبة وكنا مطلوبين من (أنتربول) في سنوات الجمر، فكانت قطر العزيزة ملجأنا وملاذ عديد الملاحقين المثقفين الشرفاء من مصر وسوريا والعراق والتحق بالمظلومين في أواسط التسعينيات أبو الوليد خالد مشعل ورفاقه من حماس بعد محاولة اغتياله من الموساد ونجاته منها بإطلاق سراح الشيخ الشهيد أحمد ياسين.
وفي قطر "كعبة المضيوم" أي كل من أصابه الضيم فعملنا في أمن من الملاحقات والسجون وساهمنا في جهود قطر التربوية والأكاديمية والثقافية بما استطعنا ردا لبعض جميل قيادتها المتمثلة أساسا في جرأة ومروءة رجل في قامة الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة واستمرار تلك الفضائل مع سمو الشيخ تميم بن حمد، مما جعل ريادة قطر في جميع المجالات متواصلة ومتصاعدة ومعترفا بها إقليميا وعالميا.
** ونعود لكلمة صاحب السمو الشيخ تميم فنقرأ: "بفضل إنجازاته الكبرى وتفانيه في خدمة وطنه وأمته وبفضل شخصيته الفريدة التي تجمع بين الحكمة والعاطفة وحسن التدبير والتخطيط من جهة والعفوية المميزة من جهة أخرى يحظى سموه بكل هذه الشعبية والمحبة ونحتفظ له بهذه المكانة الخاصة في قلوبنا جميعا. لقد تولى سمو الوالد القيادة في قطر حين كانت دولة عالقة في الماضي غير قادرة على النهوض والتطور واستثمار ثرواتها وتعاني من بنى تحتية ضعيفة ومستوى معيشي متواضع نسبيا فوضع سمو الرائد مشروعا إصلاحيا وتنمويا تضمن رؤية القائد وثقة لا حد لها في شعب هذه البلاد وكان عنصر الإقدام والمجازفة المحسوبة فيه قائما ولولا هذا الإقدام لما تمكنت قطر من تحقيق كل هذه الإنجازات وإرساء البنية التحتية لصناعة النفط والغاز ثم غادر منصبه في خطوة فريدة بل غير مسبوقة وهو منتصب القامة وقطر دولة متطورة ذات مرافق ومؤسسات حديثة يبلغ فيها معدل دخل الفرد أعلى المستويات في العالم.
** “ويضيف صاحب السمو الشيخ تميم في هذه الكلمة البارة تعريفات ضرورية بالوضع الذي تسلم فيه هو قيادة المسيرة بإرادة سمو الأمير الوالد فيقول: غادر سموه منصبه وقطر أشبه ما تكون بورشة بناء لا يتوقف وعلاقاتها السياسية والاقتصادية متعددة ومتوازنة ومتنامية ومجتمعها آمن ومستقر تكاد تنعدم فيه الجريمة. لقد تحولت قطر من دولة بالكاد يعرف البعض موقعها على الخارطة الى فاعل رئيس في السياسة والاقتصاد والاعلام والثقافة والتعليم والرياضة على مستوى العالم".
وختم سمو الأمير كلمته بشرح قرار والده باختتام فترة حكمه وهو في قمة عطائه مؤكدا أن هذا القرار الحكيم سببه راجع لإيمانه بضرورات التغيير وتعاقب الأجيال فتسلم الشيخ تميم ولي العهد المشعل من الوالد راجيا أن يكون أهلا للثقة الأبوية الغالية بالقدرة على مواصلة الطريق الذي شقه هذا الرجل الاستثنائي باني دولة قطر الحديثة ورائد نهضتها.
** ثم يقرأ قراء هذا الكتاب الحدث ما خطته أقلام مؤلفيه المختصين الباحثين الأوفياء من الحقائق التاريخية فيحللون تعاقب الصعوبات والأزمات التي اعترضت مسيرة حكمه والتي تجاوزها بالحكمة والواقعية ولكن أيضا بالجرأة ومواجهة التحديات حينما تشتد بعض الخلافات أو الاختلافات إقليميا وعربيا وعالميا وهو مما ضمن دائما خروج قطر منتصرة على الأزمات شامخة الهامة في عالم لا يتسامح مع الأيدي المرتعشة والنفوس المترددة وكانت مواقف دولة قطر بقيادة أميرها تعتمد على الشرعية الدولية وقيم الإنسانية والإصرار على الحق ونصرته مهما كانت التيارات السائرة عكس اتجاه التاريخ والحضارة وثبت ذلك على مدى العشريتين في قضية العرب والمسلمين المركزية قضية الشعب الفلسطيني، كما ثبت ذلك في الزيارة التي أداها صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة الى غزة لكسر حصارها وطمأنة شعبها أنه ليس وحده ونفس المواقف تأكدت في أزمات السودان ولبنان وأفغانستان وهي المواقف التي استمر حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد في الحفاظ عليها كأنما هي أمانة تجب المحافظة عليها من جيل الى جيل وهو ما رفع راية قطر شاهقة بين الأمم.
** ويشرح مؤلفو الكتاب الغاية من تأليفه فيقولون بأن غايته هي معالجة العديد من الموضوعات وإلقاء الضوء على أسباب الأزمات وبلوغ إدراك المواطن لعوامل النجاح من خلال مواقف صاحب السمو الشيخ حمد والتي يواصلها صاحب السمو الشيخ تميم بروح من الوسطية والاعتدال والابتعاد عن الغلو والتطرف وتوسيع افاق الحوار وتفعيل تحصين الذات والثقة بكفاءة الشعب القطري بأجياله الراهنة والمستقبلية وانعكست تلك المبادئ على سيادة الدولة فعززتها وعلى مستوى عيش الشعب مواطنين ومقيمين، فطورته بل جعلت الشعب القطري يصنع مصيره بوعي وعقل فاعل وهو ما بوأ قطر اليوم عام 2024 موقع الريادة والتميز في جميع المجالات.
** تلك هي القوة الناعمة التي استعملها وتسلح بها قائد مسيرتها وبطل نهضتها صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة رعاه الله وبيض وجهه وجزاه عنا جميعا ألف خير. ولعل أفضل ما نختم به مقالنا هو ما كتبه يوم الأربعاء في (الشرق) السيد عبد الرحمن بن حمد العطية الشاهد على تلك الملحمة عن تسليم السلطة الى ولي العهد حيث كتب: "في خطوة تاريخية ووطنية ويوم مشهود عزز سموه خطاه التي انطلقت من رؤيته الوطنية التجديدية الإصلاحية التي تؤمن بدور الشباب في التغيير، في خطاب تنازله وتسليمه مقاليد الحكم لحضرة صاحب السمو الأمير المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في 25 يونيو 2013، حيث استهل سموه خطابه مخاطبا شعبه بقوله (نحن نستعد لدخول عهد جديد في تاريخ وطننا، وقد أردت أن أخاطبكم أولاً إذ أنتم أصحاب هذه الأرض الطاهرة وحماتها وبناة نهضتها وصانعو مستقبلها).
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
7314
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5397
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
4962
| 02 أكتوبر 2025