رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

4792

د. أحمد القديدي

نسيج حضاري عجيب اسمه أفغانستان !

23 أغسطس 2021 , 03:00ص

تصدرت أفغانستان يوم 15 أغسطس اهتمام و متابعة جميع الدول ووسائل الإعلام و مشاورات الدبلوماسيات عندما دخلت طالبان العاصمة كابل بعد مفاوضات عسيرة وطويلة بوأت الدوحة مكانة دولية بفضل رعايتها منذ عامين لأطول وأعسر مفاوضات سلام بين حركة طالبان والإدارة الأمريكية؛ وهو مما جعل الرئيس بايدن يقول في مكالمة هاتفية مع صاحب السمو أمير قطر بأنه لولا الدوحة لما استطعنا أن نجلي في ظروف إنسانية طيبة مواطنينا والأفغان الذين عملوا معنا و بهذه الروح تستمر الدوحة بتوجيهات من صاحب السمو أميرها -حفظه الله- في أداء رسالتها وتبين ذلك في المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس بايدن وبين صاحب السمو الأمير يوم السبت الماضي. كما أن الرئيس بوتين تحادث مع الرئيس التركي أردوغان في نفس موضوع ما بعد 15 أغسطس. و بدأ العالم يطمئن إلى أن طالبان استوعبت دروس التاريخ و مستعدة للتفاعل إيجابيا مع معطيات السياسة الدولية الجديدة، ولكن إذا ما رجعنا للتاريخ فقد رسخت في ذاكرتنا فقرة جاءت في مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق (دوايت إيزنهاور الذي كان سيد البيت الأبيض من 1953 الى 1961) أجاب فيها عن أسئلة الصحفي الأمريكي (ستيفن أمبروز) الذي سأله عن استشرافه للمستقبل الأمريكي والأخطار المهددة لأمن الولايات المتحدة بعد نصف قرن فقال (أيزنهاور): "أكبر خطر في المستقبل هو عندما يتحد العالم الإسلامي ويستعيد قوته و حضوره بمنظومته التي أخضعت له نصف الأرض"، وهنا سأله (أمبروز) وكيف سيدي الرئيس تستبقون هذه المخاطر؟ فأجاب الرئيس: "لا بد أن يكون لنا نحن الأمريكان موطأ قدم في كل من أفغانستان والعراق! (كان هذا الكلام عام 1960) و حين ألح الصحفي على معرفة سر تحديد مخاطر الوحدة الإسلامية في هاتين الدولتين قال (أيزنهاور): "لأنهما هما الحلقتان الأساسيتان في سلسلة الوحدة الإسلامية تاريخيا و جغرافيا" و من هنا لا بد أن نقدم للقراء لمحات عن جينات أفغانستان لأن لكل أمة جينات (هندسة وراثية حضارية تحدد ردود أفعالها وسياساتها. و يجب أن نعرف أن الطالبان فصيل من قبائل البشتون، هذه البشتون التي كانت ولاتزال منقسمة الى قسمين كبيرين متصارعين هما: الغلزاي والعبدلي.. هؤلاء العبدلي الذي سموا بعد ذلك باسم الدراني، ويمثل البشتون تقريبا 43 بالمائة من الأفغان، بينما يحتل الهزارة وسط أفغانستان ويستقر الأوزبك في الشمال على حدود أوزباكستان ويتقاسمون هذه المناطق مع الطاجيك على حدود طاجيكستان ويتعايش التركمان في الشمال الغربي على تخوم تركمانستان ويدينون بالولاء لعاصمتهم التاريخية عشق أباد. ويتوزع فيما عدا ذلك كل من الإسماعيليين والغرجيز والنوريستانيين على بقية التراب الأفغاني وحين تتأمل الخارطة الجغرافية لهذا الشعب الفسيفسائي، فإنك تقرأ تاريخه من خلال الجغرافيا تتناثر المدن الكبرى كقلاع عتيدة شبه مستقلة لم يجمعها نفوذ مركزي إلا نادراً على مدى القرون: فما أبعد فايز أباد عن كابول وما أبعد باميان عن جلال آباد، وما أبعد مزار الشريف عن قندهار، وما أبعد حراة عن قندوز. والبعد الذي أقصده ليس بعد المسافة الجغرافية بل بعد الاثنيات والأعراق واللغات عن بعضها البعض في نسيج غريب اسمه أفغانستان، أعلنت «استقلالها» عام 1919 وسنت دستورها «القومي» في مناخ دموي تميز باغتيال ملكين من ملوكها، ولا نجد دولة من الدولة المطوقة لأفغانستان تفكر لحظة واحدة في استقلال أفغانستان، إلا بما يخدم مصالحها، وكذلك الأمر لجميعها بدون استثناء. باكستان وإيران وتركمانستان وأوزباكستان وطاجيكستان. وبالطبع وراء هذا الطوق الأول، طوق ثانٍ وأخطر من الدول الكبرى ذات المصالح الإستراتيجية المرتبطة بما يحدث في أفغانستان. وهذا الطوق الثاني مكون من الهند وروسيا الاتحادية والصين. والصراع ما بين هذه الامبراطوريات الثلاث يظهر للعيان واضحاً كذلك في مقاطعة كشمير وبصورة متقطعة في أحداث باكستان منذ ثلاثين عاماً. أنا شخصيا عرفت أفغانستان في العام 1978 عندما كنت أشتغل في مؤسسة جوان فريك للنشر واشتركت مع المثقف الأفغاني المتميز نجم الدين بامات، وكان يشغل منصب المدير العام المساعد لمنظمة اليونسكو، وذلك في إعداد كتاب عن مكة المكرمة والحج إلى بيت الله باللغة الفرنسية، وعرفت من خلال ذلك الصديق بعض تاريخ أفغانستان ومأساتها وهجرة ملكها ظاهر شاه. وكان الشاعر المسلم محمد إقبال ينعت أفغانستان بنعت "قلب آسيا"، بينما كان يسميه (اللورد كورزون) نائب ملك الهند البريطانية بـ "ساحة وغى آسيا" نظراً لتلاحق الحروب فوق سهولها وعلى جبالها.

وعلى هذا المشهد نجد أن صراع القبائل والإثنيات قضى على الأراضي الزراعية فإثنا عشر بالمائة فقط من الأرض الأفغانية صالحة للزراعة.. وزراعة ماذا؟ زراعة الحشيش والمخدرات بنسبة كبيرة على مدى ثلاثين عاماً، فالحشيش هو الذي يمول حروب القبائل، وليس للمزارعين من بذور غير بذور نبات الخشخاش.. إلى أن احتلت طالبان 90 بالمائة من الأرض الأفغانية في سبتمبر 1996، ومنعت ميليشياتهم زراعة الخشخاش. اليوم وعدت طالبان العالم باتباع نهج مختلف عن منهج الحرب لدمج أفغانستان في الدورة الدولية في السياسة والاقتصاد، إلا أن الشريعة ستظل هي الراعية لدستور. المجتمع.

مساحة إعلانية