رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تبدو اللغة الفرنسية وفق هذا الكتاب (أسلافنا العرب: ما تدين به اللغة الفرنسية لهم) عربية، في عمقها الذي لم يتوقف عند حدود المفردات المشتقة منها والمتداولة شفاهة، بل في توغلها ضمن نسيج اللغة الفرنسية، كما تعكسها معاجمها الكبرى وأعمال أدبائها الكلاسيكية.
وعلى الرغم من أن فرنسا الحالية عُرفت قديماً ببلاد (الغال) نسبة إلى الشعب الذي كان يقطن أراضيها ضمن معظم أراضي أوروبا الغربية آنذاك، إلا أن الكلمات الفرنسية التي تعود لأصل «غالي» لا تتجاوز مائتي كلمة مقابل أكثر من خمسمائة كلمة عربية، ما يضع اللغة العربية في مرتبة ثالثة -بعد اللغتين الإنجليزية والإيطالية- في تأثيرها على اللغة الفرنسية، بل وبشكل يفوق تأثيرها في اللغة الإسبانية، رغم مجاورة أهلها للعرب في شبه جزيرة أيبيريا قرابة سبعة قرون. وقد جاء هذا الاندماج بين اللغتين العربية والفرنسية إثر الحملات الصليبية والغزو العربي والتبادل التجاري وحركات الهجرة. لذا، لا يجد الباحث أي مبرر للدهشة في هذا الإثراء اللغوي الذي تمخّض عن قرون طويلة من العلاقات التبادلية، في حين أن للدهشة أن تعتري الفرنسيين وقد كانوا يكررون عبارة «أسلافنا الغاليون» على أسماع التلامذة ذوي الأغلبية العربية في مستعمراتهم القديمة في الشمال الأفريقي، إذ «لم يكن لهم بالتأكيد أن يخجلوا من (أسلافهم العرب)». يتتبع الباحث المسالك التي سلكتها اللغة العربية في هجرتها نحو الفرنسية، عبر الإسبانية والإيطالية والإنجليزية، وهو لا يغفل عن معاينة الجوانب النحوية والصرفية والصوتية والمعجمية فيها. فإضافة إلى الترتيب الهجائي لتلك الكلمات، اعتمد الباحث ترتيباً موضوعياً في تصنيفها بين المفاهيم والعناصر الثقافية والحضارية، حيث يخصص أبواباً للحديث عن النبات والحيوان والعطور والملابس والألوان والأوزان والفنون والموسيقى والمهن والمعمار والمناخ والمعارك والأسلحة والأثاث والأدوات والمذاهب والأديان! فمع هذا العمق الذي يبرز دور اللغة العربية «بما لها من مفاهيم ومضامين» في إثراء اللغة الفرنسية من جانب، فهو يشير من جانب آخر إلى «دلالات حضارية وتاريخية وثقافية وعليمة، شاهدة على مرحلة زاهرة من تاريخ اللغة العربية، كانت خلالها لغة للعلم والتقنيات، ولغة الفكر والحضارة والفن والاقتصاد، واللغة العالمية الأولى بلا منازع». وفي هذا السياق، ينقل الباحث من المعاجم الفرنسية الأولى قول المؤرخ الفرنسي بروزين دو لا مارتينيير: «ليس من شك في أن لغة العرب من أكثر اللغات جمالاً ومن أكثرها قدماً». بيد أن البحث الموضوعي لم يخلُ من عاطفة، حيث حرص الباحث على نشر كتابه قبيل الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة «وبالتالي تشكيله رداً يمزق خطاب الفرنسيين المعاديين للعرب، بكشفه لهم ولغيرهم عمق الإرث العربي لفرنسا الذي يتعذر نكرانه» كما ينقل مترجم الكتاب (أ. د. محمد البقاعي) في مقدمته، وهو أستاذ جامعي يحمل درجة أكاديمية في اللغة العربية وآدابها، بجانب درجة الدكتوراه في علوم اللغة والنقد الأدبي من جامعة ليون الفرنسية. أما عن الباحث، فهو (جان بروفو) أستاذ أكاديمي في اللغة وعلم المعاجم، وعضو معهد اللغة الفرنسية، كما أنه مستعرب، يعرف اللغة العربية ويلحظ تطورها عبر صفوف المهاجرين، ويراقب مدى تأثيرها الحاضر في اللغة الفرنسية كما كان في الماضي. وهو يتطلع إلى إيجاد مستقبل تفاعلي أكثر عملية من الايديولوجية الصماء، لا سيما من خلال تحريضه على ضرورة النهوض واسترداد حيوية اللغة العربية في الثقافة الفرنسية، آخذاً بعين الاعتبار الانفتاح الثقافي والمعرفي كأفضل معركة ضد كافة أشكال التطرف. ففي رحلته المتعمقة في بحر الكلمات العربية التي تزخر بها المعاجم الفرنسية، يعرض كلمات شائعة. فمن الأطعمة «خروب caroube»، ومن الأحجار الكريمة «قيراط carat»، ومن التعاملات المالية «حوالة aval»، ومن المباني «منبر minbar»، ومن الوظائف «قاضي cade». أما الأقمشة الجميلة، فيؤكد «أن مدينة غزة هي أصل الشف المسمى بالفرنسية gaze، وهو نسيج في غاية الخفة والشفافية». وإضافة إلى الفصيح من العربية، فلقد كان للفرنسية نصيب من لهجاتها، لا سيما الدارجة في بلاد المغرب العربي، حيث تمسك مهاجريهم بالتعاطي بلهجاتهم رأساً برأس اللغة الفرنسية، وقد عدّهم الباحث (شركاء في المواطنة) وعدّ تمسكهم ذاك (ثراءً حقيقياً). ومن تلك الكلمات: «ماكانش macache/ شوف chouf».
ثم يسهب الباحث في حديثه عن الدين الإسلامي والقرآن الكريم والحديث النبوي، فيستهل بالمفردات الدينية المتداولة وبيان عملية تطورها وزمن اندماجها مع اللغة الفرنسية. فهناك «العالِم ‹ālim والإمام l›imam والمؤذن muezzin». وعن الأخير، فينقل قول شاعر القرن التاسع عشر الفرنسي ألفونس دو لامارتين: «كان وقت الظهيرة. الساعة التي يراقب فيها (المؤذن) الشمس من أعلى شرفة في المنارة ليعلن حلول موعد الصلاة في كل الأوقات. صوت رخيم، شجي يعرف ما يقول وما يصدح به».
وأختم كما ختم المُعجمي الفرنسي كتابه، نقلاً عن المعجم الفرنسي (هاشيت للشباب-1986)، حين أورد مثالاً مباشراً لاستخدام كلمة (عرب) في جملة: «آلان يتحدث العربية بطلاقة»، وقد اعتبره المعجمي «مثال يستحق التأمل». إنه بالفعل كذلك، بل ومدعاة للعرفان بالجميل، لكل من العرب والفرنسيين، تجاه (أسلافنا العرب).
منذ تولى الرئيس شي جين بينج قيادة الصين في 2013، نال اهتمام الصين بما يسمى الجنوب العالمي أو... اقرأ المزيد
183
| 21 سبتمبر 2025
الجدال الكبير الذي أثاره قرار سحب ترخيص مديرة مكتب إحدى القنوات من ممارسة العمل الصحفي في السودان يدعونا... اقرأ المزيد
108
| 21 سبتمبر 2025
يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج العربية بشأن وجود قرار زيادة الأجور للعمالة المنزلية لدولة الفلبين... اقرأ المزيد
279
| 21 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
خنجر في الخاصرة قد لا يبقيك مستقيما لكنه ليس موتًا محتومًا. الطعنة قد تُنهك الجسد، لكنها تُوقظ الوعي. وبين الألم والصمت، يظل التعليم هو السلاح الأصدق يعلّمنا كيف نحول الخنجر إلى درس، والنزيف إلى ميلاد جديد. وحين نتعلم ذلك، سنستطيع أن نكتب تاريخًا لا يُختزل في طعنة، بل في كيفية النهوض بعدها، حتى لو جعلتنا الطعنة لحظةً لا نستطيع أن نستقيم ولا أن ننحني. الطعنة ليست مجرد نزيف جسدي، بل نزيف قيمي، يعكس خيانة الثقة وارتباك المصالح، ويمتد أثره إلى الوعي الجمعي، حيث يتحول الألم الفردي إلى جرح اجتماعي، لا يُعالج إلا ببناء عقول قادرة على فهمه وتجاوزه. ما ردور الأفعال المحتملة بعد طعنة الخاصرة؟ 1. الانكسار والصمت: حين يختار المجتمع الصمت بعد الطعنة، فإنه يتعوّد على الخوف، ويورّثه للأجيال. يصبح الاستسلام عادة، وتتحول الكرامة إلى ذكرى. • انعكاس اجتماعي: مجتمع صامت يولّد أجيالًا مستكينة، ترى في الخضوع نجاة. • المعالجة بالتعليم: غرس قيم الشجاعة الفكرية، وتعليم الطلاب منذ الصغر أن التعبير عن الرأي ليس جريمة، بل حق وواجب. 2 - الانتفاض والثأر. ردّ الفعل الغاضب قد يحوّل الألم إلى شرارة مقاومة، لكنه قد يفتح أبواب العنف. الثورة بلا وعي تُنتج فوضى، لا حرية. • انعكاس اجتماعي: مجتمعات تعيش على وقع الثأر تفقد استقرارها، وتُدخل أبناءها في دوامة عنف متجددة. • المعالجة بالتعليم: تعليم فنون إدارة الأزمات، وتعزيز ثقافة الحوار والمقاومة السلمية، ليُوجَّه الغضب إلى بناء لا إلى هدم. 3. التفاوض والمرونة الطعنات قد تكون رسائل سياسية. المرونة والتفاوض خيارٌ يُنقذ ما تبقى، لكنه قد يُفسَّر ضعفًا أو خضوعًا. • انعكاس اجتماعي: مجتمعٌ يتبنى ثقافة المساومة قد ينقسم بين من يرى فيها حكمة ومن يراها تنازلًا. • المعالجة بالتعليم: إدخال مناهج تُدرّس فنون التفاوض والوساطة، حتى ينشأ جيل يوازن بين صلابة المبادئ ومرونة المصالح. 4. التحالفات الجديدة كل خنجر قد يدفع إلى إعادة الحسابات، والبحث عن حلفاء جدد. لكنه خيار محفوف بالمخاطر، لأنه يبدّل خريطة الولاءات. • انعكاس اجتماعي: قد يعيد الأمل لفئة، لكنه قد يزرع الشك والانقسام في فئة أخرى. • المعالجة بالتعليم: تعليم التاريخ والسياسة بنَفَس نقدي، حتى يفهم الطلاب أن التحالفات ليست أبدية، بل مصالح متحركة يجب التعامل معها بوعي. 5. التجاهل والمكابرة أخطر الخيارات هو الادعاء أن الطعنة سطحية. المكابرة هنا نزيف صامت، يُهلك من الداخل بلا ضجيج. • انعكاس اجتماعي: يولّد مجتمعًا يهرب من مواجهة الحقائق، ويغرق في إنكار الواقع. • المعالجة بالتعليم: إدخال قيم النقد الذاتي والشفافية، وتربية جيل يتعامل مع الأرقام والوقائع لا مع الأوهام. 6. الاستبصار والتحول أرقى الردود أن تتحول الطعنة إلى درس. فكل خنجر في خاصرة الأمة قد يكون بداية نهضة، إذا استُثمر الألم في التغيير. • انعكاس اجتماعي: مجتمع أقوى، يحوّل الجرح إلى مشروع بناء. • المعالجة بالتعليم: تعزيز التفكير النقدي والإبداعي، ليُصبح الألم مصدر قوة، والصمت فضاءً لإعادة صياغة المستقبل. وأنا أقول.. الأمة التي تقرأ جراحها لا تُهزم مهما تكررت الطعنات. وحده التعليم يحوّل الخنجر إلى درس، والصمت إلى صوتٍ أعلى.
1410
| 15 سبتمبر 2025
مثّل الانتهاك الإسرائيلي للسيادة القطرية باستهداف قيادات حماس بالدوحة، محطة فارقة في مسار القضية الفلسطينية، إذ إنه قد كشف بوضوح عن نية الاحتلال في عدم إنهاء الحرب، وهذا ما أشار إليه مندوب مصر في الخطاب الجريء الذي أدلى به في جلسة مجلس الأمن، وتأكيده أن الاعتداء يكشف الجهة المعرقلة للاتفاقيات الراغبة في إطالة أمد الحرب لأهداف سياسية ودينية متطرفة. في السياق، حققت القضية نصرًا دبلوماسيًا قويًا، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة مشروع قرار حل الدولتين، حيث حصل تأييد المشروع على 142 صوتًا، وعشرة أصوات معارضة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال، فيما امتنعت 12 دولة عن التصويت. الاحتلال بات يعاني أزمة عزلة دولية مثّل هذا الإقرار أبرز مظاهرها، إلا أنه على الرغم من ذلك يرفض نتنياهو وحكومته المتطرفة مشروع حل الدولتين بشكل قطعي، وقد أكد قبلها نتنياهو على ذلك بقوله الصريح: «لن تكون هناك دولة فلسطينية». السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا يصر نتنياهو على رفض حل الدولتين وإن أدى لمواجهته دول المنطقة والدخول في عزلة دولية تفقده معظم حلفائه؟ الكيان الإسرائيلي يختلف عن الصورة النمطية للأنظمة الاستعمارية، التي تسعى للهيمنة والسيطرة، فالاحتلال الإسرائيلي قائم على إستراتيجية المحو الشامل للوجود الفلسطيني، وتشمل محو التاريخ واللغة والهوية والجغرافيا، فهو مشروع استيطاني إحلالي يستند في جوهره إلى إلغاء وجود الآخر الفلسطيني، ليتمكن ذلك الاحتلال من تحقيق هوية دينية وقومية حصرية. وربما يفسر ذلك ما حرص عليه العدو الصهيوني في نشأته الأولى من ترويج أسطورة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، كأساس يبني عليه ما تترجمه إستراتيجية المحو لاحقا، فيصبح الوجود الفلسطيني مشكلة وجودية لا عائقًا سياسيًا. النظم الاستعمارية السابقة (بريطانيا على سبيل المثال) كانت تتوسع وتحتل الدول اعتمادًا على قوتها الذاتية، كقوة عظمى لها مركز وأطراف، وتسعى للهيمنة على الدول، بهدف دعم نفوذها والسيطرة على ثروات تلك البلاد، لذلك لم تسع بريطانيا إلى الإحلال والدخول في معارك وجودية مع شعوب الدول المستعمرة. أما الكيان الإسرائيلي، فهو حالة خاصة، إذ إن قوته وقدرته على الاحتلال ليست ذاتية، بل هي قائمة بشكل كامل على الدعم الغربي والرعاية الأمريكية، إضافة للغياب العربي كما عبر الدكتور عبدالوهاب المسيري، وهما عنصران قابلان للتغيير، فلذلك تعيش دولة الاحتلال في قلق دائم من الوجود الفلسطيني، إذ إن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض والاحتلال عارض طارئ. انطلاقاً من إستراتيجية المحو ورفض الوجود الفلسطيني، أصدر الكنيست في 2018 قانون القومية، الذي يرسخ بشكل رسمي أن إسرائيل القومية للشعب اليهودي، وحق تقرير المصير فيها من حق الشعب اليهودي وحده، لنزع صفة المساواة عن الفلسطينيين داخل أراضي 48، وتوطئة كذلك لإقصائهم من الدولة اليهودية. دولة الاحتلال مصممة لتعيش داخل الحرب، فالحرب للإسرائيليين هي القاعدة وليست الاستثناء، وحراكها العسكري ليس دفاعًا عن النفس كما تدعي، لا يقوم على الدفاع كما تروج، لكن تقوم على الردع والهيمنة الإقليمية وإبقاء المنطقة في حال اشتعال دائم وعدم استقرار أبدي، والعسكرة كما هو معلوم جزء من الهوية الإسرائيلية، والشعب الإسرائيلي مُهيأ منذ النشأة نفسيًا وثقافيًا لحرب دائمة تعتمد على حقيقة وجوده في محيط عربي. ومنذ تأسيس الكيان وحتى اليوم، لم يمر وقت على الكيان الإسرائيلي دون أن يبدأ هو الحرب والعدوان، حرب 1948، وعدوان 56 على مصر بمشاركة انجلترا وفرنسا، وعدوان نكسة 67 الذي احتل فيه الضفة وغزة وسيناء والجولان، واجتياح لبنان عام 82، والحروب المتكررة على غزة، والهجمات المتواصلة على الأراضي السورية واللبنانية. يرفض الاحتلال الانخراط في أية تسوية سلمية من شأنها أن تمرر مشروع حل الدولتين، لأنه مدفوع بهوية دينية وثقافية إلى عبور الحدود، فقد أُنشئ هذا الكيان ليتمدد لا لينحصر داخل فلسطين، ومن ثم لا يستطيع المضي قدما لتحقيق هذه الأطماع إلا من خلال السيطرة التامة على فلسطين، ومن ثم لا ولن يعترف العدو الصهيوني بفكرة حل الدولتين.
786
| 14 سبتمبر 2025
شهدت الدوحة مؤخراً حدثاً خطيراً تمثل في قيام إسرائيل بقصف مقر تواجد وفد من قادة حركة حماس خلال مفاوضات جارية بوساطة قطرية، هذا الهجوم لم يقتصر أثره على إلحاق أضرار بالمباني المستهدفة، بل أسفر أيضاً عن استشهاد الوكيل عريف بدر سعد محمد الحميدي الدوسري من قوة الأمن الداخلي، وعدد من أعضاء حماس ومرافقيهم. يُعد هذا الاعتداء سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، فهو يمثل انتهاكاً مباشراً لسيادة دولة قطر التي تقوم بدور الوسيط المحايد بين إسرائيل وحركة حماس، في إطار الجهود الرامية إلى إطلاق الأسرى وإحلال السلام في غزة والمنطقة، إن تنفيذ غارة عسكرية داخل أراضي دولة مستقلة يضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية التي تضمن احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها. كما أن استهداف مقر مفاوضات، وليس ساحة قتال، يُعد خرقاً لأبسط القواعد الإنسانية التي توجب حماية الوسطاء والمشاركين في المفاوضات، وتعكس استخفافاً بدور قطر الذي حظي باعتراف إقليمي ودولي واسع. استشهاد بدر الدوسري، يرمز إلى أن قطر دفعت ثمناً رغم دورها كوسيط، كما أن مقتل أعضاء من حماس في هذه الضربة يشير إلى نية إسرائيل تقويض جهود التهدئة وعرقلة أي مسار تفاوضي يمكن أن يُفضي إلى تسوية سياسية. الهجوم لم يترك أثراً إنسانياً فحسب، بل ألقى بظلال من الشك على إمكانية استمرار الوساطات في مناخ آمن ومحايد، فالوسطاء يحتاجون إلى ضمانات دولية بعدم استهدافهم، وإلا فإن الثقة في العملية السياسية برمتها ستنهار. أمام هذا التطور، تبرز مسؤولية مجلس الأمن الدولي في تحمل واجباته، فقد عبّر المجلس عن قلقه إزاء الحادثة وأكد ضرورة احترام سيادة قطر، لكن الاكتفاء بالبيانات لا يكفي، المطلوب هو إجراءات واضحة لردع إسرائيل عن تكرار مثل هذه الاعتداءات، بما في ذلك: • فرض عقوبات سياسية أو اقتصادية على إسرائيل لتورطها في خرق القوانين الدولية. • إصدار قرار ملزم يضمن حماية الوسطاء والأطراف المشاركة في أي مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة أو الدول الأعضاء. المسؤولية لا تقتصر على مجلس الأمن وحده، بل تقع أيضاً على عاتق الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي ككل. المطلوب هو: 1. توحيد الموقف العربي والإسلامي لإدانة الاعتداء واتخاذ خطوات عملية لحماية السيادة القطرية. 2. دعم قطر في مسعاها القانوني أمام المحافل الدولية لضمان محاسبة المعتدين. 3. تعزيز الحماية الدبلوماسية للوسطاء، سواء من خلال اتفاقيات إقليمية أو عبر الأمم المتحدة. 4. استخدام الضغط الإعلامي والسياسي لتسليط الضوء على الانتهاك ومنع محاولات التغطية عليه. إن قصف إسرائيل لمقر في الدوحة يمثل ليس فقط اعتداءً على قطر، بل رسالة سلبية لكل الدول الساعية إلى الوساطة وإيجاد حلول سلمية للصراعات، لذلك، فإن الرد الدولي يجب أن يكون على مستوى خطورة الحدث، عبر مساءلة واضحة لإسرائيل وتفعيل أدوات الردع، ضماناً لعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات وحماية لمساعي السلام في المنطقة.
732
| 14 سبتمبر 2025