رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مها الغيث

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

228

مها الغيث

الإباء في سيرة أسير فلسطيني

21 أغسطس 2025 , 01:42ص

لا ينفك أدب السجون يثير من أمشاج المشاعر الإنسانية، إزاء ما يكشف عنه من صنوف ظلم وعنف وقهر وتعذيب وتقتيل تجري في غياهبها، ما يجعله الأصعب ضمن ما عداه من الأعمال الأدبية، وكأنه التصنيف الذي أحاط نفسه بأسلاك من رعب شائكة تحذّر القارئ من الاقتراب! فكيف إذا اجتمع بالنضال الفلسطيني؟! 

ففي سجون الاحتلال، يمضي الكاتب والصحفي الفلسطيني والمساعد الأكاديمي في جامعة بيرزيت (علي جرادات 1955) أسيراً لمدة أربعة عشر عاماً، متقطعة من خلال ستة اعتقالات، لا سيما تلك التي تُعرف بـ (الاعتقال الإداري)، أي بلا تهمة واضحة، ولا محاكمة قضائية، ولا محامي دفاع.. بل بملفات ودلائل سرية يحوط بها ضباط الاحتلال الإسرائيلي، وبمراوغة مع الأسير لا تكل ولا تمل، وذلك للاعتراف بما لا علم له به، فضلاً عن جلسات التعذيب التي يتعارك في وحشيتها القسوة والدناءة، وسيل الإهانات العابرة، وفي خارجه، حيث المطاردة إثر التخفي والإقامة الجبرية، وترويع الأهل بالأطفال والشيوخ معاً.. إضافة إلى الكثير من النماذج الفلسطينية من نساء ورجال التي رسخت مع صاحب هذه التجربة، أسطورة الفلسطيني الذي لا يُقهر.. والذي قال (في معرض النص): «نحن الأحرار الطليقين في الإنسان».

ومع بداية هذه السيرة الذاتية الصادرة عن (مؤسسة الدراسات الفلسطينية) والتي تجسّد الإباء في عنوانها (لست وحدك: ذاكرة حرية تتدفق)، وتردد أصداؤه بين أقبية الزنازين، يطمئن الأسير السابق كل سجين - وقد انصهر في الجماعة حسب تعبيره- بقوله «لست وحدك وأنت السجين من أجل حرية فلسطين». فيسرد عدد من أولئك الذين بذلوا أرواحهم فداءً للوطن: كما في (سجن عكا الانتدابي) وليلة إعدام الجد عوض، و(باستيل عسقلان) الذي احتضن عبدالقادر أبو الفحم كأول شهيد (معارك الأمعاء الخاوية)، وسجن غزة الذي استشهد فيه (غيفارا غزة) وأولئك الذين كانوا يحكمون غزة ليلاً بينما يحكمها المحتل نهاراً، و(سجن الرؤوس الحامية) الذي تمرّد فيها علي الجعفري وراسم حلاوة وإسحق مراغة على (التغذية القسرية) لكسر إضرابهم حتى استشهادهم، و(سجن بئر السبع) الذي تسرح فيه روح ميسرة أبو حمدية الذي كابد شاباً السجن ثم المنفى ثم الحكم المؤبد، وفي سجن (نفي ترتسيا) للبنات الذي حفر على جدرانه أسماء أولى المناضلات اللاتي أنجبن جيلاً كاملاً من المناضلين. تتقاطع أخبار هؤلاء الذين لم يكونوا وحدهم، مع الأسير السابق الذي تصف محطات تجربته الطويلة مشيج تلك المشاعر المتصارعة بين ضيق الأسر بوحشيته، وسعة النفس الأبية رحب الأفق. فتأتي المحطة الأولى بعنوان (المواجهة الأولى تزرع بذرة وعي وطني)، تليها (التنكيل بوالدي يسرّع خيار النضال)، ثم (أنت لست إنساناً)، حتى تأتي محطة (من الزنزانة إلى الإقامة الجبرية) التي أسهب فيها الأسير بحديث عن الخيار بين الاعتراف أو الموت، وفنون التعذيب، ووعود المناضلين بالثأر... وغيرها الكثير، حتى ينتهي بمحطة (ليلة فرّ فيها الموت).

أما عنه، وقد تزوج (سلوى) وأنجب (سجى) و(باسل)، فيسترجع أحداث الاعتقال الأول الذي تم في ليلة الخامس عشر من أغسطس عام 1976 ووالدته تحضّه على تناول العنب بينما لم يكن جائعاً حينها، وقد كان عائداً من الشام يمضي عطلته الجامعية بين أهله! فبعد أن تمدد في فراشه يطالع صفحات من رواية (البؤساء) وإذا بالطرق على باب الدار ينهال، وضوء الكشافات تملؤه، والجنود يتدافعون إلى داخله ويحشرون أفراد العائلة في زاوية، ويأمرونه بارتداء ملابسه في التو قبل أن يكبلّوا يديه إلى الوراء ويمضون به نحو المجهول. يتذكر حينها كلمات والديه معاً بعد أن ودعهما قائلاً «مع السلامة»: «الله معك، دير بالك ع حالك، خليك صامد».. وهي الكلمات التي جاءت بمثابة زاد منعه من الضعف والاستجداء، كما منعهما هما أيضاً، ككافة آباء فلسطين وأمهاتهم «وكأنهم قدّوا الصبر والبطولة من جبال البلد التي تملؤها حقول العطاء»، يجودون على الوطن بما لديهم بلا ثمن، وعلى الرغم من أحزانهم التي يكتمونها عند اعتقال فلذات أبنائهم أو استشهادهم، فإن أب المعتقل يجهر ويفخر بخيار ابنه البطل، أما أم الشهيد فتزغرد كما وأنها في حالة فرح.

ومن السيرة التي جمعت بين نقيضي المعادلة: أسير أعزل إلا من عزيمة لا تلين، وجندي مدجج بسلاح وعنجهية ومنظومة حرب متكاملة، يقول الأسير السابق في خاتمة حديثه وهو يشيد بالجيل الجديد الذي تصدّر ميادين النضال وسجّل البطولات، وحيث إن الفئة العمرية للأسرى الجدد تغلّب عليها فئة الشباب من ذكور وإناث: «أن جيل جديد مبدع، هو ابن عصره، ومفعم بآمال وأحلام لا حدود لها، وتملؤه العزيمة والجسارة والروح النقدية العالية، وتحركه إرادة فتية فوارة، إنه الجيل الذي يمثل أمل الشعب الفلسطيني ومستقبله ونضاله الوطني الدفاعي التحرري الذي بمعزل عن تغيّر أشكاله وتبدل رايته، وتقلبات وتيرته، صعوداً وهبوطاً، لم ينقطع ولن ينقطع، بما يقتضيه من سجن، مصداقاً للنبوءة التي أطلقها القائد الوطني الكبير الشهيد عبد القادر الحسيني عشية النكبة: سيقاتل الشعب الفلسطيني، جيلاً بعد جيل، حتى تحرير فلسطين».

اقرأ المزيد

alsharq ومضات لحياة سعيدة

خلال قراءتي لرسالة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله حول الوسائل المفيدة للحياة السعيدة أحببت مشاركتكم... اقرأ المزيد

93

| 07 نوفمبر 2025

alsharq لا مال بعد الموت

في زمنٍ أصبح المال فيه مقياسًا للهيبة، وميزانًا للقيمة، ضاعت كثيرٌ من المعاني النبيلة، وغابت عن الناس الحقيقة... اقرأ المزيد

117

| 07 نوفمبر 2025

alsharq اهتمام الآباء بتربية الأبناء

كل لحظة يقضيها الأب والأم مع أبنائهما اليوم هي استثمار في غدٍ مشرق، وفي شخصيات ستصون الأسرة والمجتمع.... اقرأ المزيد

39

| 07 نوفمبر 2025

مساحة إعلانية